كاتب الموضوع :
futurelight
المنتدى :
الارشيف
كانت الغرفة مظلمة نوعا ما بينما اكتفى هو باضاءة بسيطة يصدرها مصباح بجانبه..
رص عينيه وهو ينتقل ببصره بين شاشة كمبيوتره المحمول والاوراق التي رفعها في يساره..
أخفض أوراقه لتحيط أصابعه السمراء بقلم ويسجل عدة ملاحظات على هامش احدى الاوراق..
تعالت نغمة هاتفه الجوال معلنة عن وصول رسالة برقم غير مسجل والتي كان محتواها:
"أنا أنتظرك في الخارج.. أمام باب منزلك"
أزدرد غسان ريقه..
تسلقت رعشة ظهره ليغمض عينيه في قلق.. ما هذا؟!..
هل عاد ذلك الكابوس لملاحقته؟! .. هل يجدر به تجاهل رسالة مثل هذه؟!
ربما هو معتدي ينتظر خروجه من المنزل.. القى نظرة على ساعة البندول التي تحتل زواية الغرفة وتظهر بوضوح تجاوز الوقت منتصف الليل بكثير وتعلن له انه استغرق في العمل حتى فقد الوقت ما هيته..
نهض من مكانه بهدوء قاصدا مفتاح الاضاءه واطفأه..
ألتزم الهدوء في كل تحركاته.. فلا شيء يثبت عدم وجود متنصت من خلف الباب..
تحرك بخطوات مسروقه نحو النافذة ليقف بجوارها .. أزاح الستائر بخفه..
تسللت انوار الشارع لترسل بعضا من ضوءها على الجزء الايسر من وجهه بينما بقي النصف الاخر غارقا في الظلام..
اسدل جفنيه مخفضا بصره لترسم أنوار الشارع ظلالا لرمش عينه على وجنته... تنقل بؤبؤ عينيه في المساحة التي امامه علّه يجد شيئا يلفت الانظار..
جذبت بصره تلك السيارة البيضاء التي توقفت امام المنزل في الشارع المقابل.. رص عينيه وهو يسترجع أشكال السيارات التي يمتلكها سكان الحي .. ليست واحدة منهم بكل تأكيد..
توقف للحظات ينازع فيها نفسه القرار.. هل اغامر بذلك أم لا؟
ربما ان عرفت من هناك سأعلم من المرسل لتلك الورقه.. قد أعلم ما الذي قصده بها فأرتاح من تلك الدوامة الفكرية التي تكاد تطيح بي؟!..
غيرت مكاني متجها الى الجهة الأخرى منها والتي قد ربما تتيح لي رؤية وجه راكب السياره.. لم أتوقع صدقا أن ألمح وجهه الا أنني رأيته وميزته بسرعه..
فهو لم يكن الا إسحاق .. أحد أعضاء المجلس..
ذلك الرجل الطيب المكنّى بأبو زياد.. عند ذلك زال كل التردد الذي يسكنني وفي لحظة واحدة..
بما انه شخص من المجلس فالأمر بكل تأكيد يستحق المغامره..
كان غسان يرتدي بجامة قطنية رمادية مكونة من قطعتين .. لم يفكر بتغييرها كون الشارع يخلو في هذا الوقت من الاشخاص لكنه وقبل الخروج من المنزل مر بغرفة النوم..
فتح الباب بهدوء ليلقي نظرة على ذلك الجسد الذي تكوم في منتصف السرير.. علت ابتاسمة حالمة شفتيه.. كعادتها.. بالغة الهدوء ذات حركات مدروسة في صحوتها أما عند نومها فالوضع مختلف تماما ..
تقدم ليجلس على طرف السرير ويميل بجسده باتجاهها مزيحا خصلات شعرها المبعثرة عن جبينها.. طبع قبلة عليه بينما أبقى كفه على هامتها.. أعاد شعرها مكانه ليغادر الغرفة والمنزل كاملاً..
عبر الشراع بثقة وبذقن مرفوع.. فُتح باب السيارة ليخرج منه جسد الرجل..
علت شفتيه ابتسامة وهو يلقي نظرة مرتبكة قليلا على الشارع..
