الفصل الثامن .......

استقبل جيمسي , حين استيقظت , صباح رمادي اللون , الشيء الذي عكس مزاجها تماما . السماء كانت مثقلة وملبدة بالغيوم , وتنذر بهطول المطر قررت جيمسي البقاء في السرير ,آمنة تحت الاغطية من الطقس الرديء , وآمنة انها تعرف أنه لن تضطر لرؤية روس . تململت عائدة تحت الغطاء تستمع إلى صوت هطول المطر الذي أخذ في التساقط , نغمات قطرات المطر وهي تسقط على اشجار الصنوبر هدهدتها لتعود إلى نوم عميق . عندما استيقظت ثانية كان الوقت متأخرا .
تذكرت كيف إنها وعدت سام بمساعدته في بحثه , ارتدت ملابسها على عجل بعد ان استحمت ونزلت الى الطابق السفلي . انتهى وقت الافطار منذ فترة طويلة , ولكنها تعرف انها لا تستطيع العمل بجد من دون أن تتناول القهوة .
اختلست نظرة الى غرفة الصباح , لكنها كانت فارغة , في الواقع , كان البيت بأسره يبدو هادئا بشكل غريب .
بدأت تشعر بالتوتر قليلا . البيت قاتم بسبب الطقس , والرياح بدأت نواحا حزينا وهي تعصف في الخارج وكأنها تبحث عن مدخل خلال النوافذ والجدران المنيعة .
"لقد استيقظت متأخرة ."
انبعث صوت روس كسوط مزق السكون وجعل جيمسي تقفز وتطلق صرخة عفوية وهي تلتفت إلى ما حولها وعيناها اتستعتا خوفا .
"لقد جعلتني أقفز ."
منتديات ليلاس
تذمرت وهي تقطع تنفسها , وشعرت بالارتياح لرؤيتها روس , انه بالفعل , رجل مهيب لا احد يجرؤ على انتهاك حصنه , فكرت وهي تبتسم باستياء .
"ادفع قرشا ثمنا لأفكارك ؟"
سأل وهو يلاحظ ابتسامتها مستمتعا ورفع حاجبيه كي يعطي تأثيرا كاملا لعينيه الرماديتين القاسيتين .
"أفكاري لا تستحق هذا الثمن ."
"أراهن على إنها كذلك ."
أجاب بهدوء وأشرقت جيمسي لتفهمه .
"هل تناولت الافطار ؟"
سأل بشكل غير متوقع . هزت جيمسي رأسها .
"لا ,لكني لا أريد شيئا غير القهوة ."أجابت .
أخذ روس يدها وواكبها بلطف وبقوة , وكأنه بالغ يمسك بيد طفل , فكرت بصمت وهو يقودها على الدرجات التي تؤدي الى المطبخ .
المطبخ مثله مثل بقية البيت , كل شيء يمكن توقعه من منزل بهذه الفخامة . لم يتغير منذ القدم , لاتوجد رفوف عالية او خزانات من الفولاذ الذي لايصدأ , ولا شيءمعلقا على طول الحائط , لا وجود لأدراج , تنحصر سعتها بسبب سعتها الصغيرة , بتزيين المكان . إنه مطبخ عائلي حميم , مبني من الآجر الاحمر ومليء بالادوات المصنوعة من خشب الصنوبر .
سحب روس كرسيا من تحت الطاولة وأمرها بالجلوس . واشتمت رائحة القهوة الجاهزة , التي تملأ المطبخ .
"ما رأيك ببيض سمك السلمون , مخفوقا ."
ضعفت وهو يعرف أنها ستفعل .
"حسنا , ليس كثيرا جدا ."
"إنك لست بشخص صباحي , هل أنت كذلك ؟ لقد استيقظنا منذ ساعات , هذا ما يجب ان نفعله , كي نعتني بالحيوانات الداجنة ."

أخبرها وهو يقلب المقلاة بخبرة . ارتشفت جيمسي قهوتها وهي شاردة الذهن وعلى الرغم منها وافقت وهي تتساءل من يقصد ب(نحن ) وهي تعلم بسرها أنها سوزان . إنها من الطراز , فكرت عابسة , الذي يستيقظ باكرا .عند بداية الشروق .
وضع روس طبقا أمامها . لون البيض الاصفر الكريمي متناسق مع لون السمك المجفف الاصفر والبني وملأ الدخان الجو .
"فطيرة ."
أخبرها روس , واضعا الفطائر أمامها , على الطاولة .
"هيا ."قال روس مشجعا "إنها لذيذة "
قضمت جيمسي من إحداها قضمة صغيرة بتردد , ودهشت من مذاقها اللذيذ . أومأت رأسها علامة الاعجاب وأخذت تتناول إفطارها .
"اذا كان باستطاعتك أن تحضر لي مثلها كل يوم , عندها ربما أستيقظ باكرا ."
وجه إليها ابتسامة كسولة ذات معنى , وفمه الحساس يلتوي وأشراقة استمتاع في عينيه .
