12- الأول و الأخير



لم تبدو الدهشة على ماغي عندما علمت ان رالف سيأخذ كاترين الى حفلة في الامسية القادمة , وكانت مسرورة جدا.
وبما ان رالف طلب منها ان ترتدي ثيابا عادية , فقد اختارت بلوزة قطنية قصيرة الأكمان بلون براق وبنطلونا , وطوت شعرها الى جانب واحد, ووضعت الى الجانب الآخر زهرة حريرية بيضاء , وكانت حريصة , عندما وضعت الماكياج ان تخفي الشحوب الذي لا يزال باديا على وجهها , والظلال الخفيفة تحت عينيها.
وكانت ابتسامة رالف الدافئة , الإطراء الكافي لها عندما هبطت الدرج , واختار رالف معطفا هادئا للعشاء , وكالعادة , وجدت كاترين سهولة في التحدث اليه , وتنقل بهما الحديث في مختلف الاتجاهات بسهولة , وعاد اللون الطبيعي الى وجنتيها , والالتماع الى عينيها .
وشعرت كاترين بالتوتر فيما بعد , وهو يقودها صاعدان درجاً الى شقة تشع بالأنوار , ولو ضغطه المطمئن على يدها , لاستدارت هاربة.
بيري وجولي برايس , صاحبي المنزل , كانا مسرورين جداً بلقاء كاترين كما الأزواج الباقين من المدعوين , وطوال الأمسية لم يبتعد رالف من جانب كاترين وظل قلقاً على راحتها , حتى انها لم تدرك انها بدأت تتعب إلا بعد ان توجه بها نحو الباب وهو يودع الجميع وهما خارجان.
وقالت جولي بابتسامة حقيقية .
- عودي لزيارتنا يا كاترين , كنا نتمنى ان تبقي مدة اطول معنا, ولكن عليك الانتباه لصحتك , لابد انه شعور رائع لوجود من يعتني بك مثل رالف .. إنه شاب رائع .
- اجل...
ونظرت الى موضوع نقاشهما , وقد وضع كأسه على الطاولة واستدار نحو الامرأتين , الابتسامة التي استقرت على وجهه وهو ينظر الى كاترين وصلت حتى عينيه , ووضع ذراعه فوق كتفها وقال :
- شكراً لك على هذه الأمسية العظيمة ياجولي .منتديات ليلاس
- انت تعلم اننا نرحب بك دائماً.. واجلب معك كاترين ايضاً
- سأفعل ..
بعد دقائق من مغادرتهما وفي السيارة قالت كاترين :
- لقد احببت اصدقاءك يا رالف .
كان الجو قد اصبح بارداً , فخلع سترته , ولفها بها.
- لا استطيع تحمل ان تمرضي ثانية.
وضحك لها , وادركت كم من الرائع ان يرعاها.

طريقهما الى المنزل كان قصيراً , قضياه بصمت , وترك رالف سترته فوق كتفي كاترين وهما يسيران الى داخل المنزل , وعند نهاية السلم امسك ذراعها, ليوقفها , ووضع ذراعه حول خصرها وجذبها نحوه برقة وتمتم:
- انت امرأة جميلة ياكاتي , اظهري لي جمالك الداخلي , اجعليني احس بدفئك.
وعانقها بقوة وحرارة , وتصلبت كاترين قليلاً في البداية , ثم استرخت بين ذراعيه , واحست بأنها تذوب معه , تماماً كما شعرت منذ سبع سنوات , ولم ترد في تلك اللحظات اكثر من هذا منه , لابد انها تحبه كثيراً حتى تشعر بهذه المشاعر القوية, ام ان هذا كله وهم كما كان جدها دائماً يقول لها؟ وعاد التوتر الى عقلها , فرفعت يديها ودفعت رالف عنها .
- لا.. لا استطيع !
وتنفس رالف بغضب ولكنه لم يتركها .
- انا اريدك يا كاتي .. لا استطيع التفكير الآن بأي شيء قد احبه اكثر من استيقظ في الصباح لأجدك نائمة بين ذراعي , ولكن شيئاً مايبقيك بعيدة عني , وانا اعلم انك ترغبين بي بنفس القدر الذي ارغبك فيه , كل هذا لن يسبب لنا سوى ألم لن نستطيع تجنبه , واتمنى لو انني فظ عديم الضمير بما فيه الكفاية لأحملك الآن بين ذراعي , وينتهي كل شيء , ولكنني لست مجنوناً الى هذا الحد , اريدك ان تأتي إلي بمحض إرادتك.. تصبحين على خير يا كاتي .منتديات ليلاس
وتوجه فوراً الى الدرج الذي يقوده الى الطابق الثالث. وبينما كانت كاترين تخلع ثيابها اخذت تفكر بكلمات رالف , إنها تريده , ولكنها تريد اكثر من هذا , تريد ان يقو لها إنه يحبها .. وليس فقط إنه يريدها.
