الفصل الأول


- صباح الخير يا آنسة بيبا . استمتطين هذا الجواد الصغير ؟ كوني حذرة فهو نشيط اكثر من اللازم اليوم, هل تريدين المساعدة في وضع السرج عليه؟
اجابت بيبا بابتسامة لطيفة:
-شكراً ياميلر استطيع تدبر امري.ريحانة
تقع الاسطبلات الى جانب المنزل بعضها قد حول الى موقف للسيارات منذ زمن بعيد والبعض الآخر بقي لسكن الجواد الرائع فيوري الذي يخص بيبا وفرس آخر رمادي اللون توقف عن العمل منذ عدة سنوات لانه اصبح مسناً وعاش حياة هادئة بين الحظيرة الدافئة والحقول الواقعة بمحاذاة الممر.
كان ميلر يقوم بمعظم المهام الصعبة في الاسطبلات هذا بالإضافة الى الاهتمام بالحدائق , اخرج ميلر ذلك الصباح الحصانين من الاسطبل حيث اتكأت بيبا على الباب تناديهما بنعومة.منتديات ليلاس
قفز الحصانان بسرور راجين ان تكون بيبا قد جلبت لهما بعض الطعام .
ربتت بيبا على عنق فيوري بينما كان يأكل من التفاحة التي في يدها , فقالت :
- أيها الشره , ألا تستطيع ان تكون مهذباً وانت تأكل.

داعب الحصان المنذهل كتفها معتذراً عما بدر منه من عندما رفعت رأسها وقعت عيناها على شاب طويل القامة يرتدي الجينز وسترة زرقاء ولكنها لم ترتعب لضخامته.
- بالطبع سيطردك والدي او الجنائني.
كانت الأشواك قد مزقت سترتها الحرير , انحنى لمساعدتها ونظر اليها بكثير من السخرية والوقاحة, لكنها عندما وقفت تأكدت من طول قامته وشعره البني المتلألئ تحت ضوء الشمس وعظام وجهه الشبيهة بجدها, لكن سرعان ماتذكرت انه ليس لغراميس اقرباء إذ لم يزره احد في حياته ولربما بعد وفاته بدأ الجميع يطمع بإرثه, تابع نظرته الساخرة متفحصاً سترتها الحريرية الممزقة.
- اعتقد انك بيبا الصغيرة؟ قال بتكاسل واعتقدت في البداية انه اميريكي او ربما كندي , ولكن كيف عرفت من تكون؟
اجابت بشك :
- نعم , ولكن كيف عرفتني ؟ فلم يسبق لنا وتعارفنا.
- كلا لم نتعارف ولكنك تشبهين جدتك لحد بعيد.
وبالرغم من انه لم يقصد مدحها, اعتبرت بيبا ملاحظته اطراء فشكرته .
- من تكون انت؟
- أحقاً لا تعلمين؟
اجابت بحدة :
- طبعاً , فلو انني اعرف لما سألت.
منتديات ليلاس
ضحك بسخرية وقال:
- انت بغيضة, ألم يحاول احد ترويضك؟
اجابته بنفس لهجته الساخرة:
- لقد حاول الكثيرون لكنهم لم يفلحوا.
- ليس بعد يا آنسة.
ماقاله كان بمثابة تهديد ووعد في نفس الوقت , فشعرت بالغيظ الشديد منه وانحنت فوق فيوري تشغل نفسها به ومتسائلة كيف يجرؤ على مخاطبتها بهذه الطريقة , فلم يسبق لاحد ان عاملها بهذه الفظاظة من قبل.منتديات ليلاس
- يبدو ان حصانك لم يتأذى, ماذا عنك, هل هناك أي جروح؟
- كلا, لا شيء شكراً.
قال وابتسامة الساخرة لا تفارق وجهه:
- أنا مسرور لذلك , سأساعدك في امتطاء حصانك.
