كاتب الموضوع :
عبير قائد
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 34 - رواية "شيوخ لاتعترف بالغزل" لِ عبير قائد الفصل التاسع رواية قمة في التميز
شيوخ لاتعترف بالغزل
الفصل العاشـر
***
تثاقل يبقيها على الفراش .. لاتقوى على النهوض والبدء بيوم لاينتهي .. بكابوس خطت تفاصيله بيديها نقشت قوانينه بحماقتها .. تهور .. شيطان لايحمل عقوبته ولايزر وزره إلا هي !! يوم جديد يحمل ملامح كل ماسبقه يعكس خشونة أيام مضت ولاتزال معالمها على جسدها !!
رأت السماء تغير لونها ليشرق الصبح .. لايحمل الا معاني الذل ..
نهضت واقتربت بتردد من النافذة .. تريد استقاء نظرة للخارج .. فقط نظرة .. اشتاقت لحريتها .. لتنفس هواء لايعبق برائحة الظلم .. الحبس .. القهر الذي تعيشه ..
انسابت دموعها بحرقة كعادتها كل صباح .. ترى القضبان التي تشق نافذة غرفتها وتعزلها عن خارجها .. ترى كل شيء في الخارج وهي هنا .. محبوسة .. !!
مسحت دموعها بظهر كفها بقوة تنشقت باقي حزنها ومضت تريد أن تشغل نفسها .. فقد تعلمت منذ اسابيع ألا فائدة .. وأن الدموع والحزن لن تجلب لها سوى المزيد من القهر .. والألم ..
مسدت ذراعها بخشية .. ترى أثر قبضته المؤلمة .. عبر مرآة الحمام رأت البقعة التي تلونت بألوان متعددة شعرت بسقف حلقها يحترق من الغصة والألم .. وذكرى سبب البقعة الجديدة يحرق قلبها الفتي ..
رفعت عينيها للمرآة هذه المرة ولم تقوى على النظر ..
ليس وهي بهذا الضعف .. ليس وهي ترزخ تحت كل هذا القهر ..
ليست تلك العينين بعينيها .. تحوطهما الهالات السوداء .. بشرتها شاحبة .. ذابلة .. بالكاد تقدر على التعرف لنفسها .. لاتكاد تعرف نفسها ابداً .. مسدت خصلات شعرها التي تهدلت حولها بغير اعتناء .. وشعرت بالقهر .. رفعت عينيها بخشية تنظر لنعومة شعرها تختفي .. وأطرافه جدباء مقصفة .. اصبح طويلاً دون ملامح .. اختفت تموجاته .. وبقي شيء بشع لاتطيق حتى النظر اليه ..
وجهها الوافر الصحة صار نحيفاً .. بالكاد تظهر له ملامح من جمالها الصاعق ..
وجنتيها غائرتين ..بشرتها الوردية صارت شاحبة كثلوج الجبال .. شفتيها جافتين ومشققتين .. أغمضت عينيها تخفي بريقهما الذي انطفأ .. تحيط جسدها الذي فقد من وزنه الكثير والكثير ....
لقد أصبحت مجرد شبح ..
شبح مخيف فقد قدرته على الحياة .. بكت بمرارة ..
وتراجعت تغرق نفسها تحت الميـاه .. مهما حاولت غسل جسدها فلاتقدر على ازالة قسوته .. عنفه .. لاتقدر على ازالة ضعفها وقلة حيلتها .. لاتقدر على غسل ماعانته طيلة شهر مضى .. شهر كامل من العذاب والذل .. شهر من الاحتراق البطيئ بسبب غلطة .. ارتكبتها متعمدة ولم تحسب حساب من تخطئ أمامه ..
لم تحسب حساب الشيخ الذي لم ينزل بكلمته .. ولم يمرغها في التراب كما فعل معها .. وأذاقها الهوان .. العنف والقسوة .. بلارحمة .. كشيئ زائد لاقيمة له في الحياة ..
