المعانقة الرابعة عشر
ارتعاش يلف مشاعري
تخبط يغرق به عقلي
وعويل روحي لم يكف عن زف مراسيمه إلى جسدي
أني متعبة جدا
فحشر جسدي في غرفتي طيلة الأيام الماضية , خوفا من اعدام ابي لروحي
غيابي عن الجامعة لمرضي المزمن الذي اهلك جسدي
فمرضي قد شفع لي عند أمي
ولكن أبي قد نبذني
فلا يزال غاضبا عليّ , ولا يرغب برؤيتي
وإنه قد بات يكرهني ويزدريني أكثر عن ذي قبل
أبي قد بات قاسيا جدا
واخي حسن ايضا , لم يحدثني منذ ذلك اليوم
ولم ألتقي به , لأنني خائفة من غضبه عليّ , وانه قد اصبح يكرهني مثل ابي فيتخلى عني ويتركني وحيدة
ابتلعت رئتاي موجة هواء لتقذفها خارجا , وتغرقني في ضيقت صدري , وحرارة دموعي السائلة على وجنتيّ
أني متعبة من وجع صدهم لي
و الحزن قد بدأ يمزقني
فكيف لي أن احتمل غضبهم عليّ , فأنا لستُ قادرة على ذلك
رباه .. مالِ غيرك ألجأ إليه , فخفف عني أحزاني , وأرحمني ..
فعيشي متخبطة بجانب عزلتِ الكئيبة
وسرحان عقلي الغافل عن مايدور حوله , قد أرق نفسي واتعب صدري
هممت بالجلوس بدخول أمي إلى غرفتي
أسرعت أمي الحنونة إليّ , بعد رضاها عني بسبب ماعنيته من مرض ورضوض ..
فأنا مدللتها , ابنتها التي تريدها الأجمل والأفضل في كل شيء
فهي لا تخالفني في شيء خوفا من ضياعي
خوفا من قبح قد يصدر مني فيقع اللوم عليها
وها أنا قد فعلته مرة , وهي لا تريده أن يتكرر
فالمظاهر هي لائحة تسرد عليها مخطوطات حياتها الإجتماعية
صحيح انها الآن تدقدقني بحنانها, لعلها بذلك تمحي ماضي خلفتهُ ورائها بإهمالها لي
كانت مجرد أم كتب اسمها على شهادة ميلاد
تهيم في محيط من رفاهية الحياة , بعيدا عن ضجيج طفلة في المهد تلاعب دمية من قطن
متخبطة بين خادمات مختلفات الجنسية .
فلولا أبي في الطفولة لكنتُ قد افتقدتُ حنان الوالدين واحضان ارتمي في بحرها
تقوست شفتيّ , وانا اخبئ رأسي في حجر أمي الممسدة لشعري
ارتعش جسدي , وغصت عبراتي
أبي اني لأشتاق إلى تواجدك , و الارتماء في احضانك
أرغب في إلتهام حنانك والبكاء على صدرك كما في الطفولة
فبعد صراعه الدائم مع أمي , وتمردي الأحمق الذي زادتهُ أمي التي بدأت اهتمامها فيّ في مراهقتي
غيّرت أبي وجعلتهُ بعيدا عني, جعلته وحشا لا يكف عن زئيره عليّ
غاضبا على تصرفاتِ الرعناء الصادرة مني
وتعلقي المجنون بمروان والذي تشجعني أمي عليه وهو يرفضه
أبي لا يعرف بهيامي به , ولكنه يكره تعلقي الزائد عن حده به
ولكن حسن كان الوحيد الذي يقف في صفي , فلقد كان موجهي
مخفف أحزاني في حبس وغضب أبي عليّ
كان هو الذي يقودني من بداية مراهقتي , وإلى الآن ويدقدقني بحنان لم احصل عليه منهما عندما كبرت
همست أمي نازعة عقلي من دوامة هواجسه : " عزيزتي , لا تحزني فهي فترة قصيرة , ويعود والدك كما كان "
حدقتُ بها بشفاها مقوسة تهتز بحزن
هي تهون كل شيء , هي لا تشعر بما اشعر
اني أتألم , أني متخطبة , لا أعرف أي طريق أسلك
فغضب ابي يجعلني كالمجنونة
وصراع مشاعري بداخلي يسلب نفسي راحتها , ويزعزع إتزانها
***
عدتُ إلى الجامعة
ولكنيّ كنت أفضل الاختلاء بنفسي بعيدا عن ضجيج ثرثرة الفتيات
بعيدا عن معكر يزيد من تخبط عقلي
اصطدم به , ويرميني في واديه القاحل
شعرن صديقاتي بسكوتِ الذي بات عادة انتحلتهُ تقاسيم وجهي , ووباء انتشر في روحي المثرثرة مع نفسها
تقدمت مني شما لتحيط ذراعها بكتفي
شما الفتاة المتغنجة , الأكثر تبرجا من رفيقاتِ , ثرثارة , تضحك بداعي أو بلا داعي
فلسانها يقطر عسلاً , فهي تغرق محدثها بأطيب عبارات المدح والثناء
حاولتُ رسم ابتسامة كاذبة على شفتاي , فعكست مدى تصنعي الهزيل
لقد نسيت الكابوس , فهو مجرد كابوس لا حقيقة له , مجرد حلم
فمالِ أتأثر بحلم قد صنعه عقلي
أنها طيبة , ولم تؤذيني
لِمَ ألحق أحدى هواجسي ومخوافي بها
وادنس بياض صفحتها لدي , اعكر صفو علاقتي بها
جرت بيننا احاديث قصيرة , ولكنني لم اتفاعل معها
لم أكن منصتة إلا لضجيج صوتها العالي والمتحمس
هتفت فجأة بعد أن ملت نفسها من صمت حنجرتي : " حسناء مابكِ , لم تغيرتي فجأة هكذا "
أطرقت برأسي متضايقة من دقة ملاحظتها
يال الغباء !
فتغيري واضح للعيان
حاولتُ رسم إبتسامة صغيرة
فما أن خبئت تحت وطئِ صقيع مشاعري وأنا اهز راسي بلا
قائلة بصوتٍ مبحوح , وعقل سارح : " لستُ أعاني من شيء فقط هي مجرد بعض الظروف العائلية المزمنة إلى جانب تأثير المرض الذي لم يخبو حتى الآن "
لمعت عينيها بلا تصديق , وقد تغلفت شفتيها بإبتسامة مصطنعة , كاذبة , مخيفة , هذا ماخيل لي .
إنها ابتسامة مخادعة , وكأن هالة من السواد لفت جسدها واشتعل وجهها بها , سواد , قبح وحقد ..
