لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (15) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-03-13, 11:16 PM   1 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 76
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (76)



رتيل تجمدَت أقدامها من كلماته التي تُشبه تمامًا ما قاله في تلك الليلة التي أتى بها كخيالٍ مُحرَض، تراجعت للخلف والرجفة تسكُن أطرافها، أقترب منها ليشدَها بقوَة ناحيته وبوعِيد : تحمَلي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشَة والدمعُ يصعدُ مجرى الكلماتِ إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبَتها بكتفيْها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . .
هذه الصرخة التي من شأنها أن تستثير غضبًا فوق غضبه، و حُزنًا يغصَ بما يحصل بحياته.
كيف للقسوة أن تتراكم بعينيْك وأنا أستدلُ بها؟ كيف لها أن تُقمعني بهذه الهيئة وأنا أرى نفسي كلما نظرت إليْك!
تضببت رؤيتها من البكاء الضيَق في زوايا محاجرها، كتم أنفاسها بكفَه وهو يحفرُ أصابعها بملامحها، شعَرت بأن فكيَها يتكسرَان، تذوب بقبضةِ يدِه وهو يحاول أن لا يسمع صوتها، هذا الصوتُ الذي يرتَد صداه بقلبه ولا يندثِر.
نزلت دمعتها من نبرتها التي تختنق بداخلها ولا تخرج، أخذت شهيق ومات الزفيرُ بقلبها، نظرت إليْه بنظراتٍ قتلت كل جزء فيه، نظراتُها التي أتت أقسى من التجاوز و اللامبالاة، زادت ضغط أصابع كفيَها المتمسكتيْن بصدرِه حتى تقاومه، كانت تقاومه بكفيَها ونظراتها، هذه النظرات التي تأتِ بأحيانٍ كثيرة أقوى من الأفعال.
كان هائِلاً، شاهِقًا، أشعرُ بأن العالم بأكمله فوقي ولست وحدَك يا عزيز، أشعرُ وكأن الدُنيا بمصائبها تتواطىء معَك لتُحرق قلبي! لو كانت عينيْك أقلُ قسوة ، لو كانت خُطاك أقلُ بعثرة لو كانت ملامحك أقلُ سمرَة، لتجاوزتُك! ولكنَك كنت ما لا أشَاء وما لا يحتملهُ قلبي، كيف تفعل هذا بإمرأة ظفَرت قوانين هذه الدنيَا ووضعتها خلف ظهرها من أجلك؟ كيف تفعلُ هذا بإمرأة تجاوزت أفعالك بالشتائم التي كانت تعني " أحبك " بهيئةٍ مبطنة، كيف تفعلُ هذا بإمرأة منعها خجلها في كل مرَة من المصارحة، كل شيء يتعلقُ بنا كان حجَة، حجَة لقول الحُب وفعل الحُب وكل الحُب، قاسٍ أكثرُ مما أظن، أنا التي أثقُ بعينيْك أكثرُ من كل شيء، أثقُ بقُدرتك على خيانتي بكل ماهو بمتناول قلبك ولكن عينيْك لا تخون! عينيْك لا تفعل بي هذا! أتركني بسلام! كان واضحًا أننا سننتهي بطريقيْن منفصليْن، ولكن لا تفعل كل هذا حتى أكرهك! لا تفعل يا عزيز من أجل بريق الحُب الذي لمع في عينيْك ذات مرَة، لا تفعل من أجل " أحبك " التي لم نتجرأ أن نقولها لبعضنا بطريقةٍ ناعمة.
أرخى قبضته على شفتيْها، نظر لعينيْها التي تتوهَج بالدمع، ويدَها التي تلامس صدرِه حتى تُبعده، ذبلت كفَاها حتى سقطت بمستوى موازٍ لجسدِها، أبعدت ملامحها للجهةِ الأخرى، أبعدت نظراتها عنه حتى لا تراه، ببحَة نزف بها بكاءَها : أتركني . . . اتركني
مالذي يمنعني عنك؟ كنت قريبًا جدًا من أن أُهينك بأكثر الأشياء ذلاً لإمرأة مُدللة مثلك! أنا أتوقف عن إهانتك في كل مرَة أنوي بها أن أروَضك ذُلاً، كيف تكونين بهذه الثقة المؤذيَة، كيف يأتِ صوتِك واثقًا في كلماتِك المهتَزة " أنا وقلبك نمنعك يا عبدالعزيز "، وكيف يخيب صوتِي في كل مرَة أقول " ما عاد لقلبي قرار! "، ضعنا هذا ما أنا واثقٌ منه، في كل مرَة يا رتيل أحاول أن أنسلخ من مبادئي أجدني في عرض هذه المبادئ تحديدًا في عينيْك التي تُهذَب كل أمرٍ أنويه، لو أنكِ لا تنظرين ليْ بهذه النظرات لأستطعت أن أفعل بكِ كل ما نويتُه، ولكنكِ تملكين عينيْن تُجسَد الأفعال بصورةٍ حادَة.
أبتعد عنها بعُقدة حاجبيْه ليقف بثباتٍ دُون أن يلتفت إليْها، دفنت وجهها في الوسادة لتجهش ببكاءها وهي تحضنُ نفسها بذراعيْها الناعمتيْن و آثارُ قبضتِه مازالت على ملامحها الباكيَة.
صوتُ بكاءها يرنَ صداه في جسدِه الذي مازال يقمع محاولات قلبه بالإلتفات عليها، نظر لقميصه المبهذل إثر مقاومتها له، أغلق أزاريره ليلفظ : تعرفين وش اللي يحزَ في خاطري؟ إني أهين نفسي معاك
شعَرت بأن حديدٍ يُصهر في أذنها من كلماته، في كل ثانيَة تمَر كانت تشد على عناقها لنفسها وهي تتكوَر حول جسدِها كظلٍ يأس من صاحبه، بالحقيقة أنا يأست من أشياء كثيرة أهمُها أنني يأست من هذا الحُب، قنطتُ من رحمة هذا الحُب بيْ! أنا في أشد لحظاتِ حياتي يأسًا، في أكثر فتراتِ عُمري حُزنًا، ماذا فعلت يا عزيز حتى تجعلني بهذه الصورة؟ أنا التي لم أتمنى الموت إلا قُبالتِك، وأنا التي لم أحبس الكلمات وأتلحفُ الصمت الا معَك، وأنا التي أحببتك كثيرًا وأحزنت نفسي كثيرًا، يليقُ بِنا أن نفترق، يليقُ بنا دائِمًا أن ينفر كلانَا من بعضه، أنا وأنت! هذا ما تقتضيه الحياة لنَا، هذا ما تُمليه علينا.
إلتفت عليها، أطال النظرُ إلى ملامحها المخبئَة في الوسادة، ويدِه اليمنى التي تجاور جنبِه تشتَد حتى ظهرت عروقِه المنتشيَة على ظاهر كفَه، بحدَة : أفكَر غيري وش كان ممكن يسوي فيك؟
رتيل دُون أن تلتفت إليه وضعت يديْها على أذنيْها : ماأبي أسمعك! ماأأبي . . . أنفجرت بالبكاء لتصرخ : اطلع! . . . أطلع من حياتي!! ما أبي قُربك ولا أبي أشوفك . . عُمري ما كرهت شي قد ما كرهت حُبي لك!!
عبدالعزيز يقترب منها ليسحبها من ذراعها رُغم محاولاتها بالتشبث بالسرير، أوقفها ليدفعها بقوَة على ظهرها للجدار، سحب السلاح الراقد في خصره، وجههُ لصدرها المرتجف، تجمدَت عروقها وأنفاسها الثائِرة دُون زفير يُسعف الموقف : شايفة شعورك الحين؟ هذا الشعور كنت أحسَه كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية! . . تخافين يغويني الشيطان وتنصابين؟ أو ممكن تموتين؟ . . انا ماكنت أخاف من الشيطان! كنت أخاف من الواقع اللي محد قادر يقوله ليْ!
أعتلت نبرتُه ليجلد روحها بغضبه : كنت اخاف من أبوك ومن فكرة أنه مخبي عنَي شي! كنت برضى لو مخبَي عني معلومة تكون بنظر الكل تافهة! كنت برضى لو كان مخبَي عنَي أيَ شي! لكن كيف أرضى أنه يخبَي عني شخص من لحمي ودمي؟ أنا بالضبط وش سويت عشان أستحق كل هذا؟ . . ممكن ضايقت أبوك! ضايقته كثير . . بس ما أذيته مثل ما آذاني! . .
يحفرُ فوهة السلاح بنحرها وعينيْه تتسلطُ بحدَتها/قسوتها بعينيْها : على فكرة! فيه أشياء كثير تخليني أتصرف بطريقة تليق فيكم!! لكن أبوي يمنعني! أبوي اللي مامات بداخلي!!
نسَت أمرُ السلاح الموجَه إليْها، نسَت كل شيء تمامَا وصدَى جملته الأخيرة ترتَدُ في جسدِها كـ رنينٍ لا ينتهي، تسيلُ دمعتها بيأسِ عميق/ بحُب مندثِر، كنت أؤمن بشدَة ومازلت نحنُ النسَاء لا نتملك عاطِفة واحدة حتى يكون أمرُ الحب محض التجاهل والنسيان بسهولة مثلما يفعل الرجال، هُم يملكون عاطفةٌ واحِدة من الممكن أن تُنسى، ولكن كيف نتجاهل عواطفنا الفطريَة والمكتسبة؟ عواطفنا التي تحتلُ عقولنا أيضًا؟ في حين أن عاطفتهم لا تُشكَل سوى 1٪ من أجسادهم.
عبدالعزيز بيأسٍ اتضح بنبرته : تفكرين كيف ممكن أتناقض بالدقيقة الوحدة مليون مرَة؟ وكيف هالتناقض يلعب فيك؟
أخفضت رأسها، لا تُريد أن تراه وتزدادُ زاويَةُ إنكسارها ببكاءٍ أكبر.
يُكمل بمثل حدَته التي تأتِ كسببٍ مُقنع لبكاءها : لأنه عُمري ما كنت لنفسي! أنا لأهلي . . لأبوي وأمي و هديل وغادة . . أنا كلهم يا رتيل! . . . . أهلي اللي أبوك بدمَ بارد ما فكَر فيهم! كيف تبيني أفكر فيك؟ . . بتفق معك إني ممكن أكون أسوأ شخص تقابلينه في حياتك! لكن راح أكون الأسوأ فعليًا لأني مقدر أدَعي الفضيلة وأقول معليه يا عبدالعزيز قابل السيئة بالحسنة! فيه ناس أقوى مني ممكن يقابلون سيائتكم بحسنة صبرهم وتجاوزهم لكن أنا . . ماني بهالقوَة!
دُون أن ترفع رأسها لنظراتِه التي تأتِ كنارٍ تُلهبها : وأنا مقدر أدَعي الفضيلة وأقول الحق حق يا رتيل وأبوك غلطان! أنا ماني بهالقوة يا عزيز عشان أقهر نفسي بأبويْ!
عبدالعزيز إبتسم بإزرداء : تربية أبوك ماراح أستغرب! . . تعاملون الناس باللي ماترضونه على نفسكم!!
رتيل رفعت عينيْها إليْه لتُردف وهي تحاول أن تتجاوز بكاءها وتتزن : إذا قصدِك من كل هذا إنك توجع أبويْ فيني، عادي! ماعاد تفرق معي نفسي، يهمني أنه ابوي ما يضيق عليَ لأني ببساطة منك تعلَمت الصبر، إذا أنت تفكر لو غيرك وش كان يسوي فيني أنا افكر لو كانت غيري كيف بتقدر تتحمَل كل هالمصايب؟ قلت لك كثير ببكِيك يا عزيز لين تنتهي منَي!
عبدالعزيز بعُقدة حاجبيْه يتأمل ملامحها التي تُبكِي من بين كلماتها التي لا تتراجع عنها أبدًا، لن يرى أبدًا بكاءً يُشبه بكاءها، ولا عينًا تُشبه عينها ولا نبرةً تُحطَمه كنبرتها، يُنزل السلاح ليضعه في مكانه السابق، بتهديد مبطَن : حزني ما يخصني بروحي! يخصَك أنتِ بعد!
رتيل التي تفهمه جيدًا لفظت : تهددني حتى بالأشياء اللي تسيطر عليها نفسي!
عبدالعزيز : بالنهاية راح يجي يوم وبتكونين بين أهلك وناسِك! راح تعرفين وش يعني ضميرك يموت! و كيف تعيشين الحياة كأداء واجب لا أكثر
رتيل بضيق: أداء واجب؟؟
عبدالعزيز : أنك تتنفسين لا أكثر! بدون أيَ هدف يخليك تعيشين هالحياة! و بتنتظرين الموت اللي يغيَبك فعليًا! . . راح يجي يوم وتعيشين كل هذا
رتيل بحدَة : ما أشبهك! لا تربط مصيري بمصيرك بهالطريقة!!
عبدالعزيز بتهديدٍ صريح حاد/قاسِي : بس حزني مصيرك! قلت لك أنه ما يخصني بروحي . . . تراجع عنها بعد أن تقابل جسدِه بجسدها للحظاتٍ تقسمُ روحها نصفيْن، تركها ثابتة تحت تأثير الصدمة، خرَج من الغرفة لترتفع عينيْه نحو سقف هذه الشقَة.
في حينٍ انسحب ظهرها بذبولٍ من التوكأ على الجدار لتجلس على الأرض، إنك تقتلني ببطء، تُمارس أشنع الأفعال لقتلي، ليتَك تحدَ سكينك وتُنهي هذه المآسآة ولكنك تستلذُ بتعذيبي، " اللعنة " على الحُب.
خرج من الشقة ليُقفل الباب جيدًا، نزَل ليتسلل إليْه ليل باريس الهادىء في مثل هذا اليوم، أدخل يديْه بجيُوبِ معطفه ليسير على الرصيف الضيَق، خرج من على المحل الجانبي شخصًا ليرتطم به على عجل، رفع عينِه اللامباليَة ليأتِ صوتُ وليد الشرقي : عبدالعزيز ؟
عبدالعزيز سَار خطوتين ليلتفت عليه برفعة حاجبه : عفوًا ؟
وليد : أنت عبدالعزيز العيد صح ؟
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليُردف : مين معاي ؟
وليد الذي ارتكب الصدفة وتعمَدها : من يومين كنت عند ناصِر و كنَا ندوَر عليك
عبدالعزيز بملامحه المتجمَدة وبردُ باريس يزيده تجمدًا : ناصر!! وينه؟
وليد : بالسجن! ماتعرف إيش صار؟ . . على العموم زين شفتِك عشان تروح له، على حسب علمي هو صديقك
عبدالعزيز صمت طويلاً حتى يقطع هذا الصمت بصوته الضيَق : معه أحد ؟
وليد فهم قصدِه ليُردف : لا ناصر لوحده . . ليه فيه شخص ثاني؟ ماعندي علم إذا فيه شخص كان معاه! اللي اعرفه أنه كان بروحه
عبدالعزيز : وش علاقتك فيه؟ مين تكون ؟
وليد : تعرفت عليه من فترة بسيطة لمَا كان هنا
عبدالعزيز بمزاجٍ لا يجعله حتى يبتسم لإبتسامة وليد : طيب! . . شكرا لك . . أعطاهُ ظهره ليُكمل طريقه.
وليد تنهَد من مزاجيته السيئة التي كانت واضحة عليه، لا أعلم كيف فعلت كل هذا! بدأت أجَن فعليًا حدُ أنني أوقع بينهم من أجل أن احتفظ بغادة، هذا الحُب امرضني، لستُ مثاليًا حتى أرضى بأن غيري يحتفظُ بكِ وينام على شَعرك، أنا آسف لأنني لم أرضَى بقدَري وحاربتهُ بأشدِ الأفعال سوءً، لا أدرِي كيف أتجاوزُ خيبةٍ اخرى؟ فشلت بحُبٍ تقلِيدي وفشلتُ أيضًا بحُبٍ اخترته، لا حظَ ليْ بهذه العاطفة التي تُسمى " حُب "، ولكنني أُريد ولو لأسبوع فقط! أن أعيشُه بسَلام يقتضيه الحُب فقط، أُدرك تمامًا فداحة أفعالي! ولكن هذه الحياة لا تُترك ليْ خيارًا آخر، آسف جدًا لأنني طبيبًا سيئًا عجز عن مداواةِ نفسه، أنا الذي أوصيْت كل من آتني أن تكُن الأخلاق الحسنَة منهجهم حتى يصلح حالهم، أنا الذي أوجَه الناس بشيءٍ لا أقدر على فعله، أنا مريض جدًا بِك يا غادة.


،


لا أعني ما أقول، أنا التي تتبعها ضلالة الحُب كظلَها وحين تهتدِي! تكُن الهدايـةُ من عينيْك، نحنُ نُجسَد المآسآة بيننا لأننا لا نجرؤ على النهايات، كل شيء يُجبرني أن أتخذ قرارًا دُون أن يشاركني قلبي به! هذه المرَة أنا أقول " نعم " دُون مشورة قلبي، ولكنني احترق! أشعرُ بأن النار تقوم في صدرِي، لم نتعلم العفُو كما ينبغي حتى نتجاوز أمورٍ كثيرة في حياتنا، المُحبط يا سلطان أنني أحبك بالخفاء ولا اعرف شعورك تحديدًا، سيقتلني شكَي الذي يتحوَل ليقين في كل مرةٍ أسمع بها صوتك، شكَي/يقيني الذي يقول أنك تُريدني، لا تقُلها، أتركني اتعثَرُ بك بالمُكابرة.
سلطان يتصاعد غضبه في كل حرفٍ ينطقه : أنتِ طالق!
ارتجفت شفتيْها، شعَرت بموجة صقيعٍ تضربُ جسدها، هذا الشعور الذي يقتضي العزلة تمامًا، أغمضت عينيْها لتستوعب ما يحدُث، تختنق ببكاءها، أظن أنني أسوأ مما أظنُ بنفسي، هذه الكلمة تأتِ كـ; جرح. لا يُمكنني أن أُشفى منها، لم أكن متناقضة بهذه الصورة اللاذعة إلا معَك، أنا لا أفهمني أبدًا ولا أفهمك! إلهي كيف أتى صوتُه ثابتًا دون أن تهزَه الكلمة؟ إلهي كيف استطعت أن تقتلني دُون أن تقول لي قولاً ناعِمًا يتمسكُ بيْ، كيف ننتهي هكذا وأنا لم أقل لك يومًا أن عيناكَ جميلة وأني أحُب النظر لنفسي عبرها، كيف يا سلطان تُنهي الحياة بعيني حتى لو طلبتُها منك! لم أكن أعنيها والله! تستفزُ صبري! تستفزني تمامًا حتى تُخرج أسوأ مافيني لتجعلني أسقطُ في قاع الندم، هذه النهاية لا يحتملُها قلبي، أنت المُحرَض الأساسي للألم و الوجَع، للقهر والحُزن، نطقتها دُون أن يتحشرج صوتُك بها؟ دُون أن تنطق بـ تنهيدة تُنقذ الموقف! قُلتها بإنسيابية تامَة و قتلتني!
سلطان يشعرُ بأن نارًا تندلعُ في حنجرته من مرور هذه الكلمة على لسانه، أغلق هاتفه ليقف وهو يفتح أول أزارير ثوبه، وصلُ لأقصى حالاتِ الإختناق، ليس جسدِي وحده الذي يمرض، روحي أيضًا.
تُحمَلني هذه الحياة فوق طاقتي، والمُحبط في الأمر أن تكونين سببًا يزيدُ من تحمَلي، أنا الذي حاولتُ ان أرتَد عن مبادئي السابقة، وأنا الذي ضللتُ أستخير الله في كل ليلة حتى توقفت عن ذلك قبل شهر تقريبًا، لم يُيسَر لي الله إنفصالي منكِ أبدًا، وهذا ما كان يجعلني دائِمًا في حربٍ لاذعة بين إيماني بحكمة الله وإيماني بأنني لا أقدر على تجاوز الأمر، توقفتُ عن الإستخارة في الوقت الذي خُفت به تمامًا أن يُسهَل الله أمر طلاقك! كنت أوَد بشراهة أن لا تأتِ نُقطة تُنهي ذِكرك في فمِي! في نبرة صوتي تحديدًا، تعبرني تفاصيلك بحدَة، هذا الأمر الذي لا أملك السيطرة عليه.
" إبتسامتُك الخجلى، ضياعُ عينيْك في خوفِك/فرحك، رجفة صوتُك، تصاعد أنفاسك، بعثرة خُطاك، دندنتُك الناعمة التي يستذكرُها عقلي دائِمًا ( روَح لي قلبي يا ميمه ) ، رفعةُ شَعرك، فرقعة أصابعك المتوترة، قدمِك التي تضرب الأرض بخفوت كلما أشتَد غضبك، أصبع يدِك اليمنى الذي يعبثُ خلف أذنك في تفكيرك، تلاعُب يديْك بياقتِك إن لم تجدِي جوابًا يُنقذك من الأسئلة المتراكمة بداخلِك، أسنانك العلوية التي تقبضُ على شفتِك السفليَة في كل مرةٍ تبكِين فيها، أحفظكِ تمامًا، أحفظُ أبسط الأشياء المتعلقة فِيك، لنا نحنُ العوَض من الله، لنَا أنا وقلبي رحمَةٌ من الله ".
إلتفت للباب الذي يُفتح، بلع رُكام الكلمات المبعثرة بداخله ليأتِ صوته متزنًا بظاهرٍ لا يعكس باطنِه، اعتاد أن يموت ببطء دُون أن يظهر من إحتضاره شيئًا للناس، اعتاد دائِمًا أن يحبس هذه الأمور بداخله ولا يُظهرها لأحد : حصل شي جديد؟
أحمد بإبتسامة متسعة : إيه . . فيه شخص إسمه فوَاز عندنا ملفه هنا
سلطان يتجه نحو الطاولة الجانبيَة ليمدَ يدِه نحو كأس الماء ويُبلل ريقه المحترق بالجوهرة : إيه وش الجديد؟
أحمد : الجديد أنه سلطان العيد الله يرحمه ويغفر له . . كتب وثيقة موقَعة منه عنه
إلتفت إليه ليضع الكأس بصخب : وش وثيقته؟
أحمد : وثيقة تفيد تحقيقه الـ . .
سلطان بلع ريقه بصعُوبة ليقاطعه : أحمد! . . كيف وصلت لهالمعلومات؟ كيف تعرف أننا نحقق بهالموضوع ومحد يعرف غيري أنا و بوسعود و بو منصور!!!!
أحمد اختفت إبتسامته ليُردف : الكل هنا يعرف أنكم تحققون بموضوع سليمان
سلطان مسح على وجهه بصدمة أخرى لا يُمكن لعقله أن يستوعبها : كلكم!!!!
أحمد : لكن أكيد محد بحث بالموضوع بدون إذن منك الله يطوَل لنا بعُمرك
سلطان بسخرية : أثلجت صدري بصراحة!
أحمد : أعتذر منك إذا كان تصرفي غلط، كل ما في الأمر إني وصلت لها وأنا أحدَث السيرفر التابع لنا
سلطان يجلسُ على مقعده، كل شيء يحدُث اليوم يجلبُ له البؤس : وش كان مكتوب فيها؟
أحمد : أنه إخفاء المعلومات المتعلقة بفوَاز هي جُزء مما يتطلبه التحقيق
سلطان: غيره؟
أحمد : سلطان العيد الله يرحمه كان موافق على فعل عبدالمجيد، يعني الملف المتعلق بفوَاز هو مجرد حيلة من سلطان و عبدالمجيد لسليمان، عشان يتيَقن سليمان بأنه الشكوك مبتعدة عنه ومتجهة لشخص يُدعى فوَاز . .لكن مافيه شخص خلف هذا الإسم والإسم ماهو مزوَر! الإسم ماله صاحب من الأساس عشان يتزوَر!!
سلطان إبتسم من سخرية أحداثُ حياته به، ودَ لو يقتل نفسه الآن ولا يسمع أنه أخطأ التقدير مرةً أخرى
أحمد أرتعب من إبتسامته هذه التي تأتِ في غير حينها أيَ يعني أن غضبًا سيأتِ بحينه : و . . و وبس
سلطان وقف ليحَك رقبته بضيقه الشديد : وهذا الإكتشاف مين يعرف فيه غيرك؟
أحمد : محد، أنت أول شخص الله يسلمك أقول له
سلطان : وأتمنى إني أكون آخر شخص
أحمد بلع ريقه : أكيد أبشر
سلطان : فيه شي ثاني؟
أحمد: لا سلامتك . . . خرج بهدُوء ليمسك سلطان الكأس ويرميه على جداره حتى تناثرت قطع الزجاج على الأرض، كوارث حقيقة أندلعت في جسدِه، للمرة الثانية نبحثُ عن شخص لا وجود له، للمرةِ الثانية أفشل! ولكن هذه المرَة أشدُ لذاعةٍ مما قبل، هذه المرَة تأتِ بمرارةٍ شديدة تتوافق مع فشلي بحياتي الزوجية، تنهَد ليسحب ما يستطيع من الهواء حتى يُخمد لهيبه، قطَع شفتيْه بأسنانه التي تحتَد هي الأخرى بغضب، جلس مرةً أخرى على مقعدِه لتضرب قدمِه الأرض وفي داخله أسئلة كثيرة وأجوبة قليلة! وهذا ما يؤرق فِكره.
لِمَ يا سلطان العيد تفعلُ بنا كل هذا! بماذا كُنت تفكَر حينها؟ كيف طاوعتك نفسُك بأن تُخفي علينا، لوهلة أشعُر أنك تنتقم لعبدالعزيز منَا، تقتصُ بطريقةٍ ظالمة! لم نستطع أن نُبرر فيها عن أسبابنا، لم نكُن مخيَرين! لم نكُن ندرِي عن المصائب التي حدثت بعد الحادث. كنت صاخبًا بحضُورك ومازلت حتى في موتِك تصخبُ بنا، لو أنني أعرف معلومة واحدة تتعلق بما حدَث بعد الحادث لأنحلَت كل أمورنا.
تأتِ إبتسامة سلطان العيد كنسمَة باردة تمرَ في باله، قبل سنواتٍ عديدة في مثل هذا المكتب.
" سلطان بن بدر بإنفعال : وأنا وش يفيدني؟ أضيَع وقتي ليه ؟
سلطان العيد بهدُوء : إنفعالك هذا ماراح يفيدني! تعلَم تتحكم بأعصابك
سلطان بن بدر : متعلَم وعارف كيف اتحكم بأعصابي!!
سلطان العيد يقف متجهًا إليْه وبإستفزاز : ورَني كيف متحكم بأعصابك؟
سلطان بن بدر يقف صامتًا حتى لا ينفعل اكثر، ليُردف سلطان العيد : أنت في موضع يجبرك تكون حلِيم غصبًا عنك! شخصيتك ماهو بإيدك، شخصيتك تحت حُكم وظيفتك
سلطان بن بدر ابتسم : من كثر ما تردد عليَ هالحكي بصير عصبي!!
سلطان العيد بضحكة : لأنك صغير توَك ما نضجت
سلطان بن بدر : لا تحاول تستفزني بالعُمر!
سلطان العيد بتلذذ وهو يُثير غضب سلطان الذي يشترك معه بكيمياء إستثنائية : هالشهر بتكمَل ثلاثين سنة صح؟
سلطان بن بدر تنهَد : هنَيني بعد؟
سلطان العيد : أفآ عليك! إذا ما حفظت يوم ميلادِك أحفظ ميلاد مين؟
سلطان بن بدر تمتم : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
سلطان العيد : شفت هذي العصيبة كيف خلَت الشيب يجيك وأنت توَك بشبابك
سلطان بن بدر يمسح على عوارِضة الخفيفة التي تُظهر بعض الشعيرات البيضاء التي أتته من هذا العمل : بطَل تعاملني كأن عمري 20 سنة!!
سلطان العيد يعود لمقعدِه بإبتسامته المميَزة التي لم تفارقه أبدًا : تدري سلطان لو الله يفكَك من هالدم الحارَ وهالمزاجية كان أنت بخير! . . لزوم نخلصك من إضراب الزواج يمكن تتسنَع شويْ
سلطان بن بدر بإبتسامة : تعذبني في التدريب! تخليني اداوم قبل لا تطلع الشمس! تهلكني لين الفجر! تصبَحني بصراخ وتمسَيني بِـ سبَ وتبيني أكون قدامك بارد وحليم ومزاجي رايق؟
سلطان العيد غرق بضحكته ليُردف : لازم تتعوَد كم مرة اقولك! أنت منت مواطن عادِي، لازم تكون متعوَد على هالمعاملة عشان إذا شفتها بالشارع ما تآخذ سلاحك وتثوَر باللي قدامك! لازم تكون بارد إتجاه كل هذي التصرفات عشان مستقبلاً ما تغلط . . فاهم عليَ ؟
سلطان بن بدر : والله العظيم أدري! الحين ممكن تخليني أمسك هالقضية ؟
سلطان العيد بإبتسامة فسيحة مستفزة : لا
عاد لواقعه، طرق بأصابعه على الطاولة، تعاظمت حاجته لمن يحمل إسمه ورحَل.
أحتاج أن تقرأ عليَ بصوتِك الذي يبثَ السكينة، أن توجَهني لفعلٍ صحيح لا أتوه به، أن تصرخ عليَ وتغضب حتى أُعيد قراءة نفسي، أحتاج لَك يا موَجهي في هذه الحياة، لو أنَك هُنا اليوم! لتُدرك حاجتي الشديدة والمُلَحة لك.

،

باريس / ليلة الأمس.
ارتعش جسدُها من هذه العتمَة التي تحجب عن عينيْها الرؤية، تبلعُ ريقها بخوف وهي تُكابر بإخفاء رهبتها، وضعت كلتا يديْها على بطنها لتغرز أصابعها بجسدِها حتى تُخفف حدَة التوتر والخوف الذي يُصيبها، هذه العتمة تستثيرُ معدتها للغثيان.
تشعرُ أنه يبتعد عنها ولا صوت يجيء به، في وقتٍ إتجه فارس إلى مفاتيح الضوء ليعرف سر العِطل المُفاجئ، اقترب من الباب ليسقط الكَرت البلاستيكي الممغنط الخاص بفتح الغرفة، تنهَد ليبحث عنه بهذه الكومة من الظلام، أتى صوتها المرتبك مقاطعًا : فارس
وقف ليعُود بخُطى بطيئة نحوها حتى لا يصطدم بشيء: أنا هنا . .
تنهدت بجُزءٍ من الراحة، لدقيقتين استغرق بتفكيره ليُدرك تمامًا أن هذا العطل مُتعمَد، بلع ريقه ليُردف بإتزان وهو لا يراها بوضوح، كان يحاول أن يستعجل بالكلمات حتى يكسب الوقت : عبير . . ماني بهالصورة اللي في بالك! كلنا نغلط محد معصوم عن الغلط . . وأنا غلطت كثير بس صححَت أغلاطي . . عبير ما أبي الا إنك تصدقيني!!
عبير بضيق لا تعرف كيف تُفكر وتُحدد شعورها، كل شيء يتشوَش عليها : أبي أصدَقك! أبي أعيش معاك! أبي أكون لِك بس مافيه شي يساعدنا! حتى أنت يا فارس!!! بيننا شك لأنه من الأساس مافيه أيَ ثقة . . كيف أثق فيك؟
فارس : أنا اثق فيك! أثق بقلبك، أحتاج تثقين بثقتي فيك!
عبير تنازلت دموعها عن دور اللاجئة في عينيْها لتندثَر على ملامحها، بنبرةٍ مبللة بالبكاء : وإذا وثقت فيك كيف أثق بأهلك؟
فارس : أنتِ ليْ مو لأهلي . . لا تصعبينها عليَ!
عبير مسكت رأسها بثُقلٍ تام : ما أعرف وش الصح عشان أسويه! . . اقترب منها ليمدَ يدِه نحوها ويُلامس كتفِها، طوَق جسدِها بذراعيْه : قولي إنك تثقين فيك وبوعدِك أترك كل شي ورى ظهرِي وأكون معك!
وضعت يديْها فوق يديْه وهي تحاول أن تقاوم كل هذا الضغط العاطفي حتى تُقرر بشكلٍ عقلاني : ما ينفع . . أنا ما أعرف أتأقلم بسهولة مع هالوضع
فارس سحب يدِه من تحت يديْها ليطوَق وجهها ويرفعهُ نحوها : اللي يقتلني وأنا حيَ إني أخسرك بإختياري! اللي يقتلني إني أشاركِك الأرض وما أشاركِك السقف! اللي يقتلني إنه الشخص اللي انتظرته ماراح أقضي سنينه معه! اللي يقتلني إني أفترق عنك في ذروَة حُبي لك! . . . وأنا كيف أتأقلم مع الموت؟
عبير أخفضت رأسها ببكاءٍ عميق لا ينضَب، لامس جبينُها صدره القريب منها، وبنبرةٍ موجعة : ليه تقولها كأنك بتموت اليوم؟
فارس : لأني ما أضمن عُمري! بس أبي أضمن عيُونك
عبير : تصعَبها عليَ كثير يا فارس
فارس : قوليها بس
عبير وتسكنها الرجفة التي تجعل من أمرِ القرار صعب جدًا، أكمَل بصخبِ صوته الرجولي : ماراح يسعدِك رضَا عقلك! ولا راح يسعدني إني ابتعد عنك! خلينا لمرَة وحدة نمسح بهالمبادىء والقناعات البلاط ونعيش مثل ما نبي مو مثل مايبي غيرنا!
عبير بضيق بحَتها : الحُب مو كل شي! كيف بتقدر تعيش بدون إستقرار وأمان؟
فارس برجاء صوتِه الذي يأتِ سريعًا خشية من الوقت الذي يقطعه : بدُونك ما اعرف الإستقرار والأمان!
عبير بإستسلامٍ تام أنهارت ببكاءها، تشبثت أصابعها بأزارير معطفه في وقتٍ كانت ذراعه تُحيطها من خلف ظهرها : ما أبي أودَعك!
فارس بتعب : خلَي النهاية تجينا مو إحنا اللي نركض لها!
عبير ببكاء : آسفة لأني ما أعرف أكون بالصورة اللي في بالك!
فارس تجمدَ العالم بعينه التي تتحشرجُ بالكلمات المختنقة، بوداعٍ خافت : الله يهديك ويآخذك ليْ


،


صرخ عليه وساقِه المُصابة ترقد على الأرض : تعال قوَمني بسرعة!!
عُمر بتوتر : ماراح يجيك هنا! لا تطلَع صوت وماراح يدري بروح ألحق على سليمان
أسامة بغضب : بيدخل يا ******* تعال بسرعة . .
عُمر تنهَد بضيق ليهرول إليه سريعًا، حاول أن يوقفه ليسمع صوت خُطى الأقدام في الأسفل، ترك أسامة حين تصاعدت الخُطى ليُغلق الباب خلفه ويتجه للطابق الثالث.
أسامة شعر بأن ساقه تنفصل عنه تمامًا، الألم يتغلغل فيه ويضيَق عليه، زحف للخلف بمحاولة حقيقة أن يبحث عن مكانٍ يختبأ به، في جهةٍ أخرى لمح رائد جسدِ عُمر المارَ ليسحبه بحدَه، دفعه على الجدار بقوَة حتى شعر بأن أنفه سقط من وجهه، تذوَق لسانه الدم مُرغمًا إثر نزيف أنفه، لم يستطع أن يلتفت عليه وأصابع رائد تلوي ذراعه دُون رحمة : مين ذبح فارس؟ أيَ كلب فيكم؟ والله ورحمة الله لا أطلَع فعلتكم من عيونكم!
عُمر فقد تمامًا الإحساس من الضربة التي انسفت كل خلية صالحة للتفكير، لفَهُ عليه ليدفعه على الجدار مرةً أخرى وتنجرحُ مؤخرة رأسه وتُغطيها الدماء، أقترب منه ليضع ذراعه على رقبته ويشدَ عليه حتى اختنق : حسابكم ما خلَص! من صغيركم لكبيركم!
وضع رائد قدمِه خلف قدم عُمر ليشدَها بقوَة جعلت عُمر يسقط على ظهره ورأسه يرتطم بأول عتبة من الدرج، تركه ليصعد للأعلى وهو يجهَز نفسه لمُقابلة سليمان، ينسلخُ تمامًا بكل ما يمَت للإنسانية بصلَة، يوَد أن يقتلهم بأشنع الطرق واحدًا تلو الآخر، رفس الباب الذي أمامه ليتوسَط الجناح الواسع، بحث بعينيْه عنه ليراه جالِسًا ببرود يستثير غضبه : أووه! رائد عندنا!!! كان قلت لنا قمنا بواجب الضيافة
يمسح رائد على عوارِضه من خدِه حتى عنقه، بخدعةٍ لا تُكلفه من التفكير الكثير، أدخل يدِه بجيب معطفه الداخلي وكأنه سيخرج شيئًا لتنطق الرصاصة بإتجاه ساقِه، تصلَب جسدِ سليمان بصدمَة.
اقترب رائد ليسحبه من ياقتِه ويُوقفه، دفعه حتى الصق ظهره بالجدار : ماهو انا اللي تلعب معاي!! راح أعلَمك مين رائد . .
لكمه سليمان على عينِه ليستثير غضب رائد، أعاد رائد اللكمة إليْه ليلفَه ويدفعه على الطاولة الزجاجيَة، تناثر الزجاج حول جسدِه وساقه مازالت الدماء تغطَيها بعمق.
رائد : هذي المرَة رجلك والمرة الثانية راسِك! . .
بغضب صرخ عليه : وين جثة فارس؟
سليمان : دوَرها بنفسك
رائد تتجمع الدماء المُثارة في ملامحه المحمَرة بحقدِها، بقوَة رفع قدمِه ليُسقطها في وسطِ بطنه : أقسم بالله ما ترتاح ليلة طول ما أنا حيَ!!!
سليمان يتحامل على ألمه : أنت اللي بديتها وتحمَل!
رائد بكوارثٍ تتشكَل في ملامحه الغاضبة، إلتفت لرجاله المُصابين برهبة من رائد الذي لم يغضب كغضبه هذا منذُ وقتٍ طويل : شيلوه! . . أعاد نظره لسليمان بنظرةِ وعيد . . . بعلَمك كيف نحرق الجثث!!
سليمان انتشرت نظراته بغضبٍ من رجاله الذين هربُوا، حاول أن يقف لتأتِ الطلقة دُون رحمة على قدمِه الأخرى : ورَني الحمار اللي ذبح ولدي! ولا قسمًا بالله ما تنام الليلة الا في قبرك!
سليمان صرخ من ألمه : عُمـــــــر
رائد أخرج هاتفه ليبتعد بخُطاه للأسفل ويترك بقية المهمة لرجاله، بعد لحظاتٍ طويلة نطق : ممكن تحوَلني لسلطان بن بدر!
أحمد وهو يشربُ من كأس الماء : من أقوله ؟
رائد : رائد الجوهي
أحمد بردَة فعلٍ لم يسيطر عليها تناثر الماء من فمِه : نعععععععم!!
رائد : إذا مو موجود عبدالرحمن آل متعب
أحمد بلع ريقه : دقيقة وحدة . . . وقف لينظر إليه متعب بإستغراب : وش فيك؟ ترى بنصلَي على مقرن بعد صلاة العصر اليوم
أحمد بدهشة : تعرف من اتصل؟
متعب عقد حاجبيْه : مين ؟
أحمد : رائد . . . وش صاير في الدنيا! وداق على مكتبه بعد ويقول إسمه بكل فخر!!
متعب بصدمة : من جدك؟ يمكن شخص يستهبل
أحمد بإنفعال : فيه مجنون يتصل علينا ويستهبِل!! نوديه بداهية . . . . هرول سريعًا نحو مكتب سلطان ليطرقه ثلاثًا ويفتحه : طال عُمرك
سلطان المنشغل بالأوراق لا يُجيبه، يقرأ بتمعن أوراقًا لا صاحِب لها، يقرأ خيبته و فشله.
أحمد بلع ريقه : فيه إتصال مهم لك
سلطان : عبدالرحمن؟
أحمد : لا ر ..
سلطان يُقاطعه : ما أبي أحد يزعجني لا تحوَل لي أيَ مكالمات
أحمد : بس . .
سلطان رفع عينه الحادَة : قلت لا تحوَل لي أيَ مكالمات
أحمد برجاء صوته : طال عُمرك اللي متصل . . .
سلطان بغضب لا يحتمل المناقشة : ما أبي اكرر كلامي مليون مرة عشان تستوعبه!!! . . أطلع برا وسكَر الباب
أحمد بخيبة عاد للخلف وأغلق الباب، أندفع إليه متعب بحماسَة : وش صار؟
أحمد : واصلة معه! مقدرت أقوله كلمة وحدة الا أكلني
متعب : لازم تقوله! . . لحظة مافيه غير بو منصور هو اللي يعطيك الجوَ المضبوط!! . . . . أخرج هاتفه ليتصَل عليه، مرَت لحظات طويلة أمام ترقب أحمد المتوتر : السلام عليكم
عبدالله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
متعب : شلونك يا بو منصور ؟
أحمد يُشير له بيديْه أن يستعجل ويختصر بالكلمات.
عبدالله : بخير لله الفضل والمنَة . . صوتك يقول فيه شي؟ عساه خير؟
متعب : هو خير إن شاء الله . . . بس الله يسلمك بو بدر اليوم ماهو قابل النقاش بأيَ شي لكن حصل أمر ضروري ولازم يعرف فيه وقلنا مافيه حل غيرك خصوصا أنه بو سعود ماهو موجود بعد
عبدالله وقف ليخرج من مجلسه، عقد حاجبيْه : وش اللي حصل؟
متعب بلع ريقه ليلفظ بخفوت : رائد الجوهي اتصل ويطلب تحويل مكالمته لبو بدر
عبدالله تصلَبت سيقانه بدهشة ليُردف : أتصل على مكتبه؟
متعب: إيه على مكتبه . .
عبدالله : أنا جايْ الحين وبتصل على جوال سلطان بس أهم شي لا ينقطع الإتصال . . .
متعب : أوكي إحنا ننتظرك
عبدالله : فمان الله . . أغلقه ليعود لمجلسه، أخذ مفاتيحه وخرج.
متعب : يقول أنه جايْ الحين وبيتصل على بوبدر
أحمد : تهقى صاير شي؟ خوفك صاير مكروه ببوسعود ولا أهله!!
متعب : فال الله ولا فالك إن شاء الله مو صاير كل خير . . . الله يطمننا عليهم ويريَح بالهم


،


يجلسُ بمُقابل الدكتور في المستشفى الذي احتضن جثثهم في العام الماضي، بنبرةٍ هادئة ( يتحدَث بالإنجليزية ) : ولكن مصادرنا تثبت الرشوة، هذا أمر لا يحتمل الشك! الذي نسأل عنه هو من سلَم هذه الرشوة!
الدكتور : أعتذر منك ولكنك تتهمنا دُون دليل، نحنُ في هذا المستشفى تهمَنا كل روح تأتِ إليْنا فما بالك بأربعة أشخاص نُتهم بأننا أخفيْنا جثثهم!
عبدالرحمن : الأم و الإبنة الصغرى نحنُ واثقون من أمر جثثهم ولكن الإبنة الكبرى حيَة تُرزق هذا يعني أن هُناك جثَة وشهادة وفاة استخرجت من طرفٍ نجهله! وهذا ما نبحثُ عنه
الدكتور : اُستخرجت من إبنه !
عبدالرحمن : إبنه لم يكُن لديه علم بوجود شقيقته! دفنهم جميعًا موقنًا بأنهم أموات
الدكتور بإبتسامة : لا معلومة أملكها تُفيدك
عبدالرحمن : ستُجبرني أن أُدخَل السلطات بالتحقيق وتتجه المسألة إلى أكبر من ذلك
الدكتور اختفت إبتسامته : أعلمتك مُسبقًا بما أملكه، أتت جثثهم جميعًا وتم استخراجهم أيضًا جميعهم بتوقيعٍ من الإبن
عبدالرحمن بحدَة يستدرجه : و الإبنة الكبرى لم تمُت! كيف تُستخرج جثتها؟
الدكتور : هذا مالا علم لنا به، نحنُ فعلنا كل ما بوسعنا لإنقاذهم ولكن الأم و الإبنة اصغرى توفوا هنا بينما البقية أتاهم الموت قبل وصولهم للمستشفى
عبدالرحمن : هذا الأمر تُخبره لأيَ رجلٍ بالشارع وسيصدَقك ولكن أمامك شخص استجوب الكثير في حياته وبإمكانه أن يُفرَق بين الصدق والكذب . . أُحذَرك للمرة الثانية من التلاعب بالكلام فأنا لا أرضى على وقتي بأن يضيع بمثل هذه التفاهات! من أتى للمستشفى وقدَم الرشاويْ لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بأفراد العائلة! أظن أن السؤال واضح
الدكتور : لا أعلم، هُناك ألاف الأشخاص يأتون المستشفى في اليوم الواحد
عبدالرحمن : ومن الألف هُناك واحد يزعزع تحقيقاتٍ قد تؤثر بمنطقةٍ كاملة! هل تُدرك ما أعنيه؟
الدكتور : يُسعدني أن أساعدك ولكن تطلب مني شيئًا اجهله
عبدالرحمن بغضب : من قدَم الرشاوي لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بهم؟ لن أكرر السؤال كثيرًا وإن كررته فلا تحلم بأن تجِد مهنتك في اليوم التالي
الدكتور : تهديدك هذا يجعلني أطلب أجهزة الأمن، أرجوك لنُنهي هذه المحادثة فأنا لا علم لديْ بما تقول
عبدالرحمن : سأشتكي كمواطنٍ عادِي بمراكز الأمن هُنا وسأشتكي أيضًا بتدخل السلطات كمسؤول! وأنت تُدرك تمامًا خطر ما تُخفيه
الدكتور وقف : شكرًا لزيارتك
عبدالرحمن وقف هو الآخر : تذكَر جيدًا أن صمتك هذا يُكلفك الكثير!!! . . . خرج متنهدًا من هذا الدكتور الذي يُخبىء بعينيْه الكثير من الأحاديث، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان ويأتِ الرد : مغلق.
كان سيُعيد الإتصال لولا إسم " نايف " الذي أنار الشاشة، أجاب : هلا نايف
نايف بحماس : تذكر يوم قلت أنه فيه رسالة وصلتني من رقم غريب لكن ما وصلتني كاملة وكانت رموز ماهي مفهومة! اليوم وصلتني رسالة ثانية بوجود بنتك
عبدالرحمن بدهشة : بنتي! . . الرسالة من مين؟
نايف : ماعندي علم . . أنا الحين رايح المكان قريب من غرب باريس
عبدالرحمن : أنا جايْ الحين . . . .


،

ينتظرُه بالمقعد الخشبي في المكان المخصص لمقابلة المساجين، بدأت قدمه بالإهتزاز في كل دورةٍ يُنهيها عقرب الساعة، تتصاعد أنفاسه لدقيقة لتخفُت لدقائِق طويلة، هدُوء الأنفاس لا يعني أننا حتمًا بخير، أحيانًا يكُن إحتضار.
أخفض رأسه لتتجه أنظاره نحو قدمِه، كان أكثرُ ما لا أريد مواجهته بالحياة، أن أواجه ناصِر كطرفٍ آخر منفصل عنَي بعد أن كان جُزءً منَي، ناصِر الذي قاسمني الحياة وبكَى معي في الوقت الذي كنت لا أريد مواساةً من أحد، لا أريد يدًا تمسحُ دمعي، كنت أريد أحدًا يبكي معي ويُشاركني مآسآتي. لِمَ فعلت هذا يا ناصر بيْ؟ لِمَ كنت مثلهم وأنت منَي؟ احرقوا قلبي وأنت بدل أن تُطفىء نارِي زدتُها لهبًا/إشتعالاً، كيف هان عليك؟ يا عزائي! يا فجيعتي! يا حُزني الكبير فيك يا من أُخضع من أجله كل شيءٍ حتى لا تسقط بحُزنِك أبدًا، ولكنك أسقطتني! أسقطتني وأنا الذي توقعتُ أن يداك لا تدفعني للحزن، يداك ترفعني للفرح. " ليه ؟ " هذا السؤال الذي ابحث عن إجابته، لم أستغرب أن يُؤذيني أحد! أنا أدركت تمامًا مهما بلغت قوَتي ومهما بلغ عُمري إلا أن العائلة إن فقدتها، تفقدُ ذاتِك، وإذا فقدت ذاتِك ضعفت، وإذا ضعفت تمرض بالحياة، وإذا مرضت بالحياة تسلَط العالم بأكمله حتى لا يُشفيك، حتى يراك تموت ببطءٍ دُون أن يسقط دمعةً واحِدة عزاءً عليك، لذا لم أستغرب! كنت أشعر دائِمًا بأن هُناك أذى مُخبأ ليْ، ولكن أذى الروح كيف نصطبر عليه؟ كيف نداويه؟ ولكنني الآن أستغرب كيف روحًا تؤذِي جسدها؟ كيف تؤذيني بهذه الصورة يا ناصر؟
رفع عينه لخُطاه التي توقفت بمُجرد أن رآه، فتح الحارس القيد الذي يُقيَد يدِه ليلفظ : دُون لمسٍ ولا مُصافحة!
وقف عبدالعزيز لينظر إليْه بغصَة تحكيها عينيْه، ثبتَ عيناه بإتجاهه والكلامُ فقير، بلع الشهيق الذي احتبس بفمِه ليلفظ بسخريَة على حاله وهو يحترق بمرارة الكلمات : هلا بأخويْ . . هلا برفيقي . . هلا بزوج أختي . . هلا باللي مقدرت أبكي الا قدَامه ومقدرت أشكِي الا له . . هلا باللي أوجعني وما قصَر بوجيعته
ناصر شتت نظراته بحُرقة لا تقل عن حرقة روحه أبدًا، بنبرةٍ خافتة : عبدالعزيز
عبدالعزيز بإنفعال : وش أعذارك؟ مو انا الحين لازم أسمع أعذار الكل وأقول معليش يا نفسي مالك حق تزعلين وتضيقين! هُم لهم أعذارهم وأنتِ يا نفسي وش عذرك؟ . . أبد ما صار شي! عادِي جدًا اللي يصير، أنا بخير، أحس ضلوعي تتكسَر بس أنا بخير . . وقلبي يوجعني بس بخير . . كل هذا عادِي أصلاً! وش صار؟ بس صار أنه أختي . .
تحشرج صوتُه بالكلمة وهو يختنق بها : حيَة! هذا بس كل اللي صار! . . . ليه ؟
ناصر نظر إليْه لتضيق حنجرته به : آسف
عبدالعزيز احمرَت عيناه من " غادة " و روح " غادة " و حُب " غادة " : قلت ما يوقف ضدَي! لو كل هالناس يوقفون ضدَي بس هو ما يوقف! . . مستحيل يوقف ضد جزء منه! كيف أصلاً يصير ضدَ نفسه؟ . . بس صرت يا ناصر! ليه بس قولي سبب واحد!!
ناصر : كنت بقولك! والله العظيم ماكنت أبي يوصلك الخبر من غيري لكن جوالك مفصول من شهر وأكثر
عبدالعزيز : وهذا عذر؟ . . تدري وش قلت في نفسي وأنا جايْ هنا؟ قلت راح أذبحك بإيدي وأشفي هالقهر اللي فيني منك! بس كالعادة! أنا عاجز عن كل شي! . . عاجز عن الحياة،
جلس على مقعدِه بإختناق ليُخفض رأسه حتى لا يرى دمعتِه : أتمنى الله يرحمني ويآخذ روحي! روحي اللي محد فكَر يسوي لها حساب . . على الأقل لو قلتوا خلنا نخاف الله ومانفجعه! لكن متخذيني شخص ما يحمل أيَ إحساس! نضرب مشاعره في البلاط بس أهم شي نفسنا! أنا إذا عشت بكون خراب لكل شخص بواجهه في حياتي! حتى أنت يا ناصر! . . بقهر أرتفع صوته : أختي! . . . أختــــــي يا ناس ماهي وحدة من الشارع عشان تبعدوني عنها! . . لمين أشكي؟ قولي بس لمين؟ أنا صرت حتى أخاف على نفسي! أخاف من الأفكار الزفت اللي تجي في بالي! . .
رفع عينه إليْه بوجَع يُسقط أثقالاً فوق ظهره : على فكرة ما أطلب منكم الحين أنكم تتذكروني مستقبلاً! ماأبيكم تتذكروني بموتي بس أنا راح أذكركم يوم القصاص . . .
بقسوة عينيْه التي تحبس دمعها يُكمل : أوجعتوني لدرجة ماني راضي إني أقتَص منكم بالدنيا وبس! . . . ما تخيَلت وش قد الوجَع يوم قلت ماهو لازم يعرف الحين! ما تخيَلت وش ممكن يصير فيني! . . . ( بعصبية ) يخي حتى لو إني رجَال قايم بنفسي ومخلَي عواطفي على جمب هذا ماهو معناته أنه عادي تجرمون فيني! . . . . . . .
ناصر الذي لا يطيقُ إنكسار عبدالعزيز، الذي يكسره هذا الإنكسار : عبدالعزيز يكفي! . .
عبدالعزيز وقف ليقترب منه : بقولك عن شي يعلَمك كثر يأسي اللي وصلت له، أنا رجعت سكنت بشقتنا! بأكثر مكان مكشوف لشخص يبي يهرب من ناس تدوَر عليه! . . أنتظر موتي، وتأكد اني بموت وأنا قلبي ما يسكنه بعد الله الا أهلي، بترك لكم الحياة اللي تحكَمتوا فيها وأنا أكثر شخص وثق فيكم! . . و أنتْ متَ في عيني من زمان! . . أطلب من الله أنه يغفر لك حزني! . . . . . اتجه إلى الطاولة ليأخذ معطفه ومفتاحه، وقف ناصر أمامه : جيت تقتلني بحكيْك وتروح! أنت تدري أنه مستحيل أسوي أيَ شي يضرَك ويضيَق عليك
عبدالعزيز بقسوة : ما أنتظر منك تبرير! ما عدت تعني لي شي يا ناصر . . . . أبتعد ليقف ناصر مرةً أخرى برجاء : أرجوك! . . بس أسمعني وأقولك السالفة من أولها
دُون سيطرة على نفسِه لكمه بالقرب من شفتيْه، تدخَل الحارس ليقف بينهما، نزفت شفتِه ليُردف عبدالعزيز : اعتبر هذا آخر ما بيني وبينك . . . . خرج بخُطى يبعثرها الغضب، لا يهدأ هذا الحزن في داخلي.
يالله! يالله! يالله! ارحم عبدًا شهد لك بالوحدانية والعبوديَة، إرحم قلبًا لا تخمدُ نارِه، إرحم حُزنًا لا يتركني بسَلام، يارب إحسن خاتمتي واقبض روحي، اقبضها يالله و اجمعني بعائلتي، وأجعل آخر قولي أشهدُ أن لا إله الا الله و آخرُ وجه آرآه غادة، يارب يا كريم الطفْ بي وبها.