"هل تودين أن أطهو لك أفطارك كل صباح ؟"
سأل بهدوء .ونبرة صوته بدت جدية بشكل غريب ونظرات الاستغراب بادية على وجهه. شعرت جيمسي بالوان الخجل الزهرية تلون وجهها وللحظة شعرت بأنها فقدت النطق وبقي عقلها يدور بالنشاط .
"عنيت فقط أنك طاه ماهر ."
منتديات ليلاس
أجابت خجلة , ونبضاتها تتسارع من التصريح الواضح الذي قالته . رفع حاجبيه باستهزاء وهز كتفيه بلا مبالاة .
"بالطبع هذا ما عنيته. وأي شيء آخر يمكن أن تعني !"
اجاب بصوت عال وضحك بصوت مرتفع .
خفضت جيمسي رأسها , مركزة على تناول الافطار , مدركة بأحساسها أنه يضحك منها . تابعا الافطار بصمت وعلى الرغم من تحفظها , فقد استمتعت جيمسي بالوجبة الشهية .
"يوجد الكثير من الحسك في هذا السمك , أنها تفسده ."
أخبرته جيمسي وهي تدفع طبقها بعيدا . ضحك روس وهو يهز رأسه .
"هذا عرفان بالجميل ."
"حسنا , إنك تعرف ما أعنيه ولكنني استمتعت حقا به . بصدق ."
أضافت وهي ترى نظرات الشك التي يرمقها بها .
"سوف أغسل الاطباق ."
عرضت ذلك وقد بدأت بإزالة بقايا الطعام عن الاطباق .
"سأساعدك , على الاقل أعرف مكان الاشياء , والخدم لديهم ما يكفي للتنظيف بعد ليلة أمس ."
ارتعشت جيمسي لذكر ليلة الامس وألقت نظرة سريعة على روس , ولكنه لم يتابع , لذا فأن إشارته قد تحمل اتهاما .
لاحقا ,أمتلأت المغسلة بفقاعات الصابون وتصاعد بخار الماء مما جعل شعر جيمسي يتحول خصلا متجعدة رطبة .
"هل أستمتعت ليلة الامس ؟"
سأل روس فجأة , تجمدت جيمسي . أغمضت عينيها بشدة لتفهم مغزى ما قاله , لأن الكثير قد حدث بينهما , ومع ذلك تعرف أنه يخص أمرأة أخرى .
"نعم , إنها بالتأكيد كانت ليلة ممتازة ." وافقت مبتسمة .

قطب روس , للحظات , ثم رشها بالماء على مقدمة وجهها .
"أعتقد ,أنك تعنين تجولك في الخارج ."قال باستهزاء .
ضاقت عيناه ولكن نبرته بدت سعيدة .أغمضت جيمسي عينيها وهزت رأسها موافقة , وأخذت تعبث في فقاعات الصابون التي أعتلت صفحة الماء و رمت روس بها .
"يجب على الرجل المهذب أن لا يسأل سيدة أسئلة كهذه !"
ضحكت فيما أختفى وجهها خلف كتلة الفقاعات .
"أنا لست رجلا لطيفا ."
أجاب على الفور وهو ينظر اليها ويمسح وجهه "وهذا ما أنت بصدد اكتشافه ."
أطلقت جيمسي صرخة وهي تركض نحو الطاولة ساحبة كرسيا لتقطع عليه الطريق . ضحك وهو يتبعها . حملق الاثنان ودارا حول الطاولة , ضاحكين كطفلين مبتهجين .أخيرا وبحركة سريعة من روس أمسك يدها .
ووقفت جيمسي أمامه غير قادرة على التنفس , تضحك فيما تكافح لأستعادة أنفاسها .
"لقد أمسكتك الان ."
ضحك روس ويداه تحيطان بها , ونظر اليها بابتسامة عريضة وباستمتاع .
"وماذا أنت فاعل بي الان ؟"
منتديات ليلاس
ابتسمت وهي تعرف انها قصدت تحريضه . إنها غير قادرة على التخلص منه . هما قريبان من بعضهما بعضا في الزمان والمكان , الحقيقة الوحيدة في هذه اللحظة هي وجود كل منهما . أقفل روس عينيه مستمتعا بعطرها العذب , وبصمت لعن غدر عائلتها .
"جيمسي."
صاح بصوت أجش وضم رأسها وهو يجري بأصابعه على خصلات شعرها الرطبة مناديا باسمها بلطف .
"جيمسي , ليس من المتوجب علينا ان نتحارب , بإمكاننا نسيان كل شيء , أليس بإمكاننا فقط ...؟"
"فقط ماذا ؟"
نطقتها بحدة , منسحبة الى الوراء , وتحت وقع كلامه تذكرت تحذير سوزان المتجهم . ضاعت اللحظة , وادرك روس ذلك وارخى يديه باستسلام . نظرإليها , غير قابل لإدراك ردة فعلها .
