الفصل التاسع....

تاقت جيمسي لرؤية روس , لتعتذر له وتسترضيه , ولكن بدا أنه كان مصمما على تجنبها تماما . بدا أنه يخرج كل يوم من البيت قبل ان يستيقظ أحد ما , وعند العشاء كان الجو مملا جدا , حتى أن الضيوف بدأوا بالانسحاب بعد العشاء مبكرين , على غير عادتهم . لمحته عدة مرات يجول في البيت , ولكن تعابيره كانت مرعبة بحيث أن ذوي القلوب القوية وحدهم , يستطيعون الاقتراب منه .
أحست جيمسي بالعزلة , وعلى الرغم من ذلك كانت لاتزال تتوق لإيجاد ممر سري يربط بين البيتين , كان العمل مضجرا جدا , لدرجة أن كل المتعة قد تبخرت , على الاقل بالنسبة إليها . وكان سام بالتأكيد , سعيدا وهو يدرك بأن البحث قد أوشك على الانتهاء . ومع ذلك فأن كل بحث عن هذا الممر السري كان غير مثمر , وإذا كان هناك فعلا ممر سري فلابد أنه مخبأ بأحكام في منزل ستيورات . ثم جاءتها الخاطرة , انهما يبحثان في المكان الخطأ . المكان الافضل للبحث فيه , قد يكون خرائب منزل آل ماكدونالد , منزل لم يتغير منذ مئات السنين , قد يكون الممر مرئيا .
منتديات ليلاس
لم تشارك جيمسي أحداً بهذه الفكرة , أرادت التأكد بنفسها أولا , وهذا يعني مزيدا من البحث في المكتبة المحلية . فكرت بالذهاب بعد تناول الافطار , صباح اليوم التالي , وهي مصممة على معرفة المزيد . صدمت عندما دخلت ,إذ رأت روس جالسا إلى الطاولة يقرأ جريدة . حدق إليها من فوق الجريدة بنظرات حادة كنظرات النسر .
"صباح الخير . كيف حالك ؟"قال بصوت خال من التعبير .
ألقت جيمسي عليه ابتسامة غير مؤكدة . هل تعتذر الان ؟فكرت بقلق , لكن الاعتذار مات على شفتيها وهو يتابع حديثه .
"أفترض إنك لا تزالين تتابعين هذا البحث الشاذ , مزعجة كل البيت بطرقك المستمر فوق جدران صلبة جدا ."قال بسخرية .
تلون وجه جيمسي قليلا , لأن هذا ما يحدث فعلا .
"يوجد ممر , ويجب أن أجده ."ردت وبدا التصميم من نبرة صوتها .
"حسن , اتمنى لك التوفيق , لكن ما الذي تريدين أثباته بالتحديد ؟ لا شيء ! إن هيثر ستيورات كانت غبية جدا لدرجة , انها تخيلت نفسها تقع في حب شخص من آل ماكدونالد وكانا يتقابلان في السر . من الصعب ان يثبت ذلك براءتك , إنه فقط يدينك أكثر ."
أنهى كلامه وعاد الى قراءة الجريدة بطريقة أوحى لها بأن المحادثة قد انتهت .
ذهبت جيمسي لتناول الافطار , مشدودة الاعصاب ومتوترة . ارتعشت يدها وهي تحاول سكب الفنجان . جلست بعد ذلك الى المائدة وأحضرت لنفسها قطعة من الخبز المحمص . أبقت رأسها منخفضا وبقيت صامتة .
"أنا لا أعمل اليوم ."قال روس فجأة , مبعداً الجريدة لينظر إليها . نظرت إليه بدهشة , رافعة حاجبيها .
"هذا حسن ."قالت وهي لا تعرف تماما ماذا تقول , واستغربت مما يريد منها .

"حسنا ؟"قال بحدة , وقد أغاظته بلادتها .
"حسنا ماذا ؟"
"هل أنت ؟"سأل بحدة .
"أنا ماذا ؟" أجابت وهي تتساءل , هل بدا صوته مكتوما , أم هل هو يتعمد المرواغة ؟ رفع حاجبيه نحوها في نظرة اندهاش وكأنه يكره التحدث اليها .
"هل لديك عمل اليوم ؟"قال ببطء وكأنه يتحدث الى شخص بليد الذهن .
أومأت رأسها بتردد ."قليلا , لماذا ؟"
"هل تودين الذهاب إلى البحيرة , يمكن مشاهدة النسور الان ."
أصابت جيمسي الحيرة للحظة , إنها تريد الذهاب الى المكتبة , ولكن رؤية النسور أمر مثير جدا .