،


تُغلق حقيبتها وهي تحملُ في داخلها كلماتٌ تتدافع للخروج ولكن حنجرتها تضيقُ بها ولا تفلتُ أيَ كلمة، تنهَدت بعُمق لتنزل للأسفل بخُطى خافتة لا تعبَر أبدًا عن الحزن الذي يصخبُ بها، نظرت إليه بنظرةٍ يتيمة لتلتفت لوالدتها : خالي رجع؟
والدتها : لا
أم منصور : تعوَذوا من الشيطان توَكم جايين والطريق طويل . . ناموا الليلة وبكرا تسهَلوا
أم مُهرة بمزاجيةٍ غير مفهومة : لآ ما نقدر
يوسف وقف : ممكن شوي أبيك بموضوع
ام مُهرة تُحرجه : قول ما به غريب أمك ومرتك
يوسف بجمُود : دقيقتين ماراح آخذ من وقتك أكثر
أم مُهرة تنهدَت لتضع يدًا فوق يد على بطنها : مابيني وبينك شي . . يالله مُهرة روحي البسي عباتِتس! هالحين خالتس بيوصل!!
أم منصور بتوتر من هذه الأجواء المشحونة : أمشي مُهرة . . . تركوا يوسف لوحده معها ليُردف بحدَة : لا تحاولين تملينها ضدَي!!
أم مُهرة : هذا اللي ناقص! بنتي وتحاسبنن!
يوسف بغضب : عُمري ما شفت أمك تفكر بهالطريقة! تبين تخرَبين حتى علاقتها معي!
أم مُهرة : والله لو أنت محافظـ(ن) عليها محدن بيخرَب علاقتها معك
يوسف يُجاري تفكيرها : طيب أنتِ لا تصيرين علينا بعد! مفروض توقفين مع بنتك
أم مهرة ببرود : هاتس! . . انا أشوف مصلحة بنتي ماهي عندِك، وفضَها من سيرة حتى يوم حملت مالله كمَل حملها! وواضح انك تبيها من الله!! ماني مجنونة أخلي بنيتي عندكم!
يوسف تنهَد : لو أنك تليَنين راسك شويْ وتقولين لنا اللي تعرفينه كان أمور كثيرة أنحلَت!!!
أم مُهرة بصوتٍ عالي : يالله يا مُهرة .. أستعجلي
يوسف بحدَة : هي يومين وبعدها راح أجي وآخذها
أم مُهرة : ارسل ورانا ورقة طلاقها والوجه من الوجه أبيض
يوسف : صبرك يا رب! . . محد يجبرني أطلَق حطي هالمعلومة في بالك
أم مُهرة بإستفزاز : بس فيه أحد يجبرك تتزوَج!
يوسف ودَ لو يقتلها من غضبه الذي بدأ يتراكم في داخله، شتت نظراته ليُهدأ من عصبيته : لا تخليني أحلف ما تطلع من هالبيت!!!
أم مهرة وقفت : بيتن ما وراه بركَة وش مجلسني بوه!! .. .. من خلفه : يوسف
إلتفت عليها ليُميل شفتِه : الخميس الجايْ راح اكون موجود بحايل وراح ترجعين معي
أم مُهرة : لآ حجَن البقر!
بلعت مُهرة ريقها من أسلوب والدتها المُحرج بالنسبة لها، لملمت طرحتها بين كفيَها بتوتر وهي تنظرُ إليْه : إن شاء الله
أم مهرة بعصبية : وشهو اللي إن شاء الله! مالتس رجعة لهنيَا أبد! بيرسل ورقة طلاقتس والله يخلي عيال خوالتس يجيتس منهم اللي يحفظتس ويصونتس
استفزت كل خليَة بجسدِ يوسف من ذِكر أبناء خوالها وهي التي أفشَت له ذات مرَة بحُبها في المراهقة لإبن خالها المتزوَج : والله ماني محترمك لكُبر سنِك! محترمك عشان مُهرة ولا غيره كان عرفت كيف أرَد عليك
أم مُهرة : وش ودَك تسوي! لا يكون بتمَد إيدك جعلهن الكَسِر
مُهرة : يممه
أم مهرة : ووجعا قولي آمين . . مقطعتن قلبتس عليه وهو ما يستاهل ظفر منتس!!
مُهرة برجاء : يمه خلاص . .
أم مُهرة تنفضُ عباءتها : الله لا يبلانا بس . . نستر هالعالم وبعدها بشين وقواة عين يجون يتهمَونك! . . يارب إننا نعيذك من بلاءهم وفضيحتهم!
مُهرة تقدَمت إليها لتُمسك كفَها بتوسَل كبير : خلاص
أم مُهرة تسحب يدَها : أتركيني ورآه ما ترضين عليه؟ لا أنا بعلَمه أنه وراتس أهل ماهو يسرح ويمرح ويحسب أنه ماوراتس سند ولا ظهر!!
يوسف : وش جانب لجاب!! استغفر الله العظيم وأتوب إليه
أم مُهرة : إيه طلَع اللي في قلبك! قل إنك انجبرت وللحين تجامل أخوك ويوم لقيت الحجة طرت لبنيتي وقلت كلمي أميمتتس عشان تنظف الساحة لأخوك وتقول يالله يا مُهرة ما عاد بيننا شي . . مير بنيَتي معززة ومكرَمة ماهو أنت اللي تجي وتطردها
يوسف بغضب يصرخ عليها دُون سيطرة على أعصابه التالفة : لا تألفين من مخَك!! .. نعنبا ذا المخ بس!!!
مُهرة بلوْم : يوسف!!!
أم مُهرة بنبرةٍ تستعطف ابنتها : شايفة! هذا وأنا كُبر أمه يمَد لسانه عليَ!!!
مُهرة بضيق : خلاص أجلسي . . وخليني اتصل على خالي
أم مهرة : مانيب جالسة في بيتهم . . أمشي طلعينن انتظره بالشارع ولا أنتظره هنيَا
مُهرة تنهَدت : يمه وين توقفين بالشارع! خلاص بس أجلسي هالدقيقتين
يوسف تمتم : لا حول ولا قوة الا بالله . . بعرف وش مشكلتك؟ . . إلتفت لمُهرة . . قولي لها إذا أنا مقصَر عليك بشي
مُهرة أجلست والدتها لتتشوَش بينهما، اقتربت ليُوسف : خلاص يا يوسف لا تزيدها بعد
يوسف بهمس : على أساس أنه أمك ماهي مزوَدتها وخالصة
أم مهرة : وش تساسر بنيَتي فيه؟ مُهرة تعالي ابعدي عن هالوجه الودر
يوسف عقد حاجبيْه ليقترب منها وهو يُخلخل أصابعه بكفَها : بجيك الخميس، أتفقنا؟
مُهرة بإبتسامة تحاول أن تُلطف بها الجوَ الذي يزدادُ توترًا : إن شاء الله على خير
أم مُهرة : أنا وش أقول من ساعة! ماعاد نبي نشوفك الا و ورقة الطلاق معك
يوسف : إذا مهرة تبي الطلاق أبشري بس إذا أمها اللي تبي والله أنا ماني متزوَج أمها
أم مُهرة بحدة : ومُهرة اللي تبي؟ . . صح يا مُهرة؟
مُهرة بربكة شفتيْها : يممه
ام مهرة : يا ملا العردز إيه والله لو قلتي ماتبين الطلاق
مُهرة كانت ستتكلم لولا يدَ يوسف التي شدَت عليها حتى تمنعها من المجادلة ليأتِ صوته الحادَ : تدعين عليها عشان تنفَذ أوامرك؟
أم مهرة بغضب كبير : أقول أبعد عن وجهي وأنتِ امشي معي خنطلع لا أفجَر فيتس أنتِ وياه
يوسف تنهد : عصيبتك ذي تخليني أقتنع أنه فيه شي مخبيته علينا
أم مهرة : يا عسى ضلوعك الكسر قل آمين يوم أنك تتهمنِن أنت وأهلك على باطل!
يوسف : استغفر الله! أنا ماأتهمتك بس قلت تساعدينا بأمور تهمهم!!!
أم مُهرة : إيه كثَر من هالحتسي المأخوذ خيره . . أقول أمشي بس
مُهرة سأمت من هذا الجدال الذي لا ينتهي ليتجمَع بكاءها في عينيْها، لفَت طرحتها وبكفَها يتوَسط النقاب، همست : عشان خاطري لا تجادلها
يوسف عقد حاجبيْه : طيب . .


،


منذُ ساعات وهي مستيقظة ولم تتحرَك من السرير، في كل مرَة تتذكرُ ما حصَل بالأمس تعود لبكاءها، تشعرُ بأن ما يحدُث حلمْ! بأنه محض خيالٍ وسينتهي قريبًا.
اشتعلت بالحقد المُبرر، مسحت ملامحها الباكية لتقف وهي ترفعُ شعرها المموَج للأعلى، إتجهت نحو الحمام لتغتسِل، وفي كل حركة تتحركها تسقطُ دمعةً تُذكَرها بأن أمرُ نسيانه مُكلَف جدًا، خرجت لتبحث بعينيْها عن ظل أحدهما ولا وجود لهما، نظرت لأسفل الباب، تحديدًا إلى الظرف الأبيض، اقتربت لتُخرج ورقة تابعة لمستشفى تُفيد تحليلٍ يحملُ إسمها البغيض، خبأتها في جيبها لتعُود بهدوء نحو الغرفة، اقترب من الهاتف الثابت وفي بالها تلمعُ فكرَة لا تعلم أيَ غيرةٍ تجعلها تتصرف بهذا السوء، بإنكليزية لا تتقن غيرها : كيف أستطيع مُساعدتك؟
رتيل : أريد أن أستفسر عن نتيجة تحليل عملته صباح الأمس
: حسنًا، إذا سمحتِ إسمُك وكنيْتك؟
رتيل : أثير روَاف
: لحظاتٍ قليلة . . . النتيجة سليمة
رتيل : المعذرة . . هذا التحليل يخص ماذا ؟
: أشتبهتِ بمرض يخص قلبك . . صحيح؟
رتيل بتوتر : آهآ . .. كيف أعرف أن النتيجة سليمة؟ الورقة أمامي ولكن لم أفهمها
: تجدين حرف n هذا يعني أنها سليمة في حال كانت الفحوصات سلبية وتُفيد فعلاً أنها مريضة ستجدين i
رتيل : شكرًا لك . . . أغلقته لتنظر إلى الرُكام في المكتب الصغير، رُبما تنتمي هذه الغرفة لشقيقته التي بالجامعة، اقتربت لتنظر للطابعة، أخرجتها ليتناثر غبارها حتى سطعت من هذه التُربة، وضعتها لتبحث عن الألوان، فتحتها بهدوء لتجرَب طباعة إحدى الأوراق ولا فائدة، أدخلتها من الجهة الأخرى بحجة أنها أدخلتها بالمكان الخطأ، جرَبت تطبع هذا التقرير لتخرج نسخة جيَدة، سحبت ورقة بشدَة بياض التقرير، قصصت جُزء منه لتكتب القلم الأسود " i " وضعته فوق الخانة المكتوب بها n ثبتتها جيَدها لتضغط على زر التصوير، ثواني بسيطة حتى خرجت نسخة بوضوحٍ تام، ما يدُور في بالها أنها تثير رعبها لا أكثر، تُريدها أن تشعر بإحساسها ليلة الأمس، لتعلم جيدًا أنني كنت أعنيها عندما قُلت أنها لن تهنأ للحظة معه.
قطَعت التقرير الأصلي ومعه الورقة الأخرى لتضع النسخة التي طبعتها في الظرف وتُعيده لمكانه أسفل الباب، سمعت صوتُ خُطى قريبة من الباب، هرولت سريعًا لتستلقي على السرير وتُغطي ملامحها بالفراش، حاولت أن تُخفض حدَة أنفاسها المتصاعدة حتى لا يكشف أمرها، هذه الخطوات أعرفها جيدًا، أعرفُ أن صاحبها شخصٌ واحد.
دخل عبدالعزيز لتسقط عيناه على الظرف، بلا مُبالاة أخذه ووضعه على الطاولة، أغلق الباب ليتجه نحو غرفته، بحث بعينيْه عنها وأدرك أنها خرجت كالعادة لعملها الذي كان عمله سابقًا، بدأ الصُداع يُفتفت خلاياه خليةٌ خليَة، اتجه لغرفتها ليفتح الباب بهدُوء ويطَل عليها، أطال وقوفه ليُطيل توتر قلبها من أنه خلفها الآن، تجمدَت في مكانها لم تتحرَك ولم تُثير أيَ ضوضاء حولها، عبدالعزيز أدرك أنها مستيقظة ليقترب نحو النافذة، فتح الستائر لتتسلل شمسُ باريس نحوها، إتجه إلى السرير تحديدًا إلى موضع الوسادة : قومي لا تموتين من قلَ الأكل والنوم!
رجفة صدرها واضحة من خلف الفراش، أنحنى ليُبعده عنها، أبعدت وجهها الناحية الأخرى : مو مشتهية شي
عبدالعزيز بسخرية : يا عُمري أزعلي وضيقي بس صحتك تهمك أنتِ ماتهم أحد غيرك عشان تعاقبين نفسك!!
رتيل أستعدلت لتجلس، نظرت إليْه كثيرًا حتى قطع نظراتها برفعةِ حاجبه : مستوعبة اللي أقوله ؟
رتيل تنهدَت بضيق وهي تُشتت نظراتها وتسحب الفراش حتى وصل لبطنها : حتى صوتي صار يزعجني وبديت أكرهه منك!
عبدالعزيز ابتسم بشحُوب وملامحه تحكي مآسي وكوارث، في كل مرةٍ يروَض حزنه بإبتسامة وكأنه يتحدَى ثوران هذا البُكاء، يحاول أن يتجاهل حزنه لدقيقتيْن ولكن عينيْه مازالت تهذي : قومي! ولا الحركة صارت تزعجك بعد؟
رتيل : ودَي أعرف بس كيف تفكر!!!
عبدالعزيز بتنهيدة مدَ يدِه إليها : قومي ما أبي أكسب ذنبك بعد وتموتين عليَ!!!
رتيل بسخرية لاذعة : على أساس أنك كاسب من ورايْ أجر!!
عبدالعزيز سحبها بقوَة ليوقفها ، ارتبكت من إرتطام جسدِها به، رفعت عينها إليْه برجفةٍ مُحمَرة وهي تحاول أن لاتقع من هذه القبضة التي من الممكن أن تًصبح سببًا للإغماء.
إلهي! يا عزيز كيف لك كل هذه القُدرة بتشكيلي؟ كيف لك كل هذه القدرة بتجاهل ما يحدُث لك بطريقةٍ ما! تُشعرني بالخيبة في كل مرةٍ أنوي بها تجاهلُك ونسيانُ امرك، أستيقظ بنيَة النسيان لأنَام وأنا أجهلُ كيف أنساك؟ أنا التي حلفتُ على تجاهلك، أنسَى حلفي وأستذكرُ أنه لا قدرة ليْ على تجاهلك، مازلت تسيطر على عقلي، وتشغلُ بالي.
سحبت نفسها منه ويدَها اليسرى تُلامس عنقها، تشعرُ بأن حرارتها تندلع من قُربه للحظاتٍ قليلة، من خلفها : إلبسي عشان نطلع . .
رتيل بجديَة : جد ماني مشتهية، ولا أبي أطلع مكان
عبدالعزيز اقترب منها : أنا ما آخذ رايك! أنا أأمرك
رتيل بإنفعال : بتطلَعني غصب؟
عبدالعزيز وهو يسير للخارج : أنتظرك . . .
رتيل لوت شفتها بغضب، دائِمًا ما يستثيرُ غضبها في كل مرةٍ تراه، لن يمَر يومًا وأراه بسلام دُون ان يُحزنني بكلمة أو بفعل، تنهدَت لتستغرق دقائق طويلة تعمدَت أن تستطيل بها حتى خرجت له.
لم يلتفت إليْها، خرج من الشقة لينزل للأسفَل ويسير بجانبها على الرصيف، منذُ وقتٍ طويل لم تخرج! شعَرت بأنها أفتقدت تمامًا " الناس وأصواتهم "، سارَا بصمتٍ لمسافةٍ طويلة أتعبت أقدامها ولكنها لم تحاول أن توقفه، ابتعدَا، مسَك يدَها دون أن يترك لها فرصة للإختيار، عبر بها للشارع الآخر ليتجه نحو مطعمٍ يطل على حديقةٍ شاهقة، لمطعمٍ ريفي بحث بمقاعده المصنوعة من الخشب، جلست والجو البارد يتغلغلُ بها، نظر إليْها : إذا بردانة ندخل داخل!
رتيل : لا عادي
أتى الجارسون ليستقبله بالتحية : بونسواغ . .
عبدالعزيز : بونسواغ . . نظر إليها . . وش تطلبين؟
رتيل بإصرار : قلت لك ماني مشتهية أطلب لحالك
عبدالعزيز بإصرارٍ آخر يُفرض عليها حتى أبسط الأشياء التي من حقها أن ترفضها : راح أطلب لك نفس طلبي
رتيل تأفأفت لتُثير الريبة بعينيَ الجارسون المنتظر، أعطاها عبدالعزيز نظرةً حادة من شأنها أن تلزمها الصمت وتُشتت نظراتها.
أنتهى من الطلب ليعودا لصمتهما، بدأت أصابعه تضربُ الطاولة بخفَة منبهة عن تفكيره المشوَش.
علقت نظراتها بأصابعه المتحركة بموسيقية على الطاولة، غرقت هي الأخرى بالتفكير، فداحة ما نرتكبه يعني تمامًا أننا نعيش تحت وطأة الحُب.
رفع عينه إليْها لتُشتتها من لقاء نظراتهما : اشتقتِ لأبوك؟
رتيل تخلَت عن الجواب لأنها تدري ماذا يقصد من سؤاله.
عبدالعزيز بهدوء : على فكرة ماراح يذبحك الجواب!!
رتيل تنهدَت : تسأل سؤال أنت عارف إجابته بس عشان تردَ عليه برَد يستفزني
عبدالعزيز : يمكن لأن المصايب جتَ ورى بعض فما عدت استوعب صح! أنا أصلاً بركة من الله أنني للحين بعقلي ما انهبلت
رتيل بسخرية : لأنك عبدالعزيز!!!
عبدالعزيز بذاتِ النبرة الساخرة : ومين عبدالعزيز؟
رتيل نظرت إلى عينيْه الداكنتيْن اللامعتيْن : دايم كنت أقول ما يهزَك شي! ما يهزَك إني أبكي ولا يهزَك إني أصرخ! ولا يهزَك أيَ ظرف حولك لأنك قدرت تعيش، بس هالفترة بديت تنفجر على أدنى سبب! بديت تفرغ كبتك في كل اللي حولك لكن بالطريقة الغلط
عبدالعزيز بجديَة صوته : إحنا كذا نصبر لين الصبَر يملَنا وننفجر . .
رتيل : ليه ما انفجرت من البداية ولا خليت هالشي يتراكم عليك! أنت يا عزيز اللي ذبحت نفسك بنفسك! أنت اللي خسرت الحياة من بين كفوفك
عبدالعزيز : ما كان عندي طموح أصلاً إني أكسب الحياة عشان أخسرها!! وش كنتِ منتظرة من شخص طالع من فجيعة ويحاول ينساها! من شخص حطوه بين 4 جدران وقالوا له لا تسأل ولا تتكلم! بس نفَذ! . . طبيعي كنت بصبر وبكتم بنفسي لين أنفجر!!!
رتيل تنهدَت : هالموضوع يوتَرني لأنك تقهرني فيه
عبدالعزيز : أنتِ واثقة فيني يا رتيل! والدليل أنك جالسة قدامي رغم كل اللي حصل . .
رتيل بضيق : لأني عارفة أنك مستحيل تأذيني جسديًا . . بس تأذي روحي كثير
عبدالعزيز أسند ظهره على الكرسي والجارسُون يوزَع الأطباق على الطاولة، وضع عصير البرتقال أمامها و عصير الليمون أمامه، إلتفت رتيل للخلف بعد ان أنتبهت خلو المطعم من الناس : ليه مافيه أحد؟
عبدالعزيز : وقت دواماتهم محد يفطر الحين!
رتيل أخذت كأس الماء لتشرب نصفه، وضعته لتُتمتم : لا إله الا الله
عبدالعزيز بصيغة الأمر : إكلي
رتيل إبتسمت إبتسامتها التي تُجبر عبدالعزيز على أن يبادلها ذات الإبتسامة : غريب أمرك!!!
عبدالعزيز : الشكوى لله! ناقص تقولين إني ماني سوَي . . قوليها لا تكتمينها في داخلك
ضحكت لتُردف : تبكيني وتضحَكني وتخليني أبتسم وتخليني أضيق! مين أيش مخلوق عزيز؟
عبدالعزيز : الله يرحمنا برحمته يمكن شياطيني ما تطلع الا بوقت معيَن
رتيل بسخرية : إيه شياطينك اللي تقهرني فيها دايم
عبدالعزيز فهم قصدها ليغرق بضحكته، منذُ أيام لم يضحك حتى شعر بأن نسي تمامًا صوت ضحكته وشعوره بين ضحكاته : لا تحوَرين الكلام كذا!
رتيل بإبتسامة تتلذذ بالتشفي منها بكلماتٍ مبطنَة : ما حوَرته، الله يكفينا شر شياطينك
عبدالعزيز : طيب إكلي لا يبرد صحنك
رتيل أخذت قطعة الخُبز المربَعة المحشوَة بالجبن لتأكل جزء منها حتى أعادتها للصحن، نظرت لملامحه التي لا تتجه نحو إتجاه معيَن، واضحٌ جدًا الحزن بعينيْه في حين أن إبتسامته تُشعرني بأنه بخير. ثمَة أمر غريب في هذا الإنسان، أمر إستثنائي وغير عادي.
عبدالعزيز أخذ نفس عميق لينظر إليها : يكفي تحليلات لعقلك! . . جد رتيل واصلة معي هنا يُشير لرأس أنفه* فما ودَي بعد توصل معي منَك . . عشان كذا حاولي تكونين لطيفة معي لنص ساعة
رتيل أبعدت ملامحها للجهة الأخرى وهي تُمسك ضحكتها، ايقنت تمامًا أنه يغضب من هذا العالم باكمله ليأتِ إليَ حتى وإن كان بيننا زعل/غضب/خناق، هذا الشيء يُشبع كبريائي الأنثوي.
عبدالعزيز أخذ قطعة الخبز التي تركتها ليأكل من مثل جهتها، لا يدرِي سبب فعله فقط أراد أن يتذوَقها على الرغم من أنها توجد قطع أخرى على طبقه، هُناك أفعال لا ندرِي لِمَ نفعلها، هي مُجرد أفعال بسيطة ولكنها عظيمة بدواخلنا.
نظرت إلى شفتيْه التي تأكلُ من جهتها، ضلَت تُراقبه لفترةٍ طويلة حتى نطقت : عبدالعزيز . . كلَم أبوي! أسمعه يمكن عنده أسباب تقنعك
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليُردف : كوْنِك تكونين لطيفة معي هذا مايعني أنك تناقشيني بموضوع ماابي مشورة أحد فيه
رتيل بنرفزة : شكرًا على ذوقك . . .
عبدالعزيز : العفو


،


صعدت الدرج بخُطى مرتبكة بعد أن قرأت الرسالة التي تُخبرها عن وجوده هُنا، هذه الشقة التي قضت بها طفولتها وشبابها، طرقت الباب بخفُوت وفي كل ثانية تمَر يزيدُ إرتباكها وتوترَها، يزيدُها هذا الحنين رجفةً، تشعرُ بأن شيئًا بروحها يكبرُ كفقاعةٍ عملاقة تزيدُ من ربكة صدرها وتخنق صوتها، طرقت كثيرًا وتخاف أن تيأس، أن لا يُجيب مثل المرة الفائتة، تُريد أن تصدَق الرسالة ومن كتبها، مرَت الدقائق ولا ردَ يأتِها، من خلفها : مثل المرة اللي طافت يا غادة!!
غادة : لآ أكيد رجع
وليد بضيق : طيب ننتظر
غادة بدأ الدمعُ يضيَق عليها بحزن من فكرة أن لا تراه : مستحيل يكون اللي كتب الرسالة كذَاب! انا عندي إحساس أنه صدق!! عندي إحساس أنه موجود . . . إلتفتت عليه وهي تُلصق ظهرها بالباب . . . مشتاقة له كثييير
وليد : وأكيد هو مشتاق لك . .
غادة : طيب ليه محد يفتح لنا الشقة؟ . . خلنا نروح نكلَم الحارس
وليد : مستحيل يقدر يعطينا! مافيه أيَ إثبات يخليه يعطينا مفتاح الشقة الإحتياطي!!
غادة : طيب أخاف أنه نايم ومايسمع أو أنه موجود لكنه طالع
وليد : لو كان موجود كان ردَ عليك
غادة بأملٍ يموت بداخلها تدريجيًا : ان شاء الله بيكون موجود . . لو نروح لناصر آ
يُقاطعها : غادة! . . واللي يرحم والديك لا تفكرين من زاوية وحدة! فكَري أنه روحتك أساسًا غلط وأصلاً ممنوع بعد! الأهم أنك ترجعين لأخوك
غادة بضيق : ياربي يا عبدالعزيز . . . ليتني ألمحه بس!!!


،

بكَت كثيرًا، شعرت بأن روحها تُزهق بهذا البُكاء، لا تستطيع أن تتجاوز صوته وهو يقول " أنتِ طالق " مازال يرنَ في ذاكرتها وجسدِها، لم تأكل شيء منذُ الصباح ولم تتحرَك أيضًا، هذه الحقيقة الحادَة تُفقدني شهيتي بالحياة، ليتَك يا سلطان لم تقُلها، ليتَني لم أتحدَث معك ولم تتصِل، أشعرُ بأنني أموت! أموت فعليًا من فكرة هذا الطلاق، نحنُ انتهينا! انتهينا تمامًا! ولكنَي أُحبك! والله أُحبك. لم أشعُر بالأمان إلا من عينيْك ولم يهدأُ روَع هذه الحياة بقلبي إلا بِك، ولكننا مآسآة وقلبُك مآسآة أيضًا، جميعهم يتحدَثون بكوارثٍ تحلَ فوق رأس هذا العالم وأبقى أنا مع كارثة قلبي بلا صوت، بلا حنجرةٍ تربت علينا، أنا أنسلخُ عنك تمامًا يا سلطان وهذا ما يُؤلمني تحديدًا.
دخلت والدتها لتنظر إليْها : يمه يالجوهرة وش فيك حابسة نفسك اليوم بالغرفة! لانزلتي تتغدين ولا تتعشَين! . . وش فيك؟
الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس، بمُجرد أن جلست والدتها رمَت جسدِها عليه لتعانقها بشدَة وهي تنخرط ببكاءٍ شديد، والدتها : بسم الله عليك! . . يا قلبي هدَي . . وش فيك؟
الجوهرة بإندلاع الحُرقة في جوفها : أحبه يمه . . أحس روحي بتطلع
والدتها : يا روحي هدَي تكفين لا تبكَيني عليك!!
الجوهرة وتُبلل صدر والدتها بملحِ دمعها : طلَقني! . . أنا الغبية اللي طلبت منه . . . ماكنت أنتظر أنه يطلقني كنت أقول بيقول أيَ كلمة ثانية! ماتوقعته يسويها! . . يممه أحس بموت . . كيف بقدر أعيش بدون لا أشوفه؟ مقدر . . والله مقدر
والدتها تمسح على ظهرها : لاحول ولا قوة الا بالله . . . قلت لك اقصري الشرَ وأبعدي هالأفكار عن بالك وماسمعتي كلامي! . . توجعين نفسك بنفسك! . . .
الجوهرة : كنت أنتظره يقول أيَ شي! والله كنت أنتظره يقول أيَ كلمة ثانية غير الطلاق . . بس طلقني . . أوجعني
والدتها بعُقدة حاجبيْها وملامحها تبكِي من بكاء إبنتها : قولي لا إله الا الله . . قطَعتي نفسك بالبكي
الجوهرة : لا إله الا الله . . . . . . . . عُمري ما نجحت بأيَ شي في حياتي! طول عمري أتصرف غلط!!!
والدتها : لكل شي حكمة وتقدير
الجوهرة ببكاءها الذي يجعلُ ريَان القريب من الغرفة يقفُ متجمدًا من هذا الأنين المؤذي لروحه : أقري عليَ يممه
والدتها ضاق صوتُها بالبكاء : الجوهرة لا تسوين كذا في نفسك
الجوهرة برجاء وجسدُها يرتجف بصورةٍ غير طبيعية : أقري عليَ . . . أحس قلبي يرتجف معي
والدتها بصوتها الباكي : الذين قالوا لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمةِ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءً واتَبعوا رِضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم، إنما ذَلِكم الشيطان يخوَف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين . . . . . الجوهرة. .
الجوهرة تُغمض عينيْها بسكينة جوارحها الباكية وهي تهذي به، وصلت لمرحلة تفقدُ بها الوعي تدريجيًا وأنفُها ينزف بمشاركةٍ تامة مع بكاءها : ما غلطت! هو مقدر يساعد نفسه صح! . . . ليه أحمل ذنب ماهو ذنبي؟ ليه أعيش وأنا مالي أيَ ذنب في اللي صار؟ مو أنا اللي قلت يا . .
والدتها تُقاطعها بهمس : أششششش! خلاص نامي يا عُمري
الجوهرة بصوتٍ متقطَع : هو يدري إني أبيه وأحبه . . . هو يدري أني ما أعرف كيف أعيش بدونه! بس هو اللي يخليني أكابر يا يمه . . والله هو اللي يخليني كذا
والدتها : الجوهرة يا عيني يكفي! . . كل الناس تتزوَج وتتطلق وترجع تتزوَج! ماهي مُشكلة أهم شي أنتِ وراحتك
الجوهرة دُون أن تفتح عينيْها تشعرُ بالدماء التي تسيلُ من أنفها ولكن تتركها حتى تُثير العزاء على ملامحها : يمه
والدتها : يا عيونها
الجوهرة : ماأبي أفقده
والدتها تسيلُ دمعتها الحارِقة لوجنتيْها من صوت إبنتها الذي يضيق شيئًا فشيئًا، لا تحتمل أن ترى الجوهرة بهذا الوضع الحزين الباكي، هذا الوضع الذي لم تشهدهُ منذُ سنة، منذُ زواجها من سلطان.
كان يقاسمني نفسي، كان يحلُ محلَ روحي، وفقدتهُ يالله! وفقدتُ معه نفسي، تعبت من هذا الكبت الذي يجعلني أغصَ بالكلمات دون أن أقولها لأحد، تعبت من قول " أنا بخير " وأنا والله لستُ بخير، قلبي يرتجف وعينايْ تؤلمانني! لستُ بخير أبدًا أشعرُ وكأني أمرَ بإحتضارٍ ما، ومعدتي أم طفلي هو من يُثير الغثيان بداخلي؟ كل شيء يبكِي معَي حتى وظائفي الطبيعية في جسدي تفقدُ مرونتها، أمرَ في أسوأ مرحلة من حياتي، حتى تُركي لم يفعل بي كل هذا الوجَع، ولكنهُ السبب! أكرهك، أكرهك بصورةٍ تجعلني أشمئز من إسمك إن مرَني، أريد أن أفرح يالله، أُريد أن تردَني إليك لأفرح بقُربك وأكتفي بك. ردَني يالله إليك ردًا جميلاً.
في جهةٍ أخرى تراجع ريَان ليدخل لجناحه وعقله مشوَش ببكاء الجوهرة وكلماتها المهتَزة وغير المفهومة، يخشى أن أمرًا حدث بسلطان ولكن لو حدث شيئًا لعلِم أبي أولاً، هُناك أمرٌ ما تُخبئه خلف بكاءها، كنت أدرك أن ثمَة أمرٍ يجري منذُ أن بكت أمامي عندما سالتها.
ريم : رجعت؟؟؟
ريَان تنهَد : إيه كنسلت الروحة
ريم عقدت حاجبيْها : ليه؟
ريَان : كِذا غيَرت رايي
ريم تجلسُ بجانبه : عيونك تقول شي ثاني
ريَان بضيق : ريم!! قلت غيَرت رايي
ريم : طيب خلاص لا تعصَب!!!!


،
يُتبع بعد قليل.



 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 16-03-13, 12:00 AM   المشاركة رقم: 77
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 


،


تدندن بصوتها الناعم وهي تقضمُ أظافر كفَها من الإنتظار، في كل لحظةٍ يتأخر بها يزداد توترها وهي التي جهَزت العشاء من أجله، وتخشى من جو الرياض الذي يبدُو أنه سيخرَب السفرة التي صنعتها ووضعتها في الحديقة، من خلفَها أمتدَت باقة الورد البيضاء لتحجب عنها الرؤية تمامًا سوى من النظر إلى هذا الورد : آسفين على التأخير
هيفاء إلتفتت عليه بإبتسامة وهي تتأمل الباقة، أخذتها من بين كفيَه : نطرتني! بس معليش
فيصل يتأملها من فوق لتحت بنظراتٍ تزيدُ من حُمرة جسدِها الذي ينبضُ بالربكة : . . عشان ما يبرد الأكل أكثر خلنا نجلس
فيصل بعفوية كلماته المندفعة بشغف : يسلم لي قلبك وش هالأكل اللي يفتح النفس
هيفاء : الله يسلمك . . جعله عافية
فيصل بإبتسامة : بديت أحب حديقتنا وأحس إني عايش برا الرياض
هيفاء بمثل إبتسامته : أصلاً حديقتكم حلوة وجو الرياض هاليومين حلو بعد . .
فيصل : لأنِك فيه
هيفاء شتت نظراتها لتأخذ نفس عميق يستوعب هذا الغزل الصريح، بلعت ريقها لتشرب من كأس العصير البارد الذي يأتِ بوقته، كل ما فيها ينبضُ بالحرارة.
فيصل : إيه وش سويتي اليوم ؟
هيفاء : أبد جلست مع خالتي وريف وبعدها حضَرت العشا
فيصل : بس؟
هيفاء بضحكة : ولا قرأت كتب ولا شي
فيصل : أصلاً كان واضح من عيونك أنك مو يمَ القراءة
هيفاء : بس والله إني أحاول! يعني انتظر عليَ شويَ وبقرأ رواية البؤساء حقتك اللي من 800 صفحة
فيصل بإبتسامة : لا تجربين نفسك على شي ماتحبينه
هيفاء : يعني هو ماهو موهبة عشان أجبر نفسي عليها! بالنهاية القراءة أساس ومنهج حياة لازم كلنا نقرأ
فيصل ضحك ليُردف : الله! يخي عندِك حكم بس مافيه تطبيق
هيفاء بخجل : قلت لك أنتظر عليَ شوي وبيجيك التطبيق . .
فيصل : خلاص أنا بإنتظار هالتطبيق
رنَ جرس البيت في وقتٍ يُثير الإستغراب، هيفاء إلتفتت : مين جايَ هالوقت؟
فيصل وقف : أنا رايح أشوف . . . إتجه للداخل ليخرج من جهة مجلس الرجال، فتح الباب وقبل أن يُكمل فتح الباب أنغرز السكينُ ببطنه، حاول أن يرفع عينه ليرى من الذي طرق الباب ولكن لا قُدرة له، سقط على ركبتيْه وهو يضع يدِه فوق مكان الجرح، شعَر بأن روحه تغصَ في حلقه، يشعرُ بطعم الدماء تجري على لسانِه، تبلَل بأكمله بالدماء المتوَهجة، لم تخرُج " آه " واحِدة يستدلُ بها أحدًا عليه، صدمتُه جعلت صوتِه يقف متجمدًا هو الآخر، حاول أن يُنادي أحدًا ولكن لا مجال أبدًا، الألم يتمكَنُ منه والحُمرةِ تصعدُ لعيناه، تصعدُ لمجرى أنفاسِه، سقط على رأسه بقوة حين فقد إتزانه على جسدِه الذي يفقدُ دماءً بكثرة، حاول أن يهمس بالشهادة ولم يُكملها : أشهدُ أن لا إلـه إلا الله و . . . .


،


إتجهت إليه مهرولة بسرعة لتعانقه بشدَة وهي تستنشقُ رائحته بحنينٍ كبير، لو تدرِي كيف يفعلُ غيابك فيَ؟ كيف أقف بلا هويَة بمُجرد أن تغيب عنَي يا أبي! أشعرُ تمامًا باني أنصهر في كل لحظةٍ لا تأتِ عيناك بها، أشتقتُ إليْك! أشتقتُ بصورة مروَعة تُخيفني والله، وكل حياةٍ لا تأتِ بك لا أريدها، كل أرضٍ من بعدِك منفى، أود لو أنني لا أنفَك عن عناقك أبدًا، يالله لو تعلم أنني نادمة على كل لحظة أزعجتُك بها على أمرٍ تافه، نادمة على كل لحظة فاتت منَي دُون أن أرى إبتسامتك، يا أغلى ما أملك في هذه الدنيا.
عبدالرحمن يُقبَل رأسها كثيرًا وهو يُكرر حمدِه بصوتٍ واضح مبتهَل : الحمدلله ياربي لك الحمد
عبير همست بصوتها المبحوح بالبكاء : اشتقت لك كثييير واشتقت لرتيل وضيَ
عبدالرحمن : كلنا اشتقنا لك . . أبعدها قليلا لينظر لملامحها الشاحبة، مسح دموعها بكفيَه ليبتسم إبتسامةً فقدها منذُ مدَة : أحس إني ملكت هالدنيا بشوفتك
عبير نزلت دمعتها الناعمة لتُعانقه مرةً أخرى بشدَة، رفعها عن مستوى الأرض بضحكة : نزل وزنك كثير
عبير أغرقتهُ بقبلاتها، قبَلت رأسه وجبينه كثيرًا لتُردف بفرحة : يا عساني ما أبكيك
عبدالرحمن : ولا أبكيك يا بعد عيني، تلقين ضيَ تنتظرنا الحين . . . غلغل أصابعها بكفَه ليسير متجهًا نحو البيت الخشبي، فتح الباب لتلتفت ضي الواقفة بتوتر، أتسعت إبتسامتها برؤية عبير، تقدَمت إليها لتعانقها بشدَة توازي شدَة الشوق إليْها ولوجودِها بينهم.
عبدالرحمن أخذ نفس عميق من الراحة، بإبتسامة إلتفتت : وين رتيل؟
عبدالرحمن بهدوء : مع عبدالعزيز! بتشوفينه قريب إن شاء الله . . اهم شي الحين ترتاحين يا أبوي أنتِ . . أنا عندي شغل ضروري وماراح أتأخر


،

جلس بدهشَة وهو يسمعُ صوتِه الذي يأتِ بشكل لطيف أكثرُ مما يجب : والله؟
رائد : إذا تقدر هالأسبوع
سلطان بضحكة مستفزة : طلبك مرفوض
رائد بهدوء : أظن التفاهم بيفيدك أكثر من أنه بيفيدني!!!
سلطان : غلطان!! لأن الحين أنتم كلكم مكشوفين ومسألة نهايتكم مسألة وقتية لا أكثر! يعني التفاهم ماراح يفيدني شي
رائد بإستفزاز : أجل شكلي بحوَل على عبدالرحمن
سلطان : واضح أنه المفاهيم مختلطة عندِك! اللي ارفضه انا يعني عبدالرحمن رافضه! كلنا واحد
رائد : أجل أنت الخسران يا سلطان! وأنت فاهم قصدي زين
سلطان بضحكةٍ تُثير الغضب في نفس رائد : يا سلام! تهددني بطريقة واضحة بعد!!
رائد : قبل كان عندِي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمَل وش بيجيك
سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقةٍ جذبت عينيْه، قرأ بدهشَة/صدمة/رهبة/إستغراب
رائد بنبرةٍ متوَعِدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي ورايْ وقدامي وأحرقكم معي!!!
سلطان يقف وعيناه تكاد تسقُط من النظر بطريقةٍ تغرز الصدمَة فيه : لا تقولي إنك . . . . .



،


يسيرُ على الرصيف بجانبِ رتيل متجهًا لشقته في وقتٍ كانت غادة واقفة أمام الباب تنتظره : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!!
في كل خطوةٍ تخطوها للأسفل كانت هُناك خطوة أخرى يخطوها عبدالعزيز للعمارة المنزويَـة . . .





.
.

أنتهى نلتقي الجمعة إن شاء الله.

 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 23-03-13, 04:38 AM   المشاركة رقم: 78
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
( الجزء 77)



" اللهم أصلح أحوالنا و احفظنا من الفتن "

المدخل لـ عُمر أبو ريشة :""



قــفي ، لا تــخـجـلي مـــنـي فما أشقاك أشقاني

كـــــلانا مــــرَّ بالـنــعـمــــــى مــرور المُتعَبِ الواني

وغـــادرها .. كومض الشوق في أحـــــداق سكرانِ

قــــفــي ، لن تسمعي مني عتاب المُدْنَفِ العاني

فـــبــــعـــد الـيوم ، لن أسأل عـن كأسي وندماني

خــــذي مـــا ســطـــرتْ كفاكِ من وجــــدٍ وأشجانِ

صــحـــائــفُ ... طالما هزتْ بـــوحيٍ مـــنك ألحاني

خـــلـــعـــتُ بــهـا على قدميك حُـلم العالم الفاني!

لـــنـــطــــوٍ الأمـــسَ ، ولنسـدلْ عــليه ذيل نسيانِ

فإن أبـــصـــرتـــنـــي ابــتـسمــــي وحييني بتحنانِ

وســـــيـــــري ، ســــيـــر حــــالـمــــةٍ وقــولي ....

" كان يهواني "




رائد : قبل كان عندِي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمَل وش بيجيك
سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقةٍ جذبت عينيْه، قرأ بدهشَة/صدمة/رهبة/إستغراب
رائد بنبرةٍ متوَعِدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي ورايْ وقدامي وأحرقكم معي!!!
سلطان يقف وعيناه تكاد تسقُط من النظر بطريقةٍ تغرز الصدمَة فيه : لا تقولي إنك تدري وتتصرف بغباء عشان سليمان !!!
رائد بتنهيدة مستفزة : شي يقهر صح؟ واحد من أعظم الأشخاص اللي غيَروا المجال الأمني للأحسن يشتغل بعيد عن عيونكم؟ وأكون انا داري!!
سلطان بلع ريقه، يفقدُ كل خياراته بهذه الحياة، مصدوم! وهذه الكلمة وحدها من تشرح نظراته في هذه اللحظات.
رائد : آخر قرار لِك يا سلطان؟
سلطان بنبرةٍ متزنة ترتفع للغضب : تعاون لو مرَة! مو عشاني عشان أرضِك!!!
رائد : قرارِك؟
سلطان بحدَة : رائد! عشان وِلدك . . أنت عارف إني مهما عطيتك الفرصة راح ألاحقك! والله طول ما أنا حيَ ماراح أخليك ترتاح بشغلك وخرابيطك!!
رائد بإستفزاز : أبي أسمع قرارك؟ . . الليلة راح أقلب دنيتكم كلها وقلت لك ماعندي شي أخسره!
تنهَد بضيق : عطني مُهلة وأرَد عليك
رائد بإبتسامة تتسع لإنتصاره الذي يأتِ مدويًا : بإنتظارك . . . أغلقه
سلطان يضربُ الطاولة بقدمِه، تشتَد عروقِه الغاضبة من فكرة أن شخصًا بمثابة الوالد لهم جميعًا يعمل دُون علمهم.
هذا الشخص الذي علَمنا التعاون غادر ليتصرف مثل ما يُريد، هذا الشخص الذي كُنا أكثر الناس حُزانى على تقاعده لم يُقدَر وجودنا! أيَ خيبةٍ أستقبلها الآن؟ أيَ حُزنًا يصِل لمسامعي وأقرأه؟ أقسى ما تعلمتُ في حياتِي كان بعهدٍ راقبني به، وأقسى ما صفعتني به الحياة تأتِ منه الآن، كيف يفعلُ بنا كل هذا؟ كيف يُشتتنا طيلة الفترة الماضيَة التي أمتدَت لسنة وأكثر بـ وهم؟ في وقتٍ كان يملك به الحقيقة، يالله كُن معي! يالله هذا الهمَ يهدَني!!!
خرج من مكتبه بخُطى تجذب الأنظار إليه بتوجَس، دخل لمكتبِ أحمد الذي وقف سريعًا : حوَل لي على مكتب باريس بسرعة!
أحمد بربكة يضغطُ على الأرقام ليتصل عليهم، أجاب محمد الذي يُرافق عبدالرحمن بعمله هُناك : ألو
أحمد يمدَ السماعة لسلطان : عبدالرحمن عندِك؟
محمد : لا بس على وصول . .
سلطان بكلماتٍ تندفع من صدره الذي يضطرب بأنفاسٍ متسارعة : عبدالعزيز وينه؟ عرفتوا مكانه!!!
محمَد : إيه بشقته لكن مقدرت أقول لبوسعود عشان آ
يُقاطعه سلطان : تسمعني زين! عبدالعزيز ما أبيه يكون الليلة في شقته و شُوف لي غادة أخته وينها بالضبط! ماأبي أيَ أحد منهم يكون موجود في باريس! و بس يوصل بوسعود تخليه يتصل عليَ ضروري . .
محمد : إن شاء الله
سلطان نظر لعبدالله الذي يصِل وتتضح على خطواته العجل، مدَ السماعة لأحمد ليقترب منه.
عبدالله : وش صار ؟
سلطان إبتسم بسخرية : أنت أكتشف المصيبة بنفسك . .
عبدالله : تكلَم سلطان لا توتَرني!
سلطان تنهَد ليسير متجهًا ناحية مكتبه ومن خلفه عبدالله، أخذ الورقة ليمدَها لبومنصور، وقف لتتجمَد عيناه عند الإسم المذكور، نظر بعدم إستيعاب ليرفع عينه ناحية سلطان : وش ذا ؟
سلطان بغضب : أنت اللي فهمَني! هالشغل بوجهي أنا! بكرا لو أخطيت خطأ واحد ماراح يقولون فلان ولا فلان بيقولون سلطان! . . ودي أعرف بس ليه يسوي فينا كذا! ليه يخلينا نضيَع وقتنا على شي أوهمنا فيه!!!!
عبدالله : طيب أجلس وأهدأ
سلطان بصراخ : ماني هادي! لا تقولي أهدأ وتجنني! لو كنت مكاني ترضى شخص يشتغل بملفات مفروض إحنا أعلم منه فيه ؟ والحين رائد ببساطة صرت جدار قدامه ويهددني بدون لا يحسب أيَ حساب لكلامه!
عبدالله بهدوء : سلطان
سلطان يجلس وهو يزفرُ غضبه ليُردف : يتصل بكل قواة عين ويجبرني أتصرف مثل ما يشتهي! عشان فيه ناس ما تفكَر تعلَمنا معلومة بسيطة ممكن تحلَ لنا كل هالمشاكل!
عبدالله : أكيد ما تصرف بكل هذا الا لسبب
سلطان بسخرية : طبيعي بتدافع عنه!
عبدالله الذي يفهمُ ما يرمي عليه : أتمنى بس إنك ما تقصد شي بكلامِك!
سلطان : الا أقصد! أنتم الأربعة كنتم تحاولون تبعدوني! والحين . .
يُقاطعه عبدالله بحدَة : كنت داري إنك مستحيل تنسى أشياء صارت وأنتهت لأني أفهمك يا سلطان! وأفهم كيف تشيل بقلبك!! بس لعلمِك مهما كنَا ضدِك مستحيل نسوي شي على حساب الشغل!!
سلطان أخذ نفس عميق ليُردف : أنت تشوف انه اللي صار عادي؟
عبدالله : قلت لك! أكيد فيه سبب مقنع يخليه يتصرف بهالطريقة، هذا التصرف مو بس بوجهك! بوجه عبدالرحمن بعد
سلطان : مهما كان السبب مفروض ندري
عبدالله يقترب منه : ما تلاحظ أنه قاعد يمشي عليك مبدأ كما تُدين تدان
سلطان إبتسم من شدَة قهره ليُردف : بالمناسبة أنا أدفع عمري كله ولا يصير بعبدالعزيز و غادة شي!! يوم تصرفت بموضوعهم بهالطريقة ما كان عندِي خبر! كنت مصدوم مثلي مثل غيري! جاني مقرن الله يرحمه وقالي عبدالعزيز ما يدري عن غادة! وش كان مفروض أتصرف بوقتها؟ تبيني أروح لعبدالعزيز وأقوله والله أختك بالمستشفى روح لها وأخلَي الكلاب يدرون ويخلصَون عليهم! . . . لا تحمَلني فوق طاقتي وتتهمني!! لو عبدالعزيز كان مع أخته وكمَلوا حياتهم بباريس الله أعلم وش بيصير فيهم! أنا تصرفت بالطريقة اللي تناسب الوضع والكل وقتها كان يجمع على قراري! ماتصرفت من مخي وقلت والله عز ما يشوف أخته!!!
عبدالله : أنت أعصابك تعبانة يا سلطان و . .
يُقاطعه سلطان : هذا أنتم اذا ما لقيتوا شي قلتوا والله أنت تعبان يا سلطان و أنت مو في وعيْك و أنت وأنت وأنت . . . يخي فكَوني شويَ! . . .
عبدالله ينظرُ إليه بدهشة من إنفعالاته الصاخبَة : بس ترجع لعقلك أتصل عليَ . . . وخرَج ليترك سلطان بضميرٍ يؤنبه على إنفعاله بوجهِه، أخفض رأسه وعيناه على أقدامِه، يغرقُ بالتفكير المُشتت، مئة موضوعٍ يتداخلُ بعقله، لا يدرِي بأيَ إتجاهٍ يذهب، بأيَ طريقٍ يتوجَه.
سمع طرق الباب لينطق : تفضَل
دخل أحمَد ليمَد الهاتف إليْه : ألو
عبدالرحمن : يا هلا . . . وش صار؟ ما فهمت من محمد شي
سلطان : كلمني رائد
عبدالرحمن بصدمة : نعم؟؟؟؟؟
سلطان : و هددني
عبدالرحمن : هددَك بأيش؟
سلطان : بمين يا عبدالرحمن؟ أكيد بعبدالعزيز . . قلت لمحمد يخفيهم عن باريس! . . عبدالعزيز بروحه صح؟ مع غادة؟
عبدالرحمن بضيق : لا معاه بنتي
سلطان تنهَد بقهر ليضرب بكفَه على الطاولة : ليه يا عبدالرحمن! ليه تركتها
عبدالرحمن بعصبية : كأن الموضوع بإيدي، أنت شايف على كم شخص جالس أتعامل! أقطَع روحي ولا وش أسوي؟
سلطان صمت لثواني ليُردف : طيب بما أنه الصور جتَ لمكانكم عند عبدالعزيز هذا يعني أنهم يعرفون المكان، عبدالرحمن لازم تطلع منه بسرعة . . أنا إنسان مقدر أتفاهم مع رائد بأسلوب تهديده، أبي أتطمَن عليكم عشان أتصرف معاه
عبدالرحمن : وش طلب ؟
سلطان : أنت وش تتوقع؟ . . لحظة لحظة خلني أقولك المصيبة الثانية
عبدالرحمن : الله يثبَت العقل فيني هذا كل اللي أقوله
سلطان يقرأ بقهر/بضيق/بحسرة/بحزن : اللي ورى كل هذا . . . .


