كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
رومانسيات عربية - القصص المكتملة
رد: 31_ قلب أخضر بقلم رباب فؤاد .. القلب السابع
انتهت الرحلة البحرية قرب انقضاء النهار وعاد ثلاثتهم منهكين في شدة. فهواء البحر وأمواجه المتلاطمة أصابت الصغير بنوع من الدوار الذي حارت (علا) في علاجه حتى استسلم (مودي) للنوم في النهاية دون أن يتناول غدائه معهما.
هي الأخرى كانت تشعر ببعض الدوار الذي أصابها بعدما اشتد عنف الأمواج وبدأ اليخت في التمايل بقوة، لذا لم تستمتع بالطعام رغم جوعها الشديد.
أما (مازن) فشعر بفقدان الشهية حينما رآها تتوقف عن الأكل وتكتفي بإسناد رأسها إلى ظهر الأريكة التي تجلس عليها. لذا طلب من قائد اليخت العودة إلى الميناء قبل أن تزداد برودة الجو.
وما أن اقترب ثلاثتهم من بهو الفندق حتى تناهى إلى مسامع (مازن) صوتاً يهتف باسمه، فالتفت يبحث عن صاحب الصوت ليجد رجلاً في الخمسينات من عمره يجلس إلى جانب المسبح مرتدياً ملابس شبابية لا تناسب سنه ونظارة شمسية تحمل علامة إحدى أرقى الماركات العالمية التي لا يرتديها إلا علية القوم من الساسة وكبار رجال الأعمال
لا يدر لماذا انقبض قلبه حينما رأى ذلك الرجل وابتسامته الصفراء، وازداد ضيقه حينما قال الرجل بسخف ـ" (مازن عاشور) بنفسه هنا؟ أم تحب أن أناديك بالعريس؟"
التفت هو إلى زوجته التي ارتسمت علامات استفهام عديدة على وجهها وأعطاها الصغير النائم قائلاً في أذنها بجمود ـ"اصعدي لغرفتنا مع (مودي). لن أتأخر".
حملت الصغير بحنان وهمت بسؤاله عن هوية ذلك الشخص الغامض الذي لم يرق لها أيضاً، لكنه تابع بشيء من الصرامة ـ" من فضلك اصعدي لغرفتنا ونتفاهم فيما بعد".
اتسعت عيناها تحت نظارتها الشمسية من لهجته الغريبة، لكنها أطاعته صاغرة وهي تحث الخطى نحو مبنى الفندق الرئيسي برفقة أخيها.
أما هو فعاد ببصره إلى الرجل قائلاً بثبات ـ" لم أر لافتة تقول ممنوع دخول (مازن عاشور). أم أنها لافتة جديدة؟"
قهقه الرجل بفخامة وهو يشيح بذراعه في الهواء لتنعكس أشعة الشمس على ساعته الذهبية الراقية قائلاً بمرح مصطنع ـ" من قال ذلك؟ الفندق وشرم كلها تحت أمرك يا عزيزي. نريد أن ننال رضاك فقط يا عريس".
عقد (مازن) حاجبيه للحظة قبل أن يسأله بسخرية ـ" هل يهمك رضاي إلى هذه الدرجة؟ لم أكن أعرف أنني مهم لهذا الحد".
التقط الرجل سيجاراً فخماً من جيب قميصه العلوي المشجر وأخذ يعبث بغلافه الشفاف وهو يقول بخبث ـ"كيف تجهل أهمية رضاك؟ لا شيء مما أفعله يروقك يا رجل".
