كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
رومانسيات عربية - القصص المكتملة
رد: 31_ قلب أخضر بقلم رباب فؤاد .. القلب الثامن
استجابت لرنين الهاتف في لهفة قبل أن تنتبه إلى أنها النغمة المخصصة لصديقتها (منار) لتجيبها بابتسامة هادئة تخفي إحباطها ـ"أهلاً عزيزتي. كيف حالك؟"
أتاها صوت (منار) الصاخب تهتف في مرح ـ"أهلاً بالعروس المختفية. الآن تستجيبين للهاتف بعد عودتك إلى القاهرة. أما في شرم الشيخ فلا توجد تغطية للشبكة أليس كذلك؟"
انتقل مرح صديقتها إليها لتجيبها مغيظة ـ"بالطبع لا توجد تغطية للشبكة. إنهم يتعمدون ذلك كيلا ينزعج الأزواج الجدد باتصالات أصدقائهم".
ضحكت (منار) على عبارة صديقتها لتغيظها بدورها قائلة ـ"هكذا الأمر إذاً؟ حسناً استعدي للإزعاج الحقيقي أيتها الزوجة الجديدة لأننا سنهاجم منزلك اليوم بالأسلحة الثقيلة والفتاكة. سأُحضر (لميس) معي لأنها تريد تهنئتك بنفسها".
ابتسمت بترحيب قائلة ـ"بالطبع تشرفنا الزيارة. متى ستأتون؟"
مطت (منار) شفتيها قائلة ـ" مممم ربما في السادسة. كنت أريد أن يأتي (رأفت) معي لكنه في الإسكندرية لمتابعة العمال في شقتنا وسيأتي بعد يومين. لذا من الأفضل أن ترسلي زوجك وأخيك إلى المريخ كي نجلس كما يحلو لنا دون ترقب".
مطت هي شفتيها هذه المرة لتقول بهدوء ـ" الأمر يتوقف على حظك. ف(مازن) ليس هنا الآن. وإذا عاد متأخراً فلن يترك المنزل أبداً".
شهقت (منار) بمبالغة هاتفة ـ"هل هرب العريس بعد أسبوع من الزواج؟ ماذا فعلت بالرجل يا امرأة؟ تحدثي واعترفي قبل أن يأتي أهل زوجك لينتقموا من... بالمناسبة، أين أهل زوجك؟ لم نر أي منهم في الزفاف".
هتفت بها (علا) في ضجر وهي تسمع رنين جرس الباب ـ"توقفي عن أسئلتك الصحافية تلك أيتها المزعجة. أنت تعلمين أن والديّ (مازن) وشقيقه في نيويورك. والآن سأنهي الاتصال لأرى من بالباب. ربما كان (مازن). وأمري إلى الله سأنتظر إزعاجك في السادسة إن شاء الله".
قالتها وهي تنهي الاتصال وتهرع إلى الباب لتنظر من عينه السحرية كما اعتادت، وعاودها الإحباط للحظة حينما لمحت وجه أختها بالرضاعة قبل أن تفتح الباب في سرعة لتستقبلها بابتسامة حقيقية أضاءت وجهها، و(أنجيل) تشاكسها قائلة بمرح ـ"مرحباً بالعروس العائدة التي نسيتنا بمجرد أن تزوجت فارس الأحلام".
انتبهت لحظتها لصينية مستديرة مغطاة تحملها (أنجيل) بصعوبة وهي تقول في سرعة ـ"أفسحي الطريق أو ساعديني في حملها. أم (مينا) أقسمت أن يكون طعامكم اليوم من صنع يديها".
ساعدت أختها في حمل الصينية الكبيرة إلى المطبخ وهي تقول في حرج ـ"لا داعي لأن ترهق ماما (تريز) نفسها بطبخ كل هذا من أجلنا. لقد أوشك طعامي على النضج بالفعل".
وضعت (أنجيل) الصينية برفق على طاولة المطبخ وعدلت ملابسها بحركة غريزية قائلة بحب ـ"ألا تعرفين عادات الصعيد؟ أم العروس تطهو الطعام لابنتها لمدة أسبوع كامل. أم أنك تريدين لكلمة أم(مينا) أن تسقط أرضاً؟"
ضحكت (علا) بحرج وهي تقول في سرعة ـ"عاش (مينا) وأم (مينا) وكل أسرته بخير يارب. سلمت يدا ماما (تريز) على هذه الأصناف الطيبة، والتي سيرفض بعدها (مازن) أن يتذوق أياً من طهوي. تعالي (أنجي) واجلسي معي قليلاً".
