كاتب الموضوع :
futurelight
المنتدى :
الارشيف
وقفت امام بوابة المدرسه لتحدق في أخيها وهو يلج مدرسته.. ما إن عبر البوابة حتى استدار بجسده ليلوح بكفه مودعا..
رفعت كفها لتودعه بابتسامه..
بقيت تلك الابتسامة تتسكع في ملامحها بكل تفاؤل..
رافقتها لتبتدأ في وجودها نهارا جيدا الا أن ذلك لم يدم لفترة طويله.. بالكاد رافقتها حتى انتصفت الشمس في كبد السماء..
فقد اختنق القلم بين اصابع قمر وهو تلاحق بعينيها خطوات رفيقة مكتبها المغادره..
لا استطيع الصبر ..
انا اعلم انه يجب علي ان اتملك اعصابي، لكن ماذا يمكنني ان افعل وهذه الفتاة تستمر برمي اعمالها علي؟!
لقد اعتدت على هذه الحياه..
لقد اعتدت على مواجهة اقساطها بشكل يومي لكن هذه الفتاة تجعلني اكره نفسي..
تصرفاتها تولد في نفسي الكثير من الكلمات.. وكل ما اريد قوله يتهالك في حنجرتي ويتلاشى قبل ان يصل الى حبالي الصوتيه..
عندما لا اكون أنا أشعر بالضائلة.. كأن المكان الذي حجزته لي على متن أيام هذه الحياة يصغر فيصغر..
حتى يأتي اليوم الذي يلفظني فيه ذلك المكان فأغدو دون هوية ..
ينتهي بي الحال الى ذلك الشخص الذي تمنى الجميع سابقا عدم وجوده..
أغمضت عينيها في تهرب من صدى ذكريات تحاول أن تتسلل الى صيوان أذنيها..
أكره ما يحدث لي هنا.. اكره هذه الافكار التي تشعرني بالضعف..
هززت رأسي في محاولة مني لاسقاط تلك الذكريات المتسلقه من على أذني.. انا اكره ان اكون شخص لا حيلة له.. اكره ان استسلم للظروف..
في الحقيقة..
هي ليست الشخص الوحيد الذي يتركها مع مشاعر مثل هذه..
عندما اتصلت بها ام ضياء قبل عدة ايام واجهت المستحيل كي تصون لسانها وتكتفي بالقليل من الكلمات..
كثرة الكلام معها سوف تغرقها بسيل من المشاكل هي في غنى عنها.. لقد لجأت الى عض شفتيها كي تمنعهما من التحرك!!
في البداية استغربت عدم تواصلهم معها لكن وبعد حدوث ذلك تمنت انه لم يحصل..
حتى بعد ان قالت لها بصوت يشوبه الغرور:
"لقد اهتممت انا بكل شيء"
صمتت ولم تعلق بشيء.. عندما وصلها صمت قمر اكملت قائلة:
"سوف ارسل البطاقات مع ابني.. لقد تكفلنا باقاربنا ولم يتبق الا ان ترسلوا اللى من ترغبون بدعوته"
كان من الواضح جدا بأنها لا تعجبها...
لم تتوقع الكثير منهم بالذات انها لم ترغب بهذا الزواج..
لا تستغرب ايضا كرهها لها فقد رفضت ابنها مرة، لكن.. هذا الكلام وبتلك النبرة يشعرها بأنها تراها اقل مستوى من ابنها..
انا لا ارغب بالزواج منه.. لذا حلي عني انت وابنك لو سمحتي!!
بالطبع لم تنطق بأي شيء من ذلك.. لانها إن تفوهت بأي شيء من ذلك سوف تعطيها سببا حقيقيا لإحتقارها..
مرت لحظات رافق فيها الصمت اسلاك الهاتف قبل ان تقول بتردد:
"كنت اريد التكلم مع والدتك لكنني اعتقد انك في العمل الان؟!"
اتسعت عينا قمر رعبا.. لقد نسيت ان تحسب حسابا لذلك..
على الرغم من ان عمها قد اخبر والدتها بموضوع الخطبه الا انها قالت لها ان الموضوع ليس جديا وأنها لا زالت في مرحلة التفكير..
في تلك اللحظات عبرت عقلها صورة وجه والدتها المصدوم بعد سماعها بخبر حفلة الخطوبة.. قالت بذهن غائب:
"حسنا"
هكذا كانت المكالمه.. كلام كثير من قِبَلها، نعم.. لا.. وحسنا من قبلي انا!!
