كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
بسمْ الله وعلى بركَتهِ
الجلسَةْ
(4)
و الأخيرة
ووَقفْتُ ضِدَّ مَشاعِرِكْ
ووَقَفْتِ ضِدِّي
وقَبِلْتُ مِن بابِ التَّحَدَّي
لكنَّني في أَوْجِ عِندي
عِندي ..
سُؤالٌ حائِرٌ
مَنْ أنتِ ..
بَعدي ؟!
عبد العزيز جويدة
؛
لم يتزحزح عن موضعه من امام باب المنزل الخارجي ، منذ أن أبصر تلك السيارة المتوقفة على بعد اربعة منازل عنهم ، نظرته الثاقبة ظلت تحدج الرجلين بـ شراسة ، لم يحتاج لنباهة قصوى لمعرفة انهم من تباع قاسم ، الكلب !
تواردت لذهنه الكثير من الافكار ، تأجج بصدره غضب الامس ، لتأتيه اليوم فرصة من قطمير ، فيفرغ بـ فكها لكماته !
لوهلة سمح لشيطانه ان يهب ، فيقوده حيث هما ، دون التفكر بعواقب قد تتعاظم بعد ان تغيب سكرة الثورة الغاضبة ، و تحل الفكرة المنطقية ، بخطى تعرج بـ خفة ترجل من سيارته متوجها ناحيتهما ، حاجباه يلتصقان ، و ملامحه تتصلب بوجوم مرعب ،
يلمح الاستنفار الذي طفى على سطح وجهيهما قبيل ان يصل ، الاقرب نحوه فتح الباب بنية الترجل ، ليقف قربه ، و بيمينه يدفع بـ قمة الباب حتى اغلق متمتما بخشونة ' إستريح ' ، إنحنى قليلا ، محدثا إياهما من النافذة المفتوحة ، و الشر ينعكس بالمقلتين
: خير اخوان ؟ خوما محتاجين شي ؟
رجال قاسم ، عصاه التي لا تعصاه ، تربية سواعده .. اللزجة بدماء من قتل بغير ذي ذنب ، الاقرب له اول من تحدث ، برتابة .. متماسكة : خير ان شاء الله ، دننتظر صاحبنا ، إنتة خير اخوية .. خوما مضوجيك بوقفتنا
اضافته الاخيرة تقلدت الهزل ، ليأتيه رد الاخر حازما ، مستشاطا بقهره العاري ، قبضتاه على طرف النافذة تشتدان حتى شعر بألم مفاصلهما
: روحوا بابا لعبوا بعيد ، و قولوا للي دزكم الي يمي ' مالتي' ، فليحااول يتعدى على املاكي بعد ، يدري بية سااكت ، بس اذا هجت اشوفه نجوم الظهر
لم يهتم لمقدار الجمود الذي حط على نظراتهم ، و حركات العضلات ، بل اكمل بذات السخرية مستقيما بجسده ، ليضرب سقف السيارة ، بحنق نجح في تكميم فاه الهذر
: يللا يابة .. توكلوا
البعيد ترجل جزئيا من محله ، ليظل ممسكا ببابه المفتوح ، فيحاكيه بنبرة جامدة ، لا تشوبها من التوتر نصف شائبة
: اخوية فهمني شنو قصتك ؟ هذا البيت الواقفين يمه بيتك ؟ انتة شدخلك بوقفتنا
: أقلك يابة ، مو غشيم واقف قدامك ، ترة انتة واقف بمنطقتي ، تليفون واحد ينلمون عليكم شباب الفرع كله ، و ليش شباب الفرع ، الحرس موجودين براس الشارع ، ندز عليهم يفتهمون منكم قصة هالوقفة ، و قصة الي دازكم
ليترجل الاخر ، قائلا بملل : يااابة شجلللبت ' ألححت ' دازكم و دازكم ، محد دازنا ، قلناالك جايين على صاحبنا ، شبيك صدق كذب ما عندك شغل و عمل جاي براسنا تضيع وكت
: إحترررم نفسك جللللب قااسم
: هي هي هي انتة الي احترم نفسك ، صدق مـ
ليبتر فتيل الإشتعال الأخر ، البعيد نسبيا عنهما : نااااار ، البيييت ديطلع نااار هاي شكوو
إلتفت تلقائيا حيث صوبت نظرات احدهما ، و كأن ظهره صعق بـ ممسك كهربائي بث فيه رجفة هزت كيانه ، شتت روحه ، تفجير عظيم مزق خلايا الوعي به ، ليظل ساكنا متسمرا ، مبحلق البصر بـ تلك السحابة الدخانية التي لم يكن لها اصل سوى منزله ، و قليل من لهب راح يتراقص بـ حركات افعى هندية ، متمرسة على عزف الشياطين !