،


وضعت يدها تحت خدَها ويدها الأخرى تطرقُ بالشوكة على الصحن مُصدِرة رنين مُزعج يعبَر عن إنتظارها، نظرت للطعام الذي بدأ يبرُد من برودة الأجواء ليلاً في الرياض، أخذت نفس عميق لتقف وهي ترمي الشوكة بقهر على الطاولة، سارت متجهة للداخل لتبحث عنه بعينيْها، خافت أن تطَل و يكُون واقف مع صديقٌ له أو رجلٍ آخر ويغضب، تأفأفت كثيرًا وهي لا تسمع صوتًا يصدرُ من الفناء الأمامي للمنزل، أغلقت الأنوار لتتجه نحو النافذة المُغطاة بالستائر، سحبتها قليلاً لتتجمَد عيناها على قدمِه، وحدَها هي الظاهرة ولا ترى شيئًا غيرها، مشَت بخطواتٍ سريعة للخارج لتسحب شهيقًا دون زفير، لم تستطع أن تزفُر أبدًا وتتنفس بصورةٍ طبيعية، نظرت للدماء التي تغرقُ بأقدامها ليرتجف جسدَها بأكمله، لم تعرف كيف تصرخ أو حتى تُنادي أحدًا، اقتربت قليلاً لتجلس على ركبتيْها بجانبه، همست برجفة بالغة : فيصل . . . فيييييصل . . . لا ياربي . . . . وضعت يديْها على يدِه لتغرق كفَها بدماءِه، وقفت مبتعدَة، خافت أن تراه والدته، خافت خوفًا لم تخافُه بحياتها أبدًا، ركضت للداخل لتمسك هاتفها وهي لا ترى بوضوح بسبب دمعها الذي يغرقُها تمامًا، إتصلت على يوسف أول رقمٍ سقطت عيناها عليْه، تمَر ثانية تلو الثانية ولا يُجيب، أبتهلَ قلبُها بالدعوات، يالله كُن معي، يالله أحفظه.
أتى صوتُه الهادىء : ألو
هيفاء ببكاءٍ مرتجف لم تستطع أن تقول جملة مفيدة . .
فزَ يوسف من مكانه ليخرج بعيدًا عن أنظار والدتِه و منصور : هدَي قولي وش فيك
هيفاء : فيصصصل
يوسف : وش فيه؟
هيفاء ببكاء : تعاال بسرعة . . ما أعرف وش أسوي . . تكفى يوسف أخاف يموت
يوسف ارتجف قلبه من " يموت " : جايَك . . . أغلقه . . . عاد للمجلس لياتِ صوته المضطرب : منصور تعال
منصور رفع حاجبه : وشو؟
يوسف بغضب : تعال وأقولك
منصور : تعال أضربني بعد!!!
يوسف برجاءِ عينيْه : طيب تعال شويَ
منصور ترك عبدالله الصغير في حُضنِ والدته ليذهب معه، خرجَا من البيت ليلتفت عليه منصور : وش فيك؟
يوسف : مافهمت شي من هيفا بس شكل فيصل صاير له شي تقول لا يموت ومدري ايش . . . أتصل على الإسعاف على ما نوصلهم
منصور بدهشة : اللهم اجعله خير . . . ركب السيارة ليسير يوسف بسرعةٍ جنونيـة حتى يصِل قبل أن يتفاقم الوضع وعينيْه تدعُو معه أن لا يحدث أمرًا سيئًا.
منصور وهو يتحدَث بهاتفه : إيه حيَ الأندلس . . يوسف هو أيَ شارع؟
يوسف : شارع الأمير محمد
منصور : شارع الأمير محمد . . . شكرًا لك . . أغلقه
يوسف تنهَد عندما وقف للإشارة القريبة من منزل فيصل : يارب
منصور : راح نوصل قبل الإسعاف . . . يوسف أطلع من الرصيف بتنتظر كل هذا
يوسف بضيق كان سيتجاوز الرصيف لكن أضاءت الإشارة باللون الأخضر، في ظرفٍ دقيقتين ركن السيارة أمام الباب المفتوح قليلاً، أغلق سيارته على عجل ونزل مع منصور، دخل لتتجمَد عيناه دُون أن ترمش على منظر الدماء، منصور إرتجف قلبه لينطق : حسبي الله ونعم الوكيل
يوسف بخطواتٍ سريعة إتجه لهيفاء القريبة حتى يقف أمامها ويمنعها من النظر، سحبها إليه لتبكي على صدرِه وهي تُبلل ثوبه بدموعها المختلطة بالكحل الأسود. يوسف : إن شاء الله مو صاير له شي . . الإسعاف بتجي الحين . . .
هيفاء بأنينها الذي يتحشرج بصوتها : أحس قلبي بيوقف . .
يوسف : بسم الله عليك . . . سار معها ليدخل إلى الداخل، بصمودها الذي ينهارُ شيئًا فشيئًا، كانت ستسقط على الأرض لولا ذراعيَ يوسف التي تُحيطان بها، جلس معها على الأرض البارِدة والتي تُناقض حرارة الرجفة بأجسادهم : هيفاء طالعيني . . مو صاير الا كل خير إن شاء الله . . .
هيفاء بإنهيارٍ تام : كان زين والله كان زين . . . دقَ الجرس وراح وبعدها ما رجع . . ما رجع يا يوسف . . مارجججع . . . كررت كلمتُها كثيرًا وهي تبكِي بشدَة توازي شدَة الخوف التي تدَب في صدرها.
يوسف يمسح دموعها بكفيَه وهو ينظرُ إليها بحزنٍ بالغ، يشعرُ بخبرٍ سيء سيأتِ ولكن لا يُريده أن يأتِ، يُريد أن يكذَب توقعاته، مسك كفيَها ليضغط عليهما : استغفري . . كرري الإستغفار وتفرج من عنده
هيفاء نظرت إليه نظرة قتلت يوسف تمامًا، يوسف شتت نظراته بعيدًا عنها ليعقد حاجبيْه، سحبها إليه لتضع رأسها على صدرِه، قبَل رأسها وأطال بقُبلته ليقرأ عليها بصوتٍ تحشرج من أفكاره السيئة التي تعبثُ بعقله، قرأ عليها آيات السكينة التي يحفظها ويُكررها عليْها : و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . . . . و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَدهُ بجنودٍ لم تروْها . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَدهُ بجنودٍ لم تروْها
خذلهُ صوت ليصمت على صوتُ الإسعاف الذي يغزُو مسامعهم في هذه اللحظة، هذه المرَة لم يدعُو لفيصل وحده، كان قلبه يدعو أن لا يصل الصوت إلى والدة فيصل، سكنَت حواسُ هيفاء ومازال الدمعُ يعبرُ خدها بإستسلام.
يوسف : بيطمَنا منصور إن شاء الله . . . قومي نجلس داخل . . . وقف ليشدَها معه وهو يثبَتها بذراعه التي تحيط كتفها من الخلف، جلس في الصالة التي تحتوي على الجلسةِ الشرقية الأرضية، سحب جِلال الصلاة ليجعلها تستلقي وتضع رأسها على فخذِه، غطَاها وهو يُجاهد أن يجعلها تنام حتى لا يضطرب قلبها بالإنتظار كثيرًا.
سكَن صوتُها ولكن قلبها لم يسكُن بعد، " يالله ارزقني الصبر، لا طاقة لي بتحمَل كل هذا، أشعرُ بأن أجزاءً مني تنشطر، مازالت إبتسامته قبل ساعة تُضيء عيني بالدمع، مازالت هيئته الصاخبة تحضرُ في عقلي، يالله على صوتُه الذي لا يُريد أن يفارق مسامعي! للتو شعرتُ بأن هناك أهدافًا بحياتي، للتو وضعتُها بقائمة أولَها فيصل ونهايتها فيصل، إلهي أرجوك! أرجوك! أرجوك . . احفظه "
في الجزء العلوي من المنزل كانت نائمة بسكينة لم يُحرَكها صوت الإسعاف أبدًا وريف الصغيرة تنامُ بحضنها، منذُ فترةٍ طويلة لم تنام ريف مع والدتها، نامت هذه الليلة وذراعِ أمها هي من تُغطي جسدِها الصغير، تحرَكت ريف قليلاً لتفتح عينيْها بهدوء نظرت للسقف المظلم لتلفَ جسدِها الناحية الثانية وتُغطي وجهها بصدرِ أمها، غرزت أصابعها الناعمة في جسدِها وهي تتمسكُ بوالدتها : ماما
دُون أن تفتح عينيْها والدتها شدَتها إليْها وهي تشعرُ بحركاتها لتهمس : يالله ماما نامِي
ريف بركاكةِ الحروف التي تنطقها : بروه لفيصل
والدتها : هُم نايمين الحين غلط نزعجهم صح؟ . . يالله نامي وبكرا الصبح تشوفينه
ريف : و هيفا ؟
والدتها : هي نايمة بعد . . يالله ريف حبيبي نامي
ريف بضجر : راح النوم
والدتها تنهدَت لتفتح عينيْها : غمضي عيُونك و فكري بأشياء حلوة ويجيك النوم
ريف : مثل وشو ؟
والدتها : فكري بالملاهي لمَا يوديك فيصل . . فكري لمَا تلعبين مع صديقاتك و لمَا تطلعين . . تذكَري هالأشياء وغمضي عيونك
ريف ابتسمت بشغف لتُردف بعد ثواني قليلة من إغماضها لعينيْها : أنا و أنتِ و بابا
والدتها : بابا راح للسما عند الله
ريف : إيه لأن السما أحلى من الأرض و بابا لأنه قلبه حلو لازم يروح للسما . . كِذا يقول فيصل
والدتها بإبتسامة : صح
ريف : بعدين صار فيصل بابا . . ولمَا أنتِ ماما تروحين للسما أنا بصير ماما
والدتها اختنقت من ذكرى هذا الزوج، ضاقت محاجرها لتغرق بالدمع، أكملت ريف بما تحفظه من كلمات فيصل : بعدين يصير لنا بيت كبيييير كبيير في . . أيش إسمها ماما؟ اللي هناك عند الله؟
والدتها بصوتٍ متحشرج : الجنة
ريف : إيوا هناك إحنا عندنا بيت فيه أنا لمَا أكبر و أنتِ ماما و بابا و فيصل . . بنجيب هيفا؟ عادي؟
والدتها لم تستطع الرد، نزلت دموعها بلا توقف، ريف : بروح لهيفا بقولها شي وأرجع على طول
والدتها بلعت غصَتها : لا ماما بكرا تقولين لها . . يالله نامي عشان تصحين بدري وتفطرين وياهم
ريف بعد صمت لدقائق : ماما
والدتها : هلا
ريف : متى نروح للسما؟
والدتها : ما أعرف يا ماما! بس إن شاء الله بنروح للجنة
ريف : بابا بروحه؟ ما يخاف؟
والدتها أرهقتها هذه الأسئلة التي لا تعرفُ لها جواب : إحنا معاه . . وش قالك فيصل؟
ريف : قال لمَا أشوف عيونك ماما أشوف بابا لأن انتو الكبار . . ناسية وشو قال
والدتها تضمَها أكثر لتُردف بصوتٍ تنام به السكينة : قال لمَا نشتاق للناس اللي راحوا للسما نروح نشوف عيون اللي يحبَونهم . . لأن اللي يحبونهم يحفظونهم بعيونهم . . وأنتِ يا ريف تحفظين بابا في قلبك وعيونك صح؟
ريف رفعت رأسها : أنتِ تشوفيني لمَا تبين تشوفين بابا ؟
والدتها : لمَا أبي أشوف بابا أصلي


،

يسيرُ على الرصيف بجانبِ رتيل، تبقَى شارِعان لتجاوزه والوصُول للعمارة المنزويـة في نهايـة الطريق، وقفا حتى تُضيء إشارة العبُور وأحاديثهم البسيطة في كل ثانيـة ترنُ في صدر الآخر.
نظرت إليْه بضيق الحياة في عينيْها لتُردف : أكره هالشعور! شعور الإحباط واليأس، شعور إني ماني قادرة أسوي أيَ شي يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : لو كنتِ تبين تسوين شي قدرتي بدون لا تسألين عن أحد! أعرفك يا رتيل! أعرف حجم تهوَرك وجنُونك
إلتفتت إليه بكامل جسدِها لتبتسم بسخافة الحياة التي تصفعها : تغيَرنا ما عدنا على خُبرك!! لو أقدر كان ما طلعت معك الحين! لو أقدَر كان سويت أشياء كثيرة! بس صرت أخافك
عبدالعزيز : وش اللي تغيَر؟
رتيل بحزن هذا الكون الذي يخرجُ من شفاهِها كنصلٍ مُدمي : إني ماراح أسامحك!
عبدالعزيز نظر إليْها بنظرة غريبة، نظرة تحمل من اليأس ما لاتتحملهُ روحٍ واحدة، اقترب منها حتى تلامس حذاءهُ مع حذاءها، أضاءت إشارة العبور حتى سارت وتركته، تنهَد ليسير خلفها ناحيـة الرصيف الآخر، شدَت على شفتِها السفليَة حتى تكبت دمعًا يُجاهد للصعود نحو محاجرها، وقف بجانبها لآخرِ إشارة عبُور.
عبدالعزيز بصراحتِه المؤذيـة لقلبٍ أمتلئ بندباتٍ مالحة سبُبها صوتُه : ما حاولت أأذيك بأيَ شيء! في الوقت اللي كنت أدوَر فيه عن حياة لي كنتِ قدامي يا رتيل! سمَيه قدَر سمَيه أيَ شي! بس ما حاولت أأذيك! غلطت كثير لكن ما كانت نيتي أبد إني أأذيك لشخصك! ولا كان لي نيَة بأني أدخل قلبك! . .
عقد حاجبيْه وهو ينظرُ لكل شيءٍ عداها، أكمل : كانت نيتي الحياة! . . . إلتفت عليها وهو يُدخل يديْه بجيُوبـِه : تبين تعرفين شعوري؟ مثل الشخص المريض اللي عارف وش نهايته لكن يآكل حبوبه بإنتظام! هو يأس بس مجبور يآكل! وأنا يأست بس مجبور أعيش! ما يأست من رحمة الله! يأست من خلقه، يأست من هالطريقة اللي عايش فيها! يأست من نفسي اللي مو قادرة توقف وتتجاهل! . . . . . وتقولين ماراح أسامحك! وكأني متعمَد أأذيك وأغلط وكأن همَي في الحياة إني أقهرك! وكأن نفسي بإختياري!! . .
نزلت دمعتها الناعمة وهي تُشتت نظراتها بعيدًا عنه، أضاءت إشارة العبور لتسير بجانبه على الرصيف الأخير الذي ينتهي بشقته، في جهةٍ أخرى كان الإحباط يتسلُل لقلبها شيئًا فشيئًا حتى أندفع إلى صوتها بهيئة جُملة : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!!
في كل خطوةٍ تخطوها للأسفل كانت هُناك خطواتٌ بالخارج متجهـة إلى العمارة، رفع أصابعه ناحية ياقة قميصه ليفتح أولُ أزاريره وهو يشعرُ بأن العالم بأكمله يحشرُ نفسه بحنجرته ويخنقه، وقف قليلاً من اللاإتزان الذي يواجهه، شعر بالغثيان يغزو معدتِه ويُضبب رؤيتـه، إلتفتت عليه بخوف : عبدالعزيز!!!
عبدالعزيز لثوانِي معدودة رفع رأسه ليُغمض عينيْه بشدَة حتى يُعيد توازنـه.
يالله! أفقدُ شهيتي بالحياة تمامًا، أفقدُ قدرتي على الإتزان بها، أشعرُ بنارٍ تلهبُ صدرِي، لا أُريد أن أموت على يقضة هذا العالم، أُوَد أن أموت بسلامٍ على سريرِي دُون أن أرى أحدًا، لا أُريد أيَ أحدٍ من حولي، فقدتُ من أُريد ومازلتُ أفقد! مازال وجعي من ناصِر يتكاثرُ في داخلي، مازال بُكاء غادة يصرخُ بأذني، لِمَ! أحتاج جواب يشفي لهيبُ السؤال في عينِي! " يالله لو كِنت هِنا يا يبـه " لو كُنت تراني! لو كنت معي! لو كنت تشدَ على معصمِي وتأخذني حيثُ الصواب، لو أنني أبكِي على صدرِك لشفيْتُ والله! لو أنني أجلسُ عند ركبتيْك لداويت حُزني بكفيَك، لو أنني أُبصرك لمرةٍ واحِدة أشرحُ لك بها كيف أنَك تعيشُ بداخلِي وتُرهق عيني التي لا تراك!
فتح عينيْـه ليسير بخُطى بطيئة تجرَ أثقالاً من الحُزن، على بُعدِ خطوات وضعت قدمها على الطابق الأول وباب الخروج أمامها يتضحُ تمامًا، وقفت قليلا لتتنهَد بضيق من أنها ستخرجُ دُون أن تراه، شعرت بإنقباضات قلبها الضيَق من فكرة غيابِه المستمر عنها، في كل ثانيَة تمرُ تشطرُ قلبها المنفعل بحنينه، من خلفها وليد : يالله . .
غادة نزلت لنصف الدرج حتى تجمدَت عيناها دُون أن ترمش، رفع رأسه لتصطدم النيرَان في جوفِه، ثبت في مكانِه ليقمع اللاإتزان الذي يواجهه، سقطت ذراعه التي كانت تُلامس رأسه لتُلامس جانبِه الأيمن من جسدِه، كان كل شيء في جسدِه يرتجف، ارتجفت يديْه وهي تختبئ بمعطفِه الأسود.
كل قوايَ تضعفُ أمامها، أمام العينيْن التي تُشبهني، أهذه غادة أم أنني أتوَهم؟ لا طاقـة ليْ للتخيلات، لم أتخلص من وعثاء الواقع حتى أواجه حياةً إفتراضية أخرى، يالله ساعدني! ساعد رجلاً تخلَت صلابتُه عنه في مواجهة نفسِه، ساعِد رجلاً عبث بالحياة حتى عبثت به و شتتَه، يالله ساعدني! أخافُ من حُزني، أخافُ من إندفاع الموت في جسدِي، أخافُ من البكاء الجافَ الذي يذبلُ في صوتي، أرجُوك يالله إن هذه الحياة تختنقُ بصدرِي، خذني إليْها، ساعِد أقدامي حتى تذهب إليْها، يالله أرجُوك أمسح على حُزني بلطفك وأرحمني في هذه اللحظة، أرجُوك يالله خُذني إليْها.
في الجهة التي تُقابله، أندفع البكاء حتى سكنَت ضوضاء الدُنيا من حولهما وبقيَ الدمعُ يُؤدي مهمة النزول على خدَها الناعم بهدوءٍ.
" عزيز! " تأتِ بصورة تضجَ الحياة لجسدي، تأتِ بهيئة أبِي وأمي وعائلتي كُلها، تأتِ كـ نورٍ يُهذب عتمة قلبي، يجرحنُي الحنين في غيابك كثيرًا، يعبثُ بقلبي ويحرقُني، افترقنـا وفارقتني الحياة تمامًا منذُ ان غاب عن سمعي ذكرِك وذكر من كانوا يحملُون دمَنا و رائحتنا، أنتْ يا " جنَة صدري ". غابت ذاكرتي طويلاً لكنني لا انسى طعمُ الحُب الذي يغرق بفمي بمُجرد ما تُناديني، لا أنسى أبسطُ التفاصيل التي نشتركُ بها وأهمُها " سلطان " الذي ينتهي بأسماءنا وينتهي بكلماتنا، نحنُ الذي عشنا في كنفِ إبتسامته، أشتاقك! خُذني إليْك كما أخذتني الحياة مِنك، يموت صوتي يا عبدالعزيز ولا يُساعدني! أُريد أن أناديِك، أريد أن أستشعرُ مقطع إسمك المارَ على لساني، نادنِي يا عبدالعزيز، نادنِي!
أرجوك يالله لا تخذلني بصوتِي، أرجوك يالله ساعدنِي حتى أعبرُ هذه الخطوات لعناقه، يارب أشتاقه! أشتاقُ صدرِه، يارب خُذني إليه قبل أن أموت في مكاني، " عزيز!! قلب أختِك مجرُوح! تعال داوِي جرحها بصوتِك، تعال أسكِن فجيعة عيونِك بصدرِي، . . نادنِي! رعَى الله نهر يجيء من صوتِك، لصدرٍ أمتلىء بجفافه، رعَى الله قلبك يا روح أختِك.
بإنكسارٍ تام تحرَكت ذراعه اليُمنى وعينيْه تشتَد بحُمرة الدمع المالح، لم ترمش عيناه بعد مازالت تُصارع اليقضَة من أجلها، أقوى مني يالله! هذا اللقاء يُضعفني تمامًا، صوتي يؤذيني وهو يمُوت في داخلي! حنجرتِي يترسبُ بها البكاء ويمنع الكلمات من العبُور! وعيني يترسبُ بها الملح ويمنع نظري من الوضوح، وجسدِي يتصلبُ بالحنين ويمنعُ أقدامي من الحركَة، أنا ممنوع من كل شيء، أوَد أن أقول بوضوح " يا عين أبُوي أشتقت لك ".
بثقل تقدَم خطوتين وهو يتوسلُها بعينيْه أن تأتِ قبل أن تتبخَر قوَاه وينتهي، بخُطى سريعة غادة توجَهت إليه لتقف على أطراف أصابعها وهي تعانقه بشدَه، أغمضت عينيْها بذاتِ الشدَة وهي تغرقُ بعنقه وتستشنق رائحته التي أفتقدتها، أنهارت بالبكاء وأنينها يُسمع صداه، بكَت كأنها تواجهُ البكاء لأولِ مرَة، شدَت على معطفه من الخلف بأصابعها وهي تعانقه بكل قوَاها.
" هذه الرائحة أشتقتُها! هذا العناق أشتقتُه يا عبدالعزيز. "
وقفت ثابتًا وذراعيه لم يتحركا وتُحيطان جسد غادة، يعيشُ أعلى مستويات الصدمَة وكأنه للتو أستوعب أنها حيَة، نزلت دمعتُه وعينيْه لا ترمش، في كل لحظةٍ يعود صدى بكاءها كان الدمعُ في عينيْه يتكاثر دُون أن يسقط، همس بغير تصديق/ همس بهذيان لم يُفهم منه سوى : غادة!!
غادة وهي لا تنفَك عنه من بين بكاءها : أشتقت لك . . أشتقت لك والله العظيم . . .
هذا الصوت مازال حيَا! يالله ثبَت يقيني بما أراه ولا تتركيني أسقطُ بخيالاتي هكذا، نبرتُكِ هذه يا غادة من خدشها؟ لا تسألي عنَي! أنا ما زلت واقف في الطريق الذي رحلتُم به دفعةً واحِدة لتنتهي روحي على دفعاتٍ تستطيلُ بوجعي، ما زلت واقف! وكل ما مضى من بعدِكم كان مُجرد محاولات للحياة ولكنني لم أحيا! لم أعِش كأيَ رجلٍ ينتمي لعائلة، مازلتُم فيَ! تنامون على قلبي ولا تستيقظون أبدًا! " يا ظمآيْ! عطشتِكم يا غادة وما روتني الحياة من بعدِكم! "
رفع ذراعيْه ليُحيطانها، شدَها بقوَة ليُغلق عينيْه بذاتِ الشدَة، أمال رأسِه ليُقبَلها بالقُرب من عينيْها، شدَ على ظهره ليرفعها قليلاً عن مستوى الأرض.
كل شيء يُغيَب الوعي عن قلبي، كُنت سأرضى والله لو كنت أدرِي أنكِ على قيد الحياة ولا نلتقي أبدًا، كنت سأجد سببًا للعيش/للحياة/للسعادة، ولكنني في كل مرَة أشعرُ بأنه لا فائدة! لا أحدًا أقاوم من أجله، لو تعلمين يا غادة كيف يكُون شعور الفرد إن أستفردت به الحياة وأوجعتـه، لو تعلمين كيف يكون الغدر ممن رأيتهُم حياةً ليْ ذريعة للموت، لو تعلمين كيف للشوق أن يأتِ في منامي بشِعًا يُحبط كل أسس طمأنينتي، تخيلتُكِ كثيرًا حتى أخطأت بقدرِ ما تخيلتُك، أنا آسف لأنني لم أكن قويًا كفايةً ولا ذكيًا حتى أكتشفُ أمرك مُبكرًا، وصوتي الآن يُخطئ الخروج! مازال مبحوح في داخلي.
" رائحتِك هذه تُرادف أمي، أمي التي بكيْتُها مرارًا ولم أشعرُ بلذاعة الشوق إلا بها، كيف أشكُر الله عليكِ الآن؟ كيف أقُول الحمدلله بطريقة توازي لُطف الله بيْ! أنتِ هُنا يا غادة! هُنا وأنا أذهبُ لقبرٍ أجهله أبكِي عليه، أنتِ هُنا ولم يهزَني طوال حياتي شيئًا بقدر ما هزَني موتكم، صبرتُ كثيرًا حتى أنهارت قوايَ مرةً واحِدة لتدفعني لفداحةٍ لا أدرِي كيف أتجاوزها! أشتقتُك! أشتقتُك بمرارة البكاء العالق فيَ، بِوحدةِ الأغصان المغروسـة في صحراءٍ شاسعة، بسماءٍ جفَفها الغبَار ولم يُسعفها مطر، بفعلٍ صاخب كانت ردَة فعله : صمت، أشتقتُك كثيرًا وكثيرًا لستُ عميقة كما ينبغي لقلبك " يا روح أخُوك ".
منذُ أن رآه وقبل أن يرفع عينيْه عاد وليد للخلف ليصعد للطابق الثاني ويخرجُ من مخرجٍ آخر، ضرب بقبضته على الجدار، كل شيء ينتمي إلى الحياة يتعمَد الوقوف ضدَي! كنتُ أحتاج وقتًا بسيطًا حتى تثق بيْ ولكن لا مجال للثقة أبدًا، عادت لحياتها التي تُريدها وأنا؟ مثل كل مرةٍ تنتصبُ الخيبة أمامي بثبات.


،


خرجت والدتها من غرفتها بعد أن سكنَت ونامت، لتُقابل ريَان بوجهها : خوفتني بسم الله
ريَان : آسف ما كنت أقصد . . وش فيها الجوهرة ؟
والدتها تنهدَت : ولا شي . . كانت ستتجاوزه ولكن وقف أمامها . . يممه بالي مشغول أبي أعرف
والدتها : ريَان أختك ما تتحمل تسمع منك . .
يُقاطعها : تطمَني ماني مسوي لها شي! تراني أخوها ماني عدوَها
والدتها : أستغفر الله . .
ريَان : وش فيها؟ ماراح أنام لين أعرف
والدتها : طلَقها سلطان
ريَان ثبَت عيناه بعينيَ والدته دُون أن يرمش، صُدِم بما يسمع وهو الذي يظن أن حياتهما تسير كما ينبغي، شعر بأن أحدًا يصفعهُ بكفٍ باردة، لم يتوقع ولا 1٪ أن يصِل حال الجوهرة إلى هذا الحال من أجل سلطان.
والدته : لا تضايقها بشي ولا تعلَم أحد لين أخبَر أبوك . . . تركته دُون أن يخرج من بين شفتيْه كلمة واحدة.
أنا الذي اجبرتها على الموافقة في كل مرَة وأنا الذي أجبرتها على الرفض كثيرًا، ليتني وقفت بوجه هذا الزواج، ليتني لم أجعلها تعيش معه هذا الألم وأنا أُدرك بأن بداية الزواج كانت سيئة، وأن بناءِهم لهذه الحياة كان هشًا، لو أنني فقط تخليَت عن إندفاعي وفكَرت بعقلانيَة تصبَ في مصلحتها. يارب أرحمنا!
تقدَم بخطواتِه ليفتح الباب بخفُوت ويطلَ عليها، أطال النظر إلى ملامحها الشاحبة الباكيَة، أخذ نفس عميق ليتراجع ويُغلق الباب.
عاد إلى جناحه والهمَ يُثقله، نظر لريم التي تعبث بهاتفها لترفع رأسها إليْه، بتذمَر : ولا أحد من أهلي يرَد عليَ! أكيد صاير شي
ريَان عقد حاجبيْه : لا توسوسين كثير
ريم : حتى تليفون البيت محد يشيله! و زوجات أخواني ولا وحدة ترَد!
ريَان أستلقى بضيق : الخبر الشين بيجيك لين مكانك! تطمَني
ريم تركت هاتفها : الله لا يفجعنا بأحد بس . . . رحت تشوف الجوهرة؟
ريَان : لقيتها نايمة
ريم : قلت لك يمكن من الحمل تعبانة وتتحسس من أيَ شي
ريَان بفضفضة لم يعتادها : أحس إني مشتت مو قادر أركَز بشي
ريم : مشتت بمين؟
ريَان : قسيت عليها كثييير ، أجبرتها على أشياء ماتبيها
ريم بلعت ريقها وهي تنظرُ لعينيْه التي تنظرُ للسقف بندمٍ شديد يتضحُ ببريق هذه النظرات.
يُكمل : بس والله كنت خايف عليها! كنت أحسَها طايشة ما تعرف تقرر صح بحياتها، ما أبي أحس إني ظلمتها بس أحس كل شي في ذاك الوقت كان ضدَها
ريم : وإذا كانت طايشة! من حقها تختار حياتها . . ريَان أنت أجبرتها تتزوج سلطان ؟
ريَان : لا كنت رافض! ما أطيق سلطان أصلاً عشان أوافق عليه لكن أبوي هو اللي وافق وطلَعني من الموضوع، بس كنت حاسَ أنه ماهو مناسب لها! وكنت داري أنه يحس في داخله أنه متزوَجها بس كِذا عشان موقف ماهو عشانها الجوهرة بنت عبدالمحسن
ريم بعدم فهم : طيب لا تفكر بأشياء راحت وطلعت برا سيطرتك وتلوم نفسك عليها
ريَان : ماني فاهم الجوهرة! أحاول أتقرَب منها بس ماتعطيني أيَ فرصة . . دايم تحسسني إني أنا وتركي أعداءها
ريم : تركي عمك؟
ريَان بسخرية : إيه عمَنا اللي نسانا
ريم : مو قال أبوك أنه سافر برا ؟
ريَان : إيه وشكله مسوي مصيبة مع أبوي عشان كذا قطع فينا
ريم : أكيد فاهم الجوهرة غلط! مستحيل تحسسكم أنكم أعداءها بالعكس تلقاها تحبكم أكثر من روحها
ريَان : ما لحقتي عليها كيف كانت تتجنَب تطالعني وكيف تقطع أيَ موضوع إذا شاركنا تركي فيه
ريم بعُقدة حاجبيْها : ريان والله شكلك فاهم غلط! ممكن وقتها صار خلاف بينها وبين تركي وتصرفت كذا مو شرط يعني!
ريَان : قلبي يقول فيه شي بين تركي و أبوي والجوهرة! بس مو راضيين يقولون لي وحتى أمي شكلها تعرف ومهي راضية تقولي! لأنها كانت تسأل عن تركي دايم بس الحين ما عادت تسأل عنه
ريم تنهدَت بإبتسامة : أنت اللي لا توسوْس الحين! الخبر الشي بيوصل لعندِك تطمَن
ريَان رُغما عنه إبتسم : خبر عن خبر يفرق
ريم : والله ريان أنت موسوْس كثير
ريَان إلتفت عليها بنظرةٍ جعلتها تندفع بالكلمات : بس يعني ماشاء الله عليك يعني متزن وعاقل وكذا
ضحك ريَان ليُردف : زين الله يسلمك
ريم بعفوية : وش دعوى عاد! تراني أحبك ماأرضى عليك بالشينة بس يعني أنت توْسوس كثير بس هذا عيبك لكن إيجابياتك كثيرة
ريَان أستعدَل بجلسته بعد أن طرقت أسماعه " أحبك "، إلتفت عليها بكامل جسدِه، ريم إرتبكت من قُربه لتُردف : قلت شي غلط؟ تراني أخاف من نظرتك ذيْ!!!
ريَان بإبتسامته التي لا تظهر كثيرًا وإن ظهرت تأخُذ قلب ريم معها : أبد كل اللي قلتيه على عيني وعلى راسي


،


أفلستُ من الدنيَا، هذا ما أنا أيقنت منه تمامًا، في الثانية التي قُلت فيها " أحفظي لي يا عبير ما تبقى من قلبي " تجاوزتني دقيقة الوداع، لو أنَكِ سمحتي ليْ بأن أُحبك فعلاً وجنونًا لأسبوع، فقط أسبوع أسترَدُ به قوام حياةٍ تهشَمت أمامي، ولكنكِ قسيْتِ من أجل العقل، من أجل الأشياء اللامعروفـة، لِمَ نفترق وكلانا يُحب بعضنا البعض؟ لِمَ نسير بطريقيْن منفصليْن ونحنُ نعيشُ تحت سماءٍ واحدة؟ لِمَ يا رحمة الله في عيني؟ كان من المؤسف والله أن تختارِي الفراق وأنا الذي ردَدتُ كثيرًا لا طاقة لي بفراقٍ ينتهي بغيابٍ لديارٍ أخرى تحت التراب؟ كيف وأنتِ ترحلين بخُطاكِ فوق التراب؟ كيف تجرأت القسوة بعينيْك وفي ماؤها جنَة ؟ أخترتِ النهايـة، أنا الذي كنت أظن كثيرًا بأن النساء إن أحببن يتركن قواعد الحياة وقناعتها ويعشقن بجنُون! ولكنكِ كنتِ مختلفة عنهن! أخترتِ السير خلف عقلك وقناعاتها والحياة، أخترتِ موتي. فاشل! أُدرك ذلك، فشلت بالإنسلاخ عن والدِي لأكون بمظهرٍ يليقُ بإبنة عبدالرحمن، فشلت لأني لا أعرف أن أعيش في كنفٍ أحدٍ غير عينا والدِي، أنا لا أعرف تمامًا مالذي يجب أن أفعله! ولكنني في نهاية الأمر أنا إبنه وهذا مالايتقبلهُ والدِك وأنتِ أيضًا.
من خلفه : وين غرقت؟
فارس بضيق : أفكَر
جلس بجانبه : بأيش ؟
فارس صمت قليلاً ليُردف : ما أعرف الصح من الغلط
: أسمعني يا فارس! مافيه أحد معصوم من الخطأ . . كلنا نخطي وكلنا نتصرف أحيانًا بتهويل . . لكن بالنهاية إحنا محنا منزهَين ولا ملائكة . . أهم شي أننا نصلَح أغلاطنا
فارس : وصححت أغلاطي! لكن محد قِبَل
: مع الله كل شي يهون
فارس : أعرف وش بيصير بالنهاية! بسلَم أمري لله وبتقبَل إنه هالزواج اللي أصلاً ما أعرف كيف بدأ، ينتهي! لكن ماراح أتقبَل إنه أبوي ينتهي . . عارف أنه ممكن يكون أسوأ الأشخاص بنظركم لكنه أبوي! مقدر أقول الحق حق ولازم يتعاقب! مقدر أكون كِذا . . .
: كل شخص يا فارس راح يدفع ثمن أخطاءه، أنت الحين تدفع ثمن أخطاءك رغم نيتك الطيبة . . وأبوك راح يدفع ثمن أخطاءه مهما كانت نيَته، وكلنا ندفع ثمن أخطاءنا! مافيه شي نسويه بدون مقابل! ومقابل هالأخطاء عقاب ممكن يكفَر عن أخطاءنا! ليه الله أوجَد الحدود في الدنيا؟ أوجدَها تكفير لنا ورحمة
فارس : وش بتكون عقوبة أبوي؟ القصاص؟
: فارس المسألة مو بكيفية العقوبة . .
يُقاطعه : كنت عارف . . الله يصبَرني على اللي بقى من عُمري
يربت على كتفه بيدِه الحانية : الله يصبَرنا كلنا . . .
فارس الجالس على الطاولة وأمامه دفتر فارغ وقلم، رفع عينه إليْه : ينفع أرسم؟
بإبتسامة : خذ راحتِك
أخذ الدفتر ليثبَت رأس قلم الرصاص بمنتصف الورقـة، إحتار عن أيَ شيءٍ يرسم، يُريد أن يفضفض بالرسِم ويتجاوز حزنه بالرسم، خطَت عيناه بكلماتٍ أطرقت قلبه، كتب : " رعى الله عيناكِ حين جفَت وصدَت " . . .
وقف الآخر ليتجِه نحو هاتفه ويُجيب بدهشة من الصوت الذي يصِل إليه : وعليكم السلام والرحمة
سلطان : بشَرنا عن أحوالك؟
: بخير عساك بخير وصحة
سلطان بحدَة : ماني بخير . . أفكَر بالشخص اللي يغدر فينا
: سلطان
سلطان : أسمعك! وش أسبابك اللي بتقنعني فيها؟ سنة ونص وأنا أركض ورى شي ماله أساس من الصحة والمُشكلة إنك تدري وتعرف! سنة ونص راحت وأنت أكثر شخص تعرف إنه الثانية اللي تضيع منَا عن يوم كامل!!
: تثق فيني؟
سلطان بغضب : لا!
: يا بو بدر تعوَذ من الشيطان
سلطان : أسألك بالله ما فكَرت فينا؟ ما فكَرت وش المصايب اللي بتطيح على راسنا من تصرفك؟ ما فكَرت بعبدالعزيز اللي خليناه يروح للخطر بكامل إرادته عشان معلومة أنت تملكها!!!
: إلا فكرت وعبدالعزيز يهمني قبل كل شي! وكل اللي سويته كنت أبي أنهي فيه شغل أستمر لسنوات
سلطان تنهَد : بس أنت كِذا دمرتني! خليتني أفشل بأكثر شي كنت أبي أنجح فيه وأنتهي منه . . الغلط مو بس فيني! الغلط بيصير على إدارتي كلها! وأنت فاهم قصدي وعارف أنه أيَ غلط بسيط يعتبر في عيوننا عظيم كيف عاد لو كان غلط مثل هالغلط؟ . . ريَحني بس وقولي عن كل اللي تعرفه . . ما عاد أتحمَل أنه يضيع لي وقت ثاني!!!
: طيب أبشر بقولك كل شي


،


ينظرُ بإستغرابٍ تام لهما، وقف ناصِر : كيف يعني ؟
الشخص الذي يجهلُ تماما من يكون : بتطلع براءة وتسأل كيف يعني؟ مفروض تنبسط
ناصِر : بالأول أعرف مين اللي تدخَل
: عبدالرحمن آل متعب . . أرتحت؟
ناصر بشكَ : مستحيل! أنا أعرف مين وراكم
: أنا سويت اللي عليَ وأنت براحتك إذا تبي تخيس بالسجن!!!
تنهَد بضيق من هذه الأفكار التي تطرأ عليه : طيب . .
أتى الضابط ليسلَمه أغراضه الشخصية التي تم ضبطُها له عند دخوله للسجن، أخذها ناصِر ليضعها في جيبه، أرتدى معطفِه ليقيه من برد باريس في هذه الفترة من السنة التي تتجمَد بها الطرق بأكملها من درجة الحرارة المتدنيَة، خرج معه ليلتفت عليه ناصر : سويت اللي عليك وشكرًا ممكن تروح الحين
: بوصلَك
ناصِر : لآ شكرا أنا ادل طريقي
: طيب مثل ما تبي . . . . . أبتعد عنه وهو يلتفت كثيرًا عليه، بمُجرد ما أن دخل ناصِر للجهةِ الأخرى وعبر الطريق، تبعه الشخص على مسافةٍ بعيدة حتى لا يلحظه.
إتجه ناصِر بإتجاه شقتِه وهو يكرهُ كل خطوةٍ يخطوها في باريس التي أصبحت مدينة العذاب بالنسبة لقلبه، بثوانِي قليلة وصَل ليأت صوتُ العجوز المسن : ناسِر!!!
إلتفت ناصر بإبتسامة جاهد أن تخرج بإتزان : كيف حالك ؟
: أصبحت بخير، هل أخرجوك براءة ؟
ناصر هزَ رأسه بالإيجاب ليأتِ صوتُ المسَن متهلهلاً بالفرح : مُبارك . . لحظة هُناك رسائل كثيرة اتت إليْك من عملك
ناصر تنهَد ليمدَ يدِه ويأخذها، قلَبها بين كفيَه وكلها إعلانات و دعواتٍ إنضمام لبعض الإجتماعات والحفلات، وقعت عيناه على عنوان الجامعة التي تنتمي إليها غادة في وقتٍ سابق، ارتجفت حواسَه من الرسالة التي تأتِ بغير وقتها، ترك بقية الرسائل ليأخذ هذه الرسالة ويصعد للأعلى، فتحها قبل أن يصِل لشقته، فتح الباب ليُغلقه بقدمِه من الخلف، وقف بمنتصف الشقة والعالم بأكمله يدُور حوله بالكلمات التي يقرأها.
" أكتب لك بـ 2008 رسالتنا المستقبلية اللي أستهزأت فيها كثير يا ناصر وقلت بلا خرابيط وخليتِك تكتب لي رسالة بعد جهد عظيم، المهم صباح أو مساء الخير على عيُونِك يا ناصر يا زوجي و يا حبيبي، مرَ الحين 5 سنوات على زواجنا، عندنا بيبي ولا بعد : $ ؟ أتوقع بـ 2013 عندنا ولد يشبهك، أكثر شيء أحلم فيه وأتمناه يتحقق بالخمس سنوات الجاية، أننا نكون مستقرين بحياتنا وعندنا أطفال بالأسماء اللي نحبَها وأخترناها . . تذكر لمَا كنَا جالسين عند النهر واتفقنا على أسماء كثيرة، أتفقنا على نُورة إسم أمك الله يرحمها وعلى سارة و على ضيَ و دانَة، وأتفقنا بأسماء الشباب على سلطان و عبدالعزيز و ثامر على إسم أبوك . . كنَا دايم نقول نبي نحتفظ باللي نحبَهم في أطفالنا، أطفالنا اللي ما جوَ، تعرف شي يا ناصر، أنا ما أخاف أفقدِك، أخاف من الحياة بعد فقدِك كيف تنعاش! مرَة قلت لي تعرفين ليه العصافير تغني عندِك؟ تذكر الله عليك. تعرف إني بيومها ما نمت! ولا قدرت أنام، كنت أبي أطير وأطير من الفرحة، كنت أبي أصرخ وأقول فيه شخص مجنون قالي كلمتين ودَت قلبي بداهية، لو تدري وش كثر أفتخر فيك! لمَا يقولي عبدالعزيز أنك إنسان جافَ وحاد وثقيل بشكل ينرفز، أجلس أفكَر في تعاملك معي أحس إني إنسانة مميَزة وإستثنائية، أحس إني شيء عظيم بعيونك وهذا الشعور يكفيني والله، إذا وصلت لك الرسالة وكانت الظروف تمنعنا عن بعض اتصل عليَ، إذا كنَا متهاوشين وأعاندِك تراني كذابة وأبيك تراضيني، وإذا كنَا منفصلين رجَعني لعيُونك، وإذا ما عشت لهالوقت تعال لي بالصلاة، أحب دعواتِك وأحب ( الله يحفظ مكاني بقلب بنت سلطان )، الله يحفظ لي من علَمني الشِعر كيف يكون و الحُب كيف يكون، الله يحفظك كثر ما رددَت مع البدر " المحبة أرض والفرقآ أراضي والزمن كله ترى لا غبتِ ماضي، والله إني ما أشوف إلا عيونك، إن رحلت اليوم أو طوَل مراضي، قالوا العذال والعذَال مرضى، وش بلا حالك من الأشواق قاضي، قلت يهجرني حبيبي لين يرضى! علَموا الظالم ترى المظلوم راضي، جرَحوني في هواك وقلت أبشكي ماهو من جرحي ولكن لـ إعتراضي، وش عليَ لو قطعَوا لأجلك عروقي من رضى بالحُب يرضيه التغاضي "
. . . . . . . . . . . . . . ناصِر/ لِك في الهوَى ديرة ولِك في صدرِي مُلك.

أنتهت الرسالة بإسمها المزخرف على طرفِها " غادة "، لم يحدُث أيَ شيء من هذا، لم تأتِ نورة ولم تأتِ سارة، لم يأتِ سلطان ولم يأتِ ثامر، أنتظرناهما كثيرًا ولكننا لم نفلح، نسيتِ تمامًا من أكون! ولكنني لم أنساك! مازلت أحفظك عن ظهرِ حُب/غيب، مازلت أعرفك تمامًا مهما تلاطم موجُ الغياب عند أقدامِك، كيف يكون منظر الأحلام حين يقرأها شخصًا لم يُحقق ربعها؟ كيف يكون هذا المنظر مُفجعًا بهذه الطريقة؟ لم نسكن الرياض ولم نعيشُ بإستقرارٍ نحلم به، رحلتِ يا غادة منَي في الوقت اللي كان صوتِي يُرقِي قلبي بـ " أحبك "، رحلتِ منَي وأنا الذي أنتصفُ الأشياء معك ولم أستطع أن أنتصفُ قلبي لكِ، أنتِ لم تكوني النصف منِي، كُنتِ " أنا " بأكملي، وكان قلبي يسكُنك كما أنهُ قلبك، أضعنا الطريق، وأضعنا الحياة، لو أنني أملك دقيقتين أقف بها أمامك لأودَعك بما يليق، نحنُ لسنا منفصليْن ولسنا متخاصميْن، كيف أتواصلُ معك؟ لا أملك سوى صوتُك الذي ينمو بيْ، لا أملكُ سواه.
آمنت الآن أن لا عودَة، آمنت أن هذه الرسالة تأتِ بطريقة معزيَة، لم نحقق شيئًا طوال الخمس سنوات شيئًا، ماطلنا بموعدِ الزفاف وقضيْنا وقتنا بالخطط والأحلام ولكننا حين حققنا أول حلم أغتالونا بليلة فرحنا، هل أقول " رحِم الله قلبًا تربَى على حُبك، أم أقول سامح الله الطُرق الذي لم تدلَك علينا ( أنا وقلبي ) ؟ أم أقول لنا الجنَة، لنا الآخرة نحنُ الذين لم نفلح بالدُنيا ؟ "
توقف عن التفكير إثر الإختناق الذي واجهه من كفٍ يجهلها، حاول أن يلتفت ليرى من دخل إلى شقته ولكنه لم يفلح إثر إستنشاقه لمادةٍ مُخدَرة أسقطته ومازالت الرسالة تنام على يدِه بين أصابعه.
تنهَد الآخر ليتصِل ويأتِ صوته صاخبًا : بسرعة تعال شيله معايْ


،

لم يتحدَث بشيء، كان يُريد أن يسمعها فقط، ينظرُ إلى عينيْها طويلاً دون أن يمَل، مازال تحت وقع اللاإستيعاب، يُجاهد أن يُفكر ولكن لا تفكيرٍ يطفو على سطح عقله، كل ما يفكِر به الكلمات التي تتوافدُ من عينيْها.
يالله هل ما أراه حُلمًا؟ يالله لا تفجعني بهذه الأحلام، لا تُفجعني بعينيْها! أحتاج لأيامٍ متواصلة حتى أُصدَق أن هذا الصوت حقيقيًا وهذه العينيْن حقيقة، أشعُر أنَي أفقد عقلي، أًصاب بجنون الحقيقة، ياللسخرية! السخرية التي تجعل حتى الحقيقة محضُ جنون بدلاً من أن يكون الخيال محض الجنون! يارب كيف لهذه العينيْن أن تغيب عنَي كل هذه المدَة؟ كيف لم أنتبه لأفعالهم معي؟ عندما علَمني والدِي العفُو هل كان يعرف أن هُناك اشخاص لا يستحقون الرحمة؟ ليتك يا " يبه " تنظُر للحال الذي وصل به إبنِك، لو يأتِ منك عناقٌ واحد والله لصلحت الحياة بعينِي.
غادة : أبي أسمع أخبارك، ناصر كان يقولي عنك بس . . أبي أسمع منك
عبدالعزيز : وش كان يقول ناصر ؟
غادة : يطمَني عليك وكان يتصل عليك كثير بس ما ترد، حتى مرَة ما نام يومين وقام يهذي فيك، كان يبي يكلمك بأيَ طريقة بس ما كنت ترد يا عبدالعزيز
عبدالعزيز بضيق : تعبان؟
غادة : تعبان حيل، مقدرت أتذكره . . أخفضت رأسها لتعود لبكاءها . . . مقدرت! حاولت بس مقدرت . . كنت أتذكر بعض الأشياء وأحس فيه، والله يا عبدالعزيز أحس فيه وأحس إني مقدر أبعد عنه لكن ما عرفت أتذكر شي يربطني وياه
عبدالعزيز : ما تتذكرين أيَ شي بعد الحادث ؟
غادة : لا، صحيت بالمستشفى وقدامي الدكتور وليد وبعدها جاني ناصر
عبدالعزيز : أهم شي إنك بخير
غادة : الحمدلله . . أحس قلبي يرجف من الفرحة . . . . كنت مشتاقة لكم كثيير، فجأة قالوا لي أنهم ماتوا محد مهَد لي بشي كنت محتاجة أشوفك! كنت محتاجة أحس أنه جمبي شخص يهمني وأتذكره
عبدالعزيز : الله يرحمهم ويغفر لهم . . .
غادة تلألأت عينيْها بالدمع : متضايقة من شي واحد إني ماني قادرة أتذكر آخر أيامهم، ودَي أتذكر أبوي كيف كان و أمي و هديل
عبدالعزيز : كلنا كنَا فرحانين فيك وكنا ننتظر هالليلة من زمان وليتنا ما انتظرناها
غادة من بين بكاءها : قالي ناصر! مدري كيف أنقلبت ليلتنا من فرح لحزن! . . .
عبدالعزيز : ما قالك ناصر وش كثر مشتاق لك ؟
غادة شتت نظراتها ليندفع الدمعُ على خدَها الناعم : كثييير يا عزيز . . . . بس تغيَرت كثير! أحس وجهَك متغيَر مرة
عبدالعزيز بصوتٍ يائس : ما عاد فيه شي يغريني للحياة . . . . بيوم وليلة رحتوا يا غادة! وبيوم وليلة رجعت الرياض، كل شي صار بسرعة، وكل شي كان يقتلني ببطء! كنتوا تجوني كثير! كان يقولي أبوي لا تغلط! بس ماعرفت أنتبه لأفعالي! ماعرفت أيَ غلط يقصد!!! يا كثر ما ضاقت فيني ويا كثر ما قلت الموت قرَب! ويا كثر ما قلت فيه أمل! ويا كثر ما أنكسر فيني هالأمل، حلمت فيك في وقت حلم فيك ناصر وخفنا! لو تشوفين كيف خفنا إنك تتعذبين بقبرك!!! لا أنا نمت ولا ناصر، جلسنا نفكَر وش الشي اللي ممكن تتعذبين عشانه! ما كنَا ندري إنك تشاركينا السما! . . .
غادة أقتربت منه لتُقاطعه بعانقها : يا جعلني ما أبكِيك . . يا جعلني ما أبكِيك يا أخويْ
عبدالعزيز : الله يغفر لي أخطائي اللي مخليتني أعيش هالحزن . .
غادة : خلنا نبعد من باريس! نروح أيَ مكان . . خلنا نترك كل شي هنا ونبعد مع ناصر . . بتروح لناصر صح؟ قالوا لي ما أقدر أزوره
عبدالعزيز : حتى ناصر!
غادة أبتعدت عنه لتنظر إليه بإتساع محاجرها بالدمع : كيف حتى ناصر؟ هو قبل لا يكون زوجي كان أخوك و رفيق دربك!!!
عبدالعزيز بحدَةِ صوته : متضايق منهم كلهم و مقهور منهم كلهم بعد!
غادة : بس . . . بس هو ما سوَا شي
عبدالعزيز : ليه ما تفهميني يا غادة؟ أقولك متشفق عليكم و هو يدري ومع ذلك ما قالي!!!!
غادة : بس حاول يتصل عليك والله يا عبدالعزيز حاول، قدامي كان يصارخ و يعصَب كل ما طلع جوالك مغلق أو خارج منطقة التغطية . . . والله ما نام وكان يهذي فيك!
عبدالعزيز عاد لصمتِه المؤذي، لنظراته المُشتتة، لحزنه العميق الذي لا ينفَك عنه، وصل أقصاه من هذا الوجَع.
غادة تأملت الشقة المتغيَرة تماما عنها لتقطع الصمت الذي أمتَد لدقائق طويلة : مين اللي كانت معاك ؟
عبدالعزيز دُون ان ينظر إليها : زوجتي
غادة تجمدَت حواسَها بما في ذلك عينيْها : زوجتك!!!
عبدالعزيز تنهَد : إيه . . سالفة طويلة بعدين أقولها لك
غادة : وعايش معها هنا مو في الرياض؟
عبدالعزيز : وأثير بعد
غادة نظرت إليه بصدمة حقيقية : أثير؟ أثير ما غيرها؟
عبدالعزيز : قلت لك سالفة طويلة بعدين أقولها لك
غادة : تزوجت ثنتين!!!!
عبدالعزيز تنهَد بضيق يختنق منه : إيه
غادة والدهشة تعبر صوتها : ليه ؟
عبدالعزيز إبتسم : وش اللي ليه ؟
غادة إبتسمت لإبتسامته لتضربه على كتفه بخفَه : نذل! حارمني من هالإبتسامة!!!
عبدالعزيز : ما عاش والله من يحرمك من إبتسامته
غادة مازالت الإبتسامة تُزيَن محياها لتردف بفرح : إيه وش أخبارك بعد؟
عبدالعزيز : ما صار شي مهم
غادة : على أساس قبل شوي تقول مافيه شي وطلعت متزوَج! قولي الأشياء الغير مهمة طيب وين أثير؟ حتى هي أشتقت لها
عبدالعزيز : بتنام عند أهلها لو تدري عنَك كان جتَ
غادة : طيب و زوجتك الثانية وش إسمها؟
عبدالعزيز : رتيل
غادة : من وين تعرفها؟
عبدالعزيز : بنت عبدالرحمن آل متعب .. تذكرينه؟ دايم أبوي كان يسولف عنه
غادة : إيه عرفته مع سلطان بن بدر صح ؟
عبدالعزيز : وتقولين ذاكرتي ضعيفة! متذكرة كل شي
غادة : أتذكر الأشياء القديمة قبل لا أنخطب لناصر، فترة الخطبة ما أذكر منها شي
عبدالعزيز وبفرطِ اللاتصديق الذي يُصيبه ردد : الحمدلله الحمدلله . . خلينا نصلَي أخاف يصير لنا شي
غادة أبتسمت لتقف وتتجه معه نحو المغسلَة، توضأت بجانبه ورُغم أنه على وضوء أعتاد عليه من طبع والده الذي علَمه أن يبقى على وضوءٍ دائِمًا، توضأ مرةً أخرى، ثوانِي قليلة حتى أنتهيَا.
مدَ لها جلال الصلاة و فرش السجادةِ بالعرض، كبَر بنبرةٍ جعلتها تتأخر بقراءة سورة الفاتحة، بنبرةِ والدها تمامًا، النبرة التي لا تغيبُ عنها أبدًا.
نزلت دمعةُ يتيمة وعينيْها منخفضتيْن، تجمدَت تمامًا من أيَ فعلٍ وعُقِد لسانها بالحنين الذي تغصَ به، في جهةٍ أخرى لم يستطع أن يُنهي الفاتحة، غصَ بها وهو يقول " إهدنا الصراط المستقيم "، مضت دقائِق كثيرة على وقوفهما حتى ركعت غادة لتسقط الدمعة على السجادة و تتشكَل كبقعة، من بعدِها ركَع، رفعَا من الركوع معًا، " الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه " سجَدا وبالسجُودِ أضطربت المشاعر، لم يكُن من الغريب أن يُطيلان هذا السجود الذي يربطهما بالرحمن الرحيم.
بقلبٍ يبتهَل " اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد والشكِر، يارب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتها عليَ وأن أعمل عملاً صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك من عبادِك الصالحين، يارب ساعدني بأن أتجاوز حُزني بالتقرب إليْك، يا رب ساعدني بأن أنفض يدي من هذه الدنيا، وأحفظ غادة من شرور الدنيا و أهوائها، يارب أحفظها بعينيْك التي لا تنام، يارب أرحمها برحمتك التي وسعت كل شيء يا رحيم يا منَان، يا غفور يا كريم تجاوز عن سيئاتها وأرشدها إلى الصواب، يا رب يا كريم أحفظها ولا ترني بها مكروهًا، و أجعل حُزننا تكفيرة لذنوبنا، يارب يا كريم أغفر لوالديَ . . . . –( أختنق بدمع صوته، ليست عيناه وحدَها من تتحشرج بالدمع، هُناك قلبٌ يبكِي ببحَةٍ تعبرُ صوته، وهُناك نبرة تتبلل بالبكاء ) . . أغفر لوالديَ وأرحمهما، يارب آنس وحشتهما وتجاوز عن سيئاتهم بالحسنات وجازِهم بالحسنات إحسانًا، اللهم لا تجعل آخر لقاءي بهم في الدنيا، اللهم لا تجعل آخر لقاءنا في الدنيَا، اللهم أغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغفر لمن أشتاقت لهم نفسي، اللهم أغفر لهم وأجمعنا بظلِ عرشك يوم لا ظِل إلا ظلِك "
رفع من السجود وعينيْه محمَرة، رفعت معه، ثوانِي قليلة حتى سجدا السجدة الثانية، تتصِل أرواحهم بالدعاء، ردَدت بعد الحمد " اللهم أحفظ عبدالعزيز و طهَر قلبه من حُزن الدنيا، اللهم أحفظ عزيز ولا ترني به مكروهًا، اللهم يا كريم أحفظ قلبه من شرَ هذه الدنيا و همَها، اللهم لا تجعل له همًا إلا فرجته ولا غمًا إلا كشفته ولا ذنبًا إلا غفرته، اللهم لا تجعل الدُنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأجعل الجنة دارنا، اللهم يا كريم أغفر لوالديَ وأرحمهما برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم أرحم هديل رحمةً واسعة و . . . . بكت حتى وصل بكاءها إلى قلبِ عبدالعزيز الذي بجانبها، شدَت على السجادة حتى لا تنهار ببكاءها، أشتَد دمعها.
أشتقت لعناق هدِيل و لذَة إسمها بالنداء، أشتقت لإبتسامتها و لضحكتها، أشتقت يالله إليْها، أشتقت لعنادها وغضبها، يارب لا تُرهقني بإشتياقي ولا تُحزنَي، يارب أرحمها . . يارب أرحمها يا كريم وأغفر لها خطاياها وتجاوز عنها.