رفع (مازن) حاجبه الأيسر قائلاً بنفس السخرية ـ" والعيب في أينا؟ فيمن يمشي مستقيماً أم فيمن يمشي بطرق ملتوية؟"
أشاح الرجل بسيجاره قائلاً ببساطة ـ" لا عيب في أينا. فلنتفق سوياً ونصبح أصدقاء، ويا دار ما دخلك شر. أنت عريس جديد وتريد التمتع بحياتك، وأنا رجل لا أحب الشوشرة. ماذا تقول في عرضي؟"
مال (مازن) بوجهه في اتجاه الرجل وهو يركز بصره في عينيه خلف عدسات النظارة القاتمة قائلاً بثبات ـ" أقول يفتح الله. أنا رجل مقتنع بما افعل، ولن يمنعني أحد عنه. بإذنك".
قالها وهو يستدير لمغادرة الرجل الذي لم يبد عليه التأثر مما سمع، وإنما قال ببرود وهو يرفع ساقيه على مقعد أمامه ـ"ظريف جداً هذا الطفل الذي كنت تحمله. لكن على حد علمي أنت تزوجت للتو. أم أنه عصر السرعة؟"
احتقن وجه (مازن) وهو يستدير إليه في غضب حاول ألا يظهره وقال من بين أسنانه ـ"لا صالح لك بحياتي الخاصة، ومن الأفضل إن تبتعد عن أسرتي".
قهقه الرجل بضحكة خاوية مستفزة قبل أن يبترها فجأة ليقول بخبث ـ" غريب أمرك يا (مازن). ما دمت لا تحب أن يتدخل أحد في حياتك، فلماذا تتدخل في حياتي؟"
أجابه (مازن) بابتسامة صفراء قائلاً ـ"لأن حياتي لا تخصك. لم اخطب زوجتي بخاتم ألماس بمليون دولار، ولم أُقم حفل زفاف تكلف 50 مليون جنيه، ولم اصحبها في شهر عسل على يخت لجزر الكاريبي بأموال القروض التي أخذتها من بنوك المصريين."
مط الرجل شفتيه قائلاً ببرود ـ"أيعني هذا أن زوجتك لا تستحق الألماس؟"
عقد (مازن) ذراعيه أمام صدره قائلاً بحزم ـ"زوجتي تستحق ما هو أغلى من الألماس، والذي حينما أشتريه سيكون من مال حلال، وليس من قروض أعجز عن تسديدها".
تلاعب الرجل بالسيجار قائلاً بلامبالاة ـ" يا للخسارة... هكذا ستضيع عليها هدية الزفاف".
شد (مازن) قامته قائلاً باعتداد ـ"الله الغني عنك وعما يأتي من طرفك يا (نشار). إذا كنت تريد مني التوقف عن مطاردتك بمقالاتي سدد ما عليك من قروض وأعط كل ذي حق حقه. وإلا سأظل أطاردك إلى النهاية".
أنزل (فتحي النشار) ساقيه عن المقعد بقوة وهو يقول بسخرية مبطنة بتهديد خفي ـ"أنت متهور إذاً".
لمعت عينا (مازن) بجذل خلف نظارته الشمسية وهو يقول بتحدي ـ"كلمة متهور لا تفيني حقي... وبالمناسبة، حادث سيارتي قبل شهرين لم يُقفل باب التحقيق فيه. عدم اتهامي لشخص بعينه بالوقوف خلف الحادث لا يعني أنني لا أعرف من هو. على العكس، أنا اعرفه جيداً ومعي رقم سيارته أيضاً لحين الحاجة إليه. (مازن عاشور) ليس وليد الأمس يا (فتحي) بك. لا تستطيع رشوته ولا تهديده. بإذنك".
قالها وهو يرفع سبابته ووسطاه بحركة عسكرية هزلية ويترك غريمه يغلي من الغيظ.
والغريب أن (مازن) لم يكن أقل منه غيظاً وهو يتركه متجهاً إلى داخل الفندق ويصعد غرفته بخطوات تكاد تطلق الشرار من قوة اصطدامها بالأرض الرخامية للفندق.