اعتذرت (أنجيل) بحرج وهي تعيد خصلة من غرتها حالكة السواد خلف أذنها قائلة ـ"لا يصح أن أتطفل عليكما الآن".
ربتت على كتفها بأريحية وهي تصحبها إلى حيث الأنتريه قائلة ـ"لا داعي لهذا الحرج. (مازن) ليس هنا. لقد ذهب لشراء بعض الأشياء ولم يعد بعد".
تنحنحت (أنجيل) وهي تجيبها بنفس الحرج ـ" قد يأتي في أي وقت إذاً. سنمر عليكما في المساء لتهنئتكما بالزواج."
منحتها ابتسامة واسعة وهي تقول بحماس ـ"رائع. ستأتي (منار) و(لميس) أيضاً. سنترك الرجال معاً ونجلس نحن كعادتنا سوياً".
صفقت (أنجيل) بكفيها في جذل متناسية الوقار الذي تتصنعه أغلب الوقت وهي تقول بحماس هي الأخرى ـ"حسناً سأستعد من الآن لحفلة المساء. حينما تستعدين لاستقبالنا هاتفيني وسأتولى الباقي".
قالتها وهي تترك (علا) في محاولاتها الاتصال بزوجها الغائب.
************
أغلقت الباب خلف ضيوفها بعد أن انتهت الزيارة دون أن يعود (مازن) أو يتصل بها ليطمئنها عليه ليزداد قلقها وتوترها الذي فشلت في إخفاؤه طيلة الأمسية، واضطرت بسببه لتحمل مناوشات (منار) و(أنجيل) الساخرة.
تنهدت بقوة وهي تعود إلى الردهة لتحمل الكؤوس الزجاجية الفارغة وأطباق الحلوى المتسخة حينما ارتفع رنين جرس الباب لتجفل للحظة قبل أن تترك ما بيدها وتسرع نحوه. نظرت عبر العين السحرية لتجده واقفاً بضجر ويهم بضغط الجرس مرة ثانية لتسارع بفتح الباب وهي تقف خلفه ليدخل هو بعصبية ويغلق الباب خلفه بملامح جامدة لا تشي بشيء. ازدردت لعابها وهي تبتدره بلهفة ـ"حمداً لله على سلامتك يا حبيبي. قلقت عليك".
عقد حاجبيه وهو يلتفت إليها قائلاً ببرود ـ"لماذا؟ هل أنا طفل تخشين أن يضيع أو يفقد طريق المنزل؟ ثم لماذا لم تتصلي إذا أصابك القلق حقاً؟"
أسرعت تقول بابتسامة مرتبكة ـ"حاولت أكثر من مرة يا حبيبي، ولكن هاتفك مغلق منذ الصباح وهذا ما زاد من قلقي".
أخرج هاتفه من جيبه بحدة ورفعه أمام عينيها قائلاً من بين أسنانه ـ" هاهو الهاتف مفتوح أمامك. ولم أغلقه منذ ...".
بتر عبارته فجأة واحمرت أذناه وهو يدقق النظر بالهاتف ليكتشف أنه حوله بالأمس إلى وضع الطيران الذي يفصل الاتصالات بينما يظل الهاتف مفتوحاً لأي استخدام آخر.
ارتسمت الدهشة على وجهها حينما لمحت احمرار أذنيه وسمعته يقول بحرج ـ"المعذرة. لقد حولته إلى وضع الطيران حينما كان (مودي) يلعب به بالأمس ونسيت أن أعيده إلى الوضع العام".
حاولت أن تخفف عنه الحرج وهي تعيد رسم ابتسامتها على شفتيها وتلمس ذراعه برفق قائلة بمرح ـ"لوهلة تخيلت أنك وضعت شريحة مختلفة لا أعرف رقمها.. حينها كنت سأغضب حقاً".
اقتربت منه لتخترق رائحتها العذبة رئتيه فأدار هو بصره في الردهة ليتوقف عند الصحون والكؤوس الزجاجية ويسألها بخشونة بدت غريبة على مسامعها ـ"هل كان لدينا زواراً؟"
أجابته بهدوء ـ"نعم وغادروا قبل عودتك بقليل. أنكل (عزيز) و(مينا) كانا يريدان تهنئتنا لكن ...".