،

الساعة تصِل للثالثة فجرًا ولا يخرُج أحدًا من غرفة العمليات يُطمئنه، يسير ذهابًا وإيابًا وعقله يتشوَش بكل دقيقةٍ تمضي، ولسانِه يُردد " يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا "
رنَ هاتفه ليُجيب : ألو
يوسف : وش صار؟
منصور : إلى الآن
يوسف بدهشة : 4 ساعات وإلى الآن!
منصور : الله يجيبها سليمة . . أبوي الحين بمركز الشرطة يحققون وما بعد عرفوا مين!!!
يوسف : يارب بس
منصور : شلون هيفا ؟
يوسف : توَها نامت الحمدلله
منصور تنَهد : الله يلطف فينا ولا يفجعنا
يوسف : آمين . . بس يصير شي أنا أول من تتصل عليه وتطمَني
منصور : إن شاء الله
يوسف : بحفظ الرحمن . . . أغلقه.
سمع صوتُها ليسرع بخطواته إليْها، جلس عند رأسها : بسم الله عليك . . بسم الله عليك . . هيوف حبيبي طالعيني
هيفاء تصاعدت شهقاتها ببكاء يكسرُ أيَ قلبٍ يراها، شهقَت حتى أختنقت، يوسف بضيق رفعها ليُجلسها، طوَق وجهها الباكي بكفيَها : أشششش خلاص . . . هو بخير توَ كلمت منصور
هيفاء بفزع نبرتها : يوسف
يوسف : سمَي
هيفاء بأنفاسٍ مضطربة متصاعدة : تكفى ودَني للمستشفى . . تكفى . . تكفى
يوسف : بودَيك بس مو الحين . .
هيفاء برجاء تتوسله : تكفى . . تكفى يا يوسف خلني أروح
يوسف بتوتر : طيب بوديك بس منصور راح بسيارتي، بودَيك تطمَني . . .
هيفاء ببكاء : لو يصير فيه شي وش نسوي يا يوسف؟ وش تسوي أمه؟
يوسف : لا تفكرين بسلبية! خلاص أهدي وأدعي له . . ماراح يفيده البكي بيفيده الدعاء
هيفاء بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا وتغرق بالبحة : يارب احفظه لنا . . يارب لا ترينا مكروه فيه . . يارب لا تُرينا مكروه فيه


،


يجلسُ عبدالله أمام سلطان بجانب الضابط الذي يُحقق بمسألة فيصل، سلطان : الساعة 10 و 45 دقيقة تمت الحادثة و العامل اللي كان موجود في الحيَ قال أنه فيه شخص دخل ما يسكن الحيَ وهو الوحيد اللي كان داخل في ذاك الوقت، دخل الساعة 8 و فيصل وصل بيته الساعة 10 . . ليه أنتظر 45 دقيقة ؟ وليه أصلاً جاء من بدري إذا كان هو مراقب فيصل ويعرف مواعيد شغله!!!
عبدالله بإرهاقٍ يستنزفه : ممكن عشان محد يشكَ!!
الضابط : تعرف يا بو بدر الطريقة اللي تم الإعتداء فيها على فيصل جتَ بصورة سريعة ولو حطينا سيناريو للي صار، بيتضح أنه المرتكب هرب من الناحية الشمالية عكس مكان دخوله من الناحية الثانية، لأن أقدامه وطَت الزرع وواضح الأثر على الرصيف كان متجه للشمال، وسوينا نقطة تفتيش في الطريق العام لكن ما وصلنا لشي هذا يعني بعد أنه المرتكب جاء بدون سيارة! وتخبَى!!
عبدالله تنهَد : الحيَ اللي يسكنه فيصل جديد لو تخبَى فيه بدون لا يروح للطريق العام بتكون في البيوت اللي ما بعد انسكنت
سلطان : صح! يمكن حتى يبعد الشبهات يكون موجود بالحيَ
عبدالله : أنا أقترح أنكم ترسلون القوَات للحيَ ويفتشونه بيت بيت
الضابط : أبشر . . . عن إذنكم دقايق . . . . خرج
سلطان : أقص إيدي إذا ما هو سليمان الغبي، أنمسك من رائد بس الكلاب اللي هنا للحين ما يدرون وش صاير! حيَ من يمسكني إياه والله ما أخليه فيه عظم صاحي لأطلَع حرة هالسنين فيه
عبدالله : واثق أنه سليمان ؟
سلطان : إيه لأن رائد أصلاً ما يدري عن فيصل، يارب بس تلطف ولا يصير فيه شي . . ( وبسخرية يُكمل ) ويوم كلَمت الغالي طلع يدري عنه فيصل وهو اللي قاله يجينا ذاك اليوم قبل عرسه، وقالي أنه الحمير الثانيين بعد مخططين على ناصر! لو يصير شي في ناصر بعد! مدري وش أسوي ساعتها؟ يمكن أقطَع ملابسي
عبدالله : دام صار كل شي على المكشوف إن شاء الله بتنحَل بس المشكلة بعيالنا ولا كل شي يهون
سلطان : أنا بس لو أتطمن على عبدالعزيز وغادة و بنات عبدالرحمن كان قدرت أتصرف مع ******
عبدالله بعقدة حاجبيْه أحتَد صوته : سلطاااان!!!!
سلطان إبتسم بسخرية : صاير لساني وصخ من الناس الوصخة اللي أتعامل معها
عبدالله : طيب هدَي شويَ، ماشاء الله عليك ما تعبت من السب والحكي!!
سلطان : ولا راح أنام الليلة بعد لأن لساني موب راضي يهدآ
عبدالله بضحكة يحاول أن يُخفف هذا الحزن الذي يصيبه على فيصل : كأنه يرضى يهدأ في الأيام العادية
سلطان أنحنى بظهره ليضغط على رأسه بكفيَه : لمَا كنت أقول لعبدالرحمن عن سلطان العيد ما كان يصدقني ويقولي أنت تبي تتهم وبس! وشوف وش صار!!!! قلبي كان حاس أنهم يشتغلون من ورانا،
عبدالله : وش شعورك لو أنحَل هذا الموضوع بعد الله بفضلهم؟ ماراح تحسَ أنهم قدموا خدمة عظيمة لك؟
سلطان بغضب : والخساير اللي صارت لنا من يرجَعها؟ لا تحسسني إنهم مسوين خدمة! هم ما خدمونا هم ضيَعونا
عبدالله : ماراح تفهم أيَ شي طول ما انت معصَب كذا!!
سلطان وقف : طمَني إذا صار شي هنا وأنا بشوف عبدالرحمن عشان نشوف ناصر بعد قبل لا يصير له شي!
عبدالله : طيب . . وطمَني عليكم بعد
سلطان : إن شاء الله . . بحفظ الرحمن . . . . . خرج ليسير ناحية سيارته البعيدة جدًا عن مركز الشرطة، ثبَت السلاح في خصره بعد أن خرج من مكانه قليلاً، اقترب من سيارته ليصطدم بإحدى الأشخاص، سلطان دون أن ينظر إليه : عفوًا . . .
فتح باب سيارته ليلتفت إلى الورقة المعلَقة على الشباك، عاد خطوتين للخلف ليصرخ على الرجل بـ " هيه " ، ركض الرجل ليُخرج سلطان سلاحه ويركض خلفه، أشتدَت سرعة سلطان متجاهلاً التعب الذي يمَر فيه هذه الفترة، رمى الرجل لوحةً مهتزة لتُعيق طريق سلطان في ممرٍ ترابي ضيَق بعيد عن الأنظار في هذه الساعة المتأخرة، قفز سلطان ليتبعه، سقط السلاح منه، تركه على الأرض ليقترب منه، دفعه على الجدار بكفيَه ليضرب ظهره بقوَة، إلتفت الرجل إليه، لكمه سلطان على عينيْه ليقاوم الرجلُ بقدمِه الذي ضربته بموضع جرحه، كتم سلطان أنفاسه ليقاوم الألم الذي أتى من هذا الجرح الغير ملتئم، لكمه بحدته/قوته، ليسقط الرجل على الأرض، سلطان بصوتٍ يتسارع بالأنفاس : تهددني قدام عيوني! وقدام مركز الشرطة بعد!!! شفت مجرمين أغبياء بس مثلك تأكد ما بعد شفت!!! . . . . شدَه ليقف، لوى ذراعه خلف ظهره ليصرخ الرجل من الألم : مين مرسلك ؟
: آآآآآآآآآآآآآآآآآآه
زاد بإلتواءه سلطان لتزداد صرخاته، صرخ سلطان بقوة : مين؟
: سليمااان سليماان
سلطان : أنا أعلمك وش صار بسليمان! الأخبار بعدها ما وصلت لكم! للحين تنفذون تخطيطاته الغبية . . . قدامي لا أفجَر فيك الحين
بدأ بالمشي أمامه وعندما مرَ من السلاح أنحنى سلطان ليأخذه وتأتِ قدمُ الرجل الآخر بإندفاع عند أنفِ سلطان ليُسقطه، جنَ جنونه من جرأة الذي أمامه عليْه وهو الذي لم يعتاد أن يتجرأ عليه أحد، بجنون ركض إليه ليمد قدمِه ويُسقطه، أمتَد العراكُ من طرف واحد وهو سلطان لمدَة دقائِقٍ طويلة، أفرغ كامل قهره بجسدِ الرجل الذي يُقابله حتى أمتلىء بالجروح والدماء، وقف ليُخرج هاتفه : عبدالله أرسلي إثنين من عندِك، ورى المركز فيه أرض فاضية على جهة اليمين ممر خل يجون بسرعة
عبدالله : صاير شي؟
سلطان : بجيك الحين وأفهمك بس خلهم يجون بسرعة
عبدالله : طيب . . أغلقه ليُخفض رأسه حتى يوقف النزيف الذي يُصيبه إثر ضربة الرجل على أنفه، ثواني قليلة حتى أقتربا شرطيان.
سلطان : شيلوه ودوه المركز . . . . تبعهم ويمَر في باله حين قرر أن يُغيَر الثوب باللباس العسكري المُعتاد، لم يعرف سببًا واضحًا في عقله لرداءه الآن ولكن شعر بحكمة الله ورحمته حين أرتاده وإلا تمكَن منه هذا الرجل بسهولة.
أعاد السلاح لموضعه بجانب قبعته التي نادرًا ما يلبسها، بعد ثواني معدودة دخل للمركز ليقابل عبدالله.
عبدالله نظر لملامح سلطان بدهشة : وش صار؟
سلطان : خلني أجلس نشف ريقي الله ينشف ريق العدو . . . . دخل للغرفة ليُفرغ كأس الماء في فمِه : تلومني لا قلت لك أنهم حمير وأغبياء! سبحان الله حتى الضعفاء يقدرون بذكاءهم يصيرون خطريين مثل سليمان! لو فيه خير ما تخبَى بأسماء مستعارة وما ضرب روسنا ببعض! لكنه جبان قدر يخدعنا لأنه يدري أننا نقدر بسهولة أننا نمسكه
عبدالله : عز الله ماهو رائد اللي قدام عيونك يهددك!!
سلطان تنهَد : الحين يحققون مع هالكلب ونشوف وش عنده! غصبًا عنه يطلَع علم فيصل ولا أنا اللي بحقق معه
عبدالله : يا خوفي بس تدخل ورى فيصل من تهوَرك! . . . أقترب منه بحنيَته المعتادة ليمسح جرحًا بسيطًا على جبينه
سلطان : جرح بسيط
عبدالله بإنفعال : أنت لو تجلس بين الحياة والموت تقول حادثة بسيطة!!!
سلطان أستند بظهره على الكرسي : لا حول ولا قوة الا بالله
عبدالله عاد لكرسيْه : إيه تعوَذ من شيطانك وخلَك هادي شويَ عشان نعرف نفكر . . توَ متصل على منصور ويقول للحين بالعمليات


،


يدخلُ بخُطى خافتة ضائِقة، إلتفت عليهما ليُجاهد على إبتسامةٍ يقمعها الحزن : زين انكم صاحيين
ضيَ : كنَا ننتظرك
عبدالرحمن بلل شفتيْه بلسانه ليشدَ على شفته السفليَة بتنهيدة تشرحُ حزنه بشكلٍ أوضح : طيب لازم نطلع من هنا بأسرع وقت! . .
عبير عقدت حاجبيْها : وين بنروح ؟
عبدالرحمن : بودَيكم لفندق ترتاحون فيه أكثر . . . يالله حبيبتي مانبي نتأخر
عبير وقفت : طيَب . . ماعندي شي أجيبه
ضيَ : إلا! جاب نايف كل أغراضنا لهِنا من غبتي
عبير إلتفتت عليها : كويَس! كنت أحسب أغراضنا هناك . . أجل يبه أنتظر شويَ بس . . ودخلت للغرفة الأخرى
ضيَ أقتربت منه وبخفوت : سألتني عن مقرن وما جاوبتها خفت تنفجع فيه
عبدالرحمن : زين سويتي! أنا بقولها بنفسي
ضيَ : طيَب، صار شي اليوم بعد؟ عيونك تعبانة
عبدالرحمن : من قلَ النوم لا تهتمين . . . رتبي أغراضك بسرعة وبنتظركم برا . . .
ضيَ : إن شاء الله
خرج عبدالرحمن ليشدَ على معطفه وكل زفيرٍ يختلطُ ببرودةٍ بيضاء، يستنشقُ هواءً نقيًا وتفكيره يتشتت بأكثر من شيء، يتوسَطُ أفكاره " رتيل و عبدالعزيز ".
ما دعانِي الحُزن يومًا كما دعاني على بناتي! ولم يُصيبني الوجَع بعمقٍ كما أصابني به " عزيز "، أنا الذي صبرتُ واصطبرت حتى تغلغل البياضُ في رأسي، لم أستطع أن أصطبر على حُزنٍ يجيء من عبدالعزيز، ليته يعلم عن مكانته في قلبي وهو إبنُ رجلٍ مارستُ الحياة بأكملها بجواره، ليتهُ يعلم أن لهُ في القلب موضعٍ لا يُشاركه به أحدًا، لا تُحزنَي أكثر يا ( ولدِي )، لا تُحزني وأنا أمتلىء بالغمَ/الضيق، لا تُحزنَي عليك ولا على رتيل، إننا يالله في ذمَة الحزن موقوفين، اللهم نطلبُك الفرج.
من خلفِه يأتِ صوتُها الناعم الذي تتبعه الرجفة من البرَد : عبدالرحمن
إلتفت : أركبُوا بيوصلكَم نايف وراح ألحقكم
عبير ضاقت عينها من فكرةٍ أرجفت قلبها : ليه ماتجي معنا؟
عبدالرحمن : عندي شغلة بسيطة يا يبه أخلصها وأجيكم
عبير : طيب . . . مشت خطوتين لتلتفت عليه، أقتربت منه لتعانقه وهي تقبَل رأسه.
لم يكُن عناقًا عاديًا، كان يُدرك تمامًا أن عبير شعرت به، شعرت وكأنهُ يفارقهما، بحركته الدائمة لها الذي تُعيدها لسنين ماضيَة، رفعها قليلاً عن مستوى الأرض ليعانقها بشدَة.
عبير بضيق : خلَك معنا
عبدالرحمن : بكون معاكم إن شاء الله
عبير سقطت دمعتها على كتفه : يبه
عبدالرحمن : يا روح أبوك
عبير : لا تتركنا
عبدالرحمن قبَل جبينها ليُنزلها، مسح ملامحها بإبتسامته الصافية من أيَ شحوب : ليه تقولين كذا؟
عبير ببحَة : لأنك قلت بوصلَكم بعدين قلت بلحقكم! يعني صار شي
عبدالرحمن : ما صار شي بس أنا ماكان قصدِي بوصلكم بالمعنى الحرفي، قصدِي بكون معاكم . . يالله يبه لا تبردين
عبير : لا تتأخر
عبدالرحمن : أبشري
عبير قبَلت جبينه مرةً أخرى والدمعُ يتدافع عن عينيْها، قلبها لا يطمئن، شعورها الداخلي الذي يخبرها بأن مكروهًا سيحصل لا يُفارقها، تنهدَت لتدخل السيارة.
ضي بربكة : لا تخبي عليَ!!
عبدالرحمن يقترب منها ليقبَل رأسها وهو يُطيل بقبلته ويأخذُ نفسٍ عميق يستمدهُ منها : مو صاير شي! . . أنتبهي على نفسك
ضي رفعت عينيْها إليْه : جد؟
عبدالرحمن : جد
ضي : طيب لا تطوَل علينا
عبدالرحمن : إن شاء الله
ضيَ خلخلت أصابعها بأصابعه لتشدَ عليها : ماراح أنام لين تجي
عبدالرحمن : ماراح أطوَل
ضي إبتسمت : إن شاء الله . . . بحفظ الرحمن . . . تركت يدِه لتدخل السيارة وتجلسُ بجانب عبير، همس : استودعتكم الله الذي لا تضيع ودائعه . . . . راقب بعينيْه السيارة حتى أبتعدت.
أعطى الرجال الذين ينتظرونه ظهره ليقابل البيت، أخفض نظره ليتجمَع الدمعُ ويخون صلابتِه التي ظهرت أمام الجميع، خانته قوَته، كان سهلاً عليه أن يتجاوز هذا الحزن ولكن شعور عبير المتوجس الذي تدفَق ناحيته زادهُ أسفًا وإنكسارًا، كان سيكون سهلاً لولا كلماتي الكاذبة التي قُلتها، وأنا أعلم تمامًا بأنه من الصعب أن أعود إليهما اليوم! سأرددها كثيرًا لم أشعرُ بحزنٍ طوال حياتي كخُزني في هذه الفترة، ولم أشعرُ بأنني منكسر مُفلس إلا خلال هذه الأيام.
من خلفه : نروح يا بو سعود ؟
عبدالرحمن بلع غصتَه دون أن يلتفت إليه : إيه
مسح على وجهه ليضغط على عينيْه، اللهم أرحمنا وصبَرنا.
في جهةٍ اخرى أضطرب صوتُها : حاسَة فيه شي!!
ضي : بيجينا يا عبير وماراح يطوَل! تعرفين أنه كلام أبوك وعد
عبير : ماراح أنام لين يجي
ضي : قلت له نفس الحكي وقالي ماراح أطوَل . . أنا تطمنت دام قال أنه ماراح يطوَل وبيجي
عبير بوسواسٍ لا ينفَك عنها : أخاف صار برتيل شي
ضي : بسم الله عليها! لا إن شاء الله مو صاير لها شي دامها عند عبدالعزيز
عبير تنهدَت بوَجع : كم صار لي ما شفتها؟ ودَي أشوفها وأرتاح، أول مرة يصير فينا كذا تمَر أيام وأسابيع مانشوف بعض . . .


،

ببكاءٍ يستطيلُ بعينيْها وقلبُها يرتعبُ من هذا المرض، على سماعة الهاتف صوتُها يقطعهُ الوجَع كثيرًا : ليتني ما فحصت ولا عرفت! ليتني ما دريت بكل هذا
سارة : تعوَذي من الشيطان . . خلاص مو صاير الا كل خير، بكرا روحي وقابلي الدكتور
أثير : ماأبي أطلع مكان ولا أروح! أنا من قريت التحليل وأنا أحس قلبي بيوقف! خفت من كل شي وخفت أقول لعبدالعزيز . . .
سارة : يمكن ماهو خطير مثل ماأنتِ متصوَرة، ويمكن أنتِ فاهمة غلط! . . أنا أقول روحي بكرا وشوفي بنفسك
أثير ببكاء : ليه ما تفهمين! أقولك مرعوبة وقلبي يرجف من الصبح، وتقولين لي روحي للدكتور! تبين قلبي يوقف عنده إذا قالي!!! . . . ياربي أنا وش سويت؟ . . وش سويت!!! . . ينخفضُ صوتها تدريجيًا بالحزن.
سارة أشفقت عليها لتُردف : أثير يا قلبي لا تبكين كذا وكأنك بتموتين!!! كل شي له علاج
أثير : تخيَلي قريت أنه اللي تضعف عنده عضلة القلب يكون معرَض للموت المفاجىء
سارة بعصبية : يختي لا تقرين من النت وتوسوسين!!! بكرا تروحين وغصبًا عنك وتكلمين الدكتور وتشوفين وش السالفة!
أثير : ياربي يا سارة أقولك ماأبي أطلع مكان! بجلس بغرفتي لين يحلَها ربَك
سارة : منتِ صاحية!! تبين تذبحين نفسك! وش فيك يا أثير أنقلبتي فوق تحت عشان تحليل!!! طيب روحي وتأكدي .. بأعرف كيف قدرتي تقرينه وفهمتيه؟
أثير : واضح ما يحتاج! . . . وبغضب . . . حتى عبدالعزيز ما كلَف يتصل ويسأل فيني شي ولا لا!
سارة : حوَلتي على عبدالعزيز الحين!! شكلك بتمسكين كل الناس اللي بحياتك وتنتفينهم الليلة
أثير بضيق : يعني سارة يرضيك!! صدق ما أبيه يعرف بس يحسسني بإهتمامه شويَ!!! ياربي خايفة حتى أنام! أخاف ما أصحى
سارة بغضب : يالله يالله!!! وش هالكآبة اللي عيَشتي نفسك فيها!! أنا من الصبح بجيك وبسحبك لين المستشفى وبتشوفين
أثير بدمعٍ لا يجف ولا ينضبَ : ياربي وش أسوي
سارة : اللي تسوينه إنك تنامين الحين وبكرا الصبح نروح المستشفى ويشرحون لنا كل شي
أثير أغمضتْ عينيْها بعد أن أرهقت نفسها بالبكاء طوال اليوم : تهقين هذا عشان كذبت على عبدالعزيز؟ أخاف دعت عليَ رتيل؟
سارة : يوه يا أثير تحسسيني أنه رتيل منزَهة ما غلطت عليك أبد! خليها تولَي وماعليك منها . . . زين يسوي فيها لو يقطَعها تقطيع حلال
أثير بقهر : تسوي نفسها بريئة وهي من تحت لتحت!! لو شفتيها يا سارة كيف هددتني ذاك اليوم!! و ربَك خلتني أرتبك، عيونها شي مو طبيعي!! حسيتها بتذبحني!!!
سارة : وتقولين دعت عليك!! خليها تولَي بس . . أنتِ أرتاحي ولا تفكرين بأيَ شي لين تطلع الشمس وأروح معك المستشفى


،

بغضبٍ يُضيء عينيْها بالدمع، تحشرج صوتُها وهي تصرخ بـ " ليه ؟ "، أكبرُ من إحتمالاتي يا أمي، وأقسى كثيرًا مما أظن، كنت غبية بما يكفي حتى أصدَق كل هذا، كنت حزينة بما لم يستوعبهُ قلبي حتى أُحجب عن حقيقةٍ مثل هذه! مرَ عامًا على وفاةِ فهد، شعرتُ بأني كبرت فجأة دُونه، أنا التي شعرت بأنني طفلته مهما مضى العُمر، منذُ وفاته وأنا يُصيبني حزنًا تلو حزنْ لأن لا أحد يحميني بعد الله على أرضِه، كان هُناك شخصًا يُدعى فهد يا أمِي يحميني! ولكنهُ رحَل و لم تحميني أنتِ يا أمي.
والدتها : وهالحتسي طبعًا من يوسف!!
مُهرة بقهر : كل شي يوسف!! ليه أنا ماعندي عقل أفكر فيه . . . ليه يمه!! بس قولي لي ليه؟
والدتها : لا ليه ولا شي! اقطعي هالسيرة قبل لا أقطع لسانتس
مُهرة : يعني ماتبين تقولين لي؟ يعني كلامي صح؟
والدتها بغضب : مُهرة!!!! أحتسي بنغالي أنا!!
مُهرة برجاء : لا تسوين فيني كذا . . الله يخليك يمه طمنيني
والدتها بحدَة : إيه
مُهرة أرتجف قلبُها برجفةِ شفتيْها، نزلت دمعتها لتتضبب رؤيتها من الدمع : لا . . لا مستحيل
والدتها : من اليوم تحتسين وكلتس ثقة وهالحين تقولين مستحيل
مُهرة ببكاء : كنت أبيك تريَحيني وتقولين لا . . فهد مو كذا! فهد أشرف من كل هذا
والدتها بضيق : وهذا أنتِ عرفتي!!! أرتحتي الحين! الله لا يريَح له قلب يومه شحنتس ودخَل في راستس هالأفكار
مُهرة بإنفعال : لا تدعين عليه
والدتها : قلت أبي أحفظ لتس مستقبلتس لكنِن أخطيت يوم أعطيتتس له . . ماهو كفو
مُهرة لم تحملها سيقانها لتجلس على الأرض وهي تنخرط ببكاءٍ شديد : كذبتي عليَ! ليه يا يمه . . . ليه . . ليه تضيعيني كذا ؟
والدتها : ما ضيَعتتس! تبينن أقولتس عن سواد الوجه!! ما كنت أبي أهزَ صورته بعيونتس
مُهرة : شلون أحط عيني بعين يوسف وأنا أتهمته باخوه؟ شلون أحط عيني بعيونهم وأنا الحقيرة اللي خذت ولدهم وهي كذابَة!!!
والدتها : ومين قال أنتس بتشوفينه! خل يطلقتس الله لا يردَه
مُهرة ببكاءٍ يتصاعدُ في كل ثانية : ليه؟ ليه توجعيني كِذا؟ . . . ليه تسوين في بنتك كِذا؟
والدتها : لا تناقشينن بشي! أنهي هالسيرة ولا عاد تطرينها قدام أحد
مُهرة غرزت أظافرها بخذيْها وهي تتوجَع بحشرجةِ قلبها قبل دمعها : ياربي . . ياربي أرحمني
والدتها : يوسف ما يناسبتس! وأنا أخطيت يوم إني زوجتتس إياه!! . . وهالحين بيطلقتس!!
مُهرة : وكنتِ تبين تزوجيني منصور وتبيني أشاركه مرته وهو ماله ذنب! يا كبرها عند الله
والدتها : لا ما كنت أبيه تطمَني! كنت دارية أنه أخوه بيفزع له
مُهرة بصراخ : يمممه ليه . . ليه كذا ؟ حرام عليك
والدتها بغضب أحتَد بصوتها : ولا كلمة! تحاسبينن بعد! . . إن عرف احد بالموضوع والله يا مُهرة ما تلومين إلا نفستس . . . خرجت لتتركها تُصارع هذه الحقيقة التي تُبكيها بوَجعٍ عظيم.
مالذِي أفعله؟ مالذي أرجوه؟ كيف أواجه يوسف بعد كل هذا؟ أيَ ذلٍ قذفتيه يا أمي في قلبي! أيَ حُزنٍ دفعتيه ناحية صدرِي؟!! ليس من حقي أن أطلب العودة ليوسف، وليس من حقي أن أوافق على العودة، كل شيء ضدَي! كل شيء يُحزنَي، وكل شيء مصدرهُ أنت يا يوسف، كيف سأتجرأ على النظر إليْك ولعائلتك؟ بالنهايـة طريقنا سدَتهُ أمي، يالله! صبَر روحي على هذا الخواء، بنيْنا حياتُنا يا يوسف على خراب ولكنهُ خراب جميل، يا خرابي و يا حُزني، يا فرحي الذي بنيناهُ فجأة و أنهدَ فجأة! أتت الحياةُ ضاحكةً وغادرتني بصورةٍ سريعة، في وقتٍ بدأت أتغلب فيه على ما مضَى وأبدأ معك بدايةٍ صحيحة، بدايةٍ تجعلني أفكَر بأحلامنا المشتركة، ولكننا أنتهينا، " سقى الله موعدٍ(ن) جمعني فيك "


،

تحت الفراش، لم تتحرَك طيلة اليوم، منذُ أن رأت غادة الوجه الذي تجهله وهي تضطربُ بشعورها، تبللت الوسادة ببكاءها المستمَر، لا تدرِي لِمَ يُهاجمها الأرق في ليلةٍ مثل هذه!
هذا الشعور يالله يقتلني! يقتلني تمامًا، الوحدة التي أشعرُ بها والتي تُجرَدني من صمودِي/صلابتي، أحيانًا يجيئني شعور أنني حاضرُ عزيز و مستقبله ولكن بمثل هذا الوقت أشعرُ أن لا مكان لي في حياته، وقلبي أيضًا! بدأ ينسلخُ من هذا الحُب، قلبي الذي قرر أن لا يُسامحه، لو أنني أعود لحياتي السابقة، لم يكُن هناك همًا يُرهقني ولا حُزنًا يؤلمني، كم كان ثمنُ الأمنُ والأمان غاليًا ولم أستشعرُ هذه النعمة إلا الآن، لم أستوعبُ حجمها العظيم إلا في هذه اللحظات التي توحدَ اللاإستقرار بيْ.
على مسافةٍ بسيطة، تركها نائمة ليتأملها وهي تغفو على الأريكة، غطَاها لينحني ببطء ويقبَل جبينها، توجه لغرفته ليعود بخطواته ناحية الغرفة الأخرى، فتح الباب بخفُوت لينظر إليها، مُغطيَة جسدِها مع رأسها بأكمله، أقترب ليشعرُ ببكاءها، تنهَد ليجلس على طرف السرير بمحاذاةِ بطنها : رتيل
شدَت على شفتها السفلية المرتجفة حتى لا تصدر صوتًا، أبعد الفراش لتدفن رأسها بالوسادة، بصوتٍ يختنق : ما أبي أشوف أحد
عبدالعزيز : إن شاء الله بتشوفيني! . . . طالعيني
لم تُجيبه بشيء، كانت تختنق بوصفٍ لا توازيه الكلمات، رفعها وهو يشدَها ليُجلسها، طوَق وجهها بكفيَه لينظر لعينيْها التي تجرِي كالنهر : ليه كل هالبكي؟ هذا وأنا ما جيتك اليوم بشي ولا أحد ضايقك بشي!!
رتيل وضعت يدَها على يديْه حتى تُبعدها ولكن تمسَك أكثر : عبدالعزيز الله يخليك
عبدالعزيز : أوَل أفهم . . .
رتيل دُون أن تنظر إليه : ولا شي
عبدالعزيز يمسح دموعها بأصابعه ليُبعد تموجَات شعرها من على وجهها : رتيل
رفعت عينها إليْه، غرقت بمحاجره التي تعكسها تمامًا، منذُ أيامٍ طويلة لم ينظرُ إليها بهذه النظرات الحانية/العاشقة.
هذه النظرات يا عزيز ما سرَها؟ أتدرِي بما تُذكرني؟ بتلك اللحظة التي عانقتُك بها بكامل رضايْ، اللحظة الأولى التي أعترفتُ لك فيها فعليًا، ورحلت لتشغلني ليالٍ خوفًا عليك، كنت تودَعني بهذه النظرات وبجُملةٍ قصيرة " أنتبهي لي "، وهذه المرَة يا عزيز؟ لِمَ هذه النظرات؟
عبدالعزيز رفع حاجبِه : وشو يا رتيل؟
رتيل ببحة صوتها التي أخذها البكاء : تعبت . .
عبدالعزيز أبعد يديْه عنها، أخذ نفس عميق ليُردف : صلي ركعتين ونامي
رتيل أجهشت عينيْها بالبكاء من ردَه الجاف، تُعاند نفسِك يا عبدالعزيز! تعاندها بشكلٍ لا يُطاق، كيف تقسُو بصوتِك وعيناك حانيـة؟ كيف تجعلني أعيشُ اللاإستقرار وصدرُك وطَن؟ كيف تقتلني بهذه الصورة البطيئة الساديَة؟ من أجل الله لا تُغرقني بهذا التناقض الإضطراب.
عبدالعزيز بردةٍ فعلٍ لا يُفكر فيها : وش تبين؟ أبوك؟ . . أبشري
رتيل رفعت نظرُها للسقف حتى تردَ هذه الدموع المنهمرة : أنت نفسك مو عارف وش تبي!!
عبدالعزيز : إلا، أبي أعيش! تعبت من هالمُوت.
رتيل بوداعٍ يعبرُ صوتها بطريقةٍ مختلفة عن ماهو مُعتاد لكلمات الفراق : تعرف شي . . واضح أنه الحياة قدامِك، إختِك جنبك و صديقِك جنبك و عندِك زوجتك أثير . . واضح كثير إنك بتقدر تتجاوزني يا عبدالعزيز! بس أنا من يردَني ليْ ؟ . . .
عبدالعزيز لوى فمِه ليُردف : أظن أنه حكيْك ماهو عتب!
رتيل بعينيْها المضيئتيْن، عضَت على شفتِها السفليَة : أعتب على حظَي
عبدالعزيز تنهَد ليصمت فترةً طويلة حتى نطق : مو قلتي إنك قادرة تنسيني؟ ليه تراجعتي عن كلامك؟
رتيل : إذا نسيت، قلبي كيف يهدأ ؟
عبدالعزيز تجمدَت حواسُه ناحيتها، جُملةٍ عصفت به في الدركِ الأسفل من لهيبِ قلبه، نظر إليها دُون أن يرمش، نظراتٍ كسرت حواجزٍ كثيرة نصبُوها معًا، أخذ نفس عميق يُجمَع فيه قوَاه ليُردف : الله يعوَضنا
رتيل إبتسمت من بين دموعها، إبتسامةٌ كانت سببها ( السخرية على حالها ) : آمين . .
عبدالعزيز وقف، يُدرك تمامًا أن دمعُها ذريعة للإنكسار، خرج ليقف في منتصف شقتِه.
إلتفتت لتنظُر لظله الممتدَ إلى الغرفة، لم تُسعفها الكلمات، ولكن أتت الأفعال مدويَة، التي تمتدُ من دمعٍ مالح و قلبٍ مرتجف. " كان لي حُبًا جميلاً وحياةً طيبَة، كان لي عزيزٌ على قلبِي وغادرني ".
على بُعدِ خطوات تسارع نبضِه بأنفاسٍ تضطرب تمامًا، سمع طرق الباب ليقترب، فتحه وعقد حاجبيه بإستغراب عندما رأى الحارس.
الحارس المُسن : أرجوك ( أزيز ) أُريدك ان تساعدني بحملِ بعض الصناديق
عبدالعزيز : في هذا الوقت ؟
الحارس هز رأسه بالإيجاب ليُردف : هو صندوق واحد
عبدالعزيز تنهَد، ليخرج ويغلق الباب جيدًا . . . نزل معه، تجاوز الطابق الأول لينظرُ للمكان الخالي تمامًا، إلتفت للحارس ولم يراه، ولم يُكمل إلفاتتهُ الثانية إثر الضربة التي أتت على رأسه وأسقطته، . . . .


،


خرجت شمسُ الرياض بخرُوجِ الدكتور المنهَك من هذه العمليَة الصعبة، اقترب منه منصور ومن خلفه والدِه الذي أتى منذُ ساعة : بشَر يا دكتور
الدكتور : إحنا سوينا اللي علينا حاولنا أننا . . . .


،


نزلت للطابق الأول بتعبٍ وإرهاق، لم تأكل شيئًا طيلة الأمس، وضعت يدَها على بطنها إثر الإضطرابات التي تشعرُ بها، تنهدَت بعُمق بـ " يا رب " إتجهت ناحية المطبخ لترتَد الجوهرة إلى الجدار حتى ضربت ظهرها بقوَة بلا تفكير، شهقت من الذي تراهُ أمامها لتـ . . . . .



أنتهى نلتقي الجمعة إن شاء الله + راح أحاول بكل ما أقدر ينزل بنصف هالأسبوع بارت عشان نتفق على موعد الختام :$ ()




إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 29-03-13, 09:32 PM   المشاركة رقم: 79
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (78 )


المدخل لفاروق جويدَة :

لا تذكري الأمس إني عشتُ أخفيه.. إن يَغفر القلبَ.. جرحي من يداويه.
قلبي وعيناكِ والأيام بينهما.. دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه..
إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه.. كل الذي مات فينا.. كيف نحييه..
الشوق درب طويل عشت أسلكه.. ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه..
جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا.. واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه..
مازلتُ أعرف أن الشوق معصيتي.. والعشق والله ذنب لستُ أخفيه..
قلبي الذي لم يزل طفلاً يعاتبني.. كيف انقضى العيد.. وانقضت لياليه..
يا فرحة لم تزل كالطيف تُسكرني.. كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه..
حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا.. عدنا إلى الحزن يدمينا.. ونُدميه..
مازال ثوب المنى بالضوء يخدعني.. قد يُصبح الكهل طفلاً في أمانيه..
أشتاق في الليل عطراً منكِ يبعثني.. ولتسألي العطر كيف البعد يشقيه..
ولتسألي الليل هل نامت جوانحه.. ما عاد يغفو ودمعي في مآقيه..
يا فارس العشق هل في الحب مغفرة.. حطمتَ صرح الهوى والآن تبكيه..
الحب كالعمر يسري في جوانحنا.. حتى إذا ما مضى.. لا شيء يبقيه..
عاتبت قلبي كثيراً كيف تذكرها.. وعُمرُكَ الغضّ بين اليأس تُلقيه..
في كل يوم تُعيد الأمس في ملل.. قد يبرأ الجرح.. والتذكار يحييه..
إن تُرجعي العمر هذا القلب أعرفه.. مازلتِ والله نبضاً حائراً فيه..
أشتاق ذنبي ففي عينيكِ مغفرتي.. يا ذنب عمري.. ويا أنقى لياليه..
ماذا يفيد الأسى أدمنتُ معصيتي.. لا الصفح يجدي.. ولا الغفران أبغيه..
إني أرى العمر في عينيكِ مغفرة.. قد ضل قلبي فقولي.. كيف أهديه


بالنسبَة لموعِد النهايـة، إن شاء الله أن البارت الأخير راح يكون بتاريخ 25 أبرِيل يوم الخميس بإذن الله الساعة 8 بليل أبغى الكل يكون مجتمع عشان نختمها على خير مع بعض :$
هذا يعني أننا راح نتوقف الأسابيع الجايَة لأن النهاية ماراح تكون بارت وبس؟ بتكون أكثر من بارت بإذن الله.
نقدر نقول أنه هذا البارت قبل الأخير ، + قراءة ممتعة .

نزلت للطابق الأول بتعبٍ وإرهاق، لم تأكل شيئًا طيلة الأمس، وضعت يدَها على بطنها إثر الإضطرابات التي تشعرُ بها، تنهدَت بعُمق " يا رب " إتجهت ناحية المطبخ لترتَد إلى الجدار حتى ضربت ظهرها بقوَة بلا تفكير، شهقت من الذي تراهُ أمامها لتسقُط يدَها من على بطنها، نظرت إلى عينيْه بملامحٍ شاحبَة تفقدُ " الحياة "، في جهةٍ مُقابلة لها كانت عينيْه تلمعُ بالرجاء، كانت عينيْه أقسى من المُقابلة بوضوح.
تُركِي بهمس : الجوهرة
الجوهرة هزَت رأسها برفضِ ما تراه/الحقيقة، أعتلت يدَاها لتصِل لأذنيْها، هذا الصوتُ يؤذيني يالله، هذه النبرة " خطيئة " كيف أتجاوزها؟ تتكسَر الحياة يالله ولا يُرممَها في عيني أحدًا، أُريد دفن ما حدث بالماضي ولكنني لا أنساه، ثمَة شقاء لا يُفارقني يبدأُ بمن يُقابلني الآن، الخيبات تُفقدني ذاتي، تهزَ الساكن في يساري، كانت المرَة الأولى لكَ يا تُركي، والمرةِ الثانية فقدتني تمامًا عندما تخلَى عني سلطان، أنا أموت! أمُوت من حرقة صدرِي وبُكاءي.
تُركي دون أن يقترب منها، أبتعد للخلف أكثر، أضاءت محاجره بالدمع، رفعت عينيْها إليه لتُردَد بتكرارٍ موجع : أكرهك . . . أكرهك . . . أكره إسم العايلة اللي تجمعني فيك . .
تُركي برجاء يُقاطعها : لا تسوين كِذا
الجوهرة بصراخ أستنزف صوتها حتى جفَ بالبحَة : الله يحرقِك بناره . . الله يحرقك وينتقم لي منك
تُركي سقطت دمعته بضيق صوته : لا تدعين ..
الجوهرة ببكاء صرخت : يبـــــــه . . .
تُركي بتوسَل : الجُوهرة
الجُوهرة بإنهيار وضعت يدها على بطنها لتضغط بقوَة من صرخة الـ " آه " التي ضجَت أركان البيت.
تُركي سقط بنهرِ دمعه على " آهٍ " موجعة من بين شفتيْها : آسف
الجُوهرة بدمعِها المالح المضطرب : وش ترجَع لي آسف؟ بترجَع حياتي؟ بترجَعني لنفسي؟ . . وش تهمَني آسف؟
تُركي : آسف لأني حبيتك أكثر من أيَ شي ثاني
الجوهرة بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا بضبابِ رؤيتها : ما أنتظرت منك شي! ما أنتظرتِك تعتذرلي، مين تكون عشان أنتظر إعتذاره؟
تُركي : ما أبي أأذيك والله ما أبي أضرَك
الجُوهرة : وش بقى ما ضرَيتني فيه؟ . . يكفي! يكفي تكذب على نفسِك وتحاول تكذب عليَ!!!
تُركي : بس أنا . . .
تُقاطعه : منك لله
أرتفع صدرها بخشوعِ بكاءها ليهبِط بِوجَع، غصَت بالدمع لتتراجع بخُطاها للخلف، تجاهلت كل ألامِ بطنها، تجاهلت " الروح " التي تسكنُ رحمَها لتهرول سريعًا صاعدة الدرج، دخلت غرفتها لتغلقها أكثر من مرَة وهي تلفَ المفتاح بطريقةٍ مبعثرة، وضعت يدَها على صدرها لتبكِي بأنينٍ يؤذِي كل من يسمعها،
لا أتوهَم! عاد ليُحرق ما تبقى مني، كيف أعيش بين هذه الجُدران وهو ينظرُ إلى نفس السقف؟ أنا التي أنتقمتُ منك في البكَاء لله، كيف أتعايشُ معك؟ لو تعلم كيف حُزنِي لا يُغادرني وأنَك سببه، لو تعلَم بأن الحياة فلتت من يدِي لأنك / عمي، لم أكُون عروس لسلطان كما ينبغِي ولم أكن صبيَة لأبي كما يفترض، دائِمًا ما كان شعُور الفُقد يواجهني، فقدتُ قدرتي على الثرثرة طويلاً، السهر حتى الصباح بضحكاتٍ لا تنتهي، الجنُون الذي يعرفـهُ بحر الشرقيَة وشاطئها، فقدتُ قدرتِي تمامًا على العيش كصبيَة هواها شرقِي.
في جهةٍ أخرى، وقفت بتوتر : إلا صرخت! سمعتها يا عبدالمحسن والله
عبدالمحسن هرول سريعًا خارجًا من غرفته، إتجه ناحية غرفتها، طرق الباب ليصِل إليه بكاءها : يبه الجوهرة أفتحي الباب! . . . الجوهرة . . .
والدتها : الجوهرة تكفين أفتحي لا تخوفينا . . .
وقفت لتفقد سيطرتها على خُطاها، أضطربت حتى وقعت بشدَة على الأرض، وصَل صوتُ وقوعها إلى قلوبهم التي أرتجفت قبل أسماعهم، عبدالمحسن صرخ : الجوهـــرة!!!!! . . . . . أبتعد للخلف ليدفع بجسدِه ناحية الباب، كرر الحركة حتى أنفتح الباب وضرب بجسدِها مرةً أخرى، جلست والدتها سريعًا بجانبها، مسحت على وجهها : الجوهرة . . حبيبتي
عبدالمحسن بضيق يُبلل يديْه بالمياه الباردة ليمسح على ملامحها الشاحبَة، عقد حاجبيْه : يبه الجوهرة . . . بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم . . . الجوهرة
تقدَم ريَان بخُطاه ليتجمَد أمام المنظر، وقف والدِه ليُردف : بشيلها . . . أنحنى ليتصلَب ظهره عندما وضع يدِه خلف ركبتيْها وتبللت بالدماء، والدتها بخوف إرتجفت شفتيْها : تنزف ؟
عبدالمحسن إلتفت لينظر لريَان : جهَز السيارة بسرعة . . . . ركض ريَان نحو جناحه، خرجت ريم من الحمَام وهي تُخلخل شعرها المبلل بأصابعها، نظرت إليه بإستغراب دُون أن تنطق بشيء وهي تُراقب خروجه المرتبك، سحبت مشبك الشعَر لترفع به خصلاتها، خرجت لتُصادف أفنان : وش صاير؟
أفنان بملامحٍ متوترة : الجوهرة أغمى عليها
ريم : بسم الله عليها ما تشوف شر . . يمكن عشانها ما كلت شي!
أفنان بضيق جلست على الكرسي : الله يستر لا يصير فيها شي ولا اللي في بطنها
ريم : لا تفاولين عليها! إن شاء الله مو صاير شي! تلقينه عشان قلة الأكل . . . . تنهدَت لتنزل للأسفَل، إتجهت ناحية المطبخ لتأتِ بكأس ماء لأفنان، مشَت بخُطى ناعمة هادئة وهي تغرق بتفكيرها، فتحت الثلاجة لتقف متجمدَة في مكانها وهي تستنشق رائحة العطر الرجاليَة الصاخبة، بلعت ريقها المرتجف لتلتفت، بصوتٍ مهتَز : آتـِي . .
دخلت الخادمة إلى المطبخ بعينيْها الناعِسة : هلا ماما
ريم : فيه أحد جا اليوم؟
آتي : أنا الحين فيه يصحى
ريم أخذت نفس عميق وهي تُخمَن صاحب هذه الرائحة، ليس ريَان بالطبع ولا والِده، سكبت نصف قارورة الماء في الكأس لتقترب من النافذة طلَت على الفناء الخارجي للمنزل وأفكارها تتبعثَر من إغماءة الجوهرة و صاحب هذه الرائحة.
صعدت لأفنان، مدَت لها الكأس : أشربي
أفنان : شكرا
ريم : العفو . . . أفنان بسألك وين طاحت الجوهرة؟ بالمطبخ؟
أفنان عقدت حاجبيْها : لا، بغرفتها
ريم : يعني ما نزلت ؟
أفنان : لا ما أتوقع! أكيد ما كان فيها حيل تنزل
ريم : توَ شمَيت عطر رجالي بالمطبخ وقلت يمكن سلطان جاء أو . . مدري
أفنان : سلطان!!! مستحيل وش يجيبه! وبالمطبخ بعد . . يمكن ريَان
ريم استسلمت من التخمينات لتتنهَد : عسى أحد بس يطمنَا

،

الدكتور : إحنا سوينا اللي علينا حاولنا أننا نعوَض فقدانه للدم، لكن نزف كثير
منصور بضيق : يعني؟
الدكتور : الأمر بيد الله، تعرَض قلبه لمضاعفات كثيرة أثناء العملية، راح ننقله للعناية المركَزة و أسأل الله أن يشفيه
عبدالله : اللهم آمين . . شكرا يا دكتور
الدكتور : العفو واجبنا . . . تركهم بضجَة قلقهم و حُزنهم.
منصور إلتفت : وش نسوي الحين؟ كيف نقولهم؟
والده تنهَد : أنا رايح لهيفا . . الله يعين أميمته كيف بنقولها
منصور عاد للمقاعِد، جلس ليرفع عينه لوالده : أنا بجلس عندَه أخاف يصير شي . . على الأقل يكون أحد موجود
والده يربت على كتفِه : ولا تنسى تطمَني . . . فمان الله . . . خرج متنهدَا بحزنه.
يشحذُ القوَة من خُطى ذابلة على طريقٍ لا تهواه ساقه، رفع عينه لسماء الرياض المُشرِقة و السكُون يحفَها في ساعات الصباح الأولى، يالله لا تُفجعنا به وصبَر قلب والدته، يالله لا تفجعها به.
في جهةٍ بعيدة بدأت بالقفز وضحكاتها يُرَد صداها، نظرت ليوسف لتتسع إبتسامتها : يُو يُو
إبتسم يوسف لها ليمَد يدِه و هيفاء نائمة عليه، همس : تعالي
ريف ركضت نحوه لتُقبَل خده : ما جيت زمان !!
يوسف : هذا أنا أشتقت لك وجيتك وكنا ننتظرك تصحين أنا وهيفا بس هي نامت وخلتني
ريف : بروح أصحَي فيصل وأنت صحَي هيفا
يوسف : فيصل صحَى وراح لشغله وبيجينا . . قولي لماما أني موجود هنا
ريف إبتسمت لتركض بخُطاها نحو الأعلى : ماما . . . ماما . . . دخلت عليها لتجلس بجانبها على السجَادة، تنظرُ إليها بطريقة تأمليَة، سلَمت والدتها من صلاة الضحى : صحى فيصل وهيفا ؟
ريف : لا يو يو جاء
والدتها بحرج : ريف كم مرة أقولك عيب تقولين يويو !! إسمه خالي يوسف
ريف بضحكة عميقة أرغمت والدتها على الإبتسامة : أنا مو عيب حتى هو يقول
والدتها : يعني عادِي تقولين لفيصل فوفو
ريف ضحكت لتُردف : لا فوفو حق بنات بس هو صديقي
والدتها : طيب الكلام معاك ضايع . . . هو وينه؟
ريف : جالس تحت و هيفا نايمة
والدتها بإستغراب : نايمة تحت؟
ريف هزَت رأسها بالإيجاب لتُردف والدتها : وفيصل؟
ريف : راح
والدتها تنهدَت لتقف، نزعت جلالها لتمدَه لريف التي رتبته بطريقةٍ سريعة ووضعته فوق السجادة، إبتسمت والدتها : عفيَة على بنتي . . . خلينا ننزل أكيد الشغالة ما حطَت لهم شي
ريف تمدَ يديْها بإتساع : بنسوي كيكة كِذا كُبرها
والدتها : نسوَي كيك ليه ما نسوي! تآمر بنت القايد
نزلت للأسفل لتتجه للمطبخ بخفُوت، عادت ريف إلى يوسف : ماما بتسوي لنا كيكة كبييرة . . أنا قلت لها
يوسف بإبتسامة تُناقض وجهه المُتعب من السهر : شكرا كبيرة
ريف جلست بجانبه لتمَد يدها الصغيرة على جبين هيفاء : هيَا تعبانه؟
يوسف بلع ريقه بتوتر : ريف . . ممكن تجيبين لي مويا
ريف وقفت : طيب . . .
بمُجرد أن غابت ريف عن عينه، همس : هيفا . . هيفا أصحي
فتحت عينيْها على ملامحه، ثواني حتى تستوعب لتفَز وتجلس : أتصلوا؟
يوسف : لا . . . صحت ريف وأم فيصل . . مو زين تشوفك كِذا وتنفجع بولدها .. قوَي نفسك شويَ
أتت ريف لتمَد كأس المياه بعينيْن مستغربتيْن من حال هيفاء المبعثر وعينيْها التي تُحيطها هالة من السواد بسبب البكاء/الكحل.
أخذ الكأس ليمدَه لهيفاء : أشربي . .
شربت القليل منه ولحظة وقوع عيناها بعينيَ ريف بكَت محاجرُها، يوسف برجاء : هيفا
ريف : ننادي فيصل عشان ما تبكين ؟
أخفضت رأسها لتُغطي ملامحها بيديْها وهي تجهشُ بالبكاء من إسمِه الذي يعبرُ لسانها ببراءة، أنقبض قلبُها بشدَة الإسمِ الذي تفقدُ صاحبه، كان سهلاً علينا يالله لولا هذه الأسماء التي تُبعثرنا، التي تُطيل الوجَع في قلوبنا كلما مرَت أمامنا، مقطعُ إسمِك في هذه اللحظاتِ / ألم لا أَقدِر على ضمادِه.
كيف نمنعُ إسمك من العبور أمامنا بهذه الصورة المؤذية؟ كيف نُسكِت الحناجر من نطقه؟ لو تعلم يا فيصَل كيف يضطربُ بنا الحال بمُجرد أن تغفو عيناك بمرضٍ نجهله! لو تعلم فقط أننا نشتاقُك الآن ولا نحتملُ غيابك، حتى ريف يا فيصِل تُريدك بطريقةٍ ما، تُناديك بطريقتها، أحتاجُك " عشان ما أبكي ".
تنهَد يوسف : لا حول ولا قوة الا بالله . . .
ريف تجعَد جبينها الناعم بإستغراب : يويو . .
يوسف رفع عينه إليها : هيفا تعبانة شويَ عشان كِذا تبكي . . صح هيفا؟
فقدت قدرتها على الحديث وهي لا تنظرُ لشيءٍ سوى البكاء المُضببَ لرؤيتها.
ريف جلست بجانبها لتدمع عينيْها : قولها لا تبكِي! . .
يوسف مدَ ذراعهُ خلف كتفيْها ليسحبها إليْه، حاول أن يمتَص هذا الحُزن بعناقه، همس : أشششش! خلاص قطَعتي قلبي معك . .
ريف التي لم تفهم معنى الكلمة جيدًا نطقت : توجع قلبهم صح ؟
يوسف بإبتسامة : لا الحين هيفا بتقوم وتمسح دموعها و تساعد ماما بعد . .
وقف ليمدَ يدِه إلى هيفاء : قومي معي غسلِي وجهك من هالبكِي
مسكت يدِه ليشدَ عليها ويوقفها، توجه معها للمغاسل التي أمامهم، أتكئ على الجدار لينظر إليها وهي تُبلل ملامحها بالمياه الباردة : لا تسوين في نفسك كِذا! هالبكِي ماراح يعيد له صحته ولا عافيته!! تعوَذي من الشيطان ولا تنهارين وتفجعين أمه الحين . . . خلَيك قوية مثل ما أعرفك . . يالله يا هيوف لا تضيَقين صدري عليك
هيفاء أخذت نفس عميق : طيب
يوسف إقترب منها ليُقبَل جبينها : الله يصبَرك ويشفيه . . . روحي لأمه ومهدَي لها الموضوع . . وأنا بجلس مع ريف
أخذت خصلة واحِدة لتربط بها بقية شعرها، إتجهت ناحيَة المطبخ، رفعت أم فيصل عينها بإبتسامة سُرعان ما تلاشت عندما رأت ملامحها الشاحبة ومحاجرها المحمَرة، تقدَمت إليها وبردة فعل إنفعالية: بسم الله عليك . . وش فيك؟ صاير لك شي؟ مضايقك فيصل بشي؟ لا يكون قالك كلمة من هنا ولا هناك وتحسسَتي منها؟ توَ ريف تقولي أنه راح لشغله! أكيد مضايقك! أسمعيني هيفا يا يمه تلقين فيصل ما يقصد، خليه يرجع وأعطيه كلمتين بالعظم أخليه يعتذر لك! كل شي ولا زعلك يا بنت عبدالله . .
هيفاء بمُقاطعة تسقطُ دموعها مرةً اخرى : لا يا خالتي مو كِذا! . .
أم فيصل : أجل؟ وش مسوي فيك؟
هيفاء : خالتي إجلسي شويَ . . . جلست على كُرسي طاولة الطعام البسيطة التي تتوسَط المطبخ، ضغطت هيفاء على يداها وهي تجلسُ على الأرضِ حتى تُحدَثها، شحذت نبرتها كي تتزن : أمس حصَل حادث وما بغينا نخوَفك لأنه . .
أم فيصل : حادث أيش؟
هيفاء بتوتر عميق تأتأت، فقدت زمام الكلمات و تبعثرَت تمامًا.
أم فيصل : تكلَمي! وش صار؟ . . فيصل فيه شي
هيفاء بغصَة تُضيَق على صوتها : آآ . . إن شاء الله مافيه الا كل خير
أم فيصل بنظراتٍ خافتة تترقب : ماني فاهمة شي . . ولدي فيه شي يا هيفا؟
هيفاء أخذت نفس عميق : بالمستشفى . .
صمتتْ، سكنَت حواسَها بعينيَ أثقلها الدمع، نظرت لملامح هيفاء الشاحبَـة/الباكيـة، ليزداد دمعُها توهجًا في محاجرها، يتحركُ عنقها بإنحناءٍ بسيط تسقطُ به دمعةً الأم التي يهزمها تعبُ أحد أبناءها.
قلبي يرتجف! لا أريد أن أفقد رائحة إبني ولا صوتُه ولا ضحكةِ شفاهِه، أسألُك يالله قلبًا قويًا يحتملُ هذا البكاء في صدرِي، قلبًا قويًا لا يكسرُه تعبُ فيصل.
هيفاء أخفضت رأسها ليُلامس جبينها ركبتيَ أم فيصَل، بعينيَ تائهة وضعت يدها على رأس هيفاء، تمامًا مثل ما وضعتهُ قبل مدَة على رأسه عندما توسَل إليْها أن تُسامحه، مازال صوتُه يضجَ بيْ " والله يا يمه تكسرني دموعك "، يا فيصل أنت من يكسرني والله ويكسرُ قلبي بتعبِه، يا حبيبي أنتْ.
همست : مين عنده ؟
رفعت عينها : منصور و أبويْ
أم فيصَل رفعت نظرُها للأعلى حتى تتمالك سيطرتها على الدمع المندفع : بروح له . . وقفت لتُردد في نفسِها " لا حول ولا قوة الا بالله " ، تبعتها هيفاء لتُناديها بأكثر النداءاتِ حميمية : يمَه . . أنتظري
توقفت عن السير، جلست على الكُرسي لتنحنِي وهي تشدَ على شفتيْها حتى لا تبكِي، تقدَمت إليْها هيفاء : بشُوف يوسف عشان يكلَمهم . . رحلت عنها لتظهر شهقاتها المتتاليَة ببكاءٍ عميق، غرزت أصابعها على ركبتيْها وهي تحاول أن تتماسَك، بصوتٍ يكسرُه الحزن : يا رب لا تُفجعنا به . . يا رب رحمتِك بعبادِك الذين شهدُوا لك بالوحدانيَة والألوهيَة . . .
وصَل صوتُ الجرس مداه ليقف يوسف : أكيد أبويَ تو مكلمني . .
هيفاء تنهدَت لتتبع يوسف، وقفت عند الباب الداخلِي لتُراقب بعينيْها يوسف وهو يفتح الباب الخارجِي، تقدَم إليه والده : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . منصور جلس عنده ؟
والده : إيه . . رفع عينه ليُقابل بنظراته إبنته، أقترب بخُطاه إليها ليمدَ يديْه إليه، عانقها وهو يقبَل رأسها : تعوَذي من الشيطان وأحمدِي الله ما صار له شي كايد! الحمدلله على كل حال . . أنتهت عمليته قبل ساعة تقريبًا و دخلُوه العنايَة المركَزة . . لكن حالته بإذن الله أنها تطمَن
يوسف من خلفه : الحمدلله . .
هيفاء بنبرةٍ مبحوحة : الحمدلله . . طيب يبه ما نقدر نشوفه؟
والدِه : ما راح تستفيدين شي! بس يقوم بالسلامة تجينه
هيفاء : حتى أمه تبي تشوفه
والده أبعدها ليمسح دمعها بأصابعه : خلَيك معها ولا تتركينها لحظة، هي أكيد تحتاج لك وأنا أبوك . . وبس تستقر حالته أخليكم تروحون له . . هو ما يحتاج الا دعواتكم وتطمَني يا عيني


،

" واللهِ لأتخيَلُكِ حتى تكُوني واقعًا
. . . / لا مفَر منه
يا فداء العُمرِ! ما سبقِكِ لم يكُن . . من العُمر
لأجلكِ يا غادة!
كيف أُسأل لِمَ الحُب؟
وهل تُسأل السمَاء لِمَ المطر؟ . . فطرتُنا عيناكِ
يا من تسألين عن القلب! عجبٌ سؤال الذاتِ عن الذاتِ "

إبتسمْ بعد أن طالت عينيْه النظرُ إلى شفتيْه التي تنطُق بكل حُب لأخته، رفع عينِه : ما يحتاج تتخيَل هي واقعك أصلاً
غادة ضحكت لتحمَر وجنتيْها، عضَت على شفتها السفليَة وبخفُوت : ليه تقولها قدامه؟
عبدالعزيز يشربُ من كأس العصير ليُردف دُون أن ينظر إليها ويزيدُ من حرجها : عقبال ما تكتب فيني
ناصِر بضحكة : يقُولِك نحنُ لم نصبح شعراء الا من أجلِ ما فعلتهُ بنا النساء
عبدالعزيز : مِيغْفِيَوُ! (عجيب/مذهلmerveilleux = )
غادَة وقفت : أنا مضطرة أروح! عندي كلاس بعد نص ساعة . . فمان الله
عبدالعزيز رفع حاجبه : كلاس!! . . . أسند ظهرِه على الكرسي لينظر إليْها بخبث . . . طيب
ابتعدت لتخرُج وهي تمَر بجانب النافذة التي يجلسُون بالقرب منها، نظرت إليهما بإزرداء/غضب . . لتختفي من أمامهم.
ناصِر : عصَبت!
عبدالعزيز : خواتي فيهم طبع غريب! إذا هاوشتهم ضحكوا وإذا تغزلت فيهم عصبَوا! . . وش ذا الجينات الغريبة!!
ناصِر إبتسم : ما تعصَب إذا تغزلت فيها لكن قدام أحد تتوتر وتعصَب! مو قلت لِك خلنا بس لحالنا دقيقة
عبدالعزيز : دقيقة بعدين تصير ربع ساعة بعدين تصير ساعة بعدين تصير يوم كامل بعدين تدق عليَ معليش عبدالعزيز أقابلك بكرا !
ناصِر : والله يا عبدالعزيز صاير بس تتحلطم على الرايحة والجايَة! خلنا نزوَجك
عبدالعزيز غرق بضحكتِه ليُردف : دوَر لي فرنسية شقرا ويفضَل إنها تكون من الريف! أحب الغين حقتهم! تعرف أبي أتمرَس الحب صح على إيدهم
ناصر : تتطنَز ؟
عبدالعزيز : أمزح! . . خلينا الحُب لك
ناصر : ماش! ماعندك أفكار مستقبلية
عبدالعزيز بنبرةٍ جديَة : لازم أحب عشان أفكر بمستقبلي!! خلها تجي بنت الحلال ويصير خير
ناصر : أحيانًا أشك إنك تحبَ أحد وماتقولي!
عبدالعزيز بضحكة صاخبة : إيه هيَن! . . لو احب ما قابلت وجهك رحت خطبتها وتزوجتها ثاني يوم بعد!!
ناصِر : ما تتعطَل! وأنا مخليني أنتظرها لين تتخرج بس بنات الناس عادي تتزوَجهم متى ماتبي
عبدالعزيز بإستفزاز : إيه طلع اللي بقلبك! والله عاد هذي مو رغبتي . . رغبتها ورغبة أبوي،
ناصر : بس أنت أخوها وتقدر تقنعها مير أنت عاجبك الوضع وجايز لك
عبدالعزيز : ليه مستعجل؟
ناصر بجديَة عقد حاجبيْه : صرت أخاف ما يجي ذا اليوم من كثر ما نأجل فيه!!
عبدالعزيز تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه!! ليه أفكارك صايرة كئيبة
ناصر إقترب منه وبصوتٍ خافت : ذاك اليوم جتني غادة وتبكي تقول حلمانة وخايفة
عبدالعزيز : حلمانة بإيش؟
ناصر : عيَت لا تقولي التفاصيل! بس صرت أفكَر أنه هالتأجيل يضرَنا، ما تحس إنه هذي إشارة لنا عشان نعجَل بالزواج
عبدالعزيز صمت قليلاً حتى نطق : بكلَم أبويْ
ناصر : على الأقل في عيد الفطر
عبدالعزيز إبتسم : خلاص أبشر اليوم بقنعه بدل ما تنتظر سنة ثانية نخليها في العيد!!