حينما دخل جناحه وجد الهدوء يخيم عليها بشكل غريب زاد من استفزازه ليركل الطاولة الصغيرة في الردهة بكل الغيظ الذي يعتمل بداخله قبل أن يجلس على الأريكة الجانبية وهو يزفر بحنق مغمغماً ـ"استغفر الله العظيم.. سيظل الهم خلفي أينما ذهبت. وهذا ما كان ينقصني. يهددني جهاراً نهاراً دون أن يرمش له جفن. ياله من بلد فاسد، يترك اللص يبعثر أموالنا على النساء دون أي رقيب أو خوف من المساءلة".
ظل يرغي ويزبد قليلاً وهو يلتقط حاسبه الشخصي ويفتحه ويندمج في الكتابة إلى أن انتبه لصوت (علا) وهي تتأوه في ألم.
أنهت حمامها الدافئ الذي نجح قليلاً في تفكيك عظامها المتيبسة من نوم أمس على الفراش الضيق، وأحكمت ربط معطف الحمام القطني الثقيل حول جسدها الرقيق، وربطت منشفة أخرى على شعرها المبلل قبل أن تخرج من حمام الجناح.
والحقيقة أنها كانت بحاجة إلى هذا الحمام المهدئ لأن أعصابها كانت متوترة بالفعل منذ رأت هذا الرجل الذي استوقف زوجها. بالطبع لم يخف عليها أنه (فتحي النشار) الذي يجلده زوجها بمقالاته طوال الوقت، وبحسها الصحفي توقعت المزيد من المتاعب لمجرد وجوده في نفس المكان معهما.
ترى ما الذي يجعله يحاول التودد إلى زوجها هكذا؟
بل أي نوع من الحوار قد يدور بينهما من الأساس؟
استغرقتها أفكارها طويلاً، وربما كان هذا سبب عدم شعورها بالاسترخاء التام بعد الحمام، أو سبب خروجها السريع حتى أنها لم تنظر جيداً أمامها و....
"آه.. ما الذي وضع هذه الطاولة هنا؟"
تأوهت في ألم وهي تخفض بصرها لترى طاولة الانتريه الخشبية الصغيرة ذات العجلات وقد توسطت الممر الذي يواجه باب الحمام، وبالطبع لم تنتبه لها في خروجها المسرع وارتطمت ركبتها بالطاولة في قوة.
كانت قوة الألم تبعث بشرارات كهربائية أمام عينيها حينما وجدته يأتيها مهرولاً يسندها ويسألها باهتمام ـ"هل كانت الصدمة قوية؟ آسف يا (علا).. لقد دفعتها دون أن أنتبه أنك في الحمام".
رفعت عينيها اللتان احمرتا من قوة الألم واستندت على ذراعه وهي تقول من بين أسنانها ـ"حصل خير..ما الذي جعلك تدفعها أصلاً؟"
هم بإجابتها حينما تغيرت ملامحه فجأة من التعاطف للهجوم وهو يسألها بغيظ ـ"وأنت ماذا دهاك؟ تركلين كل ما يأتي أمامك؟ لماذا لا تنتبهي"؟
احتقن وجهها بدماء الحرج وهي تجذب ذراعها من قبضته وتحاول ألا يكون ردها عدائياً قائلة ـ"من الذي يركل ما أمامه؟ هذه الطاولة موضعها وسط الانتريه، فما الذي أتى بها أمام الحمام؟"
حدق في وجهها بجمود للحظات قبل أن تلين ملامح وجهه ويتنهد في عمق قائلاً ـ"انتهينا يا (علا). لقد اعتذرت وانتهينا. هيا لأوصلك إلى الأريكة ريثما أحضر دهاناً مضاداً للكدمات".
تركته يتناول ذراعها على مضض وهي تتجه بخطوات شبه عرجاء إلى الأريكة التي كان يجلس عليها قبل قليل، بينما اتجه هو إلى حقيبته بغرفة النوم ليلتقط منها أنبوب الكريم ويعود إليها في الردهة.
وما أن خطا خارج غرفة النوم حتى تسمر في مكانه وجف حلقه بشدة.
