كاتب الموضوع :
طِيشْ !
المنتدى :
القصص المكتملة (بدون ردود)
رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()
حيّ هالناس الطيـبة وحيّ القلُوب الجميلة، تسعدُوني وتخجلوني دايم بلطفكم وكرمكم، الله يرفع من قدركم وكل من سجَّل عشان الروايـة أتشرف فيكم كثير شخصَة شخصَة :$() ممنونتكم و زي دايم " يا كُبر حظي " فيكم و الحمدلله على هالأعين اللي تقرأني والحمدلله أننا قدرنَا نوصَل لجُزء بعيد من الروايـة. جدًا جدًا ممتنــة.
المدخَل للـ مُتنبي.
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
و لكن من يبصر جفونك يعشق
أغرك مني أن حبك قاتلي
و أنك مهما تأمري القلب يفعل
يهواك ما عشت القلب فإن أمت
يتبع صداي صداك في الأقبر .
أنت النعيم لقلبي و العذاب له
فما أمرّك في قلبي و أحلاك .
و ما عجبي موت المحبين في الهوى
و لكن بقاء العاشقين عجيب .
لقد دب الهوى لك في فؤادي
دبيب دم الحياة إلى عروقي .
خَليلَيَ فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
و لا رضيت سواكم في الهوى بدلا ً .
فياليت هذا الحب يعشق مرة
فيعلم ما يلقى المحب من الهجر .
عيناكِ نازلتا القلوب فكلهـــا
إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتــــلِ.
و إني لأهوى النوم في غير حينـه
لـــعـل لـقـاء فـي الـمـنـام يـكون.
و لولا الهوى ما ذلّ في الأرض عاشـق
ولـكن عـزيـز الـعاشـقـيـن ذلـيل.
روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 58 )
يدخل بثرثرة عميقة مع روحه " من حقِّي يا أنا، لن أخرج من هذا الزواج خالي الوفاض، ...... " لحظة!!! منذُ متى وأنا أفكر بهذه الإستغلالية ؟ بأن أفرغ حقدِي بهذا الرُخص ! أن آخذ حاجتِي التي حُرمت منها وأتركها، أتركها لهذه الدنيا تواجهها كيفما تُريد لا دخل ليْ بها ، هذه الحركة القذرة التي ألطخ نفسي بها من يستحقها ؟ مللنا من المثالية والمبادىء الزائفة ، هذه المبادىء لم تجعلني سعيدًا ولم تجعلني أظفرُ بما أريد، بائسة هذه المبادىء والقناعات وأنا الآن على أتمِ إستعداد أن أعلن تنازلي عنها، أعلن تنازلي عن سخافاتِ عقلي، ومن حقي أن أأخذ حقي الشرعي من هذا الزواج وإن كان يُزعجها فهو يزعجني أكثر منها.
فتح الباب لتتقدم خطواتِه نحوها، رفعت عينها وهي مُتربعة في منتصف السرير وبين يديْها إحدى الكُتب التاريخية التي تحكِي سيرة العهد العثماني.
سلطان : مساء الخير
الجوهرة بخفوت : مساء النور .. أعادت نظرها للكتاب مُشتتة ولم تستطع التركيز بأيّ سطر وصَلت، تحت أنظار سلطان المُتأمل بها، تشعرُ بالسهام التي تخرجُ من عينيها وتخترقها. أطال وقوفه وأطال بضياعها، رفعت عينها مرةً أخرى محاولة لمسك زمام ربكةُ قلبها بقُربه.
وقفت لتتجه ناحية الباب، أن تجتمع معه تحت سقف واحِد سببٌ للتكهربْ لا أكثر، مسكها من معصمها وهي تمِّرُ بجانبه. أخذت شهيقًا وأضاعت الزفيرُ من بين شفتيْها، تشعُر كأنها تركض محاولة الظفر بالزفير هذا هو تعبيرها عن الإختناق الذِي يسيطر عليها بقُربه، سحب الكتاب ووضعه على الأريكة : أظن تعرفين بالشرع أكثر مني
الجوهرة بعدم إستيعاب تاهت نظراتها.
سلطان بهدُوءٍ متزن : زي ما لك واجبات عليك واجبات بعد.
الجُوهرة بلعت ريقها الجاف لتُردف بصوتٍ مُرتبك : ما ينطبق علينا هالشي
سلطان يُجاريها بمثل التيَّار الذي تغرقُ به : وش ينطبق علينا ؟
الجُوهرة تشعرُ بأنها تبتلع لسانها، شتت نظراتها لا رد لديْها.
سلطان رفع حاجبه : وين وصلتِ ؟
تحشرجت محاجرها وهي تنطُق : لا
تفاجىء، لم يتوقع أن تنطقها دُون أن يمنعها خوفها، أردف بمحاولة إستفزاز أعصابها : وش اللي لا ؟
الجُوهرة : واجباتك مهي معي
سلطان أمال فمِه : ومين معه إن شاء الله ؟
الجُوهرة ببرود عكس البراكين التي تفيض بقلبها : الشرع محللك 4 تزوج وخذ واجباتك منها
ترك معصمها ليُردف : يعني موافقة أتزوج عليك ثلاث مو وحدة ؟
لو كنت مع أكرهُ شخص على وجهُ هذه الكون لمَا رضيتْ بأن يُشاركني معه أحد كيف معك يا سلطان ؟ ، تشعُر بأن الدمع سيخُون خامة صوتها ويُبللها : طلقني و سوّ اللي تبي
سلطان بحدةِ الكلمات التي تجاور بعضها البعض وتشطُر قلب الأنثى التي أمامه : كل مرَّة أكتشف فيك شي سيء، حتى قراراتك تجي بدون تفكير ..
الجوهرة بمثلِ حدته : أيّ قرار جاء بدون تفكير؟ طلاقي منك مفكرة فيه وحتى مفكرة بحياتي بعدك ..
سلطان بتملُك : مالك حياة بعدي
الجُوهرة تضغط على شفتِها السُفليَة بأسنانها علَّها تُخفف بعض من رعشتها : مو أنت اللي تقرر !! أقدر أوقِّف عمتك ضدك وأقدر أوقف أبوي ... لكن إلى الآن أحاول أحترم قدرك عندهم عشان ما ينصدمون بأفعالك
سلطان أبتسم بسخريَة : تهدديني ؟ خسرانة يالجوهرة مهما حاولتِ، إن كان عندك ورقتين ضدي فأنا عندي أكثر ..
الجُوهرة أغمضت عينيْها لثواني طويلة حتى نظرت إليْه : بمفهومك الجاهلي أنه البنات دايم خسرانين
سلطان : البنات!! أنتِ من فئة البنات ؟
الجُوهرة بلعت غصتها لتغصّ محاجرها بالدمع، تلألأت عينيْها أمامه، لن تجِد أقسى من هذه الكلمة وهي تعبرُ لسانه ببرود، لن تجِد أقسى منها أبدًا. أخفضت رأسها ليُواسيها شعرَها المُنسدِل على الجانبيْن، بكت ولم تخشى أن تبكِي أمامه كالمرَّات التي تحاول بها أن لا تضعف ، هذه المرَّة أريد أن أضعف، أن أبكِي ، أن تفلت دموعي من محجرِ عيني. يا قسوتِك! ويا حنيني بقُربك. كيف تنهمر الكلمات بزوائِدها الحادة دُون أن تجرح لسانِك ؟ دُون أن تتكوَّر كـ غصَة تسدُ مجرى تنفسك! كيف يا سلطان لا تقتلك الكلمات قبل أن تقتلني؟ تربطُ مصيرك بمصيرِي وتغمس يديْك بالملح حتى تُمرِرها على جروحي! جرُوحي التي بقيْت لسنوات غائِرة مكشُوفة، لم تسترها ولم تداويها! بقيْت كما أنتْ وبقيْت كما أنا . . خطيْن متجاوريْن لا يتقاطعان ولا يسيران معًا.
رفعت عينها المنزلقَة بالدمع وبنبرةٍ باكيَة : وأنا كل مرَّة أكتشف أنك ما تمِّت للإنسانية بصلة، تبي تقسى !! أنا أقسى معاك!! مثل ما تسوي يا سلطان بسوي ! مثل ما تحلل على نفسك أنا بحللها ومثل ما تحرِّم على نفسك أنا بحرِّم على نفسي.
سلطان ببرود يُناقض النار التي تصِل لأعضاءه التنفسيَة : وش بتحرمين على نفسك ؟
أبتعدت عدة خطوات للخلف، مهما تظاهرتُ بالقوة أظلُ أخشى عليّ مِنك، أظل أخافُك كما لم أخاف من أحدٍ قبلك.
سلطان يقترب بخُطاه وبنبرةٍ مُتحديَة : قوليها! وبعطيك درس في أصول التحريم
الجوهرة بضيق : أبعد.. خلني أطلع
سلطان بتملُك سَادِي يشدُّها من خصرها الغضّ وهو يغرز أصابعه بها ليهمس عند إذنها بنبرةٍ وصَلت لها بسخريَة في وقتٍ كان يعنيها سلطان بجديَّة : دايم تخسرُون يا بنت.
أعادها بخطواتٍ حتى أرتطمت سيقانها بالسرير، أفلتها من قبضةِ أصابعه لتسقط بسكُون الليل على المفرش السُكَرِي، الذِي يعكسُ شفافيَة دمعها، أشعرُ بأن قلبِي يبهُت بإصفرار، أَسمعت عن مرض العين؟ أن تشحُب بلونها حتى يسقطُ لونها الطبيعي في القلب ويغرق، يتلوَّثُ قلبي يا سلطان كثيرًا وأنت تزيدهُ. " غرزَت أصابعها في كلتَا كفيَّها على المفرش " كُنت أنتظر أن أمُوت ولكن ليس بهذه الطريقة الرخيصة. لم تترك ليْ حجةٌ واحِدة أُخبرك بها أنني عنك أعفُو، وعن قلبي الذي بين يديْك أُسامح. تواصِل إستحلالك على جسدٍ يراك في هذا الكون كُل الكون، تواصِل إستعمارك لخلايا الحركَة فيني حتى جمَّدت الحياة بعيني ولم أستطَع، لم أستطع يا سلطانِ أن أتجاوزك، أن أتجاوز عثراتِي، مللت البنيان على التزييف، هذه ليست شخصيتي، هذه ليست أنا، هذه جُوهرة سلطان، أنا التابعيـَـةُ لعينيْك " الولعانة "، أنا شرعيتُك الباطلة، أنا عقيدتُك في الحُب وأنت الحاكمُ والظالم. أنا الإنتماءُ لقلبِك، لتشعُبِ صدرك، أنا جُوهرتِك بينما أنت ! لم تكُن يومًا تخصُني وحدِي، لم تكُن عيناك الداكنة تُريدني، و حين أردتُ الإتكاء بين عينيْك عجنتني بعُقدة حاجبيْك ، حين أردتُ أن أُقيم الثورة على قلبِك أستعمرتنِي، يا حُزنِي! لم تكُن مثله، تشافيْت من تُركِي، تشافيْتُ تمامًا ولكن مرضتُ بما هو أعظم، كُنت في كل مرَّة تقترب بها منِي أتذكرُ تقرب تُركي ليْ أما هذه المرَّة لا يأتِ أبدًا على بالي، لم يأتِ ولكن تُعنِّف قلبي بما لايليقْ بحُبك، تُغرقني، تُغرقني وما عدتُ أخشى غرقي.
أغمضت عينيْها لتسيل دمعةٌ مُلتهِبة على خدَها، و لأنك تُغيضنِي بملكيْتك هذه المرَّة أنا من أستسلمُ لك يا سُلطانِي.