لا يدري هل مر من الوقت اطوله و هو جامد محله ، يكاد يختنق بصدمته ، و غصة الرعب به .. هوى قلبه في جرف من يحموم ، ليستفيق فجأة ، و كأن هنالك من ضرب مؤخرة رأسه ، بـ قضيب من نار !!
إنحنى رعبا ليلتقط قلبه الهاوي ، فيقبض عليه بكلتا يديه ، متحركا بـ جنون خطوات يسوقها الرعب الاعظم متوجها حيث منزله ، ليجد انه يتسابق مع الرجلين ، فيستحق الميدالية الذهبية ، رغم مابه من اعاقة !! ، لهاثه علا و صدره اخذ بالانقباض قاذفا ما يحويه بغير ذي شعور ، اخفق بحبس سعاله ، فموقع الحدث لم يكن سوى بؤرة للسموم الدخانية ، صار يعافر كـ قطة سلبوا صغارها ، ليكاد يغرس انيابه بجسده ، و يمزق بـ مخالبه الخنجرية جلده ، و يل لقلبه كيف تركها
ماذا لو اصابها مكروه ؟ أ سيتمكن من لفظ أنفاس الحياة كـ ما اضطر رفيقه ، و اصطبر ؟!
أصابه رعبا غطى على كل مشاعره ما بدى منها و ما بطن ، فصار يقوده بـ سرعة اكبر ، حاشرا انفاسه في جوف القلق ، المنتحب ، لحظات هي مرت ليكتشف ان المطبخ هو أصل ما اضرم من نيران ، و ما سيكون غيره !
بـ ارتعادة نبض اضحت يداه تقلب الجيوب بحثا عن مفتاح اضافي لباب الصالة الخارجية ، رغم علمه بإستحالة وجوده ، فكل مفاتيح المنزل بسلسلة واحدة ، ظلت معلقة في باب المطبخ من الداخل .. ارتعشت روحه تبكي خوفها من حلول مصيبة ، ليترك ما دونه و ما به ، لا تسكنه سوى صوره واحدة ، تتدلى ببروازها بعد ان خلع مسمارا يثبت اياها فوق جدار الفؤاد ، تلك التي كان له معها جلسات سمر لا تنتهي حتى اطراف الغسق .. بل و ما بعدها
انقض على الباب الزجاجي للمطبخ ، ضاربا اياه بجنبه و اليدين ، محاولا بفشل أن يحطم التكوين الحديدي له ، صائحا بهادر الصوت ، و النبض ' جلنااااااار ، جلنااااار وييييينج ' و لكن لا من مجيب ، تفنن الشيطان برسم ابشع الصور ، و اكثرها صفعا للذهن ، تاركا للهذيان دوره الاعظم هنا
صوت الرجلين من حوله آرق رعبه اكثر و همهماتهما المرتعدة مزقت وشائج صبره ، حاولا ان يتناوبا معه تمزيق اذرعهم لفك الباب دون ادنى نفع !
و بلحظة وعي انتبه لقنينة الغاز المملوءة ، بسرعة البرق تحرك نحوها احد الغريبين ليفصلها ، فينقذ الجمع من انفجار محتم كان سيطير اجزاءهم على اسطح الحي .. رماها بأبعد نقطة في الحديقة ، ليزأر الهائج بدمه و نيران منزله المتغذية على روحه المحبوسة في الداخل ، صائحا بكل ما له من حنجرة !