فقد انتبه للمرة الأولى لما ترتديه (علا)...عروسه التي مددت ساقيها على باقي الأريكة.
كانت ترتدي معطف الحمام القطني السميك الذي يصل إلى ما بعد منتصف ساقيها وتلف شعرها المبلل بمنشفة أخرى.
ربما لم تكن ملابسها مكشوفة، لكنها كشفت له ما كان يريد رؤيته.
فالمعطف القصير كشف عن رسوم الحناء السمراء التي تزين كاحليها متناقضة مع بياض بشرتها الكريستالي، وترتفع بأناقة وإغراء حتى قرب منتصف الساق، حيث تختفي عند نهاية المعطف.
جف حلقه وهو يتابع النقوش بعينيه متخيلاً إلى أين تمضي، وازدرد لعابه الجاف حينما لمح أصابعها الرقيقة تمسد ركبتها المصابة في ألم من فوق المعطف في انتظار عودته وقد انحسر الكم قليلاً ليكشف اسوارة الحناء التي تزين معصميها وتغريه باستكشاف المزيد من الرسوم.
لم يحسب الوقت الذي استغرقته تأملاته، لكنها حينما رفعت رأسها تناديه التقت نظراتهما ليتنحنح في حرج وهو يهرع إليها قائلاً ـ" آسف للتأخير..نسيت أين وضعته في الحقيبة وتأخرت في البحث عنه".
تنحنحت هي الأخرى وهي تحكم إغلاق فتحة المعطف العلوية وتمد يدها الأخرى له لتأخذ الأنبوب قائلة ـ"شكراً..أعطني الدهان".
كاد يمده إليها وهو تائه في تأملاته لولا أن قفزت النظرة الخبيثة إلى عينيه وهو يجلس على طرف الأريكة أمامها قائلاً بابتسامة ودود ـ"عنك..أنا سأدلكها. فقد ارتطمت بالطاولة بسببي، ومن أفسد شيئاً فعليه إصلاحه".
قالها وهو يفتح الأنبوب وينتظر منها أن تكشف ركبتها المصابة ليدهنها، فكشفتها على استحياء وهي تهرب بنظرها منه كيلا يلمح احمرار وجنتيها القاني.
كانت تشعر بحرج بالغ منذ رفعت رأسها ورأت نظراته. تدرك جيداً أنه لم يتأخر في البحث عن الدهان كما قال، وإنما كان واقفاً يتأملها عن بُعد مستغلاً انشغالها بألم ركبتها.
والآن يطالبها بكشف ركبتها كي يدلكها بدهانه الخاص.. يا إلهي كيف تفعلها دون أن تحتقن دماء جسدها كله في وجهها؟
هتف بها عقلها موبخاً ـ"ماذا بك أيتها الخرقاء؟ إنه زوجك، وسبق له أن رآك بملابس اقل احتشاماً من هذا المعطف. أنسيت يوم الحناء وفستانك المكشوف الذي رآك به؟ وحتى إذا كانت ملابسك أقل احتشاماً فمن حقه أن يراك فيها. الرجل لن يصبر على دلالك طويلاً حتى وإن تظاهر بالتعامل الأنيق الراقي. فما من رجل يصبر على حقه الشرعي في امرأته، وبالتأكيد هو ليس استثناءاً. تكفي نظراته التي تفلت منه أحياناً وتشعلك حرجاً وخجلاً. انفضي عنك هذه الأفعال الصبيانية وتصرفي كعروس ناضجة و..".
أخرجتها ارتجافة قوية من أفكارها، حينما شعرت به يرفع ساقها المصابة ليجلس مكانها ويضعها على ركبته هو بحركة عفوية تماماً، قبل أن يضع الدهان البارد على ركبتها التي شوهتها بقعة زرقاء ويبدأ في تدليكه بحركة دائرية بطيئة. حركة أصابعه الدافئة أخرجتها عن تماسكها الطبيعي، ونجحت بجدارة في بعثرة مشاعرها وأصابعه تغادر موضعها لتقتفي أثر رسوم الحناء هبوطاً حتى كاحلها.