جلست متهالكة تغرق وجهها بين ركبتيها وهي تشهق بعنف .. لم تعد تقدر على التحمل .. ينتهك انسانيتها بلارحمة ولاتقدر على الشكوى لأحد ..هو حتى لايتنازل الى النظر اليها .. وكأنه سيتسخ برؤيتها كما قال لها يوماً .. تركت المياه تغرقها .. تخفف من وطئ ذكريات ليلة أمس والتي مارس فيها قسوته كالعادة .. لذنب بسيط لم تفهم حتى معناه .. ولكنها كأي أمة في حضور سيدها كان يجب ان تنفذ أوامره كلها بالحرف الواحد دون اعتراض .. وخطأها أنها اعترضت ..بل أنها كانت على وشك الاعتراض.. ولم يمهلها حتى .. كانت تريد ان تفهم ولم يمهلها .. كان ديكتاتوراً .. قاسياً .. مهيناً ..
شهقت بوجع ونهضت بسرعة تنهي حمامها .. لوعاد قبل أن تنهي واجباتها التي أرغمها على فعلها .. اتسعت عينيها برعب من هول ماتخيلته..
رتبت كل حاجيات الجناح المبعثرة .. نظفت الأرضية .. الملابس الملقاة باهمال على الفراش والكرسي .. غسلتها ورتبتها .. كل شيء أصبح في مكانه تأملت الجناح الذي عاد يبرق من النظافة وتنهدت جالسة بحسرة .. تنظر لأظافرها واصابع يديها .. التي كانت يوماً منمقة ومثال في النظافة والأناقة .. والأن ..
تنهدت بحسرة جديدة وهي تتأمل أظافرها المتكسرة .. أطرافها المجعدة والمشققة.. تأففت وهي تحاول التقلب على الكرسي لتبعد الوجع من مؤخرتها المتألمة .. تباً له .. ألا يدرك قوة يديه حين يستخدمها على أنثى ضعيفة وقليلة الحيلة مثلي؟؟؟
ورفعت عينيها بتضرع خجول لله .. ياارب ساعدني .. بكت بمرارة .. لم أعد أحتمل .. حقاً لم أعد أحتمل ..
أسبلت جفنيها وحاولت أن تعوض نومها الذي لم تهنأ به ليلة أمس .. تحاول جهدها أن ترتخي وهو بعيد .. ولكن؟؟!!
انتفضت جالسة..لأان الباب فتح بقوة .. معلناً عن عودة الشيخ .. عودة معذبها الأوحد ..الرجل الذي تحدته بكل تهور وقاومته بكل غباء لتنهزم أمامه بكل ذُل وتعلن العصيان عليه بلاأمل ..
!!!!!
دخل بهدوء اعتاده في الأيام الأخيرة بعد أن حول الوقت ثورته وغضبه العاصف الى برود وقسوة جافة لايمكن أن يتصورها أحد عرفه في يوم .. !! كان يمارس عليها كل طقوس القسوة ولايتوقع منها سوى الاذعان وإن فكرت يوماً في المقاومة والاعتراض كان يعرف بالضبط كيف يقومها الى طريق الخضوع مجدداً ..
رفع بصره اليها .. وكالعادة لم تعرف عيناه سوى نظرة الاشمئزاز.. لايقدر أن يحمل نظرات اليها سواها بعد الأن .. لم يعد يراها تلك المرأة الفاتنة كما كانت بل أصبحت مجرد وساخة .. لايقدر على أن ينظر اليها دون تغضن وجهه بالامتعاض منها ..
أشاح عنها وجلس بكل برود على المقعد أمامها .. طوح بساقيه على طاولة قصيرة أمامه وأسند رأسه على المقعد وهو يغلق عينيه ..تعرف دورها جيداً ولن يتعب نفسه بتلقينها إياه...
...