هذا في الظاهر اما في الداخل فهو رعب بعمق البحر..
لو علمت امي بالموضوع فلن استطيع التهرب منه.. ستفرح كثيرا ، وبمقدار فرحها سيستعصي علي الانسحاب..
وضعت جبينها على المكتب وهي تفرك رأسها بكفيها .. ايتها الافكار ..
ارحميني كي استريح قليلا..
دارت برأسها كي تضع خدها الأيسر على المكتب وتحدق في ظلالها التي رسمتها اشعة الشمس التي تفترش طالوة المكتب عبر النافذة التي تقع على يساره..
مهما رسمت الشمس من ظلال فهي ستختفي في نهاية اليوم عندما تغيب ..
كم اتمنى لو كنت شمسا انا الاخرى..
ان اضع همومي جانبا عندما تلتحف السماء ظلمة الليل لاحملها مرة اخرى كحقيبة على ظهري مع اشراقة كل صباح..
على الاقل ساستطيع عند ذلك النوم بشكل متواصل دون ان تتجرأ تلك الهموم على ايقاظي..
اغمضت عينيها في استرخاء لتغفو غفوة صغيرة تحت ضوء الشمس .. لم تطل غفوتها اذ استيقظت على صوت نغمة جوال..
فتحت الرسالة لتقرأ ما تحتويه:
"انا امام مقر عملك ومعي البطاقات.. انزلي بسرعه"
هذا الرجل!!
لان هذه الطريقة نجحت في المرة السابقه يريد استخدامها مرة اخرى؟!
لن تنزل!!
فلتتعفن تحت هذه الشمس ، ارسلت له رساله محتواها:
"مشغوله.. لدي عمل اقوم به"
سرعان ما رد عليها برسالة اخرى تقول:
"سوف ادخل لابحث عنك!"
دقيقة ورن الهاتف مسببا ازعاجا لا متناهيا.. لديها مقدار قرن من المشاكل تغزو عقلها ..
رفعت الهاتف لتضعه في الدرج وتغلقه، لهذا انا اختار ان اضعك في صندوق وانساه في قعر ذكرياتي..
كنت شيئا جميلا في حياتي .. تركت معرفتك في حياتي مشاعرا في نفسي..
في الماضي وحتى الان..
أنا اريد منه أن يبقى شيئا جميلا فقط .. لا واقعا اعيشه.. لذا أوقف كل ما تفعله وأسترخي في ذلك البئر السحيق الذي وضعتك فيه..
أنا ساتجاهلك بدوري.. اما انت.. فستمل يوما ما وتتوقف..
أريد ان ارتاح..
في نهاية ذلك اليوم انزلقت الأبواب الزجاجية مبتعدة عن بعضها لتخرج قمر بابتسامة تزيين شفتيها وشعور بالخفه يعلو رأسها كالتاج..
لم أعلم ان تجاهل الامور المقرفه قد يجلب شعورا جيدا!!.. انه قد يعطي انتعاشا يشعرك بان الغروب هو إشراقة يوم جديد..
يجب علي ان اعتاد على فعل هذا اكثر..
وصلت الى المستشفى كعادتها لتزور والدتها في طريق عودتها من العمل، دخلتها بابتسامه..
انتظرت المصعد يملأها شعور بالتفاؤل..
قطعت الممر الذي يسبح باللون الاخضر والذي تقبع في نهايته غرفة والدتها تخطط هي مع ابتسامتها على رحلة نهاية الاسبوع التي ستقوم بها مع اخويها..
لكن..
ذلك الشروق قد استحال ليلا وبوقت قياسي..
ظهرت النجوم لتصطدم ببعضها البعض مهشمه تفاؤلها في طريقها..
ما بقي علي شفتيها من ابتسامة طاعنة في السن رنت في اذنيها حسرات فقدها..
لبرهة فقط..
تمنت حقا لو كانت صورة ضياء وهو يطرق باب غرفة والدتها وهما وليست حقيقه!!
يعزف الواقع ألحانه بكمان جاوز عمره الدهر..
نمضي في حياتنا نصم أذاننا عن ذلك اللحن..
لأننا إن لم نفعل ذلك..
سنراقص أيام هذه الحياة في خطوات رسمتها نوتات تلك المعزوفه..
******************************
|