: لك جيبهاااا ، خلي نكسر بيها البااااااب ، تحركوووووا سووووا شيييي ، جيبووووا القنييييينة
لم ينصت له احدهما ، بل تحركا و كل له نية صائبة ، أما هو فظل يحتضر بـ رعبه ، ضاربا الباب بجنون ، تاركا فؤاده يقع من بين يديه ليدهسه بقدماه ، مناديا إياها بـ كل خلجة شعور ، و إحساس بعظيم مصاب قد يدركه دونها
لا يا الله ، أتوسلك ، لا تريني بها مكروها كهذا ، لا تريني بها اي مكروه ، أعترف بأن لي عضلة قلب مترهلة عندما يعنيها الامر ، ترهلت لـ شدة ما قاسته و انت اعلم بها ، فـ لا تفجعني هذه المرة بما ترهل ، ليس لي يد في انفصالي عن واقعي إن فقدت خيط الوصل ، يا رب .. لا تذبحني بها ، و تنتقم لها مني ، بها
فـ هي أهم ما في عمري و أنت تعلم يا علام الغيوب ، هي اصطباري على كل وجع ذقته بسببها ، فلا تختم اوجاعها بـ إغماد سيف بخاصرتي ، و حشره حتى يلاقي له مخرجا من الجسد المثقل بالطعون
لم تدم وحدته مع ارهاب الموت سوى لحظات ، ليظهر الرجلان مرة اخرى ، و كل منهما يحمل ' مطفأة الحريق ' الخاصة بالسيارات ، لينشرح وجه رعبه لوهلة ، فينقض بوحشية على احداهما ، مستخدما إياها لضرب زجاج الباب ، و لم يكد ينوي ان يعيد الكرة حتى رآى الهشيم يتناثر ، ليرمي بما في يده ، فيتلقفها من اتى بها ، و بعجل مد ذراعه من الفتحة المسننة الأطراف ، بسرعة مجنونة ثائرة ، مزقت جلد ساعده شر تمزيق ، تأوه أولا بتلقائية ، ليكمم بعدها اي صوت اخر سوى صوت النبض الصارخ بـ ' جلنااااااار '
لم يهنئ بـ إجابة ، تحركت يده بتمرس منتزعا السلسلة المعلقة في قفل الباب من الداخل ، ليديرها مرة و اثنتين حتى شرع امامه ، فترحب به و من خلفه الكومة الدخانية ، ليدبر الثلاثة خطوة مختنقة ، بقيادة السعال
: رضوااان إنطيني المفتاااح نفتح الباب الثاانية
دا اسمممع صوتهاا هناااكة دتصييح
صرخة احد العقلاء ادركته ، و لكنه لم يسمعها بذهنه المذهول ، كل اعصابه طالتها السنة اللهب و خنقتها الابخرة المحترقة ، فما عاد به شئ يفكر ، شعر بسواعد قوية تنهيه عن الغوص في بحر الجحيم ، فتنحشر خطواته عند العتبة ، تلك الفاصلة بين ' نار و نار ' ، ليقترب احدهما و المسمى بـ ' رضوان '
ليفعلها و ينتشل المفتاح من محله ، تشيعه نظرات الاخر ، القابض بقوة على ذراعي ' المخبول ' ، الذي هدأ لبرهة فترتخي قبضته لا اردايا ، فينفلت الاخر منه بـ سرعة ، صارخا بموت هب ريحه
: لج جلناااااااار
اخترق المحظور من الأرض ، لم تكن الالسنة قد التهمت الكثير ، و هو لم يكن سوى وجبة دسمة لها ، لتشمر على سواعدها ، فيندلق لعابها بإشتهاء للوليمة الحمقاء !
