كاتب الموضوع :
عبير قائد
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 34 - رواية "شيوخ لاتعترف بالغزل" لِ عبير قائدالفصل ال 17 (1) رواية قمة في التميز
نظرت له فاغرة فاهها لينظر لها متحدياً:
-هيا مدام .. ليس لدي وقت..
تلعثمت حروفها .. واضطربت هامسة:
-لا .. لاأعرف..
رفع حاجبه بشــر .. لتهمس باكية:
-لااعرف كيف اعود وحدي..
أشاح عنها بسرعة قبل ان يفقد تماسكه ويمسح دموعها بطريقه تجعلها تكرهه الى الابد وابتلع ريقه بصعوبة وهو يهتف:
-اذا دعينا ننهي موعدي وسأعيدك بنفسي.. لاتقلقي..
تراجعت شاحبة.. منكمشة في مكانها تواجدها الحميم مع رجل غريب في مكان ضيق كسيارته الرياضية الغريبة.. جعل كل عروقها تقف متحفزة بانتظار ماقد يقوم به.. ولكنه لم يفعل اي شيئ... سوى قيادة تلك المركبة الصاروخية بسرعتها الهائلة التي حبست انفاسها وهي تهمس:
-قلل السرعة ..
ليضحك فخوراً بصغيرته السريعة ويربت على المقود هاتفاً بشراسـة:
-لا مداام ..السرعة هي حياتي فاعتادي عليها منذ الان..
"تعتااد عليها؟؟"
فكرت بذعر .. انها الاولى والاخيرة .. ولن تتكرر ماحييت.. اقسمت سراً وهي تحكم حزام مقعدها حولها وتتشبث بمقعدها بشكل مضحك والسيارة تطير بهما عبر الطريق السريع خارج حدود باريس الباردة ..
يرمقها بوحشية سافرة ..
من كان في مثل سعادته وهناءه .. طريدته ناشبة بين ضلوعه .. لم يعد يفرق من اصطاد من .. من الصياد ومن الضحية .. هما الاثنان معاً .. الان.. ولتنهاار الدنيا من حولهما ..
كانت تقارب الثالثة حين أوقف السيارة .. أمام مبنى من دور واحـد .. سقفه منخفض .. محاط بسياج حجري تسلقته النباتات الشاحبة بفعل فصل الشتاء القاسي.. وبدا مهجوراً..
نظرت نحوه مذعورة وهتفت:
-أين تأخذني..
استند على كرسيه براحة وضم يديه على بطنه قائلاً:
-انا جائع .. ألست جائعة؟؟
اتسعت عينيها بذهول وراقبته يترجل متمهلاً,, صرخت تناديه:
-هيييه .. انت ياهذاا ..
لم يتوقف.. بل استمر بالابتعاد لتقفز خلفها راكضة ..
-تعال وقد هذه الخردة وعد بي الى منزل عمي..
صاحت بحنق .. ليلتفت لها ناظراً بمكر لعينيها المتوهجة بالغضب.. شعرها المنكوش حولها بفعل الهواء البارد.. وجهها الذي احمر بسبب الغضب او البرد .. كلاهما قاسٍ وقارص..
-اخبرتك أنني جائع.. من يقود بهذا الجو ببطن فارغة ..؟؟ هيا تعالي لنأكل شيئاً..
-لااايهمنييي..
صرخت بعنف وهي تضرب الارض بقدمها كالاطفال ..بحنق .. وغضب جعله يضحك من اعماقه وهو يشير لها بالرفض ويعاود السير بتمهل.. تاركاً اياها تبتلع غيظها وحنقها وتكاد تجن من اسلوبه الماكر السخيف.. تباً تباً .. انه يذكرها باغاظة رعااد شقيقها لها.. ولكنها لن تسمح له.. لن تسمح له ان يسيطر عليها .. عادت تقف امام السيارة تستند عليها.. لن تدخل .. ستبقى هنا..
فكرت بعناد وهي تزم شفتيها غضباً ..وتستند الى بدن السيارة ..
الجو كان بارداً .. بشكل مرعب..
ضمت ذراعيها اليها بقوة وزفرت البخار البارد .. كانت أسنانها تصطك برداً .. وهي تخفض رأسها تحول رفع ياقة معطفها تحميها من الهواء البارد حين شعرت باصابعه تحيط ذقنها بقوة .. لترفع له عينين غائمتين بالغضب.. كمراجل نار .. انتقلت حرارتها اليه بلحظة .. وهمس:
-قلت لك ألاتخفضي رأسك..
زفرت هواءاً مثلجاً .. وهي تتذكر الشق الثاني لعبارته والذي أغفله متعمداً .. ثم تركها مجبراً وهو يواصل:
-تعالي.. سنأكل وأعيدك لمنزل عمك مباشرة ..