أستيقظ بتعرَق جبينِه من ذِكرى تعبثُ بعقله/قلبه، نظر للسقف الذي يجهلُه حتى إلتقت عيناهُ بعينيْه، أستعدَل بجلستِه ليتأمل المكان الذي يحاصره، يبدُو و لوهلة بيتٌ مهجور لا يسكنه أحدًا منذُ سنوات، أثاث رثَ و تلفاز مكسور، و بابٍ من حديد ملطَخ بالكتابات، أبتعد عبدالعزيز عنه بعد أن أيقظه من هذيانِه، تنهَد وهو يقف.
ناصِر عقد حاجبيْه : وين إحنا فيه ؟
عبدالعزيز بحدَة يضع يدِه خلف رقبته مكان جرحه الذي يشتعلُ بحرارته : وأنا أدري عن شي؟
ناصِر أخفض نظره للأرض وهو لا يوَد أن يدخل بجِدالٍ معه.
ليتني لم أقولها يا عزيز! كان أسوأ عيدٍ شهدتهُ عينايَ، و أولِ عيدٍ لم يلحقهُ فرح، ليتني بقيْت على موعِدنا السابق الذي كُنَا نعدَ الأيام له، ولكنني تلهفتُ إليْها، للمكان الذي سيجمعنا، عجَلتُ بموعِدنا حتى تبعثر كل شيء، ضاعت منِي، حاولتُ أن أحفظها ولكنها ضاعت! نحنُ الشعراء أيضًا نترك شِعرنا من اجلِ ما فعلتهُ بنا من تُغني عن كل النساء، منذُ ليلة الحادث وأنا لا أعرفُ أن أكتب بجديَةٍ توازي الكلمات، كنت أظنَها مُزحة والله، كنت أظنَ ليلة عرسنا حدثٌ لا يحتمل النسيان، ولكنها نسيتِه و تهدَم فوق قلبي.
عبدالعزيز جلس على كرسي الخشب المتآكل لينحني بظهره ويضع رأسه بين يديْه، يشعرُ بحرقَةٍ تصل لأقصى مدى في جسدِه، وقف مرةً أخرى ليركل الكرسي ويُكسره بقدمِه، ضرب رأسه بقوة على الجِدار وهو لا يحتملُ هذا الغضب الذي يتصاعدُ به، سكَن جسدِه ليُلاصق جبينه الجدَار و جرحٌ ينزف من جديد لا يُبالي به.
ناصِر وقف ليقترب منه : عبدالعزيز
عبدالعزيز دُون أن يلتفت عليه، تصادم فكيَه من شدَة التوتر : مكتُوب عليَ الشقا طول عُمري! لحد يقولي أنت اللي ماتبي تكمَل حياتِك عُقب أهلك! حياتي هي اللي ماتبيني عُقبهم!!!
ناصِر بلع ريقه من الحال الذي وصَل إليه عزيز، جنَ جنُونِه فعليًا.
إلتفت عليه بعينيَ تبحرُ بحُمرةِ دماءها : بس والله ماراح أتركهم! راح انهيهم واحد واحد . . . صرخ . . راح أقلب حياتهم جحيم!!! . . من صغيرهم لكبيرهم!
ناصِر نظر إليْه بعُقدة حاجبيْه : ما جتِك ؟
عبدالعزيز ظهرت عروقِه من رقبته المشدُودة بغضب، ظهر بريق عينيْه الذي يفضحها الحنين، بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : إلا! . . ما كانت حلم يا ناصر . . جلس على الأرض ليُردف بإبتسامَة هادِئة : شفتها ، كان في نفسي سوالف كثيرة بس ما قلت لها! ما عرفت كيف أسولف معها؟ . . ناصِر
جلس أمامه وركبتيْه تلاصقه، أكمَل : ضايقني إني تعوَدت على غيابها . .
ناصر شكَ بأنه يغيب عن وعيْه تمامًا ولا يُدرك بماذا يتحدَث وأمامِ من : عبدالعزيز
عبدالعزيز نظر إلى عينيْه التي تعكسه : كثييير
ناصر : أيش؟
عبدالعزيز : أشتقت . .
ناصِر غصَ حتى شحِب لونُه، نظر لهزيمةِ رفيقه الدنيويَة، تأمل عينيْه التي تهذِي بالحنين/الوَجع، كُنَا نقول حُزن الرجالِ قاسيًا ولم نكُن نشهدُ عليه! إلا الآن! أصبحنَا نشهدُ عليه يا عزيز ونشهدُ عليك، أصبحتُ أرى كيف للدمعِ أن تردَه العزة عن خدَك، كيف له أن يبقى في محاجرِك فقط ليُلهبك ولا يسقُط! يهزَنا البكاءِ في كل مرَة ولا يسقطُ من غصنه دمعة لأننا جُبلنا على الغصَة.
: عزيز
عبدالعزيز بلل شفتيْه بلسانِه وهو يتنهَد بعمق : أنا بخير! بخير . . قادِر أقاوم كل هذا
ناصر : عارف إنك قادِر، بس
عبدالعزيز بحدَة : قولها! . .
ناصِر : آسف
عبدالعزيز إبتسم بتضادِ الشعور الذي يواجهه : تعتذر عن حزني؟
ناصِر : أعتذر لأني مقدر أخلَيك تكون بخير!
عبدالعزيز بخفُوت يتصاعدُ الإضطراب في صدرِه، أخفض رأسه : أحاول والله أحاول! . . أقول في نفسي خلني أنسى! خلني أبعِد! ما عاد لي علاقة فيهم، أقول لا أنتظر منهم إعتذار ولا تبرير! أقول روح عِيش بعيييد عن كل هالخراب! وأقول أقدر أقاوم و أنا أقوى من تهزَني هالأشياء، لكنها . . . . . هزَتني! وضعفت، كنت أقول ما يذبحني حرَ القهر وأنا ولد سلطان! لكن الحين أحس . . أحس بشعور غريب،
إرتجفَ فكَه من هذه السيرة ليُكمل : كنت أحسَ دايم الموت قريب مني! لكن هالمرَة أحس قلبي يضيق فيني!!
ناصِر بنبرةٍ حانيَة يخدُشها الدمع : أنا معك، . . . ضغط على كفَ عزيز ليُردف : قاوم عشان غادة و عشاني!
عبدالعزيز بإبتسامة لإسم ( غادة )، تلألأت عيناه بنظراتِ لها إيماءةُ فراق : قول إنَك ما كذبت عليَ؟
ناصِر : ورحمة الله ما كذبت! عرفت قبل فترة، أول ما عرفت مقدرت أقول لأحد، والله مقدرت يا عبدالعزيز، وبعدها قمت أتصل عليك عشان أقولك! بس ما كذبت . .
عبدالعزيز صمت لثوانٍ طويلة حتى بدأ يهذِي بوعيٍ يغيب تدريجيًا : ماراح أتركهم . . من يقدر اصلا! . . هم بس اللي يبونه يصير وأنا؟ أنا بعد ابي يصير لهم اللي ما يبونه! أبي . . . أبـ . . . . أغمض عينيْه وقبل أن يقع رأسِه على الأرض وضع ناصِر يدِه، نزع معطفِه ليضعه تحت رأسِ عزيز حتى لا تؤذيه الأرضِ غير المستوية، أصابتهُ الرعشة من البرِد الذي يُداهمه من كل إتجاه في يومٍ باريسي عاصف بالثلوج.
وضع يدِه على جسدِ عبدالعزيز ليُغلق أزارير معطفه حتى لا يبرُد، وصَل لصدرِه ليُغلق آخر ازاريره، نظر إليه، لملامحه النائمة بهدُوء، يُدرك حجم الوجع الذي يُصيبه في هذه الفترة، ويُدرك تمامًا أنه ليس بخير.
لا نقدِر على محو ما كُتب علينا يا عزيز، إحساسُك بالرحيل " يوجعني " ! لأنني أفهم تمامًا كيف أننا نشعرُ ببعض ما قد يُصيبنا، بُكاء غادة تلك الليلة لم يكُن من فراغ! كانت تُدرك أنها سترحل! واليوم أنت! نحنُ الذين خُلقنا من طين أشعُر أن فطرتنا / ألم.
أنحنى عليه ليُقبَل جبينه، أطال قُبلتِه لتسقط دمعته عليه، همس : الله لا يفجعني فيك يا عزيز

،

تجلسُ بجانبها بعد أن مشَت ذهابًا وإيابًا في الغُرفة لقُرابةِ الساعة دُون توقَف، بلعت غصَتها بعد أن تصاعدت الحُمرة المحمَلة بالدمع ناحية محاجرها : صاير شي! قلبي يقول صاير شي
ضيَ إرتجفت شفتيْها وهي تهزَ قدمها : وعدني يجي!
عبِير : ما عاد في قلبي قوة عشان أنتظره هِنا، . . وقفت لتتجه ناحية هاتفها، إتصلت على رقم والِدها " مُغلق "، نزلت دمعتها بمُجرد أن سمعت الردَ الآلي : مُغلق!!!
ضيَ بمحاولة لتهدئة وضعهما : أكيد أنه بخير لا توسوين وتوسوسيني معك!
عبير أستسلمت لبكاءها : ياربي ليه يصير معنا كل هذا؟ رتيل ماهي فيه وأبوي ماهو فيه! . . . حتى عمي مقرن ماهو فيه!!! كلهم أختفوا . .
ضيَ توجهت إليها لتُعاقنها : أششش! إن شاء الله مو صاير الا كل خير . .
عبير بضيق نبرتها : لا تهدَيني بهالكلام! لو أبوي صدق طلع له شي كان أتصل علَمنا! لكن أبوي كان مخطط إنه ما يرجع! وين راح بس لو أعرف وين!!
ضيَ ضاق صوتُها بالبكاء : لا تقولين كِذا! هو بخير و رتيل بخير وكلهم بخير
عبير أبتعدت قليلاً عنها لتُردف : ليه محد أتصل؟ . . لو واحد فيهم هنا يطمنَا! مو من عادته ابوي يروح بدون لا يترك لنا على الأقل عمي مقرن! كلهم راحوا وأتركونا ننتظر
ضي قطَعت شفتيْها بأسنانها لتُكرر حتى لا تُصدَق حديث عقلها وعبير : إن شاء الله أنهم بخير
في جهةٍ بعيدة أنتهى من صلاتِه ليقف : نايف لا أوصيك!
نايف : بالحفظ والصون . .
عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أستودعتهم الله الذي لا تضيع ودائعه
نايف برجاء : لو بس تخليني أروح معك!
عبدالرحمن : لا خلَك هِنا، صبرنا كثير وحاولنا كثير لكن بالنهايَة مابقى كثر ما خسرنَا، إذا إتصل سلطان بلغه لكن إذا ما أتصل لا تتصل عليه ولا تقوله شي . . .
نايف : أبشر
عبدالرحمن بإنهزامية جادَة أكثرُ مما يلزم، وضع السلاح على الطاولة، مُجرَد من كل وسائل المقاومة عدَا قلبه الذي يُدافع بشراهة عن حياة من يُحب، خرَج والثلج يتساقط من سمَاءِ باريس، شدَ على معطفِه الأسوَد ليُتمتم : اللهم إننا ضللنا السبيل فأرشدنا و أخطأنا الطريق فدلَنا، اللهم أحفظه، يا حيَ يا قيوم أحفظهم
ركب السيارة ليقودها بنفسِه أمام أنظارِهم، دخل محمَد : لازم نبلغ بو بدر
نايف تنهَد : ماراح يفيد شي! ماراح يجي بو بدر باريس ويمسك عبدالرحمن
محمد : الوضع تأزم!!
نايف : أنا بروح لشقته، لازم أطلَع بنته وأخت عبدالعزيز . . بعدها إذا أتصل بوبدر تبلغه بالموضوع، وخلَك على إتصال معي


،


تنظرُ إليْه بإزدراء وهو مستلقي على الأريكَة يحاول أن يغفو لساعاتٍ قليلة حتى يعود لعملِه، تكتَفت بثباتِ أقدامها التي تُعاكس ربكة جسدِها الغاضب : وبس؟
سلطان : هذا اللي صار
حصَة بغضب تصرخ عليه : قلت لك إتصل عليها تطمَن ما قلت لِك أتصل طلَقها!!! أثبت لِي إنك مراهق في قراراتِك! ما تعرف تتصرف تصرف واحد صح
سلطان أستعدَل بجلستِه ليلفظ بحدَةِ نظراته : حصَة لازم تفهمين شي واحد! إنك مهما حاولتي دام انا ما أبي هالشي مستحيل تجبريني عليه
حصَة بحالةِ إنفجارٍ تام : إحلف بالله إنك ما تبيها؟ . . . . ما تقدر لأنك متخلف تقول كلام غير اللي بقلبك، تضيَع حياتِك ومستقبلك عشان ترتاح عزة نفسك اللي مدري من وين طالع فيها! يعني إحنا اللي تنازلنا عشان اللي نحبهم و رجعنا لهم ما عندنا عزَة نفس؟ وش ذا التفكير البايخ اللي عايش فيه!!! . . يكفي اللي راح من عُمرك لا تضيَعه مرة ثانية
سلطان بخفُوت : ما أبغى أعلَي صوتي عليك! بس لا تستفزيني أكثر
حصَة بغضبها الذي لا يُبالي : قولي قرار واحد إتخذته كان بمصلحتك! ليه تسوي في نفسك كِذا!!! أحترم حياتِك وعطَها أهمية مثل ما تعطي شغلك!! . . .
سلطان بصوتٍ حاد : لا حول ولا قوة الا بالله . . . سكري هالموضوع ما أبغى أغلط بحقَك!!
حصَة توجَه إليه السبابة : ما راح أسكره، لين تقنعني بأسبابك! حياتك ماهي ملك لوحدِك! هي تهمَني يا سلطان!!!
سلطان تنهَد : بريَحك من الآخر لو تجلسين من هنا لسنة قدَام ماراح أجاوبك بأيَ شي
حصَة بحدَة : لأنك غبي مع خالص عدم إحترامي لك
سلطان إتسعت محاجره بالدهشَة : كل هذا عشان مين؟ عشان الجوهرة؟ مين أولى في قلبك أنا ولا هي؟
حصَة : أنت آخر شخص تتكلم عن مين أولى في قلبي! لو لي قدر عندِك ما سويت اللي في راسك ولا كأن فيه أحد يسأل ويبي يتطمَن!!
سلطان بغضب عاد للإستلقاء : تمسين على خير
حصَة : نام ولا علِيك من شي!! أصلاً عادِي. . ما كأنها حامل في ولدِك ولا كأنها زوجتك اللي تحبها وقول إنك ما تحبها عشان أكسِر هالتليفون فوق راسك
سلطان إبتسم بسخرية : هذا اللي بقى! أضربيني عشان تكمل
حصَة أخذت جوالها وبقهرٍ يجعلها بحالة من التوتر والحركة الغير منتهية : طيب يا سلطان . . . إتصلت عليها
في الجهةِ الأخرى وقف والِدها : بنجيها المغرب وخلَيك عندها أفنان ولا تتحركين
أفنان : إيه خلاص لا تشيلون هم! أنتم أرتاحوا وأنا بكون عندها
ريَان تنهَد : إذا صار شي إتصلي علينا، أنا بآخذ إذن من دوامي وبرجع لها
أفنان : طيب . .
خرجُوا جميعًا لتبقى أفنان لوحدِها معها، رفعت عينها إليْها : كيفك الحين؟
الجُوهرة ببحَة صوتها المتعب : تمام
أفنان جلست بجانبها : ماراح تقولين لي وش فيك؟ الدكتورة تقول أنه حملك مهدد والسبب إهمالك!! ليه تسوين في نفسك كذا؟ هذا أول حفيد في العايلة يعني مفروض تتحمسين أكثر مننَا وتهتمين بنفسِك وبالروح اللي بداخلك! لا أكلتي أمس ولا غيَرتي جو معنا! حابسة نفسِك بالغرفة وتبكين . . وخير يا طير يا سلطان! ماهو أنتِ اول من تتطلق! الله بيعوَضك باللي أحسن منه . . . عساه . .
تُقاطعها : لا تدعين
أفنان بعصبية : قهرني الله يقهر العدو . . هو ما قال والله ماراح آكل ولا راح أنام عشان الجوهرة ماهي فيه! تلقينه عايش وعادِي عنده لكن أنتِ ماهو عادِي عندِك!!
الجُوهرة بشحُوبِ ملامحها البيضاء عقدت حاجبيْها : متى راح أطلع؟
أفنان : شوف وين أحكي فيه ووين تحكين!! يالله عليك! . . .
الجُوهرة بضيق : وش أقول يا أفنان! من الصبح وأنتم تعيدون عليَ نفس الكلام! والله فهمت والله يثبَت حملي . . بقى كلمة ثانية ما قلتوها؟
أفنان تنهدَت : بالطقاق طيَب!!
الجوهرة بلعت ريقها : ما جاء أحد اليوم؟
أفنان : أحد مثل مين ؟
الجوهرة : مدري! يعني عمَي عبدالرحمن ما جاء؟
أفنان : عمَي عبدالرحمن! لا محد جاء . . أنتم على فكرة غريبين مرَة! ريم تقول فيه ريحة عطر رجالي بالمطبخ وأنتِ تسألين عن عمَي!!
قاطعها هاتفها الذي أشترتهُ حديثًا بعد أن تكسَر هاتفها السابق على يَد سلطان، أفنان نظرت إليْها : لو هو لا تدرين عليه! بعدها تتوترين ويالله نهدَيك! الدكتورة تقول . .
الجوهرة تُقاطعها بغضب : الدكتورة تقول أبعدي عن التوتر . . فهمت والله فهمت كل حرف قالته
أفنان بدهشَة نظرت إليها لتقف : طيب . . بروح أجيب لي قهوة قبل لا تفجرين راسي . . . خرجت لتتركها.
سحبت نفسها لترفع ظهرها قليلاً، مدَت يدها نحو الهاتف لترى " أم العنود " أجابت : ألو
حصة : السلام عليكم
الجوهرة : وعليكم السلام
حصة تُظهر جهلها بما حصل : قلت أسأل عنك دامِك ما تسألين!
الجُوهرة بنبرةٍ متعبة : أعذريني، بس
حصَة تنظر لسلطان الذي يضع ذراعه على جبينه ويُغمض عينيْه بهدوء وكأنه لا يهمه الأمر : بالأول صوتك وش فيه تعبان؟
الجوهرة : دخلت المستشفى
حصة صمتت قليلاً حتى أردفت بخوف : صار لِك شي؟
الجوهرة : لا الحمدلله أنا بخير وإن شاء الله بيطلعوني قريب
حصَة عقدت حاجبيْها وهي تعضَ لسانها بقهر من لامُبالاة سلطان : الجوهرة لا تخبَين عليَ شي! طمنيني
الجوهرة : والله ما فيني الا كل خير،
حصَة بصوتٍ عالٍ يملئه القهر يضجَ بمسامعِ سلطان : إذا أحتجتِ أيَ شي إتصلي عليَ
الجوهرة : ما تقصرين يا أم العنود
حصَة : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك
الجوهرة : إن شاء الله . . مع السلامة، أغلقته لتُقيم مراسِم من الصراخ في وجهِه : ما عندِك أيَ مسؤولية!!
سلطان وقف : أنا غلطان يوم رجعت ونمت هنا! مفروض أروح لأيَ فندق وأجلس فيه لين تنسين سالفة الجوهرة .... أنحنى ليأخذ مفاتيحه وهاتفه لياتِ صوتُها مقاطعًا : الجوهرة بالمستشفى.
تجمَد في إنحناءه ليرفع عينه بتوجَس : بالمستشفى!!!
حصة : إيه! والله أعلم وش صاير لها تقول إنها بخير
سلطان عقد حاجبيْه : وش فيها؟
حصَة : إتصل وتطمَن بنفسك. . ولا أووه صح نسينا ينقص من رجولتك ولا هو من شيْم الرجَال إنك تتصل على مرتك تتطمَن عليها
سلطان : مفروض إنك أكثر شخص يوقف معي حاليًا لكنك صرتي أكثر شخص واقف ضدَي
حصَة : تدري لو ما أنت غالي عليَ كان نتفتِك بأسناني الحين من قهري
سلطان بسخرية : لا أبد ما قصرتي! كل هذا وأنا غالي عليك
حصة بحدَة : ما راح تتصل؟ . . دارية! طبعك الخايس ما تخليه . .
سلطان مسك هاتفه ليتصِل أمامها ويكسر كلمتها وإتهامها له، في الجهةِ الأخرى نظرت لإسمه لتضعه على الصامت.
: ما ترَد!
حصة : من زين فعايلك عشان ترَد عليك
سلطان بغضب : حصَـــة!!!
حصَة : وأنا صادقة! ترَد عليك ليش؟
سلطان جلس : أمرك غريب! تقولين طبعي خايس وما أرفع السماعة وأتصل! ويوم أتصلت وكسرت كلمتِك ليْ قلتِي من زين فعايلك عشان ترَد عليك
حصة صمتت قليلاً حتى تلفظ : رجَعها يا سلطان
سلطان : هذا أمر مو بإيدي ! لو هي نصيبي محد بيردَها
حصة بغضب : تستهبل! الله وهبنا الأسباب عشان نعمل فيها مو نجلس نقول والله اللي كاتبه ربي بيصير! . . الله يـ . . . أستغفر الله ما أبي أدعي عليك
سلطان تنهَد ليتصِل مرةً اخرى : لاحظي بس إنك من اليوم تتصرفين معي بتصرفات والله العظيم لو تجي من غيرك لأدفنه بأرضه
حصَة بتهكُم تجلس : إتصل من جوالي . . . مدَتهُ إليه
سلطان أخذه ليتصل عليها، تمرَ ثواني طويلة حتى تُجيب بصوتها المتعب : هلا
سلطان وقف ليبتعد عن أنظارِ حصَة، وصلت لها أنفاسِه المُتعبَة أيضًا لتُدرك تمامًا من خلف الهاتف : هلا بِك
الجوهرة أرتجفت شفتيْها بربكة الحُب التي لا تستطيع التخلي عنها، أردف : الحمدلله على السلامة . .
لم تُجيبه، أكملت صمتها حتى تستفزُ كل خلية تجري بدمِه كما أستفزَها بأمرِ الطلاق، تنهَد : شلونك الحين ؟
لستُ بخير، مضطربة! أشعرُ بأنني غير موجودة على خارطتِك وهذا يُزعزع كبريائي الذي يُحبك، ستُكمل حياتِك يا سلطان وتترك لي بقايا حياة أعِيشُها. ظالِم! حتى في سؤالِك تقسُو، أنت تعلم جيدًا من صوتي الذي تحفظه بأنني لستُ على ما يُرام ولكنك تسأل لتُزيد وجَع البحَة المترسبة فوق صوتي، لتُحزني أكثر بعدم قدرتي على التخلي عنك.
الجوهرة بنبرةٍ هادِئة مُتعبة : بصفتِك أيش تسألني؟
سلطان : حطَيني بأيَ صفة!!
الجوهرة بسخرية : إيه معليش أعذرنا، لو ما كنت حامل ما أتصلت بس عشان تتطمن على ولدِك! أبد حبيبي هو بخير . . . نطقت كلماتها بسخريةٍ لاذِعة تؤلمها قبل أن تؤلمه، وكلمَة " حبيبي " التي تطفُو على السطح مُبكية جدًا.
سلطان بخفُوت : خذيتي أسوأ ما فيني وتطبَعتي عليه!
الجُوهرة : طبعًا! ما يعجبك الا الرضوخ، تبيني بس أقولك تآمر وسمَ!! . . أيَ سؤال ثاني؟ صوتِك يوتَرني ويمرضني والدكتورة موصية إني أبتعد عن الأشياء اللي توترني!
سلطان : صرت الحين أمرضِك؟
الجوهرة بلعت ريقها : تآمر على شي ؟
سلطان يحاصرها من الزاوية الضيَقة : تسأليني بصفتي أيش؟
الجُوهرة أضطربت أنفاسُها من السؤال الحاد الذي لا هرب منه، طالت الثوانِي بينهما في حديثٍ تتبادلهُ الأنفاس، نطقت : بصفتِك أبو اللي ببطني لا أكثر
سلطان تنهَد بعُمق ليُثير البكاء في صدرها : وش صار لِك؟ ليه تعبتي؟
الجُوهرة : ضربت ظهري بالجدَار وبعدها أغمى عليَ
سلطان بتشكِيك : ضربتيه كِذا؟
الجُوهرة : مو لازم تصدقني!
سلطان بغضب صرخ بعد أن تمالك نفسِه لآخر لحظة : الجـــــوهرة!!!
أرتجف قلبها بزفيرٍ محبوس لا يفلتُ من بين شفتيْها.
أنا عالقة بِك! إن ضاع قلبِي كيف أسألُ عنه و كيف أطلبُ من صاحِب السطوَة التي حللَها قلبِي بغيرِ مسؤولية؟ أبكِي وكيف لا أبكِي!! هل أنساك بالبكاء؟ أم أبكِي لأن لا شيء يُنسيني إيَاك! تُفزعني هذه النبرَة وأنا التي ملكتُ كوْنِي بسوادِ عينيْك، حتى أدركتُ بأن أوجاعِي أوطانِي و ممالِيكي من دَمع، يا قيمَة الحياة وإتزانها كيف أُقيم للمُقبل من أيامنَا وزنًا وأنت لا تُشاركني بها؟ أأدركَت فداحة ما فعلتهُ بي؟ مُجرم! قتلتني ولم تُحيي ما قتلتهُ في نَفسي.
سلطان بتوترٍ يضطربُ بداخله، لم يكُن ينقصه مآسآةً أخرى تنفجرُ في قلبه : أنتِ اللي تبين تتعبين نفسِك! وتضيَقين على روحك!!
الجوهرة أخذت نفس عميق بعد إضطرابٍ لثوانِ : ما أحتاج وصايا مِنك، أنتهى كلامك ولا باقي؟
سلطَان بسخرية : صاير محد ينافسك بالقساوة!! برافو والله
الجُوهرة بهدوء : تستهزأ فيني؟ كالعادة ما تسمح لِك نفسِك إنك تحترمني شويَ!! أظنَك تحتاج إستشاري أسرِي يعلَمك كيف تحترم اللي حولك!!
سلطان بهدوء يُناقض البراكين التي تُقيم في صدره : أعرف أحترم اللي حولِي وما أحتاج احد يعلَمني!
الجُوهرة تُقلَد نبرتِه بلذاعة : برافو والله
سلطَان صمت قليلاً وهو يضغطُ على الهاتف بإتجاه إذنه، تُفسدِين صوتِك بحدَة الكلمات وأنا لم أعهَدكِ بهذه الصورة؟ كيف أفسَر مآسآتي؟ مررتُ بصعابٍ في حياتي لا تُعَد ولا تحصى ولكن مآسآةٍ كهذه لم أُجربَها إلا هذه الفترة، فشلتُ بإنهاء جريمةٍ عبثت بنا لسنوات، و عطفًا عن ذلِك أفشلُ الآن بالإطمئنان على أشخاصٍ يُهمني أمرهم، وأفشلُ معكِ أيضًا. من يشرحُ خدشُ صوتِي؟ و مصيبتي؟ لا أطلبُ من أحد أن يتحمَل غضبي و حُزني، في هذا الوقت أهجُو الجميع وأصرخ على الجميع، يشتعلُ صوتي بغضبٍ حبستهُ لأيامٍ طويلة، ولكنهُ خرَج! هذا الحُزن خرج كـ / صراخ.
: لو إنَك قدامِي كان علَمتك يا بنت عبدالمحسن كيف تقلدين صوتي؟
الجوهرة ضحكت ببحَة صوتها المتعبة، رُغم وجَعها من كلماتها التي تُصيبه إلا أنها لا تتخلى عن قوْلها
سلطان قطَع شفتِه السفلية بأسنانه على صدى ضحكتها المبحوحة، أردَف : خليني أخلَص شغلي و أعلمَك كيف تقولين هالحكي قدامِي!!
الجُوهرة : على فِكرة أهلي صار عندهم خبر . .
سلطان : أتوقع إنك ما تجهلين في الدين كثير وتعرفين إنِك مازلتِ في ذمتي! لا خلَصت العدة ذيك الساعة تكلَمي! مفهوم؟
الجُوهرة بإنفعال تنهدَت : مع السلامة
سلطان بهدوء : جربَي تسكرينه في وجهي!
الجوهرة أمالت شفتيْها بلا حولٍ ولا قوَة، مازلتُ متهكمًا يا سلطان!!
سلطان بضحكة يرَدها إليْها بصوتِه الذي يزدادُ تعبًا مع السهر : شاطرة . . مع السلامة . . . أغلقه
دخلت أفنان على إغلاقها للهاتف : لا تقولين لي إنَك توَك تسكرينه من عمته!! ماشاء الله عليك كل ذا سوالف!!
الجوهرة نظرت إليْها بتجمَد ملامحها، أفنان مدَت يدها أمامها بضحكة : وش فيك تصلَبتي؟
الجوهرة بقهر أخذت كأس المياه الذي بجانبها لتشربه بإندفاع حتى تبللت رقبتها، أفنان : بسم الله عليك! وش فيك؟
سحبت منديلاً لتمسح رقبتها، نظرت إليْها : ليه تأخرتِي؟
أفنان : لقيت صديقتي وسولفت معها شويَ قلت لين تهدين بس شكلك اليوم مزاجك ماراح يهدأ
الجُوهرة : أبغى أنام
أفنان : طيب نامي
الجوهرة بإنفعال لا تدرِي إلى أين يُوصلها : لو أقدر أنام كان نمت بدون لا أسألك! نادي أيَ أحد يعطيني منوَم!!
أفنان تنهدَت : طيب . .
في جهةٍ اخرى وضع الهاتف بجيبه لتعتليه إبتسامة، همس : مجنونة!!!
إلتفت ليرى عمتِه : أيَ أوامر ثانية يا أم العنود؟
حصة تنظرُ لملامحه بتفحَص لتبتسم بعد أن لمحت امرًا جميلاً بعينيْه : بترجَعها؟
سلطان ببحَة بدأت تتسلل إلى صوته المُرهق : ترى عادِي تكون علاقة الزوج بطليقته حلوة! إذا شفتيني أضحك معها ماهو معناته إني برجَعها!!
حصة تغيَرت ملامحها : حسبي عليك . . أستغفر الله! الشرهة ماهو عليك الشرهة على اللي يحاول يصلَح الدرج اللي في مخك!! . .
سلطان أستلقى على الأريكَة : تمونين يا حصَة قولي اللي تبين مانيب رادَ عليك
حصة : لا تكفى ردَ! . . . . ياربي لك الحمد إنها حامل وعدَتها 9 شهور يمكن الجنون اللي في راسك يهجد
جلست بقُربه وقبل أن تنطق شيئًا قاطعها : بعد ساعتين لازم أطلع لشغلي! فخليني أنام الله يرحم لي والديك
حصة بخفُوت وهي تحاول أن تؤثر عليه بالكلمات : ما ودَك تشوف كيف يمَر شهرها الأول والثاني والثالث والتاسع! ما ودَك تراقبها مثل كل الرجَال! تشوفها كيف تصحى من حركاته ببطنها! ما ودَك تحس فيه وهو يتحرَك؟ ما ودَك تشوفه لمَا تروح معها للمراجعه؟ ما ودَك تلاحظ تغيرَاتها بتغيراته؟ تدري إنه الحامل تكون جميلة بشكل ما تتصوَره!!
نظر إليها بتنهيدة : ما تهمَني الأشياء ذي
حصَة : أهم شي يجي هو بصحة وعافية والحمدلله
حصَة بإبتسامة : ما ودَك تصحَيك وتقولك يا سلطان أنا متوحمة على . . . كمثرى مثلاً ؟
سلطان : ما أحب أحد يصحيني بدون لا أطلب منه
حصَة : خلاص مو لازم تصحَيك! مثلا تجلس معها وتقولك أنا متوحمة على . .
يُقاطعها : حصَة تكفين بنام!
حصَة تنهدَت لتقف وهي ترمي عليه الخُدادية : ما ينلام اللي قال الحمدلله الذي خلقني رجلاً كي لا أحب رجُلاً


،


حاولت أن تسترخِي كثيرًا وتُبعد التوتر الذي يُصيب أجزاءها ولا فائِدة من كل هذا، مازالت يدها على مقبض الباب منذُ نصفِ ساعة.
أجهلُ السبيل لمُحادثتها، أشعرُ بشعورٍ غريب نحوْها، أعتدتُ لسنةٍ بأكملها على أن عائلته بأكملها متوفيَة وفجأة تظهرُ / غادة، يحدُث هنا أمرٌ غريب! مازالت صورته بالأمس في ذاكرتِي عندما قابلها، كيف أنهُ أرتخَى بذبُول جسدِه ونظر إليْها لأولِ مرَة، نظرتُه التي لا أفهمُ شيئًا منها سوى الصدمة، كانت عينيَ عزيز حُطامًا يُحكَى، أنا وبلحظةٍ ما أشعرُ بأن الكون ينطبقُ عليَ ويدهسني كُلما فكَرت بسوءٍ عن من أُحب، كيف حالُ عبدالعزيز ؟ كيف أستطاع أن يعيش هذه المُدَة ولا أحد بجانبِه! أفهمُ قسوتِه/تناقضاتِه/إضطراباته الناتجَة عن ما حدَث له رُغم أنَك تستثير كل الكلمات السيئة بنظراتِك حتى أنطقها لك، ولكنني لا أَقدِر على قوْل أنني أُسامحك.
فتحت الباب لتُميل شفتيْها بربكة، إلتفتت لتراها واقِفة أمام النافِذة، شعرت بها غادة لتلتفت بإبتسامة : صباح الخير
رتيل شتت نظراتها : صباح النور
غادة : عبدالعزيز صحى؟
رتيل بدهشة نظرت إليها : عبدالعزيز! . . آآ ما نام عندي أصلاً
غادة رفعت حاجبها بإستغراب : غريبة! أجل شكله راح لدوامه . . . نظرت لربكة رتيل لتُردف بإبتسامة : ما تعرَفنا كويَس أمس
رتيل بدأت أصابعها تتشابك نسيْت كل الكلمات، لا تُصدَق بأن من رأتها أول مرة في مقطع فيديو تراها الآن حقيقة.
غادة : ما تعرفين جوال عبدالعزيز الجديد؟ لأن القديم قال أنه رماه
رتيل : ما طلَع واحد جديد
غادَة جلست لتنظر إليْها : على فكرة ما آكل
رتيل تصاعدَت حُمرة الخجل إلى جبينها، جلست على الأريكَة المُقابلة : مو قصدِي! أعتذر
غادة عادت لصمتها، طال الهدوء بينهما حتى قطعتهُ بعد دقائقٍ طويلة : متشوقة أشوف صور عرسكم،
بلعت ريقها وعينيْها معلَقة بعينيَ غادة، للمرةِ الأولى أشعرُ أنني مآسآة! وأن ما يحدثُ ليْ مصيبة، أين ذكرياتنا يا عزيز؟ ذكرياتنا التي تُجسَد بصورة؟ لا نملك شيئًا للحياة نُبرهن من أجلها و من أجل الذاكِرة المريضةُ بك! يالله، مُدَ لي بفرجٍ منه/ ومن هواه.
غادة بتوتر : مو قصدِي أشوفها الحين! بس . .
رتيل بعينيْن تُضيء بالدمع المحبوس في داخلها، إبتسمت وهي تمَد أكمامها القطنية حتى نصف كفَها : ما سوينا عرس
غادة شتت نظراتها، لتتداخل أصابعها فيما بينها، عادت ذاكرتها المُتعبَة لضوضاءِ مشاهدٍ تجهلُها.
للتو تجاوزت أمرُ السنين وتأقلمت معها، ذكَر لي ناصِر ما حدث في السنواتِ الخمس الأخيرة، ولكنني الآن! أشعرُ بأن أحدًا يعجنُ عقلي بذكرياتِه، مشوَشة التفكير! لا أفهمُ تمامًا ما أتذكرهُ وأين مصدرِه، يضطربُ عقلي بمشاهدٍ لا أُدركها.
" وليد خلفِي على متن سفينة تعبرُ بحرٌ شاسِع الزُرقَة، ناصِر في إحدى المقاهي يبتسمُ إلي، ضحكاتُ العيد تتغنجُ من بين شفتيَ أمي، مُبارة السعوديَة الكرويَة تجمعنا، إتصال والدِي المُباغت في تلك الليلة، تجربتي بإرتداء الفستان الأبيض، تأخر عزيز عن الحضور ليلة . . . . " يالله ما هذا !
أخفضت رأسها وهي تطوَقه بين يديْها بصداعٍ يفتكُ خلاياها، إرتجفت شفتيْها من الذي يحدثُ لها.
رتيل بخوف أقتربت منها : غادة؟ .. .. مدَت لها كأس الماء الموجود على الطاولة . .
غادة رفعت عينها المحمَرة بالوجَع : وين عبدالعزيز ؟
رتيل : والله ما أدري! أكيد بيرجع الحين
غادة أخذت كأس الماء لتُبلل الجفاف الذي صابها، أخذت نفس عميق من تلخبط الأحداث في دماغها، همست : ناصر!!
رتيل أرتجفت أطرافها من دهشَة عينيْها التي تستذكرُ الأحداث على هيئة دمع، جلست على ركبتيْها أمامها : أسترخي بسم الله عليك
غادة عقدت حاجبيْها لتسيل دمعة رقيقة على خدَها، تنظرُ لعينيَ رتيل، أطلقت " آخ " خافتة بعد أن توجَعت نفسيًا من ضربة السيارة التي أنقلبت في ذاكرتها، أغمضت عينيْها بشدَة وهي تنظرُ لولِيد أمامها و ناصِر من خلفها، و حُطام السيارة بجانبها، وأصواتِهم/صرخاتهم تتداخلُ بها، سقطت دمعةً تلو دمعة لتضغط بكفَها على كفَ رتيل وهي تحاول أن تستمد بعض من قوَتها، بهذيَان : أشهد أن لا إله الا الله . . .
أبعدت كفَها عن رتيل لتضغط بها على رأسها وهي تتألم ببكاءٍ عميق : قالوا بنسوي العملية لكن ما نجحت! قالوا بس يرجع نظرك بتتذكرين تدريجيًا . . .
رتيل بربكة وقفت، لم تفهم شيئًا مما تقوله وهي تتألم منظر غادة ومن وجَعِها الذي يُصيبها ويكسرها أمامها : تعوَذي من الشيطان . .
رفعت غادة عيناها المحمَرة بدمعٍ مالح، برجَاء : أبي أتذكر! . . أنا أنسى كل شي . . وش قيمة الحياة بدون ذكريات؟
رتيل جلست بجانبها لتحاول أن تتجرأ بصوتِها، كررَت الإستغفار في داخلها حتى وضعت يدَها على رأسِ غادة لتقرأ عليها كما اعتادت أن يقرأ عليها والِدها الذي لم يضع أيَ إحتمال أن طيْشها لم يمنعها أن تحفظ القليل من القرآن : إذْ يقولُ لصاحبه لا تحزَنْ إن الله مَعنا فأنزَل اللهَ سَكينتهُ عليه وأيَده بجنودٍ لَمْ تروْها . . . . . هو الذي أنزَل السكينَة في قلوب المؤمنين ليزدادُوا إيمانًا مع إيمانهم . . . تلعثمت ليسكَنُ صوْتها مع سكينة غادة، رفعت نظراتها للاعلى حتى تمنع تدافع الدمع، أخذت نَفس عميق ليربت على قلبها صوتُ والِدها، عندمَا كان يقرأ عليْها حتى يُخفف وطأة قهرها من زواجها بعزِيز، مازال صوتُه يُردد " فستذكرُون ما أقولُ لكم وأُفوَضُ أَمرِي إلى اللهِ إن الله بصيرٌ بالعباد، فوَقاهُ الله سيئاتِ ما مَكرُوا وحاق بآل فرعون سوءُ العذاب "
يا رب أحفظ والدِي، و أعفُ عن خطايايَ التي فعلتها بحقَك قبل أن أفعلها بحقَه، يارب لا تفجعني بحياةٍ تخلُو مِنه، إن حلوْ العُمرِ من عينيْه، فكيف يطيب العيش دُونه ؟


،

* يتقدَم إليْه رجلان ليفتشانِه ويتأكدان من خلوِ ملابسِه من أيَ سلاح.
أيَ ذلٍ أعيشهُ الآن، أيَ حُزنٍ يُصيب أضلعي و يفتكُ بها؟ هل أتاني ما أتى مقرن؟ هل أرتضى بالذلَ من أجلِ أن لا يشي بشيءٍ يضرَنا! في كل مُحيط يحفَنا يحتاج أحدَنا أن يكون الضحيَة من أجل البقيَة، رحَل عبدالله القايد أولاً ثم سلطان العيد ثم مقرَن ثُم . . . ؟ من يأتِه الدور بينما رائد لم يتخلى عن دوْره الشرس بعد! الله يعرفُ كم جاهدنَا حتى لا تُهدَر دماءِ احدٍ منَا، الله يعرف كم حاولنا! ومازلنا نحاول، ولكننا مخذولين! مخذولين جدًا.
دخَل لتسقط عينيْه على سليمان المقيَد من قدميْه حتى يديْه واللاصق يُغطي فمه، إلتفت ليرى رائد جالس بكل أريحيَة.
رائد بإبتسامة : حيَ من جانا!
عبدالرحمن بجمُود : وين عبدالعزيز و ناصر ؟
رائد بضحكة وقف : كِذا تتفاوضون؟
عبدالرحمن يُدخل يديْه بجيُوب معطفِه : أحاول أكون لطيف معك
رائد : تطمَن ولد سلطان و ناصر بالحفظ والصون! حتى خليتهم مع بعض!! شايف قلبي الرحيم قلت يسلَون بعض!
عبدالرحمن بنبرةٍ واثقة : طبعًا راح تطلَعهم الليلة قبل بكرَا وبعدها مالِك أيَ شغل معهم
رائد : أول أتأكد
عبدالرحمن : أظنَ إني أنا أكبر دليل قدامك!!
رائد إبتسم بسخريَة : يعجبني حُبك لولد سلطان! واضح الغلا من غلا أبوه
عبدالرحمن بتجاهل : بكرَا راح توقَع لآسلي ومالنا أيَ علاقة! بتطلَع رجالِك اللي بالرياض وبكِذا سوينا كل اللي تبيه
رائد : باقي شي واحد
عبدالرحمن تنهَد : وش بعد؟
رائد : أبي المستندات اللي كانت مع سلطان ومقرن!
عبدالرحمن : ما نملكها
رائد غرق بضحكةٍ صاخبة حتى نطق : أضحك على غيري!
عبدالرحمن إبتسم : أظنَك فاهم كثير إننا فقدنا سيطرتنا عليك وعلى خياسِك!!
رائد جلس ليضع ساقًا فوق الأخرى : إيه طبعًا مو فقدها قبلكم سلطان وراح بحادِث! والله يستر وش بيصير فيكم! ما وصلَت لك الخبر بنتِك قبل سنة؟ ما قلت لكم لا تلعبون بالنار!!
عبدالرحمن ببرود : الشكوى لله، مفروض نآخذ حكيْك المرة الجاية بجديَة أكثر!!
رائد : بس أنا ماراح أسوي أيَ شي إلا لمَا يجيني سلطان!!
عبدالرحمن ضحك من شدَة قهره ليُردف : وش تبي بالضبط؟ تحاول تلعب معي بوقت حسَاس مثل هذا!
رائد : أنا ؟ عفوًا! لكن هذا طلبي وغيره ما راح يتَم شي
عبدالرحمن : ماهو من صالحك!!
رائد إبتسم : ما ترضى بعد عليه؟ . . أحييك والله كل الناس عندِك مهمَين!
عبدالرحمن بإستفزاز : لأن اللي حولي رجَال لازم أخاف عليهم! لو حولي كلاب ذيك الساعة قول ليه كل الكلاب مهمين عندِك! مع العلم إنك برَا الحسبَة
رائِد أخذ سيجارته ليُشعلها بعد أن أشتعل صدره بالغضب، نظر إليه : بالنسبة لي كلاب معي بالحلوة والمُرَة ولا رجَال يشتغلون من ورايْ ويخططَون! . . رفع حاجبه مُردفًا بإستفزاز أكبر . . ولا ما وصلِك العلم من سلطان ؟
عبدالرحمن بإبتسامة يخفي حدَة قهره : لا تحاول تستفزني بشخص خدَم وطنه!
رائد بسخرية : وأنا خدمت وطني بطريقتي الخاصَة
عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أبي أشوف عبدالعزيز
رائد بسخرية لا تنفَك عنه، وهو يُترجم نظراتِه : ليه؟ تبي تودَعه؟ لهدرجة مو ضامن مسألة رجوعك منَي!
عبدالرحمن : ماهو أنت اللي بتآخذ منَي حياتي! مُشكلتك منصَب نفسك مسؤول عن أعمارنا و تتوقع أنه حياتنا بإيدك!!! أصحى على نفسِك! شغلك هو اكبر همومي أما أنت ما تشكَل ولا 1٪ من عقلي!! لو تجي من غيرك بتصرف بنفس التصرف! فلا تتوقع إنك تعيش بمُلك عظيم وإننا تحت سيطرتك!!
رائد يزفر دُخانِه : حفاظًا على سلامتِك حاول قد ما تقدر إنك ما تستفزني! لأني ممكن أتهوَر فيك! . . تفضَل إتصل على سلطان قدامي!
عبدالرحمن : واضح إنه تلخبطت عندِك المفاهيم! إني أوافق على بعض شروطِك ماهو يعني إنك تأمرني!!!
رائد بإبتسامة ترمِي عينيْه بشررٍ من الخبث : واضح إنك ما تبي ناصر و عبدالعزيز يكونون بخير!!
عبدالرحمن فهم تهدِيده، تنهَد بعُمق حتى أخذ هاتفه واتصَل، ثوانِي قليلة حتى أتى صوتُه الناعس : ألو
عبدالرحمن عقد حاجبيه : سلطان! منت في الشغل؟
سلطان أستعدَل وهو يتكسَر ظهره من النوم على الأريكَة، : رجعت الصبح أنام ساعتين . .
عبدالرحمن ينظرُ لرائد مردفًا : أنا عند رائد
سلطان ضحك من قوةِ السخرية في هذا الموضوع : تمزح! يا روقانك بس!!
عبدالرحمن : أنا عنده يا سلطان
سلطان وقف بجمودِ ملامحه : من جدَك! . .
عبدالرحمن : والمصيبة الحلوة إنه ناصر وعبدالعزيز عنده بعد
سلطان بغضب : بأعرف ليه تحبَون تتصرفون من كيفكم! ليه أنا دايم آخر من يعلم! . . . انا ماني جدار يا عبدالرحمن
عبدالرحمن بهدوء : أحجز باريس على أيَ طيران، بكرَا لازم تكون موجود .. إذا ما لقيت شوف لك أيَ طيارة خاصة وأجرَها!
رائد بسخرية : نرسل الطيران بكبره له ولا يزعل بو بدر
سلطان بصراخ : ليه!!
عبدالرحمن : أنت عارف
سلطان : كان فيه مليون طريقة نطلَع فيها عبدالعزيز و ناصر! ليه دايم تخلونه يحاصرنا من كل جهة! كنت أخطط طول أمس إني ألوي ذراعه وأنت ببساطة رايح له!!
عبدالرحمن بخفُوت : أظن إننا خسرنا بما فيه الكفاية عشان هالخطط! عبدالعزيز وناصر ما هُم عرضة للتجارب!!!
سلطان بحدة : الكلام ليْ؟ . . . على أساس إني حاط رجل على رجل وجالس أقول سوَو و سوَو ما كأني أتعب عشان أطلع بحَل وأنت ولا يهمَك أصلاً حتى تبلغني قبل لا تسوي أيَ هبال من راسِك . .
عبدالرحمن بهمس : سلطان تعَال! ماعاد عندي شي أقوله . . . أغلقه
سلطان أضطربت أنفاسه لينظر لسقف منزلِه : حسبي ربي بس . . . صعد لغُرفتِه، بلا تفاهُم دفع الباب بقدمِه لينزع قميصه وهو يسير ويرميه على الأرض، إتجه ناحيَة الحمام، أستغرق بإستحمامه 10 دقائِق لا أكثَر، إرتدَى ملابسه على عجَل ليضع السلاح على خصرِه بجانب قبعته العسكرية المعلقة، نزل وهو يُغلق آخر أزاريره، خرَج وركب سيارتِه، بسُرعةٍ غير معقولة سَار بإتجاه عمله، فتح هاتفِه ليتصَل على عبدالله، وضعه على السماعة الخارجيَة حتى يقُود بإتزان : هلا
سلطان : هلابِك ، طمَني عن فيصل
عبدالله : دخلوه العناية المركزة . . يقولون نزف كثير وصارت له مضاعفات بالعملية
سلطان تنهَد : الله يشفيه يارب . . مين عنده؟
عبدالله : الحين منصور وبيجيه يوسف بعد شويَ . . أنت وش صار معك؟
سلطان : عبدالرحمن راح لرائد
عبدالله بدهشة : نعم!!!
سلطان : اللي سمعته وشكله الحيوان شارط عليه إني أجيه بعد! أنا خلاص وصلت لأقصايَ يا أنا يا هوْ
عبدالله عقد حاجبيْه : ليه راح له ؟
سلطان : لأن ناصر وعز بعد عنده! ليت عز يصحصح شويَ ويطبَق شي بس من اللي درَبته عليه
عبدالله : وين يصحصح! أنت شايف المصايب اللي فوق راسه!!
سلطان : طيب وش الحل؟ حاصرنا من كل جهة! مسك عز و مسك ناصر و مسك الحين عبدالرحمن! و البنات الله حافظهم إن شاء الله وعندهم نايف!! . . . مين بقى يا عبدالله؟
عبدالله : وأنت بتروح له طبعًا!!
سلطان : وش أسوي بعد، أنت شايف فيه حل ثاني! سكروها بوجهي
عبدالله : كلَم . .
يُقاطعه سلطان : ماراح أكلَم أحد! ماراح يفيدني بشي! هو ما قصَر عرف بس يضيَعنا . . . أردف كلمتِه الاخيرة بسخريَة.
عبدالله تنهَد : الليلة بجِيك ويمكن نلقى لنا حلَ!