تخبط هنا و هناك ، فتارة يرتطم بقدم مقعد ، و اخرى بـ الثلاجة حتى انتهى به الامر يبحث عن شيئا مفقودا ، صوته بح لشدة الصراخ ، و ابتلاعه كما عظيما من الابخرة ، دارت به دنياه ، و نهب الدخان صدره المتعب بسبب ما اعتاده من تبغ .. لم يتوقف عن السعال ، و لم يهتدي لنتيجة ، حتى انتهى به الامر عند الباب الاخر للمطبخ و المؤدي لداخل المنزل ، متصلا بالرواق ، لقد كان مغلقا
بجنون تمكن منه صار يتدافع بالمكان مع الهلع و الرعب ، يقلب انظاره من حوله ، رافعا قميصه ليكمم به فمه ، و معه صوته المردد اسمها دون كلل او ملل ، توسعت احداقه فجأة ، ما ان لمح بقايا شئ طرفه السليم اخبره بأنه حتى دقائق مضت كان لها خمارا !
دون وعي منه راح يقترب من اللهب المتغذي على الستارة ، و المتطاول على ما حوله دون جدوى ، فـ لم يجد من الاجساد الصلدة ما يشبع جوعه ، لكن الوجبة الفاخرة ذات العقل الصدئ هي من قررت أن تدنو منه ، صارخة بـ : جلناااااار
: عليييييييييييييي
ان يعصف صوتها ' حيا ' اسماع الفؤاد جل ما انتظره بهذه الدقائق ، صار يلتفت بإنهاك بحثا عن طيفها ، ليعتصره ، تمكن الدخان منه ، و راح يترنح بـ دواره و هو يستمر بتنقيبه عن اللا موجود ، فيشهق انفاسا ملوثة ، لم يتمالك قوته ، و كاد ان يخر أرضا لولا أن لمحها خلف عتبة المطبخ ، من حيث اتى ، يربطها ارضا ذلك الـ ' رضوان ' ماسكا ذراعيها بقوة من دبر ، تشوشت رؤيته لـ ملامحها ، فلم يعلم إن أخرجت سليمة ام مصابة ، و لو كانت سليمة لم لم تتوقف صرخاتها المنادية إياه ؟
عكف على سعاله الحاد ، شاهقا بين فينة و اخرى كتلة من تلوث ، ليتحرك هذه المرة مدبرا من حيث جاء ، بخطى بطيئة ، حذرة قدر استطاعتها ، فالنوافذ تكاد تنفجر لشدة الحرارة التي تشويها ، تلك الحرارة المتناولة للستارة ، بنهم !
ما ان بات مترا هو الفاصل بينه و اياهم ، حتى تقدمت له يد العون من ' رفيق رضوان ' ، من عاركه منذ دقائق ليست إلا ، من همزه بـ كلب قاسم
إنطلقت قدماه به مبتعدا بخطوات عن الجمع ، ليسعل بقوة اكبر ، شاهقا هواء بتلويث اقل هذه المرة ، قاذفا بقايا اسوداد بـ ما احتقن بـ قصيباته لـ فترة ، مميلا بجسده قليلا ، ليستند بكفه على ركبته اليسار ، و اليمين ' بدماءها المنهمرة ' تدلك صدره خشية أملاق انفاس .. ثم إختناق ، فـ موت ، لأجل غبية ، تافهة ، ضعيفة شخصية ، و الآن إيمان !
: علييي ،، علييي تسمعني ؟ الله يخليك بس جاوبني شوية ، تقدر تتنفس ؟ و الله اسفة بس ..... بس ما ادري شصار بية ، كله من ورة ابوية ... كله من ورة الحجي الحجاه خبلني ، بدون وعي سويت السويته ، بس والله بسرعة عرفت غلطتي ، ركضت ......
جمد الكون ، و معه الذهن .. ظل راكعا ، مصدوما ، شهقة النار التي صارعها ، بفكيه و المخالب ، اضرمت بيديها ، مع سبق إصرار .... و جنون !
أرادت إحراق نفسها ، ارادت الجحيم الدنيوي و ..... يا إلهي ... أرادت الإنتحار
صفعة آلمت يده قبل خدها ، يده الممزقة بسببها ، بسبب ضعفها للشيطان هذه المرة ، و كأن ضعفا بات رفيقها مع البشر لم تكتف به رفيقا !