تأملته بحقد .. يضطجع كالعادة بانتظارها لتنفذ طقوس الولاء والعبودية .. وتعرف مغبة عدم الإنصياع.. اقتربت تجثو أمامه خفضت عينيها لاتريد حتى ان ترى مكانها الجديد تحت قدميه .. ذل وهوان ولاأكبر من هذا .. هي.. سليلة أل العزب .. تصبح مجرد جارية لدى شيخهم الظالم .. ابتلعت ريقها تبتلع معه بؤسها وقهرها وبيدين مرتجفتين نزعت عن قدميه حذائه .. غصة دوماً تحتكم مؤخرة حلقها .. من كان يفكر أنه سيكون هذا مكانها .. بعد شهر من الاذلال.. تحت قدميه ..وككل مرة .. تسقط دمعة لاإرادية على خدها .. وهي تضع الحذاء الى جنب .. وتقبع كالحيوانات بانتظار أوامره ..وبإشارة مستحقرة من يده نهضت كالملسوعة وسيطرت بقوة على دموعها ومضت توضب حذائه بعيداً .. تشعر بعينيه تحرقانها .. وقد عاد كالصقر يراقبها .. يعشق اذلالها وتعرف هذا.. ولاسبيل لها أن تقاوم .. فهي مسجونة .. ذليلة ولاسبيل لخلاصها ..
-أين عشائي؟؟
همس بثقل لترد بخفوت:
-على الطاولة..ألن تأخذ حماماً أولاً..؟؟
نهض يتمطئ بتعب .. ارهاق عارم فالموسم على الأبواب:
-بلى .. هل الحمام جاهز؟
قالها بتوتر لتومئ بصمت فاتخذ طريقه يغرق تعبه تحت شلال من الماء .. مرهق هو الأخر من لعب دور القسوة .. اللامبالاة والاجحاف .. يعرف أنها الطريقة الوحيدة التي استطاع بها أن يسيطر على رغبته بقتلها ذلك اليوم .. حين فجرت مشاعره بأنوثتها بطريقة لم يعهدها .. واغتالتها مباشرة بعدها بكلمة حطمت كل شيء..لايزال الأمر يجتاحه بلاتوقف ليل نهاار .. لايستطيع السيطرة عليه ويهاجمه بلارحمة .. لم يشعر بعمره كله برغبة تجاه امرأة كما شعر نحوها .. كان احساسه يفوق الخيال .. وهو يضمها اليه ويعترف لها انها من يريد .. نعم هي من يريد وكيف لا ..
وهي بكل تلك الأنوثة والجمال .. والمفروض انها له .. زوجته وحلاله ..
نسي للحظة كل ماحدث وكيف تزوجها .. نسي كراهيته لها وبغضه لما فعلته .. نسي ماحدث ولم يقدر سوى أن يفكر بها هي فقط .. المراة العاتية بين ذراعيه ..
هو الذي لم ينظر قط لامرأة بنظرة سوء.. لا دينه ولاتربيته ولامركزه كشيخ شيوخ عائلته سمح له بهذا.. حتى تلك .. من كان سيتزوجها لم ينظر لها قط بنظرة اشتهاء.. ولكن سيــادة ..
ياالهي كم أسقطت كل معاييره .. كم حطمت تلك الحصون حول مشاعره .. فكت قيود أحكمها حوله لدهور .. بسطها أمامها كي تدوسها بقدميها كما تشاء..!!
وقد فعلت ..!!
تلك المجرمة ال... فعلت بلااستحياء..
حطمت كل شيئ .. دمرت كل ماحلم به ..
استجابتها في البدء تجاوزت اعتى خيالاته .. لم تعد مشاعره تغلي بداخله فقط .. بل هاجت كالبراكين وأحرقت كل ذرة تعقل كانت لديه .. تركته كصبي غر .. يعيش متعة عمره وهو ينال قبلته الأولى .. ينهل من بحر عشق اراده للمرة الأولى في حياته .. لن يقدر قلم على وصف شعوره وقتها .. وهي تذوب بين ذراعيه .. تبادله القبلة بمثلها .. تعلن بتردد عن اجابتها لكل ماسأل ..
ثم سقــط ..
وكأنما على قمة هرم .. على فوهة بركان .. يسبح في السماء ..
سقــط ...
هوى بلامقدمات .. وارتطم جسده بصحراء من صخور مسننة .. مزقته لأشلاء..
تحطم وتبعثرت كل ذراته
لم يعد يقوى على النهوض.. أراد قتلها .. وكاد يفعل .. لم يعد يرى أمامه .. تلطخت الرؤية بدوعها ودماءها .. اراد سحقها ودفنها ولن يحاسبه أحد يقسم بالله ألا أحد سيحاسبه .. لامخلوق سيفعل ..
ولكن خالقهم .. سيفعل بالتاكيد ..