،


بربكة رمشَها نظرت إليْه، أعتلى الخوفُ صدرها : والحين؟
منصور بتعب : نقول إن شاء الله بخير . . . رمى نفسِه على السرير
جلست نجلاء بجانبِه : وهيفا؟
منصور : حالتها حالة! كان عندها يوسف بس راح المستشفى وتركها مع أبويْ
نجلاء بضيق تنهدَت : يارب! . . الله يصبَر قلبها . . بترك عبدالله عند الشغالة وبروح لها؟ حرام نخلَي عمَي يتعب معها!
منصور دُون أن يفتح عينيْه : يكون أفضل! روحي مع أمي
نجلاء : بروح أسألها . . . أختفت من أمامه لدقائِق طويلة حتى جاءت : بتروح الحين! . . . إتجهت ناحية دولابِها لتأخذ عباءتها، كانت ستخرج لولا أنها ألتفتت، أنحنت عليه وقبَلت خدَه : نوم العوافي
منصور فتح عينيْه ليبتسم : الله يعافيك . . بحفظ الرحمن
نزلت نجلاء لتتجه إلى الصالة، نظرت لعبدالله الصغير النائم بهدوء، قبَلت جبينه الناعم : يسلم لي النايم ويخليه
من خلفها : يالله ؟
إلتفتت وهي تلفَ طرحتها على رأسها وبيدِها نقابها : إيه . . .
في المستشفَى كان جالِس يوسف أمامه برداءٍ خاصَ و كمَام يُغطِي جزء من وجهه، نظر لتقاطيع الوجَع بملامِحه ليزداد حاجبيْه عقُودًا، وضع كفَه على يدِه المتصلة بأسلاكٍ شفافة : اللهم ربَ الناس أذهب البأس، أشفِ أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يُغادر سقمًا . . . يارب يارب يارب أشفِه . . يا حيَ يا قيوم لا إله الا أنت
وضع جبينه على جانبِ المرتفع من السرير ويدَه تُخلخل أصابعه المتعبة، في أسوأ الظروف والمواقف تأتِ الضحكات التي تحفظها الذاكرة، كيف أطردِك من تفكيري يا فيصل؟ كيف أطردُ صخب ضحكاتِك وإبتسامتِك ؟ اهتز هاتفه في جيبه دُون أن يصدِر صوتًا، رفع عينه إلى ملامح فيصل النائمة بسكينة. خرج من الغرفـة ليُجيب على هاتفه وهو يُنزل الكمَام : ألو
مُهرة أتزنت بصوتها المضطرب : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . شلونك ؟
مُهرة : بخير . . فيك شي؟ صوتك تعبان!
يوسف تنهَد : وش صار مع أمك ؟
مُهرة : أتصلت عشان اكلمك بس إذا مشغول . .
يُقاطعها : لا، تفضلي
مُهرة نزلت دمعتها لتلفظ بنبرةٍ مهزوزة : آسفة
يوسف : على ؟
مُهرة جلست على طرف سرير، أخفضت رأسها ليُشاركها شعرها المواساة من على الجانبيْن.
وصل صوتُ بكاءها لسمعِ يوسف : وش صاير يا مُهرة؟
مُهرة اهتزَ فكيَها : فكَرت كثير و ..
يُقاطعها : تبين الطلاق ؟
آسفة! على السوء الذي أصابك مني، على الحُب الذي لم يتكمل كالجنين الذي سقَط من رحمِي، لم أكون زوجة صالحة بما يكفِي! كُنت طائشة لإتهامِك! والآن قد جاء الرحيل! أفكر إلى ما قد سيحدُث دُونك! وأتبعثر من جديد يا يوسف! ربَ أمرٌ سيء يعقبُه حالٌ حسَن وأنت كُنت أمرِي السيء وحالي الحسَن، كنت أسوأ ما تحقق لي قبل مُدَة وأصبحت أجمل ما صَار بحياتي، أنت وحدُك! الذي صيَرت الأفعال المؤذيَة إلى قولٍ جميل، وأنت وحدُك الذي تهواهُ روحي في الوقت التي لم أكن أبحث به عن حُب، أتيْت لتُثير دهشتِي بالحياة، و تُسعدني.
يوسف بغضب : ليه؟ عشان أمك؟ عشان كلمتين قالتها لِك!! أنا ما أدري الأمومة فِطرة ولا لازم ندرَسها!!!
مُهرة بضيق : بجد آسفة
يوسف : لا تعتذرين عنها! . . أنا ماراح أخلَيك حطي هالشي في بالك
مُهرة برجاء : يوسف
يوسف : وش سويت لِك؟ وش الجريمة اللي أرتكبتها في حقَك؟ عشان تبعدين وتآخذين بكلام امك؟
مُهرة : ما سوَيت شي! بس أنا . . . مقدر والله مقدر حتى أحط عيني بعينك
يوسف : ليه؟ وش قالت لِك ؟
مُهرة : أتهمتك على باطل
يوسف : طيب؟ كلنا ندري إنك كنتِ تتهميني على باطل! وش الجديد؟ . . الجديد إنك تأكدتي صح؟ . . طيب أنا وش يفيدني تأكدتي الحين ولا بعد سنة!! أنا اللي يهمني أنتِ ما يهمَني وش سوَت أمك ولا وش سوَآ أخوك
مُهرة ببكاء : يالله يا يوسف! بس أفهمني
يوسف بخفُوت وهذا البُكاء نُقطة ضعفه : لاتبكين
مُهرة يزيدُ بكاءها مع كلماته وكأن هذه الكلمة تستثيرُ دمعها على السقوط اكثر : أنا ما أعرف أتأقلم بهالطريقة! ما عاد يربطنا شي! . . قلنا أنه الطفل اللي ممكن يجي بيخلينا نتماسك أكثر بس راح!
يوسف بغضب تظهرُ عروقِه من رقبته : وأنا أبيك زوجتي وحبيبتي ولا أبيك أم عيالي وبس!!! أنا ما أفكر بهالطريقة الغبية! وش يهمني جاني ولد اليوم ولا بُكرا! يهمني إنه أنتِ هنا اليوم وبُكرا
مُهرة إرتجف قلبُها بصراخِه لتلتفَ حول صمتَها بالبكاءِ الذي يحبسُ صوتها بشدَها على شفتِها السفليَة.
يوسف تضطربُ أنفاسِه : ليه تنهين كل شي بالطريقة اللي يبيها غيرك! هذي حياتك ولا حياة أمك!!
مُهرة : بس هذي أمي
يوسف بضيق : وأنا؟ ما أهمَك بشي؟
مُهرة بنبرةٍ يخدشُها الدمع : تهمني يا يوسف بس مقدر
يوسف : ليه ما تقدرين!! مستعد أخليك في حايل لين تتصلين عليَ وتقولين تعال لكن لا تطلبين الطلاق وأنتِ منتِ مقتنعة فيه!!
مُهرة : يوسف
يوسف جلس على المقاعد المُقابلة لغرفة فيصل : لبيه
مُهرة تلعثمت من " لبيه " التي خطفت كل ما أرادت قوْله، حبست زفيرُها بداخلها حتى لا تعتلي شهقاتُها ببكاءٍ رُبما يطول.
كيف أنطقها يا يوسف؟ كيف أقولها كما كنت أردَدها عليك بالسابق بإزرداء! كيف لا أُبالي وأنت أصبحت تشغلُني؟ من أجل الله كيف نفترق؟ أريدك! والله أُريدك ولكن . . أمرُنا السيء يتفاقم كلما أخفيناه، بدايتنا مهما حاولنا تجاهلها مازالت تحضُر بيننا وأمِي تشهدُ على ذلك! كيف أنظرُ لعائلتِك وأنا لم أقل لهم جُملةً جميلة ناعِمة! أشعرُ بالضعف من هذا الأمر، أن أعجز تمامًا عن إيجاد حل يُرضيني ويطمحُ إليه قلبي، كل الحلول التي وجدتها تُرضيني ولكن لا تُرضي قلبًا أصبحَ تحت سيطرة حُبك.
يوسف : الحين ليه تبكين؟ ليه تضايقيني؟
مُهرة بصعوبة نطقت : طلقني
يوسف صمت! إتجهت نظراتِه بإستقامة ناحيَة الجدار الذي أمامه ولا يرمشُ بأيَ نظرة.
تعبثين معي، تنالين من رجلٍ لم يرى الكمال بحياتِه على هيئة أنثى إلا معكِ! لا أدرِي مالحُب، ولكنني أعرف بأنني أحُب الصخب المًصاحب لكلماتِك السيئة، الجنُون الذي يستفزَ لسانِك بالشتائم اللامُبالية! أولُ مرَةٍ لاحظتُ فيها كيف تحولتِي لعاشِقة ولهانة كانت عيناكِ مدعاةً للإستيقاظ والتأمل! و بريق الخجل الذي يطفُو على سطحها كان يُذهلني، أنا لا أعرف الحُب تمامًا ولكن أعرفُ قلبك وهذا يكفيني.
: بخلَيك! لا رجعتي لعقلك إتصلي عليَ
مُهرة : يوسف! . . الله يخليك لا توجعني أكثر!!
يوسف : يعني إذا طلقتِك بتنتفح بوجهِك وماراح تتوجَعين من شي؟
مُهرة : بيكون تفكيري مرتاح! أنت ما تتصوَر وش كثر موجوعة الحين من أمي ومن هاللي صاير! مقدر أحمَل نفسي أكثر وأطلع بصورة سيئة قدام أهلك!! لا تقول لا تهتمين لأنه بالنهاية هُم أهلك ماراح أتحمَل نظراتهم ليْ بعدين!!
يوسف : أهلي لو يبون يسيئون لِك كان ساؤوا لِك من أول ما جيتي! وعرفُوا كيف يوجعونِك بالحكي!
مُهرة تنهدَت بضيق : مقدر
يوسف بحدَة : إلا تقدرين!
مُهرة ببكاء يرتجف صوتها : مقدر . . والله مقدر
يوسف : مستعد أطلع من بيتنا ونعيش بعيد عنهم وما تشوفينهم الا بالمناسبات
مُهرة ببحَة حزنها : يضايقني يا يوسف إنك تتنازل عشاني في وقت أشوف نفسي ما أستاهل كل هذا
يوسف بغضب : ليه تسوين كِذا؟ أحاول أتمسَك بكل أمل قدامي وأنتِ تكسرينه!
مُهرة : حط نفسِك مكاني! بتقبل؟
يوسف : وش اللي سويتيه بالضبط؟ كل هذا نتايج أفعال أمك! ليه تتحملين ذنبها؟
مُهرة : لأنها أمي
يوسف : ولأنك زوجتي بعد مضطرة تجبرين نفسك!
مُهرة بضُعف : أنتهينا يا يوسف
يُوسف بلع ريقها بصعُوبة : كِذا ببساطة!! متأكدة إنه عندِك قلب؟
مُهرة بدهشة : لأنك منت حاسَ فيني
يوسف بإنفعال : لأني حاسَ فيك قاعد أقولك بخلَيك في حايل لين تملَين! وبنطلع من بيتنا! . . وش تبين؟ قولي لي بس وش مشكلتِك ؟
مُهرة : مُشكلتي أنتْ! كيف . .
يُقاطعها بغضبٍ جنوني : مفرُوض تستحين إنك تقولين هالحكي . . . لو إنَك حاطة لي قيمة كان ما قلتي كِذا! لو إني أعني لك شي كان وقفتي بوجه أمك! . . آمنا رضاها من رضا الله لكن ماهو على حساب حياتِك! . . . أغلقهُ دون أن يسمع تعليقًا آخرًا منها، زفَر غضبه المضطرب في صدره ليسمع صوتُ الأذان، خرج وهو يردد بمحاولة جادة أن يُهدَأ غضبه : لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

،

قبل ساعاتٍ قليلة، وقف أمامهم : تطمَني بيجيك عبدالعزيز بس ينتهي من شغله
غادة إلتفتت على رتيل : يشتغل عند أبوك؟
نايف يُجيب عنها : إيه، تأكدي إنك بتكونين بالحفظ والصون
غادَة تنهدَت بريبَة، لتخرج من الشقَة، بجانبها رتيل وهي تُغلق أزارير معطفها من الثلوج المتساقطة حتى هذه اللحظة، دون أن تنظر لنايف : شلون أبوي؟
نايف : بخير الحمدلله
رتيل تمتمت : الحمدلله . . ركبت بالخلف بجانبِ غادة التي تعتليها رجفة الرهبة مما يحدُث، عقدت حاجبيْها من المشاهد التي تتدفقُ على عينيْها، منظرُ السيارة السوداء التي تُشبه هذه السيارة وحُطامها المبعثَر، تنهدَت بضيق من هذه الذكرى التي تجهلُ تفاصيلها، أغمضت عينيْها من الوخز الذي تحسَه يأتِ من قطعة زُجاج تغزو محاجرها، وبالحقيقة لم يكُن هناك أيَ شيء يُسببَ لها الوَخز.
مرَت ساعة كاملة بهذا الطريق الطويل حتى وصلُوا للفندق، أخذت نفَس عميق وهي تقشعرُ من البَرد، سَار نايف أمامهم ليصعدَا بالدرج، وقف : هذي الغرفة
أضطربت أنفاسها من اللهفة إلى من فقدتهم الأيام الماضية، إلتفتت على غادة لتهمس : راح أتصل على أبوي عشان يطمَنا على عبدالعزيز . . تأكدي
غادة تنهدَت بتوتر : طيب
فتح لها نايف الغرفة بالبطاقة الممغنطة ليُسلَمها إليها، أخذتها لتدخل على جوَ ساكِن والأضواء خافتة، تبعتها غادة وهي تتأمل الوضع الغريب عليْها.
ضيَ كانت تُصلي على سجادتِها بينما عبير جالِسة دون أن تنتبه إلى أحد، كانت عينيْها على السمَاء التي تذرفُ البياض.
أنتبهت لظلَها، إلتفتت لتتجمَد كتجمَد الأجواء، نظرت إلى العينيْن التي أشتاقت إليْها.
كان من الموجع والله أن أفترق عنكِ! أن تُباعدنَا المسافات ونحنُ لم ننفصِل طيلة حياتنا عن بعض، كان الموجع أيضًا أن أستذكرُ مناوشاتِنا وغضبنا على بعضنا الذي أصبح بعيني أمرًا تافهًا ولا يستحق المُجادلة، أشتقتُك! و خفتُ كثيرًا أن أفقدِك، خفتُ من أن تسلبكِ الحياة وأنا لم أقُول لكِ يومًا أن حُبكِ جميل وأنكِ تستحقينه، خفتُ أن لا أراكِ يا رتيل!
بخطواتٍ سريعة أتتها رتيل لتعانقها ودمعها لا يتوقَف، أضطربت أنفاسها وهي تُغطي ملامحها بكتفِ عبير، أشتعلتْ عينيْها بحُمرةٍ البكاء لتُغمض عينيْها وهي تمسح على رأسِ رتيل وتشدَ على جسدِها : أشتقت لِك
رتيل بوَجع : الحمدلله إنك بخير! لو صار لِك شي كان أنهبلت
عبير بهمس : بسم الله عليك . . بس والله أشتقت لِك كثييير
رتيل : مو كثرِي!! وحشتوني والله وحشتُوني!!!!!
عبِير قبَلت جبينها لتسقط دمعتُها وتُلاصق خدَ رتيل : يا عساني ما أبكِيك
سلَمت ضيَ من صلاتِها، لتقف بإبتسامة اللهفة : وأخيرًا
رتيل إبتعدت عن عبير وهي تمسح دموعها بكفَها، أقتربت لضيَ لتُعانقها بشدَة حنينها : شكلي اليوم ببكي لين أقول بس!!
ضي : عسى هالدموع غير الفرح ما تنزل!
رتيل : آمين يارب . . . إلتفتت على غادة لتعرَف عليهم بإرتباك . . زوجة أبوي ضيَ و أختي عبير . . نظرت لرتيل وضيَ . . هذي غادة أخت عبدالعزيز
ضي و عبير بردَة فعلٍ طبيعية أتسعت محاجرهم بالصدمَة، رتيل بتوتر : أمس وصلت و . . بس . . أجلسي غادة خذي راحتِك المكان مكانك
جلست غادة وهي تشتت نظراتها بعيدًا عنهم، ضي بلعت ريقها : هلافِيك، . .
رتيل : أبوي ما أتصل فيكم؟ أكيد مع عبدالعزيز؟
ضيَ : يمكن . .

،


سَارة تجلسُ أمامها بغضب : بالله؟ أقول قومي غسلي دموعك وخذي لك شاور ينشطك بدل هالحداد اللي عايشة فيه وخلينا نروح المستشفى
أثير ببكاء يبحَ صوتها وهالاتٍ من السواد تنتشر حول عينيْها : تبين تجلطيني؟ أروح وش أقول؟ أقولهم عيدوا لي الكلمة خلوني أسمعها زين
سارة : الحمدلله والشكر!!! أنتِ دكتورة؟
أثير : لا
سارة بإنفعال : أجل أكلي تراب وأمشي يفهمونا الوضع . . إذا بتجلسين على حالِك كِذا بيجيك الموت ماهو من المرض! من الكآبة اللي عايشة فيها
أثير بضيق : جد سارة ما ودَي أطلع ولا أشوف أحد! تكفين خليني براحتِي
سارة : معقولة عبدالعزيز ما شاف التحليل؟
أثير بسخرية مُبكية : على أساس لو شافه بيفتحه! آخر إنسان يهتم هوْ! ما عنده أيَ مسؤولية إتجاه أحد . .
سارة : بس شاطر على رتيل
أثير : وتحسبينه مهتم فيها! حتى هي حالها من حالي!! يحسبنا لعبة!
سارة : وش فيك أنتِ كرهتيه فجأة؟ شكل التحليل لعب بمخك بعد
أثير : ما كرهته بس مقهورة منه! أبي أحد يحسسني بإهتمامه شويَ! السكرتيرة توَ متصلة عليَ وتسألني وأنا زوجي ما أتصل يتطمَن!
سارة : يا مال اللي مانيب قايلة! وأنا وش ؟ صار لي ساعتين عندِك أحاول فيِك نروح المستشفى! يعني ماني مهتمة فيك؟
أثير : مو قصدِي أنتِ!
سارة : طيب أبوك عرف؟ أمك؟
أثير : ما قلت لأحد! قلت لهم بنام كم يوم هِنا!! . . بالله هذا زواج؟
سارة : أثير واضح أنه عقلك تعب معك! صايرة تدخلين بمواضيع كثيرة في دقيقة وحدة
أثير أخفضت نظرها ببكاءٍ عميق : ياربي مقهورة . . . كل شي ضدَنا كل شي يقهرنا! أبيه لي بروحي ما أبي أيَ أحد يشاركني فيه! أبيه يهتم فيني ويقدَرني ويتركها
سَارة بهدوء : يوم وافقتي كنتِي تدرين!!
أثير : توقعت أنه بيطلقها أنه ما يبيها وخذاها مُجاملة
سارة : تستهبلين أثير؟ وش مجاملتة! في الزواج فيه شي إسمه مجاملة
أثير : يقهرني بنظراته لها! أحيانًا أصدَق و أقول ما يحبها ولا يبيها بس ألتفت عليه لمَا يراقبها! والله يا أثير عيونه تنطق
سارة : تتوهمين من الغيرة
أثير أمتلأت المناديل حولها : ما أتوَهم! حتى لمَا عصَب عليها ذيك المرَة ما شفتي نظراتهم لبعض! هُم ما يحكون وأفعالهم بعد ما تبيَن شي لكن نظراتهم تفضحهم! نظراتهم يختي تقهر!!
سارة بسخرية : من متى تفهمين لغة العيون يا روح أمك؟
أثير : إيه تمصخري! عُمرك ماراح تفهمين! أنا أشوف نظرته لي وأشوف نظرته لها!
سَارة : خذي رآي محايدة أنا شفت عبدالعزيز معك بالكُوفي أول ما جاء باريس وشفته مع رتيل مرة ثانية لما كنت أتمشى معك بعد! نظرته لها ما كانت الا نظرة عاديَة، بس شوفي نظراته لِك! كان باين إنك تعني له شي، أنتِ من الغيرة تشوفين كِذا! لو فعلاً عبدالعزيز يفضَلها عليك ما صدَقك أول ما قلتي له وراح لها! هذا يعني إنه واثق فيك بس ماهو واثق فيها، لأنه لو واثق فيها كان كذَبك وقال شغل حريم وغيرة! بس هو ما يثق فيها ودام مايثق فيها أكيد ما بينهم أيَ حُب، يمكن نظراته لها حِقد أنتِ ما تدرين كيف صار زواجهم! لأن لو يبيها ما تزوَج بعدها على طول! هو تزوَجك لأنه يبيك أنتِ، لأن مستحيل تصيل مُشكلة بهالسرعة وهُم أصلاً كانوا مملكين وقتها! فاهمة عليَ ؟ عبدالعزيز يبيك أنتِ وحاجته عندِك أنتِ مو عندها
سكَنت أثير بعد كلامِ سَارة المُقنع لعقلها قبل قلبها، نظرت إليْها : أجل ليه ما رفع السماعة وتطمَن عليَ إلا مرة وحدة؟
سارة : أنتِ عارفة عبدالعزيز من أيام أهله هو كِذا طبعه، ثقيل وما يرفع السماعة على أحد ولا يعطي وجه!
أثير : يصير ثقيل بس مو على زوجته
سارة : وش يعرَفك بعقول الرجال! فيهم طبايع غريبة!! . . أمشي بس للمستشفى . . يالله عشان خاطرِي
أثير تنهدت لتقف : طيب . .


،


تقرأ تغريداتِه دُون أن تضغط على " المُتابعة "، تجمدَت عيناها ناحيَة حديثه مع أحد الأشخاص " بكون في الشرقية هاليومين، عندنا دورة معتمدة من المركز "
رفعت عينها للجوهرة : تدرين مين جايَ؟
الجوهرة بلعت ريقها من الإسم الذي يحضرُ بعقلها، همست : مين؟
أفنان : نواف
الجوهرة نظرت إليها بإستحقار : فاضية! . . أحسب أحد أعرفه
أفنان صمتت قليلاً حتى أرتفع صوتُها بالدهشة : أوه ماي قاد! اليوم لمَا رحت أجيب القهوة كانوا حاطين إعلان! تخيلي الدورة تكون بقاعة إجتماعات المستشفى!
الجوهرة : إيه إحلمي وتخيَلي كثير
أفنان : والله يالجوهرة شفت الإعلان بس يمكن دورة للأطباء أو ناس ثانيين . .
الجوهرة : وش يجيبه المستشفى! من جدَك! وبعدين وإذا جاء! ناوية تقضينها سوالف معه . . عيب و مايجوز . . وحرام
أفنان بضحكة : تحسبيني بروح أضحك معه وأقوله عطني رقمك! طبعًا لا، بس كِذا مجرد فضول قريت إنه بيجي للشرقية وقلت لِك!
الجوهرة : الحمدلله الله يثبتَك
أفنان تنهدَت : بديت أحس إني صرت عانس! كل الناس تزوَجت وبقيت أنا
الجوهرة : نصيبك بيجيك لو وش ما صار!
أفنان : والله إني كنت حمارة يوم رفضت اللي جوني قبل! كنت أتدلع وأقول أهم شي دراستي ومقدر اتزوج وأنا أدرس! هذاني تخرَجت وماعاد أحد خطبني
الجوهرة إبتسمت : الحين تندمين عليهم!!! بالله سكري هالسيرة تجيب لي التوتر
أفنان : صاير كل شي يجيب لك التوتر! الله يستر وش بيطلع ولدِك! إذا أبوه سلطان وأمه الجوهرة
الجوهرة بضيق : عساه يجي بس بصحة وعافية
أفنان : آمين . . يختي خلَي روحك حلوة عشان يطلع ولدِك وش زينه مو يجينا وهو فيه حالة نفسية!!!
الجوهرة إلتفتت للباب الذي أنفتح، إبتسم والدها : مساء الخير
أفنان : مساء النور . . السوَاق جاء؟
والدها : لا ريَان ينتظرك تحت، أنا بجلس عندها
أفنان وقفت : مع السلامة . . وخرجت
والدها جلس بجانبها : شلونك؟
الجوهرة : بخير الحمدلله . . . متى بيطلعوني؟
والدها : بكرا الصبح . . وضع يدِه على يدها المتصلة بالمغذي : وش صار لِك ؟ لا تقولين لي عشان سلطان لأن ما أصدق إنك تنهارين عشان طلاق!! أنا أعرف أنه الله عطاني بنت ما ينافسها أحد بصبرها!
الجوهرة تنهدَت : جاء
والدها : مين؟
الجوهرة بإهتزاز نبرتها : تُركي
والدها بدهشة : تُركي!!! بأمريكا
الجوهرة إلتفتت عليه بضيق : يبه شفته بعيني في المطبخ وكلَمني
والدها عقد حاجبيْه بضيقٍ أكبر من أنها بدأت تتوهمه : بسم الله عليك يا يبه، هو بأمريكا وش يجيبه! مستحيل يجي حتى!!
الجوهرة سقطت دمعتها بتوسَل : والله شفته يبه . . والله العظيم شفته
والدها وقف ليجلس على السرير بجانب جسدِها وضع يدِه على جبينها : يمكن عشان ما نمتي كويَس صـ
تُقاطعه ببكاء : والله يبه . . والله شفته حتى أسأل ريم! تقول إنها شمَت عطره
والدها : كيف تعرف عطره؟
الجوهرة : تقول عطر غريب! ماهو لِك ولا لريَان! أكيد انه له
والدها : الجوهرة . . وأنا أبوك أسمعيني . . لازم ترتاحين ولا تشغلين تفكيرك بأشياء توتَرك!
الجوهرة إرتجفت شفتيْها لتضع أسنانها فوق شفتِها السفلية : محد يصدقني! بس والله شفته . . والله والله
والدها أشتعل قلبه بحُزن عينيْها : خلاص لا تقطعين قلبي عليك! عادِي كلنا أحيانًا نتوَهم مافيها شي! أنا أيام أتوَهم إني شفت أحد وبالحقيقة مافيه أحد
الجوهرة : بس يبه أنا كلمته، أعتذر لي بعد
والدها سحبها إليه ليُعانقها وهو يقبَل شَعرها المبعثَر : ما يقدر يطلع من المصحة الا بإذني! مستحيل . . مستحيل يكون رجع وأنا ماعندي خبر
الجُوهرة بجنُونِ بكاءها إنهارت : الا شفته! . . . لو أتوَهم كان شكَيت لكن أنا شفته وكلَمني! . . والله شفته
والدها بخفُوت : أششش! لا تصرخين وتتعبين!!
الجُوهرة بلا إتزان و تفقدُ وعيْها بين الكلماتِ تدريجيًا : شفته! والله العظيم شفته، بس ما قرَب لي هالمرَة ما قرَب . . . والله شفته
والدها يشدَ عليها بعناقه : اللهم رب الناس إذهب البأس وأشفِ أنت الشافي لا شفاءُ إلا شفاؤك شفاءٌ لا يغادر سقمًا
الجوهرة ببكاء يتصاعدُ أنينه بللت ثوب والِدها بدمعها : قالي آسف . . قالي ما أبغى أضرَك
والدها : بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجِد وأحاذر
الجُوهرة بنبرةٍ تنخفض تمامًا : ليه ما تصدقوني! شفته كان بالمطبخ لمَا نزلت! خلاني أرجع بقوة على ظهري . . بعدين ركضت . . حتى صرخت لك يبه . . ناديتِك بس ما جيت! كنت أبيك تشوفه . . .
والدها : بسم الله الرحمن الرحيم قل الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد
الجوهرة : تعبت يا يبه! . . وش ما سوَيت ما تزين حياتي، ما فرحت بأيَ شي مع سلطان لأنه دايم كان بيننا! مقدر ينساه سلطان ولا قدرت أنا! كنت تقولي دايم كثر ما تكسِرك الحياة كثر ما يقوى داخلِك . . بس يبه أنا ما قويت
والدها تنهَد بضيق ويُضعفه بكاءها وهذيانها : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسقٍ إذا وقب ومن شر النفاثاتِ في العقد ومن شر حاسدٍ إذا حسد
الجوهرة بإنكسار : ما قوِيت! رجَعني لِك، أحفظني بصدرِك ما أبي أحد ثاني
توقَف عبدالمحسن عن القرَاءة من كلماتِها له في وقتٍ يشعرُ بأنه لم يحفظها ولم يحميها من أخيه، تكسرُه هذه الكلمات وتُذكَره بأنه قصَر بحمايتها، قبَل رأسها ليُطيل بقبلتِه،
الجوهرة : تخيَل يبه حتى سلطان يكلَمني ويسألني عن حالي بس كِذا! أداء واجب لا أكثر! أنفصلت عنه يبه . . . تطلقنا . . كسروني كل الرجَال اللي أعرفهم! كسرني ريَان بشكَه و كسرني سلطان بأفعاله وكسرني تُركي ! باقي أنت يبه! لا تكسرني وتذبحني أكثر
عبدالمحسن همس بترديد : أنا معك . . معك يا روحي
الجُوهرة بصيغة الجمع تتحدَث عن سلطان : بس هُم يدرون إني كنت أحبهم وأبيهم! كانوا أقرب لي من روحي! بس راحوا! . . راحوا اللي كنت أحسبهم ما يروحون
عبدالمحسن : خلاص أششششش!
الجوهرة تسقطُ الدمعة تلو الدمعة والرجفة تتبعُها رجفة أخرى: الله معي
بهدوء : صح الله معِك وش حاجتِك بالناس؟
" وش حاجتي ؟ " هو من كان عن العالمين بأكملهم وكان بعينِي كل الناس، أُنادِي بزحامِ الوجَع عن عينٍ أستهدِي بها وكان هوَ الملاذُ ، بعد أن فقدت قُدرتي على الحياة بعد تُركي! ردَها ليْ بكلماتِه و طمأنينة صوتِه، ولكن سُرعان ما سلبَها منِي، سلب السكينة التي تبثَها عينيْه، سلبها وتركنِي مُعلَقة أتكئ على اللاوجُود، ضائعة! أُريد أن أسترَد نفسِي ولا فُرصة لذلك، كسرنِي بحُطام الحياة التي كانت تُرمم نفسها بداخلي، كسَرني وهذه المرَة لا أدري إن كنت أستطيع أن أُرمَم نفسي بنفسي.
: ما أتخيله! هو والله هو
عبدالمحسن بمُجاراة لحديثها : هوْ يا الجوهرة . . . خلاص هوْ!!


،

فتح عينِيه لينظِر إلى عينيَ عبدالرحمن، أستعدَل بجلستِه وهو ينظرُ للمكان الذي يُحيطه بجدارنه المزخرفة بشرقيةٍ بحتة، سقطت أنظاره لرائد الجالس بهدُوء يُراقب الوضع.
عبدالرحمن : عبدالعزيز
عبدالعزيز تنهَـد وهو يمسح على وجهه بعد أن شعَر بثقلِ رأسه بالصداع ، عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه دون أن ينطق شيئًا، نظر إليه عبدالعزيز وهو الذي تدرَب على هذه الخاصيَة، تعلَقت عيناه بشفتيْه، في جهةٍ أخرى ينظرُ بإستغراب لصمتِهم : شاركونا الحديث
عبدالرحمَن الذِي يُعطي رائِد ظهره بينما يُقابله وجه عبدالعزيز، عضَ عبدالرحمن شفتِه السفليَة ليُردف بحركةٍ بطيئة لشفتيْه، عبدالعزيز وضع يدِه على فخذِ عبدالرحمن ليُحرَك أصابعه بكتابَةٍ يفهمها جيدًا.
وقف عبدالرحمن ليلتفت إلى رائد : وش نشاركِك فيه؟
رائد رفع حاجبه بسخرية : يعجبني التحفَظ!!
وقف عبدالعزيز وهو ينفض ملابِسه، نظر إلى رائِد بإشمئزاز : هلا هلا بحبيبنا تو ما تبارك المكان بطلَتك، ما أنتهى حسابنا في المرة اللي فاتت
عبدالرحمن : أظن حسابك صار معي
رائد : وش علِيه! لازم بعد نسوَي الواجب!
عبدالعزيز بتعَب يتضح من نبرتِه : لو تبي الواجب خلَ رجالك على جنب!
عبدالرحمن يضع ذراعه أمام عبدالعزيز ليوقفه من أيَ فعلٍ متهوَر!
رائد بإبتسامة ساخرة : ماشاء الله! أمس شويَ وتموت من التعب واليوم فيك حيل تحكِي!
عبدالعزيز تمتم : غبي!!! . . أدخل يدِه في جيوبِ بنطاله وهو يُعطيه ظهره، عبدالرحمن : وين ناصِر؟
رائد بضحكة صاخبة : ما أمشي بالجُملة! يجي سلطان ويطلع ناصِر
عبدالعزيز إلتفت بغضب : ماراح أتحرَك بدون ناصِر
رائد : والله أنتم مُصيبة! هذا وناصِر لاعب من وراك و . .
يُقاطعه عبدالعزيز بصراخ مُشيرًا إليه بالسبابة : أنتبه لكلامِك معايَ!!!
عبدالرحمن بغضب يشدَ على يدِ عبدالعزيز هامِسًا : عِـــز!!!
رائِد بإبتسامة باردة : إيه خلَ أبو زوجتك يأدبِك ويعلَمك كيف تصرخ عليَ!!
عبدالعزيز يشتعلُ بقهره وهو يحاول أن يكتم بداخله قبل أن يُقيم قياماتٍ في هذه الغُرفة الشاسعة.
رائِد : يعني وش تبون أكثر؟ بعطيكم سليمان وتفاخروا فيه وقولوا والله مسكنا واحِد ما يقدر عليه أحد! بتسكتَون كل اللي حولكم بقوَتكم ونجاحكم! . . أمركم غريب جايب لكم النجاح لين عندكم!!
عبدالرحمن برجاء ينظرُ لعبدالعزيز : يالله عبدالعزيز روح . . كلهم هناك ينتظرونك
عبدالعزيز : ماراح أتحرَك بدون ناصِر!!
رائد : سهرتنا اليوم صبَاحية! كل ما تأخرتوا كل ما زاد اللي خبركُم!!! تعرفوني ما أمزح بهالأشياء
عبدالرحمن بحدَة : عزيز!!! روح
عبدالعزيز سعَل ببحَة أضطربت بداخله : قلت لا
عبدالرحمن بغضب يُعطي رائد ظهره ليُقابل عبدالعزيز : رُوح . . همس . . رتيل واختك بروحهم!! وما أضمن لِك رائد أبد
عبدالعزيز بضيق يضع يدِه على جبينه : وناصر؟
عبدالرحمن: يحفظه الله وبعدها بعيوني بحطَه
عبدالعزيز : وأنت؟
عبدالرحمن : مالِك علاقة فيني! أهم شي تروح الحين و
يُقاطعه عبدالعزيز : ماراح اسمح باللي قاعد يصير!!!
عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه بحديثٍ صامت، عبدالعزيز أبعد نظره عنه : ماراح أتحرَك
عبدالرحمن : أنت تعبَان! شوف حالتِك!! روح يا عبدالعزيز . . روح واللي يرحم لي والدِيك
عبدالعزيز ينظرُ لإستخفاف رائِد بهم من الخلف وهو يضع رجل فوق رجل ونظراتِه اللامُبالية تزداد : مُستحيل
عبدالرحمن : بكرا بيكون موجود سلطان! . . تطمَن! لازم أحد مع البنات
عبدالعزيز بهمس : خليتوني أواجه الموت أكثر من مرَة! بتوقف على ذيَ؟
عبدالرحمن بضيق : هالمرَة غير!
عبدالعزيز : لأنكم مو ضامنين أيَ شي صح؟ وأنا ماراح أسمح بهالشي
عبدالرحمن : مو قلت راح تنتقم من كل شخص أوجعك! هذا إحنا قدَامِك! نمَر في أسوأ مرحلة في حياتنا
عبدالعزيز بتشتت/بضياع : مسألة إني عندِك الحين هذا ما يعني إني سامحتِكم! لا تنتظر مني عفو!! لكن هالموضوع يخصني ومن حقي أبقى
عبدالرحمن تنهَد : أرجُوك
عبدالعزيز بخفُوت : كم مرَة قِلت أرجوك علَمني! ولا جاوبتني!!!
عبدالرحمن : لا توجعني يا عزيز أكثر من كِذا!!
عبدالعزيز : هالمرَة لا! ماراح أرضخ لأيَ شي يتعلق فيكم!!!
عبدالرحمن برجاء يتوسَله لأولِ مرةٍ بهذه الهيئة : عبدالعزيز، روح
عبدالعزيز عقد حاجبيْه بحدَته : آسف
رائد وقف : أظن يا أبو سعود عِز ينتظر سلطان! يعني مثل ما تعرف أنه سلطان يتحمَل جزء كبير من اللي صار بحبينا عِز
عبدالرحمن أدرك أن رائد يُريد شَحن عبدالعزيز بكلماتِه، لفظ : وأظن أنه الأمر ما يعنيك أبدًا! ياليت تهتم باللي بيننا وبينك بدون لا تتدخل بشي ثاني
عبدالعزيز ينظرُ لعبدالرحمن : ما تهمَوني! يهمني ناصر حاليًا
رائِد : ياخسارة! كِذا بننتظر لين يوصل سلطان عشان تروح مع ناصِر
عبدالعزيز تنهَد ليجلس دُون مبالاة : وأنا بنتظر سلطان بعد . . . .


،

الرياض / الساعة الثانية عشر ليلاً.

وضع جوازِه بجيبه وهو يحاول أن لا ينسى شيئًا، نظر لعبدالله : كِذا أمورنا تمام
عبدالله بتوتر : أنتبه لنفسِك، وأنتبه لهم
سلطَان بضيق لأن الأفكار السيئة بدأت تأتِيه من الآن، سقفٌ يجمعه مع رائِد لا يدرِي ماذا يحصلُ تحته : إن شاء الله . . أستودعني الله
عبدالله بضيقٍ أشد : أستودعتِك الله الذي لا تضيع ودائعه . . .
خرج سلطان ليُجيب على هاتفه : هلا . . . . إيه تمام كثَف الحراسة ما أبغى أحد يفارق بيتي! وعمتي بس تطلع مكان تكونون معها مفهوم؟ . . . . إيه . . . قوَاك الله . . . أغلقه ليركب سيارته متجهًا إلى المطار، أنشغل عقله بالتفكير طوال الطريق.
لا أدرِي إن كان ليْ عودَة هُنا! هذه المرَة يا نحنُ يا رائد، لا مجال للوسطيَة في الموضوع، إما نفرح ونهزمهُ بشَرِ أعماله أو يهزمنَا ولا يُبقي لنَا ما يستحق الحياة، هذه المرَة النهايـة!


،


كتبَ على أولِ صفحة بيضَاء بخطٍ يُربكه الرحيل " إلى من أحسنَت على الوجُودِ من عبِيرها، كتبتُ لكِ ما وددتُ ان أعيشه معكِ، أُريد تخليد الحياة التي أفترضتهُ ولم تقبلي بها، عسَى أن تقبلِي بجفافٍ صابهُ السيْل وأنجرف إليكِ . . . . فارس "
إلتفت عليه : خلَصت؟
فارس وضع الكتاب في جيب الكرسي الخاص بالسيارة، نظر للمكان الذي يقطن به والِده : بتجي معايْ؟
: راح ننتظر لين تطلع الشمس!! . . . بقُولك شي وأقبل فيه يا فارس سواءً كان ضدِك أو معك
فارِس إلتفت عليه ليلفظ برجفة شفتيْه : بالنهايَة مافيه حل وسَط!!
فارِس ببياضٍ يخرجُ من بين شفتيْه : قبلت! قبلت بتَركِي لعبير! وما رضيت بالوسط أبد
: أقصِد باللي يخص أبوك
فارِس بغضب ركل السيارة بقدمِه : أنتهت حياتي أصلاً يا . . .


،

وضع السلاح خلف رقبتِه : أظن ما يخفى عليك وش ممكن أسوَي! نادَها لو سمحت قبل لا أستخدم أسلوب ماهو لطيف أبدًا
نايِف أنشغل عقله بالتخطيط : طيب . . مشى معه وهو يُخبئ السلاح بعيد عن أنظار الموظفين بالفندق، صعد الدرج حتى وصَل لغرفتهم، همس من خلفه : ناد لي أيَ وحدة ويفضَل زوجة بو سعود!!
نايِف طرق الباب، وقفت رتيل على أطرافِ أصابعها حتى تنظرُ من العين السحريَة، إلتفتت عليهم : هذا نايف . .
لفَت حجابها بصورة سريعة لتفتح الباب، نايف : ممكن تجين شوي معي
رتيل بخوف نظرت إليهم لتُردف : ليه ؟
الذي بجانب نايف نطق بصوتٍ خافت لا يدلَ على نواياه : خلاص مو لازِم! نادِي أختك أو . .
تُقاطعه رتيل : بس أبغى أعرف!
: نادِي لنا زوجة عبدالعزيز
رتيل : أنا زوجته . . فيه شي؟
نايف بإرتباك : معليش أزعجناكم بس . .
رتيل بتهوَر : لا خلاص عادِي . . . أغلقت الباب لتتقدَم إليهم وهي تطمئن بوجودِ نايف، نزلت معهم دُون أن تعلم ماذا يحدث تحديدًا، ودُون أن تفكر بمنظر الرجل الغريب عليها وهي التي تحفظُ موظفين والدها تمامًا.
خرجُوا للشارع، إلتفتت رتيل بإستغراب : وين بنروح؟ أبوي هِنا؟
: بس نوصل لنهاية الطريق عشان يكون فيه إشارة للجوَال
رتيل تنهدت براحة لتسير معهم حتى أتجها لطريقٍ منعزل تمامًا ولا يحوِي أحدًا، نايف بقوَة دفعه ليسحب قدمِه ويُسقطه، الآخر بإنفعال صوَب بإتجاه رتيل التي ألتفتت وأطلق النَار عليْها.
نايف تجمدَت قبضة يدِه التي كانت مُتجهة إليه لتُلكمه، إلتفتَ لرتيل بصدمَة أتسعت معها محاجره . . .

.
.

أنتهى نلتقي على خير إن شاء الله.
اللهم أحفظ بلادِنا وبلاد المسلمين ، و يارب أجهل كل سطِر كتبته يشهدُ ليْ ولا عليَ ويجعلُ كل عينٍ تقرأ يشهدُ لها وقتُها بكل خيْر ولا عليها يا رب ()




بحفظ الرحمن *


 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 25-04-13, 06:53 PM   المشاركة رقم: 80
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-


-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله إنكم طيبين وسعيديين : $

أنا حاليًا شعوري غير مفهوم ومقدر أكتبه، ودَي بهالنهاية وما ودَي بها، لكن كل اللي أبي أقوله الحمدلله إننا وصلنا لهاليُوم و أنهيناها على خير ولله الفضل والمنَة، الحمدلله على كل شخص وهبني من وقته وقرأني، الحمدلله على كل شخص دعمني من البدايـة، جد لو أبي أشكركم ماراح يمَل الحكي منكم، سعيدة كثير فيكم و يمكن هذي المرة الأخيرة اللي بقول فيها ـ يا بختي ـ فيكم. و يا جمالكُم!
أتمنى فعلاً إن الروايـة تكون ذات أثر جميل على قلوبكم وتكون رواية جميلة من بدايتها إلى نهايتها، ما أطمح أبدًا إني أرضي الكل لكن يكفيني اللي قرأني وتابعني دايم، وبالنهايـة يمكن البعض ما يعجبه نهاية إحدى الأبطال ويمكن البعض يعجبه، لكن تأكدوا إنه أفكاري لكل بطَل ما تغيَرت، ولأنكم تقبلتوا أفكاري من البدايـة أنا واثقة إنها النهاية راح تكون مقبولة منطقيًا وممكن الذوق يختلف من شخص لآخر لكن إن شاء الله تعجب الأغلبية ويسعدوني بتعليقاتهم، أتمنى كل شخص تابعني يترك لو تعليق بسيط أحتفظ فيه بين هالصفحات وأقرأه، لأن كل تعليق لو سطِر واحد والله أقرأ بلهفة وحماس كبير.
بالنهايـة ، اللهم أجعل إيجابيات هذه الروايـة تغفر سلبياتها و أجعل وقتي عليْها مُبارك يشهدُ ليْ وأجعل وقت كل من قرأني يشهدُ له بالفائدة والخير.

+ أنبهكم إنه النهاية هي عن 3 أجزاء لذلك أتمنى و أتمنى وأتمنى وأنا عارفتكم ما راح تردَون طلبي إنه محد يقرأها دفعة وحدة، لأن ماراح تركزون أولاً ولأن طبيعي أكثر من 50 صفحة كتبتها بالوورد تقرأونها بنفس واحد بتملَون وتحاولون تتجاوزون بعض الأحداث المهمة عشان الأبطال اللي تحبونهم، فعشان كِذا أقرأوها برواق وعطوا الرواية حقها بالقراءة، ولا تظلموني بوقتكم الضيَق : $ يعني على الأقل بين كل بارت وبارت أخذوا بريك ساعة.


إهداء :

للشخص الذي كان يمدَني بضحكتِه /فكرةٌ و إلهام، و لكل الذين مازالوا يؤمنُون بما أكتُب.


النهايـة | الجُزء 79.



.. إنطقها ، و ان شاخ الصدى


علّقها بسْكوتك !


.... تغسل مسافات العتَم


وكفّ الرّماد اللي كتَم : أصواتنا


هو كلّ شيّ ٍ فاتنا


... حتى البكي ؟


قم علّم الصمت الحكي لاصار صمتك فرض :


يا صوتك المحبوسْ |


......... عن كلّ مافي الأرض !


ذبْلت به أوراق الكلام


.... وتساقطت حزن وخريف


لين امتلى صدرك حفيف


.... ريح و ورق أصفر !


يااا صوتك الأخضر


من كسّر غْصونه ؟


.......... وين الحمام ؟


ياما نْبَتت مع صوتك لحونه


..... ماله سواه اصحاب


و مالي سوى صوتك


قمرى سهر .. وأحباب


ياصوتك المرتاب


.. غاااب


عمْر، وترك لي أمنيه


تمطر مواعيد الغِنا

.. و ابقى أنا :

أبقى فـِ صُوتك أغنية !

* العنود عبدالله.

نايف تجمدَت قبضة يدِه التي كانت مُتجهة إليه لتُلكمه، إلتفتَ لرتيل بصدمَة أتسعت معها محاجره، دفعهُ الرجُل الآخر بساقِه ليسقط نايف على الأرضِ المتجمَدة بالجليد، دار عِراكًا على بُعدِ خُطى من جسدِها الملقى على الطريق.
وضعت يدَها أسفل صدرَها لترى حُمرة الدماء تُبلل كفَها، سالت دمعة رقيقة من عينها اليسرى ولا صوتٌ يخرج منها.
أرجُوك يالله! لا تترك الموت يستعذبُ جسدِي و رُوحي، كنت أُريد فقط أن أحيَا لكنني عشتُ على شُرفة حلمٍ ضيَق! حلمٌ تعريفهُ " أن أحيَا " ولم يتحقق الحلمُ كما ينبغي ولم أُحب كما يلزم، كنت المثال الوافِي للفتاة السيئة التي تمرَدت على القوانين ولم تستطع أن تتمرَد بالعشق، أنت الذي بلغت منَي شغفًا وصبًا أين قلبي؟ أأعجبكَ أنني أفترق عنك بهذه الصورة؟ أكان الرحيل أمرًا حسنًا بعينيْك؟ أنا أفقدُ الشعور والإدراك كما أفقدُ دماءي التي ترتدِيني رُغمًا عني، ولا أفهمُ شيئًا غير أننَي أُرغب برؤية والدِي! " يُبه " أشتاقُك في لونٍ ضيَق كهذا، هل عيناك تطلَ عليَ أم أنني أتوهمُك؟ بردَت أطرافِي هل تشعُر بها؟ كما كُنت تشعر بي دائِمًا وتُغطيني يداك! أرتجف كما أن البردُ يتلبَسُ جسدِي! ولكن هُناك حرارةً داخلية تدثرَني! أظنُها " صلاتِك " يا أبي، صلاتِك التي تعني دُعاءً مختوم بـ / إنها حبيبتي وإبنتي يالله أحفظها.
دفع بقدمِه السلاح الملقى على الأرض ليُبعده عن يديَ نايف الذي ركلهُ بين ساقيْه ليسقط على ظهره، أخذ السلاح ليُطلق رصاصةً أنهَت حياتِه، ركض رُغم ساقه الملتوية بالضرب، أقترب من رتيل التي أغمضت عينيْها بسلاَم.
نايف أخرج هاتفِه ليتصل على الإسعاف،بعد ثوانِي قليلة وضع يدِه بربكة على رقبتها وهو يرفع حجابها، كان يوَد أن يتأكد من تنفُسها، لم يشعُر بشيء! أضطرب قلبه لينزع معطفِه ويضعه فوق جسدِها الخافت، وقف وهو يمسح على وجهه بتعب نفسِي قبل أن يكون جسدَي، هو الذي وعَد عبدالرحمن بحفظِه لعائلته لم يستطع أن يحمي إبنته، يشعرُ بغصَة الخيبَة التي ستجيء لعبدالرحمن.
مرَت الدقائق وكل دقيقة كان جسدُها يبكي بدماءه، وصلت الإسعاف لتحملها متجهة لأقرب مستشفى، و ثوانِي قليلة حتى وصلت السيارة الأخرى لتحمل جثَة الرجل الآخر.
راقب نايف السيارة حتى أختفت من الطريق، أتصل على محمَد : محمد!!
محمد : هلا . .
نايف وهو يسير بإتجاه الفندق : بنت بوسعود
محمد وقف برهبة : وش فيها؟
نايف برجفة كلماته : جاء شخص من رائد وهددني! مقدرت أسوي شي وقال إني أنادي أيَ أحد منهم وكان يبي مرت بوسعود!! لكن طلعت له بنته زوجة عبدالعزيز
محمد : إيه؟ كمَل بسرعة
نايف : وإحنا ماشين حاولت أوقفه وضربته قام طلَع سلاحه و أطلق عليها
محمد بغضب : طيب لا تتحرك! خلَك عندهم وأنا بتصرف . . أغلقه ليضع يديْه على رأسه، يحاول أن يجِد حلاً ويُفكَر بأيَ طريقة تُناسب الوضع وتُلائمه.
رائِد يُريد أن يحرق أرواحهم واحِدًا تلو الآخر، بدأها بعائلة سلطان العيد والآن عائلة عبدالرحمن، من التالي؟ أخشى أن يصِل الأمر لعائلة سلطان الجابر و وقتها لن تقبل أرضٌ واحِدة كوارثٍ بشرية من صُنع الجوهي، ستتطوَر الأمور مالِم يُمحى رائد من هذه الأرض.
بصوتٍ داخلي " أنا أملك صلاحيات تجعلني أتصرف الآن! صحيح يا محمَد أنت تملك الصلاحيات الكافية، أنت تملكها يا محمَد، تشجَع وأفعلها! تشجَعي يا نفسِي وأفعليها، إن لم أفعلها سننهار جميعًا، يارب أجعل ما أفعله صحيحًا "
رفع هاتفه ليتصِل، بصوتٍ هادئ : السلام عليكم
عبدالسلام : وعليكم السلام يا هلا محمد . . وش أخبار وضعكم؟ جدَ شي؟
محمَد : إيه، أظن إنه وقت تدخَل القوات!
عبدالسلام : بو سعود عندِك؟
محمد : لا! بوسعود الآن عند رائد عشان يطلع عبدالعزيز وناصر! وعبدالعزيز إلى الآن ما طلع ولا حتى ناصر . . ومافيه أيَ أخبار عندهم ومستحيل بنجلس ننتظر عطفًا على أنه بنت بوسعود في المستشفى حاليًا وتعرَضوا لها ولا أدري هي حيَة ولا ميتة، مقدرت أخلي نايف يروح لها ويترك الباقي! وأنا بروح لها الحين بس لازم أضمن إنَ الشرطة تنرسل لهم قبل لا تطلع الشمس
عبدالسلام : صعب كِذا بنعرَضهم للخطر أكثر، الحين ناصر و عبدالعزيز و بوسعود ثلاثتهم عنده! مستحيل نجازف فيهم! أنا الحين أنتظر بوبدر يوصل، وبعد شويَ بروح للمطار أنتظره! بعدها بنقرر وأكيد بيكون تدخلنا سريع! . . روح لبنت بوسعود المستشفى وأنتبه أخاف أحد يدخل عليها ولا يصير شي ثاني! وطمَني وش حالتها
محمَد تنهَد بقلة حيلة : إن شاء الله، مع السلامة . . أغلقه ليلتفت على الرجال الذين يُحيطونه ويُصابون بمثل الخيبة من الأشخاص الذين رموا خطط دامت لسنوات وذهبوا بأقدامهم إلى رائد.
محمد : خلَوكم مفتَحين وراقبوا الوضع، أنا بكون بالمستشفى بس يتصل أحد بلغوني . . . خرج وركب سيارته متجهًا لأقرب مستشفى يتوقع أن تكون فيه.

،


فارِس ببياضٍ يخرجُ من بين شفتيْه : قبلت! قبلت بتَركِي لعبير! وما رضيت بالوسط أبد
: أقصِد باللي يخص أبوك
فارِس بغضب ركل السيارة بقدمِه : أنتهت حياتي أصلاً يا عبدالمجيد
عبدالمجيد : أسأل نفسك مين أهم؟
فارس بضيق عبرت الغصَة عيناه : أنا أسوأ شخص ممكن يرتَب أهم الأشياء في حياته، كنت أقول لأبوي أنتم أهم شي بالنسبة لي وأنت حياتي! وكنت أقول لأمي نفس الشي و لمَا سمعت صُوت عبير قلت في نفسي هذي النبرة حياتي!! ولا عرفت أحافظ على أيَ شي!!! مقدرت أقنع أبوي إنه يترك كل هاللي يشتغل فيه! ولا قدرت أكون بارَ بأمي! ولا قدرت أكون زوج لعبير! . . . وش باقي عشان أعيشه؟ باقي من يكسر اللي بقى فيني.
عبدالمجيد أقترب منه ليضع كفَه على كتفِه : فارس يا ولدِي!!
فارس بهمس أخفض رأسه : لا تقولي أنت مالِك علاقة باللي يصير مع أبوك! ما ينفع تقولي كِذا! وهو هويْتي وإسمي.
عبدالمجيد عقد حاجبيْه : ماراح أقولك أنت مالك علاقة! بس بقولك الله لا يربط مصيرك في مصيره
فارس نظر إليه بنظرةٍ ضائِعة تائهة بما تحمله الكلمة من شرحٍ ومعنى، رفع نظراتِه للسماء لتلمع دمعةً تهدم كل قوَة يحاول أن يرتديها : كأنك تترحَم عليه! . . يوجعني!! والله العظيم يوجعني هالشعور، . . يارب . . رحمتك
عبدالمجيد أبتعد بخُطاه وهو يُعطيه ظهره، هذا الضُعف الذي يراه بعينيَ فارس يكسرُه أيضًا، وهو الذي لمح ذات الضعف في عينيَ سلطان قبل وفاتِه.

فجرُ ذلك اليوم، قبل أن تشرق شمسُه، كان جالِسًا أمامه بسكينة ولم يرفَ جفنه بنومٍ/بغمضة.
سلطان العيد : كل شي أحاول أسوَيه ينقلب ضدَي!! كنت أعرف من ذيك الليلة اللي عرفت فيها سليمان ولعبه من تحت الطاولة!! إننا ماراح نرتاح! ماكان قدامي إلا هالفرصة، قلت في نفسي من الذكاء إننا نمثَل الغباء وإننا ما ندري عن شي! وفكَرت يا عبدالمجيد إنه مستحيل نقدر نتقن هالغباء إذا أكثر من شخص يعرف بموضوع سليمان، أتبعت المنطق اللي في عقلي وقلت لا تعلَم أحد . . أنت أكثر شخص تعرف إنه ماهو قصدِي إني أخبَي وأتوَه أحد، ضايقني عبدالرحمن، قالي بالحرف الواحد ماهو أنت يا سلطان اللي تغدر فينا! وأنا واثق مثل ما أثق بإسمي إنك ماتغدرنا! . . . توجعني هالثقة يا عبدالمجيد! لأنه بيجي وقت وماراح يوقف أحد ويشرح لهم قصدِي! .. ..
أخفض رأسه لتكتَظ محاجره بالدمع المالح الذي يغزُوه بمبرراتٍ كثيرة، بخفُوت : أحلم . . يجي وقت وينتهي كل هذا! صح هموم الأمن ما تنتهي! لأن الله ما خلقنا موالين لبعض، أكيد فيه أعداء، أكيد فيه كارهين! أكيد فيه مضرَين بعد! .. بس ودَي هالهمَ ينتهي، لأنه ما يتعلق بالأمن وبس! يتعلق بعوايلنا . . بأهلنا. كنت أحلم كثير إني أموت وأنا أرأس شغلي! لكن مقدرت، مافيه أوجَع من إنك تنجبر إنك تترك شغل حياتِك وشغفك كله فيه!!! وأنت بعد يا عبدالمجيد! تقاعدت بدون رغبة!! مثَلنا اللامعرفة بأصولها، تركنا شغلنا، وراح يجي يوم ونُتهَم فيه، وبالنهاية وش صار؟ أشتغلنا إلى هالوقت وإحنا نشتغل بعيد عن الكل، مصدُوم! مصدوم من أشياء كثيرة . . مصدوم من قوَة سليمان اللي ما يتجرأ أصلاً يوقف قدامنا!! مصدوم من جرأته!!! مصدُوم من جهل رائد، ومصدوم من نفسي! بديت أكذب بأكثر الأشياء أهمية بحياتي، أقول لعيالي تركت الشغل عشانكم و أقول لزوجتي وعد نستقر بالرياض بعد ما تتخرج هديل! و كل هذا ماله أيَ علاقة بالحقيقة! . . .
عبدالمجيد : مين راح يلومك؟ إيه صح إنه علاقتك توتَرت مع بو بدر وبوسعود لكن هذا ما يعني إنهم بيتهمَونك أو بيظنَون فيك ظن سيء!!!
سلطان : توتَرت! قول طاحت بالحضيض!!! لا عبدالرحمن يسمعني ولا سلطان اللي أشوف نفسي فيه يسمعني!! . . . . أضاءت عينيْه بدمعةٍ مكسورة تهزَ الشيب الذِي يُغطِي رأسه، أردَف : تدري وش اللي قاهرني بالموضوع! إني واجهت أمور أصعب من كِذا وعانيت كثير لكن ما أنهرت بهالصورة أبد!!! والحين أحس هالعالم كله يختنق في صدرِي! تخيَل كل هذا يصير والليلة عرس بنتي؟


عاد لفارِس، لعينيَ فارس.
تُشبه عينيَ سلطان في ذلك الفجر، ككلماته الشفافة التي كان يتفوَها بضُعفٍ يهزَ أراكانِه، رُبما الهموم تختلف ولكن حُزن سلطان في تلك اللحظة أعمقُ حُزنًا رأيتُه، فهمتُ تمامًا كيف تختنق روحه ببطء وكيف يتصاعدُ حزنه ويتبخَر دون ان يلمسه بدمعة! دُون أن يُلقيه بحنجرتِه، كان يختنق بتراكماتٍ كثيرة من أجل أشياءٍ أهمُها " الأرض " التي كانت أولى خطواتِه عليها، وكان يحلم بأن تكون أُولى خطواتِ أبناءه عليه ولكنه لمْ يحصل، عاش بعيدًا وقلبُه هُناك في المنطقة الوسطى، كان قريبًا جدًا من حِصار سليمان و ذهابِه في خبر كانَ، لولا الحادث الذي بعثر كل الأوراق وبعثرني أيضًا، حاولتُ ان أُمسك زمام الأمور في البدايـة، وفعلتُها مع فيصل لأُبعده عن هذا الطريق، أخطأت بحق غادة عندما تركتها عند أمل وكنت أظن أن سعَد يفي بالغرض، ولكن ساءت أوضاعُها أكثر مع ولِيد، أخطأت مع مقرن ولم أنجح أبدًا، غادرنِي مقرن سريعًا قبل أن أحبسه بعيني، مثلما غادرني سلطان العيد، أصدقائي القُدامى اللذين غادروني مبكرًا عليهم صلواتِ الله ورحمَته.
جلس فارس على عتبة الطريق، ينتظرُ خروج الشمس كما أنه يتأملُ الدقائق التي تمَر لتشطر روحه اكثر، تداخلت الأفكار برأسِه بداية من عبير إلى والدتِه وعبورًا بوالدِه، وسط صمتٍ لا يحفَه سوى البرد والثلج الذي يتساقط بخفَة،أتى صوتُه الداخلي صاخبًا بأكثر قصائد بهاء الدين زهير وجعًا ورثاءً " يعزَ عليَ حين أدير عيني، أفتَش في مكانك لا أراكَا "


،

أخذت نفس عميق وهي تضع يدها على بطنها، وبرجفةٍ هدبٍ سقطت دمعة يتيمة/وحيدة.
ضيَ بعُقدة حاجبيْها جلست : وعدني! وما وفى!!
عبير تقضمُ أظافرها من التوتر وهي تجيء شمالاً وجنُوبًا : و رتيل تأخرت! . . وش اللي يصير بالضبط!!!! ليه محد يتكلَم ويقولنا شي!
غادة تتأمل إرتباكهم وخوفهم بجمُودٍ يُصاحب عيناها التي لا يرتجفُ بها هدَب، بلعت ريقها بصعُوبَة لتخفض رأسها وهي تُجمَع كفيَها لتضعها بحُجرها.
يارب أنزل سكينتِك على قلبي، أشعرُ بنارٍ تلتهب بصدرِي كلما فكَرت بما يحصل الآن، ضائعة تمامًا! لا أدلَ إلاك يا الله.
صمَتَ حديثُ روحها بعد فِكرة " الضياع " التي نطقتها لتنساب نحوَ ضياعٍ آخر.