شهقتها المرتاعة ، و صراخ الرجلين ، المنهمكين بـ إطفاء ' شبه الحريق ذاك ' تداخل معا ، ليترك رجلا قاسم عملهما ، فيقفان كسد منيع بوجه إنهمار ثورته أحدهما دفعه بقبضتين ليوشك على تهشيم اضلاعه ، و الأخر تقدمها بهيئته الضخمة ، و بـ ملامح مكفهرة ، مرعبة
: امشي فوووتي جوووووة ، يلللااااا
: وييين تفوت جوة تخبببلت ؟؟
: محد منكم يتدخل
ليكرر فحيحه المتواري خلف جلد ثعبان ، تنتظر اللحظة المناسبة للدغ ، من محجر المقل !
: إمشي جوة بسرعة
هذه المرة عارضه من يقف امامه ، يوازيه طولا ، و يتفوق عليه ضخامة ، ليهدد بـ صريح العبارة : احتررم نفسك و اعرف وية منو تحجي ، تدري ابوها مستعد يسوييك فحمة ، مثل مجاان لازم نبقيك جوة ، و نخلص
: أكل *** ، و وخر من قدامي
ليرتفع صوته دون ادنى اهتمام بإمكانية تسلل صراخه لأذان الحيطان ، و من ثم تتناقلها السنة الجيران : جلناااار فوتي جووة لا و الله العلي العظيم هسة افوتج للمطبخ و اخليج تذوقيين طعم الحرررق الي عجبج تجربيه ، بسرررعة
سكن الرجلان بصدمة اعترتهما سويا ، ليتبادلا نظرات الذهول ، بركازة ، لمحا تقهقرها بـ خطوات باكية ، مشيعة بالعويل لتعود من حيث اخرجاها ، فتنزوي مرعوبة في صالة المنزل
بهدوء ، و بما املاه عليهما الضمير ، إنحسر وجودهما على اطفاء النار ، بـ المياه .. فالحريق لم يصل الاسلاك الكهربائية و يمسسها ، تركاه بمفرده ، يعافر و يصارع رغبة سكنته ليتبع حذو خطواتها ، فيتخلص من كومة مصائبها بـ خنقها باليدين ؛ لن يكون الامر عسيرا ، و طويلا
فهي بضعف تبناها و اتخذته خليلا ستنهار منذ البداية ، و تريحه ، حتى هذه اللحظة لم يستوعب ما حدث ، و كيفية خروجها سالمة إن كانت قد قررت الموت مضرمة نيران عيون الموقد ، و مقدمة له طرف الستارة ليبتلعها ، لربما هالها المنظر ، و هوى عقلها في بقيع الرعب صريعا ، لتهرب كأرنبة جبانة ، فتطلب العون من ' نفسها ' هناك
يمشط الارض ذهابا و نصف اياب ، بخطى ثقيلة ، غاضبة ، بل و مشتعلة .. تكاد شماله تقتلع شعره من بويصلاته ، تجاوزت كل الخطوط ، و حطمت جدران الحدود ، راهنت بـ دينها و جسدها فـ أهلها ،
بلحظة استسلمت لتنسى ابنتها ، ما الذي وقع به ؟ ألم يجد غيرها ليبيع لها القلب بذلك الثمن البخس ؟ تبت يدا باعت ، و اخرى اشترت ، تعسا له و لها ، من استحلت صفة الغباء و اتقنت التفنن بـ أوجهه البشعة
ابصر ، من لم يعرف عنه الا انه ' رفيق رضوان ' كلب حراسة لقاسم ، و أهله ، المجانين ، يتقدم نحوه برتابة ، مثبتا هاتفه على صيوانه ، و نظراته يشوبها التوتر ، و صوته الوجل !
ما ان دنى حتى لم يعد بإمكانه ان يدنو اكثر توقف ، ' حاضر سيدي ' ، نطق بها ، ليمد بعد ذلك المحمول نحوه ، بصمت اخرس متوتر ، لم يحرك شماله مباشرة ، ظل متسمر النظرات على الجهاز الحديث ، و باله شرد مع ما صرحت به ، من يتصل الان ، ليطمئن على خراب مالطة ، هو من اشعل فتيلها منذ دقائق !
