المعانقة الثامنة
(1)
لاح وميض ضوء أصفر وشق ذرات الهواء كاشفاً عن الظلام العابث في الأجواء
أرتفعت كفي إلى وجهي بأعين ضاقت من الأشعة المخترقة لها
تحركت قدماي إلى الخلف قليلاً .. بأنفاساً لاهثةٍ وتشبثت أصابعي في الجدار الساكن خلفي بإرتجاف
للضوء الذي أنبعث من سقف المبنى المقابل كاشفاً محيط المنطقة من حولي
أستعر الرعب في صدري وأنا أدير رأسي ناحية الرجل أحدق به بأجفان ضيقه
رأيته يضع كفه على وجهه وهو يقترب مني بخطواتٍ تكاد تتعثر
أتسعت حدقتي وأنا أنظر إلى الجهة اليمنى من النافذة وإلى الأسفل
وقد سطع الضوء متراقصاً بين ذرات الهواء
إرتعشت قدماي لعمق المسافة الفاصلة بيني وبين الأرض
ومابين صغر المسافة التي تمثل حبل نجاتي .. بجانب أقتراب الرجل مني
أدرتُ جسدي إلى الجهة اليمنى
وقبل ان تمس أصابعه الممتدة نحوي طرف عباءتي
قفزت وأحتضنت الجدار القابع أمامي بذراعين مرتجفين أنخدشا بخشونة سطح الجدار
و بقدمين تحاولان التشبث بكومة البناء القاطن تحتها
أستردت أنفاسي المراقة بدموعٍ تسيل على خداي
وأنا أحاول إنقاذ نفسي من السقوط إلى فوهة السواد القاطنة أسفلي
سحبتُ قدماي بفزع وتكاد أجفاني تغمضان من شدة الرعب بإصطكاك أسناني
إلى أن وصلت إلى الجهة الأخرى وإلى شقة سكنها الظلام
قفزت ساقطة على ركبتاي بإجتياح ذرات الغبار لرئتيّ
بأصابع ملتصقة بالأرضية الخشنة وكأنها خائفة من عدم تواجدها أسفلها , مرتعبة من أن تسقطها في محيط من العتمة
حاولت عطسة ملئها الغبار العبور إلى خارج رئتيّ
فكتمتُ أنفاسي حابسة ضجيج صوتي بدموع إنجرفت على وجنتي
بقدمين مرتجفتين مرعوبتين من تفككِ مفاصلهما
وقفت بخوف شل حواسي بإرتعاش خلايا جسدي
جررتُ قدميّ إلى الباب المقابل لي مقتربة منه بأصابع تصارع ذرات الهواء في محاولة لملامسة الظلام
أصطدمت به بكفان رسمتا عليه زخارف من البصمات
رفعت قبضتي وضربت الباب الزجاجي المنتصب أمامي بشدة
لتبحث أناملي عن مقبضه ممسكة به في محاولة لفتحه
تلاطمت أنفاسي وحبست بداخلي ومقلي تفيضان بالدموع الحارقة المرة وأنا ألطم الباب بجسدي
لم يفتح وكأن أطنانّ من الأتربة تعشعش بداخله
ضغطتُ عليه بجسدي بقوى تكاد تنفذ
إلى أن فتح بشق الأنفس
تعلقتُ بالمقبض ورجلاي تتعثران وتكادان تنفصلان عن جسدي
بقسوة أهلكت جسدي حاولت الوقوف
و دخلت إلى داخل شقة تملئها البرودة بأنواراً خافتة
تحركتُ لاهثة باحثة عن الباب المؤدي إلى الخارج
أفتح هذا وذاك بأنفاس مثقلة بالهواء
جفل فؤادي عند سماعِ صوت إنهمار المياة من داخل الحمام
وقفت وقد تصلبت أطرافي فأنا أقف على مقربة من تلك القطرات التي تتساقط بأنغام مزعجة
أرتدى جسدي الرعب وأنا أحاول حث الخطى
قبل أن يخرج الشخص القابع تحت الدش
عضتتُ شفتي وبصري يتشتت حولي إلى أن توقفت نظرات على باب ترسخ أمامي
بأنفاسٍ مختنقة حدقت به.. كان باب قد حمل لوحة كتب عليها رقم الغرفة
هرعت إليه بجنون لتعانق كفاي مقبضه
وبأنات متلاحقة حاولت فتحه مرة ومرتين وثلاث ولم أستطع !!