ترددت للحظة .. قبل ان تتبعه ببطئ..قلبها يخفق بجنون بمشاعر لم تفطن لها ابداً من قبل .. تشعر بارتباك يحوط بها ويدمر اعصابها.. تنهدت وهي تضغط على قلبها بخفة ..
المبنى من الداخل كان كالجنة بدفئه ..
ركضت كالاطفال نحو المدفأة الحجرية الضخمة وخلعت قفازها لتبث النار دفئها اليها .. وتنهدت براحة والدفئ يتغلغل الى داخلها .. وراقبها هو من بعيد .. بابتسامة حانية .. لم يستطع السيطرة عليها ..
التفتت اليه وراقبته يقترب.. نازعاً معطفه الثقيل وقبعته وشاله .. وضعهم على ظهر كرسي قريب وهمس لها:
-هاتي معطفك..
نظرت له بتردد قبل ان تجيل نظرها في المكان..
كان مطعماً ريفياً انيقاً .. أخذها عمها الى واحد مشابه قبل فترة .. كانت الطاولات متباعدة تفرض خصوصية راقية لكل الموجودين والذين كانوا بعدد الاصابع الواحدة .. كان الوقت متأخراً جداً للغداء .. ومبكراً جداً لتناول العشاء..
تنحنحت وهي تنزع معطفها .. لتظهر كنزتها الكشميرية الانيقة بكميها الطويلين والت وصلت لحدود ركبتيها .. تناول معطفها وقادها الى الطاولة المعدة سلفاً ..
-بماأنك ضيفتي فسأطلب لك الطعام على ذوقي..
لم تعترض وكأنما فقدت قدرتها على الحديث.. تركته يطلب مايريد .. لغته الفرنسية كانت جميلة .. راقية ومهذبة .. قوية ومسيطرة .. والوقت بعدها مضى بالصمت .. كان يريد التكلم .. أن يسمع صوتها فقط .. ولكن مهما حاول القاء بعض الاسئلة.. الا انها كانت تجابهه بالصمت المطلق..
ولذا سكت حتى جاء الطعام .. تأملته سلمى بحذر وهمست حينها:
-ليس به ايش من منتجات الخنزير؟؟
نظر لها مجفلاً .. قبل ان تكتسحه مشاعر الحنق.. ينتظر منها كلمة لمدة وحين تفرج عنها تسأله عن الخنازير.. قلب شفتيه وهمس بنفاذ صبر:
-لاتقلقي.. لقد نبهته.. انها بط مشوي وبطاطا بالكريم .. لاتقلقي..
مطت سلمى شفتيها وهي تفكر انها لم تذق بطاً قط من قبل.. ولكن لابأس.. ستجرب..
-ماذا تشربين؟؟
تسائل لتهز كتفيها بلامبالاة فعاد يسأل:
-اتريدين شراباً خفيفاً.. ام ثقيل؟
-خفيف..
همست لينظر للنادل ويأمره باحضار البيرة لها والنبيذ له فشهقت صارخة:
-انا لاأشرب الكحول ..
نظر لها مندهشاً قبل ان يعي مع من هو بالضبط ويشير لها ان تهدأ ويسألها:
-مشروباً غازي اذاً؟؟
-لم اعد أريد أن أشرب..
هتفت بحنق ليهز رأسه ويلغي طلبها ويؤكد طلبه هو فتعترض بصلابة:
-ولاأجلس على طاولة يدار فيها خمر..
عقد حاجبيه بحنق .. ولكن رؤيته لانعقاد حاجبيها الحازم أدرك معه انها جادة وقد تسبب له فضيحة فألغى طلب واستبدله بمياه معدنية له ولها.. هو بلاتاكيد سيحتاج لمايبلع به باقي الوجبة..
بدأت بتناول طعامها ولدهشتها كان الطبق لذيذاً .. والبط طرياً .. والبطاطا ناعمة كأنها قشدة ..كانت تأكل بنهم فهي لم تتناوزل افطارها .. لم تتناول شيئاً منذ ليلة أمس.. راقبها مشدوهاً ..
كيف تعامل البطة بفرح .. حتى انها كانت تحادثها ضاحكة:
-لابد انها كانت بطة سمينة..
رفع حاجبيه بمرح .. وهي تواصل:
-يالهي البطاطا راائعة .. كيف يصنعونها .. لوكان رعااد هنا.. لأعجبته ..
عقد حاجبيه بحدة .. لتتجمد يدها .. ثم تفلت شوكتها وقد فقدت شهيتها ..
لوكان رعااد هنا؟؟ قحطان أو حتى علي..؟؟
طفرت دمعة من عينها .. ليسارع بالتقاطها بأصابعه .. لتنتفض متراجعة بعيداً عنه فيهمس بغلظة:
-من يكون؟؟ رعاااد؟؟
تأملته للحظة قبل ان تهمس:
-أخي..
