كاتب الموضوع :
عبير قائد
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 34 - رواية "شيوخ لاتعترف بالغزل" لِ عبير قائد الفصل الثامن
شيوخ لاتعترف بالغزل
الفصل التــاسع
***
الليـل في مدينتا يسرق أضواء النهار
الليل في بلدتنا القديمة يشق نهراً من ظلام ..
يغفر زلات النهار .. ويفرش وروداً بلااشواك ..
الليل في قلوبنا قاسٍ .. لايغفر ولايترك الفرصة للسماح..
الليل في عالمنا متقلب .. يخفي من الاسرار الكثير .. ويفضح الكثير الكثيـر !!
الليـل في مدينتا غازٍ .. يسلب القلوب .. ويرميها للذئــاب..
الليل ياحبيبتي .. في مدينتنا قصة لايفهمها .. الا حالك القلــب .. حد السوااد !!
***
مالسـر في ليلة ظلماء لاتبعث في النفس الا الرهبــة ولاتترك الا الحيرة .. مالسر وراء عشقنا للظلام وابتهالنا فيه .. مالسر وراء ان نكتم أنفاسنا رهبــة لجمال شيء اسود قاتم .. مخيف في كثير من الأحيان ؟؟ تنهد بتوتر وعاد يرفع عينيه للسماء القاتمة .. نعم .. مالسر وراء اعجابه بسواد الليــل؟؟!!
نهض بضيق ومضى يدور في غرفته بتوتر .. يشعر بالضيق يجتاحه ولاسبيل لفكاكه منه سوى صحبــة مسلية .. رفع هاتفه يبحث عن احد أصدقاءه .. ولكن ترددت يده وعاد ليضعه في جيبه قبل ان يلتقط مفاتيحه ويغادر الغرفة بسرعة ..
وصل الى سيارته الفيراري وانطلق بها في عتمة الليل ..
كانت باريس تحترق بأضواء الساهرين.. ولكنه لم يكن يأبه بهذا اللهو .. أراد العزلة .. العزلة التي يعشقها حين يكون في أحد مزاجاته المتفجرة .. وهو مايعانيه الأن ..
قاد السيارة مخترقاً الشوارع المزدحمة .. يبحث في عينيه عن لمحة للظـلام .. ولكن المباني العالية وأضواءها الصاخبة .. كانت تشعل حتى الظلام ..
تنهد بحنق وضغط دواسة الوقود بشكل أسرع لتنطلق السيارة المرفهة بصورة مفاجأة للأمام .. وتهاجمه النسمات الليــلية وتبعثر شعره على جبينه ليبدو كفتى عابث لاهٍ .. أصغ من سنينه الثانية والثلاثين بكثير.. وبدأت الطريق تُفضي للطريق السريع .. وزادت سرعته وهو ينطلق عبر المساحات الحرة .. وينظر مبتسماً للسماء التي اكتست ظلامها الرائع من جديد .. قبل أن يفتح غطاء السيارة المتحرك .. ويصبح وكأن رأسه يعانق السماء المظلمة والسرعة تشعل في عروقه نار الحماسة .. والريح ترتطم بوجهه .. صدره وذراعيه .. بطريقة مثيرة .. حتى انه اطلق صرخة انتشاء وهو يسمع الصوت المدوي لسيارته وهي تتجاوز حدود السرعة القانونية ..وتنطلق بحرية دون قيود ..!!
والتي سرعان ماتلاشت وهو يرى الاضواء البراقة التي تلاحقه ..
عض شفتيه بحنق .. والسيارة تخفف من سرعتها حتى تتوقف تماماً لسيارة الشرطة المرورية التي لحقته..
توقفت خلفه .. ونزل منها شرطي ..
حالما واجهه ابتسم بسماجة والشرطي يقول له ببرود:
-اوراقك واوراق السيارة ايها السيد..
لم يحاول الاعتراض كان يعرف انه تجاوز السرعة وكأنما شيطانه اغراه بهذا .. اخرج اوراق السيارة والجواز .. وناولها للشرطي الذي قارن بين صورته في الجواز ووجهه بمصباح صغير جعله يصرخ بألم وهو يخفي عينيه..
-سيــف سـلطان الشيـّب..؟؟
نطق الشرطي الفرنسي الاسم بارتباك ليرى الابتسامة الساخرة تتألق على وجه السيف وهو يومئ ليعود الرجل ويطالع جواز السفر الأمريكي بحذر ويحاول ان يفهم الاسم الغريب مع الاوراق الاغرب .. قبل أن يتراجع ويشير لسيف أن يترجل ..
تنهد بضجر .. نزل من السيارة واتبع ارشادات الشرطي لاختباره للكحول قبل أن يحرر له مخالفة وهو يقول:
-لاتسرع هكذا في المرة القادمة .. سيتم حجز السيارة ايها السيد..