شدّته بطاقة يكاد مخزونها ينتهي
سحبتهُ بأنفاساً تكاد تختنق وبجسداً يحتضن الرعب
وقد أنزوت الأمال وسقطتُ في حفرة ساحقة الخروج منها بات عقيماً
تجمعت الدموع ثم فاضت ثم أنجرفت تجر معها سيلا من الدموع الحارقة الممتلئةِ بالحسرات وألألام
لما لا يفتح !! لماذا , لمااااذا !!!! يا إلهي أنقذني
لطمتهُ مرة ومرتين وعشرة وأنا أصرخ لعلهُ يفتح
لعلي أنقذ نفسي من الغرق في هذا الكابوس المرعب
تشبث جسدي بالباب في محاولة لفتحه بصيحاتٍ خرجت من حنجرتي وقبضتي تكاد تنزلق منه
تعلقت أصابعي بالمقبض
وأنا أتهالكُ أرضاً وأبكي !
أبكي بصوتٍ مبحوح يتعثر بالأهات وجسد يرتعش بروح تكادُ تزهق
الموت أسمى من الأنغماس في بئر النجاسة
قتل نفسي لهو خير لي من دنس هذه الحياة
أأرثي نفسي إلى ما ألت إليه !! أأعنفها بعد الذي حصل !
أنغرست تعاسة في روحي ومدت جذورها حتى النخاع
جثيتُ على الأرض وقبضتي معلقة بالمقبض بدموعً غطت عيني بالضباب وبأنفاس مقيدة تأبى الفرار
تحررت قبضتي عن الباب وجسدي يهوي أرضاً
طُلي وجهي بالخوف بإتساع حدقتي وأنا أرصد حركت الباب الذي بدأت فتحته تتسع وتتسع
ليظهر نور غطى مساحة صغيرة من الغرفة
شقت شفتاي إبتسامة عانقة الأمل بترقرق الدموع في مقلي
وأنا أغرس أصابعي في الأرض رافعة جسدي متقدمة نحو الباب
تعلقت أصابعي في خشبه وأنا أجره وأركض إلى الخارج لاطمة الجسد المنتصب أمامي
خادشة جسده بأظافري بأبعاده عن طريقي
هرعت في ممر أبيض طويل تغطيه التحف وأرضية من السجاد الأحمر
وقدماي الحافيتين تدقان الأرض
الجدران تكاد تتلاطم من حولي والأرض تكادُ تتشقق من تحتي بلسعان ذرات الهواء الباردة لبشرتي بصقيع غشى طبقة الدموع في عيني
أرتعشت شفتي وأنا أعبر السلالم المؤدية إلى الأسفل بأرضاً تهتز من تحتي
أتسعت حدقتي لرؤية الأضواء الخافتة بصخب أصوات الناس
ألتصقتُ بالجدار حتى كدتُ ألتحم به
بوجهٍ تغلف بالهلع حدقت حولي أرى الذاهب والأيب
أمتلىء قلبي رهبةٍ لرؤية وداد الواقفة على بعد خطوات مني
نشف الدم من وجهي وتشبثت أصابعي في الجدار حتى كادت تحفره
وأنا أحاول حث قدماي على المسير دافعة بجسدي إلى الهرب قبل أن يرتد طرفها وتراني
قبل أن تحوم شباكهم حولي وتقيدني إلى سجن أبدي ضيق
دفعتُ بجسدي إلى الأمام وأنا أمشي بخطى وجله تعتريها العثرات
وعيني تحدقان حولي بفزع خنق أنفاسي
أنطلقت شهقة من صدري بإرتعاش جسدي
وأنا اصطدم برجل أمسك بكلا يداي قبل أن أسقط
محدقاً بي بعينين طُبعتا الأستنكار
حرر ذراعاي عنهُ... وهو يحملق بي بحاجبين منعدقين
بطاقة منتهية, بقدمين غير قادرتين على حملي ركضت مزيحة الرجل عن طريقي
لاطمة هذا وذاك مصارعة الأجساد المتدفقة من حولي
ركضت بدموعاً جافة
وكأن أحد ما يطاردني وكأن هنالك أجساد تلاحقني بإيداي تحاول أمساك اطرافي
وحفر أصابعها في جسدي
إلى أن وصلت إلى البوابة ضاربة جسدي بها
مهرولة إلى الخارج بقدمين حافتين أنخدشتا بالحجارة وتغلفتا بالغبار
****
رفعت جسدي عن الأريكة وأنا أنظر بالساعة المتشبثة بمعصمي
لا يعقل فساعة قد شارفت على العاشرة مساءً وهي لم تحضر إلى الأن !!