منتديات ليلاس
من حسن حظها انه كان امامها الكثير من المراسلات لتنهيها ولتبقيها مشغولة لجزء كبير من اليوم التالي , ولم تشاهد رالف إلا وقت العشاء فحياها وكأن شيئاً لم يجر بينهما.
وغادرت ماغي المنزل لتلعب البريدج عند بعض الأصدقاء , وبعد صمت قصير وغير مريح , توجه رالف وكاترين الى غرفة المطالعة, وادارت كاترين الستيريو , واختارت محطة تذيع الموسيقى الناعمة ثم جلست على الاريكة , وتقدم رالف نحوها وقال:
- هل لي شرف هذه الرقصة آنسة ويزدوم؟
صوته كارن رزيناً بشكل غريب , وهزت رأسها , ثم وقفت وتركته يمسكها بين يديه , بعد هذه المدة , اصبح الشعور بجسد رالف الى قربها امراً مألوفاً , وبالكاد تحركا من مكانهما وهما يتمايلان على صوت الموسيقى الناعمة .
- لست ادري اذا كان بإمكاني تحمل هذا اكثر , انت تدفعيني الى الجنون , وانت حتى لا تعرفين كيف اشعر تجاهك .
- انت لا ترغب سوى بعلاقة معي .. تماماً كما كنت منذ سبع سنوات .. ثم ستنساني.. كما نسيت كل النساء في حياتك , وكل ما سأكون عليه نزوة عابرة , وربما صفحة من احد كتبك , ولكن الفارق الوحيد بيني وبين بعض النساء الاخريات هو انني سببت لك ملاحقة طول لي.ريحانة
ودفعها رالف بقسوة عنه وادار لها ظهره , وهو يمرر اصابعه المرتجفة بين خصلات شعره .
- لست ادري كيف حدث لك هذا , ولكنك خلال السبع سنوات قفلت الباب على كل مشاعرك , انت لم تعودي تلك الفتاة التي كنت حبها عند ذلك الشاطئ .. لقد اصبحت امرأة جميلة , فيها كل المشاعر, ومع ذلك لا استطيع الوصول اليك .. انت مجرد صدفة مغلقة.

- لقد اعتقدت يومها انك تعبث معي , وانك عندما تكتشف عمري الحقيقي ستقرر انني لا استأهل المشاكل , ولذا تألمت , وكل مافكرت به انه اخفى ألمي عن الدنيا كلها.
- انا احبك يا كاتي , ولكن لا يبدو انك تبادليني هذا الحب , او لا تعرفين كيف تبادليني إياه .. لذا فسأغادر هذا المكان , لا اعلم , ربما مع الوقت قد تتغير مشاعرك نحوي .. ولكنني لا استطيع انتظار هذا , لأنها لو لم تتغير , فلا انوي ان اكون هنا لكي لا نصاب بالإحراج .. كلينا . واشعر انني لن اتحمل هذا الانتظار , اعلم انك قد تتجاوبين معي , ولكنني اريد اكثر منك , اريدك كلك ودفعة واحد , جسدياً وعاطفياً , اريد اطفالاً , حياة لنا , كل الاشياء , واخشى ان تكوني غير مستعدة لكل هذا .. لذا سأسافر في الصباح .. وداعاً يا كاتي .
وغادر الغرفة مسرعاً .
وبقيت لوحدها , وغرقت في اقرب كرسي منها .. كيف تستطيع وصف مشاعرها نحوه في وقت هي لا تفهمها؟ ولم تدرك كم مضى عليها من وقت وهي جالسة هناك , غارقة في افكارها , وشعرت بالتعب , فوقفت ثم مشت متثاقلة الى غرفتها.ريحانة
منتديات ليلاس
حركات كاترين كانت بشكل آلي وهي تخلع ملابسها , وترتدي غلالة نوم قطنية , ومشطت شعرها وتركته ينسدل كالحرير على كتفيها , وحدقت بطيفها في المرآة , وعاد فكرها الى الكلمات التي قالها رالف مرة:
( سأكون الرجل الوحيد في حياتك ) وترددت صدى كلماته في رأسها , إنه على حق , وهمست لنفسها ( انا احبه .. انا فعلاً احب رالف ..) واضاء وجهها وهي تردد الكلمات نفسها , الحب الذي شعرت به طوال هذه المدة له يزهر الآن ليصبح شعوراً دافئاً غمر جسدها كله.
- آه رالف!
ووقعت فرشاتها على الطاولة وهي تركض خارجة من الغرفة , حتى انها لم تضع عليها الروب , وصعدت الدرج طائرة لتطرق باب غرفته :
- رالف .. اوه رالف .. ارجوك دعني ادخل .
وفتح الباب تحت ضغط يديها , وحدقت في الغرفة الصامتة , ودخلت مترددة وهي تتطلع في الظلام.