يا إلهي ! ما هذا الشعور المقيت
لا !! انني أتخيل ! لا يمكن أن يحصل هذا !
خفق قلبي حد الرعب , وارتعش جسدي من الخوف
وهي تشد بأصابعها على زندي , هامسة لي : " لدينا حفلة بعد غد , أتودين الحضور "
حدقت بها , وقد تعطلت حواسي عن اصدار التحذيرات لي
وانطفأ جنون تخيلات عقلي المخيفة , صررتُ مابين عينيّ
بعقل غرق في التفكير , التغير مهم جدا لنفسيتي في هذه الأيام
لعل بذهابي إلى الحفلة قد يغير من حزن نفسي وإنطوائها العقيم
هتفتُ بحماس أستعدتُ معه شبح شخصيتي القديمة : " وأنني لمحتاجة لحفلة مثل هذه أو للتغير في هذه الأيام , شكرا يا شما على دعوتي "
كنتُ أشعر بنغزات دبوس تتوغل في صدري
خوف لا أعرف مصدره
ضيق يكاد يوقف تنفسي
جلستُ مع سلمى في أخر اليوم لوحدنا
هي الوحيدة التي أرتاح لها , واسر إليها ما بنفسي
فهي طيبه جدا , والمحجبه من بين صديقاتي السافرات
قلت لها بينما أنا أرسم إبتسامة على شفتاي , وأحاول أبعاد الضنك عن نفسي : " سأذهب بعد ايام قليلة مع شما إلى أحدى الحفلات لعلي أغير بها جوي الكئيب"
أتسعت عينيها بحدة , وأرتفع طرف شفتها بإستنكار
وانحنى جسدها نحوي , وهي تضرب الطاولة من تحتها بكفيها و تهتف : " أجننتي ! "
صمتت ولوائح الأندهاش والاستنكار تكسو تقاسيم وجهها
أعرف أنها لا تحب شما
فهي دائما ما تقاوم الصراخ على وجهها , فهما دائمتا الشجار
جلُوسِنا مع بعضنا البعض يجبرهن على الإلتقاء , فنحن نخفف من حدة الصراع بينهما
أخرجت أنفاسها بغضب , وهي تنظر إليّ بحنق , وتقول بترجي : " حسناء , انتبهي لنفسكِ , أأنتِ مجنونة لتذهبي معها , ألا تعرفين حفلاتها الصاخبة والمختلطة , أنها لا تخاف الله , وما أخفى أعظم , لا تذهبي معها "
حاولت استيعاب ماقلته , وشهقتُ قائلة بعقل تعثر بأفكاره : " ماذاا !! "
هزت رأسها.. وراحت تحكي لي عن الشائعات والوقائع الحائمة حول شما
والجنون الذي لا تخفيه
تعلن عن المعصية متجاوزة كل شيء
لم أكن أعلم هذا عنها , فما أنا إلا صديقة شهور
صداقةٌ على هامش اللقاءات اليومية في الجامعة
وثقتُ بكلام سلمى , لانها صديقتي منذُ عهود
ولأنها أقربُ صديقة لي فهي دائما ما تحذرني , وترشدني إلى طريق بصير
أرتعش جسدي من هول معرفة حقيقتها
هي كانت تريد أن ترميني في الرذيلة
هي لاتهتم بي إنما تريد إيقاعي في شرك المعصية
تبا لها من قذرة
الحمدالله اني عرفت حقيقتها قبل أن اقع في مصيبة تعرقل حياتي إن عرف أهلي بها
****
مضت الأيام وأنا أُحاول الأنعزال في غرفتي
عدم رؤية أبي ولا حتى حسن , فرؤية حسن قد تكون مؤلمة
لأنني أظن أنه غاضب عليّ ,غاضب لحد الألم
حسن أني خجلة منك ومن تصرفاتِي الخرقاء الاخيرة
وإني لأسفة جدا, فبإقترافي لهذا الذنب أشعر أنني قد هدمت جدار ثقتك فيّ
هدمت قلاع حبي لك يا أخي , ولكن أنت تعرف تلك العجوز , ومافعلته بي وبك
تعرفها جيدا ..
في الصباح الباكر خرجتُ متأخرة من غرفتي
لأنني لا أريد أن أُصادف أحدا منهم
خائفة من مواجهة حسن أو أبي
ولكن أن أصادف مروان الذي يغيب عن المنزل لأياما طويلة هو أشد إلما
وقفتُ أُحدق به , وهو يتناول كوبا من القهوة السوداء
وهو شارد الذهن ينظر إلى اللانهاية التي أوصلتها إليه أفكاره
وقفتُ مكاني في عتمة ظلال المنزل المعتمة
والتي لم تطأها أشعة الشمس إلى الآن
لمع الحزن في عينيّ لرؤيته
فاليتك يا مروان تشعر بي
ياليتك يا مروان زوجا لي
فأنا متاكدة بأنني سأكون محظوظة مع رجلا مثلك
أنت كريم , طيب , رحيم , عطوف , مثقف , رجل ليس لهُ مثيل
فتعلقي بك ليس هباءا
حزين هو ما يحصل الآن وهي رؤيتك جافا معي
وزواجك القريب من هدى يجعل جبال آمالي تتحطم , لاعيد ترميمها مرة أخرى عندما تعطيني انت أملاً
سرتُ مقيدة بهيامي به , وجلست على المقعد المقابل لهُ
اسدلت ستائر حزني همومها, وكشفت عن غمائم مشاعري
نزعتُ رداء خجلي مني , و حدقت به متيمة
حدقت به أترجى قلبه لتعلق بقلبي
انتشالي من فجوة قسوة عيشة أهلي وجفائهم
لم ينظر إليّ
تنفستُ بعمق ورميتهُ بنظراتي المتوترة واللاهثة لمن ترتوي من بئره
ونطقت بأسمه بصوت خافت رقيق رنان : " مروان "
وكأنني انتشلته من غرق أفكاره , نظر إلي بعينيه الناعستين
وابتسم كعادته القديمة , واعاد ذكرياتي الحلوة إلي
وكأن روحي أعيدت إلي
أحتلني الخجل منه , وتشرب وجهي الحمرة لنظراته المطلعة عليّ
أحس بكومة مشاعري الثائرة له
فقطب جبينه , والتصق حاجباه بحنق
مروان صريح منذ الطفولة , مروان مشابه لأخي حسن في اهتمامه بي واكثر
حتى أخطائي وعثراتي كان يعنفني عليها
طرح مابيده على الطاولة , أهمل الدنيا ومافيها وصوب أنظاره نحوي
حدق بي بعيون سكنتها عاصفة الغضب
وكأنه ينوي نفي من هذا العالم , رميّ بعيدا عن أنظاره
احتلت الحسرات صدري لرؤيته غاضبا هكذا
لرؤيته نظراته الغريبة لي
قال بصوته الغليظ , وإتزانه الذي لا يفقده صوته : " حسناء إلى متى سوف يستمر الوضع إلى هذا الحال ؟ أخبرني ! "
رميتُ بنظراتِ إلى سطح الطاولة في حزن وغضب
أقاوم صراعات نفسي بإنكارها لأخطائي المتراكمة
أكمل كلماته بإرتفاع بصري نحوه في محاولة لردعه عن إكمال حديثه الذي قد يسفر عن خدوش مؤلمة لقلبي المتعلق به : " المشاكل التي تحدثينها بتهور لكل أفراد العائلة , إغضاب والديك والتحرش بجدتي , والتهور الغير متعقل , أنتِ لستِ صغيرة , أنتِ الآن لست مراهقةٍ أيضاً , ففي فترة المراهقة كنتُ أعذر طيشك وتعلقك بي , ولكن الآن الوضع قد تغير, أنتِ لستِ إلا طفلة تصغرني بأميال طويلة والكل يعرف هذا وأنا أولهم , أنتِ بالنسبة إليّ كأختي الصغرى , وزوجتي التي سأقاسمها حياتي والتي هي مناسبة لي هي هدى , أفهمي هذا جيدا ولا تدخلي نفسك وتدخلني معك في معمعة يصعب الخروج منها "
أنهى كلماته بتكشيرة رسمت الوجع على وجهه ونهض راحلا عني
رحل بعد أن طعن قلبي
وكسر ضلعي الأعوج , وفجر نوافير دموعي الحبيسه
أجهش صدري بنحيبه , وأنا أكتم أنفاسي وأنظر إلى طيفه الذي أختفى معه
مروان ..... لمَ رميتني برماح عباراتك هكذا
لمَ جرحتني بعمق , وجعلتني أكره نفسي لأنني طفلة بالنسبة إليك
ولست إلا أخت ومفتعله للمشاكل
لمَ فعلت ذلك !