"حسنا , نعم أم لا ؟"قال بإيجاز , وصبره يكاد ينفذ .
"ماذا عن سوزان ؟ألا تريد الذهاب ؟"سألت , متمنية أن لا يكون رده ايجابا .
"لقد غادرت هذا الصباح , وقد قالت اني تجاهلتها كثيرا , اللوم يقع عليك , بالطبع ."
أحست جيمسي بقلبها يخفق عند سماع هذه الكلمات وشعرت بالالوان تتصاعد , فجأة , إلى وجهها .
"ماذا تعني ؟"وهي تتنفس بصعوبة .
"حسنا , إنك تحطمين كل سكون المنزل بهذا الهراء ,أليس كذلك ؟"
أخبرها ببرودة وأحست جيمسي بقلبها يغرق . وبدا أنه يستمتع برؤيتها على هذه الحال .
"ما المشكلة الان ؟"قال بصوت أجش .
منتديات ليلاس
هزت جيمسي رأسها ."لا شيء."
"حسنا .سأغادر خلال خمسة عشرة دقيقة ."
قال وهو يقف أستعدادا للأنصراف , بدأ يمشي خارجا ,ثم توقف "أنا لن أنتظر ."
انتظرت جيمسي الى أن تلاشى صوت أقدامه وهو يبتعد ثم وضعت فنجانها على الطاولة .
"اللعنة عليه!"
صرخت في سرها من خلال أسنانها المصرورة , لماذا بحق السماء , ان قضاء يوم مع هذا الشخص المتعجرف , كان فوق طاقتها .
أخذت نفسا عميقا وارتشفت ما تبقى في فنجان القهوة وأخذت قطعة من التوست وأسرعت تجري من غرفة الطعام , لم يبق لها من الوقت غير ما يكفي لإحضار الكاميرا بسرعة .
أنها تعرف أن روس لا يسوق تهديدا تافها وبالتأكيد سيغادر من دونها إذا تأخرت .
أسرعت بصعود السلالم , أحضرت الكاميرا والحقيبة , أسرعت الى الفناء الخارجي . كان روس لا يزال منتظرا وينقر بأصابعه على عجلة القيادة نقرا سريعا .
"في الوقت المناسب ."صاح وهو يدير المحرك .
ابتسمت جيمسي في استمتاع , لقد كان الرجل الاشد جنونا , الذي قابلته في حياتها .بدأت الشمس في الظهور من بين الغيوم , وأشعتها الندية تخترق السماء الرمادية , على الاقل لا تبدو انها ستمطر .فكرت وهي تنظر من النافذة , تستمتع بمناظر الريف الطبيعية . التلال ترتفع حولهما وبدت الطريق وكأنها تمتد الى ما لا نهاية . كان هناك بحيرات متعددة , كل واحدة لها سحرها الخاص .

"عندي مهمة يجب القيام بها , تريدني جيني أن آخذ هذه الازهار الى الكنيسة ."
التفت روس نحو المقعد مشيرا الى باقات الازهار , يملأ أريجها السيارة . استغربت جيمسي من كون هذه الازهار تنمو في هذه المنطقة الباردة .
"أرغب في زيارة الكنيسة , هل هي قديمة جداً؟"سألت روس الذي بدت عليه الرغبة في أخبارها .
"إنها بنيت في الاصل بالحجارة عام 848 ولكن قبل ذلك في العام 570 , بنى كلوديس ديرا للرهبان هناك ."
"كلوديس؟" سألت .
تبدو لهجته أكثر جدية عندما يتكلم عن أشياء يحبها , وكان من الصعب عليها أن تفهم دمدمته اللطيفة .
"تقول معلومات ارساليات الرهبنة السلتية إن القديسة كولمبا استراحت في هذا المكان لعدة أشهر ."سكت لحظات .
"إنها تقع على ضفة نهر التاي , مكان جميل . ربما علينا تناول الغداء هناك ."عرض ذلك .وابتسمت جيمسي .
"إنها فكرة محببة ,ولكن ماذا عن النسور ؟"سألت .
"المساء هو أفضل وقت لذلك , وبقليل من الحظ يمكننا الاستمتاع بمنظر العقاب ."أخبرها , مستمتعا بابتسامة السعادة التي ارتسمت على وجهها .
