بسم الله الرحمن الرحيم...
كنت قد قلت في الفصل السابق ان هذا الفصل سيشهد تغير مرضية..و لكني قد عدلت عن رأيي و سيتم تأخير هذا التغير لقليل من الوقت...
صراحة اشتقت لكم جدا جدا...و ها انا أعود و كلي أمل أن تنال هذه الطية اعجابكم...
لا أحلل نقل الرواية دون اسمي...
**روووح**
الطية العشرون...
تدافع اللحظات...
تتدافع اللحظات خلف بعضها...
بعضها أليمة..و الأخرى سقيمة..
و البعض الآخر يحمل القليل من الأمل...
كلها تتدافع واحدة تلو الأخرى لتكون منظومة الحياة...
لو كنت أدري
أنه نوع من الإدمان .. ما أدمنته
.. لو كنت أدري أنه
باب كثير الريح ، ما فتحته
.. لو كنت أدري أنه
عود من الكبريت ، ما أشعلته
هذا الهوى . أعنف حب عشته
.. فليتني حين أتاني فاتحا
يديه لي .. رددته
.. وليتني من قبل أن يقتلني
.. قتلته
.. هذا الهوى الذي أراه في الليل
.. أراه .. في ثوبي
.. وفي عطري .. وفي أساوري
.. أراه .. مرسوما على وجه يدي
.. أراه .. منقوشا على مشاعري
.. لو أخبروني أنه
.. طفل كثير اللهو والضوضاء ما أدخلته
.. وأنه سيكسر الزجاج في قلبي
.. لما تركته
نٍزار قبّاني...
منزل يسار...
دخل المنزل وهو مرهق من كل شئ...مرهق من تلك الأفكار و التساؤلات الكثيرة التي تنهش عقله...سمع أصواتاً قادمة من الصالة الداخلية...دخلها..كانت كل من ملك و شهد جالستان على الأرض و حولهما كمية من الألعاب و كل واحدة منهما ممسكة بلعبة في يدها و تحركانهما في اتجاهات مختلفة و تتحدثان كأن اللعبتان هما اللتان تتحدثان...انتقل بنظره لصبا التي كانت ممسكة بجهاز التحكم عن بعد للتلفاز و تقلب بين القنوات...توجه بنظره لجدته..حب حياته الأول و الأبدي!!...ممسكة بيتك العصاة الخشبية التي تزينها نقوش ..في يدها التي قد علم عليها الزمن بتلك التجاعيد...و أخيراً و ليس آخراً!!...توقف نظره عند تلك التي كانت جالسة قرب الجدة و يبدو أنها تتحدث معها...قطع عليه حبل أفكاره صوت الجدة...\هلا بروح قلبي...
اقترب منها ليطبع تلك القبلة المعتادة على جبهتها...و يقول..\هلا جدتي..كيفك؟!
الجدة \زينة يا ولدي و الحمد و الشكر لربي...كيفك إنت...من زمان و أنا أنتظرك..سألت زوجتك تقول ما تعرف...ليه ما تخبرها قبل لا تطلع؟!
تأمل نورة التي كانت تمثل عدم الإنتباه معهما و ذلك بالتحديق في شاشة التلفاز...\و من متى أنا أخبر أحد وين أطلع ووين أروح؟!!...علمت نورة علم اليقين أن كلامه موجه لها...قاطعته الجدة لتقول...\أسئلتك لا توجها لها كلامك قوله لي...
ابتسم على دهاء جدته و قال...\جدتي وش تبيني أقول..
ابتسمت بمكر لتقول..\متى بتجيبون لنا طفل صغير يسلي دنيتكم...؟!!
وخز قد طعن صدرها...أحست بإنقباض شديد في قفصها الصدري لتتجاهل الحديث و كأنما لم تسمعه...قامت من مكانها و ابتعدت لتجلس مع ملك و شهد لتقضي معهما الوقت...
هو...انتبه لها و لهروبها من السؤال..قال ببرود وهو يتكل جسده للخلف...\لما ربي يريد...
قالت له صبا...\ان شاء الله ربي يرزقكم بأمور صغير كذا عشان أزوجه لوحدة من بناتي..
قال لها ممازحاً...\يا شيخة اتقي الله!!!...بيكونون أكبر منه بكثير..وش بلوته عشان يتزوج بناتك؟!