الساعة السادِسة صباحًا / خريف 2011، على مشارف نهر السين جالِسان.
ناصِر بصوتٍ ناعس نظراته ترتفع للقوارب التي تُطلق أشرعتها : الحمدلله
غادة إلتفتت عليه بإبتسامة ناعِمة : الحمدلله على الإسلام والأمن والأمان و الأهل والأصدقاء والحُب والحياة وأنتْ.
ناصر بإبتسامة شاسِعة تُعاكس الشمس في شروقها، أخذ كفَها، حرَك أصبعه ببطىء ليكتب على باطن كفَها ويترك لها حريَة الشعور والإدراك والتخمين.
غادة : وش كتبت؟
ناصر : خمَني؟
غادة بضحكة تقطع سكون المكان والبحر : لمَح ليْ ؟
ناصر يكتب لها من جديد بأصابعه والإبتسامة تتكىء على شفتيْه : كِذا واضح؟
غادة تُقلد صوته : كِذا أحبك؟
ناصر صخب بضحكتِه الرجوليَة : حبَيني مثل ما تبين
غادة تأخذ يدِه لتكتب على باطنها، رفعت عينها بعد ثوانٍ طويلة : خمَن!
ناصِر : كتبتي مطلع قصيدة أحبَها
غادة : قصيدة أنت كتبتها
ناصِر : يا غايبة عنَي ردَيني وياك، لِك في نبرة الصدر موالٍ حزين
غادة : هذي أول قصيدة سمعتها منك، ينفع أقول الحمدلله على الشِعر لأنه كسَر صلابتِك؟
ناصر إبتسم ليميل برأسه قليلاً حتى يقترب بشفتيْه من أذنها، همَس : لولا عيُونِك ما كتبنا الشِعر . . .

نظرت لعينيَ عبير التي تمدَ لها كأس الماء : سمَي بالرحمن
غادة وضعت يدها على ملامحها لتستشَف تعرَقها، نظرت بإستغراب لضيَ وعبير لتفهم جيدًا أنها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، صعدت يدها ناحيَة عينيْها لتُلاحظ بكاءها اللاإرادي، تنهدَت بضيق وهي تأخذ كأس الماء برجفة، شربت القليل لتُنزل عينيْها بإرتباك، همست : ما نقدر نتصل على أحد ؟
عبير : محد يرد أصلاً . .
ضيَ جلست بجانبها وهي تنظرُ إليها بشفقة الحزن : تطمَني!
غادة رفعت عيناها إليْها : يمكن صار لرتيل شي لا سمح الله! ليه ما تكلمون الحرس اللي تحت؟
عبير: مُستحيل أطلع! قد طلعت وصارت مصيبة . . بننتظر أحد يجي ويبلغنا

،

تأملت السقف كثيرًا وهي تُقطَع شفتيْها بأسنانها، إلتفتت للمكان الخالِي تمامًا من هواء يحملُ أنفاس غيرها، وحدَها تحاول النوْم في ساعات الفجر الأولى ولا النومُ يجيء لجفنها.
أرق يستحلُ عقلي سببهُ أنت، أشدَ الرحال لغير صدرِك ويردَني صوتُك لمدَاه، ماذا أفعل يا سلطان؟ تُسيء لقلبي وتُهينه ولكنَي أُحبك! تستفزُ جنونِي ولكنَي أصمت لأن عيناكَ تُهذَبني بصورة قمعيَة، لو أن لا وجود لأيَ أسس بهذه الحياة تجعلنا نفترق! لا وجود للمبادىء والنظريات! كانت حياتنا ستكُون أجمَل ولكن هُناك ما يُبعدني عنك، لو تعلم أنَي أشتقت لـ " بسم الله عليك " من بين شفتيْك، لا أعرف سر هذه الجملة! ولكنَي أعرف تمامًا ما تُحدثه في قلبي منذُ أول ليلة رأتك عيني، يالله! كيف لحُب هذا الرجل أن يتسرَب ويجري بين دماءِي؟ أعترف بحُبه سرًا وأخشاهُ علانيَة.
أنفتح الباب لتنجذب عيناها، دخلت أفنان : صاحية؟ توقعتك نايمة . .
الجوهرة : مين جابك؟
أفنان : جيت مع ريَان! قالي أبوي إنه تركِك نايمة وخفت تصحين وماتلقين أحد وقلت أجيك . . أصلاً يالله دخلوني! كل شي ممنوع في هالمستشفى! يالله هانت بس تطلع الشمس بترجعين معنا
الجوهرة شعَرت بأنها ستنفجر من هذا الشعور المحبوس في داخلها : زين تسوين، لأني ملَيت
أفنان بضحكة تُخرج هاتفها لتدخل تطبيق " تويتر " : خلني أقولك وش سوَى نواف اليوم!
الجوهرة إبتسمت : وش سوَى سمو الأمير؟
أفنان بإبتسامة : تراني أمزح لا تصدقين، عبَيت مخه كذب وطلعت متزوجة في عينه يعني مستحيل حتى أمَر في باله بعد ما رجع بس من الفراغ اللي فيني صرت أبحث عنه
الجوهرة تنهدَت : صدقتك!! أفتخري يا روحي والنعم والله
أفنان : بنبدأ محاضرات؟ يعني هو كان السعودي اللي قدام وجهي طبيعي بالغربة بجلس أسولف معه من الطفش . . وبعدين كان بيننا حدود وإحترام
الجوهرة بسخرية : من زود الحدود قلتي له إنك متزوجة!
أفنان : في نيَتي ماكنت أبي أكذب! بس كِذا طلعت فجأة وقلت خطيبي
الجوهرة ضحكت : كذابة! لا تحاولين تقنعيني!!! أعترفي إنك سويتي شي غلط وخلَيك سنعة
أفنان بتنهيدة : طيب يا الجوهرة أنا غلطت . . أرتحتي كِذا؟
الجوهرة بجديَة : ماكان مفروض تسافرين!! شفتي وش سوَى السفر بدون محرم؟
أفنان : وش سوَى؟ لايكون رجعت لك مغتصبة ولا زانية؟
الجوهرة شحبت ملامحها لتبلع ريقها : ماكان قصدِي كِذا!
أفنان : وش قصدِك؟ أكره هالنظرية المتخلفة! يعني عشان رحت أشوف حياتي صرت ماني محترمة! لا نزعت حجابي ولا تبرجت ولا رحت مراقص!!
الجوهرة بضيق يخفتُ صوتها، تحاول حبس الدمع الذي يتلألأ بمحاجرها : قصدِي الحُب!
أفنان تجمدَت في مكانها لتُخفض نظرها وهي تلوم لسانها الذي أندفع بالكلمات الحادَة.
الجوهرة دُون أن تنظر إليها أردفت : بتفكرين فيه كثير وماراح تنامين لأنه شاغل تفكيرك! من رجعتي ولازم تجيبين سيرة نوَاف حتى لو بمزح! تحاولين تبيَنين إنه كل هذا مزح لكن هو حاضر في كل شي!! وممكن ما تلتقين فيه بعد؟ عرفتي وش أقصد!!! الله ما حرَم شي الا لحكمة . . مو لازم الضرر يكون جسدِي ومادِي عشان نقول والله هذا شي غلط! احيانا الوجَع المعنوي أقسى بكثير من كل هذا!! مسألة إنك تسافرين وتبقين لحالك! بتخلَيك تشبعين فراغك بأشياء ممكن تشوفينها تافهة بس لمَا ترجعين لأهلك بتحسَين وش كثر هالأشياء اللي بنظرك تافهة سوَت فيك!! عُمري ماراح أشكك في أدبَك وأخلاقك!! اللي يمسَك يمسَني واللي يضرَك يضرَني
أفنان بضيق تتأمل ربكة الدمع في عينيَ الجوهرة : آسفة
الجوهرة عضت شفتِها السفلية لتنساب دمعة يتيمة على خدَها، إلتفتت لأفنان : أحيانًا ما نفهم ليه هالشي غلط وليه هالشي حرام! لكن لمَا نتوجَع منه نفهم كيف الله رحمنَا منه!
أفنان : جُوج واللي يخليك لا تبكين! أنا حمارة والله بس تعرفيني أحيانا أقول حكي ماأحسب حسابه
الجوهرة إبتسمت بخفُوت : ما أبكِي عشانِك! بس أفكَر وش كثر الله يرحمنا ويستر أخطاءنا!!! لو سمع أبوي ولا ريَان بنواف؟ وش ممكن يصير؟ بتقدرين تفسرين لهم مثل ما تفسرين لي؟ فكرَي شوي بمنطق يا أفنان! مُشكلتك إنك تتوقعين أنه الأشياء اللي نقولها مجرد عادات وتقاليد وأنَك أنتِ إنسانة ماتعترفين بهالعادات واللي يهمَك دينك!!
أفنان : صح أنا إنسانة ما تحكمني العادات والتقاليد! يحكمني ديني ودام ماهو حرام في ديني بسوَي هالشي
الجوهرة : السفر بدون محرم حلال بالدين؟ فيه مذهب من مذاهب السنة حلَله؟ الشافعي ولا الحنبلي ولا الحنفي ولا المالكي؟ فيه أحد أختلف فيهم على السفر؟ هذا الشي ماهو عادات وتقاليد! هذا الشي إسمه دين
أفنان بضيق : ليه تعصبَين عليَ الحين؟ شي راح وأنتهى وهذاني رجعت
الجوهرة بضيق أكبر : لأني أخاف عليك
أفنان تنهدَت :عارفة إنه هالشي مضاره أكثر من منافعه لكن كنت متحمسة أسوي شي بدراستي وفخورة فيه
الجوهرة : مو مهم إنك تعرفين، المهم إنك تقتنعين يا أفنان!
أفنان وقفت لتأخذ كأس الماء، بإبتسامة : توبة أفتح موضوع نوَاف، إذا بآخذ عليه هالمحاضرة
الجوهرة أخذت نفس عميق لتمسح ملامحها بكلتا كفيَها : يارب ترحمنا
أفنان همست : آمين . . . كلَمك سلطان بعد ما رجعت البيت؟
الجوهرة : لا ليه؟
بإبتسامة تستثير حُمرة الخجل في ملامح الجوهرة : أبد لأني دخلت ولقيتك رايقة وعطيتني محاضرة بعد يعني فيك حيل
الجوهرة رفعت حاجبيْها : بالله؟ و الروقان ماله الا سبب واحد؟
أفنان : بس حطي في بالك هالكلب مفروض ما تردَين عليه! الله يرزقك بواحد يعوَضك وينسَيك طوايف سلطان . . . قولي آمين . . . نظرت إليَها بإستغراب . . . لايكون متأملة فيه بس؟ أنا كرهته ما أحب هالشخصيات اللي يفرضون قوَتهم على الحريم!!
الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس : ومين وين تعرفين شخصيته؟ ووين شفتيه يفرض قوته عليَ؟
أفنان : لمَا يقولون سلطان بن بدر الجابر . . وش أول فكرة تجي في بالك؟
الجوهرة بسخرية : زوجي
أفنان جلست على طرف السرير : أقصد شخصيته، يعني حتى إسمه يبرهن!
الجوهرة بنبرةٍ هادئة : سلطان ما يفرض قوته على الحريم! إنسان مصلَي وقايم بحق الله وبحق دينه و وطنه
أفنان : وحق زوجته ؟
الجوهرة : لمَا ما قام بحقها طلَقها لأن هذا الواجب والصح
أفنان : تحاولين تلمَعين صورته قدامي! تراني أختك ماني وحدة توَك متعرفة عليها
الجوهرة : ما ألمَع لك صورته! أنا أقولك الصدق، وهذا ما ينفي إني شايلة بقلبي عليه


،


التاسعة صباحًا / باريس.
بإرهاق فتح أول أزارير قميصِه لينظر إلى محمَد : طلعوا عبدالعزيز وناصر؟
محمَد بتوتر : لا . . بس طال عُمرك فيه شي ثاني حصل
سلطان وهو يسير على الرصيف بإتجاه السيارة : وشو ؟
محمَد : بنت بوسعود في المستشفى
سلطان إلتفت ليرفع حاجبِه : ليه؟
محمَد : أطلقوا عليها
سلطان بغضب يقترب من جسدِ محمَد : وأنتم وينكم؟ كيف تطلع له؟
محمَد بلع ريقه : نايف كان و
سلطان يُقاطعه بحدَة : حسابكم بعدين . . . بالأول راح توصلني المستشفى وأتطمَن بنفسي . . . قبل أن يفتح الباب رفع عينه . . . أيَ بنت؟ زوجة عبدالعزيز ولا . . ؟
يُقاطعه محمَد : زوجة عبدالعزيز
سلطان ضرب الباب بقوَة ليدخل وهو يُكرر : أستغفر الله العلي العظيم!
شدَ ظهره بتعب السفَر، أخذ قارورة المياه ليُبلل ريقه : رحت شفتها؟
محمَد وهو يقود السيارة ولا يلتفت عليه من التوتر العميق الذي يُصيبه : إيه كنت عندها طول الليل! وكان بيجيك عبدالسَلام لكن قلت له إني أنا اللي بجيك.
سلطان : كلمت دكتورها ولا أيَ زفت!!
محمد : كانت بالعمليات وطلعت من عندها قبل الشروق وهي للحين
سلطان : طيب يا ذكي كان تركت عندها واحد ثاني!
محمد بلع ريقه : خفت أتأخر عليك
سلطان بعصبية : بضيع لو ماجيتني يا محمَد! لو صار شي لرتيل بحمَلك أنت ونايف المسؤولية وخلَي عندك علم
محمد بدهشة إلتفت عليه لثواني حتى عاد بأنظاره للطريق، أندهش من نطقه لإسمها ومعرفته بها : إن شاء الله ما يصير الا كل خير
سلطان ضغط على عينيْه وهذا الإرهاق يجلب له سوء المزاج، تنهَد بعُمق : كلَمت سعد؟
محمد : ما يرَد طال عُمرك، أختفى كأن الأرض أنشقت وبلعته
سلطان : بس توصلني المستشفى تروح تشوف لي سعد وين! لأنه بباريس مستحيل يطلع منها! ورَني شطارتك ودوَره لي!! مفهوم ؟
محمد : إن شاء الله راح أحاول . . . . دقائِق طويلة حتى وصل وركن السيارة أمام الباب الرئيسي للمستشفى.
نزل سلطان وأخذ معطفه ليرتديِه من هذا البرد الذي يُجمَد أطرافه، لفَ " سكارفه " الرمادِي حول رقبته ليدخل متجهًا للإستقبال وبجانبه محمَد : طال عُمرك ماهو لازم تسألهم! الغرفة اللي كانت فيها بالدور الأول
سلطان عاد بخُطاه ليتبع محمَد، وقف عندما توسَط الطابق الأول ليلتفت عليه : وينها؟
محمد بلع ريقه : آآآآ نسأل الإستقبال يمكن طلعت من العملية
سلطان أغمض عينيْه قبل أن يرتكب به جريمة : أحفظ نفسك وأبعد عن وجهي
محمد أبتعد دُون ان يلفظ كلمةً أخرى، نزل سلطان ليسأل عن رتيل، ثواني قليلة حتى سارت معه الممرضة للأعلى ناحية مكتب الدكتور.
الدكتور " بإنجليزية " : اخيها؟ أم زوجها؟
سلطان بهدوء : كيف حالها؟
الدكتور تنحنح : إلى الآن جيَدة، خضعت لعملية ليلة الأمس ضمدَنا بها جرحها
سلطان : تعرَضت لشيء آخر؟
الدكتور : لم تحدث أيَ مضاعفات، أنخفض ضغطها كثيرًا ولكنها الآن بصحة جيَدة، لكن يجب أن تعرف أنها ستطيل المكوث هنا! إصابتها ليست بالسهلة
سلطان وقف : أين هي الآن؟
الدكتور : بجناح رقم 78
سلطان : جناح مُشترك؟
الدكتور رفع حاجبه : عفوًا ؟
سلطان : قُلت هل جناحها مُشترك؟
الدكتور بإبتسامة : يجب أن تعرف يا عزيزي أن المستشفى ممتلئة بالمرضى وليست هي المريضة الوحيدة حتى . .
يُقاطعه سلطان : سأقترح عليك 15 دقيقة لنقلها إلى جناح خاص! وأظن أن المصاريف تخصنا نحنُ عائلتها ولا تخص طبيبها! هل وصلت لك الفكرة؟
الدكتور : أطلب هذا الشيء من الإستقبال وأدفع لهم وسينقلونها وهذا لا يضرني، تأكد إنني أريد الراحة لمرضايَ أيضًا . . .
سلطان خرج دون أن يسمع بقية حديث الدكتور، أقترب من محمد : ليه واقف؟ مو قلت روح شوف لي سعد!
محمد : توقعت إنك تبي ترجع عشان رائد
سلطان بحدَة يحاول ان يسيطر عليها : فيه اللي أهم منه!
محمد : طيب . .
أنتهى سلطان من إجراءات نقل رتيل إلى غرفة خاصَة، ليقف عقرب الساعة على الحادية عشر ظهرًا، يُريد أن يتأكد بأم عينيْه أن صحة رتيل جيدَة ولكن بنفس الوقت لا يُريد أن يكون هو من يراها.
لو كانت الجوهرة بمثل هذا الموقف لمَا رضيْت أن يراها عبدالعزيز! " وش جاب طاري الجوهرة الحين يا أنا ؟ "
مسح على وجهه من هذه الأفكار ليتنهَد بضيق، وقف بعد أن طال جلوسه على المقاعد، أقترب من الممرضة : عفوًا هل بإمكاني أن أطلب شيئًا منكِ؟
الممرضة بإبتسامة تنظرُ لعينيَ سلطان بحالميَة : بالطبع
سلطان نظر إليها لثوانٍ طويلة، رفع بها حاجبه من نظراتها : أُريد أن أتأكد من صحة إحداهن، تحديدًا أريد أن أعرف إن كانت مستيقظة
الممرضة بنبرةٍ تتغنَج بالإنجليزية الركيكة : حسنًا، أيَ غرفة؟
سلطان : 16
الممرضة سَارت بإتجاه الغرفة، دخلت بهدُوء لتنظر إلى جسدِ رتيل النائم بسكينة، أقتربت لترى ملامحها الشاحبة يُغطي نصفها كمام الأكسجين، نظرت للشاشة التي تُفصَل حالة قلبها، ثواني قليلة حتى خرجت وأقتربت من سلطان : حالتها جيَدة! ولكن هل كنت تمزح معي حين قلت رُبما مستيقظة؟ . . بضحكة أردفت . . الفتاة تُحيطها الأجهزة من كل إتجاه! رُبما تحتاج وقت طويل حتى تستيقظ
سلطان تنهَد : شكرا
الممرضة : عفوًا، إذا أحتجت شيء آخر تستطيع مُنادتي . . إسمي لاتيسَا
سلطان أدخل يديَه بجيوب معطفه، أكتفى بإبتسامة ضيَقة وخرج دون أن يلفظ كلمةٍ اخرى، أخرج هاتفه ليتصل على محمَد : أرسلي أيَ واحد يجلس عند رتيل
محمَد : إن شاء الله
أغلقه سلطان لينظر لسماء باريس الماطرة، سَار على الرصيف دُون أن يحاول أن يوقف أيَ سيارة أجرة تنقله، أراد أن يُعالج ضيق مزاجه في هذه الساعة بالهواء.
أهتَز هاتفه ليُجيب على عمته الذي يبدو خبر سفره وصل لها : ألو
حصَة : السلام عليكم يا . . أبو بدر
إبتسم سلطان : وعليكم السلام . . هذي نبرة الزعل؟
حصة : وصلت؟
سلطان : إيه قبل ساعتين تقريبا
حصة : وطبعا لو ما عرفت من السوَاق ماكان وصلني خبر! يا كثر ما تضايقني يا سلطان بأفعالك!!
سلطان : سفرة مُفاجئة وكنت راح أتصل عليك
حصة : صدقتك أنت أصلاً ما تحط لي أيَ قيمة
سلطان : كيف نقدر نرضيك يا أم العنود؟
حصَة بضيق : ما أبغاك تراضيني! تعوَدت، أتصلت عشان أتطمن إنك وصلت
سلطان صمت لثوانٍ طويلة حتى قطعها بكلمةٍ تبدُو نادِرة أو رُبما مستحيلة على مسامع حصَة : آسف
حصة ألتزمت السكينة لتُغمض عينيْها بمحاولة إستيعاب هذه الكلمة، بخفُوت : وش قلت؟
سلطان : قلت آسف
حصَة : صدمتني!
سلطان بضحكة مبحوحة : كل شي عند أم العنود يختلف، هي بس تآمر وأنا أنفَذ
حصة : يا عساك دايم كِذا عليَ وعلى غيري . . . . نطقت كلمتها الأخيرة بتصريح مبطَن تعني به الجوهرة.
سلطان بهدوء : يمكن بكرا أنشغل ومقدر اتصل عليك ويمكن أطوَل، ما أبي ينشغل بالك بأيَ شي ولا توْسوين لأني من الحين أقولك يمكن مقدر أرَد على أيَ إتصال
حصة بضيق عقدت حاجبيْها : ليه؟ يعني بتنشغل طول اليوم؟ مستحيل!!!
سلطان تنهَد : أهم شي تعرفين إني ممكن مقدر أرَد عليك
حصة : طيب، بس طمَني عاد مو تخليني على أعصابي! . . متى قررت ترجع؟
سلطان : إلى الآن ما أدري! لكن إن شاء الله ما أطول
حصة : إن شاء الله ترجع لنا بالسلامة
سلطان : حصَة
حصة : سمَ
سلطان : أحفظيني بدُعاءك
حصَة أنقبض قلبها من فكرة سيئة تطفو على سطحها : سلطان؟
سلطان عقد حاجبيْه من ضيق محاجره التي تقبضُ على ملحه حتى تُدمعه : مو صاير شي! بس أشتقت أسمع منك الله يحفظك
حصة : دايم في دعواتي يا سلطان ماتغيب ولا لحظة، الله يحفظك ويحميك من كل شر ومكروه
سلطان همس : آمين
حصَة : مو صاير شي صح؟ طمَني
سلطان تنهَد : لا، بس سمعت خبر سيء وضايقني
حصَة : يتعلق بالشغل؟
سلطان : لا بنت عبدالرحمن
حصَة : إيه؟ وش صاير لها؟
سلطان : بالمستشفى! ولا أحد يدري
حصَة : يا بعد عُمري والله! ربي يسلَمها من كل شر، أنت شفتها؟ هُم في باريس صح؟
سلطان : إيه، توَ طالع من المستشفى، تطمَنت عليها وخليت عندها الحرس
حصَة التي تنتبه لنبرة سلطان المرتجفة بالحزن : لا تقولي إنك زعلان على بنته وبس؟ فيه شي ثاني وواضح إنك مخبي عني
سلطان إبتسم للطريق الذي يرتجف هو الآخر بزخَات المطر والثلج الباقِي على رصيفه لم يذوب بعد : أعزَها كثير
حصَة : تخبي عليَ! فيه شي ثاني قولي؟
سلطان : والله العظيم اعزَها وأغليها
حصَة : وش عرَفك فيها؟ متى شفتها؟ . . . بنبرةٍ حادة أردفت . . سلطان!!!
سلطان بتنهيدة : أنا أفكَر وين وأنتِ وين!
حصَة بسخرية : أبد خلَ الجوهرة تجي وتقولك والله هالرجَال أعزه وأغليه بس لا تفهمني غلط
سلطان بإنفعال : أقطع راسها
حصة ضحكت بصخب : يارب أرحمني من هالتناقض اللي تعيشه يا عيني
سلطان بهدوء أستسلم : رتيل كـ
حصة بحدَة تُقاطعه : يا خوفي تعرفها أكثر من بنت عمها!!
سلطان : تبيني أقولك ولا أسكَر؟
حصة : قول
سلطان سعَل وأبعد الهاتف، أتى صوتها الحاني : صحَة
سلطان يُكمل : كانت معذبَة أبوها بتصرفاتها وبغت تنفصل عن الجامعة مرَة وأنا اللي توسطت لها وأقنعت عبدالرحمن، من وقتها والبنت أعزَها مثل أختي
حصة : خواتِك كثار وكلهم بالإسلام بعد ماشاء الله تبارك الرحمن الله يثبتك
سلطان ضحك بضحكة مبحوحة سرقت قلب حصَة الذي مهما يقسُو تُصيبه العودة لحنانه المعتاد : والله هذي السالفة، وهي زوجة عبدالعزيز ولد سلطان بالمناسبة، وأصلاً بنات عبدالرحمن ماأرضى عليهم وأعزَهم من غلا أبوهم لكن رتيل عشان كَذا مرة أسمع عبدالرحمن يحكي عنها تكلمت معك كِذا
حصَة : صدقتك
سلطان : أصلاً مجبورة تصدقيني، لأني ما قد كذبت عليك
حصَة : تعرف تحجَر لي !
سلطان : أهم شي تكونين راضية عنَي
حصَة صمتت قليلاً حتى نطقت : راضية عنَك مع إنك تضايقني كثير عليك
سلطان : وش نسوي يا حصَة؟ مافيه أحد بالعالم تكون قراراته صحيحة 100٪، مضطرين نغلط مثل ما إحنا مضطرين نتقبَل هالغلط
حصَة : يعني تدري إنه قرار طلاق الجوهرة غلط؟
سلطان ألتزم صمته وهو يقف حتى ينتظر الإشارة الخضراء للعبُور، أردفت بصوتُها الذي ينام على ضفافِه حُزن أم : تدري وش اللي فعلاً يوجعني! إنك تدري إنه غلط ومكمَل فيه! الله يآخذ هالكرامة وهالعزَة إذا بتسوي فيك كِذا
سلطان تنحنح حتى يُعيد صوته إتزانه بعد أن سلبه بردُ باريس وكساه البحَة : لو أبي أرجَعها قدرت بدون لا أهين نفسي، بس أنا ما أبي ولا هي تبي
حصَة : لا تتكلم عنها! لأنك ما تدري أصلاً وش اللي تبيه ووش اللي ما تبيه
سلطان : تأكدي من نفسك إذا ودَك
حصَة بهمس : ليه يا سلطان؟ ليه تغلطون دام الله عطاكم القدرة إنكم تميَزون الغلط من الصح
سلطان : عشان نتعلم!
حصَة : وش تبي تتعلم عقب هالعُمر؟
سلطان بهدوء لا يعكس الوجع الذي يعصرُ محاجره بالملح : إننا ما عاد نركض ورى البدايات ونطير فيها عشان ما تصدمنا النهايات، ما ودَي أقولك هالشي وأضايقك! بس أنا تعبت، أحس إني مخنوق من كل شي ومن كل جهة، ودَي لو مرَة أتمسَك بشي وما يضيع مني، وهالمرَة يا حصة ماهي راضية تجي، وإن جت أوجعت قلبي! قولي لي وش أسوي؟
حصَة تلألأت محاجرها بالدموع : ليه وصَلت هالأمور بهالطريقة؟ فضفض لي لو مرَة وخلني أقول إختياره وماراح يضرَه إن شاء الله، لا تخليني أتصوَر دائِمًا إنك سلطانها وهي جوهرتك! أمحي هالفكرة من بالي عشان أرتاح
سلطان : ما عندي جواب يا حصَة
حصَة بضيق : لأنك ما تقدر تكذب عليَ وأنت مستحيل تصارحني بشي يخصَك!!
سلطان : أسألك سؤال؟
حصَة : وشو؟
سلطان : لو فرضًا لا سمح الله صار لي شي، وش الفكرة اللي بتآخذينها من حياتي؟ واللي مستحيل أصارحك فيها؟
حصَة إرتجفت شفتيْها لتسقط دمعاتها الناعمة : ولدِي اللي ما جبته تزوَج ومقدرت أحضر زواجه وأفرح فيه، وما قالي سبب تسرَعه بهالزواج! ولمَا فرحت عشانه عرف يختار ويقرر صح! قالي ما نقدر نكمَل أنا وياها وإحنا أصلاً ما نصلح لبعض، ولمَا حاولت أوقف ضد هالقرار عشاني أؤمن إنه البداية اللي ركضت وراها بهالسرعة أنت اللي أخترعت نهايتها يا سلطان! مو هي اللي جتك!! والنهاية ما صدمتك! انت اللي صدمت الجوهرة فيها!! أنت اللي ما عطيت الجوهرة قيمة وأنت عارف إنها حتى وهي متضايقة منك ما تسيء لك بكلمة! أنت عُمرك شفت بنت لا عصَبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أيَ كلمة؟ . . . عُمرك ما راح تعرف قيمة الجوهرة يا سلطان! و مو بس ما تعرف قيمة الجوهرة! أنت ما تعرف قيمة اللي تقوله عيونك! كيف تقسى يا سلطان على نفسك وعليها؟ ما تفكَر وش راح تخسر من بعدها؟ ماراح تخسر ترقية ولا راح تخسر مركز ووظيفة! راح تخسر قلبك اللي ما قدَرته!!
سلطان عقد حاجبيْه دون أن يلفظ كلمةٍ واحِدة بعد حديثها الشفاَف، بهدوء أردفت : ماراح أجبرك على شي ولا أقدر أصلاً! أحاول أضغط عليك بس بالنهاية مقدر أسوَي شي غير اللي تبيه، كنت أبيك تفرح وأشوفك و أنت تأذَن بولدِك، بس ما أظن إنك بتشوفها إن ربي سهَل عليها وكتب لها ولادتها على خير، بتكون بالرياض وهي بالشرقية ويمكن حتى ما تكون فيه! شايف كيف أنت بعيد كل البعد حتى عن اللي يشيل دمَك؟ . . أدري وش بتقول؟ بتقول تحاولين تأثرين عليَ بكلامِك؟ لو أقدر أأثر عليك بكلامِي كان تأثرت من زمان! بس كل مرَة أقتنع أكثر إنك قاسي وتقسى على نفسك
سلطان بلع مُجمَل الغصَات التي تعبثُ بصوته : مضطر أسكَر الحين
حصَة : سلطان
سلطان : سمَي
حصَة بصوتٍ باكِي أرجفت قلبه : تدري إني ما تكلمت عشان أضايقك بشي! تكلمت من حزني عليك
سلطان : يا رُوحي، ما تضايقت ولا شي! سمعت منك هالكلام كثير وبسمعه أكثر وعارف إنه من غلايَ في قلبك، مُستحيل أتضايق منه!!
حصَة : ينفع أقولك شي أخير وبعدها ماراح أجيب سيرة الجوهرة قدامِك! وبسكَر هالموضوع؟
سلطان بخفوت زادت بحَته وهو يجلس على الكرسي الخشبي أمام حديقةٍ متجمدَة تمامًا : سمَي
حصَة : أبيك تعرف إني أفكر عشان مُستقبلك! ويهمني هالشي، أنا ماراح أبقى لك يا سلطان! وهالبيت بيفضى وبيجي وقت وراح تتقاعد من شغلك! مين راح يسليك؟ مين راح تشاركه فرحتك؟ ومين راح يشيل عنَك حزنك؟ مين راح يفطر وياك؟ ومين راح تنام وأنت متطمن عليه؟ أخاف عليك من الوحدة اللي راح تجيك! مهما كابرت أنت ما تقدر تعيش بروحك يا سلطان! إيه صح قدرت بعد وفاة بدر وأمك! وقدرت بعد وفاة سُعاد! وقدرت بعد وفاة أغلى شخص اللي هو بو عبدالعزيز! لكن كثرة هالمصايب ماهو يعني إنك تعوَدت! كثرتها يعني إنه إنهيارك عليها قرَب! وأنا أخاف عليك من هالشي!!
بعد أن فقدت قُدرتها على تهذيب البكاء الذي يشطرُ صوتها وقلبها : بحفظ الرحمن . . . أغلقته دون أن تسمع صوته، لتضع الهاتف على الطاولة وتُغطي ملامحها وتتجه إلى بكاءٍ عميق عليه وعلى وجعه الذي تلمسهُ من صوته وإن أخفى ذلك وتراه من عينيْه القاسية على روحها التي تحلمُ بفرحه.
و هوَ؟ أدخل الهاتف إلى جيبه دُون أن يقف أو يصدر حركةٍ اخرى، نظر للرصيف الذي يخلُو من المارَة، وكل من يمَر يتلاشى بغمضة عين، أخذ نفس عميق وهو يُغمض عينيْه حتى يُعيد لقلبه الإتزان الذي فقده من كلمات عمَته.
من جُملتها التي ترنَ في قلبه " عُمرك شفت بنت لا عصَبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أيَ كلمة ؟ " عاد عقله لمجموعة صور حُبست في ذاكرته، صور عينيْها في أكثر من موقف، للتو أدركت أن الجوهرة لم تعبَر بكلماتها أبدًا مهما حاولت أن تقسو في الفترة الأخيرة، الجوهرة كانت تستعمل عينيْها دائِمًا، في فرحها، حُزنها، بكاءها، ضيقها، غضبها، مللها وخجلها.
وقف ليُبعد زلزلة صوْرها في ذاكرته لقلبه، أتى على باله تلك الليلة.
" أقترب منها ليُحاصرها بزاوية الغرفة، أدخل يديْه في جيوبِ بنطاله العسكري : إيه سمعَيني!
رفعت عينيْها إليْه وبخفُوت : وش سويت؟
سلطان : نظراتِك هذي خففي منها قدام عمتي! لأن واضح لها كل شي!! إذا في فمك حكي قوليه ماله داعي تطالعيني وكأني سارق صُوتِك!!
الجُوهرة إبتسمت بسخرية : ما أصدَق إنك قاعد تحاسبني حتى على نظراتي! باقي شويَ وتقولي وشو له تتنفسين؟
سلطان أقترب أكثر ليُلصق ساقها بساقِه حتى يجعلها رُغمًا عنها تحبسُ أنفاسها من قُربه، تلألأت عينيْها من طريقته في ذلَها، ارتجف جفنها : ممكن تبعد؟ وصلت المعلومة وفهمتها زين "


،

ينظرُ ناصر للشباك العالِي الذي تتسلل منه منظر السماء الغائمة ويتسرَب إلى سمعه صوت المطر، وقَف ليسير بلا توقف وقلبه يهتفُ بالدعاء في وقتٍ مُستجاب كهذا، أولُ دعوةٍ أتت في باله " اللهم أحفظها وأحفظهم "، لم يعُد عبدالعزيز ولم يأتِ خبرُه، كُنت أؤمن بأن الأخبار السيئة أحيانًا تستعذب قلوبنا بفسحة الأمَل حتى تُلهب سمعنا بوصولِها، قلبي يُخبرني بأن عزيز بخير وخرج ولكن عقلِي يُناقض هذا الإحتمال، لو أعلم ما يحدُث لكنت أعرف كيف أخمَن بأمرٍ صحيح!! متى ينتهي هذا الوجَع؟ متى نغتسِل من هذا الحزن بعذوبَة الصلاة في الرياض؟ متى يالله نترك باريس خلف ظهرنا! يارب أرحمنا كما ترحم عبادِك الصالحين.
على بُعدِ مسافات ليست بالطويلة، يقف رائد وهو يطرق الطاولة بقلمِه : مفروض إنه سلطان واصل من 4 ساعات! واضح إنه ما يبي يجي!!! . .
عبدالرحمن : ما توقعت إنه الحكي يهمَك لهدرجة؟
رائد رفع عينه : عفوًا؟
عبدالرحمن : حاجتِك فعليًا عندِي لكن أنت ودَك تبرَد حرتك بالحكي مع سلطان لا أكثر!! صح ولا أنا غلطان ؟
رائد بإبتسامة يسند ظهره على الطاولة : يعني كاشفني! طيب أنا ماعندي مُشكلة بأني أقول ودَي أستلذ شويَ بمنظر سلطان وهو خايب!
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : طيب ناصر وش موقعه؟ . . بحدَة أردف . . لا تحاول تبتزنا فيه!!
رائد يُلحن بصوته الجُملة : أبتزكم فييييييه!
عبدالعزيز ببرود ضحك ليقف بعد أن طال جلوسه على الأريكة : سايكو! قسم بالله
إلتفت عليه عبدالرحمن بإبتسامة لم يستطع أن يحبسها، همس : لا تستفزه!!
رائد الذي سمع همس عبدالرحمن : لا خلَه يجرب يستفزني
عبدالعزيز بإبتسامة يحك ذقنه ويُلحن بمثل صوتِه : أوقاات يآخذنا الحكي وننسى بالحكي أوقات وأوقات ياليت الكلام سكات يجرحنا الحكي . . .
رائد رفع حاجبِه : فاهم وش قصدِك! سبحان الله الخبث فيك أنت وسلطان بن بدر واحد
عبدالعزيز صخب بضحكته المستفزة ليُردف : هذا وإحنا متعوَذين منك
رائد صمت قليلاً يتأمل جملته التي يقصد بها أنه " الخبث " بعينه، أقترب بخطواتِه ناحيته، أدخل يدِه بجيبه : شايف كم واحد حولي؟ بإشارة مني تنتهي، حاول تحفظ نفسك!
عبدالرحمن يقف أمامه : خلَ حكيْك معي
عبدالعزيز بسخرية أبتعد ليقف أمام النافذة وهو يعطيهم ظهره، نظر لأجواء باريس الغائمة وبدأت أفكاره تميل ناحيَة غادة نهايةً برتيل، نظر للنافذة الأخرى لتسقط عيناه على قطعة صغيرة أدرك أنها / متفجرات.
فهم تمامًا ما يُريد أن يصِل إليه رائد، تنهَد وهو لا يملك القدرة على قوْل شيء، أعطى النافذة ظهره ليتكئ عليها وبدأت عيناه تتأمل الغرفة بتفحصٍ شديد، سقطت عيناه على أكثر من قطعة متصلَة ببعضها وصغيرة جدًا، غاب عقله في هذا المنظر لحدِيث سلطان بن بدر.
" طبعًا حساسيتها تختلف، لكن بالأغلب إذا ماكان المجرم يبي يلفت الإنتباه أو يدمَر المكان يستخدم المتفجرات اللي تعتمد على الغاز! يعني تنفجر وتطلق غاز فقط ونطاقها ماهو واسع! مجرد نطاق غرفة يمكن أو غرفتين بالمكان نفسه حتى ما توصل للدُور كله، و المتفجرات اللي نطاقها واسع تكون متكوَنة من . . . . "
بتَر حديث سلطان الذي يغزو عقله وعيناه تتأمل القطعة الموضوعه في زاوية السقف، أخفض نظره ليرى التي بجانب النافذة.
لو كانت متفجرات قويَة يُقصد منها التدمير لم يكن سيحتاج إلى أكثر من قطعة! هذا يعني أنها غازيَة لا أكثر، تنهَد ليلتفت بحدَة صوته : أترك ناصِر يجي هنا
رائد بإستفزاز : خايف عليه؟ لا تخاف ماراح تآكله الفيران تحت
عبدالعزيز بإبتسامة جانبيَه تُخفي غضبه من وجود ناصِر بالأسفل، خاف أن يختنق إن طبَق رائد خطته الذي خمَنها بعقله.
رائد ينظرُ للساعة : في حال وصل آسلي و سلطان ماجاء ترحَموا على ناصر . . . آممم نسيت شي ما قلته لكم
عبدالرحمن تمتم : صبَرنا يا رب
رائد بإبتسامة : أمس أرسلت رجالِي لفندق رِي فالِين
تجمدَت أقدام عبدالرحمن في وقت لم يفهم عبدالعزيز مقصده ولا علم لديه بأن عائلة عبدالرحمن بما فيهم غادة هُناك.
رائد ينظرُ لعينيَ عبدالرحمن المتوجسة : بس حبَيت أحط عندكم علم
عبدالرحمن بغضب لم يسيطر عليه : أقسم لك بالله لو يصير لبناتي أو زوجتي شيء! ماراح تترحَم الا على نفسك
عبدالعزيز إلتفت على عبدالرحمن : هُم هناك؟ . . أختي معاهم؟
رائد : أختِك وزوجتك
عبدالعزيز ضاعت أنظاره بينهما ليلفظ بضيقٍ يلفَ حول حنجرته : و رجالِك؟
عبدالرحمن : موجودين . . بس أنا أنبهِك يا رائد!!! أظن أننا إحنا قدامك نكفي ونزود، أبعد عن أهلي
رائد : والله عاد على حسب أفعالكم! إذا عكرَتوا مزاجي تحمَلوا بوقتها نتايجكم
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليركل الأريكة بقدمِه : حسبي الله ونعم الوكيل


،

يجلسُ بجانبه بعد أن دخل وأطمئنت عيناه برؤيته : يارب تسلمَه من كل شر ويقوم لنا بالسلامة
يوسف : آمين
إلتفت رافعًا حاجبه : فيك شي؟ ملاحظ عليك من جيت وأنت يا سرحان يا تتنهَد!!
يُوسف : وش بيكون فيني يعني؟ ضيقة وتروح
منصور عقد حاجبيْه : وهالضيقة وش مصدرها؟
يُوسف : لا تخليها تحقيق واللي يرحم لي والديك!!
منصور بحدَة : يوسف! جاوبني،
يوسف صمت لثوانٍ طويلة حتى لفظ : مُهرة طلبت الطلاق
منصور : ليه؟ سبب فيك؟
يوسف بعصبية : فينا كلنا! تقول مقدر أحط عيني في عينكم ومن هالخرابيط
منصور : يعني عرفت بموضوع أخوها؟
يوسف : إيه أكيد أمها قالت لها لما وصلت لحايل
منصور تنهَد : روح لها وكلَمها، بالتليفون ما تضبط هالمواضيع
يُوسف بضيق : تقول إنها مالها حق تكون زوجتي وأنه منصور ماله ذنب وإني ضايقت أهلك ومدري أيش! طلَعت مليون سبب عشان نتطلق وما كلَفت نفسها تطلع سبب واحد عشان نستمر
منصور : أنسب شي إنك تروح لها وتفهمها، وش دخلها فينا! أهم شي إنك أنت وياها متفاهمين ومالها علاقة فيني أو في أمي وأبوي . . فهَمها هالشي لأنه واضح إنها شايلة همَ أخوها! هي وش دخلها في أخوها!!
يوسف بإنفعال : وش يفهَمها يا منصور! حتى أمها نفسها تضغط عليها والحين بيوصل الموضوع لخوالها وبيوقفون كلهم بوجهي! والمُشكلة إنه هي واقفة معهم ضد نفسها!! قهرتني وهي تسكَرها في وجهي من كل جهة، قلت لها إذا مستحية من أهلي ومتفشلة نطلع و نسكن بعيد عنهم، وماتشوفينهم الا بالمناسبات! قلت لها مالك علاقة بأهلي ولا بأيَ واحد فيهم! بس ما رضت
منصور : أصلاً كلنا نسينا كيف وضع الزواج في بدايته! وما أهتمينا لهالموضوع، وحتى أمي معتبرتها مثل نجلا وتغليها وأبوي بعد! ليه مصعبَة الامور ومطلعتنا كأننا متمنين بُعدها ونكرهها، إذا كرهنا أفعال أخوها ماهو معناته إننا كرهناها بعد!! وهذي أمها مدري كيف وضعها! عندها خلل في عقلها مو طبيعي! بالبداية حاولت تهين بنتها والحين تهينها بعد مرة ثانية!!
يوسف يمسح على وجهه بكفيَه الباردة وهو يُثني ظهره قليلاً : و عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، كنت متضايق في بداية زواجي و كرهت عُمري اللي خلاني أتزوَج بهالطريقة! بس كانت أحلى شي صار لي يا منصور، حسَيت الدنيا مو شايلتني لمَا عرفت بحملها ولمَا سقطت ما حاولت أضايقها وأقولها وش كثر تضايقت وحسَيت روحي تطلع من هالخبر! بس قلت قدامنا عُمر! وهي أنهته، أختنقت من إني دايم أراعي هالناس ولا واحد فكَر يراعيني!! وأمها ما فكَرت أبد بأنه فيه بني آدم متزوَج بنتها ماهو آلة بتزوَجها وقت ما تبي ويطلَقها بأمر منها!!
منصور أقترب منه ليضع يدِه على كتفِ أخيه : وش لِك بالناس؟ أنا معك يا يوسف، إن ما شلت همَك أشيل همَ مين؟ بكرا نروح أنا وياك لحايل ونشرح لها
يوسف بحدَة دون أن يرفع عينيْه : ماني رايح مكان! ماراح أركض وراها وهي ماحاولت حتى تلتفت!!
منصور : لا تفكَر بهالسلبية!! يمكن هي متضايقة أكثر منك! هذا بالنهاية أخوها مو واحد من الشارع، ومقهورة عليه ومنه، وعشان كِذا تصرفت معك بهالصورة! بكرا نروح ونحَل الموضوع وإن الله كتب ترجع معك
يُوسف أخذ نفس عميق ليرفع ظهره ويستنَد على الكرسي، إلتفت لأخيه : لو كنت مكاني ما رحت!! أنا ترجيتها يا منصور، كل فكرة جت في بالي إنها ترضيها قلتها لها وقالت مقدر! سكرَتها بوجهي!!! وش باقي أسوَي عشان أقنعها؟ أجيها عشان تقهرني أكثر هي وأمها! والله العالم إذا وصل الخبر لخوالها بعد


،

تفتحُ عيناها على سقفٍ أبيض لا تُحدد تفاصيله إثر الضباب الذي يُخيط نفسه في محاجرها، مالت برأسها قليلاً ليؤذيها الكمام الموضوع على الجُزء الأسفل من وجهها، أغمضت عيناها لتفتحها بعد ثوانٍ قليلة حتى تستوعب الحالة التي وصلت إليْها، رفعت يدها لتنظر إلى الأنبُوب الضيَق المغروز في وسطِها، بحثت بنظراتها كثيرًا عن ظلٍ يُشاركها السقف ولم تجد أحدًا بجوارها، عادت للعُتمة وهي تُغمض عينيْها مرةً أخرى، لتسيل دمعةً رقيقة من طرف عينها اليُمنى، دخلت الممرضة لتلحظ هذه الدمعة، عادت للخلف حتى تُنادي الدكتور المسؤول عن حالتها، مرَت ثوانٍ بسيطة حتى أتاها الدكتور، فتحت عينيْها برجفةٍ يرتعشُ بها قلبها، تُريد أن تنادي أحدًا تعرفه، أن ترى ملامحه بالقرب منها، هذه العُتمة تُدمع قلبي.
وضع الدكتور يدِه على عينيْها ليفحصها جيدًا ويتأكد من وعيْها التام، بالفرنسية تحدَث معها ولم ترَد عليه بشيء.
الممرضة : رُبما لا تتحدث الفرنسية.
الدكتور عاد كلماته بالإنجليزية : ستلزمين الفِراش لمُدة ليست بالقصيرة، تحتاجين الجلوس لفترة حتى يلتئم جرحك، طوال هذه الفترة أنتِ ممنوعة من عدَة أشياء سنُخبرك بها لاحقًا
الممرضة نزعت الكمام الذِي يُساعدها على التنفس : تبدُو جيَدة أكثر مما هي عليه في الصباح
الدكتور : هل توَدين قول شيء؟
رتيل نظرت إليه لتُبلل شفتيْها بلسانها ودمعُها يصعد لمحاجرها، الدكتور ينظرُ للممرضة : أين الذي أتى في الصباح؟
الممرضة : رحَل! لا يوجود أحد هُنا
رتيل أخفضت نظرها من كلمات الممرضة، يستحيل أن تُصدَق أن لا أحد بجانبها دُون سبب! تقشعر بدنها من فكرة أن أمرًا سيئًا حدث لوالدها أو لضيء و عبير.
الدكتور : أهدئي! البُكاء سيُرهقك ونحنُ بحاجة إلى راحتك النفسية حتى تستعيدي قوَاك الجسدية
كانت تبكِي دون صوت، عيناها وحدُها من تُسقط الدمع تباعًا.
الحمدُلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، و في كل مرةٍ أقعُ تحملني يالله بجناحِ رحمتك، وتُذكرني بفضلك العظيم الذي لا أدرِي مالصوابُ إتجاهه! أو رُبما أدري ولكنني أُظلَ هذا الإتجاه، ليتني يالله أفهمُ أنني أعيشُ بعد تجاوز فرصة الموت لكي ينصلح حالي، و ليتني أيضًا أفهمُ كيف أترك الأشياء لتعوَضني عنها، صفة التملك الفظيعة التي تربطُ قلبي بأفعالي أحيانًا تُشعرني بأنني المُخطئة، وليست أحيانًا بل بالغالب هي التي تُخطئني التقدير والتصرف، لو أنني أتخلصُ من هذه الصفة الحادَة رُبما تركت أشياءً كثيرة أُحبها وتغيَرت، ولكنني يالله أشعرُ في كل مرَة أنني أضعفُ من التغيير وأنني أسوأ من كل هذا ولا أستحق كل الفرص المتاحة ليْ، أنا أضيع! وهذا " يوجعني " !
سألها عن الذي أتى في الصباح! من المستحيل أن يرضى أبي بتَركي! لا يرضاها إلا شخصٌ واحد، مهما ظننتُ بك حسَنًا يا عزيز تُسيء إليَ ظني، ماذا أفعل؟ أنا لا أقدر والله على أن لا أرى أحدًا من عائلتي! لا أستطيع أن أتنفس بصورةٍ منتظمة بغيابِ أحدهم، أنا لو مُتَ لن أموت من وَجعِي و مرضي، سأمُوت من حُبي وحُزني عليه، حُبي الذي لا يرتبط بشخصٍ واحد، هو رباطٌ أزلي تترتب عليه أغلبُ جوانبي النفسيَة، أولهُا أبي الرجلُ الذي أحمل قلبه في نهايَة إسمي، وآخرهُ الرجل الذي يحملُ قلبي معه، يالله! لو أنني لا أبكِي نفسي.
أغمضت عيناها طويلاً لتستذكر المشهد الأخير، طال الإستذكارُ الذي يحيط عقلها، ليختلط عرقُ جبينها بدمعها، غرزت أصابعها على مفرش السرير وهي تشعرُ بأن حجرًا يحطَ على صدرها، شهقت بقوَة من الدماء التي تراها، حرَكت رأسها كثيرًا حتى تُبعد الذكرى من أمامها ولم تقدِر! عجزت عن طيَ المشهد أسفل قدم النسيان، تحرَكت كثيرًا حتى بدأ صوتُ الجهاز الذي بجانبها يتصاعد بتصاعد أنفاسها المضطربة، دخلت الممرضة سريعًا لتقترب من الجهاز المُساعد في التنفس وتُعيده إليها، نظرت إلى أصابعها التي تغرزُها في السرير لتُدرك أنها تغيب عن الوعي، همست بصوتٍ حانِي : لا أحد هُنا يُمكنه أن يؤذيك، رتيل؟ . . . وضعت يدها البيضاء فوق كفَ رتيل لتضغط عليها بلطف : أهدئي، ستضرَين نفسك بالتوتر!! وهذا لا يُساعدك على الشفاء سريعًا
لم تفتح عيناها بعد، أرتخت أصابعها من على المفرش، شعرت بالمنديل الذي يمسحُ وجهها قبل أن تدخل في نومٍ عميق.


،


طلَت على والدتِه التي تعتكف على سجادتها، تأملتها لدقائِق طويلة دون أن تُزعزع سكينتها، خرجت لتتجه ناحية غرفتها، بدأت عيناها تُدقق النظر في كل قطعةٍ تعلم أن " فيصل " رآها، اقتربت بخُطى مبعثرة ناحية مكتبه، هذه الخُطى التي تحملُها وتحملُ فوقها دمعٌ لا يجفَ، أتكأت بيدها على الطاولة لتُمسك بيدها الاخرى قلمه، وضعتهُ بمكانه لتجلس على كُرسيْه، وضعت جبينها على الطاولة لتنجرف بسيلٍ من الدمع.
يالله يا فيصَل! كيف تحبسُ روحي معك في فترةٍ قصيرة مثل هذه! لن أقُول " أحبك " بكل ما تحملُ الكلمة من معنى و صفَة، ولكنني " أحبك " بمعنى أنني أُريدك بجانبِي وبصفَة أنني زوجتُك، لم يرتاح قلبُ أمَك دقيقة واحدة منذُ أن عرفت بأمرِ مرضك، إنها تُعاني وتمضغُ كل " آه " بملامحٍ ساكِنة لا تجرؤ أن تنهار وبين يديْها " ريف "، و ريف أيضًا! تبكِيك بطريقتها، هي لا تعرف معنى أن ترحل! ولكنها تنظرُ إليَ بشفقة، وكأنها تعلم بأمرك.
رفعت عينيْها لتنظر إلى الكتب المصفَفة بترتيب وتنسيق تام، أخذت إحدى الكتب لتفتح الصفحة الأولى، قرأت بخطِ يده " قرأته1/10/2012، إلى الذين ما زالوا يُمارسون الحياة بفقدهم " أغلقته لتقف وتفتح الكُتب الأخرى برجفةِ يديْها " كيف السبيلُ إلى وصالك يا أبي، دُلَني؟ " فتحت الآخر " أأشتاقُك؟ ".
أدركت تمامًا أنه يكتب بعد إنتهاءه من القراءة سطرًا على صفحة كل كتاب، بخطواتٍ مرتبكة نزلت لتتجه ناحية الغرفة التي أذهلتها أولُ مرة بتصميمها، اقتربت من الكُتب وببعثرة كانت بعض الكتب تسقطُ من يدها، بدأت تقرأ الكلمات التي تُذيبها دمعةً تسقطُ من عينيْها على الورق.
" جرَبت أنواعًا عديدة من الحُب، كان أولَها أبي و آخرُها ريف، ولكن لم أُحب بعد أنثى تحبسُ العالم في عينيْها وأسافرُ إليها بصوتها، أُريد ان أجرَب كيف يحمَر قلبي بقُربها قبل أن أموت "
" أخطأت كثيرًا . . . . . . "
" و اكثرُ المسميات حُبًا لقلبي : رائحة الجنة، هذه الجنَة التي أراها في عينيَ أمي كل صباح "
" كيف أتُوب دون أن أؤذي أحدًا بمعصيتي ؟ "
" ت ع ب ا ن "
جلست على الأرض لتفتح الكُتب بأكملها وتقرأ الصفحات الأولى سطرًا سطرًا وأغلبها كانت كلمتيْن لا أكثر.
" أحيانًا يأتِ القدر بصورةٍ موجعة ولكننا نتقبله لأننا نعي تمامًا من يحكُمنا! الذي يحكمنا / العزيز الرحيم "
" كيف أخبره؟ أنني موجوعٌ اكثر منه، اليوم فهمت تمامًا فداحة خطأي وأنا أُخبر رجلاً أن زوجته لم تمُت "
" قلة الحيلة هي أكثرُ الأشياء وجعًا "
" أخبرتهُ! "
" سيأتِ شخصٌ آخر يعرفني عن قُرب، وسيفهم تمامًا أنه مخدوع فيني "
" لم يكن أمرُ وفاتِك يا أبي عاديًا، أمرُ وفاتِك بحدِ ذاته جعلني سيء أكثرُ مما أظن "

وقفت هيفاء والكتب مبعثرة على الأرض، غصَت بالوجع الذي تقرأه بكل كلمة يكتبها، لِمَ كان يكتبُ على صفحات الكتب المخصصة للإهداءاتِ دائِمًا والمخصصة أيضًا للكلمات الجميلة، لِمَ جعلها مساحةً للتعبير عن حُزنه! هل فعلها كي لا يقرأها أحد؟ ولكن كيف وهو جعلني ادخلها متى ما شئت! ما الخطأ الذي أوجعهُ بهذه الصورة؟ ومن الرجل الذي أخبرهُ عن حياة زوجته؟ اقتربت من الطاولة الأخرى لتسحبَ الرف السُفلي، نظرت للأوراق التي لم يُجذبها بها شيء، أغلقته بحدَة لتصعد مرةً اخرى نحو الغرفة، بدأت بالبحث في كل جهة عن شيء تجهله، أرادت أن تفهم فقط ما سرَ كلماته التي قرأتها، نظرت لملفٍ شفَاف يحتوي عدَة اوراق بجانب الخزينة، جلست على ركبتيْها لتفتحها، قرأت الورقة الأولى ولم تفهم شيئًا سوى " السيد فيصل عبدالله القايد " تركتها لتقرأ الأخرى وعينيْها تثبت عند " عبدالمجيد بن سطَام "، عادت ذاكرتها بعد دقائق طويلة من التأمل لحوارٍ ضيَق تتذكرُ تفاصيله.
" منصور : هيفا مو وقتك أبد!!
هيفاء : يخي بس وصلني للمشغل ومن هناك انا أرجع مع صديقتي
يوسف إلتفت لوالده : و بو سطام عبدالمجيد وينه فيه الحين ؟
والده : حصلت له مشكلة في القلب وأضطر يتقاعد ويتعالج في باريس الحين
هيفاء بحلطمة : ياربي! في كل مكان لازم تسولفون عن نفس السالفة! تعبت وأنا أسمعها! الله يرحمهم بس عاد مو كِذا
والدِه تنهَد : يوسف بالله روح ودَها لا ترفع ضغطي
يوسف رفع عينه إليْها : عنادٍ فيك ماني مودَيك ولا راح تروحين مع أحد ماهو لازم!
هيفاء ضربت قدمها على الأرض : أستغفر الله بس!!! مدري على أيش أنتم أخواني!
منصور دون أن يلتفت إليْها : والحين عبدالمجيد بروحه هناك! يعني أهله ماهُم فيه ؟ "

عادت للإسم مرةً اخرى، وهي تُعيد الأوراق إلى مكانها، خرجت لتنظر إلى والدته أمامها، أم فيصل عقدت حاجبيْها على رجفتها غير الطبيعية : هيفا؟
هيفاء بلعت ريقها لتقترب منها : خالتي بسألك سؤال، وأدري إنه مو وقته بس ..
أم فيصل بإبتسامة : أسألي باللي تبين، وش فيه مشغول بالك؟
هيفاء : فيصل كان موجود بالرياض قبل سنة؟
أم فيصل : لا، كان في باريس يشتغل عشان يوسَع أعماله اللي بالرياض
هيفاء نظرت إلى عينيَ والدته : عن إذنك خالتي بنام ساعتين من أمس ما نمت
أم فيصل : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك ولا تحملينها فوق طاقتها
هيفاء : إن شاء الله . . . صعدت للأعلى وبمُجرد أن أعطت والدته ظهرها حتى أنهارت عيناها بالبكاء ويرنَ في عقلها الذي قرأته قبل قليل، كتَب في الصفحة الأولى من كتاب " حديقة الغروب " ( كيف أنسى أنني قتلتهم أحياءً ؟ )
دخلت الغرفة لتُغلق الباب، لم تستطع السيْر أكثر، سقطت على ركبتيْها وهي تُحيط رأسها بيديْها.
يارب لا تجعل له يدًا بما حدث العام الماضي في باريس، يارب لا تجعل له يدًا بما حدث.
هل كان خطأؤه يتعلق بأمرهم؟ من الرجل الذي أغتال زوجته وهي حيَة؟ يارب أرجُوك لا أريد أن أنصدم بما يحدث، أخرجت هاتفها من جيْبها لتتصل على والدها، ثوانٍ قليلة حتى أتى صوته المُتعب : ألو
هيفاء بنبرةٍ باكية : يبه
والدها : لبيه يا عيون أبوك
هيفاء : مين عبدالمجيد ؟
والدها بدهشة : وشو؟
هيفاء : مين عبدالمجيد ؟ وش علاقته بفيصل ؟
والدها : بسم الله عليك وش صاير لك؟ ماني فاهم ولا شي
هيفاء : العام اللي فات كنت أنت ومنصور ويوسف تحكون فيه! مين هوْ ؟
والدها : هيفا! وش سمعتي عشان تسألين عنه؟
هيفاء ببكاء : ما سمعت شي! أبي أعرف مين عبدالمجيد هذا ؟
والدها : زميل لنا بالشغل
هيفاء برجاء : يبه تكفى! تكفى لا تكذب عليَ
والدها : أول شي أهدي وفهميني، ليه كل هالبكي؟
هيفاء : راسي بينفجر من الأفكار اللي تجيني، فيصل يقول أنه غلط وماهو قادر يصحح غلطه ويقول إنه وفاة أبوه أثرَت فيه و أنه خبَى عن شخص أنه زوجته حيَة وأنه ماهو قادر يسامح حاله و أنه ذبح أشخاص كثييير .. وتوَ سألت خالتي تقولي إنه كان في باريس ذيك الفترة! يبه تكفى قولي بس وش علاقة فيصل فيه؟
والدها بدهشة حقيقة جعلته يصمت.
هيفاء بصوتٍ يتعالى بالبكاء : يعني صح؟ اللي عرفته صح؟ فيصل له يد باللي صار لعايلة سلطان العيد !!! قولي يبهه صح
والدها : لو شاك بفيصل 1٪ ما زوَجتك إياه! يبه أنتِ فاهمة غلط
هيفاء : لا ماني فاهمة غلط، أنا قريت كل شي! عشان كِذا جوَ بيتنا وأعتدوا عليه . . بس مين ؟ إذا العايلة نفسها ماتوا!
والدها تنهَد : هيفا حبيبتي فيه أشياء كثير ما تكون واضحة قدامك وهالشي يخليك تخمنين بأشياء كثيرة ممكن توجعك وهي غلط!!
هيفاء بتوسَل يهزَ غصن أبيها : أبي أشوفه طيَب! ليه تمنعونا نروح له!! بموت يا يبه من التفكيير والله بموت
والدها : هيفا . . أترجَاك! أهدي
هيفاء : تكفى يبه، تكفى بس بشوفه . .
والدها بضيق : طيب، الحين أمرَك بس لا تقولين لأمه عشان ما تتضايق
هيفاء مسحت بكفَها دموعها : إن شاء الله . .