أهو جنون, لماذا تأخرت !
أيكون قد أصابها شيء!!
المصيبة أنهُ ليس لديها هاتف نقال
تحركت مرتدية عباءتي فوق بجامتي القطنيه ... ذاهبة إلى خزانة الأحذيه
أرتفع طرف شفتي العلويه وأنا أحدقُ إلى الأحذيه المختلطة ببعضها
يا إلهي !
لقد كان في الصباح الباكر في حالة جيدة جداً
وفي ذلك الوقت فقط بحثتُ عن حذائي الرياضي وأفتعلتُ كل هذا الفوضى!
بعثرتُ الأحذيه باحثة عن حذاء جيد
أرتديت حذاء ذا كعب صغير الحجم " لانني في الحقيقة لا اريد البحث أكثر "
وأسرعتُ الخطى نحو حقيبتي ملتقطة إياها إلى جانب هاتفي النقال
وخرجت من السكن متوجهة إلى المقهى
أضواء خافتةٍ تبحر في هذا الليل المعتم .. بنسماتٍ باردة تفح بشرة وجهي
عبستُ وأنا أمشي نحو المقهى القريب مني
حدقت من نافذة المقهى الزجاجيه الشفافه لعلي ألمح طيفها المختبئ وراء أحدى الطاولات
حتى ألتصق وجهي بالزجاج وأنا أنقل بصري إلى الداخل بأعين مدققة باحثه
عضضتُ شفتي السفلية عاقدة حاجباي مفكرة مستنتجة , لا يمكن الا تكون هنا!!
تسارعت نبضاتُ قلبي ببريقاً خاطف مر بدهاليز عقلي لفكرة .. أنها ليست هنا !!
أين يمكن أن تذهب ؟؟
ضغطُ على فكاي وأنا أرى الناس تحدق بي من الداخل والخارج
أظهرت لساني وقدماي تقوداني إلى داخل المقهى
دخلت المقهى بتشتت بصري المنقب عنها
تقدمتُ نحو الأستقبال , أعتلت شفتي إبتسامة ألتف حولها الخوف
وأنا أرى النادل الواقف خلف الطاولة منتظراً حديثي
قلت بصوت قلق : " مرحبا سيد سالم ,إذا سمحت أريد محادثك عن شيئاً ما , أيمكن ذلك "
شقت شفتيه إبتسامة تلوحت بالمرح وهو يقول : " مرحبا بك دكتوره أمل , بالطبع أنا في خدمتكِ! "
بللتُ شفتي وأنا أحدق حولي لأصوب نظراتي نحوه قائلة لوجهه الذي اكتساه الأستغراب : " أريد سؤالك عن ترفه الفتاة التي كانت تحضر معي دائماً هنا وفي بعضاً من المرات لوحدها "
تشبث حاجباه الكثيفان في جبينه مفكراً بعينين ضاقتا وهز رأسه : " لقد رأيتها منذ ساعات قليلة في الخارج برفقة فتاة "
رفع يده مشيراً إلى الخلف وهو يقول : " أنتظري قليلاً "
ضغطُ على أسناني من التوتر بخروج : " حسناً " من بين شفتي
سار النادل داخلاً إلى غرفة تقطن في الخلف
أمتلئ فؤادي رعباً
يا إلهي أرجوك أن تكون ترفه بخير
أرجوا أن لا يحصل لها شيء!!
أرتفع كفاي إلى وجهي لأمسح زخات العرق المتصفدة على جبيني
خرجت انفاسي متزاحمة وأنا أرفع بصري نحو النادلة التي جاءت بدل النادل وحيتني : " مرحباً أمل "
أرتجفت شفتي وأنا أرد تحيتها : " أهلاً أماني "
لمعت عيني وأنا أضيف بخوفاً هز صوتي : " أماني هل رأيتي ترفه ؟؟ هل أتعرفين أين ذهبت ! "
امتعص وجهها بمقلتين تغلفتا بالإستياء وهي تهمس : " أمل تعالي إلى هناك "
واشارت إلى زاوية تقع على يمين المقهى
هززت رأسي وأنا اسرعى الخطى نحو الزاوية
حدقت بوجهها العابس بوجهٍ تكنف بالخوف وأنا اقول : " أماني "
امسكت بكتفي وهي تهمس بشفتين عزفتا التوتر :" الحقيقة رأيتها تتحدث مع فتاة ذات سمعة سيئة " صمتت لثواني محدقة بوجهي الذي أعتلاهُ الجزع , لتزفر بعدها مردفة : " الفتاة ذات السمعة السيئة في الصباح قبل أن تلتقي بترفه حاولت أغراء فتاة بمبلغ من المال جرائي عملها في ال***** , الفتاة أكتشفتها لأنها كانت تعرف ذلك المكان الذي تعمل به تلك الفاسقه "
أبتلعتُ أنفاسي بعينين تلونتا بالفزع
أمسكت ذراعها مدخلة أناملي في مرفقها وبصوت مذعور قلت :" ماااااذا !!!"