صبا \تخسى..انت تلقي وحدة من بناتي!!...ثم أردفت و كأنما استدركت شيئا..\إلا بالحق يسار أبيك تحجز لي في الأسبوع الجاي على لندن...
استدركتها الجدة لتقول..\شنوو؟!
قالت...\يمة أنا لازم أرجع عشان الدكتوراة و ما يصير أقعد أكثر من كذا...
الجدة \لا و اللي خلق هالسموات ماني بتاركتك تروحين إلا بعد ما شبع منك..
صبا \يمة أنا لازم أرجع...نظرت ليسار لتقول...\يسار!!...قولها شي؟!
رمى بجسده على الأريكة و أرجع يديه وراء رأسه...\مالي دخل..
صبا \يسااار!!...
نظر لها بإستهبال..\قلتلك مالي دخل يا بنت الناس..وش دخلني فيكي انتي و أمك...
صبا \يمة أنا لازم أروح و ما بيرضون لأن...كانت هذه هي الكلمات الوحيدة التي قد سمعها يسار من صبا و البقية..فلا يعلم أين ذهبت!!!...فقد كان كل تركيزه مع تلك الجالسة مع ملك و شهد...تأملها و هي تبتسم لهما و تتبادل معهما الحديث..جلستها...مسكتها لإحدى اللعب و التي كانت عبارة عن سيارة صغيرة...تلك التعابير التي كانت تصبغ بها وجهها و هي تحرك السيارة الصغيرة يمنة و يسرة لتنفعل كل من شهد و ملك معها...تأمل يدها اليمنى و هي تقترب من وجهها لتتناول تلك الخصلة المتمردة من شعره و ترجعها لما وراء أذنها...و تأمل كل من ملك و شهد و هما تريانها ألعابهما و بإنفعال طفولي شديد...سرح بفكره لأسئلة لطالما قد كان يتجاهلها...لطالما كان يجعلها تقبع في ذلك الركن المظلم...
لماذا لا تريده ان يقترب منها؟!!...لماذا يرى في عينيها ذلك الرفض؟!...و من هذا الوليد و ماذا فعله لها؟!...أحس بنار تحرق صدره مع تذكر تلك السيرة؟!...لن يتركها و لا بد أن يعرف ما علاقتها بذلك الوليد!!...قاطع أفكاره صوت صبا...\يسااار...يساار!!
يسار \ها؟!
صبا \وين سرحت و أنا أتكلم من صباح ربي؟!
يسار \ها وش كنتي تقولين؟!
قالت الجدة و هي تستدركها...\تقول إنها بتجلس كمان زيادة عشان خاطري...ابتسمت صبا على كلام والدتها لتقول ليسار...\الظاهر إن جدتك ماهي ناوية تعتقني لوجه الله...
الجدة \و الله لو بيدي ما بتروحي لأي مكان...
مرت مدة من الزمن كانوا يتحدثون فيها...بعدها خرجت الجدة و أوصلها يسار للقصر...كانت صبا تريد المبيت معها و لكن الجدة أصرت عليها بأن تمكث مع يسار و نورة في المنزل...
*****************************
القصر...
الساعة العاشرة ليلاً...
بعد أن أوصل الجدة للقصر كان يعلم جيداً ان والده ليس بالقصر..و لكنه أخبرها أنه سيذهب للمكتب لعله يجده هناك...
دخل ذلك المكتب الذي كانت العتمة تغطي كل زواياه...يعلم في قرارة نفسه أن ما يفعله هو جريمة و لكنه قد حاول الحصول على معلومات بالأسلوب الصحيح و لم ينجح لذا سيتخذ كل الطرق ليحل ذلك الغموض الذي يلف هذا الموضوع...يحفظ المكتب عن ظهر قلب...دخل إلى أن وصل لتلك الطاولة و أنار تلك الأنارة الخافتة لتبين له حدود الجمادات التي تتوسط المكتب...تقدم حتى وصل إلى تلك الخزانة الصغيرة التي توجد في إحدى أركان المكتب...أزاحها ببطء ليبين له ذلك الباب الصغير الموجود خلفها...(خزنة والده)...يحس بالوقاحة فيما يفعله و لكن لابد له من الوصول لما يريد...هو يعلم أرقام السر التي تفتح الخزنة و لكن لم يستخدمها يوماً ما...و لكن اليوم يحس بأنه في حاجة لها...