صعدت شفاهه لعينيْها، قبَّل دمعتها وذراعيْه تُحاصِرها من كل جانب، أشدُ الخيبَة أن تُقبِّل دمعةُ إمرأة أنت سببها. يا خُذلانِي من هذه الدُنيا، و إنصهارُ الوجَع في قلبي، أن يُعيد هذا العضو النابض تركيب نفسه في كل مرَّة وتُعيد الحياة إنصهاره في كل لحظة، يا وجَع " الأنا " في صدرِي، يا تكاثرُ " الآه " في محجر عيني، كان بؤسًا أن أراكِ في كل لحظة وكل ثانية أمامي ولا أتحرك، كان سيئًا على نفسِي أن أُحرِّمك عليها، أن أبتعد في وقتٍ كان اللاسبب يطغى علينَا، في وقتٍ لم أفهم نفورك، كُنت أفهم فقط أنني أريد أن أُحبك برضاك، لم يكُن الجسد يومًا مُبتغايْ، لم يكُن أكبرُ ما أتمنى هو الظفرُ ببياضِ جسدِك، كُنت رجل أقاوم كل أهوائِي أمامك، كُنت رجل ألتمسُ لك من العذر ما يفُوق السبعين، أمتنع عنكِ لأجلِ عينيْك التي تتورَّد كُلما رأتنِي، تضببتْ رُؤيتي ولستُ مُخطىء، إن كُنت أخطأت في مسالكِ الدُنيا بأكملها إلا أنني لم أخطىء بقلبك أبدًا، لا أعرف أن أتعامل ببرود أمام عينيْن أشتهيها وجسدٍ أتُوق له لأن الشرع يكفلُ ليْ كل هذا، لم أكُن شاذًا عن القاعدة حين أردتك ولكن كُنت شاذًا عنها حينما قاومتُك في كل مرَّة أراكِ بها، أُطيل نظرِي بتفاصيلك الصغيرة، بأصابعك التي تُخلخل شعرك في مللك وكفِّه التي تُزيح خصلاتِك جانبًا في قراءتك، أراقب أدقُ الأشياء التي تقتلني كرجل وكنت أصمد لأنني لا أريد أن أرغمك على شيء. لكن هذه المرَّة أعلن إستسلامِي من قناعاتِي الشرقيَة، أعلن إستعمارِي لثلجيَة ملامحك، أعلن وبغطرسَة لا أعرفُ كيف أبتليْت بها أن لا حياة بعدِي يالجوهرة.
،
بللت شفتيْها الجافتيْن بلسانها حتى تنطُق بإنسيابيَة، و ما حول رقبتها يُضيِّق عليها، لم تنتبه لِمَن أمامها وهي تُشتت أنظارها بإنزعاج وببحة : يبــه
عبدالعزيز يُحامل على نفسَه حتى وقف وجلس على السرير بجانبها وبإبتسامَة كانت تُغيض رتيل بإستمرار : يا عيُون يبه
عقدت حاجبيْها لتصمُت لثوانِي طويلة حتى تفتح عينيْها مرةً واحِدة وتنظرُ له، تأملت صدرَه المُغطى بالشاشِ الأبيض لتصعد أنظارها لرأسه المُغطى أيضًا، قطَع تأملاته : الحمدلله على سلامتِك
رتيل ترمشُ كثيرًا حتى تستوعب : الله يسلمك .. أبوي هنا ؟
عبدالعزيز : الساعة 2 الفجر
رتيل عادت لصمتها لتقطعها الثوانِي الشاهِقة ، تسأله برعشةِ شفتيْها : كيفك ؟
أبتسم حتى بانت أسنانه : بدرِي
رتيل : حتى وأنت تعبان مستفز
عبدالعزيز أخذ نفسًا عميقًا وهو ينظرُ لشعرها " الويفي " : تمام الحمدلله أنها جت على كذا ماهو أكثر
رتيل : الحمدلله ... ألتفتت للجانب الآخر .. عطشانة
كان سيقف لولا يدها التي مسكته من معصمه : خلك .. أستعدلت لتجلس وتسندُ ظهرها على السرير، أخذت كُوب الماء لتشرب رُبعه ومن ثُم ألتفتت عليه وهي تشعُر بأنها " صحصحت تمامًا ".
أطال نظرُه بعينيْها، بمحجرِها وحصُونِ أهدابِها، أجيءُ لكِ كما يجيءُ العاشقُ من عصرِ المُتنبي " وما كنت ممن يدخل العشق قلبه و لكن من يبصر جفونك يعشق " ، أتغلغلُ وأشتعل وأخفتُ بضياءِك و " عيناكِ نازلتا القلوب فكلهــــا إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتــــلِ " يا جريحتِي بالهوَى أصبتنِي بمقتل، كتمتُ حُبكِ ولم يعُد ينفع! ما دامُ الإسرار والإعلان هُما على حافةٍ واحدة، منذُ النظرة الأولى وأنا أُدرك بأننِي مجنُون مُتعديًا على مُلكِ عبدالرحمن، لمحتُ في شفتيْك طيف مقبرتِي وواصلتُ المضيَ ولم يهمُني الموتُ الذي يضيعُ أسفَل لسانِك، كُنت أدرك جيدًا أنهُ مهما حاولنَا أن هذا الحُب يُسلِّط أعداءنَا، يُسلِّط علينا كُل من هوَ يكرهُ والدِك ووالدِي، كُنت أعرف ولستُ نادِم، لأنهُ لو عاد الزمن لعصيتُ بمثل المعصيَة وتزوجتُك رُغمًا عن الجميع، رُغمًا عن من يروِي أن حُبنَا مستحيل. والرواةُ كاذبُون يتأثرُون بعهدٍ عقولهم الجافَّة السطحية، و أنا والله غارقٌ بعينيْك، شفتيْك، شَعرُك البندقِي، ملامحُك النجديَّة وبشرتك السمراء، أنفُك الذي أُحب وعقُدة حاجبيْك وشتائِمُك التي تعني " أحبك كثيرًا " مهما أنكرتِ.
نظرت له بضحكَة مبحوحة وهي تشعرُ بحرارة تسرِي في أوردتها من عينيْه : لا تطالعني كذا
عبدالعزيز : تخيلي لو صار فينا شي لا سمح الله ؟
جمَدت ملامحها لتردف : ماأبغى أفكر باللي صار
عبدالعزيز بمحاولات هزيلة لظفر إعترافٍ منها : كنتِ راح تندمين على شي ؟
بلعت ريقها الجاف : لا
عبدالعزيز تنهَّد، صدقها في الفترة الأخيرة، كلماتها التي تعني تلويحة وداع، تحديها لقلبها ومازالت هي الفائزة بهذا التحدي، كل هذه الأشياء تثقب قلبه : ولا حتى كلمة ؟
رتيل صمتت لثواني طويلة حتى أردفت بوَجَع : ولا حتى كلمة يا عبدالعزيز ، ماراح أندم على شي
نظر لعينيْها المُتلألأة بخفُوت، أشاح قليلاً حتى ألتصقت أنظارُه بكفِّها المرتبط بالمغذي : لو أنا! كنت راح أندم، يمكن ماهو على شي سويته بحقك بس على أشياء سويتها بحق ناس ثانين ..
رفع عينه لها ليُكمل : ما يستاهل أني أندم على شي أنتِ ما ندمتِي عليه
عقدت حاجبيْها، هذه الكلمات الأخيرة ستدخل لفئة الأشياء الأكثرُ جرحًا لقلبي، والله لا يوازي جرحها شيئًا، أن يُسند لكلامِي مثل هذا الألم والوَجع، وجدًا " يستاهل " أن نبكِي على أيامنا التي تمضِي دوننا رُغم أننا معًا.
أردفت بربكَة لسانها : كنت راح أجاوبك بنفس الشي، ما يستاهل أبد أني أندم على كلام أو أفعال إذا كانوا أصحابها أصلاً ماندموا عليها
عبدالعزيز بهدُوء : من كل قلبك هالحكي ؟
شتت نظراتها : إيه، ليه تفتح هالمواضيع الحين ؟
عبدالعزيز بصوت أشتَّد به الغضب الذي لم يستطع أن يسيطر عليه : لأنك كذابة ، تكذبين كثير وماتحسين على نفسك .. شوفي عيونك وأنتِ تتكلمين .. تناقض كل كلامك
رتيل تحاول أن لا تفلت بها الدموع وتبكِي، تنظرُ لكل شيء ما عداه، هذا الإتهام الصريح لها يجعلها تضعف بعد حادثٍ كادت تفقد به حياتها، أردفت ببحَة : مو قصدِي أسيء لك ...
عبدالعزيز : إلا قصدِك .. تستمتعين بكل شيء يقهرني
رتيل توجه نظراتها إليْه وبنبرةٍ تنخفض تدريجيًا : وأنت ؟ أحلف بالله أنك سَادِي ومتغطرس وكل متعتك في هالكون أنك تضايقني
عبدالعزيز بإبتسامة مُتعبة : بتكفرين عن الحلف صدقيني
رتيل أشاحت نظرها : شفت كيف ثقتك! عبدالعزيز واللي يسلمك تعبانة وماأبغى أسمع مثل هالحكي
عبدالعزيز ينظرُ للممرضة التي تُشير إليه من خلف الزجاج : طيب ...
و بإبتسامة مُستفزة أردف : تصبحين على خير يا زوجتي الغالية
رتيل رُغم تكاثرُ الشعور المتناقض بها إلا أنها ضحكت : يارب أرحمني
عبدالعزيز : سبحان الله ما تآخذين الأمور بجديَّة !
رتيل بمثل إبتسامته أقتربت ولا يفصُل بينهما شي لتنحني قليلاً نحو اليمين وتُقبِّل خدِّه الأيسَر : وأنت من أهل الخير
أبتسم حتى بانت أسنانُه وهو يجلس في مقعده المتحرك بعد أن دخلت الممرضَة للغرفة : يعني الحين أخذتي الأمور بجدية ؟
رتيل بضحكَة طويلة غرقت بها : أنتهى كلامي
عبدالعزيز الذي يفهم قصدُها جيدًا : ملكعة!!!
رتيل أتسعت بإبتسامتها وهي تنظرُ له عندما خرج، أستلقت على السرير تحاول أن تعُود لنومِها، " أنا حيَّة " بعد أن واجهتُ الموت لدقائِق طويلة، قبل الإصطدام كنت أتذكر الأخطاء التي أنجذبتُ لها وكأنها أشياء عاديَّة، هذه الأخطاء التي خنقتني وأنا أشعُر بعظيم ذنبها، لا أعرف لِمَ نحتاج إلى تنبيه من الله كحادِثٍ أو حلم أو غيره حتى نعُود له، حتى نستغفر لذنوبنا بالطاعات، الحمدلله أنني أتنفس الآن ومازال في الحياة مُتسع لأستغفر لهذه الذنوب، الحمدلله أنَّ هُناك وقت لأفعل وأفعل وأفعل، لا أحد سيُقدِّر نعمة الوقت الضائع إلا عندما يواجه الموت، عندما ينتهي به وهو يقُول " ياليتني قدمت لحياتي " ، يا غبائي طوال السنين الماضيَة!!
،
في ظلامِ غُرفتها والسكُون، لا نُور سوَى المُنبعث من الشباك حيثُ الأنوار تُزيِّن شوارع باريس، جلست بجانِب النافذة الزجاجية، بين يديْها الرسالة التي تؤرقها، كيف أنام و أنا أقرأُ صوتك الأسمَر، أقرأ حبر قلمِك وتقاطُعاته، أشعرُ بالإنهزام، كيف تهزُمنِي بكلماتٍ بسيطة ؟ كيف تهزمني بنزَار ؟ كيف تقتلني بأشعارِه؟ يا قساوةُ صوتِك ويا حنيني إليْه، صعب جدًا أن أقُول " وداعًا " في وجهِ حُبك، أن أرمِي هذا القلب بعرض الحائِط حتى لا أتمادى بالذنب، تأخرت كثيرًا وأنت تتغلغل بيْ الآن، كيف أنساك بسهولة؟ سنَة تمُر و شهُور طويلة وأنا لا أراك ، لا أعرفك، أجهلك تمامًا. ألا ترى بأن هذه قسوة؟ يالله مِنك! يالله كيف تجعلني أصبرُ كل هذا الوقت، أنا أنثى الصبر منذُ أحببتك، أنا سيدتِه. صيَّرتنِي مثلما تُريد، كُنت مزاجِي الذي ينفرُ مرَّة ويلوذ إليك مرةً أخرى، أُريد نسيانك، ساعدني يا رب.