اعاد سيف اوراقه للسيارة بحركة لامبالية قبل أن يرفع يده بتحية ساخرة للشرطي ويقفز لمقعد القيادة بحركة سريعة .. وينطلق بها بنعومة ..
لم تتجاوز سرعته الاعتيادية ولكنها كانت في أقصاها ..
كان عليه أن يعود لأميركا .. لقد سئم البقاء هنا .. كمربية للصغير عزيز ..
امتعض وجهه وهو يشعل اطارات سيارته بالسرعة .. عليه أن يعود بأسرع وقت .. !!
***
ليــلة طويـلة
عـدن
.....
توقفت عن ترتيب الحقيبة ومضت تنظر لها من بعيد وهي تفكر ماذا نسيت... لا لا هي لم تنسى شيئاً.. وضعت الثياب والاغراض الشخصية كلها في مكانها وثوبها الذي ستحضر به الزفاف ايضاً موجود لم يبقى سوى ان تسأل رعاد عن حاجياته..!! لقد مضى الاسبوع كما البرق وهاهما يستعدان للعودة للبلدة في زيارة..خاطفة لحضور زفاف سلمى الذي تم التحضير له بسرعة مهولة دون ان يجدا الوقت للتحضيرات ابداً
تنهدت وهي تتذكر مكالمتها الطويلة لسلمى مساء امس وكم كانت الفتاة متوترة وتكاد تبكي من الخوف.. ولكنها حاولت جهدها ان تطمئنها وتشرح لها كيف ان العائلة كلها خلفها ولن يصيبها فراس بمكروه ابداً.. تنهدت ومضت الى النافذة... الساعة تتجاوز العاشرة ورعاد لم يصل بعد انه يتأخر هذه الايام اكثر من اللازم!!! فكرت بضيق صحيح انه يقضي الوقت مع اصدقاءه في المذاكرة وتجهيزات الدروس ولكنه يتأخر فعلاً... وهي تخاف البقاء وحدها... حتى وان كان يقضي كل وقته في المكتبة كان وجوده قربها فقط مايشعرها بالامان...
تنهدت ومضت تمشي عبر الشقة .. لقـد اتفقا مع علي أن يغادروا عند الفجر ..فعلي لديه مناوبة .. وسينتهي في الصباح ولكنه أخذ اذناً بالانصراف مبكراً .. ورعاد كان.. مرتبطاً بامتحان ولم يستطيعا السفر مبكرين ولذا تقرر سفرهما غداً عند الفجر وسيعودا في الفجر التالي مباشرة..
جلست على المجلس تنتظره وهي تقرض اصابعها بتوتر لقد تأخر اكثر من اللازم فعلاً... نهضت تحاول الوصول الى هاتفها حين اوقفها هاجس مزعج... مابالك قلقة وتتصرفين كزوجة لحوح؟؟؟!!
اتركيه ينعم بحريته هو لم يتدخل في امورك قط منذ مجيئكما الى عدن اتركي له بعض المسااحة على الاقل
عاودت جلوسها زافرة بضيق وهي تجيل بصرها في الشقة الفارغة من سواها وكادت تنفجر بالبكاء وهي تشعر بوحدتها اكثر واكثر... فكرت لو كان محمد على قيد الحياة..!! هل كان سيتركها هكذا وحدها طيلة الوقت..!!
اتسعت عيناها بذعر وهي تفكر "انها تقارن رعاد بمحمد رحمه الله؟؟!!"
"استغفرالله العظيم"
تمتمت بحرقة وهي تؤنب نفسها بقسوة...مررة تلو الاخرى...!!
حينها سمعت المفتاح يدور في قفله...نهضت تعدل من طرحتها وتستقبله... كان يحمل العديد من الاوراق المطوية بالاضافة لحاسبه المحمول على كتفه... القى السلام متجهماً كعادته قبل ان يدلف الى الداخل وهي تتبعه بفرحة لوجود من تأنس بانفاسه معا في نفس المكان...
-هل اعد لك الطعام؟
تسائلت بلهفة ليجيب بارهاق:
-لا لقد تناولنا الشطائر شكراً لك غزل..
شعرت بالاحباط وتراجعت وهي تراه يجلس وكأنه ينهار على الكرسي هامساً:
-انا متعب وارايد فقط النوم.
-عليك ان ترتاح لدينا طريق طويل غداً..
همست بحنان ليفتح عينيه المغلقة وينظر الى جمالها الناعم قبل ان يشيح عنها وهو يشعر باعماقه تشتعل لبعدها ولتلك الطرحة التي تخفيها عنه...
-نعم ساخذ حماماً وانام الان ايقظيني قبل الصلاة.
نهض بتثاقل .. لتناديه بتردد:
-رعااد..