منتديات ليلاس
ذهبا إلى الكنيسة بعد قليل . تمشت جيمسي على مهل , حول المكان فيما ذهب روس ليسلم الازهار . لقد بنيت على مراحل , في فترة تزيد عن المائتي عام , وكل مبنى له جماله الخاص . دهشت لرؤية الزجاج المزخرف والسجاد الاثري , وتاقت للبقاء هنا . ثم نظرت محملقة الى نحت صخري , لرجل , يقع وراء حاجز , وتساءلت هل هذا روس ؟
اقتربت جيمسي مندهشة من التشابه , بغض النظر عن الملابس , من الممكن ان يكون روس بالهيئة الجانبية الحادة نفسها , البرودة , التعابير المتجهمة , وخشونة قاسية في فكيه العنيدين . وارتعشت جيمسي وهي تنظر الى التمثال .
"ذئب بادينوش ."
انطلق صوت روس الحاد ممزقا الصمت . جفلت جيمسي وانتزعت يدها عن وجه التمثال .
"من يكون ؟"سألت روس بهدوء , هل يستطيع رؤية هذا التشابه الغريب؟
"إنه أحد أجدادي ."قال بتجهم "السيء السمعة , الكسندر ستيورات , سيد بادينوش وابن الملك روبرت الثاني ."
"سيء السمعه , ذئب ؟"رددت جيمسي وهي تشعر بالبرودة تجري في عمودها الفقري .
رمقها روس بابتسامة صغيرة جعلت دمها يتحول الى جليد .
"البعض يقول إنني ورثت عنه أكثر ملامح التشابه ."قال بشكل تهديد , وقادها خارج الكنيسة الى الهواء الدافىء .
لم تستطع أشعة الشمس لأزالة الاكتئاب الذي اعترى جيمسي , إذ حدقت في روس . كان التشابه واضحا , ولم تستطع الا التفكير كيف أن الكسندر ستيورات حصل على أسم الذئب .
"عندما أكون في البيت وخاصة عندما يكون لدي ضيوف , فمن المتوقع ان اقدم لهم الطعام التقليدي , ولكنني أعترف بأني استمتع بأنواع الطعام الاخرى ."أعترف فجأة مجبرا جيمسي على العودة الى الحاضر .

"نعم , أنا ايضا أحب كل أنواع الطعام ."وافقت بسرعة .
"والطعام الصيني أيضا ؟"
"خاصة الطعام الصيني ."أجابت وهي تدس يدها في يده التي مدها نحوها , تشابكت يداهما بعضهما وهما يمشيان في الشارع , ولاحظت أن المارين ينظرون وينحنون لروس.
كان ثمة مطعم غير عادي , درجاته تنحدر نزولا الى مستوى النهر . قادها روس فوق ممر خشبي صغير يوصل غرفة الطعام بالمقصف . جلسا الى الطاولة الخشبية , مستمتعين بأشعة الشمس الدافئة , والهواء البارد الذي يهب من ناحية النهر .
طلبت جيمسي شرابا أبيض فيما كانت تقرأ لائحة الطعام , التنوع كان كثيرا . كان المطعم متخصصا بالكانتوينز والاطباق الصينية الجنوبية , كان طعاما بسيطا ليس فيه الكثير من البهارات الحارة , معداً من دجاج ممزوج بصلصة بطعم السمك , ولكنه الافضل , وافق كلاهما على هذا الطبق ثم جاء دور اختيار المقبلات .
"هذا الطعام اللذيذ يصنع من الاحياء البحرية ويمزج بالخضار ثم يقلى بالدهن , كثيرا أو يطبخ على البخار ."
قرأ روس اللائحة وهو يتلمظ وقد اتسعت عيناه .
" نعم , بالتأكيد والان ماذا أيضا ؟"
قالت جيمسي فيما تصفحت اللائحة , الموضوعة أمامها للبحث عن طبق آخر . وبعد مناقشات مستفيضة , تخللها الضحك والجدل , قررا أخيرا وأخبرا الخادم الذي طال انتظاره .
"المقبلات ..."بدأ روس ...
"نعم , كثيراً منها!"قاطعت جيمسي ضاحكة .
"الكثيرة ."قال روس , ضاحكا .
منتديات ليلاس
"حساء مرق العجل ,سبانخ في صلصلة القريدس , شرائح من لحم البقر في حبوب سوداء وصلصلة حارة و زجاجة من الميورسولت صنع 1978."قال بهدوء وهو يعيد لائحة الطعام الى النادل .
"أنا أفضل الشاي بالمكسرات , إنه لوقت مبكر جدا لتناول زجاجة من الشراب ,أليس كذلك ؟"قالت جيمسي بحذر وهي تراقب ردة فعل روس وابتسمت بارتياح عندما وافق .
"أنا لست من المدمنين لمجرد أنني ثملت تلك الليلة . هل كنت أتصرف بسوء؟ لا أستطيع التذكر ."
أعترف بذنبه وهو يداعب كأس الشراب , أبقى عينيه منخفضتين , واندهشت جيمسي من ارتباكه الواضح .