لمَ تحاول كسري !
لمَ هي قبيحة تلك المعاني التي في كلماتك وواضحة لحد الألم .
*****
في سماء سوداء اكتسحها نور القمر خرجت استنشق بعض الهواء
أروي عطش روحي الظمأَه
ألملم فوضى حواسي
انظم نبضات قلبي الوتيرة
خر جسدي على كرسي انتصف في طريقي المظلم الملون بأضواء مصابيح الشارع
وكلماته تعيد انغامها الصاخبة على مسامعي
موسيقى صوته تبعثر نبضات قلبي
تتلاعب بمشاعري الهائجة
وعباراته تضخ دمي في عروقي إلى الآن , ومع مرور الأيام عليها
تشبثت اناملي على خشب الكرسي , واسترخى جسدي على ظهره
برودة الأجواء ارسلت القشعريرة إلى جسدي
ونفضته ... لتعيد تواجد ذياب أمامي
كيف لي أن اخفت نار مشاعري المشتعلة التي حركها هو
كيف لي أن استعيد اتزاني بعد ان قام هو بتشتيتي
كلمات ذياب , مشاعره نحوي أسرة قلبي وقلبتني رأسا على عقب
وما أنا بالنسبة له
محت أحافير الوجع المنحتوتِ في قلبي
بخمر اسكر عقلي , وانساني سنين حياتي المتوجعة
أنه يريدني أنا ! كما أنا !
يريدني لكي يحميني , يريدني لكي يسقيني دلالا ويروني من بئر حنانه القديم
أنه لا يتزحزح ابدا عن طلبي له
أنه يقول أنه لا يستطيع العيش من دوني , يريدني لهُ , له وحده ..
يا إلهي !
ما الذي يحدث لي , فأنا أكاد افقد رشدي , واشتاق إليه وأريد احضانه التي افتقدتها منذ زمن طويل
رفعت وجهي إلى السماء بنبضات قلب لاتكف عن ازعاجي
وبعبير أنسام شرودي المحصور به ...
لطمت أصابع الهواء وجهي ورشت السماء لمساتها الباردة على بشرتي
لتجعلني استيقظ من سبات مشاعري المتعثرة لتجابه حقيقة واقعي
ومرض عالمي , وزوال حقيقة سعادتي
ارتعش نوره ليستحيل إلى ظلمة قاتمة ويختفي كالسراب
أنا ... يا من أمني نفسي بسعادة واهمة
متخيلة أنني قد اعيشها معه , موهمة نفسي أنني قد انسى سنين حياتي معه
وأمحو صفحات قد مزقها زيف ماضيّ
أريد العودة إليه
ولكنهُ صعب !
فحقيقته صعبة التقبل , ومؤلمة التعايش
أيكون لي مستقبل معه بماضي مظلم
فكيف يحصل الزواج بيننا , كيف لهُ أن يكون زوجي !
قاتل أبي يصبح زوجي
الذي خدعني طوال حياتي بزيف قناع أرتداهُ وجهه , وخبأت نفسه حقيقة قتله لأبي
خبأ مرض نفسه عني , كذب عليّ
كيف لي أن أصدقه بعد الآن , أو أن أؤمن بصدقه معي
أنه كاذب , قاتل
ولا أعلم إن كان يخبئ المزيد لي في جعبته
و أن يكون هو زوجي في أخر المطاف
لا , لا يمكن أن يحصل ذلك
مع أنني كنت قد تمنيت من قبل أن تكون حياتي كلها معه ولكن الآن لا
لأن الماضي الذي عشته معه كان مصنوع من زيف وخداع
ذياب !!
كفانا عذابا فأنا لا أريد أن أمني نفسي بحياة سعيدة معك
كنتُ أريد النسيان , ولكن أنت تقتحم حياتي بمفاجأة تزحزح مخزون قوتي
كذب نفسي على روحي البائسة يوجع, فأنا أكاد أهيم على وجهي بسببك
أكاد أسقط في مصيدة حفرتها أنت لي
بإنقاذك لي من شرور علي , من بذل الغالي والنفيس من أجلي
يجعلني مترددة في قراراتي نحوك
ذياب
فمالِ ومالَ تلك الأوهام , فأنا لا أريدها أوهام تختفي كالأحلام
ليس لها طعم , نلمسها ولكن هي كالخيال
نحاول أكلها فتتيه في أجوافنا بلا شبع , لا تشبع روح ولا جسد
ازداد هطول دموع السماء , فرفعتُ جسدي عن المقعد
أمشي ممشطة بقدماي طريقي الرمادي الذي نقرتهُ قطرات الأمطار
تساقطت قطرات المطر , وبللت أكتفيّ ورشّت لمساتها الباردة على بشرتي
مشيتُ مترنحة بمشاعري , تائهة في دوامة أفكاري المتعبة
إلى أن وصلت إلى جهة العمارة السكنية التي أقطن فيها
ووقفتُ تحت سقف واجهتها أحتضن جسدي المبلل بذراعيّ
أرتعش من البرودة , وقد تجمدة أصابع يديّ
رفعت كفاي إلى شفتاي لأنفخ عليهما من حرارة رئتاي لعلي أمد جسدي بالدفء
امتلأت أجفاني بالدموع بسعادة رؤية المطر , وارتعشت شفتاي المقوستان مرسلة الألم إلى قلبي
أني مضطربة وخائفة جدا
لا يجب أن يرق قلبي له
يجب عليّ أن أحارب نفسي ولا اعود إليه
اني لا أستطيع نسيان أنه من قتل أبي
ولا أستطيع الغفران له
لأنه صعب ومؤلم
مؤلم هو نبذه ونسيانه , مؤلم نسيان مافعله لي ولكن أبي
أنه من قتل أبي وكذب عليّ ...
