كاتب الموضوع :
futurelight
المنتدى :
الارشيف
اللون السابع..
وقف يسحب النفس تلو الاخر..
عقد كفيه ليدعكهما في بعضهما بإرتباك..
تتسع حويصلاته الهوائية وتنقبض بعد ذلك بفتره ثم لا تلبث الا وان تتسع مرة اخرى محتضنة كمية من الأكسجين..
عندما تنتظم أنفاسه ستنتظم أفكاره ايضا.. هذا ما اعتقده.. او بالاحرى هذا ما تمنى ان يحدث..
لكن..
بقيت أنفاسه تسابق الواحدة منها الأخرى..
مد يده نحو مقبض باب الغرفة وتردد يتنازعه من كل جانب..
لم يكن في نيته القدوم الى هذا المكان.. لا يرغب حقيقة في التواجد هنا..
يعلم تماما انه بوقوفه هنا يخاطر في تلك الفقاعة التي قد تحوي مستقبلا يجمعه بتلك الفتاه..
يقف هنا كي ينفخ على هذه الفقاعه.. اما ان تنفجر او ان تتحرك الى الامام..
اغمض عينيه ليتذكر ما حدث امام مقر عملها ..
ربما يجدر بي عدم التفكير في اي شيء ينفجر عندما يتلعق الامر بتلك الفتاة.. هذا ما أنتهت اليه أفكاره بعد ما حدث على تلك الأرض ..
أيها التردد .. فلتختفِ!!
فهو لم يتواجد هنا أمام هذا الباب الا لمعرفته التامه بأن هذا هو التصرف الصحيح.. فوجود ام قمر في المستشفى وخارج كل ما يحدث قد يشعرها بانه تم تجاهلها..
فلربما كان الآن في نظرها خطيب ابنتها –عديم الاخلاق- الذي لم يتكرم بالقاء زيارة خاطفة لشخص مريض!
ربما تعتقد ان الجميع اختار تجاهل هذه السيده المريضه!.. ليس عناك طريقة للتوثق من مشاعر
والدتها لكأنها وبكل تأكيد لن تحمل شعوراً جميلا تجاه الموضوع..
ابتسم بينما عادت به ذاكرته في الزمن عقدين الى الوراء..
فبحكم صلة القرابة التي تربط بين والدتي ووالد قمر .. فهما أبناء خالة ، كانت هناك علاقة معرفة بين العائلتين حتى وان كانت سطحيه.. أما هو فقد وضع لنفسه قانوناً مختلفاً..
فقد وضع منزل قمر في خانة المنازل التي يمكنه أن أدخل اليها وأخرج دون مسائلة من احد..
ففقد كانت الحديقة التي تقع قريبا من منزلهم مكانا يلعب فيه الكرة مع أصدقاءه دائماً.. وفي كل مؤة تقريباً يمر على منزل قمر ليتخلى عن كل التراب الذي علق به أثناء اللعب في ذلك الحوض الذي يقع في حديقة منزلهم...
وفي كل مرة ايضا تدعوه الخاله - وهو ما كان يدعو والدة قمر به في ذلك الوقت- الى شرب كأس من العصير لتعطيه اياه بينما تربت بيدها الاخرى على رأسه..
..خالتي طيبة حقا..
هذا ما كان يفكر فيه في كل مرة..
أنا الآن في حاكة الى اكبر عدد من المناصرين أمام قمر.. حتى عندما ياتي اليوم الذي تقرر فيه الانسحاب من الموضوع ستواجد من يردعها عن ذلك غيري.. ثم أن التصرف الصحيح في هذه الحاله هو ان القي التحية عليها على الاقل ، الا أنه من الصعب علي أن أفعل ذلك..
انا هنا اصب الزيت على النار!!
رصصت اصابع قبضتي المعلقة في الهواء..
ربما يجدر بي ان انتظر حتى احدثها بالموضوع، لكن اذا انتظرت .. ربما ينتهي الموضوع دون ان يكون هناك اي تقدم يذكر معها او مع والدتها..
وصل صوت من بعيد:
"ما الذي تفعله؟!"
التفت نحو صاحبة الصوت الذي يتراقص غضبا:
"ما الذي تنوي القيام به؟!"
كانت نظرة عينيها تصعقانه بـ 500 فولت من الكهرباء..
سحب يده بسرعة وكأنه طفل فاجأته والدته وهو يخربش على الجدار..
ذلك سيء!!..