"ألا تستطيعين أبدا نسيان الماضي ؟ لماذا يزعجك بهذا الشكل ؟"صاح بقوة وعيناه تلمعان بغضب لا منتاه .
"هذا شيء يسهل عليك قوله , أليس كذلك ؟ لديك كل شيء , وتريد كل شيء ليس لدي شيء , لا عائلة ولا وطن ولكن لدي كرامتي . أنتم آل ستيورات أخذتم مني بما فيه الكفاية , ولكن سأكون ملعونة اذا بعت نفسي ."
قالت بشكل عاصف وقلبها تزايدت دقاته من أثر الكلام وجهها تورد غاضبا . وكان هناك علامات من الالم على وجه روس , لكنها تبدلت لاحقا الى نظراته الصلبة العادية .
"تبيعين نفسك ؟"صاح بغضب .
"بأستطاعتي أن أنالك في أي وقت أشاء , ستكونين أكثر من شريك راغب."قال باستهزاء , وهو يمرر إصبعه فوقها بدقة باردة .
شعرت جيمسي بأنها تتجمد , إنه لا جدوى من تجاهل الحقيقة في هذا الامر . إن حضوره يثيرها وهي تعرف ذلك , على الرغم من الفوضى في عواطفها التي كانت تشعر بها . التقت عيناهما ومرة ثانية وعلى الرغم من مواقفها الشجاعة استطاع أن يرى فيها طفلا مستوحشا , وأدرك التماسك الهش الذي تحاوله لتشعر بالأمان . لعن نفسه لأنه كان أخرق ولأنه لم يشرح لها .

ولكن عندما نظرت اليه وعيناها تشعان بالرقة والخوف , علم بأنه لا يستطيع .
"لا يهم ."قال بصوت أجش , فيما هو يستدير قبل ان تستطيع أن تقرأ التعبير في نظراته .
ذهبت جيمسي لتلاقي سام بقلب مثقل . كان كل شيء معقدا , لو لم يكن لأجل سوزان , أو لن يكون ذلك لأجل إسمها ,لو لم تكن الحقيقة أن الحياة هنا لا تناسبها , اعترفت لنفسها . ربما عندئذ , ربما فقط , تسنح لهما , هي وروس ,الفرصة للبقاء معا .
تنهدت , هل تريد روس ؟ إن الانسجام قد يكون سببا لمباشرة الحياة سوية , استغرقت في التفكير . هزت رأسها , بدا كل شيء متوقفا على عامل الوقت وعلى رغبة في أشياء لن تحصل أبداً.
فتحت باب المكتبة وأطلقت شهقة إعجاب , إنها لم ترا كتبا بهذه الكثرة , خارج المكتبة الحكومية العامة , الكبيرة . الكتب موجودة على طول الجدران من الارض والى السقف رفوف بعضها فوق البعض , بالنسبة لجيمسي إنها الجنة .
نظر سام إليها عندما فتح الباب , وابتسامة بهجة تشع من هيئته الصباينية .
منتديات ليلاس
"مرحبا ,أين كنت ؟"سأل ولكنه تابع , غير منتظر أي جواب "أعتقد أني وجدت ما نبحث عنه , إنها يوميات ."
قال بحماس , دافعا اليها كتابا قديما مجلدا بجلد أخضر بالهواء مسببا تطاير الغبار في كل مكان .
"دعنا نرى !" صاحت جيمسي وهي تأخذ الكتاب من يديه بعناية .
"لقد كان مخبأ بإحكام , لقد وجدته بالصدفة فقط . هل يمكن أن يكون اللغز كله متوقفا على هذه اليوميات التي وجدتها بالصدفة ."شرح ذلك .
"كيف بالصدفة ؟"
سألت جيمسي ,مبتهجة فيما فتحت اليوميات بعناية وتصاعدت رائحة الغبار من الورق الذي أصبح لونه بنياً بسبب قدمه .
"أتى روس إلي بصندوق كبير من الاوراق القديمة , خرائط , مخطوطات , وفي الاسفل وجدت هذه ."مشيرا الى اليوميات ."
"هل يعرف إنها كانت هنا ؟"سألت , حائرة من تعاونه المفاجىء . هز سام رأسه .
"من يعرف ؟ ولكن أشك في ذلك .أن اليوميات ليست الشيء الذي يود شخص من آل ستيورات معرفته ."قال بغموض .
"لماذا ؟ ماذا تعني ؟"
"أن آل ستيورات و آل ماكدونالد لم يكونوا أبداً متقاربين , كان هناك تحد دائم بين العشريتين , قديم قدم التاريخ نفسه , لكن هنا أمامنا مذكرات الصغيرة هيثر ستيورات , تكتب قصة حبها مع دنكن ماكدونالد صفحة بعد صفحة ."
تجمدت يدا جيمسي حول الكتاب الاخضر الصغير , وأمسكته بأحترام , أعتقدت أنه يستحقه .
"مسكينة هيثر ."تمتمت بهدوء مفكرة بنفسها .
"إن قصتها تشبه قصة روميو وجوليت ."