أخفضت رأسها لينهمر دمعُها، أخذت المنديل لتكتبْ خلفه محاولةً إفراغ حزنها، علمتني كيف أكتُب وأنا التي لا علاقة ليْ بالكلمات وتقاطعُتها، أغرقت محاجرِي وأنا لم أراك، أغرقتها حتى أنزلقت بِك، أراك بكُل العابرين ، من فرط الحنين لملامِحك التي أجهلها أصبحت أرى كل شخصٍ يُطيل النظر بي أنه أنت، يا عذابي منك! يا لوعةُ الحُب المجروحة مِنك! أنا متلهفة حتى لإسمِك، لكوبليه حروفك وهي تمرُ على لساني، يالله ألهذه الدرجة تبلغُ قساوتِك حتى على إسمك! " ليه ؟ " لم أستحق أبدًا أن تُهاجمني بقلبك؟ لم أستحق أن تُعنِّف حُبي بجهلِي لك ، كُنت أحلم كثيرًا، كُنت يائسة كثيرًا، كُنت أحبك كثيرًا ولكن لا أدرِي ما الوقتُ الذي أندثر بيننا. أدرك بأنك ذنب، وأدرك أن الله يُجازي كل عبدٍ بما عمل، أنا أدفعُ ثمن خطيئتي لكن .. أحبك. لا أطلب الكثير، ولكن أطلبُ من الله أن يُعيدني لقلبي الذِي أخذتهُ منِّي.
،
صحَت مفزُوعة من رنين هاتفها الذِي ضجّ بالغُرفة وصوتُ الأمطار تُثير الخوف في داخلها، فتحت الأبجورة لتُضيء عتمتها، أجابت بصوتٍ ممتلىء بالنعاس : ألو
منيرة : السلام عليكم
أفنان : وعليكم السلام .. هذا وقت تتصلين فيه الله يهديك خرعتيني
منيرة : بسم الله على قلبك .. وش يدريني الوقت عندكم كم ؟ المهم أبغيك في موضوع
أفنان : وشو ؟
منيرة : عندِي لك عريس لؤطة
أفنان بتنهيدة غاضبة: من جدك منيرة !! متصلة عشان تقولين لي هالحكي ..
منيرة تنهَّدت : لا حول ولا قوة الا بالله .. صدق منتِ وجه نعمة .. هذا يصير ولد السفير يا ماما يعني بتقضينها غربة يحبها قلبك
أفنان بغضب : أستغفر الله!! منيرة مع السلامة
منيرة : لا تقولين بعد منتِ موافقة زي أختك الهبلة!! أنا مدري وش قاردني معكم أبي لكم الزين بس منتم كفو
أفنان : الجوهرة الله سخَّر لها سلطان وعايشة حياتها ومرتاحة .. وماأظن هالراحة كانت بتلقاها مع أخو زوجك
منيرة : يا ليلنا اللي ماراح ينتهي! أبشرك عنده ولد الحين ومتزوج خلي اختك تندم وتعض أصابعها عليه .. وواصلة لي علومها.. لو مرتاحة كانت حملت منه
أفنان بعصبية : أتركي عنك الجوهرة .. عندك شي ثاني تبين تقولينه ؟
منيرة : أفنان فكري بنفسك وبمصلحتك .. الرجَّال ما ينرد
أفنان : ماأبغاه يا منيرة .. الناس اللي من طرفك غاسلة إيدي منهم
منيرة بإنفعال : أحسن بكرا أندمي عليه لا تزوجتِ واحد طايح حظه وقولي ليتني سمعت كلام مناير.. والله أنتم يا بنات عبدالمحسن ما يعجبكم شي رافعين خشومكم على وش مدري .. مالت الا مالت الشرهة عليّ اللي أبي لك الخير .. وأغلقته في وجهها.
أفنان تنهَّدت ومزاجُها بدأ يتجعد بكلمات منيرة اختها بالرضاعة، تذكُر مجيئها في بدايَة السنَة بمحاولة الضغط على الجوهرة للزواج من أخ زوجها، تغيبُ لشهورٍ طويلة ثم تعود بأخبارٍ " تسم البدن "، تُفكر بأن جميع النساء في السعودية يرغبن السفر خارجًا مثلما أرادت حين تزوَّجت مسفِر الذي يشتغل بسفارة اليونان، أحيانًا أشعُر أن منيرة تعاملنا كأننا نعيشُ على حسابها الخاص، و كأننا عالة عليها رُغم أنها لا علاقة لنا بها، فهي منذُ تزوَّجت وهي مجنونة فعليًا بتفكيرها، تقطعُ بنا ولا تحاول أن تتصِل علينا حتى في المناسبات تكتفي برسائِل نصيَة وكأنها لا تنتمي إليْنا، ومن ثم تُعاتب! يالله على تخلُفك.
أرسَلت بالواتس آب للجوهرة " صاحية ؟ " . . أنتظرت كثيرًا حتى كتبت لها مرةً أخرى " كلميني ضروري بس تصحين "
،
ينظرُ من نافِذة الطيَّارة لأرضِ باريس، ضاقت محاجره بضيق هذه الأرض التي باتت لا تتسع أبدًا، متى تهبُط؟ متى أراكِ؟
بإبتسامة المُضيفة : يُرجى ربط حزام الأمان.
ناصِر دُون أن ينظر إليْها ربَط حزامه وهو مازال ينظُر، قريب جدًا منكِ، قريب يا غادة. شعَر بأنه سيُغمى عليه الآن، أفكاره تتهاوى من دماغه، كل الأشياء تبدُو رماديَة شاحِبة، لا أحد أعرفه، لا أحد يُريدني، أُريد فقط أن أتنفس بنقاء! هذا ما فوق الأحلام، منذُ فقدتِك وانا أعرف أن الهدُوء والراحة لن تهطُل مرةً ثانية ، كُنت أعرف أن عيناكِ هي الحل ومنذُ غيابها وأنا فقدتُ جميع حلولي للحياة، حاليًا أنا أحاول أن أتنفس، أن أعيش. يالله أخشى أنني لن أتحمل، لن تحملني أقدامِي، أخشى السقوط/الموت قبل أن أراك، أشعُر بأن شيئًا سيمنعني مِنك، حلمتُ بكِ كثيرًا ، حلمتُ أنني سأمُوت بلا دماء ، بلا مرض ، بلا شيء ، سأمُوت وأنا لم ألقاك، رأسي سينفجر من هذه الفكرة، لم يبقى بي صبر، فقدتُ كل ما يربُطني بالحُلم، بالهدُوء، فقدتُ كل شيء يجعلني إنسانًا مُستقيمًا. أريد أن أراك ولا شيء بعد ذلك.
تصاعدت أنفاسه وكأنَ روحه تختنق بعينيْه، ينظرُ للرُكاب الذين بدأوا بالوقوف، نزع حزامه ليرتطم رأسه بالمقعد الأمامي والخالي بعد أن فُرغت الطائِرة إلا من القليل، ثبت جبهته في الكُرسي وأنفُه يواصِل النزيف، عيناه تحترق بالإحمرار وكأن نارًا تشتعلُ ولا تنطفىء، كُنت قويًا، كُنت!
أطلَّ المُضيف : المعذرة! هل أنت بخير ؟
يشعُر بالضباب يغشى عينيْه، أفقدُ النظر للأشياء بوضوح كما فقدتها أول مرَّة تلقيتُ بها خبر وفاتِك، كان البشتُ بيدِي سأرتدِيه عندما أصِل، كان على ذراعِي اليُمنى ولم ألبِسه أمامك، ولم أراكِ بفستانك الأبيض، يا حُزني الكبير بِك! أخشى أن أفقدك مرةً أخرى أو أفقدني قبل أن أراك.
المُضيف يضع يدِه على رأسه : سأجلب لك الـ ..
لم يُكمل من رأسه الذِي رُفع وعينه الشديدة الإحمرار، منظرُه أفزعه بشدَّة وهو يُنادي بقيَةُ الطاقم، الدماءُ لطَخت وجهه وهو يمسحها من كُلِ جانب، بدأ جبينهُ بالتعرق رُغم الجو البارد، أهذه سكرات الموت؟ لستُ أفهم تمامًا ما يحصل، سيُعيد الزمان فعلتهُ معي، مثلما فقدتُك سأفقدك مرةً أخرى! يا عذابي من يُنهيه؟ ليس هذا الحل، لا أُريد أن أموت قبل أن أرى عينيْك، مشتاق جدًا فوق ما تتصورين لكِ، كيف ينتهي عذابِي بقبر وأنا لم أراك! أستغفرُ الله من أن أسخط على القدر، أستغفرُ الله على شتات صبرِي وجزعي، أستغفر الله على حُبي الذِي يُريد أن ينهيني، أني أموت وأنا لم أجدِك، عُودي إليْ! أنا من أحببتك!
سقط بقوَّة بين المقعدين لينجرح رأسه الذِي أصطدم بالنافذة.
،
أستيقظت بتعرُقٍ شديد ، مسحت عينيْها لتنتبه لدمعها المُنهمر، تبلل وجهها وأختلط ماءُها المالح بماءِ مساماتها، نفسُها يضيق و غصاتٍ مُتراكمة تسدُ مجرى تنفُسها، نظرت لِمَ حولها، للغرفة الغريبةُ عنها، أتجهت للنافذة الزُجاجية والمطرُ يُبللها، تنظرُ لسماءِ باريس الباكيَة، تنزلُ أنظارها للطريق الذِي تقسُو عليه الأمطارُ بسقوطها الحاد، أتجهت للحمام لتُغسِل وجهها، بخطواتٍ سريعة أرتدت ملابسُها السابقة التي كانت مرمية على الأريكة، أخذت معطفها وحجابها لتخرج بخفُوت لممر الفندق قبل أن ينتبه لها وليد الذِي يسكُن بالغرفة المقابلة، نزلت بالدرَج وهي تفوِّتُ الدرجتين بدرجة، وطأت أقدامُها الرصيف المُبلل ، أحكمت شدّ معطفها وهي تسيرُ عليْها بإرتجافةِ شفتيْها من البرد الشديد، بكل محاولة للتنفس كان يخرجُ بخارٌ أبيض من بين شفتيْها، بدأت تهروِل مُتجهة للطريق ذاته، للمكان ذاته التي تعرفُه، صعدت للعمارة المُظلمة في ساعات الفجر المُتأخرة، طرقت باب شقتهم، طرقتها كثيرًا وهي تبكِي، همست من خلفه ببحة : عبدالعزيز ........ عزُوز ... هدييل ...
أوجعتها البحَة والبردُ يخطفُ منها صوتُها، أردفت ببكاءٍ عميق : ردُّوا! ..... ألتصق صدرُها بالباب وهي تطرق الباب حتى خانتها أقدامُها لتسحبها للأسفل، جلست على الرُخام البارد وعينيها تحمَّرُ بالدمع، تتذكرُ أصواتهم جيدًا، تشعُر أنها تسمعهم بوقعِ الأمطار، نبراتِهم الخافتة والصاخبة، كلماتهم اللامنتهية تطرقُ سمعها " تعرفين أنك أشين أخت !! لا جد جد أشتقت لك " " و حيّ الله غادة، تعالي يا قلبي تعالي جعلني ما أذوق حزنك وأنا حيّ " " غادة هنا!! أشتقنا لك " " غااادة تعالي شوفي " " أنتِ مستحيلة " " يا قاطعة ترى وحشتينا " " غاااااااااااااااااادة جُوتيم "
شدَّت على شفتِيْها المُرتجفتيْن، ضعت تمامًا، يالله يا شوقي لكم. " ماني بخير ! ردُّوا لي أحبابي اللي راحُوا "
سمعت بعضُ الأصوات في الأعلى، أضطرب قلبُها بالنبض لتركض نزولاً للطابق الأول، ضاعت عينيْها بطُرق باريس، صدرُها يهبط بشدَّة ويعلُو بمثل الشدَّة التي تشطرُها كثيرًا، يا حُزني الذي يصعبُ عليه أن ينجلِي! أتجهت ناحيَةُ الطريق الآخر، تنظرُ للنافِذة التي تتوسطُ الطابق الخامس، شقةُ ناصِر! ألتفتت للجهةِ الأخرى والمطرُ يختلط بدمعِها، في هذا الوقت لا أحد يسيرُ سوَى السُكارى والمُشردين، نظرت لشخصٍ يجلسُ على المقاعد، هذا عبدالعزيز! هذا هو! هذا شعرهُ القصير وملامِحه السمراء، هذا هو تمامًا، ليس حلمًا إنهُ " عزيز " . . أقتربت منه ليستنطق صوتها المبحوح : عزوز !