قلتها بخفوت .. لتتوتر نظراته وهو يحاول ان يفكر بالرجل خلف الاسم .. الاسم الغريب الذي لم يسمع مثله قبلاً ..
-كم اخوة لديك؟؟
-ثلاثة .. والجوهرة .. شقيقتي.. ومحمد"رحمةالله عليه"
همست .. وهي تعاود العبث بطبقها .. تشتااق لعائلتها حدود الوله ..
-ألــن نعود؟؟
همست باضطراب.؟. ليجيب:
-الحلوى..
وأشار للنادل ليأتي بموس شوكولا بديع .. أسال لعابها .. وله القهوة.. كيف عرف انها تعشق الشوكولا.. لاتعرف ولكن اختياره اعجبها.. بل اطار صوابها.. توسعت حدقتاها ومضت تأكل بشهية وهي تصدر اصواتٍ راضية .. ذكرته بهريرة صغيرة .. بالطبع يجب ان تعشق الشوكولا.. فهي مثلها ..
سمــراء.. لذيذة .. ولايقاومها احــد .. !!
عقد كفيه أسف ذقنه ومضى يتأملها وهي لاهية بكنزها الصغير.. بابتسامة خلت من اي شيء سوى الانبهار بملامح وجهها البريئ.. والذي تتبدل حسب ماتتذوقه..تغمض عينيها وتبتسم وهي تضع ملعقة كبيرة بين تلك الشفتين المحرمتان .. وتنتشي لتحمر وجنتاها.. وتعاود التهام المزيد .. وتتبدل ملامحها في نشوة تلو أخرى.. كطفلة شقية ..نالت كل ماتبتغي..
لم تبقي فيه شيئ..
-هل أطلب لك واحداً أخر؟؟
همس بخشونة .. وهو يحاول السيطرة على اصابعه التي تاقت لمسح بقايا الشوكولا من على طرف فمها الشهي .. لتهتف باكتفااء:
-لااااا.. لو أكلت اكثر فأنا سأعود لباريس ركضاً..
لم يضحك .. لم يشعر برغبة بالضحك.. كان يقيد وحشاً بداخله .. فكيف يضحك؟؟
نهض بسرعة لغرابة الامر .. كان يريد الانتهاء من هذا اللقاء.. فقد بدأ يفقد سيطرته..!!
حالما خرجا صفعهما الهواء البارد.. تناثر شعرها حولها .. وضمت كفيها بسرعة امام فمها ليعبس بحنق.. وينزع شاله الصوفي ويحيطه بعنقها بقوة متجاهلاً اعتراضها .. ويحثها على الاسراع الى السيارة ..
كانت الرحلة هذه المرة مختلفة .. وقد بدأ الظلام يرزخ على الطريق وتلوح أضواء باريس الجميلة في الافق..
مالذي فعلته؟؟ فكرت برهبة؟؟ تخرج مع رجل غريب .. بالكاد تعرفه.. بل هي لاتعرف اطلاقاً؟؟ جف حلقها وانتشرت في خلايا انفها رائحة قوية غريبة.. رائحة أزكمتها .. ارادت التخلص منها ولم تقدر ..
مالذي سيقوله زوجها حين تعود برفقة رجل أخر؟؟ مالذي سيفعله اخوتها؟؟
تجمد ريقها وارتجفت يديها .. ضمتهما اليها بقوة ..
-تشعرين بالبرد؟؟
تسائل بقلق وهو يرى ارتجافتها الواضحة لتنفي بهزة من رأسها .. فعقد حاجبيه وصمت ..
أوصلها الى المنزل الغارق باضواء المساء وبرد الليل الوشيك.. ترجل قبلها وساعدها على النزول..
-هل تريدين مني الدخول معك؟؟
نظرت له بتوتر وهمست:
-ماحدث لن اذكره لأحد.. وسأنساه في الصباح الباكر..
اختلجت عضلة في فكه .. واستشاطت عيناه بغضب.. وبكل برود همس:
-ان كان الامر بهذه السوء فلم لاتنسينه منذ الان؟؟
اتسعت عينيها بصدمة .. الا انه لم يترك لها الفرصة للرد .. وعاد لسيارته يقودها بسرعة .. تابعته بنظراتها للحظات قبل ان تعاود الرائحة الغريبة هجومها .. رفعت يدها تمسح انفها لتكتشف وشاحه الملتف حولها كأفعى..مصدر الرائحة الغريبة .. مزيج عطري نفاذ.. غريب..
أماهو .. فقد قاد سيارته بسرعة .. وبعد ان ابتعد لمسافة كبيرة أخرج هاتفه وطلب رقماً طويلاً .. وبعد سماع صوت محدثته الناعس قال بحزم:
-رووبي.. أحزمي حقائبك.. أنا احتاجك هنا في باريس..
ودون ان يفسر القى الهاتف جانباً .. وهو يصر في اعماقه على انهاء الامور بأسرع مماهي عليه حالياً..
***
|