الاسوأ من ذلك انه لا يملك شيئا ليقوله الان.. فهو لم يتعامل مع غضب النساء من قبل..
فخبرته من اخواته لا تتجاوز ثلاث طرق:
الاولى: كثرة الكلام وهو ما يطلقون عليه نقاش المرأة
الثانيه: الدموع وهو ما يطلقون عليه سلاح المرأة
الثالثه: المكر والخداع وهو ما يطلقون عليه ذكاء المرأة
هذه هي الطرق التي تعود على التعامل معها.. لذا لا يعرف الآن الطريقة المثلى للتعامل مع غضب تلك التي تشتعل أمامه..
ازدرد ريقه والتزم الصمت.. سوف التزم الصمت الى ان اعرف ما يجدر بي فعله!!..
وصل اليه صوتها من بعد امتار ليتردد في الممر الفارغ:
"ابتعد عن ذلك الباب"
تراجع خطوتين الى الوراء الا ان ذلك لم يكن كافيا في نظرها، اذ رفعت اصبعها السبابه لتشير الى الخلف اكثر فزاد فوق ذلك خطوتين اخريتين..
مر زمن والصمت يحدق بهم كشخص ثالث يشاركهم الممر .. هي على ما يبدو تصارع لتتحكم في غضبها اما هو فيحدق فيها وكأنها ثقب اسود..
ثقب يبتلع كل ما حوله ويتركه في عالم اللامكان.. اللازمان.. وهكذا بقي هو سابحا في فضاءها دون أمل..
انقضت فترة من الوقت قبل أن تقول بنبرة مشدوده:
"اريد التحدث معك"
بعد مضي دقائق احتل المقعد المقابل لها في حديقة المستشفى.. استند الى مقعده بينما اخذت هي لنفسها كوبا من القهوه واكتفى هو بكوب من الماء..
أحاطت كفها البيضاء بكوب زهري اللون.. ارتشفت القليل قبل ان تضع كوبها بقوة على الطاولة وهي تقول:
"ما الذي ستستفيده من تحطيم حياتي؟!"
كانت تعتقد الاسوأ..
عندما كنا اطفالا كان لكل واحد منا شبح خاص به.. ذلك الشبح الذي يخرج من الظلام واليه ..
اما ان يمد يده من تحت السرير او ان يهجم عليك من الخزانه وهكذا..
لقد اصبحت شبح خزانتها!!
كانت عيناها تلمعان بالدموع كحجر من نوع نادر وهي تقول بسرعه:
"مرض امي.. العناية باخوتي.. الخطوبة السخيفه.. اهلك.. الاهانات التي اتحملها في عملي"
توقفت لتلتقط نفسها قبل ان تقول بألم وبصوت مخنوق :
"كل هذا كثير حقا"
نكست رأسها للحظات قبل ان تقول بصوت اتخذ من الالم جلبابا ومن الصدمة حذاء:
"لقد اتفقنا!!"
رفعت رأسها ليتحول الالم الى غضب وهي تقول:
"لا.. لقد وضعت ثقتي فيك كشخص.. وثقت في الشخص الذي يسكن ذاكرتي!!"
اسندت رأسها بكفيها اللتان تعلوان راعين متكئتين الى الطاوله .. تعلقت عيناها بسطح الطاولة وكأنها يحمل اعظم الأجوبة التي تبحث عنها..
قال ضياء بعد فترة صمت:
"كيف تستطيعين قول هذا؟!..
كيف تتهمينني بتحطيم حياتك؟!"
قالها مستنكراً وتوقف لفترة في انتظار ردها الذي لم يغادرها أبداً..
لقد اختارت تجاهلي.. هل انا بهذا القدر لديها؟!
اذا كنت شخصا تستطيع تجاهله بكل سهوله فهذا يعني ان مشاعرها نحوي تحت الصفر!
هذا لا يعجبني.. قمر تعرفني منذ ان كنا صغارا ، لماذا اذا هذه النظرة التي توجهها الي.. لماذا لا تثق بي؟!
لماذا لا تحمل اي مشاعر اتجاهي ؟!
قال بصوت يحمل بحة غضب:
"انا متأكد من انك تعلمين انني لا يمكن ان اسبب لك الاذى"
رفعت بصرها لتظهر وجنتيها المحتقنتين غضبا ولتقول بحده وهي ترص على كل حرف:
"كاذب.. خائن.."
اهتز حاجباه غضبا:
"ماذا؟!"