ضغط على تلك الأرقام راجياً أن تكون صحيحة...أغمض عينيه في أمل أن تكون هي الأرقام الصائبة...و في محض ثوان فتح ذلك الباب الصغير...تأمل ما بداخل جوفها ليجد تلك الملفات و الأوراق المرصوصة فوق بعضها البعض...تلفت يمينا و يساراً خوفاً من تواجد والده و لكنه يعلم أنه غير موجود و ذلك لأن لديه عشاء عمل مهم...تناول إحدى تلك الأوراق ليجدها تشير على ملكيات لبعض الأراضي في أماكن متفرقة...أرجع تلك الأوراق لمكانها ليتناول ورقة أخرى يبدو أنها قد أهلكها الزمن و تقطعت أطرافها...تناولها ليقرأ بداياتها...
مستشفى ... النفسي...
نزل بنظره ليتأمل تلك الكلمات...
اسم المريض...و لكن قاطع أفكاره ذلك الصوت الذي قد سمعه آت من الخارج ليغلق تلك الاوراق بسرعة و يرجعها لمكانها...و أغلق الخزنة و أرجع كل شئ لمكانه بأقصى سرعة...ليفاجأ بوالده واقفاً امامه...
عبدالرحمن \يسار!!
التفت عليه و بابتسامة باردة كبرود ملامحه...\هلا...
عبدالرحمن و قلبه يقفز من شدة الخوف..\وش كنت قاعد تسوي؟!
تقدم ليجلس على ذلك الكرسي الذي يوجد على طرف المكتب و قال بكل أريحية...\كنت أنتظرك...
تقدم ليجلس على الكرسي الذي يتوسط المكتب..\من متى؟!
يسار \من شوية...كيفك يبة؟!...قالها بهدوء و لكن سؤاله كان يتشرب في حناياه الكثير من الأسئلة الأخرى...
عبدالرحمن \الحمد لله...قال وهو يخلع شماغه و يضعه على المكتب...\كيفك انت و كيفها نورة؟!
يسار \الحمد لله بأحسن حال...رجع في جلسته ليسقط ثقله على كرسيه و قال...\يبة...
انتبه له عبدالرحمن...\إي...
بكل جمود الدنيا...\ليه موكل شخص يتبعني؟!
تفاجأ عبدالرحمن!!...بل تجمد عن الحركة ...ربما لم يتفاجأ بقوة و ذلك لعلمه بيسار و سرعة البديهة التي يتمتع بها...
ربما توقع حدوث شئ كهذا...
كيف لا و هو حفيد الراضي؟!..
كيف لا وهو يتشرب الكثير من صفات ذاك!!!...
سكت مدة وهو يعلم أن كل حركة منه مراقبة من ذلك القابع أمامه...قال وهو يرسم ابتسامة صغيرة في طرف شفاه...\دريت؟!
ابتسم له يسار وهو يقلب ذلك التمثال الصغير و الموضوع على طرف المكتب...\وش كنت تتوقع؟!
عبدالرحمن \ههه...ضحك ضحكة خفيفة و بعدها تقدم للأمام و انتبه بكل جوارحه مع يسار ليقول له بإهتمام...\إنا مو قلتلك تبعد من هذي السكة!!
يسار \هذا قرار يخصني أنا و بس...
عبدالرحمن \و ما بتسمع كلامي و أنا أبوك و بعد كل هذا تخبي علينا؟!
قال وهو ما زال يصب تركيزه على ذلك التمثال المقابل له...\أنا ما خبيت هذا الموضوع إلا لمصلحتكم...
يعلم عبدالرحمن أنه مهما حاول أن يقنع يسار بترك تلك المهنة المشؤومة فإن كل محاولاته ستبوء بالفشل الشديد...و لن تؤدي إلى أية نتيجة و ذلك لعلمه بذلك اليسار و بعقله اليابس كالحجر...\يعني مهما حاولت ما رح تتراجع عن اللي تسويه؟!
يسار \أنا مو قاعد أسوي شي غلط أنا بخدم وطني....و هذا موضع منته و ماني متراجع عنه...
عبدالرحمن \ما بيدي شي غير إني أقول لك تاخذ حذرك لأنك مهما حاولت ..فهذا الموضوع بيمس أهلك سواء شئت أم أبيت و سواء حاولت تحميهم و لا ما حاولت...
يسار \اللي كاتبه ربي بيصير...سكت مدة ثم أردف وهو يركز في ملامح والده...\إلا قولي...مين اللي قالك تراقبني؟
تلعثم عبدالرحمن و قال وهو يحاول جاهدا التجلد بالقوة...\احساس الأبوة...!!