ما ان وقف غسان امامه حتى مده ذراعه ليتلقف أحدهما كف الآخر راداً التحيه..
لم يتح لغسان المجال للسؤال عن شيء اذ قال بسرعه:
"اعذر لي قدومي في هذا الوقت.. لكن الأمر لا يحتمل التأجيل.. كما أنني لا أستطيع التأخر على منزلي"
عقد غسان حاجبيه في استغراب وفي انتظار لذلك الأمر الذي سينطق به.. سحب الرجل نفسا مرتحفا قبل أن يقول:
"هناك عميل في المجلس"
فتحت عينيّ على اتساعهما.. ماذا؟!..
هل هو مرسل الورقة تلك ؟.. اذا كان هو لماذا اتى ليخبرني بهذا؟!..
لماذا قرر أن يظهر نفسه؟!
قال بتردد:
"هل أنت من أرسل لي ورقة قبل أي يومين"
هز رأسه في استنكار لمقاطعته وهو يقول على عجل:
"أي ورقه؟!"
ارتخت وقفة غسان كمن سحبت قوته فجأة.. خارت قواه في لحظة.. اذن هناك حقا عميل في المجلس ان كنت سسيطرق مسامعه خبر كهذا ومن جهتين مختلفتين تماما..
ثم من مرسل تلك الورقة اللعينه؟!..
عندما رأى إسحاق صمت الآخر اكمل على عجل:
"قبل عدة أسابيع وبعد أحد اجتماعات المجلس التي غادرتها انت بسرعه.. بقيت انا مع بقية الاعضاء نناقش بعض الامور حتى وصل بنا الحال الى الامور السياسيه"
اخفض رأسه ليكمل بصوت خافت:
"وصل بنا الحديث الى الموضوع المرتبط دوما بالسياسه وهو الدولة الشرقية.. قلت عندها خاتما النقاش:
لو كانوا رجالا حقا لقاموا بالمواجهة ولم يسلكوا الطرق الملتويه"
لم أسمع بشيء كهذا لكنني كنت أكثر حكمة من أن أقاطعه هذه المره.. دعك يديه ببعضهما في ارتباك وهو يقول:
"قبل فترة ليست بطويله قام أحدهم بافتحام منزلي.. حمدا لله انني كنت وأسرتي في رحلة ذلك المساء..
لو كنا هناك لحدث ما لا يحمد عقباه"
هل كان ابو زياد هو المتضرر في حاثة الاقتحام تلك التي تكلم عنها فارس؟!..
معرفة الشخص المتضرر يعطي الامر واقعية تلح على أعصابه بالعودة على المنزل للتأكد من أن جود بخير..
سحب نفسا ليقول:
"وصلتني رسالة بعدما عدت للعمل تقول.. إياك أن تتجرأ وتتطاول على الدولة الشرقية وإلا سيحدث ما هو أسوأ..
الأمر لا يمكن تفسيره الا بوجود عميل لهم هناك.. أنت الوحيد الذي لم تكن هناك وهذا ما جعلني ألجأ اليك الآن.."
توقف عن الكلام للحظات ثم قال بصوت متهدج:
"غسان بت أشك بكل من يسير بجواري هناك لهذا لم أستطع مكالمتك في وقت آخر خشية وجود من يراقب تحركاتي لكنني كنت أحتاج الى مساعدة شخص ما.. لا يمكنني التعامل مع الموضوع لوحدي"
مرر غسان أصابعه في شعره لتتوقف يده هناك ويقول وهو يزفر في حيرة:
"الموضوع خطير وحساس أكثر مما تخيلت"
أومأ برأسه موافقا .. توقعت بأنني ان عرفت عن موضوع الورقة أكثر سيرتاح ذهني قليلا..
لكنني ها هنا الآن أغرق في المشاكل أكثر فاكثر..
يراودني شعور أن هناك من يتربص بنا.. أن هناك من يحصي أنفاسي ويتمنى أن تخنقني المشكلة ولهذا أرسل الى ورقته..
لو لم أكن أستلمت تلك الورقة لكنت الآن نائما بجوار زوجتي دون كل هذا..