حركت كفيها بعصبيه:
"انت تكذب دائما.. لقد خنت اتفاقنا!!"
كلما حاول السيطرة على مشاعره الغاضبه ازدادت سرعة انفاسه وكأنها تقصد تحطيم من امامها:
"اتجرؤين على قول هذا وانتي تعلمين بمشاعري اتجاهك؟!"
رفعت حاجبيها استهزاءا:
"لا تتمادى في كذبك كثيرا.. سوف تُكشف في النهايه..
كلما كان كذبك اكثر.. كان احراجك اكبر بكثير"
رفع يده ليدلك صدغي.. ماذا افعل مع هذه الفتاة؟!
كلما حاول السيطرة على غضبه استعصى عليه ذلك اكثر فأكثر!!
قال بغضب حارق وبلسان افلت زمامه من يديه:
"الزمي حدودك.. لا تتصرفي كطفلة صغيره وتتحدثي دون تهذيب!!"
اتسعت عيناها في غضب قاتل لتقول وهي ترص على اسنانها:
"بل ان عقلي صغير جدا.. لهذا يجدر بك الهرب من هذا الزواج"
مررت يدي في شعري بعصبية:
"هل انت يائسة الى درجة تنحطين فيها الى هذا المستوى من الحديث؟!"
"بل واكثر من ذلك"
قالتها بغضب صارخ وكأنها حياتها تعلقت بتلابيب هذه الحروف فلم يعد لها ملجأ غيرها..
مرت دقائق لا يسككنها نظرات غاضبه وصمت مستعر..
بدت تلك الصغيرة في عينيه كتنين ينفث لهبه في كل مكان..
حاول التنفس بهدوء.. اراد التحكم بغضبي.. اراد لهذه الفتاة ان تبدأ في استخدام عقلها قبل ان تتحدث... كنا في حاجة الى هذه الدقائق الصامته..
قال بعدها بصوت هادئ:
"لماذا؟.. الى هذه الدرجه؟..."
خرج صوتها خافتا:
"انت لن تفهمني بدا"
سحب نفسا قبل ان يقول:
"انا اتفهم سبب رفضك خطبتي الثانيه لك وهو اخويك..
لكن.. ماذا عن الخطوبة الاولى؟!.. جهلي بذلك هو سبب اصراري على هذا الزواج.."
مرت فترة قضتها وهي تحدق في ذرات الاكسجين قبل ان تقول بعد ان سحبت بعضا منها قسرا الى رئتيها:
"هل نظر اليك شخص ما من قبل ثم شعر بالشفقة على والديك؟!..
ان اكون فتاة في حين الجميع تمنى لوالدي قدم الولد الذي سيحمل اسم والدي.. ان لا يأتي هذا الولد الا بعد اربعة عشر عاما...
قضيت اربعة عشر عاما من عمري وانا اتحمل كلام اناس يتمنون انني لم اولد.. ان صبيا جاء عوضا عني"
توقفت للحظه لتزفر بقوة قبل ان تكمل:
"اريد ان استحق وجودي..
اريد ان اكون مصدر فخر لوالدي بدل ان اكون مصدر شفقة عليه!!
اردت ان يعترف الجميع بوجودي لشخصيتي.. لا لكوني زوجة دكتور ما فقط"
اغمضت عينيها قبل ان تقول وهي تخلط الهواء بكفيها:
"سيعاملك الجميع على انك افضل مني.. ثم ستبدأ انت في التفكير بأنك افضل مني.."
فتحت عينيها لتكمل:
"انا لا احتمل العيش مع شخص لا يرى بأنني شريك له في هذه الحياة"
قضيت وقتا افكر فيه بكلامها.. اعتصرت فيه كلماتها قلبي..
بالقدر الذي اتمنى فيه ان تشعر بالراحه.. ان اوافق على كلامها بسهوله.. ان اهديها ما تريد..
لا استطيع فعل ذلك.. انا لا يمكنني التخلي عنها..
قال بعد تفكير:
"تحتاجين الى التعاون معي لكي ننهي كل ذلك"
نقلت بصرها بهدوء والم اتجاهه لتهمس:
"اتفاق اخر!"
عقد كفيه على الطاولة ليقول:
"ان حفلة الخطوبة لم تكن بتخطيطي الا انه يمكننا استخدامها لصالحنا"
توقف قليلا مفكرا قبل ان يكمل:
"بالأحرى.. يجب علينا استخدامها لصالحنا"
اصدرت قمر صوت سخرية لتقول:
"نوّرني.."
يجب عليك ان لا تفشل ضياء !.. سحب نفسا ثم قال:
"من المتعارف عليه في اي خطوبة ان تقام حفلة خطوبة رسميه .. اذا لم نقم نحن بواحده قبل ان نلغيها ماذا سيكون رد فعل الناس؟!"
قاطعته بغضب:
"وكأنني اهتم برأي هؤلاء الناس!!"
زفر محاولا تهدئة اعصابي.. هذه الفتاة تتعمد ان تصل بغيضه الى اقصى حدوده:
"هؤلاء الناس الذين لا يهمونك يجب ان يكونوا هناك حتى لا يلام احد على ذلك..
اذا الغينا الخطوبة دون ان نقيم حفلا دون ان نقيم حفلا فكأننا نقول لهم بأننا الغيناها لسبب كبير..
ببساطه سوف نثير الكثير من التسؤلات"
هزت كتفيها بعدم اهتمام:
"انه عالم غامض!.. ليس هناك داع لان يعرفوا جميع الاجابات"
استند الى مقعده ليقول ببرود:
"سيقول الجميع بأننا بخلاء ولم نحضر لها كما يجب.. او انكم انتم لديكم شروط تعجيزيه!!..
او ربما يعتقد البعض انني من النوع الذي يخطب ويلغي بسهوله دون ان يقيم احتراما لاحد او انك من النوع الغير صالح للزواج..
من هنا ستبدأ اشاعات لن تنتهي عن عائلتي وعائلتك!!"
زفرت بغضب:
"ولماذا يحدث هذا؟!"
اجاب بحده:
"هذا هو نوع المجتمع الذي نعيش فيه"
رصت عينيها:
"وما ادراك.. هل كنت يوما مصدر اشاعة ما؟!"
وضع ذراعيه على الطاولة .. مال بجسده الى الأمام .. أمال برأسه جانبا ليقول:
"ابدا..
لكنني عشت حياتي وحيدا بين خمسة نساء.. "
توقف عن الحديث عند هذه النقطة كي يترك لها المجال كي تصل الى قرارها بنفسها ..
أذا اجبرتها ستتراجع ..
أما إذا هيأت لها الظروف واخترت الكلمات المناسبه كي تعتقد انها هي من اتخذت قرارها.. بينما كان كل شيء يجري كما خططت له انا.. قد تكون النتيجة مختلفة تماما..
زم شفتيه في ترقب حاول إخفائه.. بينما اغمضت عينيها وهي تسحب النفس تلو الاخر بسرعه وكأنها ترجو من حويصلاتها الهوائيه بعض التفهم.. نكست رأسها في استسلام وقالت:
"اذن.. ماذا يجب علي ان افعل"
تنهد براحة بينه وبين نفسه وهو يقول:
"خذي بطاقات الدعوه ووزعيها على من ترغبين بدعوته.. كوني حاضرة نهاية هذا الاسبوع في موقع الحفله مرتدية فستانا يليق بالمناسبه"
رصّت على اسنانها وهي تقول:
"وماذا ايضا؟"
قال بتردد:
"اعتقد انه يجب علي ان ازور والدتك"
سألت بألم:
"ولماذا ذلك؟!"
اجاب بسرعه وكانه يريد التقاط كرة قبل ان تلامس الارض:
"سوف نقيم حفلة خطوبة لن تستطيع حضورها.. هل تريدينها بأن تشعر بأنه قد تم تجاهلها؟!
بسبب مرضها قد تم التخلي عنها؟!.. يجدر بي ان اظهر احترامي لها مرة واحدة على الاقل.."
مرت فترة من الزمن دون ان تنطق بحرف ليقضي هو هذا الوقت في انتظار توسنامي غاضب.. قالت بهدوء مخالفة كل توقعاته:
"احضر والدتك معك.. اذا كان عليك ان تقوم بذلك فيجدر بك ان تقوم به بطريقة صحيحه"
ظاهريا.. استند الى مقعده عاقدا ذراعيه امام صدري..
اما داخليا.. كانت خلايا جسده تهتز سعادة..
ربما.. وبتلاعب بسيط مني..
يتغير كل شي..
تشرق الشمس حاملة معاها الكثير من الوعود..
تغرب حاملة معاها الكثير من الأمنيات..
وما بين شروق وغروب تتحقق الأحلام..
***************************
|