له كل العذر ولكن ..
ليس الشيخ قحطـان العزب من يفقد نفسه للشيطان .. وليس لاجل امرأة مثلها ..
عاد شعور الغثيان يجتاحه .. كم كرهها في تلك اللحظة .. كم أثارت فيه من اشمئزاز .. كم رغب بغسل قذارتها عنه بأي طريقة ..
تركها .. خرج بعد أن أفرغ فيها جزءاً يسيراً من غضبه وقهره ..
كان يغادر الجناح بخطوات تكاد تحفر اثراً في أرضية المنزل الحجرية .. دبيب جيوش من الجنون ..
لم يعرف اين يذهب ولكن كان عليه أن يتركها حينها ..
كان عليه أن يبتعد حتى لايرتكب جريمة ..
خرج الى الباحة الخلفية .. يريد ان يتنشق بعض هواء .. علها تزيح عنه تلك القوة التي جثمت على أنفاسه .. عيناه غارقتان بحرارة من نار .. أنفاسه كرياح عاتية .. ساخنة تغلي ..
جسده كله يرتجف .. ينتفض مع كل نفس .. وكل شهقة .. أراد ان يفرغ طاقته .. أراد أن يهدأ ولو قليلاً من قهر مشاعره..
لم يعرف كيف جاء ببندقيته .. ولكن لم يعرف الا وهو يطلق النار..
مرة .. واثنتان .. وثلاث ..
رفع البندقية وصوب للسماء .. هناك حيث يقف الشيطان ساخراً منه واطلق ..
بحرقة قلب .. أطلق ..
مرة وثانية من جديد ..
كان يتحرك بسرعة .. من جهة للأخرى ..يمنة ويساراً .. يطلق هنا ويصوب هناك .. ليطلق أخرى ..
كان يلهث كراكض في ماراثون .. يريد أن ينفس بعض مشاعره الحارقة .. يريد تخفيف بعض مافيه من ألم .. نعم لن ينكر .. لقد شعر بالألم وكيف لا ... كيف استطاعت ؟؟!!
كيف استطاعت ؟؟ وكيف هو ؟؟!!
عاود اطلاق النار بلاتوقف .. كان يلهث بقهر .. عيناه تغشوهما مرارة وحقد اسود لم يعد يقدر على السيطرة عليه ..
..
قحطــان ؟؟!
...
قحطااااان ...
....
قحطااااااااااااااااااان ..
التفت بذهول ..
يطالع الوجه الحالك والذي اعتلته نظرة صدمة .. بأخرى أكثر منه..
-مااذا تريد؟؟
همس بخشونة بصوت شاحب .. احترق من الغصة التي استحكمته ..
-ماذا دهااك؟؟
سأله بصدمة وهو يرى حالته ..
ملامح وجهه لايعرف حتى كيف يصفها تتقلب بين الشحوب وسواد الغيظ .. غضب وعنف .. وقهر يلمع في عينين بلون الدم .. ولهيب يجري في العروق ..
-هل أنت بخير؟؟
تسائل ليشيح عنه قحطان ..
أنزل بندقيته وصوب فوهتها للأرض وهو يتوكأ على مقبضها .. كتفيه مشدودتان .. عضلاته كلها تصرخ طلباً للرحمة .. لم يكن يريد لأحد أن يراه بهذا الشكل .. ليس أخاه الصغير بكل تأكيد..
-هل زوجتك بخير؟؟
احتقن وجه رعاد .. وتلعثمت حروفه والحمرة تغزوه من رأسه لأخمص قدميه وهو يهمس:
-ستكون بخير.. مجرد التواء.
-ممتاز..
همس باقتضاب .. يخفي ارتجاف قبضتيه على مقبض البندقية ويرفع عينيه للسماء قائلاً:
-اذهب اليها اذاً.. لاتبقها وحدها.
ابتلع ريقه .. ومضى يفكر كالمجنون بما عساه يبرر هروبه من مخدعه في تلك الليلة.. ولم يجد سوى:
-أردت الاطمئنان عن جدي .. لم يعجبني هذا المساء..
وكأنما صياد القى بالسنارة .. ليلتقمها قحطان بعذر وهو يتشبث به بقوة:
|