**************************
منزل يسار...
الساعة الثانية بعد منتصف الليل...
صعدت نورة لغرفتها و حاولت أن تغمض تلك العينين المرهقتين من فرط التفكير... و لكن لا تعلم لماذا لم تستطع...ربما قلقها عليه هو ما يمنع عينيها من أن ترتاح...كانت تنتظره فقط قابعة في تلك الزاوية قرب النافذة... و تترقب ممسكة الستارة كما هي العادة...كانت تراقب في ذلك الظلام الدامس الذي يغطي المكان...احساس غريب اعتراها عندما رأت سيارته و ذلك الحارس يفتح له الباب لكي يدخلها في المنزل...راقبته جيداً...وهو بذلك الطول و الجسد الفتي ينزل من سيارته...استغربت عندما لم يدخل مباشرة للمنزل و إنما مكث في مكانه متكلاً بجسده على السيارة...تأملته وهو يزيح كم ثوبه قليلاً ليتأمل تلك الساعة التي تتوسد معصمه...انتقلت عينيها ليده التي أدخلها في جيبه ليخرج تلك العلبة و يخرج منها ذلك الشئ الرفيع...أخرج معها تلك الولاعة و أشعلها لينفث ذلك الدخان من بين شفتيه...شهقت..ربما...
خوفاً عليه!!...
لماذا يحب الضرر لنفسه بهذه الطريقة؟!..تأملت تلك السيجارة التي تتوسط أصابع يديه...حالها كحال هذه السيجارة!!...فهو يستنزفها بكل قوته لتصبح هزيلة...ضعيفة خائرة القوى تماماً...هكذا هو حالها !!!...
مما يبدو أن هنالك شئ ما يشغل باله....تأملت يده الأخرى و هو يمسح بها ذلك الذقن الملئ بالشعر المرتب بصورة جذابة...بعد أن استنزف كل قوى السيجارة رماها ليرفع قدمه و يضغط عليها بكل قوته...تفاجأت عندما رفع رأسه لتلتقط عينيه و هي تنظر لها...شهقت و ابتعدت عن النافذة بسرعة و هي تضع يدها على صدرها...رآها؟!...إذاً هو يعلم أنها تراقبه كل هذه المدة؟!..احتارت..كيف لها أن تمثل النوم الآن وهو قد رآها..لا يمكنها...سمعت و قع خطواته المقترب من الغرفة و كأنها خطوات تحكم عليها بالموت..اعتراها الخوف و بشدة...حاولت أن تمسك أي شئ بين يديها و تمثل الإلتهاء به و لكنها لم تجد..أسرعت لتقف أمام المرآة و تمثل تسريح خصلات شعرها...
هو...دخل الغرفة ليجدها تقف أمام المرآة...علٍم عٍلم اليقين انها تمثل ذلك و لا غير...وقف مدة يتأملها و ذلك قد زاد من ربكتها...كانت تحس بنظراته التي تحرقها...سمعت منه تلك الكلمات...\منو وليد هذا؟!
من هول صدمتها رمت الفرشاة التي قد كانت في يدها..و لم يخف عليه تلك القشعريرة التي قد سرت جسدها مع ذكر إسم ذلك الوليد..مما زاد ذلك البركان المتأجج في داخله...فإن لم تكن شكوكه صحيحة لما اعترى جسدها ذلك الإرتجاف...قالت و هي تحاول أن تكون اعتيادية...\ولد خالتي!!
يسار \و بس...؟؟؟!
طعنة قد اعترت صدرها لسؤاله الغريب..التفتت عليه لتقول...\شنو قصدك؟!
يسار \وش هي علاقتك فيه؟!
قالت و هي لازالت لا تفهم قصده و لا تفهم سبب ذكره لهذا الوليد فجأة...\علاقة بنت فولد خالتها..عادي...
يعلم في قرارة نفسه أنها تكذب عليه..فهو قد دُرب على ذلك في عمله...رجفة يدها..حكتها لعنقها..نظرها لكل شئ في الغرفة إلا هو...حركة رموشها الكثيرة...كلها علامات على أن تلك القابعة أمامه محض كاذبة!!...قال لها و الغضب بدأ يتسلل لخلاياه..\كذاابة!!!