التفت لها بصمت .. فتحشرج صوتها وخفضت عينيها بخجل تهرب من عينيه:
-هل أجهز لك حقيبتك؟؟
نظر بحزن ينهشه لرأسها المنحني .. ولكنه لم يعلق .. بل همس بصوت اجش:
-سأجهزها بنفسي .. شكراً لك..
شعرت بانصرافه.. رفعت رأسها تطالع قامته الطويلة تختفي خلف باب مكتبه وهي تكتم تنهيدة اجتاحتها ولاتعرف سببها .. جلست مكانه ومضت تنظر للفراغ .. لماذا يعاملها بهذا الجفاء.. !!
شعرت بحزن يجتاحها .. واستسلمت له ..
أما هو فقد كان يسيطر على بركان!!
جلس على كرسيه وهو يغرق وجهه بين كفيه ..
يااآرب .. خفف عني هذا العذااب..
همس ينااجي ربه بقهر .. لقد كاد كيله أن يطفح,, مر أسبوع واحد فقط وهو يكاد يجن .. يكاد عقله يودي به الى هاوية ولايقدر على انقـاذ نفسه .. انه يغرق شيئاً فشيئاً .. واحساسه بوجودها الى جواره وبعيدة كل البعد عنه لايساعده ابـداً .. تنهد بقوة كاد معها صدره يحترق بالقسوة التي تمزق بها قلبه لسنوات خلت .. اهـٍ منك غزل .. أهـٍ منك وماتفعلينه بي..
فكر بمرارة.. واستلقى بثيابه يطالع السقف.. يحاول ان يهدئ من روع قلبه المجنون .. ولايقدر ..
حتى تغلب عليه تعبه .. ارهاقه .. واغمض عينيه مستسلماً للنوم الذي أشفق على حاله .. واغرقه بطياته بسلام ..
استيقظت حالما تناهى اليها صوت الاذان ..
استقامت جالسة على الفراش وهي تطالع الظلام حولها .. همست بصوت غارق في لذة النوم:
-رعاااد ..!!
تمتمت باسمه بخفوت .. لاتزال في نشوة احلامها ولم تستيقظ تماماً ..
رفعت يديها لتبعد خصلات شعرها السائبة بنعومة عن وجهها وهي تتعوذ من الشيطان وتحاول ان توقظ حواسها المخدرة ..
نهضت عن لافراش وتوجهت الى غرفة المكتب ..
للمرة الأولى توقظه ..
دخلت الغرفة وهالها مااستوعبته .. الغرفة كانت حارة .. خانقة .. ياارب الكون..
اتسعت عينيها بذهول وهي تكتشف بذعر ان الغرفة التي ينام بها منذ اسبوع كامل لاتحتوي على تكييف؟؟!!
نظرت حولها بذعر :..كيف احتمل الحرارة هنا؟؟
كيف بحق الله لم يشتك.. أبداً ..
ابتلعت ريقها .. واقتربت منه .. كان يغط في نوم عميق .. بكامل ثيابه .. العرق يتصفد عن جبينه .. ويغرق شعره .. وقميصه !!
شعرت بالدموع تلسع مآقيها وهي تتخيله .. كل ليلة .. هنا .. وهي تنعم بتكييف بارد ..
كانت غرفتها وغرفة المجلس فقط مكيفة في هذه الشقـة .. ولكن المجلس لم يكن ليقدر على ان ينام بها؟؟ مستحيل .. فكل فرشها مسنود على الخشب .. والقطيفة لن تصلح ابداً ..
احترق قلبها حزناً عليه .. ومدت يدها تهزه برقة:
-رعااد ..
لم يتحرك .. وانما ازدادت عقدة حاجبيه .. والتي سببت زيادة في دقات قلبها وهي تعاود هزه بذات الرقة:
-رعااد استيقظ .. انه الفجر..
تناهى له صوتها ..
كتغريد عصفور الجنـة .. فتح عينيه بتمهل .. كان يشعر بأنه يختنق.. وكأنه وسط نار ملتهبة .. لقد نسي أن يفتح النوافذ.. نام في وسط أتون مشتعل ..
وفتح عينيه ليجد نفسه في الجنــة ..!!
-غــزل ..!!
همس بخفوت .. بصوت يحمل نغمة لم تسمعها قط من قبل .. احمرت وجنتاها حتى كادت تنافس حبات الطماطم الطازجة .. وهي تغرق في سواد عينيه الحاد .. وتذوب في ملامحه المسترخية .. وهو يعود لتمتمة اسمها بصوت خافت .. يحمل رقـة لم تعرفها قط ..
كانت يدها لاتزال تستريح على كتفه ..
وكأنه في الجنــة ..