حطت أصابعي على رأسي ممسكة بحجابي الذي يكاد يقع من على رأسي , وصرخت بها : " أماني , أرجوكِ أتعرفين أين هو ذلك المكان !! أرجوووكِ أخبرني أرجووووكِ "
تجمعت الدموع في عيني وأنا أضيف بشفتين مرتجفتين : " تــرفه المسكينه , أرجوك يا إلهي , أجوك "
تأوهت بألم وأناملي تحل على شفتي
أني مرتعبة للذي قد يحصل لترفه !
خائفة أن كانت حقاً قد ذهبت مع تلك السيئه وخدعتها !
أخذتُ العنوان من أماني لان الفتاة التي ابلغت عن الحانه قد أخبرت المقهى والشرطه عنها
الشارع مظلم تموج به مصابيح خافتة موحشة
ركضتُ وأصابعي ممسكة بعباءتي التي أكادُ أتعثر بها
وقفت وأنا أرى الماره بوجهٍ تشرب الخوف
بخطواتِ تكاد تتخبط ببعضها ومقل تائهة تحدق حولها باحثة عن الحانه
زفرت نفساً أنحشرت به ذرات الهواء وأسناني تضغط على أناملي
أين يمكن أن تكون !!
انها في هذا الشارع كما وصفته أماني
أحتضنت ذراعاي جسدي وأنا احدق حولي لعلي أجده
دقات نقر خطواتِ تلاحقني
إلى جانب همساتٍ أخترقت السكون الحائم من حولي
وانبعثت من خلفي عبارات تغنت بالغزل :" ياحلوه , يال جمال تمايل جسدك الطويل , يا إلهي لم أرى فتاة في حياتي بهذا الطول الفاتن , وهذا الجسد المنحوت الممتلئ "
" مغرية جداً "
" ياليتني فقط "
أصطدم فكاي ببعضهما وأنا ألتفتُ إلى الخلف بقدمين ضربا الأرض
وقف الشاب المتسكع بوجهٍ جميل أسمر أحتلته تقاسيم لوعوبه
ليصمت لثانية ناظراً إليه عن كثب هامساً بعدها بإيتسامة داعبت شفتيه :" وأيضاً جميلة "
أتسعت حدقتي وأنا أحملق به
يا إلهي حتى أنني لست متعرية من الملابس
أني ألبس العباه بالأضافة إلى الحجاب ومحتشمة
ولست بائعة هوى تحاول إجتذاب الذباب حولها
أستنشقت ذرات الهواء وأنا أصرخ بقنابل ملقومه أنطلقت من جوفي : " ايها المختل , الوقح ,المعتوه, الفاسق , قليل الأحترام والأدب "
ألتهمت الهواء وشفتي تعوم بإبتسامة متوحشة غاضبة :" ما الذي تريده!! لماذا تلاحقني؟ "
تعلقت قبضتي في الهواء لتضيق أجفاني وأنا أحدق بوجهه المذهول بخروج العبارات بضحكة أختزنت الجنون : " أتريد أن أقتلك, أتريد الموت الليلة ! "
ارتد جسده إلى الوراء بحاجبين التصقى ببعضهما لتتغير ملامح وجهه وقد تغطت بالأعجاب
تقوست شفتيه بإبتسامة حبست الأستمتاع ليقول : " أيضاً شرسه "
تنهد بعمق مصطنع ليردف: " رائعه جداً , ولكن لما أنتِ غاضبة ! أنا لم افعل شيء فقط كنت أتغنى بالجمال الذي أمامي "
آآآه يا رقبتي!!