ألتفت عليها بنظراتٍ مُضطربة، عادت عدة خطوات للخلف، ليقترب منها، صرخت بفزَع وهي تضع كلتا يديْها على أذنها.
أبتعد عنها وهو يشتُمها بشتائِم كثيرة لا تفهمها، ركضت بكلُ ما أوتيت من قوة بإتجاه الفندق، كان نهايةُ الشارع الآخر الطويل جدًا، سعَلت والمرضُ يبدُو أنه في طريقه لجسدِها والمطرُ يُبللها من حجابها الذي تشرَّب المياه العذبَة إلى أقدامها، دخلت الفندق لتتجه نحو المصاعد الكهربائية، ما إن فتح المصعد على طابق غُرفتها حتى سارت بسُرعةٍ إليْه ودمعُها يسبقها، دخلت لترمي حجابها على الطاولة وتجلس على الأرض، لم تستوعبُ أقدامها بعَد! لم تستوعب أنهم رحلوا عنها! غطَت وجهُها بكفِّها لتنهار ببكائها، " ماتوا ؟ طيب أبغى أشوفهم! أبغى صورهم، أبغى شيء يصبِّرني على فراقهم ! ، مشتاقة لهم كثير، والله كثير ، بموت من شوقي لهم " وضعت رأسها على السجادةِ التي تُغطي الغرفة ودمعُها يعبرُ مُنتصف أنفها ويسقطُ على الأرض، بدأت تهذِي وهي مُغمضة العينيْن : يُبه، كيف يقولون لي لا تبكين .. لا تحزنين ! ما جربوا أنه يموت أبوهم ! يفقدون أبوهم! ... ما شفتِك آخر مرة .. رحت الرياض وتركتنا .. قلت بتقدِّم على التقاعد .. قلتها والله ورحت وماشفتك بعدها .... يقولي هالمجنون أنك متّ !! آآه يا يبه ... راح عُمرك بعيد عننا .. بعيد عنِّي والحين ما عاد أشوفك ... أبيك .. مشتاقة لك .... مشتاقة لأمي ... لعزيز ... لهديل ... مشتاقة لكم كلكم .... و أمي ؟ كانت تصحيني كل فجر .. بس هالفجر ماهي موجودة ... ماهي هنا .... ماهي موجودة عشان تصحيني .. صوتها غاب! .. وأنا أشتقت له يا يبه .. أشتقت له كثير ....... أشتقت لصوتها لما تقرأ قرآن .... لما تغني لنا أغانيها القديمة .... لما تطبخ لنا ... أنا مشتاقة لريحة طبخها!! ... وينهم يبه ؟ وينهم كلهم غابوا ! ... كلهم راحوا وأتركوني وأنا طيب ؟ مين يسأل عني .. مين يحضني ويخليني أبكي لين أقول بس! ... مين يا يبه ........... هُم ما يدرون وش يعني أنتم؟ ما يدرُون كيف الواحد يعيش بدُون أم؟ بدون أبو ؟ ... يبه محتاجتِك
تحشرج صوتها المخنوق وهي تُردد : محتاجتك ومحتاجة أمي ..... محتاجتكم كثييييير
،
فتحت عينيْها بتضايُق من النور، الساعة تُشير للسادسة صباحًا والمطرُ مازال يهطُل بشدَّة، نظرت إليْه وتوقعت أنه مشغول ببعض الأوراق لتدخل إلى الحمام وتستغرقُ بإستحمامها دقائِق طويلة، خرجت وهي تضع المنشفة فوق رأسها وتُنشف شعرها بها، نظرت إليه بشك : عبدالرحمن !!
الجالسُ على الأريكة ورأسُه بين يديْه، كان شديدًا عليه أن يتصوَّر بأن مقرن يخونه، يطعنهُ بظهره، أن يستغل إنحناءِ الحُب والعشرة بيننا ويركبُ فوقي، هذا أكثرُ ما كان يرمقُ إليْه بأنه " كذب، نكتة، مزحة " لا يُمكن أن تكون حقيقة، يالله! كيف أُصدق بأن هذه السنوات التي مضت مُجرد كذب! يستحيل على عقلي أن يُصدق بأنه خائن! هذا فوق الخيال، لِمَ الجميع يحاول أن يقتلني ببطء! لِمَ الحياة تُصيِّرني كـ مادةٍ تواصِلُ صهر نفسِها دُون أيّ سبب يُذكر. فعلاً لا عقل لديْ إن كان مقرن خائِن!
أقتربت منه لتجلس على الطاولة التي أمامه وتُحاصر رأسه بيديْها وهي تضع كفَّها اليُمنى على كفِّه اليسرى وكفَّها اليسرى على كفِّه اليمنى : فيك شي ؟
عبدالرحمن يرفعُ عينه الخائبة، حزين جدًا ويا شدةُ حُزنِ الرجال الصابرين الكتُومين، يا شدة حُزن من لا يعرفُ كيف يُفضفض عن حزنه. نظراتِه كانت كفيلة بأن تُعانقه ضيْ، لا تتحمل نظرةُ الحزن في عينِه، لا تتحمَل أبدًا أن تراه ذابل وشاحب بهذه الصورة، ودَّت لو تمتص كل حزنِه وتجعله في صدرها ولا يحزن أبدًا، قلبُه لا يستحق كل هذا الضيق، تُعانقه بشدَّة وكأنها تُريد أن تدخل به، تشعرُ به، والله أشعرُ بك وبحُزنِك، أشعرُ بإضطراب نبضاتِ قلبك المسكين، لم ترتاح أبدًا! حياتك لم تهدأ وهي تهطلُ بالبكاء فقط. ليتني أستطيعُ فعل شيء لك، أن أجعلك تبتسم ولا تهتم لأحد، اوَّد فقط أن تهتم لنفسك الذي أصبحت تفقدها يومًا عن يوم بإهمالك لها، أنت لا تعرف بأنك حين تهملُ نفسك يعني أنك تهمُلني معك.
،
يفتحُ عينيه على السقف الأبيض، مزاجُه مضطرب تمامًا وخطُوطِ جبينه المُجعَّدة تثبتُ ماهو أكثر من ذلك، لم ينظُر إليْها وهو يُبعد الفراش ليتجه نحو الحمَام، أستغرق ساعةً كاملة وهو يغتسل/يستحِم. خرج والمنشفة تلفُ خصره، مسح وجهُه وهو يضغط على عينيْه من صُداعٍ فتَك رأسه، أرتدى لبسهُ العسكرِي ليخرج من جهةِ الدواليب ناحية التسريحة، مازالت عيناه لا تنطق، لا تنظُر، لا تلتفت.
ينظرُ لنفسه بالمرآة بجمُود مُريب، وضع سلاحه على جانبِ خصره ليجلس على الأريكة ويرتدِي حذاءه الأسود الثقيل، أرتدى ساعته ذات الجلد الأسوَد وأدخل محفظته وهاتفه في جيبه، أتجه نحو الباب ليقف مثل ما وقف أمس خارجه، شدّ على شفتِه ليُنزل مقبض الباب ويخرج بخطواتٍ سريعة غاضبة، لم يُسيطر على نفسه وهو يُغلق باب المنزل بعصبيَة، ركَب سيارتِه مُتجهًا للعمل والشمسُ بدأت تشرق متأخرًا والشتاءُ يقترب من الرياض، مرَّت عشرُون دقيقة حتى ركَن سيارته بمكانها المخصص في عمله، دخَل والموظفُون مازالُوا يأتُون، لم ينظرُ لعينِ أحد كان يسير بثبات نحو مكتبه وهو يُثير الشك والخوف معًا في نفسِ كل شخصٍ يراه خشيةً أن أمرًا حصل بالعمل أو قصورًا منهم، أغلق الباب خلفه وهو يرمي سلاحه على طاولة مكتبه ويجلس، يشعرُ بصدره الذي يهبط ويعلو بفارقٍ هائل، شدّ على قبضةِ يدِه ليضربها على الطاولة من غضبه الهائل الذِي يشعرُ به، نظر لظاهرِ يدِه التي تألمت كثيرًا ، يُريد أن يرمِي نفسهُ من أعلى طابق حتى ترتاح نفسه، لم أكن أول رجلاً في حياتِها، لم أكُن أبدًا !
يدخل أحمد بعد طرقه للباب وهو يضع بعض الملفات على مكتبه : تآمر على شي طال عُمرك ؟
لم يُجيبه بشيء و عينِ سلطان مازالت على المكتب، خرَج أحمد بهدُوء وفي داخله ألف علامة إستفهام!
في قلبِه كان يشتُم كل الأشياء التي عرقلت حياته " الله يلعنـ ... أستغفر الله " ... خرج مُتجهًا لدورة المياه، نزع حذاءه ليتوضأ، وفي داخله قهرٌ عظيم، يشعرُ بأنه يحملُ في داخله ثقلُ مئاتٍ من الرجال المقهورين، يشعرُ بأن قلبه يفيضُ بالقهر وبشدَّة " ، أتجه ناحية مكتبه، فرشَ السجادة ليُصلِي ركعتيْن علَّها تُريح صدره. كان يعرف أنها ليست بالبكر وتأكد من ذلك ولم يكُن ينتظر أن يجِدها بغير هذه الصورة ولكن شعَر كأنها بِكر، لوهلة شعَر أنها أنثاه وحده، 7 سنوات !! يالله أرِحني فقط من هذا الحُزن.
في جهةٍ أخرى تدفنُ رأسها في الوسادة، تغرقُ ببكائها الثقيلُ على نفسها، يعلُو صوت بكائها بمُجرد ما تتذكرُ الليلة الماضيَة، هو رجُلها الأول، هو حياتها، هو كل شيء لكن .. لا يُحبني بقدر ما أحبه، لا يُريدني بقدر ما أريده، يحاول أن ينساني، يحاول أن يبتعد عني، يحاول بكل ماأتاه الله من قوة أن ينتقم مني، يا هذه القسوة التي لا أعرفُ كيف تتغلغل به بهذه الشدة ؟ بلعت غصاتها المُتراكمة وهي تشدُ المفرش الصغير من الأرض وتلفُه حول جسدِها مُتجهة للحمام، تماما مثلما أستغرق بإستحمامه أستغرقت ساعة وأكثر، أختلطت دمُوعها بالماء وهي تنسى نفسها وتغرق بحُزنها وتفكيرها، خرجت لترتدِي بيجاما بأكمامٍ طويلة، تشعرُ بأن أطرافها ترتعش من البرد، أتجهت نحو التسريحة ورائحة عطره تخترقُها، عقدت حاجبيْها وهي تأخذُ الإستشوار لتُنشف شعرها، أطالت وقوفها أمام المرآة حتى شعرت بلسعةِ الحرارة في فروةِ رأسها ، أبعدت الإستشوار وأغلقته، نظرت لشحُوبِ ملامحها، لشفتيْها الصفراوتيْن، لعينيْها المُحمرتيْن، لأنفها .. الذِي بدأ ينزف، شعرت بطعمِ الدماء وهي تعبرُ شفتيْها، أخذت منديلا ورفعت رأسها للأعلى حتى توقف النزيف الذي لا يُفزعهًا أبدًا، هو يواسيها فقط.
ربطت شعرها لتنحني وهي تُلملم ملابِسه وملابسها وترميها في السلة التي تنزوي بجانب الدولاب، طوت الفراش جانبًا لتسحب المفرش وتطويه بين يديْها وتنزل به للأسفل، لم يستيقظ أحد إلى الآن، أتجهت نحو غُرفة الغسيل لترميه في سلة الغسيل وتصعد مرةً أخرى للطابق الثالث حيثُ المخزن، بدأت تبحث عن مفرشٍ آخر، فتحت الدولاب العريض الذِي تُخزَّن به المفارش والوسائِد، أخذت ذو اللون العنابِي ونزلت به لغُرفتهما، كانت تمُر الدقائِق وهي تُرتب بالغرفة، تُفرغ حُزنها بحركتها المُستمرة وبإنشغالها المتواصل، أتجهت نحو النوافِذ لتفتحهُما وهواءُ الرياض يُلاعب الستائِر الخفيفة، فرشَت سجادتِها وصَلت ركعتيْن. لا تدرِي بأنها تفعل مثلما يفعل هو، كيفما تُفرغ غضبها هو يُفرغه أيضًا.
أطالت سجُودها ليتحشرجُ صوتها المردد " سبحان ربي الأعلى " وغرق بالدمع المالح، يالله أني أسألُك بوجهِك الكريم الجنَة و كل ما يُقربني إليها فأني أفلستُ من هذه الدنيا وما عاد بها شيءٌ يهمُني إلا أن ترضى عليّ وتُرزقني درجاتِك العليا في يومِك الموعود.
،
يُصحيه وهو يُقطِر الماء بين أصابعه : أصحى دبلت كبدِي وش هالنوم الثقيل!!!
فارِس بتثاقل : الله يرحم لي والدِيك يا يبه أتركني أنام بدون لا تزعجني
رائِد : قم عندنا شغل
فارس بضجر : وانا وش دخلني في شغلك
رائِد : دخلك اللي يدخَّل ... " بتَر كلماته التي كانت ستنحدِر لمستوى الجُمل الشوارعيَة " أستغفر الله لا تجنني على هالصبح
فارس وقف مُتجهًا للحمام : طيب هذاني صحيت .. ياليل الشقا بس
رائد أتجه نحو الصالة : هذا هو صحى، المهم عرفت شغلك كويِّس
محمد : مثل ماتبي حفظته حفظ
رائد : وكلمت ربعك! أبيهم يمدحون فيه عشان يصدِق
محمد : أبد كل أمورنا طيبة
رائِد بإبتسامة : الحمدلله
مضَت الدقائِق الطويلة حتى خرَج لهُم فارس بلبسِه الأنيق، يأخذُ من والِده كل شيء حتى ذوقه الرفيع في الملابس، جلس وهو يجهل من أمامه.
رائِد بضحكة ساخرة : هذا أبوك ..
فارس لم يتمالك نفسه ليضحك مع والِده : تشرفنا
محمد بإبتسامة : الشرف لنا
رائِد بنبرة السخرية : والله هذي اللي ما حسبنا حسابها مافيه شبه بينكم .. قله أنك طالع على أمك الله يرحمها
فارس : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب شي ثاني ؟
رائِد : أنت يا مشعل يا حبيبي دارس في لندن معك دكتوراه علوم سياسية، والآن دكتور في الجامعة، عندِك أعمال حُرة ودخل ثاني غير الجامعة، أمك ميتة ، إذا أسألك عن أحد عندك خيارين يا تقول ميِّت يا تقول مهاجرين ماشفتهم من يومي صغير *أردف كلمته الأخيرة بضحكة*
أكمل : أسست نفسك وكوَّنت حالك بينما أبوك طايح حظه يشتغل في البنك الإسلامي بباريس ...
فارس : شي ثاني ؟
رائِد : لا ترتبك و رزّ ظهرك، أصابعك لا تتشابك ولا تنحني بظهرك، عيونك خلها في عيون عبدالرحمن، كلماتك خلها قصيرة وواثقة.. عشان ما يشك ولا يعرف أنك كذاب، حاول تبيِّن له أنك صادق .. يالله خلنا نسوي بروفة وأنا عبدالرحمن .... وقف وأتجه بمُقابل أبنه .. تكلم .. وش تشتغل يا مشعل ؟
فارس بصوتٍ متزن : دكتور متخرج بتخصص علوم سياسية وعندي أعمال حُرَّة ثانية أدريها
رائِد : كم عُمرك ؟
فارس : 29
رائِد : وين ناوي تستقر ؟
فارس : إن شاء الله الرياض
رائد : لآ الرياض أنساها، بتستقر في لندن الله يسلمك
فارس : صدق يبه ؟
رائد : هههههههههههههههههههه إيه والله، بعد ما تتزوجها أبيك تروح لندن فترة لين أضبط وضعي
فارس : وش بيكون وضعك ؟
رائد : عاد هذا مو شغلك
أكمل وهو يحاول أن يتذكر شيئًا : وش بعد راح يسألك ؟ ماأتوقع بيسألك شي ثاني ... المهم أنك حضرت نفسك ... طبعًا محمد خذا لك موعد راح تلتقي فيه بصالة الفندق الخاصة ومعك أبوك الوسيم
محمد الذِي لا يبدُو جميلاً كثيرًا ضحك لرائد : مخلين الوسامة لك
رائِد شاركَهُ الضحك وهو الذِي يُشبه ملامحه إبنه بشدَّة : بعد عُمري محمد لا يحز في خاطرك أهم شي جمال الروح
فارس : طيب متى ؟
رائِد : الحين الساعة 10 الصبح .. الساعة 2 أنت عنده . . طبعًا هو مايدري أنك بتخطب يعني محمد ما قاله
فارس تنهَّد : طيب يا يبه أجل بطلع أتمشى
رائِد : تتمشى وين ؟
فارس وقف : ماراح أبعد، قريب من عندِك ...
،
مُجتمعين في الصالَة، تبدُو أحاديثهم حميمية صاخبة بالضحك، هيفاء وهي تشرب قهوتها : وعد أني بس أفضى بعطيكم محاضرة بالجمال
منصور : أنا قلت لك رايي! شكلك معفن بالتان!! ماهو حلو .. يعني وش أسوي غصب أقول حلو
هيفاء فتحت فمَها وهي تنظُر لكلماته الجارحة المُندفعة ، أردفت بإنفعال : لآ والله أنه حلو ويجيب العافية عليّ بس أنتم والله وش يعرفكم بالزين والذوق ..
يوسف : أنا والله ممكن أتقبله بعد يومين كذا لما أتعوَّد لكن مبدئيًا يختي مدري أحسِّك وصخة
هيفاء : الله يآخذ إحساسك قل آمين .... اليوم أكلم البنات في سكايب أنهبلوا عليّ يخي أنا يوم أشوف نفسي بالمرآية أقول ليتني أتزوج نفسي من كثر ماهو يجننن وأنتم أكلوا هوا من زينكم يوم تتكلمون عن الزين
منصور : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه عاد وش يسكتها الحين .. خلاص أنتِ حلوة أنتِ مزيونة أنتِ تجننين .. أرتاحي بس
هيفاء : ترفعون الضغط ! أنت شايف ولدك الأشهب يوم تتكلم ..
يوسف : أيوا ههههههههههههههههههههههههههه هذا اللي طول الوقت تمدحينه أطلعي على حقيقتك
منصور : والله ولدِي مزيُون بس من الغيرة تتكلمين
هيفاء : على وش أغار يا حظي ! على عينه ولا خشمه
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ما تسوى عليك يا منصور فتحت عليك باب ما يتسكَر
هيفاء بإنفعال : إيه عاد لا تحارشوني عشان ما أحارشكم
دخلت والدتهم : عندي لكم خبر شين وحلو !
ألتفتوا جميعًا ليُردف منصور : وش الحلو ؟
والدتهم : خالتكم أم أرام بتجي السعودية بس الخبر الشين أنها بتجلس بجدة يومين وترجع
يوسف بسخرية : أجل وشهو له تقولين ؟ بس والله مشتاق لأرام كانت مسوية جو في بيتنا أول ماجت
أرام المولودة الصغيرة التِي قضَت معنا عدةِ شهور نهاية السنة الماضيَة بسبب مرض إبنةِ عم أمي التي بمقام الخالة لنا حتى أعتدنا عليها وأصبحت فردًا من عائلتنا التي كانت تشكِي الوحشَة، ولكن بمجيء السنَة الجديدة رحلت مع والدتها لميُونخ حيثُ تتعالج هُناك مع زوجها من الورمِ الذِي ينزوي في رأسها. يالله يا أرام كانت ملاك لهذا البيت.
منصور : هي كيفها الحين ؟
والدته : لآ الحمدلله تقول أنها أحسن وللحين من عملية لعملية الله يشافيها يارب
منصور : آمين، والله زمان عنهم ..
جلست والدتِه لتنظُر لهيفاء بحسرة : يا حسافة البياض
هيفاء : ههههههههههههههههههههه يمه كل الشعراء في العالم يتغزلون بالسمرا
والدته : الله يآخذهم واحد واحد يوم أنك تصبغين نفسك كذا .. بس أنا أوريك... والله يا هيفا لو تسوين بشكلك شي بدون لا تشاوريني لا أقطع رآسك
هيفاء تنهَّدت : طيب خلاص ماني مسوية شي ..
تُكمل بحلطمة : في هالعايلة لا تخلوني أسافر مع أخوي ولا تخلوني أقص شعري ولا تخلوني أروح إستراحة مع صديقاتي ولا تخلوني أعيش حياتي .. يخي الواحد تعب طفش ملّ !!
منصور : هذا اللي ناقص نحجز لك إستراحة أنتِ وصديقاتك بعد!!
هيفاء : إيه وش فيها! كل البنات الحين يجتمعون في إستراحات وش تفرق يعني! الإستراحة نفس البيوت ! هذا أنتم ماتقولون شي لو أسيِّر على صديقتي في بيتها لكن تصير كارثة لو أقول بإستراحة
يوسف : الإستراحة غير
هيفاء : وش فيها غير! نفسها نفس البيت
يوسف : لآ يا حبيبتي الإستراحة تخرِّب عاد لاتقولين شلون تخرِّب ! هي تخرِّب وبس
هيفاء بتذمُر : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. متى أتزوج وأفتك . . *أردفت كلمتها الأخيرة بعفويَة دُون أن تعني فيصل*
يوسف بضحكة : لاحقة على فيصل
هيفاء أحمَّر وجهها لتحاول التبرير : وش دخل فيصل! أنت ودِّك كذا تحارشني .. ماأقول الا مالت عليك ومالت على اللي يجلس معك .... وخرجتْ.
والدته : بكرا بيجي فيصل مع أعمامه إن شاء الله
منصور : الله يكتب لهم اللي فيه الخير
والدته : آمين يارب
،
تفطُر دُون أن تنظر إليْه، تحاول أن تُمثل البرود والجمُود أمامه، تتجاهلُ أصغر تفاصيله المُستفزة لقلبها المُتأرجح بين حُبه وكُرهه، تكرهه يوم و تُحبه أيام، تنجذبُ إليْه لحظات وتنفرُ منه بلحظة، مُتذبذبة علاقتِي معه ومُتذبذب قلبي إتجاهه، بعد يومينْ ستعُود لأرضِ الوطن، كانت تتأملُ الشيء الكبير منه وخابت كل توقعاتها، ليتنِي لم أتوقع شيء، ليتني بقيْت هكذا دُون توقعات حتى أتفادى الخيبة التي أنغرزت بأعماقي، مخذولة من كل شيء، أشعرُ بأن حياتي تنحدِر في بدايتها، كيف أبقى بجانب عائلته وأنا أعيشُ هذا الصراع، أحتاج أن أذهب إلى الرياض ولا غيرها ولكن كيف أقنعه؟ كيف أناقشه حتى!
وضعت الكوب على الطاولة لتنظُر له وهو غارق في هاتفه، يقرأُ شيءٌ ما، رفع عينه : خلصتِي ؟
ريم هزت رأسُها بالإيجاب وهي تأخذُ منديلاً وتمسحُ شفتيْها الزهريتيْن، أخذت مُعقم من شنطتها وعقمت يديْها، أخرجت هاتفها ولكن سرعان ما أعادته، أعرفُ مقدار غضبه حين أمسك بهاتفِي بينما نحنُ نسير على الطُرق. أخذت نفسًا عميقًا لا تعرف ماذا تفعل أو بما تُفكر حتى تحل هذه العقد والألغاز التي تواجه حياتها معه. بالأمس سهَرت على إحدى المنتديات ، قسم " المشاكل الزوجية " شعَرت بأن مُشكلتها بسيطة مقارنةً بما قرأت، ألتفتت عليه وهي تقطعُ الطريق معه : وين بنروح ؟
ريان بهدُوء : اللي تبين
ريم بفكرةٍ لاذعة طرأت عليها بعد أن أفلست منه تمامًا : طيب بروح أتسوق
ريَّان دُون أن ينظر إليْها : طيب .. أوقف سيارة الأجرة ودخلاَ.
،
جلست على حافةِ السرير بجانبِ بطنه لتُقبل جبينه وتُردف بصوتٍ خافت : بعد عُمري والله ، كل هذا يصير معك وأنا ماأدري
عبدالعزيزلم يُعلق وأكتفى بإبتسامة.