انتظرت منه أن يتوقف بعدما تشرب جلدها الدهان تماماً، لكنه لم يتوقف وبدا لها كأنه شارد في عالم آخر. شعرت بوجهها يحتقن في شدة آلمتها، وكأن عروقه ناءت باحتواء دماءه، لذا اندفعت تضع كفها على كفه قائلة بابتسامة مرتبكة ـ"سلمت يداك. هذا يكفي".
آخر اهتماماته في تلك اللحظة كانت ركبتها ذات الكدمة الزرقاء. فمنذ لمح تلك الرسوم وهو يجاهد ألا يفلت أصابعه ليتحسسها كل نقش على حدة.
لا يدر ما السحر الذي تمثله له نقوش الحناء، لكنها على ساق فاتنته كانت سحراً فرعونياً لا يملك فك طلاسمه كهنة آمون أنفسهم.
لذا هام به محاولاً كشف شفرته وأنامله تطوف فوقه برشاقة عازف بيانو يستكشف آلته التي سيعزف عليها أعذب الألحان.
لكنه سرعان ما اجتُث من عالمه الساحر حينما شعر بكفها على كفه وسمع صوتها يشكره بارتباك.
رفع عينيه بسرعة لتستدرك هي قائلة ـ"لم تخبرني من هو الرجل الذي ناداك بالأسفل وجعلك عصبياً حتى أنك انفجرت في الطاولة"؟
عقد حاجبيه قائلاً ـ"لماذا تقولين إنه سبب غيظي؟"
هزت كتفيها قائلة ببساطة ـ"لأننا كنا عائدين من الرحلة سعداء ولا يوجد ما يبعث على العصبية، ولأن ملامحك تجهمت حينما رأيته".
تأملها للحظات صامتاً وهو يدرك محاولتها لتغيير الموضوع، قبل أن يباغتها بالاقتراب من وجهها وهو يهمس بخبث ـ"ولماذا لا أكون تعمدت وضع الطاولة في هذا المكان كي ترتطمي بها واثأر لنفسي من الكاكاو الساخن الذي سكبته علي وحرقني بالأمس؟".
شهقت بخفة من حركته المباغتة وتراجعت إلى الخلف في حدة جعلت منشفة شعرها تتخلى عنه وتسقط لتتركه ينسدل بفوضوية على كتفيها وظهرها قبل أن تفكر حتى في التقاط المنشفة الخائنة.
حاولت الانحناء لتلتقط المنشفة، لكن يده كانت أسرع وهو يتناول كفها قائلاً بدفء مغوي ـ"اتركيها ودعي شعرك حراً. ألا يحق لي التمتع به في كافة حالاته؟"
التفتت إليه في حرج وحاولت عبثاً البحث عن كلمات مترابطة، لكنها خانتها جميعاً وكأنما اتفقت مع المنشفة على خذلانها أمامه اليوم.
وزاد حرجها وهو يتناول خصلات شعرها الذهبية التي لم تتخلص بعد من أثر مياه الاستحمام ليقربها من أنفه ويشمها بعمق قائلاً ـ"آه من رائحتك التي تحاصرني طوال الوقت ولم أعرف ما اسمها بعد".
قالها وهو يقترب أكثر ليشم نفس الرائحة تنبعث منها ويتابع هامساً ـ"سائل الاستحمام ومرطب الجلد ومعطر الجسم يحملون نفس الرائحة التي تُسكرني. لم أكن من عشاق رائحة الزهور، لكنني أحببتها منذ يوم الحناء، وأدمنتها أمس حينما سكنت أضلعي".
تصاعدت نبضات قلبها مع اقترابه لتصبح كدقات الطبول في أذنيها، حتى أنها لم تسمع بقية غزله الهامس وهو يخدرها بعينيه ويقترب أكثر ليتحسس وجهها الندي الذي صار أشبه بشعلة متوهجة.