،

باريس قبل الجليد و الحُزن والبكاء، يجلسُ بمقابله.
فارس : وش قررت؟
عبدالعزيز نظر إلى عينيْه التي لا تشي بأمرٍ حسن ولا سيء : وش يضمَني يا فارس؟
فارس : أنت عارف إني قادر بسهولة أقول لأبوي وش تخططون من وراه! كل هذا ما يخليك تثق فيني؟
عبدالعزيز تنهَد : مهما تصرف أبوك مستحيل توقف ضدَه
فارس : صحيح، مستحيل أوقف ضدَه لكن ممكن أوقف مع غيره وهذا ما يعني إني ضدَه
عبدالعزيز : وإن حصل شي لعبير من أبوك؟
فارس : مثل ما حفظت سرَك عنده بحفظها
عبدالعزيز فهم تهديده المبطَن : يعني؟
فارس : حاليًا أنا أكثر تمسك بعبير، وماراح أرضى إنها تروح لغيري
عبدالعزيز إبتسم : تهددني؟
فارس : ما أهددَك! لكن مثل ما تبي مصلحتك أنا أبي مصلحتي
عبدالعزيز : يعني أفهم من كلامك إنه مطلوب مني أروح وأقنع بوسعود بمشعل اللي هو أنتْ !! وبتتوقع إنه راح يصدَق ويبارك لك!! مستحيل أنا أعرف بو سعود إذا ما سوَا لك بحث شامل عن أصولك ما يرتاح
فارس : وأنا ليه أبيك؟
عبدالعزيز ضحك بسخريَة : تبيني أبيَن له إنه ما على عبير خوف معاك!! مجنون؟
فارس تنهَد بحدَة : عبدالعزيز!!
عبدالعزيز : هذا زواج ماهو لعبة!
فارس : على أساس إنك تزوجت بصورة طبيعية؟
عبدالعزيز رفع حاجبه : عفوًا؟
فارس : قدام أبوي قلت إنك متزوَج وحطيت بوسعود أمام الأمر الواقع! صح كلامي ولا معلوماتي خطأ؟
عبدالعزيز نظر إليه بجمُود : أنا غير وأنت غير!!
فارس : تزوجت وأنت ما تعرف أيَ وحدة فيهم لكن سألت نفسك ليه أبوها ما أختار عبير رُغم أنها الأنسب في ظروفك ؟
عبدالعزيز : لا يكون هذي من تخاريف أبوك اللي مصدَرها لك
فارس : أبوي ماعنده خبر!! أنا اللي أتصلت، وبعلاقاتي قدرت أهددهم لو تزوَجت عبير ماراح يحصلهم خير!! و هالكلام وصل لمقرن وبعدها وصل لبوسعود، وأنجبروا يختارون الثانية
عبدالعزيز بإبتسامة باردة : هذا الخبر ما كان يدري فيه . .
يُقاطعه : أبوي وأنت و بوسعود و مقرن و سلطان، كيف تسرَب لي؟ هذا اللي تبي توصله . . قلت لك من قبل أعرف أكثر من اللي تعرفونه ولو أبي أهددكم قدرت من زمان لكن هالشي راجع لعقلي اللي ما يفكَر يضرَكم بشي
عبدالعزيز صمت لثوانٍ طويلة حتى نطق : وش اللي تعرفه؟
فارس : أبوي مو غبي! حط هالشي في بالك! إذا ما كشفك اليوم، بيكشفك بوقت ثاني وراح يمثَل عليك ويمثَل على غيرك، أنا أكثر شخص أعرف أبوي وطريقته، سبق وسوَاها بأبوك و بومنصور، على آخر لحظة قلب كل شغلهم وكشف معرفته بكل الأمور في الوقت اللي كانوا يحسبون فيه إنه محد داري!!!
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : ليه تقولي هالحكي؟ ما تخاف أروح لهم وأقولهم ونغيَر كل خططنا!!
فارس بهدُوء مُهيب : واثق فيك
عبدالعزيز : فارس . . .
فارس : أنا فاهم وش تفكر فيه وحاسَ فيك، إذا أنت تحس إنك منت مناسب لهالشغل أنا أحس كل يوم إني في بيئة ما تناسبني!! لا تتوقع ولا في لحظة إني بغدر فيك، عبدالعزيز بقولك شي وما أظن راح أتجرأ أقوله لأحد غيرك
عبدالعزيز رفع عينه إليْه، كانت عينا فارس شرسَة بالشفافية والوضوح الذي بدآ يغزُوها، بلع ريقه : وشو؟
فارس : أنا مراقب بيت بوسعود من قبل لا تجي الرياض، وأعرف كل شي يصير فيه، لأن السوَاق اللي عنده كان يشتغل عندنا من زمان و الشغالة نفسها كانت توَصل للسوَاق الأخبار وهو يوصَلها ليْ، و لمَا حصل أمر زواجك تسمَع على بوسعود ومقرن وكانوا يخططون على عبير، وقالوا أنه ردَة فعلها بالمستقبل ماراح تكون إنفعالية مثل . . أختها الصغيرة، و لمَا كلمت اللي أتعامل معه واللي يربطني بأبوي قالي عن الموقف اللي حصل وإنك تكلمت وقلت إنك متزوَج بنته . . . وطبعًا كل هذا أقوله لك بدون فخر
عبدالعزيز بدهشة : وكل هذا عشان أيش؟ كيف عرفتها؟ وشلون عرفتها أصلاً؟ أنا من جيتهم طلعاتهم تنعَد على الأصابع بالشهر الواحد، كان مشدد عليهم بوسعود كثير!!! كيف . .
فارس : هذي سالفة طويلة
عبدالعزيز : لا تفكَر تقوله لأحد غيري لأن فعلاً فيه قلة رجولة! كيف تسمح لنفسك إنك تراقب بنت؟
فارس بضيق : ما راقبتها بعيوني! اللهم أخبارها هي اللي كانت توصلي
عبدالعزيز : ووش السالفة الطويلة؟
فارس : أبوي كان يبي مزرعة بوسعود وأستغلني لأني مبتعد عن الأجواء ومحد يعرفني، وكلمت صديق لي إسمه عبدالمحسن اللي كان يعرف أحد معارف بوسعود و بعزيمة أجتمعوا كلهم وضبطوا وضع المزرعة إننا نأجرها منه لكن بوسعود رفض وقال إنها حلالنا نجلس فيها متى مانبي ولمَا جيتها أول يوم كانت أغلب الغرف مقفلة لكن فيه غرفة لقينا مفتاحها بالوقت اللي راح عبدالمحسن فيه، ومن فضولي فتحتها وكانت غرفة عبير
عبدالعزيز بغضب تتسارع كلماته : وش لقيت فيها؟ كيف عرفت إنها عبير؟ يعني شفتها؟
دون أن يضع عينه بعينيَ عزيز : لقيت صورها موجودة
عبدالعزيز بسخرية غاضبة : وطبعًا مشيت على مبدأ شفتها وخذت قلبي
فارس تنهَد بضيق : لا طبعًا! بس لأني محبوس وزين أطالع السمَا قامت تشغل عقلي وقررت أبحث عن رقمها وأشغل وقتي فيها، يعني كانت مجرد تسلية
عبدالعزيز بحدَة أعتلت نبرته بشتيمةٍ قاسية في وجه فارس.
فارس نظر إليْه بغضب : ممكن تخليني أكمَل قبل لا تحكم عليَ؟
عبدالعزيز : لا تتوقع إنه عقب حكيْك بأقتنع وأقول والله كفو راح أقنع بوسعود فيك وأنت تراقب بنته من سنة وأكثر!!
فارس : حبَيتها يا عزيز، بس تدري وش عقابي من هالحُب؟ عُمرها ماحاولت تعطيني فرصة كانت دايم تبتر الطرق اللي توصلني لها!! كان إيمانها أقوى من إني أزعزعه بأيَ فعل!!
عبدالعزيز: الأساس غلط وزواجك منها الحين غلط وكل شي مبني على غلط لا تفكَر تصححه
فارس : هالكلام بدل ماتقوله ليْ قوله لنفسك ولا أنا غلطان؟
عبدالعزيز : قلت لك لا تقارني فيك!! زواجي وإن كان ممتلي أغلاط لكن هي عندها علم فيني وبإسمي أما أنت تبي تخدعهم كلهم! إلى متى؟
فارس : أنا عارف والله العظيم إنه محد يرضى على بنته بهالشي! وأنت اللي ما تقرب لك عبير بشي عصَبت!! لكن هذا شي حصل مقدر أكذب وأقولك بمثالية إنه أموري تمام وأنا خالي من العيوب، أنا غلطت وأعترف لِك إني غلطت عشان أكون واضح قدامك بدل ما أكون واضح قدام عبدالرحمن و تخرب كل أشغالكم المتعلقة بأبوي
عبدالعزيز يُبلل ريقه بمياهٍ باردة، نظر إليْه بحدَة : كلنا نغلط! لكن غلطك يجلط القلب
فارس إبتسم : والنتيجة؟
عبدالعزيز : النتيجة الله يسلمك تبطَل مراقبة بيت بوسعود!! وأهله
فارس بضحكة : وبعدها؟
عبدالعزيز تنهَد : الله لا يبارك في العدو . . طيب
فارس صخبت ضحكته ليلفظ : الثقة ماهي شي إرادي تذكَر هالشي، وأنا داري ومتأكد إنك واثق فيني لكن ما يساعدك صوتك بالإعتراف
عبدالعزيز إبتسم رُغمًا عنه : بس والله لو حصل شي غير اللي اتفقنا عليه بوقَف بوجه هالزواج وماراح تشَم ريحته

عاد لوجه رائد ولعينيْه، كانت كلمات فارس مُنبَهة منذُ ذلك اليوم ولكن نحنُ الذين طمعنا بإستغفاله حتى صُدمنا، إلتفت لإتجاه صوت رائد الساخر/الشامت : تأخرت يا بوبدر؟ هذا وأنت دقيق في مواعيدك
تأمل الوضع وهو يبحث بعينيْه عن الفردِ المفقود " ناصر "، نزلت أيادِي رجاله الذين يفتشونه لأقدامه، سلطان تجاوزهم وهو يخطُو على يدِ إحدى الرجال بتعمَد : عفوًا
رائد وضع قدمًا على قدم فوق الطاولة ببرود : إتفاقنا ماشي ولا ناوي تخربَه عشان أخربه معك
سلطان تنحنح حتى لفظ : وين ناصر؟
رائد بإبتسامة مستفزة : بحَ!!
سلطان ببرود يجلس بجانب بوسعود : إذا تبي تتعامل بهالأسلوب أبشرَك عندي أسلوب همجي يليق فيك
رائد : طيب خلنا نحط عبدالعزيز بالصورة، مين ورى حادث سلطان العيد يا بو بدر؟
عبدالعزيز أطلق ضحكة قصيرة من جوفِ قهره ليقف وهو يقترب من النافذة ويضع يديْه بجيوبه
عبدالرحمن : أظن إنه ماهو موضوعنا! والحين جاء وقت يطلع ناصر
رائد بهدوء : مين اللي قال نبي عبدالعزيز لأن ما وراه أهل!!
سلطان : تحاول تستفزني وتستفزه عشان تشتتنا؟ هذا الأسلوب قديم! ولا عاد يمشي معنا
رائد : لو قلنا سلطان العيد و قضاء وقدر وما كان بإيدكم حيلة، وينكم عن مقرن؟
سلطان بغضب وقف : أقسم لك بالله إنه ما يوقف بوجهي شي لو حاولت . .
يُقاطعه رائد بذاتِ الحدَة : لو حاولت أيش؟ خايف من عبدالعزيز؟ خايف إنه يعرف!
إلتفت عبدالعزيز ليوجَه حديثه إلى رائد : لا تخاف! ما أعتبرهم شيء عشان أنصدم منهم، لو كنت لهم شيء ذيك الساعة كانوا علموني بدون لا تمهَد لهم وتحاول تستفزهم!!
عبدالرحمن : كل شي كان مفروض تعرفه عرفته عدا ذلك لا هو بمصلحتنا ولا مصلحتك
رائد : طبعًا ماهو من مصلحتكم بقاء عبدالعزيز في باريس عشان أخته
سلطان : واضح إنه أخبارك قديمة، عالج الموظفين المشتركين مع سليمان وذيك الساعة تعال قولنا وش صار بالحادث؟ لأنك مخدوع بقوَتك!
رائد بإبتسامة : هل عندِك علم يا عبدالعزيز إنه ابوك كان عايش بعد الحادث لأسبوع؟ وبعدها توفى؟
عبدالرحمن بحدَة : رائـــد!!!
عبدالعزيز بلع ريقه بصعُوبة، نظَر إليهم بضياعٍ تام، أقسى من عيناه هذه اللحظة لم تُوجد ولن تُوجد.
أسبوع! هذه السبعة أيام كانت كافيَة لشفاء قلبي، رُبما سمعت صوته للمرة الأخيرة ورُبما قرأ عليَ ختام حياتِه، ولكنني لم أعرف؟ لأن هُناك من ينصَب نفسه مسؤول عن قلبك ويلغي منه الحياة لأن يُريد ذلك دون أن يلتفت للدم الذي يربطنا معًا، لم أفعل أيَ شيء حتى أستحق كل هذا! حتى وأنا أعصي القوانين وإتفاقاتنا و أودِع الحزن في صدوركم كنت أتراجع، تراجعت كثيرًا! في المرةِ الأولى مع رتيل عندما أردت أن أُذيقها عذابًا لا ينتهي دون أن تدري أنها زوجتي، وتراجعت في المرة الثانية عندما حاولت أن أفضح أمركم أمام رائد، وتراجعت في المرة الثالثة عندما أدركت أن هُناك أمرًا خفيًا وواصلت العمل دون أن ألتفت لهذه الفرضيات، وماذا قابلتوني عن هذا التمسَك أو التراجع؟
سلطان إلتفت بكامل جسدِه ناحية عبدالعزيز : عبدالعزيز !
رائد : قولوا له إذا كان عندِه علم بعبدالمجيد!
عقد حاجبيْه وهو لا يعكس القهر على ملامحه وإنما عيناه / فضَيحة : ماني قايل ( ليه ) اللي بحَ فيها صوتي بقول سامح الله أبوي اللي ما خلَى كلمة حلوة ما قالها بحقكم وأنتم منتُم كفو
عبدالرحمن أقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بحدَة تصلَب ظهره : لا تفكَر ولا للحظة إنك تبرر ليْ! تدري وش المصيبة؟ إنه عدوَكم يدري عن أخباري وأنا صاحب الشأن آخر من يعلم! والنعم والله بالمعزة اللي في قلوبكم ليْ
سلطان : وش راح يفيدك إنك تعرف عن أبوك في وقت متأخر؟ غير الحزن والتعب؟ إحنا بعد ما عرفنا الا متأخر
عبدالعزيز بإبتسامة : أبد ما يفيدني بشي! لا تقولي عن أختي ولا تقولي عن أبوي! أصلاً وش بيصير؟ عادي أختي تعيش سنة كاملة بعيدة عني ولا أدري وش صار لها ووش ما صار لها وعادي جدًا إني أسمع إنه أبوي نجَا من الحادث! كل شي عندِك عادي يا سلطان . . . بغضب أعتلى صوته حتى رجع صداه أقوى . . بذمتك ترضى يصير فيك كذا؟ ترضى تتشرد أختك ولا أمك ولا أيَ زفت من أهلك؟ أنت آخر شخص تتكلم بهالشي لأن عُمرك ماراح تعامل الناس مثل ما تعامل نفسك! عندِك أنت ومصلحتك الأولوية بعدين إحنا! نموت نمرض نآكل تراب عادِي بس أنت ماشي شغلك وإدارتك ماشية خلاص الحياة حلوة حتى لو هي على حسابنا وتمشي فوق أوجاعتنا . .
سلطان بهدوء : ماهو كل شي بإيدنا!
عبدالعزيز بغضب كبير يتقطَع صوته بالبحَة : لو هالشي يعنيك كل شي صار بإيدك! بس لأن الشي يعنيني عادي تقول في نفسك، وش يهمنا؟ خلَه أهم شي رائد مخدوع إلى الآن وأمورنا ماشية!
سلطان : طبعًا لا، لأن لو مقرن حيَ كان شهَد قدامك إنه وصلنا خبر غادة بعد أكثر من شهر من وفاتهم وما كنَا ندري عن كل اللي صار بعد الحادث لين جانا فيصل
عبدالرحمن : جانا مقرن وقالنا إنه ماعندِك علم بغادة بعد ما أكتشفنا أمر حياتها، اما مسألة أبوك ما عرفناها الا باليومين اللي فاتوا، ووقتها قررنا إنه يبقى ما عندِك علم! وغادة كانت فاقدة الذاكرة و مقرن خضع لتهديد فيصل له بالبدايَة و وكَل المهمة لأمل اللي تصرفت كأنها أمها معها و إحنا من جهتنا وكَلنا سعد يكون معاها، وبعد فترة طويلة أكتشفنا إنه مقرن كان مهدَد من فيصل اللي تعامل مع سليمان وخبَى عنَا أمر أمل و الأحداث اللي صارت لغادة، وبعدها تدخَل عبدالمجيد وحلَ مشكلة فيصل وأبعده عن سليمان
سلطان : لا تفكَر إننا خبينا عنك وإحنا دارين أدق التفاصيل، كانت فيه أشياء تصير بدون علمنا وأكبر مثال مقرن لمَا تصرف مع أمل بدون لا يقولنا،
رائد يصفَق بضحكة شامتة : برافو برافو! مشهد تمثيلي رائع، مين اللي ماكان عنده علم بأمل يا سلطان؟
سلطان دون أن يلتفت إليْه : أنت ما عندِك علم بولدِك ووش كان يتصرف من وراك بيصير عندك علم وش يصير عندنا؟
رائد أشتَد قهره : بس ولدِي لمَا بغيته قدرت أخدعكم فيه لولا أمر بسيط حصَل خلاني أحوسكم، أذكَرك يا بوسعود بمشعل؟ كان قريب من الزواج على بنتك! وكان بسهولة بتمشي عليك الكذبة طبعًا هذي بمساعدات عبدالعزيز، ولا يا ولد سلطان؟ مو كنت تبي تقنع بوسعود بمشعل؟ . . هههههههههههه أمركم يا جماعة الخير مصخرة!!
عبدالرحمن نظر لعبدالعزيز بدهشَة، وهذه فرصته للإستفزاز : ماراح أبرر لك أيَ شي! لا تقولي ليه تصرفت كِذا! تصرفته بمزاجي،
عبدالرحمن بهدوء ملامحه : ما راح أطلب منك تبرر ليْ
عبدالعزيز بغضب : يكون أفضل!!
رائد : ننشر الغسيل ولا كافي؟
سلطان مسح على وجهه بتعَب نفسي من الضغط الذي يواجهه هذه اللحظة، يُردف : طبعًا أكمل عنكم المسرحية لعبدالعزيز، تدخلوا الأبطال وقالوا ما يبي لها حل واحد، أكيد سلطان العيد خدعنا وأكيد سلطان العيد غدر فينا ولا كيف يشتغل من ورانا؟
بنبرةٍ طفولية يستفزهم : شفت وش قالوا عن البابا يا عبدالعزيز؟
عبدالعزيز تصاعدت الإضطرابات في قلبه دون أن يلفظ كلمةٍ واحدة حتى لا يخرج عن نطاق سيطرته بنفسه.
عبدالرحمن : والله برافو عليك! نلت اللي تبيه ونسيت مصلحتك اللي عندنا
رائد بضحكة طويلة : مصلحتي؟ أظنَ يا بوسعود بتوصلك الأخبار الحلوة بعد شويَ
سلطان : طلَع الحين ناصر وبعدها نتفاهم صح
رائد يجلس على الأريكَة العريضَة : أنا مستمتع بالفضايح اللي تقولونها لعبدالعزيز، سمعَوني بعد . . كيف عبدالمجيد أشتغل بدونكم؟
سلطان : مثل ما أشتغل سليمان معاك برجاله
رائد صمت قليلاً إثر الرد المُفحم منه، أردف سلطان : ومثل ما لفَ فارس من وراك بعد
رائد : ولدِي إبعد عنه، عرفت آخذ حقه وبسهولة! والحين بآخذ حقه منكم بعد وبسهولة!!
سلطان : على أساس إننا ضرَينا ولدك بشي! على فكرة ولدك يهمنا اكثر منك وبالحفظ والصون
رائد لم يفهم تمامًا ما يرمي عليه سلطان : وأنا ما يهمني وش ولدي بالنسبة لكم! أهتم بولد سلطان العيد اللي خذيتوا عقله
عبدالعزيز بغضب يتجه إلى رائد : لا بارك الله في شغلٍ نسَاكم إننا بني آدميين!!
رائد بحدَة يقف : وش اللي بيني وبينك يا عبدالعزيز؟ على فكرة أنا هددت أبوك بس ما لمسته! ويوم قررت أأذيه كان سليمان سبَاق، ما ضحكت عليك ولا قلت ترى أختك ماتت ولا ضحكت عليك وقلت لك هذا رائد عندنا شغلة ضرورية معه وبنخليك عميل لنا وتقرَب منه لكن أنتبه ترى هذا رائد ما ضايق أبوك بشي! ولمَا أكتشفت إني هددت أبوك وش سوَيت؟ رجعت لهم! مين الغلطان؟ محد غلط بحقك يا عبدالعزيز أنت اللي غلطت بحق نفسك لمَا رضيت مع الأمر الواقع ولا حاولت توقف بوجههم وتعرف وش صار بعد الحادث، حصل الحادث بليل وبعدها تدخَلوا حبايبك! تدري منهم، فيصل ولد عبدالله القايد و مقرن بن ثامر! وبعدها توسَعت السالفة ووصلت لكل اللي ينقال لهم حبايب أبوك! وطبعًا انت معمي عن كل هذا! أعرف إنه محد صار عدوَك بكيفه، أنت اللي خلَيت الناس كلها أعداءك لأنك ما جرَبت تعاديهم قبل لا يعادونك بأفعالهم ويحبونك بلسانهم
سلطان بعصبية : ماشاء الله عليك رايتك بيضا! ما ذبَحت عيالنا بالرياض ولا أعتديت على قاعدة أمنية ولا سويت شي! ولا دخَلت الأسلحة و المخدرات والعفن اللي تجيبه كل سنة لنا و لا خلَيت جماعات إرهابية تخرَب عقول شبابنا في الجامعات لين وصلوا لك . . أبد ما سوَيت شي ولا حتى ضايقتنا وهددتنا، و أفتعلت جرايمك حتى في وسط شغلنا! كنت السبب ورى خراب معدَات التدريب يوم وفاة عبدالله القايد وكنت السبب في حرق بيتي ووفاة أهلي! . . لو تدري بس كم جريمة مسجَلة ضدَك وكم عقاب راح ينتظرك! لا تتوقع ولا للحظة إنك بتفلت منَا حتى لو جمَعتنا اليوم وأحرقتنا! فيه ورانا رجَال بيضايقونك في كل تصرف مثل ما ضايقناك! ماراح أعطيك موشح بالوطنية وبأعمالك اللي ضدَها!!
رائد بنبرةٍ هادئة : أفعالي كانت ردَة فعل لأفعالكم
سلطان بغضبٍ بالِغ فجَر كل ما في داخله بنبرةٍ صاخبة : مجنون! تبيني أسمح لك تلفَ عقول الشباب و تتاجر بأمور محرمَة دوليًا مو بس دينيًا، يا سلام! يعني نظام أخلَيك تآخذ راحتِك وعادِي نمثَل إننا ماشين تمام!! لا والله منت مآخذ راحتك طول ما أنا حيَ ولا راح تآخذ راحتك طول ما ورانا ناس عيونها ما تنام عن الأمن، ويا أنا يا أنت يا رائد
عبدالرحمن مسك معصم سلطان ليهمس : يترك ناصر بالأول و نبعد عبدالعزيز وبعدها نصفي حساباتنا
رائد الذي لا يصله هذا الصوت الهامس ويستغرب من فهمِ سلطان له ولكنه أدرك تمامًا أنه بينهم لغة يصعبُ كسرها مهما حاول : حاليًا، ما يهمني شي غير إنه عبدالعزيز يفهم وش اللي يصير تحت الطاولة، وتأكد تمامًا أنك جالس تتحدى شخص ماعنده شي يخسره
عبدالرحمن بهدوء : وش اللي يصير تحت الطاولة؟ فاهم قصدك تحاول تميَل عز ناحيتك، على فكرة عز ماهو غبي
عبدالعزيز بحدَة : لا أبشرك المؤمن لا يُلدغ من جحره مرتين، وماراح تقدر تآخذ عقلي بهالكلمتين
رائد بضحكة : هذا هو ردَ عليك! يعني وش فيها لو قلتوا له يا عبدالعزيز أبوك سوَا كِذا وكِذا ولا . . وش رايك يا سلطان تقصَ علينا قصة تعيينك؟ رُغم فيه ناس أقدم منك وأحق منك . . قصة مثيرة صح؟ ونستمتع فيها شويَ دام الجو بدآ يتوتر
سلطان إبتسم ببرود عكس ما بداخله : قصَ عليهم أنت دامك مبسوط بمعرفتك باللي يصير تحت سقفنا! واضح إنه جواسيسك يشتغلون بذمة وضمير، بس تدري عاد! جواسيسك يوم أشتغلوا صح خانوك وراحوا لسليمان وقاموا يشتغلون له وأنت الله يسلمك حاط رجل على رجل وتحسب أنه الناس تمشي على شورك ما تدري إنها تغيَرت وصارت تمشي على شور سليمان إللي لو أنفخ عليه طار!!
رائد بإستهزاء : ويوم راحوا لسليمان ما علَموك وش سويت فيهم؟ حشَيت رجولهم وحشَيت من وراهم سليمان بكبره! خل عبدالرحمن يقولك شافه بعيونه وهو مربَط وبجيبه لك بعد شويَ تقر عينك بشوفته . .
عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
رائد : كل شي يصير من وراي ومن قدامي أعرفه، اللي يخوني أخونه واللي يغدر فيني أذبحه . . بس ما قلتوا لي اللي يخونكم وش تسوون فيه؟ أووه لا لا كِذا انا غلطت أقصد أيَ مصحة تودونه؟ ما بشرَكم عبدالمجيد إنه طالع من زمان وأنتم يالمساكين تدعون له يالله تشفيه ويالله تعافيه. . والله أنتم الله يشفيكم ويعافيكم دام مقرن و سعد و عبدالمجيد والأمة العربية تلعب من وراكم! وتوَكم . . عقب سنين تكتشفون إنه سلطان العيد كان يفاوض سليمان من وراكم!
بسخرية لاذعة أردف : ما هكذا يُدار الأمن يا شباب!! ولا قوتكم ما تطلع الا عليَ؟ وحتى ياليتها تطلع هذاكم قدامي، قدرت أجيبكم مثل الكلاب . . بنظرة موجهة لسلطان وهو يدري إنه يدوس على كبرياءه في هذه اللحظة . . قدرت ولا ما قدرت يا بو بدر؟ . . قلت لكم لا تلعبون بالنار حتى كتبتها لكم وحطيتها في . . . أقول يا بوسعود ولا أسكت؟ يالله ما أبي أضايقكم وبقول حطيتها في ملابس بنتك حرم عبدالعزيز الله يسلمه
عبدالعزيز أسترجع الحادثة التي حصلت في بداية السنَة، و الورقة التي قُذفت في صدر رتيل، بغضب أخذ المزهرية التي تتوسط الطاولة ورماها على رائد الذي أبتعد قبل أن تصله وتناثر زجاجها، بخُطى مجنونة توجه إليه إلا أن جسد سلطان وقف أمامه.
عبدالعزيز بقوَة يدِيه دفع سلطان وعيناه تحمَر من شدَة الغضب : مو بس تبعد عن طريقي! أبيك تبعد عن حياتي
رائد بنبرةٍ شامتة : مقدَر الجنون اللي فيك يا عزيزي! ضحكوا عليك ومتزوَج بنتهم و أيش بعد؟ خلَوك تجرب أنواع العذاب على أساس إنك ماشاء الله تدافع عن وطنك لكن اللي يدافع عن وطنه على الأقل يدافع عن أهله ولا أنا غلطان يا عبدالعزيز؟
سلطان لم يحاول أن يمد يده، يُمسك أعصابه بصعوبة، دقائق صمت وحوار بالنظرات بين سلطان وعبدالعزيز، يتشباهان بجسدهما، لا تفصل سوى مسافةٍ قصيرة ( نصف متر )، نفس الطُول وذاتِ العرض، حتى حدَة النظرات المنفعلة بعينيْهما أصبحت تتشابه، في هذه الأثناء أصبحوا يتشابهون بصورةٍ مؤذية/ يعتليها بعض الهيبَة التي خلَفها والده به و بسلطان أيضًا.
رائد ينظر إليهما بتركيز عالٍ : كيمياء عجيبة بينكم! واضح إنه الحقد بعد ماليكم، يالله عساه حولنا ولا علينا
عبدالرحمن بإستفزاز صبَر عليه كثيرًا حتى بدأ صوتُه الهادي مُستفزًا لرائد : بما أنك ما ألتزمت بكلامك وما طلَعت ناصر! يمدينا إحنا بعد ما نلتزم بكلامنا؟ وماله داعي تقولي البيت محاصر وماتقدرون وإلى آخره من هالحكي! أنت عارف قدراتنا! وعارف برَا كم عندنا واحد، لذلك خلَك رجَال وعند كلمتك وطلَع ناصر
رائد بسخرية : ما يهمني أكون رجَال بعيونك! وماني عند كلمتي! وش تبي تسوي؟
عبدالرحمن : بسوَي أشياء كثيرة، وأنت عارف وش قصدي
رائد : حاليًا يا عبدالرحمن ما تقدر تهددني قلت لك ماعندي شي أخسره هذا أولاً وثانيًا أنت قدامي ومحاصر على قولتك، وسلطان قدامي بعد ومُحاصر!! وعبدالمجيد إن شاء الله بنجيبه على يوم أحلَي فيه دام غداي فيكم!!
سلطان بهدوء : ناصر يطلع!!
رائد يُقلد نبرته : لا لا لا لَـــه!! مفهوم؟
عبدالعزيز يتخلَص من حدَته رُغم البحة الواضحة في صوته والتي تُبيَن هذه الحدَة الغاضبة : ناصر يطلع لأنه ماله علاقة بقذارتكم!!
رائد يقف مجددًا : كنت منتظرك تقولها ليْ! وش المقابل يا عبدالعزيز؟
عبدالعزيز بحدَة أستفزت سلطان و عبدالرحمن : اللي تبيه مني حاضر
سلطان أطلق ضحكة قصيرة متعجبة وساخرة بالوقت نفسه : برافو والله يا عبدالعزيز
عبدالعزيز إلتفت عليه برفعةِ حاجبه الأيمن : هي جتَ عليه؟ هذاني قضيتها معكم ولا قدرَتوا قيمتي ولا قيمة أبوي!!
رائد بنبرةٍ إستهزائية بالدرجة الأولى : المُشكلة يا عبدالعزيز، وتصوَر بعد إنه أبوك كان السبب الرئيسي في وجود سلطان! تخيَل!! وصارت مشاكل في ذيك الفترة عليه كيف شخص ما عدَا عُمره 35 يرأسنا؟ وشوف كيف قدَر أبوك اللي حطَه في هالمكان
سلطان أدخل يديه في جيوبه لأنه شعَر بإحتمالية الضرب، ليُردف رائد : حتى بوسعود ماكان راضي وحصلت خلافات بالبداية والله أعلم عاد كيف أقنعه أبوك بأحقية سلطان!!
سلطان : وعبدالعزيز كان في عيونَا لعلمك! ولا نرضى عليه ومو بس عشان أبوه! إلا عشانه بعد لأنه يهمنا
عبدالعزيز بسخرية : الله يسلم عيونك ما قصَرت يوم إنها حفظتني أعمتك وواضح إنك نسيتني بعيونك بعد!!
سلطان نظر إليه بنظراتٍ لا يفهمها بسهولة، نظرات كانت تحمل رجاء من نوعٍ خاص.


،

مستلقيَة على السرير، لا صوتٌ يصدر منها تتلحفُ السكينةَ بدقَة عاليَة مصدرُها عيناها المضيئتانِ منذُ مكالمة يوسف.
أشعرُ أن الخيارات أمامي وأن الجنَة أيضًا تتمسكُ بي ولكنني أتجاهلهُا وأسير بكامل إرادتي إلى الجحيم، هذا الشعور يقتلني يالله! أنني أُدرك بمقدرتي على فعل شيء ولكنني عاجزة عن فعل هذا الأمر، هذا التناقض الذي يجري بلا دمٍ يرويه في عقلي يُجفف نبرتي ويُنقض عهدها بالكلام، أُريد أشياءً كثيرة، أُريد يوسف و ضحكة يوسف و نظرة يوسف و عِناق يوسف و كل شيءٍ يتعلق بيوسف و لا أُريد أيَ شيء في الدُنيَا عداهُ، ولكنني أفعلُ كل ما يناقض هذا الأمر لأنني مازلتُ أنتمي لجلدٍ جافَ يستمَر بمُعاقبة نفسه في حقلٍ من الأشواك، هذه المرارة في فمي، عالِقة بلزوجَةٍ متربَصة كما أن هُناك ( أُحبك ) مخفيَة، أظنُها أيضًا هذه الكلمة تُعاقب نفسها بصدرِي وتبثَ حزنها بطريقة ما.
من خلفها : خوالتس يسألون عنتس!!
مُهرة بهدوء : ما أبغى أشوف أحد
والدتها : كل هذا عـ
مُهرة تقاطعها بذاتِ الهدوء : صار اللي تبينه والحين أتركيني ولا تزيدينها عليَ
والدتها تجلسُ على طرف السرير : يا غبية أنا أبي مصلحتتس! تبينن أرميتس عليه؟
مُهرة : رميتيني في المرَة الأولى وبلعت لساني وقلت معليش أمك يا مُهرة وما أبي أضايقك! لكن ما فكرتي فيني، فكرتي من نظرة الناس لفهد الله يرحمه ونسيتي بنتك
والدتها بضيق : ما رميتتس عليه! كنتي بتجينن هنيَا وبتعضَين أصابعتس من هالعيشة!
مُهرة : خلاص ما أبغى أتكلم بهالموضوع، راح وأنتهى بخيره وشرَه،
والدتها : وهالحين كل هالحداد عشان يوسف!!
مُهرة : يمه إذا بتسمعيني كلام يسم البدن الله يخليك بنتك ماهي ناقصة
والدتها : هسمعينن بس! بكرا يطلقتس ويآخذتس ولد الحسب والنسب ويعيَشتس عيشة ملوك وبتنسين طوايف يوسف بس خليتس منه وأعرفي مصلحتتس
مُهرة : مين ولد الحسب والنسب؟ عيال خوالي اللي كنتِي معارضة زواجي منهم في البداية! مدري وش مغيَر أفكارك!! وأنا لعبة بإيدك متى ماتبين زوجتيني ومتى ماتبين طلقتيني! خلاص يا يمه يكفي! خليني كِذا هالزاوج اللي ترميني عليه كل مرة ما أبيه!!
والدتها وقفت بعصبية : يا ملا اللي مانيب قايلة . . . وخرجت لتتركها تتوحَد بحُزنها مثل كل مرَة.
أخذت هاتفها من على الطاوْلة، دخلت إلى " الواتس آب "، بصورةٍ روتينية يحملها قلبها إتجهت إلى إسمه نظرت إلى آخر ظهورٍ له قبل عدَة ساعات، لتُغلقه بقهرٍ شديد وقبل أن تضعه على الطاولة أهتَز، فزَ قلبها على أمل إسمه ولكن تلاشى هذا الأمل مع إسم " ريم "، أجابت وهي تحاول أن تتزن بصوتها الباكي : ألو
ريم : مساء الخير
مُهرة أستعدلت بجلستها فوق السرير : مساء النور، هلا ريم
ريم : هلابك، بشريني عنك وش مسوية؟
مُهرة : بخير الحمدلله
ريم : يا علَه دُوم، ما رجعتي؟
مُهرة : لا
ريم : و ما ودَك ترجعين؟ بيتك مشتاق لك
مُهرة بإستغراب صمتت ولم تقدر على الإجابة بشيء.
ريم بهدوء : كلمت يُوسف، و بصراحة هو ماقالي شي لكن أنا اللي استنتجت وفهمت وقلت أتصل عليك
مُهرة ببترٍ واضح للموضوع : الله يكتب اللي فيه كل خير
ريم : ماراح أتدخل بمشاكلكم ولا راح أقولك رايي بشي، لكن فكري قبل لا تتخذين أيَ قرار . . . وقرارك خليه مبني عليك أنتِ ويوسف ماهو مبني على أهلك وعلى أهلي
مُهرة بلعت ريقها بصعُوبة دون ان تُعلق عليها بكلمة أخرى. أردفت ريم بنبرةٍ حميمية : والله يعزَ عليَ أشوفكم كذا لا أنتِ تستاهلين ولا يوسف يستاهل، مهما وصلت المشاكل بينكم ما يستاهل الوضع يوصل للطلاق وأنتم توَكم بتكملون سنة قريب، عطوا نفسكم فرصة، عشان ما تندمين بعدين، مُهرة
مُهرة : سمَي
ريم برجاءٍ كبير : أستفتِ قلبك، وإذا جت علينا إحنا أهله والله محد راضي بالطلاق، وللحين ما وصل الخبر لأمي وأبوي وإن وصلهم بيعصبون وبيتضايقون! لأن كلنا نعتبرك منَا وفينَا ولا نبي أسباب زواجكم تتحوَل لمشاكل، ذيك فترة وأنتهت، و حادثة أخوك الله يرحمه مثل ما ضايقتكم ضايقتنا وضايقت حتى منصور، لكن خلاص بدينا صفحة جديدة ماله داعي نقلَب بمواضيع قديمة ونحوَلها لمشاكل لدرجة الطلاق، فكري بنفسك وبحياتِك وراحتك بعد، لا تربطين تفكيرك بشي ماضي راح وأنتهى، كيف بتعيشين بكرا إذا كل عثرة بحياتك راح توقفين عليها وتقررين وش اللي تحدد لك هالعثرة؟ بالعكس أنتِ اللي اخلقي فرصك وأنتِ اللي حددي وش تبين مو الظروف هي اللي تحدد لِك!! . . فكري زين
مُهرة تنهدَت وهي تسدَ السيل المنجرف من عينها عن صوتها : إن شاء الله
ريم : والله يكتب لكم كل خير يارب ويجمعكم . . تآمرين على شي؟
مُهرة : سلامتك
في جهةٍ اخرى يسيرُ بإتجاه سيارته والهاتف على أذنه : تخاويني حايل؟
علي: وش نوع المشوار؟
منصور : يدخل في باب إصلاح النفوس
علي بضحكة : عاد انا معروف عني أحب أصلح النفوس
منصور إبتسم : لا جد علي، مافيه غيرك يخاويني
علي : طيب قدَام، بس متى؟
منصور : الليلة عشان نوصل الصبح
علي : من جدَك! خلها بعد بكرا
منصور : لا ما ينفع! لازم بأقرب وقت
علي : أجل خلَ يوسف يخاوينا، يقولك الرسول صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان و الثلاثة ركب
منصور : صلى الله عليه وسلم، وأنا ليه مآخذك؟ عشانه مكروه أسافر بروحي
علي يحصرُه بالزاوية : طيب ومكروه بعد إثنين، جب لنا ثالث خلنا نطقطق عليه بالطريق
منصور : وأنت ذا همَك! يخي خلنا نتوكَل إحنا لأنه الموضوع عائلي بعد وماعندي أحد أثق فيه غيرك
علي : يخص يوسف؟ هو اهله من حايل صح؟
منصور : عليك نور، وأنا رايح عشانه
علي : خلاص مرَني الليلة الله يسهَل طريقنا
منصور يُبعد الهاتف لينظر إلى إسم " ريم " : آمين . . أشوفك على خير . . أجاب على ريم : هلا
ريم : كلمتها، المهم يوسف شلونه؟
منصور : توني طالع من عنده بالمستشفى . .
لم يُكمل من شهقة ريم : المستشفى!! وش فيه؟
منصور أنتبه أن خبر فيصل لم يصل إلى الآن لريم : آآ . . رفيقه منوَم وكنَا عنده
ريم تنهدت براحة : وقَفت قلبي أحسب صاير شي، الله يقومه بالسلامة
منصور بلع ريقه : آمين، المُهم بيَنتي لها إننا ماعندنا مشكلة معها؟
ريم : إيه ولا يهمَك، قلت لها إنه لا تآخذ قرارها بناءً علينا وعلى تقبلنا لها لأننا متقبلينها، أهم شي يوسف والله ما يستاهل بعد عُمري


،

تنظرُ إليه بنظراتٍ مرتبكة خافتة، تنحنحت كثيرًا حتى نطقت : بو ريَان
عبدالمحسن إلتفت عليها وهو يُغلق أزارير كمَه : سمَي
أم ريَان بتوتر : سمَ الله عدوَك، هالفترة تكرر عليَ حلم ورحت فسَرته وأنا خايفة إننا قصرنا بشي
عبدالمحسن اقترب منها : وش تفسيره ؟
أم ريَان : وين تُركي؟ أخاف صاير له شي وإحنا ما ندري، هو طايش وقطعنا من كيفه لكن بالنهاية راح يرجع لأهله وإحنا أهله، لا تتركه من غضبك عليه! هو مو بس أخوك هو ولدك و ولدي!!
عبدالمحسن يُحيط به صمتٍ رهيب، نظر إلى عينيَ زوجته التي يستشفُ منها الدمع،
تُكمل : كم مرَ وإحنا ما سمعنا صوته؟ والله مشتاقة له ولا أدري وش عذره بهالغياب لكن بعذره لأننا مالقيناه من الشارع، لا تهمله يا عبدالمحسن وهو قطعة من روحك!
عبدالمحسن أغمض عينيْه لثوانٍ طويلة حتى نطق بإتزان : راح أتصل عليه، أنا رايح آخذ الجوهرة وأفنان أكيد ينتظروني . . . إبتسم بصفاء يُخفي وعثاء حُزنه، قبَل جبين زوجته بحُب . . بحفظ الرحمن، خرج لينزل بخُطى مبعثرة تتقَد بمشاعرٍ مضطربة، سُرعان ما ركَب سيارته وأبتعد عن المنزل، في أولِ فكرة غرزت عينيْه أدمَعتهُ و في أولِ دمعة كانت " الله أكبر " تنسابُ إلى أذنيْه من المسجد المُقابل، ركن سيارته ونزل، فتح أول أزارير ثوبه و كبَر قبل أن تُقام الصلاة، شعر بحَجرةٍ تقف في حُنجرته وتمنعه من التنفس بصورةٍ طبيعية.
سجَد، لامس جبينـهُ رحمة الله و ظهره ينحنِي من اجل هذه الرحمة/القوة، كرَر التسبيح أكثرُ من ثلاث مرَات حتى أندفع دمعُه بغزارة إلى محاجره، ولم تسقط سوى ـ دمعةٍ وحيدة ـ
كيف يالله أفهمُ أنني فعلتُ الصواب؟ كيف أُجاوب من يسألني بجوابٍ قاطع لا يُحزن إبنتي؟ لا أُريد أن أظلمه ولكنني ظُلمت منه بحزني عليه، هو أخِي ولكن لم يجعل لهذه الأخوَة كرامةً أعتَز بها، هو أبني ولكن لم يجعل لأبيه وشاحًا يفخرُ به، لستُ قاسيًا ولكنه قسَى عليَ بأفعاله، كيف أسامحه؟ لا قُدرة أملكها تجعلني أرضى عنه، لستُ ملاكًا يالله حتى أعفُ وأنسى خطاياه، وخطاياه اليوم ما عادت مُجرد خطايَا هيَ مرضٌ ينتشرُ في جسدي ويُميته كلما نطق ليَ أحدهم ـ أخُوك ـ.
كيف يفعلُ أخٌ بأخيه كل هذا؟ كيف يهون عليَ أن يكسر قلبي قبل أن يكسر قلبها؟ كيف يالله؟
أرحمني من هذه الأفكار وأختار لي الطريق الأصح فإني ضللته، بلغ بي الشيب ومازلتُ عبدُك الفقير المتوسَل إليك والراجي رحمتك، يا رب يا من بيدِه ملكوت السموات والأرض أغفر لي ذنب الجُوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب يا من بيدِه ملكوت السمواتِ والأرض أغفر لي ذنب الجوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب . . . رفع من السجود ليسلَم بعد أن سمع إقامة الصلاة. نظر إلى أول رجلٍ أصطف خلف الإمام، قام و جاوره.
أنتهت الصلاة وبعد السلام منها بقيَ جالِسًا، مرَ وقتٌ طويل حتى إلتفت إليه الرجلُ الوحيد الذي بقي، أقترب منه : من يقدر يضيق و لنا رب ما يرَد فيه دعوة العاصي؟ فما بالك بالمؤمن المُصلي؟
عبدالمحسن : والنعم بالله
الرجل الكبير بالسن : تصدَق وأنا أبُوك وبيرتاح همَك
عبدالمحسن رفع عينِه ليزَم شفتيْه إلى الداخل وهو يُصارع عبراتِه : همَي ما يموت، يسافر ويبعد عني لكن يرجع ليْ
: هذا تكفيرة لك من الله ورحمة، الله إذا أحب عبد أبتلاه عشان يقوَي إيمانه ويغفر له معاصيه وذنوبه
عبدالمحسن : الله يرحمنا برحمته
يربتُ على كتفه : أنا أنحنى ظهري من هالدنيَا و شفت من الهموم اللي يشيَب الراس، لكن رحمة الله واسعة، وش كثر نغلط لكن نرجع له لأننا ما نقدر نعيش بدون لا نسجد له واللي يعيش بدون هالسجود تلقاه طول ليله يفكَر ويتمنى يسجد ويرجع لربَه! أنا ما أدري وشهو همَك لكن تعوَذ من الشيطان و تصدَق عسى همَك يزول وأنساه ولا تتذكره الا بالرجوع إلى الله
عبدالمحسن عبرت دمعة رقيقة على ملامحه الذي أمتلى حُزنها حدُ اللاحَد : تدري يا عمَ! أخاف يجيني الموت مو لأني أخاف الموت، أنا أخاف على بناتي . . أخاف ما يقدرون يآخذون حقهم عقب عيني
: الا بيقدرون! دام الله فوقهم بيرجع كل حق لصاحبه، لا تفكَر إنك أنت اللي محقق لهم حقوقهم بحياتِك! اللي محقق لهم هالحق هو الله وحده
عبدالمحسن : والنعم بالله، . . وضع يدِه على فخذ الرجُل . . تآمرني على شي
: الله يزيَن خاطرك ويمحي همه
عبدالمحسن إبتسم : اللهم آمين . . . فمان الله . . . خرج متجهًا إلى المستشفى.
دقائق تتبع دقائق أخرى حتى مرَت ثلث ساعة وصل بها إلى الجوهرة، أفنان الجالسة رفعت عينها وتقدَمت نحوه لتقبَل رأسه : تأخرت يبه! وأدق على امي تقول طلعت من زمان، خوفتني والله . . يمَه قلبي بغى يوقف!!!
عبدالمحسن : بسم الله عليك . . . نظر إلى الجوهرة التي تُسلَم من صلاتها . . . وقفت لتتقدَم إليه، قبَلت جبينه : وقفت قلوبنا، ما ردَيت على جوالك حتى أمي أنشغل بالها
عبدالمحسن : رحت أصلي وخذتني السوالف بعدها مع واحد لقيته بالمسجد
الجُوهرة إبتسمت : يالله خلنا نطلع أختنقت من ريحة المستشفى
عبدالمحسن : شلونك الحين؟
الجُوهرة : بخير الحمدلله وتوَ الدكتورة كانت عندي تتطمَن وقالت لي كل أموري تمام والجنين بخير الحمدلله
عبدالمحسن : الحمدلله . . .
أفنان إرتدت نقابها : يالله مشينا . . . خرجُوا من الغرفة المنزويَـة في الطابق الثالث، إتجهوا نحو المصاعد الكهربائية، أنفتح لتتجمَد نظرات أفنان بإتجاه ـ نواف ـ دخل عبدالمحسن : السلام عليكم
نواف إبتعد إلى نهاية المصعد العريض : وعليكم السلام . . دخلت أفنان خلف الجوهرة، كانت المسافة تعتبر كبيرة بينها وبينه ولكن شعرت وكأنها تتقلَص وتُصيب قلبها، نظرت إليه من خلال المرآة العاكسة في وقتٍ كان هو منشغل بهاتفه.
طال الوقت بعد أن صعد المصعد إلى الطابق الخامس دون أحدٍ ونزل مرة أخرى، رنَ هاتف أفنان وبهدوء أغلقته.
إلتفت عليها والدها وبصوتٍ خافت مدَ إليها هاتفه : أفنان شغليه مدري وش فيه عيَا لا يشتغل
بمُجرد ما عاد والدها إلى النظر إلى الأمام سقطت عيناها بعينيْه التي توجَهت إليها مباشرة من خلال المرآة، طال نظرُه وهو يسمع الإسم من بين شفتيَ والدها، ثوانٍ قليلة وهو يُدقق في عينيْها التي لا يظهرُ منها الكثير، قطع تأمله باب المصعد الذي انفتح، خرجت وهي تمَد الهاتف لوالدها.
بقي نواف في المصعد يُراقب إختفاءها من أمامه حتى أتى صوتُ ـ غيث ـ الصاخب : وش فيك مفهي؟ أخلص علينا صار لنا ساعة ننتظرك
نوَاف : أنتم روحوا وأنا برجع بعدين
غيث : وش ترجع بعدين؟ بنروح الرياض مو الكورنيش!! صحصح!
نواف بعصبية : قلت طيب ارجعوا الرياض أنا بجلس اليوم هنا وبعدها أرجع
غيث بسخرية : ومين راح يوصَلك؟ لا يكون بتاكسي؟
نوَاف تنهد : غيث ممكن تنقلع عن وجهي
غيث : طيب قلَي وش عندِك هنا؟ وإحنا ننتظرك
نوَاف : تنتظروني لين الليل؟
غيث : طيب خلاص بروح للشباب الحين وأبلغهم بس حدَك الليلة وبعدها نحرَك
نواف : طيب . . . بمُجرد أن رحل غيث حتى عاد مرةً أخرى للمصعد وإتجه إلى الطابق الثالث، نادى صديقه الدكتور : حاتم
إلتفت حاتم : هلا نوَاف! مو قلت راح تمشي الرياض اليوم؟
نواف : إيه بليل، أبيك تساعدني بشي
حاتم : أبشر باللي أقدر عليه
نواف : كيف أقدر أسأل عن شخص مريض هنا وما أعرف الا أسمه الأولَي؟ هو كان هنا بالطابق الثالث
حاتم : اللي هنا عيادات النساء والولادة
نواف وكأنه تلقى صفعة بيدٍ حارقة، أردف : ليه؟ عندِك أحد تعرفه؟
نواف : يعني بس نساء و ولادة؟ مافيه عيادة ثانية؟
حاتم : لا بس نساء و ولادة
هذا يعني أن خطيبك أصبح زوْجِك! و زوجُك سيُصبح أبَ اطفالك بهذه الصورة السريعة؟
نواف : مشكور ما تقصَر
حاتم إبتسم : أبد إحنا بالخدمة
نواف أكتفى بإبتسامة ليعُود بخيبة إلى ذات المصعد، نزل إلى الأسفل وهو يُخرج هاتفه، أتصل على غيث : خلصت شغلي، خلنا نمشي الرياض الحين

يُتبع ـ بعد قليل ـ ممكن أتأخر شويَ عشان التنسيق والمراجعة الأخيرة.



 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t186834.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ظ…ظ‚ط¨ط±طھظٹ طھط±ظˆظٹ ط§ظ„ط­ظƒط§ظٹط§طھ ط£ظ† … - ط¹ط¯ظ„ظ‰ ظ…ظ†طµظˆط± ظ†ط§ط¦ظ… This thread Refback 17-03-16 06:19 PM
[ظ‚طµط© ظ…ظƒطھظ…ظ„ط©] ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ... | grosiralami.com | PinBB: 541310B9| SMS/WhatsApp: By Request This thread Refback 10-05-15 01:15 AM
Untitled document This thread Refback 08-03-15 01:41 AM
Untitled document This thread Refback 22-12-14 12:07 PM
Untitled document This thread Refback 20-12-14 09:56 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:53 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:49 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:38 AM
Untitled document This thread Refback 19-11-14 12:20 AM
Untitled document This thread Refback 15-11-14 01:52 AM
Untitled document This thread Refback 14-11-14 12:56 AM
Untitled document This thread Refback 11-11-14 08:37 PM
Untitled document This thread Refback 10-11-14 12:04 PM
Untitled document This thread Refback 03-11-14 07:03 PM
Untitled document This thread Refback 22-07-14 03:55 PM


الساعة الآن 10:49 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية