كاتب الموضوع :
futurelight
المنتدى :
الارشيف
رد: رماد ملون
جلست على احدى المقاعد الخشبيه ..
تعلو رأسها مظلة حملت الوان قوس قزح.. ألوان تتناسب تماما مع الأرض التي يلامسها طرفي حذائها..
مدينة الملاهي ..
اليست هي المكان الزاهي والذي ينسى فيه الجميع همومهم ولو مؤقتاً.. اذا لماذا تعلو وجهها تقطبية ؟
لماذا شفتاها الرقيقتان مزمومتان لترسما خطا يكتب عدم الراحه؟
هي لم تكن ترغب بالتواجد هنا..
رفعت عينيها بحنق بإتجاه ذلك الرجل الذي يقف بجوار اخويها السعيدين في صف انتظار لشراء الطعام..
ذلك الطويل هو السبب!!
فعلى غفلة منها اخبر احمد انه سياخذه الى مدينة الملاهي.. مكالمة هاتفية الى عمله طلب فيها من شخص آخر تغطية مكانه.. ثم وفجاة وجدت نفسها أمام بوابة مدينة الملاهي بعد ان أحضروا اخيها الصغير من بيت عمها!!
كل شيء خارج عن سيطرتها..
فجاة أصبحت حياتها تدور حولها كما تفعل حلقات كوكب زحل.. لكن..
هل هي غاضبه؟!
اختفت تلك العقده التي بين حاجبيها.. استرخت نظرتها..
بالتأكيد.. ليست كذلك.. وربما يكون للقاءها مع والدتها بالامس الدور الاكبر في ذلك..
أغمضت عينيها فيما رفعت رأسها لتسبح ملامح وجهها المحاطه بحجاب داكن في دفء أشعة الشمس التي تمر من بين المظلات..
على الرغم من بين الحواجز التي تفصلها عن سطح الأرض الا ان أشعتها لا زالت تمطر بالدفء.. أليس هذا مشابهٌ لكلماتك امي بأن الحياة ستستمر ؟!
عاد الى ذاكرتها ما حدث بالأمس عندما ذهبت لزيارة والدتها..
تلك الزيارة حملت الكثير من المعاني لقمر..
رغبة عظيمة بالافصاح عما يختلج في نفسها .. حكمة كبير مر بالكثير في هذه الحياة .. حنان أم ينتشلها مما تغرق فيه .. تبحث عن اجوبة لكل ذلك ..
بعدما حدث في حفلة الخطوبه تاكدت أنها عند مطب في حياتها لا تعلم كيف يمكنها تجاوزه..
ردة فعلها على كل ما حدث اخبرتها انها تفقد شيئا من ذاتها في هذه الأيام دون أن يمكنها السيطره على ذلك..
فهي مجرد شخص ضعيف لا حول له ولا قوه.. فبسببها يعاني أخويها الكثير من المشاكل..
قلبها الذي يخونها كثيراً مؤخراً.. يهزم فِكرَها شر هزيمة فيتركها طريحة الفراش تبكي..
ترثي سنداً مفقوداً...
قوة مسلوبة ..
إرادة دكتها الزلال..
هوية فقدتها لا تعلم متى وأين؟!
هي فقط لم تعد تلك القمر التي تعرفها .. الفتاة القوية .. المندفعه.. المتفائله.. هل وفاة والدها هي السبب في تغيرها..
أم ضياء واصراره على المضي قدما في خطبة مزيفه..
ام ان مشاعرها شيء طبيعي وحيرة من الممكن ان يقع فيها أي شخص..
لذا وما إن جلست بجوار سرير والدتها وإطمانت على حالها حتى احتضنت كفاها يد والدتها الشاحبه.. وضعت رأسها على طرف السرير لتهمس:
"أماه.. من أنا ؟"
رفعت والدتها كفها الأخرى لتضعها على رأس قمر لتقول بصوت خافت:
"انتي قمر .. ابنتي وابنة والدك"
توسدت قمر الجانب الآخر بعد ان كانت تنظر لوالداتها.. فرت دمعة من عينيها لا يمكن ان تسمح لوالدتها برؤيتها.. عندما شهادت والدتها صمت صغيرتها اكملت:
"قمر .. فتاتي التي تعرف كيف تعيش بقوه .. تمتلك القدره على هزيمة الحياة ان وقفت امامها"
اختنق صوت قمر بضحكة خافته قبل ان تقول:
"إذا لماذا أشعر بأنني مزعجة؟"
سألت والدتها بهدوء بعدما ارتسم القلق على ملامحها:
"هل هذا يتعلق بموضوع خطبتك بضياء؟"
رفعت قمر رأسها بسرعه كمن لسعها كهرباء.. نسيت ان تمسح الدموع المتعلقه برمش عينيها:
"كيف؟"
اختفى القلق لتحل محله ابتسامة على وجه الام:
"بالطبع سأعرف .. أنت إبنتي ..
يكفي أنك اخفيتي المضوع عني لأيام انك لا ترغبين بخطبة كهذه.. عمك حدثني بالموضوع قبل ان يفاتحك به"
آه.. إذا لم يكن هناك مجال للفرار منذ البدايه..
انا لا يمكن أن أسبب الأذى لوالدتي وانسحابي من الخطبه قد يترك ذلك النوع من الأثر لديها ..
ابتسامة غبية حاولت كبحها الا انها أبت إلا وان ترتسم على شفتيها..
قالت والدتها:
"هل انت ترغبين بايقاف كل شيء؟.. مستعدة انا لذلك"
اختفت الابستامة ليحل محلها الجمود بينما أتسعت عيناها..
لماذا؟!
كيف لها أن تشعر بأنها طفل صغير وضعت قطعة حلوى في يده ثم سلبت منه فجأه؟!
غريب..
لماذا الاحباط؟!!
يجدر بها ان تكون سعيده لأنه هناك مخرج..
مرت لحظات احترمت فيها الوالده صمت قمر وابحارها في افكارها.. سألت قمر بعدها:
"أماه.. ما رأيك انتي؟"
ارتسمت ابتاسمة على شفتي الام:
"ضياء شخص جيد.. والدك كان معجباً به وسعيداً كثيرا عندما تقدم لخطبك في المرة الاولى "
سحبت نفسا قبل أن تردف:
"في الحقيقه.. هو قال ذلك مباشرة لضياء.. انه يتمنى مصاهرته.. ولن يعدم الامل بذلك"
توقف النبض..
تلك السيالات العصبيه التي تعبر من والى الدماغ توقفت للحظات قبل ان تعود لتكمل طريقها بسرعه..
هذا يعني ..
أن والدي هو من طلب منه ان يعود!!
ليس مباشرة لكنه فتح أمامه أبواب العودة بالتأكيد.. هل لهذه الدرجة أحب والدي ضياء؟
ارتفع صوت والدتها:
"قمر.. لماذا يربكك الموضوع الى هذه الدرجه؟"
رفعت قمر كفيها في الهواء لتهزهما وهي تجيب بهمس:
"يشعرني بالضعف.. انني لا املك السيطرة على حياتي .. فقدان الحيله.."
كثيرة هي المشاعر التي تخالج نفسها .. صحيح أن هناك الكثير من الاسباب التي تمنعها من الزواج حاليا لكن في الحقيقه لا يوجد هناك مانع من المضي في هذه الخطوبة والزواج متى ماتحسنت الظروف وكان الوقت مناسباً..
لكنها تكره تلك المشاعر التي بدأت تعتمل في ذاتها مؤخراً.. مشاعر سلبية لا يندرج الاعجاب الذي تحمله لضياء تحتها..
تلك المشاعر التي تتركها تسير خبط عشواء في هذه الحياه..
رفعت والدتها لتعيد كفها على رأس قمر وهي تسأل:
"قمر.. أتعلمين متى يكون الانسان ضعيفاً؟"
هزّت قمر رأسها بالنفي لتردف الأم:
"عندما تتوقف لديه الرغبة في الحياه .. هنا في المستشفى قابلت الكثير من الناس.. لكنني لم أرى أضعف مِن مَن فقد الرغبة في التقدم بحياته"
رصت بكفها على كف قمر:
" لكن..
مهما كانت الظروف يجدر بك المضي قدما.. قد يتوقف الشخص لأخذ راحة ويشحن ذاته .. إلا انه يجب أن يستمر بعدها الى الأمام..
إستفيدي من كل ما تعرضه الأيام عليك .. استخدميه كي تستمري في هذه الحياه..
عزيزتي هذا المشاعر التي لديك شيء طبيعي"
رفعت قمر حاجبيها باستنكار لتضحك والدتها:
"كثير غيرك يمرون بشيء كهذا.. ذلك الذي يمكن ان يطلق عليه استراحة محارب..
ثم يعودون لخوض غمار الحياة مرة أخرى..
لذا وعلى الرغم من أن ضياء يعجبني وارغب به صهرا لكن..
انت من ستقرر ان كان الزواج منه سيساعدك على الاستمرار في حياتك ام لا؟"
هذه كانت كلمات والدتها..
لذا وعلى الرغم من انها انتظرت أمام مدرسة احمد ساعات قبل أن تقرر مهاتفة ضياء وطلب مساعدته.. لا زالت غير واثقة ان كانت ستستمر في الخطبه واكمال مسيرة حياتها مع ضياء..
معه او لا؟ .. ما هو القرار الذي سيكون الأفضل لحياتها..
بعد تلك الفكره غرقت ذاتها في السكون ليتردد في داخلها صدى ضحكات الناس التي تتنقل جولها .. صرخاتهم من فوق بعض الألعاب..
احاديث واحاديث دون نهايه..
فتحت عينيها ليقع بصرها على الصغير صادق وهو يتعلق بذراع ضياء ضاحكا بينما رفع ضياء يده الى الاعلى كي يرفع صادق عن الأرض وترتسم عضلات ذراعه.. اما أحمد فكان يتحدث بحماس واعجاب حول شيء ما..
تشعر وكأن البساط سحب من تحت قدميها اليوم..
فمن لعبة الى اخرى... ضحكات اخويها كانت تعانق الهواء ..
الراحة التامه في اعتمادهما على ضياء تركتها في مواجهة مع أسئلة كثيرة هذا اليوم..
ترى..
هل كانا يخافان أن يعتمدا علي؟!.. هل يريان وجودهما ثقلا وعائقا في حياتي؟!..
هل أنا كنت أشعرهما بذلك؟!
لا يعقل!! فقد بذلت جهدي من اجلهما..
تركا ضياء ليتقدما باتجاهها راكضين .. توقفا عندها ليمد احدهم يده بمغلف برجر أما الآخر فمد لها العصير ..
لم تكن تشعر برغبة في الاكل لكنها وتحت الحاحهما تناولت القليل..
بعد تلك الوجبة صعدا الصغيران على لعبة أخرى فيما وقف هي مستندة الى سور قريب تراقبهما.. اقترب ضياء ليقف بجوارها ..
على الرغم من ان المسافة التي تفصل بينهما قصيرة الا انهما بديا كمن يغرقان في عالمين مختلفين تماما.. حاجز صمت ثقيل يلف المكان..
كسر ضياء قاعدة الصمت بقول:
"كيف حالك؟"
كان السؤال مباغتاً.. خاصة بعد عدد الساعات التي قضوها مع بعضهم.. لذا اجابت بحده:
"لماذا تسأل؟"
التفت ينظر اليها بابتسامة تنعكس في مقلتيه اللتان تعلقتا بوجهها:
"أطمئن على حالك.. لا اكثر"
التفتت لتتعلق عيناها بيعينه .. زفرت نفسا حارا قبل تجيب:
"بخير.. هل تكفيك هذه الاجابه؟!"
اتسعت ابتسامته .. وضع كفيه في جيبي معطفه الشتوي الأبيض:
"تكفي.. لقد خرجت بقرار اليوم.."
انتظر حتى شعر ان انتباهها كان منصباً عليه بالكامل ليقول:
"لا يمكن ان أسمح لكِ بالابتعاد.."
ارتفع حاجباها باستنكار واستفهام..
أخرج كفه من جيب المعطف .. كانت قبضته متكورة لتطوي شيئا ما خلفها .. مد ذراعه اليها لتتعلق عيناها بقبضته..
عندما كسب فضولها فتح كفه ليخرج خاتم ملون..
كان خاتما طفولي زهيد الثمن .. خاتم يبدو انه خرج كهدية مع أحد علب الحلوى..
قال بثقه:
"هذا لك"
عندما رفعت بصرها له أردف:
"بخس الثمن كي ترميه متى ما شئت.. كي لا تشعري بأنني ضغط عليك بالموافقه..
متى ما شعرت بأنك مستعدة لبدء حياتك معي أعيديه الي وسأقوم باستبداله بآخر"
اختفت ابتسامته وهو ينتظر رد فعلها على الثقة التي تظاهر بها .. تسارعت دقات قلبه في ترقب لرد فعلها.. تنقل بصره في ملامحها لرصد أي رد فعل قد تحاول إخفاءه عنه..
أما هي ..
فزلال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر ضرب قلبها لينتفض وينتشر عبر الدم في بقية خلايا جسدها.. سرت رجفة في كل انحاء جسدها..
رصت قبضتيها كي تخفي تلك الارتاجفه.. ازدردت ريقها كي يبدو صوتها طبييعيا عندما تتحدث..
لكن ما العمل ان كانت حبالها الصوتيه أحد المتضررين في ذلك الزلزال.. خرج صوتها بهمس مهتز:
"سيُرمى في النهايه.. لماذا تعطيني اياه؟"
ارتفع طرف شفته في ابتسامة ملتويه .. ابتسامة من يعلم أن أحرز نقطة .. قال بصوت خافت وواثق:
"كي تعلمي انه لا يمكنك الهرب مني أبداً "
ماما..
اعتقد ان استراحة المحارب التي ذكرتها ستسمر معي أكثر من ذلك..
فضياء يعرف كيف يتلاعب بمشاعري!!
كزهرة صغيرة انهكتها العواصف..
إما ان تنتعش وتكبر..
او تغرق..
فتموت..
**************************
|