سكتت مدة ... تحاول فيها استيعاب مقصده...من هول الصدمة امتألأت عينيها بالدموع كبركة ماء...قالت له و بضعف شديد...\انت وش دخلك...و شنو هالأسئلة الغريبة!!!
اقترب منها أكثر ليقول...\جاوبييينيييييي!!!
استفزها أسلوبه التشكيكي...قالت و بغضب شديد..و تحد تعلم أنها أضعف منه...\ماا بجااوب أسئلتك المريييضة!!
أمسك يدها بقوة و اقترب أكثر لتنحصر بينه و بين المرآة...صرخ في وجهها...\نوووورة...قوليييي وش اللي بينك و بينه؟!!!
حاولت أن تدفعه بيديها الضعيفتان أمام قوته...\بعددد عني انت و ريحة هالسممم اللي تشربه!!!
لم يعر لما قالته إي انتباه و قد ملأت كل شعيراته بنيران حماقته...\نووورة...
دفعته بقوة و هي تقول...\ياخي هو اللي كان يتعرض لي!!!
توقف عن الحركة لوهلة من الزمن قال بهدوء يبدو أن بعده ستأتي عاصفة هوجاء...\كيف؟!
نورة \يسار...قالتها بنبرة تسترحمه فيها..هذا و إن كانت لديه ذرة رحمة في قلبه...و كانما تقول له..(أرجوك..لا أريد فتح هذه الجراح...)..
يسار \قوووولي...كيييييف كان يتعرض لك....و إلا و اللي رفع سبع سماوات لكون عارف كل شي منه هو!!!
حاولت أن تجمع الحروف عند شفتيها...و قد تلألأت عينيها من تلك الدموع المتراكمة عندها...\كان يحاول بس أنا ما كنت بعطيه فرصة...و ربي ما عطيته أي فرصة...و ما لمس ولا شعرة مني...أقسم لك...و ربي ما عطيته فرصة انه يقرب لي...
كانت ملامح الغضب بادية عليه و بقوة...كان كالبركان المتمثل أمامها...أحكم قبضة يده بقوة حتى أحست أنه سيفتتها لأشلاء صغيرة...\و بعد كل هذا تروحي لهم في بيتهم؟!!...وبكل بجاحة؟!..شنو أفهم من هالسواة!!!
أصبحت كالمتهم الضعيف الذي يدافع عن نفسه..\أنا ما رحت إلا عشان زياد ..أصلاً مالي أحد غيره فهذاك البيت...أنا ماني مضطرة أشرحلك..لأنك ظلمتني بالحكم بدون حتى لا تسألني!!!
يسار \عشان كذا ما تبيني أقرب لك؟!!!!
لم تجبه بكلمة و إنما كانت دموعها هي الجواب لتساؤلاته...
وهو..لم يضف كلمة...بل أعطاها ظهره ليعلن خروجه من الغرفة..لا يعلم لماذا تصرف بهذا الشكل و لكن ربما لأنه إن مكث فيها أكثر من ذلك فلا يعلم ما ستكون ردة فعله...فهو إن غضب!!...تحول لحيوان دون عقلانية!!!...
إذا لهذا السبب هي ترفض إقترابه منها؟!..لهذا السبب يرى تلك النظرة في عينيها كلما قام بلمسها...لهذا السبب يحس بالرفض الشديد منها!!!...يقسم أنه كان سيوشك أن يقتلها ثم يقتل ذلك الوليد بعدها و إن كان في سابع أرض...و لكن حتماً لن يترك حقيراً مثله ينفذ بفعلته و سيعلمه جيداً كيف يتحرش بها!!...
أما هي فتهاوت على ذلك الكرسي لتطلق سراح تلك الشهقات من فاهها...استغلته..نعم قد استغلت ذلك اليسار..
لماذا عندما سألها عن كون هذا هو سبب لفضها لإقترابه منها لم تعارضه...لماذا لم تقل له الحقيقة...لماذا تركته في غفلته...لماذا لم تفصح عن كل شئ و ترتاح وقتها؟!!...لماذا تصرفت بهذه الدناءة معه؟!!!
فجأة أحست بأن كل الغرفة قد امتلأت برائحته..رائحة عطره المختلطة برائحة السيجارة!!...
كانت رائحة منفردة له..و له وحده!!!
***********************
في اليوم التالي...
في ذلك المنزل الصغير....