: يريـد يحجي وية ... بتـ ـ
لم يدعه يكمل ، بل رفع الهاتف فثبته بشماله ، ليصرخ بعالي الصوت ، و النبض دون ان يسمع من الاخر لحظة همس !
: لك قااااسم الكلللب ، بتتتك الي ذااابح رووحك علمودها و خبلتهاااا من ضييمك انتحررت ، حرررقت نفسهاا من ورااك تعرف شنو يعني من وراااك ؟ مااتت هاهييية ، و بعد ما الك شي عندي
عووفنا بحالنا دخيل رببك الي رايح لبيته دتحج ، لا قسما بالله العظييم و هاي اخرر مرة احلفلك بيها رح اني بيدي احرقها هالمرة ، إتقي ربببك و خليهاا تربي بتهاا ، إتقي ربــك و عوفهااا بحالهاا ، تبقى على رااس بتها الي حرمتها منها سنين
قااسم نصيحة عدوو ، إسجد لربك و توسله يساامحك ، سواياتك مو قليلة ، و مثل مقتلك ، إعتبرها ماتت ... حرقت نفسهااا ، من الله يااااااخذك و يخلصناااا منك و من شرررك
ليدوي صوت ارتطام الهاتف بأحد الجدران ، فيرتد اشلاءا متهشمة ، تحت انظار مالكه ، المذهول !
هذه المرة خطاه كانت كـ حاف فوق جمر ، يبتلع الجمر ، و يحمل بيديه دلو جمر ، بـ جدية صارمة علق ، متوجها ناحية المطبخ : يللا طلعوا ، و بعد ريحة قاسم الزفرة ما اريد اشتمها
و كأنه لم يبقي بين يديه من تملك ريحته ، و دمه !
بقوة ، عنيفة أغلق الباب الممرغ بكتل دموية خفيفة ، و المتلون بإسوداد الفحم ، ذو الزجاج المهشم .. لينقل بصره حيث من يقفان كأبلهين ، بل العكس .. كـ ناصحين يعلمان ما ينتظر إبنة رئيسهما .. يلصقان اقدامهما ارضا ، دون النبس بما يشعل مرجل غضبه اكثر
وقف هذه المرة مقابلا اياهما ، لينطق بـ صرير : أكو شي بعد ؟ شمنتظرييين ؟ يللا ولووا منااا
: منطلع بدون جلنـ ـ ـ
: مووو هوة بكييف الخلفووك ، هاية مرتي ، و إن شاء الله احرقها محد بيكم يقدر يحجي حجاية .. يللا برة لا والله العلي العظيم هسة اسويلكم مصيبة و اقول انتو الي حرقتوا البيت ، و بيه أني و مرتي .. الي طبعاا رح تشهد وياية .. و غصبا ما عليها ، والجوارين هم الحمدلله محد شاف شي لحد الآن
لحظ توتر نظرات تبادلاها ، ليصرخ ببحة لم تفارقه منذ ان تناولت رئتاه الكومة الدخانية التي ستغنيه لعام عن استنشاق عبق سيجارة !
: يللااا عاااد ، و خابرووا الجلب ابن الجلب و احجوله الي صار ، حتى يعرف لوين وصل بته
ظل واقفا محله ، حتى ابتعدا ، و احدهما يلملم بقايا هاتفه ، ما إن اغلقا الباب دونه ، حتى عاد مدبرا لداخل المنزل ، ليدلف من باب الصالة ، دون ان يستدير دفع به بعنف جلجل اطرافه ، و قلب تلك المعتكفة على الاريكة ، متكورة على نفسها ، هازة جسدها ذي الامام و ذي الخلف ، و همهمات تنطلق منها كـ ' مريض نفسي ' !
لم يترك للرأفة محلا في قلبه ، تحرك صوبها يواري فضيحة ستر فؤاده الذي لطخ بـ فحم اشعلته اناملها ، المخدشة .. بعنف ' انب ذاته عليه لاحقا ' جرها من زندها ، لتفز بإنتصاب جسدها فتكاد تقع لولا أن امسكها بقسوة كادت معها ان تحفر اثرها على عظام زنديها هذه المرة ، و كأن الفكين و العنق الطويل لم يكفوه !
