كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
رومانسيات عربية - القصص المكتملة
رد: 31_ قلب أخضر بقلم رباب فؤاد .. القلب الرابع
أحكمت الغطاء حول أخيها النائم في براءة قبل أن تبدأ في خلع حجابها الأنيق وابتسامة حالمة تزين شفتيها حينما ارتفع فجأة رنين الهاتف الأرضي لتجفل في ارتياع للحظات قبل أن تهرع لالتقاط سماعته اللاسلكية وتخرج للحديث في الردهة بعيداً عن الصغير النائم.
وكما توقعت كانت (منار) على الطرف الآخر تصرخ بها بانفعال ـ"أيتها النذلة...خطبة وعقد قران وأنا آخر من يعلم؟ أهكذا تفعلين مع صديقتك الوحيدة؟ و...".
قاطعتها (علا) بضحكة رقيقة وهي تقول في سرعة ـ"لقد عدت لتوي من منزل دكتور (مصطفى). أنا حتى لم أخلع حجابي بعد".
عادت (منار) للهتاف ثانية ـ"وماذا كنت تنتظرين لتهاتفيني؟ لقد أبلغني (رأفت) بعقد قرانك منذ أكثر من ساعتين، فأين كنت طيلة هذا الوقت؟ لا تقولي إنك اشتريت الشبكة وارتديتها أيضاً.. حينها سيكون موتك على يدي يا ابنة (السباعي)".
تخضبت وجنتاها وهي تتذكر فيم قضت الساعتين الماضيتين وكيف اقتحم (مازن) براءتها بكل قوته، فعادت تضحك في ارتباك هذه المرة وهي تدافع عن نفسها ـ"رويدك يا ابنة سيادة المستشار. الطريق من منزل دكتور مصطفى إلى بيتنا ليس قصيراً، واطمئني.. لم نشتر الشبكة بعد. سنذهب غداً إن شاء الله وأريدك معي في التجهيز لحفل الزفاف نهاية الأسبوع".
تحولت نبرات (منار) إلى سعادة حقيقية وهي تقول بجذل ـ"يا الهي..لا اصدق أنك تزوجت بالفعل من (مازن عاشور)، يبدو أن استقالتك كان لها مفعول السحر، فأتاكِ حلمك راغماً".
أمنت على قولها بابتسامة حالمة ـ"حتى أنا لا زلت اشعر وكأنني في حلم جميل، وأنا التي ظننت أنني لن أجد من يقبل الزواج بي ويتحمل معي مسؤولية أخي. الحمد لله أنه أرسل إلي من يقبلنا سوياً ويصر علينا معاً".
ابتسمت (منار) بثقة وهي تقول ـ" أرأيت كرم الله سبحانه وتعالى؟ لم يرسل لك أي زوج فحسب، وإنما حقق حلمك القديم".
عقدت (علا) حاجبيها وتلعثمت وهي تسأل صديقتها ـ"حلمي القديم؟ ماذا تقصدين"؟
ابتسمت (منار) بخبث وهي تجيبها ـ"أظننت أنني لم ألحظ ولعك ب(مازن عاشور) منذ كنتِ بالسنة الأولى بالجامعة؟"
ازداد تلعثمها وهي تزدرد لعاباً وهمياً قائلة بخفوت ـ"م...ماذا تقولين؟"
ضحكت (منار) لتلعثم صديقتها وهي تجيبها بنفس الخبث ـ"أقول ما تخيلتِ أنني لم ألحظه طيلة السنوات الخمس الماضية. تخيلت أنني لم ألحظ بريق عينيك يوم رأيت (مازن عاشور) للمرة الأولى بندوة ثقافية بالجامعة وكيف انبهرتِ به وهو على المنصة إلى جانب دكتور (مصطفى)، بل وكيف عدلت عن قرارك بالتخصص في قسم التلفاز لتتخصصي في قسم الصحافة. يومها تحججتِ برغبتك في البقاء مع دكتور (مصطفى)، لكن تأثرك بأسلوب (مازن) فضح إعجابك به".
شعرت بصديقتها تعري سرها الذي جاهدت سنوات لإخفائه فخرج صوتها محشرجاً وهي تهمس ـ"(منار)..أنا..أنا..".
عادت تضحك ثانية لتزيل توتر صديقتها وهي تقول بحنان ـ"حبيبتي أنا لا أقصد إرباكك..على العكس تماماً، أنا سعيدة للغاية بما حدث اليوم. لقد عانيتِ الكثير منذ وفاة والدك وأخفيت اهتمامك بفارس أحلامك، بل وتعمدت الاختباء عنه رغم عملك معه في نفس الصحيفة. حتى حينما التقيت به قدراً حاولت الابتعاد عن حلمك للحفاظ على نفسك وسمعتك. هذا ما يجعلني سعيدة يا (علا).. سعيدة من أجلك حقاً".
ثم أردفت بنفس الحنان ـ"من ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه، وأنت قاومت حبك وأحلامك من أجل الاهتمام بأخيك اليتيم، وها قد كافأك الله بتحقيق حلمك دون أن تسعي إلى تحقيقه.. فعند الله لا تموت الأمنيات غاليتي".
اختنق صوتها بالعبرات وشعرت بالرجفة تسري في أوصالها وهي تقول ـ" ونعم بالله. لن أنكر ما قلته، فلا فائدة من الإنكار. لكنني لم أتخيل للحظة أنني مكشوفة لهذه الدرجة".