تتأمل تلك الرضوض التي تزين كل بقعة من جسدها....لم يتبق إلا القليل الذي لم يعلم عليه بيديه...يديه التي قد كانت تضع بصمة كل ليلة على موضع من جسدها الهزيل...تحس بأنه لم تعد لها أية قدرة على تمييز الألم من غيره...فكل حياتها قد أصبحت ألماً لا يطاق...ألماً لا يمكن لنفس بشرية استيعاب مداه...ألم ينهش كل خلاياها...
قطع عليها حبل أفكارها صوت طرق على الباب...استغربت فمن المؤكد أنه ليس بذلك الجاسر...لأنه حتماً لن يطرق أي باب..فمن يكون يا ترى؟!!... و هي لا تعلم أي شخص في هذه المنطقة...استغفرت و ارتدت عباءتها لتتقدم و تقف خلف الباب تماماً...قالت بصوت مسموع...\مين؟!
ليأتيها صوت أنثوي من خلف الباب...\السلام عليكم...
قربت أذنها من الباب حتى التصقت به لتقول..\و عليكم السلام ..بس مين معاي؟!
..\أنا جارتك في البيت الثاني و قلت أزورك...
استغربت فهي تعيش هنا منذ مدة...\آسفة أختي بس زوجي ماهو موجود و أنا بروحي...
...\ماهي مشكلة حببتي أنا قلت أزورك بس...
ابتعدت عن الباب و هي في تردد شديد ماذا ستفعل؟!..خائفة من رد فعل جاسر إن علم بها!!...وقفت مدة ممسكة بيد الباب و هي في حالة تردد شديد...سحبت نفساً قوياً...تبعه زفير لتفتح الباب و هي ترى تلك السيدة المغطاة بالسواد كانت على وشك الذهاب و لكن استوقفتها لتقول...\أختي...التفتت عليها السيدة لتقول لها أسيل...\تفضلي...
مر الوقت بسرعة لتتعرف أسيل على جارتها التي كانت فتاة في الخامسة و العشرين من عمرها...اسمها منى...و التي أخبرتها أنها تسكن في الحي مع أختها ووالدتها و أن والدها متوفي و هي تعمل لتصرف على أسرتها...ارتاحت أسيل نسبياً لتلك المنى...مر الزمن بسرعة و هما تتحدثان...
*********************
منزل عبدالعزيز...
كما هي عادتها دائما ما تلجأ لذلك القابع أمامها لتعزف معزوفة أحاسيسها على نوتاته...كم تحب تلك الخطوط التي تتخلله و اللونان اللذان يميزانه..الأبيض و الأسود...لا تعلم ما سر تعلقها الأبدي لهذا الشئ...ربما لأن شخصيتها مثله..إما أبيض أو أسود...و لا توجد هنالك أي شوائب بينهما...كانت في خضم أفكار عدة...لقد قرب موعد زواجها من تلك الكتلة الثلجية التي لطالما عشقتها!!!!
ستصبح معه تحت سقف واحد...ستتمكن من إيقاظه....من إستنشاق
عبير رجولته...من الغوص بين أضلع صدره...آآآه...لكم تغزو فكرها الكثير و الكثير من الأمنيات التي تحس أنها قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها...
قطع عليها حبل أفكارها دخوله...لم تتوقع قدومه...حاولت الإستمرار في عزفها لكي تثبت له أنها لا تعر لقدومه أي اهتمام..و لكن القول شئ..و الفعل شئ آخر تماماً...كيف لها أن تحاول لملمة شتات فكرها...مواصلة التنفس بنفس الوتيرة...تقليل ضربات قلبها المتعالية...و في نفس الوقت العزف!!!...كيف لجسدها الهزيل أن يفعل كل ذلك في آن واحد...!!!
هو انتبه لتلك الربكة التي أضفاها عليها...اقترب حتى أصبح واقفاً بالقرب منها وأتكل جسده على البيانو...واضعاً يديه داخل جيوب بنطاله...\السلام عليكم...
قالت بعد صمت دام مدة من الزمن...\و عليكم السلام...
حل الصمت مرة أخرى و أحست بأنه لا يوجد هنالك أي صوت سوى ضربات قلبها المتزايدة...من علوها أحست أنه هو نفسه سيسمعها...قالت بنبرتها الطفولية...\ليش جيت؟!
ابتسم بهدوء على سؤالها...توقع و كما هي العادة دائماً أنها هي من ستكسر الصمت...قال بنفس هدوئه المعتاد...\و المفروض ما أكون هنا؟!