صعدتُ إلى الشقة ودخلت إليها راسمة خيال ابتسامة طفت عليها غصات أليمة طفحت على وجهي
شجعتُ نفسي المنهارة أنني بخير
وان المسئلة ستحل , وإن الله معي
تجمد جسدي وتوجع قلبي بمرارة رؤية والدة أمل
ففي هذه الفترة ازدادة زياراتها ليحتلني الاضطراب والخوف منها
لأنها بدأت بقذف عباراتها السامة المغلفة بالبراءة والساذجة
تقولها بدم بارد , بابتسامة تثير القشعريرة في جسدي
لا أعرف ما أفعلهُ , أو كيف لي أن لا أجرح منها
أشعر أنها لا تتقصدُها ولكن في آن أخر أشعر أنها تتقصدُها
وكأن تواجدي غير مرغوب لديها لدى إبنتها
وأنني مزعجة , انسانه غير مستساغة ..
وككل مرة ترميني بكلماتها " ألا تذهبين في زيارات إلى أهلك , ألا تفكرين بالسكن لديهم وانه أفضل للفتاة "
أنه موجع
من لي غير أمل , فبعد خناجر والدة أمل تأتي أمل لتخفف من حبلها المربوطةِ على عنقي لتعلقني في بصيص نور أرتمي إليه ..
فأمل تقول أنها سعيدة بتواجدي معها
واني كأختٌ لها , وهي لا تستطيع الاستغناء عني
فيزيدني ذلك تعلقا وسعادة أنني بجوار أمل ومعها
ولكن هذه المرة لم تكن أمل متواجده
نقشت التجاعيد خطوطها على وجه والدة أمل ليرسم الغضب إيماءاته على وجهها
لقد كانت غاضبة على غير العادة , كانت تنظر إلي بإنزعاج
وما أنا إلا حساسةٌ في هذه الفترة
خائفة من حدوث أمر يقلب كل شيء عليّ , يجعلني انهار
صاحت عليّ ... وكأنها لم تشعر بصيحها ولا بغضبها العائم على وجهها : " لِمَ البراد خالي , لِمَ الغبار متناثر هنا وهناك , لِمَ هذه الأوساخ هنا "
أكملت وقد تفجر الاشمئزاز على وجهها : " وأنتِ "
ابتلعتُ جرعة من الهواء , وقد التهمت عظامي دمي وبانت عروقي على وجهي المذهول الذي زاد شحوبه المرعوب من فوج غضبها المسلط عليّ
زفرة وهي موشحة الوجه تنظف اطباق الغداء المبعثرة في المطبخ
واضافت وهي تغرز سكاكينها في صدري وترديني بها صرعية الألم : " ألا تفكرين في الانتقال , إلى متى ستقطنّين لدى أبنتي , مع انني فرحت بتواجد أحد ما لديها ولكن هناك من رجال العائلة من يسكن في هذه العماره والزيارة دائما ماتكون متواصلة بين الأهل لدى ابنتي , وأظن انه ليس جيد لفتاة غريبة "
غرزت كلماتها الوجع في قلبي , وأردتني بها مكسورة الخاطر
أصارع أوجاعي , ونزف قلبي الذي أخذ يضخ دمي بسرعة هائلة إلى أجزاء جسدي
قاومة تقوس شفتيّ , وبكاء عيناي لقسوة كلماتها
لم انبس لها ببنت شفة إنما صمت
فقط مافعلته هو هز رأسي
إبتلاع ريقي الناشف والذي امتصه حزني
صمتت لصمتي , ألقتني في جرف هاوية ألمي
واهتزاز جسدي المتعب والمتوجع من عالمه
وقفت متصلبة لا أقوى على التحدث أو الحراك
أرغب بمن يقوم بإنتشالي من تجمد حواسي , ومن ضجيج قلبي المتألم
صحيح ! هو صحيح !
أنا غريبة وما تواجدي لدى أمل لهذه المدة إلا أمر غير مقبول
فمالِ ألتجأ إليها وكأنها منفذي من عراقيل الحياة ... وهي غريبة عني
أختبأ في غرفتها لدى زيارات أقربائها الرجال
مندسة فيها إلى أن يذهبوا
وكأنني خجلة من تواجدي لديها
فوالدتها ايقظتني من كذب نفسي على عقلي ومن تقلب الأحلام على الحقيقة في حياتي
فمالِ أبني أوهاما على أوهام
فمالِ إلا قاتل أبي
ذلك الذي لن اشعر معه بأنني عالة
ذلك الذي كنت معه ملكة على عرشها , ذلك الذي كان عالمي
الذي كان كل شيء بالنسبة لي قبل أن يتحطم عالمي معه
فمالِ إلا هو , أعيش معه من دون أن أكون منقض ومخرب لحياة الأخرين , إنما مخرب له
لعلي بعيشي معه استطيع الأنتقام منه , والتخلص من كل شيء
والتعويض عن الألم الذي عشته
فأنا شخص وحيد مقطوع الجذور , لا يملك عائلة غيره
لا يملك لا حول ولا قوة
وهو ملجأي الوحيد في هذه الدنيا
غرقت في بحر أفكاري المتلاطمة , أصارع مشاعري المتحطمةِ
واقفة في مكاني غير قادرة على الخروج من سكون جسدي
أحدق إلى اللانهاية التي أوصلتني إليها أفكاري
صنعت والدة أمل الطعام لإبنتها وقالت انها ستأخذه معها إلى المستشفى
لم أكن أُنصت لثرثراتها الأخرى , ولا أعرف ما الذي قالته بعد حقنها لجسدي بحُقْنَةٌ مُهَدِّئَة قامت بعملها العكسي على قلبي وعقلي
تحركتُ أمشي الهُوَيْنَى بعد خروجها
ودخلتُ إلى غرفتي الظَّلْمَةِ
مشيتُ إلى أن وصلتُ إلى هاتفي النقال القاطن على المنضدة
أمتدت أصابعي لتحتضن برودته وعتمته
ضغطُ عليه بإصابعي , وضرب إبهامي أزراره ليشتغل
غطى نوره وجهي , وأسر عينيّ
وابتسمت ملامحي بإلم , وأصبعي يتجول بين الأسامي
ضغط بقوة جسدي التي تحولت لاصبعي على رقم الاتصال بذياب الذي سجلتُ رقمه لدي سابقا خوفا من ضياعه مني عندما اعطاني إياه في الورقة عند أخر زيارة له لي
عضضت شفتي السفلى وأنا أتهالك على الأرض الباردة
ضربت ركبتاي الآرض الصلبة من تحتي , وأنا أخبئ قدميّ تحت جسدي وتحت عباءتي السوداء
انسلت دموعي من عيناي , وخلع وجهي صمته و بكاء ...