ضحكت (منار) لتخفف الجو قليلاً وهي تشاكسها ـ" أنت مكشوفة لي أنا فقط بصفتي صديقتك الوحيدة، لكنك ممثلة بارعة حتى أنني كنت اصدق أحياناً أنك لا تولين ل(مازن) أي اهتمام، مثلما فعلت يوم كنا بمترو الأنفاق. يا الهي...من يسمعك يومها وأنت تقولين بأنفة (مازن) أو ماجن لا يهمني يصدق أنك لا تهتمين به البتة. واليوم اسمع نبرة صوتك هذه التي تكاد تهيم عشقاً به... لست سهلة أبداً يا ابنة (السباعي)".
قالتها وهي تواصل ضحكها قائلة ـ"صدق من قال يتمنعن وهن الراغبات".
ضحكت بدورها وقد انتقل مرح صديقتها إليها وخفف من توترها قليلاً، قبل أن تتوقف عن الضحك فجأة لتسألها بتوجس ـ"هل تعتقدين أن (مازن) لاحظ إعجابي به أو ميلي له؟ لقد كنت أتعمد الفظاظة وأنا معه حتى لا تفضحني نظراتي ولا نبرة صوتي المرتجفة".
هزت (منار) رأسها في ثقة قائلة ـ" لا أظن أنه لاحظ رغم دقة ملاحظته. ومبعث ثقتي أنه إذا كان شعر بأي تجاوب من جانبك لم يكن ليفكر في الزواج منك بهذه السرعة. كان سيظنك كباقي الفتيات اللائي يسهل إغوائهن بحديث معسول. لكن جديتك وصرامتك في التعامل معه جعلاه يدرك أنك أنسب من يختار لتحمل اسمه".
عاد التوتر يتقاذفها لتضبط نفسها متلبسة بقرض أظافر يدها اليسرى وهي تقول بشرود ـ"ربما كنت على حق. أنا لم أتوقع للحظة أن يكون هذا رد فعله على استقالتي. لم أتوقع أن يفكر في كزوجة".
رفعت (منار) أحد حاجبيها وهي تقول في فخر ـ" ولماذا لا يفكر فيك؟ أين له أن يجد من هي في جمالك وأدبك والتزامك؟ فليحمد ربه أنه رزقه بمن هي مثلك. هيا ابتهجي فأنت اليوم عروس. سأتركك الآن كي ترتاحي قليلاً، ولو أنني أشك في أن النوم سيزور جفنيك اليوم، ناهيك عن اتصال عريسك الذي سيهاتفك ما أن يصل منزله، إن لم يكن قبلها".
همت (علا) بالرد عليها حينما صدحت فجأة النغمة التي خصصها (مودي) لصديقه فارتفعت ضحكتها رغماً عنها وهي تقول لصديقتها ـ"ما شاء الله...عمره طويل عريسي هذا. ما أن ذكرناه حتى رأيت اسمه ينير شاشة هاتفي. هيا إلى اللقاء يا صديقتي وأراك غداً. فأمامنا يوم طويل".
ضحكت (منار) بدورها وهي تقول مغيظة ـ"أهكذا تبيعين صديقة عمرك لأجل رنة هاتف؟ لنا الله".
أنهت الاتصال مع صديقتها في سرعة وهي تهرع لالتقاط هاتفها الجوال من حقيبتها لترد في سرعة ـ"ألو".
أتاها صوته الذي يذيب عظامها هامساً برقة ـ"هل أيقظتك؟"
حاولت السيطرة على دقات قلبها المضطربة وهي تهمس في خجل ـ"كلا..لم أنم بعد. (منار) كانت معي على الهاتف تبارك زواجنا".
ابتسم برصانة وهو يعتدل على فراشه قائلاً ـ"أهاا..بارك الله فيها. وهل اتفقتما على موعد الغد؟"
أومأت برأسها في صمت وكأنه يراها قبل أن تدرك غباء حركتها لتقول في سرعة ـ"نعم. سنحاول غداً شراء مستلزمات الزفاف، لكنني أخشى أن يداهمنا الوقت".
اتسعت ابتسامته وهو يقول بثقة ـ"لا تخشي شيئاً، فالأسبوع ما زال في بدايته وزفافنا يوم الخميس. اهتمي بمشترواتك الخاصة فقط، وما عدا ذلك من مستلزمات المنزل فلا مجال له الآن. اتركيه لما بعد".
أومأت برأسها ثانية ثم ما لبثت أن عضت شفتيها حينما أدركت أنها تتصرف بطفولية مزعجة لتقول باقتضاب ـ"حسناً..كما تشاء".
شعر بنعومتها التي تنساب عبر الأثير وكأنها تدغدغ حواسه بشكل لم يعهده من قبل، فضغط فكيه للحظات قبل أن يقول بابتسامة انتقلت إليها عبر ذبذبات صوته المغوي ـ" حسناً لن أطيل عليك، فاليوم كان شاقاً لكلينا. ولكن أحلى ما فيه أنك أصبحت عروسي وأصبح من حقي أن يكون صوتك آخر ما يداعب أذني. تصبحين على أحلام سعيدة بحياتنا معاً".
تخضبت وجنتاها بقوة وكأنها ترى نظراته الناعسة التي تربكها، لتنهي الاتصال بأنفاس متهدجة ـ"تصبح على خير".
فتح باب شقته في إرهاق، فقد كان يوماً طويلاً ومرهقاً بحق، لكنه انتهى بمفاجأة كانت أكثر من سعيدة.
كان يتمنى أن يحظى بأمسية رائعة بعد هذا اليوم المرهق لولا أن وجدها أمامه واضعة كفيها في خصرها وقد عقدت حاجبيها قائلة بعصبية ـ" أين كنت حتى الآن؟ ولماذا أغلقت هاتفك؟"
في انتظاركم الأربعاء بعد القادم إن شاء الله
كونوا بخير
|