فكرت بيبا بأنها اذا لم تقبل مساعدته فلن تستطيع امتطاء فيوري وعليها ان تعود الى الحضيرة مشياً , ولكن على كل حال فهو لن يلمس سوى قدمها , ولما فتح يديه , لاحظت كتفيه العريضين وشعره الناعم , فجف حلقها وتساءلت عما اذ كانت قد التقت بمثل هذا الشاب في حياتها ولكنها سرعان مااقنعت نفسها بالرفض من امكانية تأثيره عليها وعندما وضعت يدها على كتفه شعرت بحرارة قوية تنساب في داخلها .منتديات ليلاس
مر بيده فوق عنق فيوري وقال :
- حصان جميل ولكن أليس قوياً بالنسبة لك؟
اجابت بفخر :
- لا ابداً , استطيع تدبر أمره جيداً , فيوري يقفز برشاقة , اصيل ويتحدر من اهم سلالة في المنطقة والتي كانت تكرس للصيد.

-كان من المتوقع ان تهتم واحدة مثلك بهذا النوع من الجياد.
ارادت بيبا القول بأنه مخطئ في تقديره , فلطالما تشاجرت مع اهلها بسبب هذه الرياضة الوحشية ولكنها لم تشأ اطالة النقاش مع هذا الرجل.ريحانة
حركت كتفيها دون مبالاة وقالت :
- لا يهمني رأيك على الاطلاق .
ضحك ضحكة ساخرة وقال :
- لا أتوقع ذلك . فأنت واحدة من الكوربت وهذا مايجعلك غير مبالية لأي رأي آخر.
قالت بازدراء وبعجرفة :
- ماذا تعرف عن أهلي؟
- اعرف الكثير مما قد يدهشك .
اضافت بيبا بلا مبالاة وقررت ألا تبدي اهتماماً ما إذا عرف عن نفسه:
- هل تعتقد ذلك؟
- قولي لي اتشمئزين مني لأنني لم اتعلم في مدرسة راقية او بسبب لهجتي الغريبة.منتديات ليلاس
نظرت اليه ببرودة شديدة وقالت :
- ولماذا يهمك الأمر؟
- آه.. أود ان اتأكد من اني لم افقد رونقي . قال ذلك وقد لمعت عيناه بسخرية.
منتديات ليلاس
اجابت بسخرية تماثل سخريته :
- أنا متأكدة من انها ستكون تجربة جديدة بالنسبة لك فمن الواضح ان كل من تعرفت عليه من نساء اعجبن بك منذ النظرة الأولى.
- ليس تماماً , لكني كنت احصل على ما أريد بسرعة واتساءل كم من الوقت سيطلبني امرك .
امسك لجام فيوري مانعاً بيبا من الهرب فخفق قلبها بسرعة وحاولت تحاشي النظر في عينيه.ريحانة
- لو كنت مكانك لما أضعت وقتي , فأنت لست من الصنف الذي يعجبني .
ابتسم ببطء وعلق بالقول :
- عليك ايتها الطفلة ان تتعلمي كيفية معاملة رجل مثلي , فقد يصبح الأمر لا يقاوم.
- لا تنادينني بالطفلة وأبعد يدك عن حصاني.
- مايبدو لي هو العكس تماماً, يجب ان أضع يدي على حصانك .
- حسناً ولكنه لن يكون ملكك.
- سوف ترى, الى اللقاء الآن.
تركها بينما نظراته الساخرة ملأتها غيظاً ولم تشعر كيف اندفعت بفيوري بسرعة فقفز عالياً ولكن سرعان ماتمالكت اعصابها وأعادته الى هدوئه.
فصرخ عالياً :
- أراك لاحقاً.
- هذا إذا رأيتك اولاً.
- يالك بعوضة! لقد توقعتك شيئاً افضل.
وبعد ان ان هدأت تذكرت انه لم يعرف عن نفسه , وتذكرت ان لغرامبس شقيق واحد لم ينجب اولاداً , وقد توفي في الحرب العالمية الاولى, تساءلت بيبا كم من الذئاب سينقضون عليهم للسؤال عن ماتركه جدها من املاك لكنها لم تدع هذه الفكرة تنغص عليها نزهتها , فأكملت طريقها مع فيوري محاولة الاستمتاع بالطقس المنعش والطبيعة الخلابة.