وأنا انصت لرنين الهاتف من الجهة الأخرى
وأندب حظي
أزجر نفسي الخائنة , لإخلافها بوعد أبي
عدم قتل قاتله و العودة إليه
العودة إلى ذياب , أنه الحل الوحيد
فأنا لا أريد التشرد , لا أريد الألم
فلقد تشرب قلبي مايكفي منه
أريد الراحة فقط , لانني تعبت من الضغوطات النفسية
ولكن هل هو صحيح ما أقوم به الآن
الراحة معه , كيف تكون معه ..فمالِ أكذب قلبي بتعلقه به
اني أعرف أن راحتي معه هو !!
ولكني خائفة .. من أن تكون خديعة طواها قلبي على عقلي
دام رنين الهاتف لثواني قليلة حتى انقطع رنينه وأتى صوت آسري
إنقبضت عضلة قلبي , وتوقفت رئتاي عن تلقي الأكسجين
وانا انصت لفحيح صوته الأتي من الجهة الأخرى وهو يقول : " مرحبا "
صمتُ غير قادرة على النطق
أرتعش من وقع نبرة صوته على نفسي
زحف إرتجاف جسدي حتى إعتلى صوتي , وخنق عبرتي
اهتزت شفتيّ لتذكري بما أنوي القيام به
حاولت النطق ولكن لم أستطع ذلك
سمعت صوته الحانق , والمنزعج يقول : " عذرا .. من المتصل ! "
أخرجتُ موجة من الهواء المختنق في صدري
وحاولت بث الحياة في صوتي الميت , وقلت بصوتٍ مهتز : " أنا "
حدقت بالظلام المخيم من حولي
أبحث عن منفذ ضوئي ينقذني من توتري هذا
يمدني بقوة يفتقدها جسدي
صمت هو لصمتي
وكأنه يعيد نغمة صوتي في عقله , أو يستوعب من أكون ..
أو أنه يتخيل أن لا تكون أنا
هتف بإسمي بصوتٍ أطلق إنداهشه : " ترفه "
أرتفعت أكتفيّ عاكسة مدى توتري
وإنطوت قدماي تحت جسدي المرتجف
وأخذت كفي تلاعب أصابعها المرتعشه في حجري
وأنا أستعيد قوتي المزهقة , مُتعب هو الحديث معه
مرهق التواصل معه بهذه المشاعر الجياشة
مؤلم الاجبار الذي أعيشه , واتخاذي لقراري المصيري
التصقت أجفاني ببعضها , وأنا أقول بصوتي الباكي المتألم
بإرتجاف حبالي الصوتية , بصراخ عقلي المؤنب لقلبي : " ذياب إني موافقة على طلبك "
****
كنتُ أقود سيارتي في وسط زحام الشارع عندما جاءني أتصال من رقما غريب
لم أكن أنوي الرد عليه لانشغال عقلي
وقلة وقتي الذي يجبرني على الأسراع إلى مركز الشرطة
توقف نور إشارة المرور على اللون الأحمر لأوقف أنا سيارتي
عقدتُ حاجباي , وأنا التقطُ السماعة وأدسها في أذنيّ
زفرة نفسا عميقا وأنا أضغط على زر الرد
لم أسمع ردا بعد قولي لمرحبا
تضايقتُ من الاتصال الغريب ولم أسمع لهُ ردا لمرة أخرى
كنت على أهبت الاغلاق على وجه هذا المتصل الصامت والمجهول
إلا اني توقفتُ للحظات متجمدا , لعبور طبلة أذنيّ صوت انفاس مضطربة خافتةٍ
اشعلت فتيلة التوتر في صدري , وايقظت ضجيج قلبي
أنفاسها سعرت لبي
ألتهمت هي أنفاسها بصعوبة, فاستنشقتُ أنا معه عطر أنفاس متصلتي
تخدر جسدي الذي غرق في وسادة معقدي الدافئ
نظرتُ أمامي مضطربا , هي ! انها هي , اتمنى أن تكون هي !
في لحظات ظننتُ أنني أتخيل أنها هي !
ولكن قلبي يقول أنها هي !
هل من الممكن أن تكون صغيرتي على الطرف الأخر من الهاتف
هل من الممكن أنها حقيقه
جاني صوتها ليطرح إضطراب روحي وتكذيب عقلي لاحساس قلبي
رنينُ صوتها هز نبضات قلبي وبث الحياة فيّ
حتى أني تركتُ كل شيء , ونسيت فيه عالمي
نطقت بصوتٍ تشرب دهشتي وفرحتي بها : " ترفه "
ابتسمت شفتاي لحقيقة أنها من أتصل بي
وانقشع اضطرابي المتربع على صدري ليحل محله فرحي بها
فضحكت شفتاي لسامع صوتها الذي افتقدهُ من ذلك اليوم
والذي أشتقت إليه منذ زمن طويل
اشتقت لكِ يا طفلتي , أشتقت لرؤيتك بين جناحيّ
لرؤية ابتسامتكِ البريئة
إشتقت لتذوق دلالكِ وشقاوتكِ وأفراحكِ
أرجوكِ عودي إليّ يا طفلتي , فأنا أكاد اغص بأنفاسي دونكِ , أكادُ أختنق بحياتي ..
وصلني صوت انفاسها المضطربةِ والمتلاحقةِ والتي تحاول بها لملمت قوتها
كانت وكأنها تكتم بكائها حتى انها شهقت عدت شهقات أوجعت قلبي بها
ونمت بها حسرات ماضيّ الذي تلطخ بدماء والدها
صحيح أنه مجرم قاتل , سافك للدماء , مخرب , هادم للأجيال
مع افعاله هذه فهو والدها الذي قتلته أنا أمام عينيها هي
وقتلتُ حياتها وروحها معها
تبا لي ياترفه .. تبا لي..