تفجر الدم في عروقي حتى كاد يمزق أوردتي من الغضب
تقدمت خطوة منه لأصيح بصوتٍ أمتزج بالغضب : " الا زلت تتغزل بي , أي عقل تحمل الا تفهم !! " أنفتح فمي بإشمئزاز لأضيف : " لستُ في مزاج يسمح لي باللعب معك الأن , ابتعد عن طريقي ولا تتبعني والا حصل لك ما لا يحمد عقباه "
أتسعت شفتيه عن إبتسامة تزينت بالهزل وهو يحدق بي
هممتُ بإدارتي جسدي إلى الخلف مكملة طريقي
ألتصقت أصابع خشنة بمرفقي
غصت أنفاسي بصدري وانا اقف بقدمين متخدرتين
نفضت ذراعي عنهُ ..ولكن ذلك لم يجدي نفعاً إنما زاد من إلتصاق قبضته بي
أقترب مني حتى لامست حرارة أنفاسه طبقة جلدي وجهي
وهمس بفحيح حارق بكلمات بذئية, خادشة
ضغطتُ على أسناني وأنا انخفض إلى الأسفل منتزعة حذائي عن قدمي
لآنهال عليه بضربات قوية على كتفة مزيحة جسده عني
ابتعد عني وهو يترنح من الضحك بوجهٍ سكنتهُ الدهشه
أقتربت منه بجنون بذراعين تتسابقان نحوه وحذائي يلاطم ذرات الهواء
بصرخاتٍ حادة خرجت من بين أسناني صحت: " تباً لك , إيها الطفل العابث , أقسم بالله أن أقتربت مني سأقتلك "
حرك أكتافه إلى الأعلى هامساً بشفتين رسمتا الأستهزاء : " مجنونة "
أشتعلت الحرارة بصدري بغضباً اعمى بصيرتي
رفعتُ حذائي إلى الأعلى مصوبة أياه على الشاب
تعثر بخطواته وهو يمشي إلى الخلف بوجهٍ أرتدى الرعب
وبقوة أرتدت ذراعي إلى الخلف رامية الحذاء على الشاب
ارتطمت مؤخرة الحذاء " الكعب " بوجهه فاستحال أبيضاً وجسده يهوي على الأرض
بصيحات شديدة الألم خرجت من حنجرته
أتسعت مقلي مصعوقة بفم مفتوح مرعوب , ما الذي فعلتهُ!!
أختنقت انفاسي وتراكضت أصابعي نحو وجهي
وانا أقفز كالمجنونه بعد الذي فعلته للشاب المتهالك على الأرض
يجب عليه أن, أن !!
ألتفتُ حولي ملتقطة حذائي منتزعة الأخر عن قدمي هاربة بقدمين حافيتين كالسارقة
مهرولة كالمخبوله أسترق النظرات خلفي في كل ثانية
توقفت للحظه بعد أن أبتعدت بمسافة قصيرة عن مكان الشاب وبصري يرقب جسده
أرتفعت كفاي بإتجاه وجهي ... وأحذيتي معلقة بأصابعي
سحقاً !
يال حظي الجميل , أيمكن انه قد مات !!
يموت فقط من ضربة على الرأس ؟
حملقتُ بالحذاء وقد غمرة شفتي إبتسامة غبية لرؤية الحذاء المدبب من الخلف
لو أنه أصطدم بالزجاج لكان قد حطمهُ بالفعل
رسمت شفتي إبتسامة لتتلوها قهقهة أنبثقت من أعماق صدري
يال الشاب المسكين لقد مات في أول شبابه على يدي
رفعت كفاي بسرعة إلى السماء هاتفة بصوتٍ مترجي : " يا إلهي أرجوك, أنقذه ولا تجعله يموت بسببي "
لا أريد الدخول للسجن , ولا الموت شنقاً بسببه !
عبست بوجهي وأنا أعيد بصري نحوه
انطلقت صيحة من حنجرتي بحاجبين تشبثا في جبيني عند رؤية الشاب الذي هم جالساً
وكفه تدعك جبينه
اختلطت خطواتي برعب متراجعة إلى الخلف
بمرور شبح جسداً أعرفه من أمامي يركض بملابس ممزقة , تـــرفه !!!