: آآه عليـ ـ
إبتلعت حروفها ، و ما تبقى من انفاسها لتركض خلف خطواته ، لاهثة ، مرتعبة من العقاب .. عقاب زوجها ، فكيف بالرب العظيم الذي تناست اوامره بلحظة ضعف حقيرة ؟
لم يهتم لـ تعثرها ، و لا لـ صوت انينها ، فلم يعد يجدي شئ ، لا شئ بعد الآن سيقف بصفها ، فحتى القلب ضاع منه و احترق في ذلك الوكر المشتعل ، إحترق دون ان يجد رماده ، فيكرمه بالدفن !
ظل يجرجرها حتى وصلا الباب المؤدي للمطبخ ، ليفتحه بقوة ، متيقنا بأنها هي الجبانة من فرت من الإحتراق بعد أن شهدته ، مؤصدة الباب على فعلتها ، منتظرة معجزة إلهية تنقذها و بقية المنزل
إرتد خطوة لا تكاد ترى اثر الاعصار الدخاني الراكد الذي هاجمهما ، ليكح بعنف ، و هي كادت أن تختنق بـ سعالها و العطاس ، فالدموع لم تترك لها مجالا لتتنفس منه ، صارت تستقتل لتفك قيد قبضته الشديدة ، و كأنها علمت بأن القادم سيدون ضمن ذكريات السوء
شحب وجهها ' الملطخ بدمه و دمعها ' فـ خفق القلب مرعوبا ، لترى ما حل بالمطبخ الذي لـ دقائق سلفت كان ينضج بـ الرقي ، أبيض يتبادل مع الأسود مربعاته .. كل ما تراه هو بقايا غبار فحمي ، أكل ' الابيض قبل الاسود ' ، إختنقت انفاسها و ظلت تعافر من اجل الأوكسجين ، رفعت كفا " تشتعل " فقط لكونها حرة ، فالأخرى تكاد تصير هلاما من المرفق ، حيث فك التمساح تغرس فوق جلدها فتصل اللحم
هب قلبها قافزا ، منتفضا ، مرتعدا لتقذف بكفها بعيدا عن وجهها ، نافخة على بشرتها بسرعة ، و الوجع ادرك كل اعصابها لتستنفر
: آيييي
قاوم رغبة الالتفات حدو تأوهها ، ببسالة ، و لكن بعد حين شعر بلهاثها يزيد ، و شهيقها يعلو ، ليستدير مقابلا اياها ، تكاد تندمج معه ، احداقه تسمرت على ما حل بكفها من تشوه ، غيم البصر بـ ماء حار ، قهر قهر قهر يأكله ، ان يراها بأتعس حالة من يأس قد تتمكن من قلب مؤمن لهو امر جلل ، موجع بحق !
لا يدري أ وجوده هنا قرب رماد ما احترق ، و إستنشاقه للبقايا قد انبت بداخله بذرة الأصل ، لينمو زرعه سريعا ، فيعود الاخرق متعافيا متكاملا يطالب بحقه في الدفاع عن موكلته .. ذات العقل المشوش ، متخذا من حالتها النفسية الحرجة سببا لإبعادها عن العقاب الدستوري ، فاتحا لها ملفا في المصحة ... النفسية !
حرر مرفقها على حين غفلة ، ليقول بنبرة تحشرجت بأنفاس الدخان ، مشيرا بـ بصره لإحدى النواحي : ما اقلج غير ... إنتقمتي لنفسج و لأهلج كلهم من شفت ربطتج ' خمارك ' ...