لانني جعلتكِ تقاسين هذا كله
ياليت الحقيقة اختبأت واندثرت في غياهب الصمت ولم تكشف
لكي لا يكون حزنكِ وألمكِ موجع لهذا الحد
ياليتني أنا من بقيت أتألم بعزلتي الخرساء حتى أموت وأجعلكِ تعيشين براحة
ولا تعيشين مع من أجرم بحقكِ وقتل والدكِ
في لجة سكون حنجرتي , وفي صخب صراع نفسي المتألمة والمنفعلة مع عقلي
قالت شاقت السكون , رامية عليّ كلماتها : " ذياب إني موافقة على طلبك "
اتسعت حدقتيّ دهشة , وازداد خفقان قلبي اضطرابا
وأنا في غرق صدمتي بكلماتها , تائها في بحر من الأمواج الهائجة
انطلق صوت ابواق السيارات منتشلا عقلي من غيبوبته , معيدا وعيّ إلى عالمه
ولم يبقى من صوتها إلا الصدى وصوت طنين إغلاق الهاتف ...
ترنحت السماعة من أذنيّ , وسقطت في حجري
وتغير لون إشارة المرور أمرا إياي على المضي قدما
تراقصت أنفاسي في صدري , وخفق قلبي حد الألم
هي موافقة , لقد وافقت عليّ
هي تريد العودة إلي كما أريدها أنا بجانبي
شددت أصابعي على المقود منطلقا بأقصى سرعتي
أضحك لحد الجنون
ولا ينقر خلايا رأسي الآن إلا هي
فكيف لي أن أستكين
فحلمي المستحيل بقبولها لطلبي قد تحقق
والذي كنت مؤقنا برفضها له
ولكنها وافقت أخيرا بعد تعب أنتظار دام ايام قضيتها في أرق
وفوضى ألمت بحياتي وشتت إتزان تفكيري
***
بعد ساعات طويلة حاولت فيها التركيز على العمل , وعدم التفكير في شيء يشتت أفكاري قبل إنهائي ما بيدي
الوضع السياسي في تدهور بسبب الانتشار الهائل للعصابات
وعمليات السطو والرمي التي تحدث بين فترة وأخرى تجعل من العمل مؤرقا حد التخمة
خطط الإيقاع والقبض على المجرمين يتم دراستها طوال أوقات العمل
البحث والتنقيب عن مفتعلين الجرائم والمخربين لا يزال مستمراً فلم يتم القبض إلا على قلة قليلة
تركتُ مابيدي من أوراق وملفات
ووقفت ملتقطا معطفي الأسود مرتديا إياه فوق بدلة الشرطة الزرقاء
خرجتُ من المركز داساً كفاي في جيب بنطالي الأزرق
أمشي ملتهما بقدميّ مسافات شاسعة من اسفلت الشارع متجها نحو سيارتي , بدوامة من الأفكار المتصارعة في رأسي ...
أفكر في إجراءات الزواج , التعديلات التي يجب عليه القيام بها في المنزل
القيام بزفاف كبير مفرح لترفه
ارتطمت نبضات قلبي بصدري بفرحة وغسلت هموم قلبي وارهاق روحي
رفعت مفتاح السيارة لفتح أبوابها
فرن صوت الهاتف معلناً عن وصول رسالة نصية
رميتُ القبعة عن رأسي , وأنا أفتح الباب وألتقطُ هاتفي النقال من جيب بنطالي
وقفتُ ممسكا بباب سيارتي , وأصابعي ترتطم بأزرار الهاتف لتفتح الرسالة
عقدت حاجباي بتعجب استحال لدهشةٍ , ليتحول إلى إستنكار
فأعدتُ قرأت محتوياتها لمرة أخرى بتركيز محتد " ألا زلت حياً , تبدو كقط ذو سبع أرواح , تبا لك , سأجعلك تندم على بقائك حياً , فالأيام أماماً يا صاح "
تلاحقت انفاسي ودب الرعب في جسدي , وانا أعيد قرأتها مرارا وتكرارا
ما هذا , وما هذه التهديدات !!!
انطلق جرس الهاتف يعلن عن أتصال مفاجئ من نفس رقم المرسل
عقلي لم يعطني خيارا , وخوفي لم يلهمني الصبر
فضغطُ على زر الرد بسرعة , رافعا الهاتف بسرعة إلى أذنيّ خالعا سماعته عنه لتسقط على الأرض
اتسعت عيناي لسامع صوت قهقهاتٍ مجلجلةٍ صاخبةٍ
وكأن المتصل مهلوس مجنون , يضحك بلا توقف
صحتُ به بغضبا شديد : " من المتصل !! "
توقف عن الضحك وهو يقول صارخا من الجهة الأخرى : " سأقتلها قبلك تلك الحقيرة , وسأقتلك بعدها , وسأجعلك تتجرع مرارة الندم والبؤس , سأجعلك تندم على البقاء حياً "
أختنقت أنفاسي , واتسعت حدقتيّ هلعاً , وانتفض جسدي من هول ما قاله ...
تبعثرت الكلمات لفهمي لمّا يرمي إليه
ولاحساسي الداخلي بأنه ذلك المجرم الحقير
افترسني الغضب حتى أكل جسدي لقمة واحدة
وثارت دمائي كالبراكين فقط لسماعي أنه يهددني بقتلها
انطلقت من حنجرتي صرخة وعيد , صرخة غضب شديد , غيظ , جنون يقضم عقلي " إن لمستها سأقتلك , جرب ذلك سأاااااقتلك "
صرخت بها حتى تشربت حنجرتي مائها , وجفت لتصبح قاحلة , ميتة
فضحك وهو يقول : " سنرى "
واغلق الهاتف على وجهي , ورنين ضحكاته يتصاعد في عقلي
ضربتُ أسناني بغضب احتل جسدي , وجن به عقلي
وانا أرمي بالهاتف من يدي بكل قوة
حتى تحطم وتناثر على الأرض
أجتاحت جسدي موجة من الهستيرية , وانا اصفع باب سيارتي بيدي , واركله بقدمي
و اتوعد ذلك الحثالة القذر بقتله , تبا له !
لن يستطيع لمس شعرة منها وأنا حي
فأنا سأقتله قبل أن يصل إليها
أيظن أنني لن اقدر عليه
حتى لو كان تحت الأرض سأنبش الثرى , واخرجه وأقتله واسفك دمائه بيدي ..
و سأحميها هي حتى لو مت , لا لن أموت , سأقتله وأموت
فهو لن يمس ترفه مادمتُ حيا
فترفه هي حياتي ! روحي ! كل شيء بالنسبة لي !
