كاتب الموضوع :
ريم . م
المنتدى :
الارشيف
..
ارقد مفتاح عربته في جيب معطفه الاسود وسار بمحاذاة الشارع قاصد الحديقة التي
ترك وليد فيها منذ دقائق قبل ان يركن عربته ،
كان وليد في هذه الاثناء قد اخذ مكانا مناسبا كعادته يمكنّه من رؤية اغلب رواد هذا المكان
خاصة بأن معظمهم كانوا ممن يدرسون معه منتظرين بداية الاختبار .
لمح وليد ساجر يسير على الطريق وقد انحرف يمينا عنه وسار الى العمق ليجد نفسه في وسط الحديقة العامة
يمسح بعينيه المكان ، ابتسم وليد لمنظرة وكان كثيرا ما يحب ان يراه تائها يبحث عنه ليتسلى قليلا رغم ان
ساجر كثيرا ما كان يغضب من تصرفه هذا .
كان ساجر قلما يهتم بمظهره الخارجي فكان منظره رثا ، خاصة بأنه لم يحلق ذقنة منذ فترة و قد استهلك
ذلك المعطف الاسود فكان يرتديه في معظم الا وقات عندما يخرج برفقة وليد .
اشار وليد لصاحبه بعد ان خشي من سخطه وراح يلوح بيده :
“ هيه ... ساجر ..”
التفت الاخير عن يمينه بنفاذ صبر إلى مصدر الصوت ورأه يجلس على احد المقاعد المثبتة على الارض
و تقابله طاولة على طول المقعد ، وضع عليها كتبة وتعلو وجهه ابتسامة .
عندما وصل ساجر توقف يحدق به لثوان بغضب قبل ان ينفجر وليد ضاحكا :
“ صدقيني .. لا استطيع منع نفسي من ذلك “
“ انك ظريف جدا “ جلس ساجر بقربة ثم اردف : “ اريد ان اعرف مالمضحك في الامر “
لكزه وليد مازحا : “ لا تغضب كنت امزح ... ثم ان رؤيتك وانت تائه تضحكني “
“ اذا فأنت تضحك منذ ان عرفتني يا صديقي “
اختفت ابتسامة وليد وراح يحدق بالمكان حوله فقد إختفى المزاح بعد جملته تلك ، فما كان منه الا ان يفتح
كتابا ويقراء فيه بينما راح ساجر يسرح بفكرة في هذه الحياة ويرمق المارين من حوله لدقائق قبل ان يلمح رجل
في مقتبل العمر يبتسم له ، عقد ساجر حاجبيه فهو لا يعرف ذلك الذي يجلس بعيدا عنه ويبتسم له وكأنه يعرفه ،
فالتفت إلى وليد ليسأله عن ذلك الرجل فوجد وليد يحرك كفه مبتسما وكأنه يلقي تحية على شخص ما .
“ ظننته يبتسم لي “ قالها ساجر محدقا بذات المكان .
فهمس وليد ولاتزال ابتسامة على شفتيه مجاملة لذلك الرجل وقال :
“ من يبتسم لرؤيتك يا ساجر .. انه زميلي .. “
“ حقا .. ! “
“ نعم ..” عاد وليد الى ساجر بعد ان انتهى من التحايا عبر الهواء وبالنظرات ثم اردف :
“ هل تعلم بأنه لم يزر وطنه منذ عشرون عاما ! انه فلسطيني “
“ ما ادراك انت “
“ سمعت من بعض الاصدقاء الذين يعرفونه “
راح ساجر يرمق الشاب الذي بدا يقهقة مع من حوله ثم قال
: “ انك لا تعرف شيء .. لا تتحدث عن غيرك دون ان تتأكد “
“ انا اعرفة .. “
“ انه حتى لم يتجاوز الخامسة والعشرون ..
مالذي يفعله هنا منذ ان كان في السادسة من عمره ؟ “
قالها ساجر غاضبا من ثرثة وليد فأجابة الاخير بجدية .
“ ساجر انه في الاربعين من عمره “
عاد ساجر يحدق به غير مصدق ... ثم قال بحنق :
“ انت كاذب .. لماذا لم يفكر بدراسته الا الان “
“ ان العلم لا يعرف عمرا يا صديقي “
اجابه بعد برهه من التفكير قائلا : “ اها .. تقصد مثلك تماما ؟! “
“ بالظبط “ اومأ وليد برأسه وكان سيضيف شيئا ولكنه شرد محدقا بمن جلست على بعد خطوات منهما
في المقعد المجاور ، لاحظ ساجر شروده فوضع يده على صدر وليد ودفعه بلطف ليمنحه مساحة يتمكن
من خلالها النظر الى سبب الذي ادى الى شروده .
ابتسم ساجر عندما لمح فتاة في منتصف العشرينات تجلس بحذر على المقعد ثم راحت
تمسح على الطاولة لتقدر مساحتها ووضعت كتبها وحقيبة كتفها فوقها .
همس ساجر متسائلا : “ من تلك ... ؟ “
اجابه وليد بينما لا يزال شاردا نسبيا محدقا بها
: “ انها سلمى “ قالها وليد بنبرة غريبة ، فإبتسم ساجر وهمس وكأنه يخشى ان تسمعه :
“ اذا هذه هي ! “
التفت بغضب متسائلا : “ مالذي ترمي إليه ؟ “
ابتسم ساجر : “ لا شيء “ ولكنه لم يتمكن من كبت ضحكته بعد جملته تلك .
لا يدري وليد ولكنه ابتسم لإبتسامته ، لكنه طرقه على كتفة : “ اشش ... توقف عن الضحك
.. ستسمعنا “
وضع وليد كفه على فم ساجر ليوقف سيل ضحكاته وهمس بأذنه :
“ ساجر توقف عن الضحك “
ابعد ساجر كفة قائلا : “ حسنا حسنا ... ولكن قل لي كيف تعرف اسمها ؟
هل هي زميلة ايضا ؟ “
ثم خرجت ضحكة قصيرة كتمها اثر تحديق وليد به والذي قال بغضب :
“ نعم زميلة “
“ دعنا نتحدث بجدية .. هل هي السبب وراء رفضك الزواج ؟ “
“ ساجر ... ان سلمى كفيفة “
هدأ ساجر وعاد يحدق بها في ذهول ثم نطر الي وليد مكرر ما قاله : “ كفيفة ”
أومأ وليد وعاد يقلب في صفحات كتابة وبدا غاضبا من ساجر تصرفه منذ دقائق
“ هل غضبت ؟ “ تسائل ساجر بهدوء ، بينما هز وليد رأسه نافيا .
قطع حديثهما صوتها الهادىء الذي اعتراه نبرة خجل قائلة :
“ هل هذا انت يا وليد “
..
|