أثير : وجوالك وينه ؟
عبدالعزيز : أنكسر .. بشتري جديد بس أطلع
أثير : ولا تتعب نفسك أنا بشتري لك وماأبغى إعتراض .. بس أنت أطلع بالسلامة
عبدالعزيز : الليلة راح أطلع إن شاء الله
أثير : كويس الحمدلله .. لو تدري وش صار فيني .. بغى قلبي يوقف من خوفي عليك
عبدالعزيز : بسم الله على قلبك ...
أثير بإبتسامة : طيب أنا بروح أحضِّر لك الشقة وأرتبها لك و بس تطلع أتصل علي من تليفون الغرفة
عبدالعزيز : طيب
أثير : تآمر على شي أجيبه لك ؟
عبدالعزيز : لا ..
أثير : أجل أشوفك على خير حبيبي .... وخرجت لتلتقط عينها عبير وضي الواقفتيْن أمام غُرفة رتيل، أشمئزت لتتجه نحوهما : صباح الخير
ضي : صباح النور
عبير تجاهلتها تماما ولا كأن كائنًا يتحدث لتنشغل بهاتفها
أثير : سلامتها ماتشوف شر
ضي بإغاضة : الشر ما يجيك يا قلبي ، الحمدلله أنها جت على كذا ماتسوى عليهم هالرُوحة لروَان ، بغوا يتمشون ويغيرون جو لكن قدر الله وماشاء فعل
أثير عقدت حاجبيْها : روَان ؟
ضي بإبتسامة واسعة : إيه كانوا في روَان، زوج وزوجته وش الغريب في الموضوع ؟
أثير تراجعت بخطواتها للخلف لتدخل بغضب لغُرفة عبدالعزيز.
عبير : ههههههههههههههههههههههههههه ولَّعت
ضي بضحكة : مع أني ماأحب هالأسلوب بس هي تستاهل تحاول تقهر رتيل وهذا هي أنقهرت.
عبير : حسيتها جايَّة تتشمت بس تغدينا فيها قبل لا تتعشى فينا
على بُعدِ خطوات : ليه ما قلت ليْ ؟ مستحيل تكون رحت معها روَان كذا فجأة أكيد مخطط وياها من زمان وأنا أحترق عليك بالإتصالات ولا ترد عليّ
عبدالعزيز : مين قالك هالكلام ؟
أثير بغضب : ماهو مهم مين قالي! أبغى أعرف ليه ما تكون صريح معي! دامك رحت وياها مفروض تحط عندي خبر!! ماأظن هالشي صعب عليك
عبدالعزيز : أثير ماني فاضي لهالكلام.. لو سمحتِ
أثير : ومتى تفضى إن شاء الله ؟ لين ست الحسن والدلال تشرِّف عندك
عبدالعزيز بنظرةٍ حادة : أثير!! لا تخلين النفس تشين عليك
أثير بإنفعال : بس شاطر تلحق وراها لكن أنا ولا أهمك ...
عبدالعزيز : صوتِك لا يعلى عشان ما يجيك كف يعلمك كيف تحكين معي
ضربت بقدمها على أرض لتخرج بخطواتٍ مُشتعلة.
في غُرفةِ رتيل، مُجتمعات حولها.
رتيل : وش قالت ؟
ضي : ما ردَّت وراحت لغرفة عبدالعزيز .. ماعليك منها بس
عبير : لو تشوفينها كيف ولَّعت .. ضي عطتها بالجبهة
رتيل : ههههههههههههههههههههههه تستاهل هالمدلعة
عبير : قولي لنا وش صار معكم ؟
رتيل تنهَّدت وهي تسترجع اللحظات الأخيرة لهُما قبل الحادث لتحكِيها لهُم.
دخلاَ في الطريق الرئيسي الذِي تُجرى عليه الإصلاحات، كان الشارعُ ليس مستوي مما جعل السيارة تهتز في كل مسافةٍ نقطعُها، كانت الأدوات الإنشائية مرمية على كُل جانب ، شعَرت بأنَّ أنفاسها تضيق وهي تنظرُ لنهاية هذا الشارع بشاحِنة خاويَة ، أغمضت عينيْها بشدَّة لا تُريد أن ترى شيئًا بينما عبدالعزيز يحاول أن يلتف بالسيارة جانبًا ولكن لا مجال أبدًا بالشارع الضيق جدًا من كُل جانب، حين سمعت صوت تكسير عبدالعزيز للزُجاج الأمامي أدركت أن الموت قريب منهم لا مُحالة، شعَرت بضياع الكلمات والأدعيَة التي تُريدها حتى تحفظها بهذه اللحظات المُرتبكة، ثوانِي فقط كانت تفصُلها عن إرتطام رأسها الشديد بالجُزء الأمامي من السيارة والباب الذي كان مفتوحًا بسبب إصرار عبدالعزيز بأن تقفز منه بينما كنت مُصرَّة على الرفض، سقطت على التُراب الخارجي بعد أن فلَت حزامُ الأمان وأوجَع بطنها حتى شعَرت بالغثيان لا مجال للرؤيَة والدماءُ تهطل كالمطر، نظرت للتُراب الذِي بات طينًا بالدم، رفعت عينها التي يُغمى عليها تدريجيًا لترى عبدالعزيز الساقط على النافِذة الأخرى ورأسهُ ينزف، هذا آخرُ شيءٍ رأته.
،
في ساعات العصر الأولى، الرياض التي بدأت تهدأ شوارعها بعد إنتهاء الدوام. وتصخبُ من جهةٍ إخرى.
نظرت لإبنتها التي قصَّت شعرها الطويل حتى وصَل لمُنتصف رقبتها، بإبتسامة : ماجد قال أنه حلو عليّ !
حصَة : ماجد!! طيب .. أجل وش جاية عشانه الحين ؟
العنود : بآخذ كم لبس لأني بجلس عند أبوي وحددنا حفلة صغيرة بنسويها الأسبوع الجاي وبروح معه دبي.. ومتى ما لقينا وقت مناسب بنحتفل مع بعض بما يليق طبعًا فيني وفيه
حصَة تشعُر بالحسرة على إبنتها، أردفت بهدُوء : طيب ... وأتجهت نحو الصالة.
العنود لحقتها : يممه!! وش فيك متضايقة كذا؟ تدرين أني ماأحب أشوفك زعلانة
حصة : لو يهمك زعلي ولا ضيقي كان أهتميتي برايي
العنود: رجعنا نفتح هالموضوع من جديد
حصَة : خلاص أرحميني بس ولا عاد تسألين عن شي مايهمك
العنود بضيق : تدرين يا يمه أنك تهميني
حصة ألتزمت الصمت دُون أن تنطق شيئًا.
العنُود : وين ولد أخوك ؟
حصة بغضب : تكلمي عنه زين
العنود : أكيد يشيّشك عليّ
حصة بسخرية : أكبر همه أنتِ
العنُود بقصدِ إستفزاز إسمه وكأنه موجود أمامها : ماني أكبر همه بس قدرت أتزوج غصبًا عنه
حصَة تنهَّدت : جايَّة تعلين قلبي .. روحي عند أبوك وخليه يبسطك
العنود : أبوي كان زوجك
حصة بغضب : تعالي علميني بعد كيف أحكي عنه !! الله والأبو بس خليني ساكتة
العنود بقهر وقفت : أبوي عمره ما جاب سيرتك بشي شين ودوم يتذكرك بالزينة لكن أنتِ تحبين تشوهين صورته
حصَة بسخرية : أكذبي بعد!! أقص إيدي إذا يطلع منه شي زين
العنود بخطواتٍ غاضبه أتجهت لغرفتها بينما تركت حصَة تُصارع خيباتها بإبنتها.
في الأعلى، مُثبتة الهاتف بكتفِها وهي مُستلقية على السرير : طيب ؟
أفنان : بس هذا اللي قالته لي !! مجنونة هالبنت مهي صاحية
الجوهرة ببحةِ صوتها المُتعبة : محنا ناقصين نغتابها بعد! .. الله يهديها
أفنان : طيب ما قلتِ لي وش فيه صوتك ؟ تشكين من شي ؟
الجُوهرة : الأجواء عندنا متقلبة يمكن عشان كذا
أفنان الجالسة أمام مكتبها والنُعاس يقترب منها بعد أن حرمتها منيرة من النوم جيدًا، أردفت وهي تتثاءب : طيب بخليك .. تآمرين على شي ؟
الجوهرة : سلامتك .. بحفظ الرحمن
أفنان : فمان الكريم .. وأغلقته، وضعت رأسها على الطاولة وبمُجرد ما أغمضت عيناها دخلت في نومٍ عميق.
وضعت يدها على عُنقها وهي تحاول أن تسترد صوتها المبحوح : آحم .. أتجهت نحو دولابها ، فتحت الدرج لتأخذ جوارب قُطنية تُدفئها، نزلت للأسفَل تحاول أن تشرب شيئًا يُخفف وجَع أحبالها الصوتيَة، وقفت وهي تسمعُ صوتها الذي يأتِ من الصالة.
العنود ممسكة حقيبتُها الصغيرة : يمه واللي يرحم لي والدِيك لا تقهريني زيادة! حفلة بنتك وماتجين ؟
حصَة : قلت لك اللي عندِي، دام سويتِي اللي براسك وش يفيدك حضوري
العنود : تعرفين شي يمه ؟ بديت أشك في الخبلة الثانية اللي ورى ولد اخوك
حصة بغضب : العنود ووجع! تكلمي عنهم بأدب
الجُوهرة تشعُر بأنها مازالت تحمل بعض الشحنات التي لم تُفرغ في ترتيبها للغرفة، أخذت نفسًا عميقًا وهي التي لا تغضب بسُرعة ودائِمًا ما تُمسك نفسها، أتجهت نحوها وأتى صوتُها المبحوح من خلفها : مين الخبلة الثانية ؟
ألتفتت العنود لتتأفأف : في هالبيت الواحد ما يقدر يتكلم الا والكل عرف بالموضوع! ماهو من صغره بس من هالتنصت على الرايح والجايْ
الجوهرة ببرود : ما تنصت بس على الأقل ما ذكرت أحد بغيابه وبهالوصف الشين
العنود بسخرية : يا شين مثاليتك!! سبحان الله تناسبون بعض أنتِ وسلطان كلكم منافقين وكذابين .. إذا أنتِ تكرهين شخص قولي له بوجهه ماله داعي هالكلام الملتوي
حصة بحدة : العنووووود!!
العنود : مع السلامة يمه .. أتجهت نحو الباب لتقف الجوهرة أمامها : ماهو معقولة الكل يشوفنا شي وأنتِ تشوفينا شي ثاني! يعني أكيد ماهو كل الناس على خطأ وأنتِ الصح!! .. راجعي مخك وللمعلومية أنا ماأنافق عليك .. أنتِ ماتعنيني شي ببساطة! لا أنتِ موجودة بقلبي وأحبك ولا أنتِ بعقلي وأكرهك .. مُجرد شخص من فئة الكومبارس بهالحياة
حصة تنظرُ للجوهرة بدهشة، هذه الكلمات القاسية لا تُصدق بأنها تخرج منها، باتت تُشبه سلطان في قسوته أيضًا.
دفعتها العنود لتخرج دُون أن تلفظ كلمة، أنحرجت الجوهرة من نظراتِ حصة لتُردف : آسفة حصة بس هي أستفزتني
بهدوء رُغم ضيقها من الجوهرة : حصل خير ... وخرجت مُتجهة نحو غرفتها.
أدركت أنها غضبت منها، كيف أراضيها الآن؟ لم أتعود أن تزعل منِي أبدًا! تنهَّدت وهي تمسحُ جبينها الذي بدأ الصداع يزحفُ نحوه. رأت عائشة وهي تصعد الدرج : عايشة ... سوِّي لي عصير ليمون بالنعناع
عائشة : زين ... لتتراجع بخطواتها مُتجهة للمطبخ.
أخذت هاتفها وأتصلت على الرقم الذِي ترددت كثيرًا في الإتصال عليه رُغم أنها تحتفظُ به منذُ شهور، جلست منزويَـة في الصالة لتنطق بصوتٍ خافت : السلام عليكم
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجوهرة بإرتباك : دكتورة سلوى ؟
: إيه معاك الدكتورة سلوى
الجُوهرة بلعت ريقها : ماني عارفة كيف أبدأ معك، لكن فيه كم سؤال ودِي أسأله لك إذا مافيها إزعاج
: تفضلي حبيبتي وقتي لك
الجُوهرة : أنا تعرضت لتحرش وأنا صغيرة ..