أما هو فكان يصارع أحاسيس جديدة مجنونة لم تدغدغ مشاعره في زواجه السابق.
كان كالمسحور الذي يرى أنثى للمرة الأولى، وهو يطلق سراح أنامله لتلمس بانبهار خصلات شعرها وتداعب حرير خدها ثم تتحسس شفتيها الورديتين بوله حتى فقد شعوره بالزمان والمكان تقريباً وهو ينهل من شهدها للمرة الأولى.
وكأنما حملت أنفاسه لها مخدراً أقوى من عينيه، لتجد نفسها كرائد فضاء خارج حدود الجاذبية الأرضية وتفقد أي رابط بما حولها سواه.
كانت تتمنى لو تظل هائمة معه إلى الأبد لولا أن انتابتها صاعقة قوية حينما شعرت بدفء أنامله يقتحم قداسة عنقها تحت ياقة المعطف القطني، لتفتح عينيها في سرعة وتدفع (مازن) في صدره لتبعده عنها وتنزل ساقها المصابة عن ركبته محاولة التقاط أنفاسها اللاهثة وهي تحكم ياقة المعطف حول جسدها المرتجف.
وكأنما ألقته من السماء إلى الأرض في عنف، انتبه (مازن) على دفعتها له في صدره وحركة ساقها السريعة ليعقد حاجبيه مستنكراً ويهم بالاقتراب ثانية في إصرار عكسته عينيه الناعستين اللتان تحولت نظراتهما فجأة إلى نظرة رجل يريد امرأته.
لكنه فوجئ بها تدفعه ثانية وتدير وجهها بعيداً عنه كيلا يكرر فعلته.
أقنع نفسه بأنه الخجل الأنثوي التقليدي الذي لم يجربه من قبل مع زوجته الأمريكية، فمد أنامله تحت ذقنها ليدير وجهها ناحيته هامساً باسمها بصوت مبحوح جعل قلبها ينتفض بين ضلوعها وهي تغوص في سواد عينيه وتحلق معه بعيداً عن العالم مرة ثانية ولفترة أطول هذه المرة كادت فيها تفقد سيطرتها على نفسها وتستسلم تماماً للمساته الجريئة.
شيء ما أعادها إلى وعيها وهي تتملص من بين ذراعيه هامسة بأنفاس لاهثة ـ" (مازن) توقف أرجوك".
تيبست أصابعه على جسدها وتقلصت ملامح وجهه فجأة لتهاجمه شتى الأفكار السوداء وهو يثبت نظرة قاسية على ملامحها تختلف تماماً عن نظرته الوالهة قبل قليل.
وكأنما قرأت نظراته فهمست بخجل ـ"ولا تقربوهن حتى يطهرن".
حدق فيها للحظة قبل أن ينهض من على الأريكة قائلاً بضيق مكتوم ـ"رسالتك وصلت يا (علا) ولا داعي لتجميلها. من الواضح أنك لم تقتنعي بي بعد زوجاً لك، وأنا لن أرغمك على أي شيء".
قالها وهو يبتعد عنها متجهاً إلى غرفة النوم حينما فوجئ بكفها الرقيق يتشبث بكفه وهي تناديه باستعطاف ـ"(مازن) لا تسيء فهمي".
استدار لها ليجدها واقفة على ركبتيها فوق الأريكة وهي تناجيه بنظرة حزينة فقال بنفس الضيق ـ"أين سوء الفهم حينما تدفعني زوجتي بعيداً عنها مرتين وتخترع سبباً واهياً لذلك؟ لا معنى لما فعلتِ سوى ما فهمته أنا يا (علا). أنت تشعرين أن زواجنا كان متسرعاً".