***
كان عقلي قد غرق في دوامة من التفكير بأيامي السابقة
باستغلال عامر لي , وتعذيب نفسي المستمر لي
وصراخ عقلي الرافض لضعفي الحقير
الذي عُدت إليه , واختبأت في قوقعته
وكأن شتائمي وأخر كلماتي لم يكن لها وجود
أو أنها كانت أحدى أحلامي المريضة والتي لا تمد الواقع بصلة
ابتعدت عن أفكاري الصاخبة
ابتعدت عن جنون عقلي , وانهيار جسدي
عندما جلست ترفه تقلب أصابعها المرتعشة قبالتي على الأريكة
قالت بوجه لم أرى تعابيره من اختناقي في أفكاري الحزينة , ومؤنبة ضميري لي : " أمل أريد محادثتكِ في موضوع مهم ! "
وكأني خرجتُ من فقاعتي الهشة التي تحطمت جدرانها بسهولة
لاستيقظ من ظلمةِ أفكاري وأرى ترفه
حاولت رسم إبتسامتِي المبتذلة والكاذبة
فأنا لا أود أن أدخل ترفه في معمعة عالمي الذي بات متعثرا ووعرا من خداع ونصب , وسرقة صلة دمي
من حقارة ما أفعله , وحقارة مستغلي الخالي من الضمير
فهموم ترفه تكفيها
و موجة سرحانها فائضة هذه الأيام
أرتعاشها وتوترها ..... يكفي !!
فأنا لا أُريد زيادة أحزانها وهمومها
اتسعت ابتسامتي المرحة والتي تكاد تخنق صدري من قوتها التي لا تحتملها نفسي
إلا الشحوب يا أمل أمام ترفه
لا تفعلي ذلك , لا تجعليها تشعر بكِ !
لو كانت غير مهمومة , لو كانت لا تبكي !
لكنتُ قد قلت لها لعلها تضمني إلى صدرها , وتكفكف دمعي
ولكن هي الآن متعبة , وأنا لا أريد زيادة أثقال همومها
وكأن الحقيقة صفعتني , وأرعشت فرائضي
أنني كاذبة !!
أنني أكذب على نفسي ...
أكذب لأنني خائفة من تأنيب أحدا ما لي , وقولهم الحقيقة لي
و أنني الملامة على رضوخي لعامر , وانني صمت عنه
ولم أردعه , لم أرفض جشاعة أطماعه
وكأنني مجرد ضعيفة وساذجة
تبا لي من غبية وحمقاء
ولكن أن أخسر وظيفتي وسمعتي
لهو صعب على نفسي الضعيفة
فأنا قد بذلت الكثير , وسعيت حتى الارهاق
حركتُ شفتاي الخائرتين والمضمومتين اللتين عجزتا عن أخفاء حزنهما : " تحدثي يا عزيزتي فأنا لك أذان منصتة "
حركت عينيها المحمرتين والذابلتين إلى الأسفل , لتغطيها أهدابها وقد تلونت وجنتيها بالحمرة لتضيف لوناً صاخباً على وجهها الشاحب , كان الحزن قد نُقش على وجهها واتعبه
تقوست شفتيها الذابلتين من البكاء وقالت : " لقد قررتُ الموافقة على طلبه , والزواج به "
تنفست رئتاي هوائها , وبدهشة كست وجهي همست : " حقا !!! "
لم أكن أظن أنها قد توافق
فلقد كانت مضطربة , وتبكي عندما أخبرتني بما قاله ذياب لها
كانت وكأنها ترفض كل ذلك
وتقول أنه كيف يظن انها سوف تعود إليه
وأنها ستتزوج منه , كيف ستتزوج منه هو
أنسى أنه من قتل والدها
حتى أنها استمرت في البكاء لايام طويلة
ولكن أن توافق عليه بهذه السهولة والبساطة
لم أكن لأتخيل ذلك!
ولكن أهذا بسبب ذكرياتها معه , وألحاح ذياب عليها بالعودة إليه , جعل قلبها يرق له !
تحركت أناملي لتقبض على أصابعها المحمرة بلهفة , وهتفتُ بدهشة لم تخفت نارها : " واقفتِ على الزواج منه , أحقا ماتقولينه يا ترفه "
إلتقطت أنفاسها , وكأنها تعيد موجة من البكاء إلى داخل صدرها , وقالت وبصرها يتصاعد نحوي , وازداد أحمرار وجنتيها بأعين غزتهما الدموع : " نعم وبأسرع وقت ممكن , لقد أخبرته في رسائلا نصية بأنني لا أريد زفافا ولا أرغب في شيئا أخر, أريد فقط العودة إلى المنزل ولكنه "
صمتت وقد لمع الحزن في عينيها الدامعتين , لتضيف وقد شرب صوتها من البكاء حد التخمة : " رفض , قال أنه يريد فعل كل شيء لي , وانه يريد أن أحصل بكل ما ارغب به , يريد أن يعطني كل شيء لديه , يريد أن يجعلني ملكة , ويريد إسعادي ولو على حساب نفسه , حتى انه اتصل بي لمرات عديدة ولكنني رفضت الرد عليه , وأصررتُ على رأيي وأنني لا أريد اي شيء منه , فقط أريد العودة إلى المنزل والعيش هناك , وتحت إلحاحي الشديد رضخ لي بعد جهد طويل "
عبس وجهي بحزن لكلماتها , وانها تريد الذهاب عني بسرعة
تغير رأيها , أأحست بشيء !
أهو تقصير مني ! أأزعجتها بشيء !