: قبل البلوغ ؟
الجوهرة : لا بعده .. كنت بالثانوية
: طيب وأيش صار بعدها ؟
الجوهرة : ما أتذكر بالضبط لكن متأكدة أنه حصل إغتصاب .. بس .. حاليًا أنا متزوجة و ... يعني مدري كيف أقولك .. *أردفت كلماتها بتقاطعات شديدة وأنفاس تعلُو وتهبط*
: فاهمتك! يعني زوجك ما دخل عليك ؟
الجوهرة بكذب : إيه .. بس أبغى أتأكد عشان مستقبلاً
: طيب أنتِ سامعة بعمليات ترقيع الغشاء ؟
الجوهرة بربكة : لآ مستحيل!! أقصد يعني ماأبغى أسوي شي حرَّمه الشرع .. أنا راضية بس أبغى أعرف يعني .....
: طيب أنتِ صارحتِي زوجك ؟
الجوهرة : إيه لكن أنا أبغى أسألك بخصوص الغشاء يلتئم ؟ لأن هالشي قبل 7 سنوات ؟
: لو كان التحرش قبل البلوغ فنسبة كبيرة يلتئم زيَّه زي أي جرح بالجسم مع مرور السنين يلتئم ويرجع زي ماكان، لكن لو بعد البلوغ حصَل له تمزق وما أنفضّ الغشاء بأكمله ممكن يلتئم ويرجع طبيعي لكن لو أنفضّ الغشاء كامل فهذا شي مستحيل، لو كان هالشي موجود كان لعبت البنت في نفسها لين قالت بس وبعدين بمرور السنين تضمن أنه يعود .. فاهمة عليّ ؟
الجوهرة برعشةِ شفتيْها : إيه
: السنين تلعب دور في المنطقة نفسها لكن ماهو في الغشاء، يعني ممكن تحس الزوجة أنها بكر بعد هالسنوات لأن منطقتها بتكون مثل منطقة البكر لكن بدون غشاء ... والزوج ممكن يحس بعد بهالشي ... تماما مثل المطلقة اللي تتزوج بعد سنين بتحس بنفس الإحساس.
الجوهرة وهي تسمع صوتُ الباب ، بعجَل : طيب شكرا دكتورة .. مع السلامة وأغلقته وهي تسمعُ وقع خطواته. خرجت من الصالة لتسقُط عينيْها بعينِه. تجاهلها دُون أن ينظر إليْها وهو يصعد للأعلى، هذه النظرات بحدِ ذاتها إهانة، بلعت غصَّتها، تشعُر كأنها طعامٌ أخذ ما يُشبعه منها ثم تقيأُه والآن يشعر بتقززه من منظرِ هذا الطعام. أخذت كأس العصير من عائشة، شعَرت بأنها نفسَها لم تعد تشتهيه بعد نظراتِه، حاولت وهي تُطبق أسنانها بشدَّة ولكن لم تستطع، تركت الكأس على الطاولة لتجلس وهي تُغطي وجهها، كتمت صوتُها وهي تنزلق ببكائها، يكسُرني بكل ما أعطاهُ الله، يكسرني بنظراتِه وبكلماته وبتصرفاته، يكسُرني وأنا الهشَّة السهلةُ الكسر وصعبة الجبر.
أتجهت نحو المغاسِل لتغسل وجهها، شعَرت بحاجتها للتقيؤ رُغم أنها لم تأكل شيء منذُ الصباح، تقيأت جفافها وهي تشعرُ بالألم من هذا التقيؤ الجاف، سعلت كثيرًا حتى ألتقطتها أنظارُ حصة الخارجة، أتجهت إليْها بحنانها الذي لا ينضب : وش فيك ؟
الجُوهرة : شكلي مخربطة بالأكل
حصة بشك : بس ؟
الجُوهرة هزت رأسها بالإيجاب وهي تنحني لتتمضمض، مدَّت لها حصَة المنشفة الصغيرة لتُنشف وجهها.
حصة : وجهك أصفر .. تعالي أكلي لك شي
الجُوهرة : منسدة نفسي ماني مشتهية
حصَة بهدُوء : إذا فيك شي قولي ؟
الجوهرة بعينيْها المُحمَّرة : تطمني ولا شي
حصة تنظرُ للساعة : شكل سلطان بيرجع اليوم المغرب
الجوهرة بهدُوء وهي تتجه نحو الصالة : رجع وصعد فوق
حصَة جلست بمُقابلها : أشربي عصيرك, ما يصير كذا يالجوهرة تهملين أكلك .. حتى صوتك رايح
الجوهرة لم تجِد جوابًا تُعلق به، أستجابت لأمرها وهي تشربُ من العصير الحامض. تمُر الدقائق الطويلة حتى ألتفتت حصَة عندما سمعت خطواته.
لم ترفع عينها، تخشى أن ترى مثل النظرات التي تقتُلها، تخافُ تلك النظرات جدًا.
حصة : وينك صاير ما تنشاف ؟ كل يومك بالشغل وإن جيت حطيت راسك ونمت
سلطان : تعرفين بوسعود مسافر والشغل عليّ مقدر أهمله
حصة : الله يوفقك ويسهِّل عليك يارب
سلطان : آمين ... سرق النظرة إليْها وهي تشرب بهدُوء ليعُود بأنظاره ناحية عمته ... كنتِ تبيني في شي ؟
حصة : لآ خلاص، ما قصرت عنيِّد جت وخذت أغراضها وراحت ماعاد ينفع الحكي معها
سلطان : متى زواجها ؟
حصة : تقول الأسبوع الجاي وبعدها بتسافر معه
سلطان بخِل عليها بدعوة التوفيق ليُردف : بتروح دبي ؟
حصة بإنزعاج : إيه
سلطان : خلها تتحمل نتايج قرارها بروحها
حصَة تنهَّدت بضيق لتلتزم الصمتْ.
سعلَت الجوهرة بشدَّة لتجذُب أنظار سلطان إليْها، كحتُها الحادَّة تُؤلم. وجدًا.
حصَة وقفت مُتجهة إليْها، سكبت لها من زُجاجة المياه : أشربي بسم الله عليك
الجوهرة شربت الماء دفعةً واحِدة لتُردف بصوت مبحوح : عن إذنكم
حصة تُمسكها من معصمها : لحظة أكلي شي
الجوهرة المُشتتة تضيعُ نظراتها بكل شيء ما عداه، تشعرُ بعينيْه المصوَّبة بإتجاهها، تكاد تُخمِّن تعابير وجهه وتصدق بها، أعرفُ كل تفاصيلك الصغيرة والمُعقدة من كسرةُ حاجبيْك حتى فرقعةِ أصابع قدمِك اليُمنى التي تبدأُ بالرنين على الارض كُلما كتمت غضبك.
: بنام وبس أصحى أكـ...
يُقاطعها بصوتِه الذِي يُزلزل قلبها : أكلي بعدين نامي .. وقف مُتجهًا لطاولة الطعام التي تقع في الجهة الأخرى من الصالة.
كانت كلماته أمر وليس لها حق المشاورة، تبعته حصَة لتشعُر حقًا بأنه أمر ويجب الخضوع له.
تقدمت بخطواتها لتتوعَّد عائشة بداخلها بعد أن رأت كراسي الطاولة ليست موجودة بأكملها، فقط ثلاثة على عددهم.
بلعت ريقها وهي تجلس بجانب سلطان وحصة بمُقابلهم. لن تستطيع أن تأكل لقمةً واحدة وهو بهذا القُرب.
بدأتُ تُقطِّع حبة الأرز الصغيرة لمئة قطعة وكأنها تحاول الهروب من الطعام بطريقة الصغار، بمُجرد ما شعرت بأنظاره سحبت الملعقة وقرَّبتها من فمِها، تمُر الدقائِق الصامتة، لا أحد يفتحُ حديثًا ولا أحد يحكِي بعينه شيئًا ولكن الصمت ثرثار، حركات أيديهم لوحدِها " ثرثرة عميقة " ، وقفت حصة : الحمد لله الذي أطعمنا و سقانا و جعلنا مسلمين الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا .. وأتجهت نحو المغاسل.
تجمَّدت الجوهرة في مكانها وهو يهمس : تشكين من شي ؟
نبرةُ الحنيَّة في صوته تشطُرها تمامًا : لا
سلطان ألتفت بكامل جسدِه عليها : ما أفطرتِي ؟
الجوهرة لم تعد تفهمه أبدًا، نظراته قبل قليل كان توحي لشيء وكلماته الآن توحي بشيءٍ آخر، تنظرُ لصحنها دُون أن تضع عينها بعينِه : ما أشتهيت
مرَّت حصَة من عندهم لتتجه لغرفتها بعدما رأتهما يتحدثَان معًا، تحاول أن تفتعل الإنشغال فقط لتُحضِّر لهم الأوقات التي يختلُون بها مع بعضهم البعض، سلطان يستحق والجوهرة أيضًا تستحق، أشعرُ بانه أبنِي وأشعر أيضًا بأن الجوهرة إبنتي، لا أحد يُسعدني غيرهما في وقتٍ هجرتني به إبنةُ بطني.
سلطان يُثبت أنظاره على إرتعاشِ شفتيْها، يتأملُ ملابسها التي تبدُو وكأنها مُتجمدة رُغم الجو الحار بنظره : ليه لابسة كذا ؟
الجوهرة : بردانة
سلطان : بس ؟
الجوهرة تفهم ما يُريد أن يصِل إليْه : إيه
سلطان دفع كُرسيه للخلف ليتركها، بلعت ريقها تخشى أن تنهار ببكائها، أريد أن أفهم هو يخافُ عليّ ام يُشفق أم يحاول أن يسأل بـ روتينٍ مُعتاد؟ تنهَّدت لتقف مُتجهة للمغاسِل المُطلة على الصالة والخاصة للضيوف بينما تنتهي بحمامٍ في الزاويـة، نظرت إليْه وهو يتوضأ، أخذت نفسًا عميقًا وهي تُغسل يديْها، رُغم أنه ليس وقت صلاة ولكن تُلاحظ وضوءه المتكرر في كل مرة يدخل بها الحمام. أذكر عمي عبدالرحمن كان يتوضأ ايضًا في كل مرة يدخل بها الحمام أو يمُر ناحية المغاسل.
سحب بُضع مناديل ليمسح ذراعيْه المُبللة ووجهه، ينظرُ إليْها ويُطيل النظر، مسكَت نفسها ولكن معدتُها تهيجُ عليها اليوم لتنحني مرةً أخرى وتتقيأ، أقترب منها وهو يضع يدِه خلف ظهرها : وش صاير لك اليوم ؟
الجُوهرة بدأت تسترجعُ ذاكرتها، كانت تتقيأُ كثيرًا كُلما أقترب تُركي منها ولكن لا مقارنة بين تركي وسلطان.
الجوهرة التي تعرفُ سبب تقيؤها، إهمالها لتغذيتها تجعلُ معدتها تثُور في اليوم مئة مرَّة : سوء تغذية وبس!!
سلطان يسحبُ لها المناديل دُون أن يمده لها، هو بنفسه من قام بمسح ملامحها، وضعت يدها عليه محاولةً إبعاده ولم تتوقع أن تتورط به، بلعت ريقها الجاف بعد أن أرتجفت أصابعها بلمستِه، سحبت كفَّها لتتدافع دموعها عند حافة محاجرها.
سلطان يرمي المناديل في الحاوية الصغيرة ليتكأ على المغسلة بمُقابلها : إذا تعبانة من شي قولي
الجُوهرة بتشتيت نظراتها وصوتُها المبحوح يُؤلمها، وضعت يدها على بطنها الذي يتقلص ويتمدد بوَجَع : قلت ولا شي ..
كلمتُها الأخيرة التي أتت مُرتجفة كانت كفيلة بأن تُسقط دمعها الذي كابرت به كثيرًا.