- رالف؟
صوتها المرتجف اصبح متردداً , مامن رد.. واعطتها الغرفة شعوراً بالفراغ , ثم عرفت , لقد ذهب رالف .
وفي الوقت الذي تعودت عيناها الظلمة , وجدت كرسياً فجلست عليه وقد كورت نفسها , غارقة في بؤسها , وبدأت الدموع تتدفق ببطء على وجهها, لقد اطالت الانتظار , واكتشفت اخيراً كم كانت تحب رالف بعمق , وهاقد فات الأوان لتقول له ذلك , على الأرجح انه قرر ان يغادر المنزل فوراً بدل الانتظار الى الصباح , وهي لا تعلم اين ذهب , ودفنت وجهها بين يدها وهي لا تزال تنتحب .
- ماذا هناك..
ونظرت الى الأعلى لتجد رالف مرتدياً روباً قصيراً , وساقاه عاريتان , يقف عند الباب وهو يمسك بكأس شراب في يده.
- انا.. انا .. لقد اعتقدت انك ذهبت .
وبدا صوتها ضائعاً ويائساً.

في الضوء الخافت كان صعباً عليها ان ترى التغيير في تعبيرات وجه رالف .
- لم استطع ان أنام , فخرجت لأحضر كوب شراب من الطابق السفلي .. هل اردتي رؤيتي لشيء ما؟
- أنا..
- ما الأمر يا كاتي؟
وراقبها من خلال عينين ضيقتين , هذا شيء يجب ان تفعله بنفسها دون مساعدته , وشعرت كاترين بأن عينيها قد امتلأتا بالمزيد من الدموع الحارة , وحاولت قدر طاقتها , ولكن الكلمات رفضت ان تخرج منها , ما الفائدة ؟ ومايدريها إن رالف لا يزال يريدها ؟ وتكورت كتفاها وهي تخرج من الكرسي واستدارت , تهز رأسها وهي تسير نحو الباب
- انا آسفة .. لقد ازعجتك .. تمتع برحلتك.
وقبل ان تخطو خطوة واحدة , امسك بذراعيها , ووجدت نفسها في عناق قوي بين ذراعيه , وتمتم رالف بزفرة قوية دافناً وجهه في شعرها :
- اوه يا كاتي .. ماذا سأفعل بك؟
منتديات ليلاس
وهزت رأسها بصمت والدموع مستمرة في التدفق على خديها , وشعرت ببرودة الهواء , واخذ رالف يفرك يده على ظهرها.
- انت بردانة , كان يجب ان ترتدي الروب , يا إلهي يا كاتي .. انت لا ترتدين شيئاً!
وقبل ان تجيب رفعها بين ذراعيه وحملها الى داخل غرفته , حيت وضعها على السرير , وبعد ان وضعها داخل الأغطية الدافئة , جلس امامها , مبقياً يديها الباردتين ما بين يديه الدافئتين .
- ماذا تحاولين ان تقولي لي ياكاترين ؟
- ربما سيكون من الأسهل ان اشرح لك شيئاً , عندما قتل والداي . شعر والد امي ان من واجبه تربيتي بشكل لائق . والدي كان يتيماً, لذا لم يكن هناك من يحتج , وجدتي كانت قد توفيت عندما ولدت امي , لذا لم يكن هناك من يعلمه الرقة معي , ونظر جدي الى تربيتي كواجب اكثر منه سعادة لوجود كيان من ابنته معه اطعمني .. و ألبسني ماهو لائق , وعلمني تعليماً جيداً , ولكن عندما كنت انجح في المدرسة لم اكن اتلقى المكافأة المناسبة , كل ماكان يقوله ان عليّ ان اعمل بجهد اكثر , وعندما كبرت قال لي بكل برود ان علي ان احذر , لأنني جميلة جداً , وقد يحاول الشبان استغلالي لإرضاء رغباتهم.
واشتدت قبضة رالف على يديها وهو يتنفس بصعوبة بينما تابعت كاترين كلامها:
- وبعد ان تركتني , ظل يتهمني بأنني استسلمت لك , وأصرّ على ان لا تتاح لي فرصة اخرى حتى اقترب من أي رجل .
وتلاشى صوتها .. هل سيتمكن رالف ان يفهم لماذا كان من الصعب عليها ان تطلق عواطفها بعد كل الذي حدث لها؟
- مات جدي منذ حوالي السنة, واصبحت وحيدة, وليس لديّ ادنى فكرة عما يجب ان افعله في حياتي, وبعد سماعها بوفاته , اتصلت بي بيتي , قائلة إنها سمعت عن وظيفة خالية عند صديقة لأمها , وهكذا عملت مع ماغي , وللمرة الأولى اظهر لي إنسان الدفء والحب .ريحانة
وتهدج صوتها .. ولم تستطع ان تكمل.