أعترتني رجفة خفيفة .. لألتفت نحوها أحملق بجسدها متضارب الخطى بأنفاسٍ لا تكاد تستطيع جمعها
وبسرعة انتقل بصري لمصدر صوتٍ هز أوتاري السمعية من شدته
لقد كان الشاب يقف متقدماً الخطى نحوي مشيراً بإتجاهي بسبابته بشتائم ولعنات بذيئة
أرتجف جسدي بصرخة قوية أنبثقت من حنجرتي وتردد صداها حولي
لآركض حاملة لحذائي فاقدة لعقلي بصياحاً حاد
أهرول في الشارع المظلم الخالي كالمجنونة
إلى جانب ترفـه التي تصرخ برعب في محاولة لإجتيازي ومضاهاة سرعتي
إلى أن وصلنا إلى بوابة السكن
تهالكتُ متشبثة بالجدار الساكن خلفي أصارع أنفاسي المرهقة التي تخالطها موجات من الضحك
خرت ترفه على الأرض صادمة بركبتيها عليها
أرتفع رأسها إلى الأعلى بتساقط خصلات شعرها القصيرة إلى الوراء بتقوس شفتيها المكتنزة وبكائها كالأطفال
توقف ضحكي لأعقد حاجباي بإستنكار .. لما تبكي هذه الفتاة الآن !!
فانا لم ابكي بعد , ما الذي حصل لها !! أهو لم يحصل شيء بالأساس ؟
تجهم وجهي فخرج صوتي متهكماً : " ما بكِ الأن , لما تبكين! "
أطلقت آهاتٍ من صدرها مسقطةٍ رأسها بين قدميها بموجات عنيفة من البكاء بإرتعاش جسدها الصغير
أقتربت منها زاحفة على ركبتاي بقلق ملئ قلبي
لتهز كفي كتفها بخوف
ولكنني لم أرى منها أية ردة فعل الا ازدياد نحيب حنجرتها
فهتفتُ بصوتٍ متوتر, قلق " ترفه لا تخفيني , ما بكِ ! "
تجمدت تقاسيم وجهي وأنا أنصت لصوتها الذي اخذ بالأرتفاع , هاهاها ..
ترفرفت أهدابي بسرعة لصوت ضحكاتها المكتومة التي تحاول أخفائها , تضحك!!
أجنت الفتاة , أو أنها قد فقدت عقلها !!
اقتربت منها في محاولة لإيزاحت ذراعيها عن وجهها بالقوة
فسقطت على الأرض مستندة بذراعيها تداري دمعاتها المنسكبة على وجنتيها بأحمرار وجهها من شدة الضحك
غصت ضحكاتي بجوفي وتفجرت من حنجرتي فقهقهةُ معها كالمخبوله !
****
رفعت قدمي الملطخة بالخدوش بإتجاه ترفه الجالسة قبالتي لمدوات جروحي
آآه أنه مؤلم جداً
عضضتُ شفتي وقلت بصوت متألم : " أنه مؤلم لا تضغطي عليه "
عبست ترفه بوجهها وهي تزيح بكفها قدمي عنها قائلة : " أبعدي قدمك عني"
رفعت قدمي لمرة أخرى مزعجة إيها في محاولة لوضعها على وجهها مستمتعة بإغضابها
ضربتني بيديها وهي تهم واقفة
صحت بها وأنا منطرحة على الأرض أخرج موجاتِ من الهواء على الجروح التي غطت قدماي " أنتظري ألن تعالجي جروح وجهك وقدميك "
توقف جسدها وهي تستدير إليه بوجه تلون بالألم
بخطواتٍ تسحب الأخرى ورائها اتجهت نحوي وجلست قبالتي بشفتين مقوستين إلى الأسفل
أخرجتُ نفساً تزاحمت به التيارات الهوائية مضيفة : " دعيني أعالج جروحك "
أقتربت من وجهها وأنا أضع الدواء على خدوش صغيره أحتلت خديها بالأضافة إلى اللاصقة الطبية
ليسقط بصري إلى الأسفل
تأوهت وأنا أجر ذراعها اليمنى بعنف محدقة بخدوش الأظافر المشوهة ليدها البيضاء
رفعت بصري نحوها بعينين سكبتا الغضب : " من فعل بك هذا "
تجمعت الدموع في عينيها وسكبت العبر
ما كنت أظنها الا أضغاث أحلام
ما كنت أصدق ماتقوله وماهو الا بكابوس حقيقي , كانت ستموت !!!
ستقتل نفسها من أجل الجناة من الدنس
شحنة جسدي بالقوة وأحتويت جسدها الصغير الباكي بعد تدفق هذا الكم الهائل من العبارات المخالج لصدرها
أحاول التخفيف عنها .. فما مرت به منذ دقائق كان بقمة الرعب والجنون !!
قبح الله أفعال هؤلاء الشياطين المتشكلين على هئية البشر
فما هروبها هذا الا عناية من الله لها وانقاذها من شرور هؤلاء المتجردين من الضمير ..