دامت نزهتهما لاكثر من ساعة محاولة التخفيف عن نفسها كي تستطيع حضور مراسم دفن غرامبس , اعادت فيوري الى باحة الاسطبلات وتركته يلهو مع ليدي لبقية النهار, ثم عادت الى البيت لتستحم ولتجهز نفسها.

عندما نزلت الى المكتبة سمعت صوت والدها يتحدث مع المحامي غيبون .
- ارجوك لا تكون حازماً وراجع الأوراق فلابد من وجود وصية ما.
- أنا آسف سيد تشارلز ولكن حاولت جاهداً إقناع السيد غراميس بكتابة الوصية , لكنه لم يقتنع حتى اعتقدته يتعامل مع محام آخر ولكن بعد البحث والتدقيق اكتشفت ان زوج والدتك لم يفعل ذلك ولا مع أي محام آخر.
- ذلك العجوز الغبي اراد على سابق تصور وتصميم ترك كل شيء في فوضى عارمة , ولكن سيكون بامكانك ان تجني بعض المال ياسيدي المحامي لو حاولت تسوية الأمر , هل التركة ستؤول بأكملها الى العائلة النبيلة.
- كلا ياسيد تشارلز فستجري الامور تبعاً للأحكام القانونية وستوزع ايضاً تبعاً لما ينصه القانون.
وعندما اقتربت بيبا اكثر تمكنت من رؤية ذلك الرجل الذي يجلس على الكرسي خلف الباب فتعجبت وتساءلت كيف ان والدها يسمح له بالدخول , لكنها اختبأت لتسمع بقية الحديث .منتديات ليلاس
منتديات ليلاس
- سيد تشارلز في حال عدم وجود وصية تعود التركة للأولاد .
- حسناً.
- ولكن عفوا سيدي , اقصد الأولاد الشرعيين وليس أولاد الزوجة إلا اذا كان هناك تسجيل شرعي للأولاد.
- تبا , لم اسمع بمثل هذا الشيء من قبل.
ادركت بيبا الآن من يكون ذلك الغريب ولم تعد تعجب لذلك التشابه بغراميس , ولكن هل كانت تعرف جدتها بأمره؟
- إذا كنت تعتقد بأنك ستحصل على كل شيء فالموت أقرب لك, صاح السيد تشارلز بالرجل الجالس على الكرسي ببرودة اعصاب.منتديات ليلاس
لكن الرجل اجاب بهدوء شديد:
- رويداً , فمثل هذه الامور تسوى في المحكمة ومن الواضح انك لاتفهم أي شيء فيما يختص بالقانون الانكليزي.
- حسناً , ولكن عليك ان تبرهن انك ابن غراميس في المحكمة ولن يكون هذا سهلاً .
- لقد سجلني والدي قانونياً ومنحني اسمه منذ ساعة ولادتي .
- هذا لا يعني شيئاً , فكونه قد اعطاك اسمه وانت مجهول الوالدة لن يفيد بشيء.
وبدأ يتحرك في كرسيه بتوتر , ثم قال نبرة غاضبة :
- ولو انني لا املك هذا المنزل لقذفتك أرضاً ولكني لا اريد تحطيم مافيه , واذا كنت لاتريدني ان احطمك في الخارج , اقترح عليك ان تحزم امتعتك وتأخذ مايحق لك قانونياً ثم ترحل .منتديات ليلاس
احست بيبا بالخوف من جراء ماقاله والدها , وفكرت بأنها لن تترك هذا الشاب الغريب ينال مايريده بكل هدوء.

- عذراً سيد غيبون ...
واستدار يواجه والدها وهو يتابع:
- عليّ ان أرحل قبل ان ارتكب شيئاً أحمق اندم عليه.
لم تستطع بيبا الابتعاد عن الباب في الوقت المناسب, إذ انه خرج مسرعاً ومرّ بمحاذاتها وهو يرمقها بنظرة باردة مزدردة.