هز رأسه في ضيق وهو يتمتم قائلا من بين أسنانه:
"لا أستطيع التفكير الآن .. ربما بعد ليلة نوم هادئه سيتضح الوضع أكثر.. لذا فلنلتقي فيما بعد"
تراجع إسحاق خطوة الى الوراء وهو يقول:
"ذلك أفضل .. أنا لا أستطيع ترك منزلي أكثر من ذلك"
ولج الى سيارته بعد الوداع فيما أولاه غسان ظهره وهو يحكم اغلاق المعطف حول جسده قاصدا مسكنه..
وقف امام الباب ليخرج المفتاح من جيب المعطف لكن تلك المفاتيح لم تصل الى الباب.. فقد توقفت كفه في الهواء لتصدر المفاتيح صرقعة لإصطدامها ببعضها لكن صوتها لم يطرق اذنيه ..
فقد غطى عليه صوت آخر أكبر منه بكثير بينما رمته دفعة هواء عاليه ليرتطم جسده في الباب بقوه..
اهتزت كل عضلة في جسده ودوي الانفجار يتردد في كل خلية منها..
للحظات..
لم يستطع الحركه.. كل عصب في جسده اعلن اجازة مفتوحه..
اتسعت حدقتا عينيه بعد ان تعلقت عينيه بالضوء الذي يتراقص على الباب امامه..
كانت ألسنة اللهب التي تشتعل خلفه ترسم جسده العاجز..
عض على شفته بقوه وهو يجبر عضلاته الهيكليه على الانقباض.. يجبر اعصابه على ارسال تلك النبضات الكهربائية الى خلاياه العضليه..
بالكاد استطاع الوقوف الا ان جسده ارتجف .. مد ذراعه ليتشبث بالسور المجاور للباب كي يمنع جسده من الاستسلام مرة اخرى..
في تلك اللحظات لم يعد جسده ملكه..
وكأنه اختطف الى عالم أخر فلم يعد يستطيع التعامل مع أي شيء يقدمه له هذا العالم..
خارت قواه بفعل الطنين الذي صم أذنيه ..
سرقت أنفاسه رائحة البارود..
التفت ببطء لينعكس في عينيه ذلك النور المبهر وهو يتراقص على هيكل تلك السياره..
تنقل بهما في حركة سريعة بحثا عنه..
أبو زياد.. أبو زياد..
وقع بصره عليه جسدا ملقى هناك بعيدا عن تلك السيارة بمسافة كبيره.. يبدو أن جسده طار بفعل الانفجار..
ركض غسان باتجاهه وقلبه ينقبض بسرعة ليشهق النفس تلو الآخر..
انهار على ركبتيه بجوار جسده.. كانت الحروق تغطي معظم جسده الا ان هذا لم يكن مهما.. مد كفه المرتجفة أمام أنفه يحاول تحسس تنفسه..
فليكن هناك نفس..
كن حيا.. أرجوك لا تمت..
بقيت يده معلقة هناك الا أنها وكبقية حواسه أصابها الخدر.. امتدت يد لتبعد غسان عن مكانه..
التفت برعب اتجاه صاحب اليد..
كان أحد الجيران.. ابتعد غسان بسرعه عنه بينما اقترب الرجل ليمد ذراعه ويتحسس رقبة إسحاق..
التفت باتجاهه ليحرك شفتيه.. لكن غسان هز رأسه في استنكار.. لماذا لا يصل الى أذني شيء..
ماذا تقول؟!
هل مات؟!
ربما لم يكن الخدر هو ما منعني من الشعور بنفس لم يكن موجودا..
يبدو أنه شاهد الرعب في عيني ليعي وضعي.. أومأ برأسه بعد أن رسم ابتسامة على شفتيه ..
اعتدل في جلسته على الارض في رعب وقد فقد القدرة على التحكم برجليه بعد كل الادرينالين الذي مر فيهما..
رفع كفي المرتعشة امام وجهه.. سيعيش..
لديه عائلة تنتظره في منزله!!
في تلك اللحظات لم اسمع صوت ضحكاتي فقد صم سمعي ذلك الطنين..
كثيرا ما نتمنى ونحن في خضم حدث أن نسمع مناديا يقول:
"انهض..
كان مجرد حلمٍ وانتهى.."
*******************************
|