لم هي تريد الذهاب عني بسرعة والخروج من حياتي
فأنا لا أحتمل مفارقتها
تأوه قلبي بألم, فوضعتُ أصابعي على صدري أضغط عليه من ألما ألمً به
هي رفيقتي التي اعتدت العيش معها
هي صديقتي التي لا استطيع العيش بدونها
هي صديقة روحي , هي نفسي الثانية
هي صديقتي التي احبها بعمق , ولا أتخيل حياتي من دونها
هي ونيسي عند وحدتي , هي صديقتي التي ارتشفت معها معنى المحبة والوفاء
ففي أيامي الفائتة كنتُ ألجأ إليها بصمت وسكون
ألجأ إليها لنخفف عن بعضنا بالضحك واللهو لعلنا ننسى أحزاننا
ولكن بدونها فالوضع قد يكون خانقا حد الموت
صمتُ وجسدي يرتعش معي
عضضتُ شفتي السفلى أمنع نفسي من البكاء
أحتمل ألم مفارقتها
فهذه حياتها
انسيت أننا قد نفترق في يوما ما , وكل واحدة منا سوف تبني حياتها الخاصة لوحدها
هززتُ رأسي الذي ثقل عليّ
لم أستطع البنس بحرف, فالغصة قد علقت في حلقي وقذفت عينيّ دموعها
رأيتها تحدق بي وهي تمنع نفسها من البكاء , بيدان تمنعان تساقط دموعها على وجنتيها
لم أحتمل الأمر , وهي لم تحتمل ذلك
أجهشنا ببكاءا حارا , حتى تعانقنا فيه وكل واحدة متعلقة بالأخرى
نبكي دموعا تنطق خوفاً من الفراق
اصيح عليها بعبارات قد مزقها ألم حزني وإنهياري في هذه اللحظة
وأنني سأشتاق إليها و سأفتقدها , غرست أصابعها في ظهري وهي تقول : " أمل أني سأفتقدتك جدا , أمل أنني لا أريد الرحيل عنكِ , ولكن هذه هي الحياة , فمكاني الصحيح عند ذياب , يجب عليّ أن أعود إليه , فكفاني ثقلا عليكِ "
هززتُ رأسي وأنا أهب من حضنها , وأقول وقد نشرت دموعي مائها على وجنتيّ : " لا أنتِ لم تثقلي عليّ يوما , أنتِ كنتِ مصدر سعادة لي بتواجدكِ معي , يا رفيقتي الطيبة والرقيقة , ترفه أني أحبكِ كثيرا ولن احب صديقة مثلكِ أبدا "
إرتعشت شفتيها وهي تهز رأسها بنعم , وتقول بصوت حزين :" أنا ايضا أحبك ولن أجد إنسانة مثلكِ , أمل انتِ من انقذني , أنتِ من أعطاني المأوى والراحة , لقد صارعتُ نفسي كثيرا قبل الرضوخ لقراري هذا , لقد كنتُ سعيدة بتواجدي معكِ , فحياتي كانت جميلة معكِ "
صمتت وقد تغلف وجهها بالمرارة الواضحة و تغطت تقاسيمها بالوجع لتكمل بصوت مرتعش : " العودة إلى ذياب قرار نهائي لا رجعة منه , قراري الذي اتخذتهُ بكل قواي العقلية , سامحني يا أمل فأنتِ لم تقصري في حقي أبدا وأنا ممتنة لتواجد صديقة مثلكِ , ولكن الحياة تمضي دائما بخلاف أهوائنا "
لم أبح بالمزيد
فمالِ أريدها لديّ بأنانية ... فالحقيقة أنني خائفة من العودة إلى الوحدة الخرساء
خائفة من الغوص في الأحزان
خائفة من ضميري وضعفي , وخطواتي المتساقطة
ولكن هي تتخذ قرارتها بنفسها وحياتها ملك لها لوحدها
وذياب رجل صالح , رجل ليس لهُ مثيل , ونادر
حتى أنا اعجبت به , وبرجولته وحبه لترفه
فهو يرمي العالم ورائه من أجل محبوبته
وهو صادق ونبيل
وهي الآن تحتاجه لتتخلص من الماضي لعلها بذلك تنسى جروح ماضيها وخدوشه
طفت إبتسامتي الحزينة والمتألمة على شفتيّ , لتبتلع حنجرتي آهاتها
ولأقول بصوت خافت : " عزيزتي أنه قرارا صائباً "
مسحت دموعي المغرقة لوجهي وزدت من إبتسامتي بسعادتي لها , وحبي لها
فهتفتُ وأنا على وشك الغرق في بكائي الذي أقاوم أمواجه المتلاطمة في صدري : " ترفه إني أحترم قراركِ وسعيدة من أجلكِ , ومتأكدة أن ذياب هو الشخص المناسب لكِ , لأنه يحبكِ ويريدكِ , يكفي تضحيتهُ لكِ وانه نادما على الماضي "
بللتُ شفتاي الناشفتان , وابتسمت وأنا أحدق إلى وجهها الذي خلا من التعابير وشرب الشحوب منه حتى ابتلعهُ
مرت الأيام تتراكض وتتسابق وكأنها تودعني
كنّا نتسلى كثيراً بالخروج للتنزه بعد عودتي من العمل
كنّا نسهر مع بعضنا في أوقات العطلات حد التعب
كنّا نتشاجر لأسباب تافهة كما في الماضي , ونضحك بعدها على سخفنا
وكأن الأيام قد ملّت منا لتهرب منا وتسلبنا اللحظات وتبقي على الذكريات
هي ساعات , هي دقائق وتذهب فيها ترفه عني
كانت تقاوم دموعها التي تخفت وراء إبتسامتها
كانت تتكلم وكأنها تود البكاء
كانت متوترة الجسد , وصاخبة المشاعر
فيديها ترتعشان , وجسدها يفقد إتزانه بين فترة وأخرى
هي خائفة فوجهها قد كشف الكثير من الأوجاع وراءه
فهي شفافة جدا
أخافتني حد الرعب فشحوبها مروع وقد بدأ المرض يرسم علاماته عليها
حاولتُ ثنيها عن قرار ذهابها معه , حاولت اقناعها بتأجيل عقد قرانها به إلى أن تستعيد قوتها وصحتها.
ولكنها رفضت رفضاً قاطعاً , وأصرت على الذهاب معه الليلة وإتمام كل شيء
ذهبت ترفه عني بعد وداعا حار استمر لدقائق طويلة
احتضن جنباته عناق حار شهق بدموعنا
حثثتُ خطاي المتعبة بعد يومي الحافل بالتوتر والدموع إلى أريكة تحتضن جسدي واوجاعه المتفشية فيه
تدثرتُ بوشاح الاختناق , أختبأت تحت فراش حزني
هي رحلت عني الآن وتركتني وحيدة أثرثر مع أشباحي المكتئبة
أسقي ريقي من ماء مالح
أنام قريرة العين لا ينازع أحدا وحدتي , ولا يعبث بفراشي أحد
ألتحف بغشاء دموعي , أصارع ذكرياتي المريرة
وارتطم بواقعي المليء بالحفر
كنت بالأمس معها , وها أنا الآن أعيد صفحات فصولي القبيحة التي كنتُ أتناساها
كنتُ بالأمس معها أنسى عثراتي , وقبح أيامي الماضية
ولكن الآن سيعاد شريطها على أنغام مسرح دماغي
ستباح جرائمه على الطريق , سأستنشق أنا غبار طلع ما نفذتهُ نفسي
سأنخرط في لوعة فقدانها وأحزاني
وسترفرف أنفاسي حولي لتطلب مني الرحيل
وتجعلني في وحدتي الجرداء , وحيدة كسابق عهدي , وحيدة بين جدراني الصماء .
نهاية المعانقة الرابعة عشر