روح \إي...
محمود \ليه؟!
تدافع الدم بقوة لوجنتيها حتى صارتا كتلة من الإحمرار...سكتت مدة وهي تحاول تجميع الحروف في جملة مفيدة...\لأن..لأن ما يصح تشوفني قريب الزواج...
قال بابتسامة ماكرة...\ليه؟!
روح \لأن..لأن...مادري ياخ!!
محمود \هههههه...هذا شغل و المفروض إنه يكون بعيد كل البعد عن حياتنا الشخصية...
*************************
في القصر...
دب الخوف في قلبه من احتمالية رؤية يسار لإحدى هذه الأوراق التي بين يديه...لذلك لابد أن يبعدها عن هذا المكان...تناول تلك الأوراق بين يديه...تأملها لوهلة وهي تعيد عليه حقلاً من الذكريات السقيمة التي لا نهاية لها...أغلق تلك الخزنة..و أعاد تلك الخزانة الصغيرة لمكانها ليغطيها بها...
حمل تلك الأوراق بين يديه و توجه نحو الأعلى ليدخلها في الخزنة الموجودة في غرفته...و لكن بينما هو متوجه نحو الأعلى جذبه ذلك السلم المظلم...توقف مدة يتأمله...توجه نحوه ليقف مدة امامه ليتأمله...تقدم في ذلك السلم عتبة تلو الأخرى حتى صار في الطابق العلوي...ضغط على ذلك الزر الموجود في الحائط لينير تلك الصالة....
تقدم حتى صار أمام ذلك الباب و عليه ذلك القفل القوي...ابتعد عنه ليقف أمام تلك الطاولة...رفع تلك المزهرية من عليها ليبين ذلك المفتاح الذي كان يقبع تحتها...تناوله بين يديه ليقلبه لوهلة من الزمن...تقدم حتى صار أمام الباب للمرة الثانية...منذ دهر لم يفتح تلك الغرفة...نعم كان يأتي لذلك الطابق فقط ليتأمل ذلك الباب الذي يدفع لخلاياه الكثير و الكثير من الذكريات...فما باله إن دخل الغرفة...ماذا سيحدث بروحه الضعيفة...؟!!!
تناول ذلك المفتاح و برجفة أدخله في ذلك القفل ليفتح..ظل مدة من الزمن واقفاً متسمراً هل يدخل أم لا؟!...كان الظلام الحالك يغطي كل المكان...و لكنه كان يحفظ مكان كل شئ في الغرفة عن ظهر قلب...لذلك تحرك يميناً قليلاً...مد يده لذلك الذر في الحائط لينير له المكان....
كانت الغرفة عبارة عن كتلة من الغبار المتكوم كطبقة فوق الأثاث...تقدم وهو يمرر يده على كل شئ في الغرفة لتتدافع الذكريات...المشاهد..اللحظات...و الثواني لذاكرته...كانت كالوخز الأليم يغشى كل أوردته في كل ثانية...توجه نحو تلك الخزانة...كما هي...بداخلها تلك الملابس..الأحذية..و كل شئ...كل شئ في مكانه...و كأنما هو نفس اليوم و لكن يتخلله الغبار!!...تذكر..نعم تذكرها وهي واقفة عند تلك النافذة...و هي مرمية على ذلك السرير...و هي جالسة على ذلك الكرسي...و هي واقفة عند باب الحمام...تذكرها في كل اللحظات...و كيف لا يتذكرها..كيف له ألا يتذكرها و هي السبب في كل ما يضيم روحه!!...
تقدم حتى فتح إحدى الأرفف الموجودة في تلك الخزانة...ليتفاجأ بتلك الأدوية التي قد غطاها الغبار...تناول إحداها بين يديه و نفض الغبار منه حتى تعلقت ذرات الغبار بشعبه الهوائية و سببت في اختناقه...كح بقوة وهو يرجع ذلك الدواء في مكانه...تأمل تلك الأوراق التي بين يديه...ظل مدة من الزمن يتأملها...و ضمها لتلك الأدوية في ذلك الرف ومن ثم أغلق الرف...
ظل مدة من الزمن جالساً على ذلك الكرسي و لم يكترث لإتساخ ملابسه بالغبار...ظل مدة..
جامداً...
صامتاً...
تاركاً المجال لتلك الذكريات بأن تتدافع لمخيلته...
***************************