ابتسم ببلاهة .. لايزال غارقاً في حلمه .. فرغم النار التي كانت تشتعل فيه .. كانت هناك مياه باردة .. تحوطه وتخفف عنه حرارة النار .. كان يعيش أجمل لحظات حياته .. وسط النار؟؟!!
-غــزل !!
عاد يهمس باسمها .. لتتراجع شاهقة ويستيقظ هو بقسوة ..!!
اتسعت عيناه بصدمة وهو يرى ماكانت تخفيه عنه بقايا الحلم الذي اارقه .. الغرفة الخانقة .. والمسافة الهائلة التي تفصله عنها ..
-لقد أذن الفجر ..
همست مخنوقة .. وركضت خارج الغرفة .. تاركة خلفها روحاً جريحة .. تئن بصمت .. وتزهـق ببطئ!!
***
ليــلة طويــلة ..
عــدن ..
لقد تعبت .. جلست منهكة القوى وهي تنظر الى السماء التي ابتدأ نهارها يصطبغ باللون الحالك ..ويكاد يقضي على لمحات النهار كلها ..
كانت أختها تفترش الأرض الى جوارها وتلهوا بالالوان والاوراق الملونة التي جائت بها ..
لقد تعبت حقاً .. لقد سئمت أن تدور وتدور منذ الصباح بحثاً عن عمل.. وهي لاتملك أية مؤهلات .. شهادة الثانوية التي حصلت عليها بصعوبة .. لم تكن تنفع ابداً ..
زمت شفتيها بضيق وهي تدعك جبينها .. النقود التي كانت معها شارفت على النفاذ .. وهي وامها واختها لازلن عالة على خالتها التي بدأت تظهر ضيقها .. ولاتستطيع ان تلومها ..
نهضت لتخرج بضعة الاف وتوجهت لخالتها هامسة:
-تفضلي خالتي.. انها مساهمة مني لمصاريف الشهر..
نظرت خالتها للنقود القليلة وهتفت بحنق:
-وهل يكفي هذا؟؟ نادين .. اننا نصرف الكثير .. الا ترين..
ابتلعت ريقها وهمست:
-سأحصل على النقود خالتي لاتقلقي.. امنحيني الوقت..
-ربما عليك ان تسمعي ماتقوله لك سمر..
قالتها خالتها بحنق لتشحب نادين وتصيح:
-لا .. تعرفين انني لم أعد ارغب بهذه السيرة ابداً ..
-انها سبيلنا الوحيد للعيش.. الاتفهمين ..
ثم اقتربت منها هامسة:
-انت جميلة للغاية نادين .. وهناك الف من يتمنى نظرة واحدة منك .. ستجنين ذهباً يافتاة..
صمت أذنيها عن الكلام وصرخت بعناد:
-لا .. لقد انتهيت من هذا ولن أعود اليه اتفهمين؟؟
شع الحقد والغضب من عيني خالتها وصاحت بها:
-اذاً عليك ان تبحثي أنت وأمك عن مكان جديد .. أنا لست مستعدة أن أخسر نقودي في اعالتكم .. أتفهمين؟
-لابأس خالتي.. سنفعل..
صاحت بحنق وهي تذرف دموعها قبل أن تستدير وتعود لغرفتها حيث وجدت أمها تنظر لها بلوم:
-قلت لك .. قلت لك نادين ان التوبة لن تفيدنا بشيء..
بكت بقهر.. جلست تضم ركبتيها اليها وهي تشهق.. تحاول ان تخرج نفسها وأختها من هذا العالم القاسي.. تحاول ان تلملم بقاياها التي بعثرتها قسوة الزمن .. ولاتقدر.. امر صعب .. ظلام وليل حالك يأسرها ولاتقدر على الفكاك .. كيف لها ان تهرب وتنجو بنفسها .. لاتستطيع ابداً ..
شعرت بأمها الى جوارها تضمها اليها هامسة:
-كوني عاقلة نادين .. ليلة واحدة مع أحد اولئك الأثرياء اللذين يلهثون خلفك .. ستدعمنا لشهر كامل..
نظرت لها باكية وصرخت:
-ثم ماذا؟؟ يرمون بنا كحثالة .. مجرد حثالة يرمون عظامنا للكلاب امي..
تجهم وجه امها وهمست:
-انه قدرنا..
نهضت تصرخ بوحشية:
-لا أمي .. لست مستعدة أن استسلم .. وهذا ليس قدري .. انا لن أقف مكتوفة الايدي واستسلم لواقع يجعلني عبدة لرجل بعد الأخر .. وبعدها ينتهي بي المطاف وحيدة .. مع طفل لااعرف حتى من هو ابوه ..
شحب وجه امها وهي ترمي لها بحقيقتها بقهر .. اشاحت عنها وهي تخفي الكثير بصمت ونادين تصرخ بلاتوقف:
|