شددت قبضتها الرقيقة على كفه وتحاملت عليه لتقف أمامه وتضع عينيها بعينيه قائلة بصدق ـ"(مازن) أنا لم أفعل شيئاً في حياتي دون الاقتناع به، وبالتأكيد لم أكن لأتزوج بهذه السرعة من أي رجل لو لم تكن له مكانة خاصة في حياتي. وحينما دفعتك بعيداً قبل قليل لم يكن رفضاً لك أو نفوراً منك، بل لأنه لا يجوز شرعاً".
ضغط فكيه بقوة قائلاً من بين أسنانه ـ"وهل فعلت شيئاً ضد الشرع؟ أنت لم تتركي لي مجالاً لفعل أي شيء".
اشتعلت وجنتيها من عبارته العفوية لتترك كفه وتفرك كفيها بحرج وهي تقول بخفوت ـ" وحتى لو لم يكن هناك عذراً شرعياً، فلا أحب أن يكون أول لقاء بيننا هنا".
خفض وجهه تجاهها ليرهف سمعه قائلاً بتركيز شديد ـ"أعيدي على مسمعي هذه الجملة؟ أعتقد أنني لم اسمعها جيداً.
فرت مع حيائها إلى ناحية غرفة النوم ليعترض طريقها ويعتقلها بين ذراعيه قائلاً في خبث ـ"لن أتركك حتى أسمع جملتك مرة ثانية. هيا قوليها".
رفعت عينيها إليه بنظرة تحمل حبها الذي تخجل من التصريح به قبل أن تلمع عيناها بجذل وهي تقول بابتسامة شقية ـ"يجب ألا تنسى أنك شوهت ركبتي ولابد من تعويضي على ذلك. وأنا لن أتنازل عن حقي".
عقد حاجبيه وهو يسألها بدهشة ـ" وما دخل ركبتك بما قلتِ قبل قليل؟"
هزت كتفيها بطريقة طفولية وهي تجيبه بابتسامة خجلى ـ"أعني أنك كي تسمع ما تريد عليك التكفير عن ذنبك بتشويه ركبتي وإلا فلن أسامحك".
زاد انعقاد حاجبيه قبل أن يفطن إلى أنها تستخدم نفس عبارته بالأمس، فلمعت عيناه وهو يقول بجذل ـ"حسناً أوافق على فعل ما تريدين، ولكن ماهو"؟
أراحت رأسها على صدره بحركة باغتته شخصياً وهي تقول بحالمية ـ"نفس تعويض الأمس".
ثم ما لبثت أن رفعت عينيها إليه قائلة بتأنيب ـ"كيلا تقول إنني مترددة بشأن زواجنا".
حينها اتسعت ابتسامته وهو يضمها إليه بقوة قائلاً ـ"غالي والطلب رخيص".
رفعت سبابتها محذرة بابتسامة طفولية ـ"بشرط ألا ننام على ذاك الفراش الضيق..لقد تيبس ظهري أمس ومازال يؤلمني. أعتقد أن الأريكة ستكون أكثر راحة حينما تحولها إلى فراش".
حرك حاجبيه بخبث قائلاً ـ"يمكنني تدليكه لك إذا أردت... فأنا ماهر في التدليك وركبتك خير دليل".
شهقت في عنف وهي تتراجع بعيداً عنه وقد التهبت وجنتاها من كلماته الجريئة، فضحك في قوة وجذبها إليه ثانية وهو يقول من بين ضحكاته ـ"حسناً..حسناً كنت أمزح معك. لا تشردي كالمهر الحرون هكذا".
ثم رفع سبابته هو الآخر وهو يحذرها بابتسامة ماكرة ـ" أوافق على النوم على الأريكة بشرط ألا تقولي توقف أرجوك".
لكزته في كتفه في حرج وحاولت الابتعاد عنه، لكنه شدد قبضته عليها وهو يهمس في أذنها برقة أذابتها ـ"إلى أين؟ قلبي هو مأواك".
ابتسمت في خجل ثم عادت تريح رأسها على صدره لتنعم بدقات قلبه... مأواها الجديد.
*************************
|