بترت عبارتها وهي تتأوه في ألم حينما انغرست أصابع كفه الأيسر في لحم ذراعها الناعم ونبرة صوته تتحول إلى الغضب وهو يهدر بها ـ"هل رأوك هكذا؟"
قالها ونيران الغضب تتقافز في عينيه اللتان جالتا على بلوزتها الصوفية الخفيفة ذات الياقة الواسعة، والتي انحدرت لتكشف أحد كتفيها ورسم الحناء أعلاه، وتنورتها القصيرة التي توقفت في منتصف ساقيها عند حدود رسوم كاحليها المغرية، بينما انسدلت غرتها على جانب وجهها في نعومة وارتفع باقي شعرها الذهبي بمشبك خفي تاركاً أطرافه تداعب كتفها العاري.
كان بالكاد متماسكاً منذ رآها واخترقت بنعومتها حصونه، لكن فكرة أن يراها رجل آخر سواه ويتمتع بهذه الزينة قبله أطارت بصوابه وهي تدافع عن نفسها هامسة بألم ـ"(مينا) أخي بالرضاعة هو الآخر. لكنه لم يأت ولا أنكل (عزيز) حينما علما بأنك لم تعد بعد. والجلسة كلها كانت بين فتيات وملابسي ليست عارية. هكذا ارتدي حينما تأتي (منار) و(لميس) لزيارتي في العادة".
وكأنها ألقت عليه دلو ماء مثلج، حدق بملامحها للحظات شعر خلالها بالحرج ثانية وهو يخفف قبضته على ذراعها قائلاً بعناد من يرفض الاعتراف بخطئه ـ"حتى في جلسات الفتيات، لا أحب أن ترتدي شيئاً ضيقاً ومكشوفاً هكذا. لقد تركتك يوم الحناء بفستانك العاري لأنني لم أُرد أن أُفسد ليلتك. لكنني لا أسمح بتكرارها".
مسدت عضدها بألم وهي تتخيل أصابعه وقد تركت المزيد من العلامات الملونة عليه لتقول بصوت مختنق ـ"ماذا بك يا (مازن)؟ ألا تعلم أن جلدي شديد الحساسية؟ ستترك أصابعك آثاراً مريعة على ذراعي".
لم يبد عليه التأثر بصوتها المختنق وهو يقول بحزم ـ"حينما تؤلمك ستتذكرين ألا تفعلي ما يضايقني. أريد تأكيدك الآن بأنك لن ترتدي شيئاً مكشوفاً أو ضيقاً أمام أي فتيات، حتى (أنجيل) أختك".
صدمتها لهجته القاسية التي تسمعها لأول مرة فرفعت عينيها إلى عينيه لترى نفس الحزم مرسوماً بهما دليلاً على أنه لم يكن يمزح. اغرورقت عيناها بالدموع سريعاً لتقول بصوت محشرج ـ"حسناً. لن أرتدي شيئاً دون موافقتك أولاً".
آلمته نبرة الخنوع في صوتها لكنها لم يُبد تأثره وهو يهز رأسه استحساناً، ثم سألها باهتمام ـ"أين (مودي)؟"
تنحنحت لتتخلص من غصة الدموع في حلقها وهي تجيبه بنبرة محايدة ـ"ظل ينتظرك حتى غفت عيناه قبل قليل. على أي حال هذا هو موعد نومه وقت الدراسة".
بدا الانزعاج على وجهه وهو يتجه نحو غرفة الصغير لتبادره بالسؤال ـ"ألن تأكل؟"
أجابها باقتضاب دون أن يلتفت إليها ـ"لا أريد".
تهدل كتفاها في إحباط انتقل إلى صوتها وهي تقول بضيق ـ"لكنني لم أتناول الغذاء في انتظارك. أجبرت (مودي) على الطعام وظللت في انتظارك. بل إنني لم أتناول أياً من الحلوى مع البنات بسبب توتري من تأخرك".
توقف على باب الغرفة مع انتهاء جملتها حينما تذكر أنه لم يتناول أي طعام بعد قطعة الشوكولاتة بالكراميل هذا الصباح ليستدير إليها ويمط شفتيه قائلاً ـ"حسناً. أعدي الطعام وسأوقظ (مودي) ليأكل معنا".
اعترضت قائلة في سرعة ـ"أرجوك لا توقظه. إذا استيقظ الآن فلن يمكنه العود للنوم قبل عدة ساعات وقد لا ...".
بترت عبارتها وهي تراه يتجاهلها ويفتح غرفة الصغير وكأنه لا يسمع اعتراضها، وسرعان ما سمعت ضحكاته مع أخيها الذي قفز من فراشه في سعادة بالغة وقد هرب النوم من عينيه تماماً.
حينها زفرت في حنق وهي تدرك أن ليلتها ستكون طويلة.
|