"لا , ليس أسوأ من المعتاد ."ضحكت بينما رفع رأسه وثبت عينيه عليها .
"امرأة مشاكسة !"قال بمزاح .
حضر الطعام بعد قليل , وذهبا الى المائدة . التصميم كان بديعا , كل الاواني الصينية حمراء وذهبية فاخرة . كانت الوجبة رائعة , لكل لقمة نكهتها ومتعتها .
"هل أحضرت سوزان الى هنا ؟"سألت جيمسي وهي لا تستطيع ابعاد صوتها عن ذهنها .
نظر روس اليها مستغربا , للحظة .
"كلا ."قال ."أنا لست متأكد من أنها تحب الطعام الصيني ."أضاف وهو يرتشف الشاي بالمكسرات .
"أليست رائحته عذبه ؟"سأل جيمسي مقدما فنجانه لها .
أومأت جيمسي رأسها . من الواضح أنه مستاء لذا غير الموضوع , فكرت بمرارة وهي تتنشق العطر .

انتهت الوجبة في وقت قصير , وتركا المطعم ووعدها روس بالعودة الى المطعم مستقبلا . الطريق الى البحيرة انعطفت قريبا من انقاض منزل ماكدونالد و رجته جيمسي للوقوف بحيث تستطيع مشاهدته بوضوح .
قطب حاجبيه , لكنها كانت مصممة وناشدته بذلك .
أوقف السيارة بصورة مفاجئة وسمح لجيمسي أن تتفحص بمنظاره المكبر . كان من الصعب الرؤية , لكنها مقتنعة بأنها سترى السلم بوضوح . أطلقت صرخة من البهجة وعلى الرغم منها ,أخبرت روس .
"أنظر يا روس هناك ."
قالت مشيرة بجنون "ألا تستطيع رؤيته ؟ تبدو هذه الدرجات وكأنها تختفي تحت الارض ."
انتزع روس المنظار المكبر منها وركز على البقعة التي أشارت اليها . قطب بتجهم وهو يستعرض المكان ولاحظ حماس جيمسي .
"قد تكون سلماً, ولكنها غير واضحة ."قال بتجهم , وهو يناولها المنظر المكبر باستياء .
"لكنك بالتأكيد تلاحظ احتمال أن يكون ذلك الممر السري ؟ دعنا نذهب هناك ونلقي نظرة ."قالت وبدأت السير فوق الاعشاب الموحلة .
منتديات ليلاس
اعترضت جيمسي , عندما وجدت نفسها لا تستطيع الحراك .
"دعني !"صاحت بغضب وهي تتلوى كالسمكة في الصنارة .
"بسرور."قال ذلك ودفعها بقوة الى الارض فانتصبت جيمسي واقفة وقد اتسخت ثيابها .
"ألا تريد الذهاب للرؤية ؟"سألت , متجاهلة الملامح القاسية والصارمه على وجهه .
"كلا , ولن تفعلي أنت ."قال وصوته يدل على التأكيد والصرامة .
"يجب ذلك يا روس , ألا تدرك ذلك ؟"
ناشدته وهي تعرف أن هذا , قد يكون الامل الوحيد لها , الجزء الاخير من اللغز . تجمد جسده بغضب , وباستطاعتها رؤية عضلاته تنبض من تحت قميصه وتعرف أنه يستشيط غضبا , ولكن لا تستطيع أن تستسلم , خاصة الان .
"قد تكون هذه هي الفرصة الاخيرة لأثبات براءتنا ."
تابعت , محاولة اقناعه ولكنه لم يتزحزح .
"قد يكون هذا آخر شيء تفعلينه على الاطلاق , إنه ليس آمنا."
عيناه تشعان بالغضب البارد كالفولاذ . ووجهه المنزعج يبدو أكثر خشونة . عيناه تتطايران شرراً وتحذرانها كي تصمت .
" دعينا نعود إلى السيارة ."
كان ذلك أمراً وليس طلباً , وتعرف جيمسي أنه من الافضل أن تطيع .
تسلقت السيارة وهي تحدق للمرة الاخيرة إلى الانقاض . أدرك روس نظرتها وضاقت عيناه بالغضب .
"آمل بأني كنت واضحا ."قال بنبرة مهددة وكسولة . التفتت جيمسي بسرعة وأخذت تنظر أمامها .
"لقد عنيتها ,يا جيمسي , لا تتجرأي حتى على المحاولة , للذهاب قرب تلك الانقاض ."بعث صوته رعشة من الخوف في عمودها الفقري ولكنها تمالكت على خوفها .