جلس والدها متهالكاً على الكرسي وقالت متوعداً:
- سأحاربه حتى آخر دقيقة فلابد ان يكون هناك شيئا بأمكاننا فعله.
اجابه المحامي موضحاً :
- اخشى ان يكون من المستحيل ذلك فليس للمحكمة أي نية في تغيير قانونها إلا إذا كان المدعي بحاجة ماسة الى المال وهذا ايضاً لن يساعده كثيراً فلن يحصل إلا على مبلغ بسيط لسد حاجاته اليومية.منتديات ليلاس
قال السيد تشارلز عن ذلك :
- حسناً . حسناً .. دعني من هذا الهراء, انه يعتقد بأن تسوية هذا الأمر سهل جداً, سأرى محام في لندن فلابد من وجود حل ما.
- عفواً سيد تشارلز ولكنني أؤكد لك ان ...
توقف عن الكلام عندما فتح الباب فجأة ودخلت منه هيلينا زوجة تشارلز بأناقتها المعتادة :
- آه ..أنا آسفة يازوجي العزيز, اعتقدت ان السيد غيبون قد خرج واتيت لأستطلع سبب الأصوات المرتفعة.
- لقد رحل , ادخلي ارجوك , اعتقد انه سيحصل على كل شيء.
- كل شيء , اتقصد ان هذا الشاب سيأخذ كل ماتركه غرامبس ولن يترك لنا شيئاً؟
- لم يترك غرامبس أي وصية , وحسب القانون سيحصل هذا على كل شيء تقريباً.
- لكن لماذا فعل ذلك. فلطالما اعتنيت به في السنوات الأخيرة وعندما فكرت بإدخاله بيت المسنين طردت الفكرة من رأسي وقررت ان ابقيه هنا.منتديات ليلاس
منتديات ليلاس
- كنت أتوقع منه شيئاً مماثلاً, ياله من عجوز ناكر للجميل ولكنني سعيد لأن والدتي ليست على قيد الحياة لترى مافعل , فلطالما عانت من وقاحته.
- لو انني كنت اعرف تلك المرأة التي احبها , وانجب منها هذا اللئيم, ما كان حصل كل ذلك.
نظرت بيبا الى والديها واحست بأنها ستعمل كل مافي وسعها لمساندتهما فقط لتربح البيت وتهزم ذاك الشاب الوقح.
خطت بيبا نحو داخل الغرفة وقالت:
- مرحباً.
استدار والدها مندهشاً حين سمع صوتها وقال لها :
- اعتقدت تمتطين الجواد في الخارج.
- عدت منذ لحظات , ولكن من يكون هذا الشاب فلم أره سابقاً.ريحانة
نظرت اليها والدتها بعطف واجابت:
- لو كنت موجودة هنا وسمعت ماقاله لعرفته, والدته كانت سكرتيرة جدك ولا اعرف كم مضى على علاقتهما فقد كان في الخمسين من عمره عندما انجب هذا الشاب.
- وماذا حصل للمرأة؟
اجابها والدها :
- لقد اعتنى بها جدك جيداً قبل مماتها , اي من منذخمسة عشر عاماً , وبعدها سافر شوان الى كندا , اعتقد اننا لن نراه ابداً لكنه عاد ليحرمنا من التركة.
لقد راقها اسم شوان , لابد انه في الخامسة والثلاثين اذا ماولد عندما كان جورج في الخمسين, لقد ورث البيت والشركة وكل ماتركه والده تماماً كما اراد.
ستشعر بيبا بالأسف لتركها كليرمونت , ذلك البيت الجميل الذي ترعرعت بين جدرانه الرخامية وحدائقه الواسعة , لكنها ارادت ان ترى والدها منكسراً اذ انه لا يستحق قرشاً من اموال مورغن الذي لم يلق المعاملة الحسنة من والديها , وتأسفت بيبا على معاملتها السيئة لشوان ولكن الوقت مازال امامها وباستطاعتها تهدئة الأمور وكسب وده.