سلطان تنهَّد وبصيغة حادة : ليه تبكين ؟
الجوهرة أبتعدت بخطواته لتتجه ناحية الدرج ولكن وقف أمامها بغضب : أنا ما أسأل جدار! لو منتِ تعبانة كان علمتِك كيف تديرين ظهرك وتروحين
هذا التوبيخ يزيدُ من بكائها، أردفت ببحة : طيب أنت قلتها! تعبانة وأعصابي بعد تعبانة .. ولا حتى بالبكي بتحاسبني
سلطان : ما حاسبتك! أنا سألتك
الجوهرة ببحتها الموجعة : وأنا جاوبتك .. قلت لك تعبانة ... ممكن أصعد فوق ؟
سلطان أبتعد عن طريقها بهدُوء دون أن ينطق بكلمة.
،
يوقِّع على بعض الأوراق الخاصَة بعمله الشخصي، ينظرُ للساعة يترقبُ بشوق موعدٍ مع صوته الذِي يُحب ويشتاق له، هو الحياة في كل شيء، هو الوطن حين أحتاج للإنتماء، جهَّز نفسه لموضوع الملكة، يُفكِر بطلب رؤيتها ولكنه منحرج من اشقائِها، وصفُ والدته لا بأس به ولكن أشعرُ بمبالغتها، أحتاج أن أراها. سمَع صوت ريف ليتجه نحو الصالة العلويَة : يسعدلي مساك
والدته : ومساك يارب ، فصول حبيبي وش رايك تنام وتريِّح عينك عشان يكون وجهك منور بكرا
ضحك ليُردف : ليه وجهي مبيِّن تعبان ؟
والدته : مررة يا بعد قلبي
أبتسم : يمه عادِي أطلب شوفتها ؟
والدته : إيه عادِي وش فيها من حقك
فيصَل : بس مستحي من يوسف ومنصور .. مدري أحس صعب الموضوع
والدته : لآ تستحي ولا شي .. قل لهم بشوفها ولا خل عمك ضاري يجيب لك راسهم
فيصَل أتسعت إبتسامته لحضُور إسم عمه الذِي دائِمًا " يجيب العيد " : تبيني أنفضح
والدته : لا تنفضح ولا شي .. قوله وبيضبط
فيصل : طيب يمه في حال ما عجبتني وش أسوي ؟
والدته بسخرية : سو نفسك ميِّت
قبل أن يُعلق عليها أندفعت بكلماته : بتعجبك ونص .. لا تفشلنا مع أهلها ، البنت كاملة والكامل الله
فيصل : يمه أنتِ عندك كل بنات الرياض كاملين
والدته : حرام عليك ما عُمري مدحت لك وحدة .. و هيفاء تهبِّل ماشاء الله تبارك الرحمن .. ثقل ورزانة وسنع وعقل .. وش تبي أكثر ؟
فيصل : خوفي أنصدم فيها
والدته : منت مصدم أقولك البنت تهبِّل .. وعليها رقص ماشاء الله عيني عليها باردة
فيصل : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه وأنا أبيها ترقص!! أنا أبي وحدة تكون ..
قاطعته : تكون ذكية وتهتم في شغلك وتحاول تساعدك ويكون عقلها متفتح ومتعلمة .. كل هالمواصفات في إنسانة وحدة إسمها هيفـــــــــــــاء *مدَّت بإسمها حتى تضع له حدًا في تردده*
فيصل : يمه والله خايف يكون ذوقك شين لأني مقد جربته
والدته : يا قليل الخاتمة أقولك البنت قمر تهبل ماشاء الله! وأنت شايف أخوانها مزايين يعني ماراح تطلع غير عنهم
فيصل : يا كثر البنات الشيون وأخوانهم مزايين .. ماهي قاعدة ذي
والدته : الحين تبي الجمال ولا لأ ؟
فيصل : أبي شخصية بالمقام الأول وشكل يفتح النفس بالمقام الثاني
والدته : شكل يفتح النفس فهذا الشي منتهين منه والله لا تخلي نهارك ليل وليلك نهار من تأملك فيها
فيصل أتسعت محاجره بدهشة من وصف أمه التي تُشعره بأنها ملاكًا على الأرض : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه والله يا يمه تراك بتؤثمين إذا كنتِ تبالغين
والدته : رجعنا لموضوعنا القديم! أقولك البنت قمر يا ولدي ليه ما تصدقني .. قلت لك تشبه يوسف وأنت شايف يوسف ماشاء الله تبارك الرحمن زينه محدن يختلف عليه .. وفيها شبه من منصور بعد .. البنت مزيونة
فيصل : مقياس الجمال يختلف ممكن أنتِ تشوفينها مزيونة لكن أنا ما أشوفها شي
والدته : فيصل دبلت كبدِي أقولك كذا تقولي كذا !! تعبتني .. هيفاء تناسبك خذها مني وتوكل على الله
،
يوقِّع على بعض الأوراق التي تدرج تحت إسم " مركز إعادة التأهيل في ولاية يوتا – أمريكا – " ، ليجلس بالقُرب منه، يُبلغه الخبر الأسوأ على الإطلاق ولا طاقة له للرفض، بصوتٍ يشتدُ إتزانًا : هناك بتلقى واحد سعودي وبيساعدك،
صمَت قليلاً ليُكمل : ماراح أعتذر لك يا تركي على اللي أسويه لك الحين، عشت طول عمرك حر تطلع متى ماتبي وتدخل ماتبي ، ما حاسبتك على شي .. ولا شيء حاسبتك عليه ولا رفضت لك طلب، لكن الحين منت حرّ .. بتجلس في المصحة هناك لين ترجع تركي اللي نعرفه ذيك الساعة أبعد وكوِّن حياتك بعيد عنَّا ..... تعرف شي؟ أني متسامح كثير والغلط يتصلح ونغفره لك .. لكن الخيانة يا تركي صعبة! تخوني في بنتي هذي اللي مقدر أسامحك عليها ...... روح واجه الحياة بروحك .. حسّ بالنعمة اللي كنت فيها، هذا إذا قدرت تواجه الحياة .. هذا إذا قدرت تنام وأنت مرتاح الضمير .... يا هي قوية يا تركي كيف قدرت تنام طول هالسنين وكيف قدرت تطالعني وتحط عينك في عيني وأنت تغدرني في اليوم مليون مرررة ... *أردف كلماته الأخيرة بضغطِه الشديد على أسنانه وكأنه سيقتله الآن بنظراته* ...... بس لو أعرف كيف ... ضرب بكفِّه على الطاولة بغضب ليقف : الله لا يسامحك .. الله لا يسامحك ........... وخرج بخطواتٍ تحشرُ أصابعها بحُزنٍ عميق.
وضع يداه على أذنيه وملامِحه يتدفقُ منها الحزن/البكاء، تم الحُكم عليه بسجن جسدِه في مصحَةٍ لا يعرفُ عنها شيء سوَى أنها ستُحاصره وتمنعه من العيش، كان يجب أن نُفكر قبل أن نرتكب أخطائنا بعواقبِ ما نفعل.
،
تتراجع خطوتيْن للخلف لينجذب سمعُها لكلماتِه الخافتة اللاذعة و الساخرة، بلعت ريقها بصعُوبَة ما تسمَع.
بضحكَة : أنتظرها تولد آخذ ولدِي وأطيِّرها لأهلها
هيفاء : هههههههههههههههههههههههههههههههه تذكرت جدِّي الله يرحمه .. ماشاء الله عليه ما خلاّ وحدة من القبيلة الا ما تزوَّجها .. كثَّر نسله على الفاضي أستغفر الله
يوسف يصخبُ بضحكتِه : هذي حوبة حريمه كلهم ماتوا صغار ... لا يجي الحين أبوي ويعطيك محاضرة في إحترام الأموات
هيفاء : فديت طارِي جدي الله يرحمه ويغفر له
يوسف: آمين
أخذت نفسًا عميقًا لتدخل : السلام عليكم
: وعليكم السلام
يُوسف بإبتسامة : زين نزلتي .. تعالي
بهدُوء جلست بجانبه دُون أن تنطق كلمَة أو حرف،
هيفاء نظرت لجوِّها المشحون لتنسحب بهدُوء وتتركهم ، ألتفت عليها : وش فيك ؟
مُهرة دُون أن تنظر إليه لفظت بغضب : تعرف تستغل الظروف لصالحك
يُوسف رفع حاجبه : أيّ ظروف ؟
مُهرة بحدة ألتفتت عليه و لا يفصلُ بينهما سوَى بعضُ الهواء العابر : تتفاخر عند أختك بكل شيء سخيف تسويه بحقي !!
يُوسف عقد حاجبيْه : وش اللي تفاخرت فيه ؟
مُهرة بقهر تنظرُ له : لا تحاول تستغفلني!! أنا بنفسي سمعت .. كذِّب أذني بعد!
يوسف : وش سمعتِ ؟ فهميني عشان أعرف وش الخرابيط اللي تقولينها
مُهرة وقفت ولكن يد يوسف شدًّ على معصمها حتى لوَى كفَّها وبغضب : ماني أصغر عيالك!! أنتبهي لكلامك معي
سحبت كفَّها وهي تُدافع عن الغصات الي تتراكم في جوفها : أنا بطير لأهلي قبل لا تطيِّرني
تنهَّد بعد أن فهَم ما سمِعت : غبية!! حتى المزح تآخذينه بجد ..
وبعصبية أردف : الله والنفسية الزبالة يوم تآخذين المزح كذا !!
مُهرة بمثل عصبيته : ولا أنا أصغر عيالك عشان تكلمني بهالطريقة!! وش المزح في الموضوع !!!!! ولا هالكلام فيه مزح بعد
يوسف : روحي أسألي هيفا عن وش كنا نتكلم! بس أنتِ تنهبلين لو جاء يوم و ما نكدتِّي عليّ فيه ... وتركها خارجًا.
،
تجاهل كلماتِهم وتوصياتِهم، عقلُه لا يسيطر عليه إلا فكرة واحِدة، فِكرة " غادة " فقط، يسيرُ متجهًا لشقتِه بعد أن دخل منطقتهم الصاخبة، نظَر لغُرفته الشديدة الترتيب ، وضعَ حقيبته على الأرض ونزع قميصه المُتسِخ بقطراتِ الدماء، أرتدى على عجل وهو يسابق عقربُ الثواني، أخذ معطفه وخرج ليتصل على الرقم الذِي أعطاهُ إياه فيصل : السلام عليكم
وليد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ناصر : وليد ؟
،
السادسَة التي تمرُ على سماء باريس كتوقيتٍ للعصر، تنهَّد بعُمق وهو يشعرُ بأنَّ نبضاته تقترب للنفاذ، هزّ قدمِه اليمنى كثيرًا لا يستطيع أن يُخفي توتره وترقُبه لمجيئه.
محمد الذِي ألتقط حضُوره على بُعدِ أمتار، همس : جا .. خلك ثقيل ولا ترتبك
وقف فارس معَه ليبتسم عبدالرحمن مُسلمًا عليهُما.
محمد : بشِّرنا عن حالك عساه تمام ؟
عبدالرحمن : الحمدلله بخير
محمد : معك محمد إبراهيم وولدي مشعل
عبدالرحمن : والنعم والله..
أقترب النادِل الفرنسِي ليُضيِّفهُما بالقهوة العربيَة في صالة الفُندق المخصصة لكبار الشخصيات.
محمد : ماعليك زود،
صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل
،
وقفْ بعد أن أتزن بمشيْه، يشعرُ ببعض الألم في قدمِه اليمنى ولكن تحامل وهو يرتدِي لبسه الذي أتت به أثير صباحًا، لآيعرف كيف يُراضيها الآن! أو كيف يشرحُ بها، لا يُحبذ أبدًا ضيقها أو حتى زعلها، أقترب من المرآة نظر لرأسه المُغطى بالشاش والجرحُ الذِي يعتلي حاجبه، أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا.
.
.
أنتهى ، نلتقِي إن شاء الله يوم الإثنين. ()
بس أحب أقولكم شيء صغير :$، ترى القفلات ماهي للتشويق بس، أنا أحيانًا أحتاج لقفلة عشان أمخمخ على الموقف اللي بعده صح، لأن بعض المواقف تحتاج تكون بداية بارت لوحدها، فاهمين علي :$(())
غير كِذا هذا البارت بصراحَة كان بيكون أطول من كذا رُغم أنه للمعلومية طويل وعدد صفحاته بالوورد 23 ، لكن لحاجة في نفسِي قسَّمته.
.
.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()
لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.
أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة
*بحفظ الرحمن.
|