جرت نظرها المنصب على يده الجريحة ، لتحط على بقايا خمار ، فترفع يدها السليمة بلا وعي حيث رأسها ، فتكتشف أنها خرجت امام الرجلين هكذا ، احتقن فؤادها بدمه ، و هي تستشعر خطواته المدبرة حيث اتى بها ، لتتوسع احداقها فجأة مستوعبة ما يفعله
جرت خلفه متعثرة بالفزع ، صرخت بصوت لا يكاد يسمع لـ شدة الاختناق : علي لااا ، حختنق ما اقدررر اتنفس
: مو ردتي تنتحرين ؟ إنتحري على راحتج هنا ، و روحي لربج عود و هوة يجازيج
و عند عتبة الباب وقف ، موليا إياها ظهره ، ليشد على اسنانه بقهر ، فينطلق اللسان فيسكب فولاذه المنصهر على طبلتيها
: سمعيني ، إذا طلعتي من المطبخ بدون ما اني اطلعج إعتبري نفسج طااااالق ، إبقي هنا ... و راجعي نفسج ، لإن اني و بتي بغنى عن وحدة مثلج ... ما اريد بتي تتعقد وهية تشووف امها بهالوضع ،
أحمدي ربج هية مو هنا ، و لا والله العظيم يا جلنار جان مردني عن طلاقج غير الموت
.
.
.
نصبت لهم كمينا ، ليقعوا لها عاشقين !
تجلس على الأريكة ملصقة ساقيها سويا ، اليدان تحتضنان الكائن الهلامي الضئيل بجهد جهيد ، و بمساعدة تامة من والده ، تميل نحوه لتقبل خديه ذات اليمين و ذات الشمال ، و بقوة يعبس لها الوجه الصغير ، مهمهمة بكلمات إعجاب لذيذ ، و الملامح البشوشة تكاد تماثل فاكهة صيف طرية
ترفع رأسها لتقابل الاعين المتابعة حركاتها الشقية بإهتمام ، تستنطق قلوبهم حبا وهي تردد كل ذي حين : هازااا إبن عمتي ؟
هازاا الطفل إسمه نوور ؟
إسمه جميييل
ما زال صغيرا جدا
و لا تنسى السؤال الأكثر ترديدا على فمها حبة الفراولة الناضجة : هل هو يحبني ؟
ليسخر عمر بـ ضحكات صاخبة ، مؤكدا أن الصغيرة لا تملك بذرة من الثقة بالذات الأثيرة الخاصة بآل صفاء ، فتعترض زوجته مهددة إياه ، و متوعدة بأن هذا التردد سيتغير تحت اشرافها بإذن الله ، و بعد وقت قصير
: عمر ، مخابرك علي ؟؟
قبيل أن يرد على والدته شمخت ببصرها نحو " العم عومار " ، لتقول بتكشيرة مفكرة : عليي ابي ألييس كزااالك ؟؟
كبت ضحكته محاولا الإكتفاء ببسمة ضيقة ، ليجيبها بـ تودد : إي حبيبتي علي أبوج ، زين امج منو ؟
فتنحني بظهرها مقبلة الصغيرة للمرة المائة بعد الألف ، ثم ترفع بذقنها نحو عمر ، فتحاكيه بطريقتها المميزة بإظهار انغماسها في التفكير : أمي اسمها سوسن ، و لكن بابا علي يقول أن جوج هي امي ، لست متأكدة
اتساع حدقتيه اخافها للحظات ، قبل أن ترتاح لسماع الضحكة الصاخبة التي انطلقت من حنجرته الخشنة ، و هو يعتدل قليلا ليضمن سلامة طفله من يد المحتلة الشقراء ، و كومتها الصوفية !
: ســدكة لله شقد تخبببل بت اخويييية
جوودة حيااتي ، تعاالي يم عمة دا اقلج فد شي
: مازاا تريدين عمتي ؟ انا مشغولة في تنويم الطفل
امتزجت ضحكاتهم ، لتضيف الحنون على جملتها بـ جدية مفتعلة : صدق لين ماما شتريدين من البنية ، دتنيم الولد و تعباانة
و كأن " الولد " قد سمع سخريتهم ، و ظن اثما انه المقصود ، ليستفرغ ما في معدته العصفورية من حليب ، على حضن الجود ، عقابا !!
إنصعقت لمرآى السائل و رائحته ، لتصرخ باكية بجبن لا يليق بسلاطة لسانها الذي لم يفتأ أن يذهلهم
بعجل تحرك كل من عمر و اللين ، إذ رفع عمر الصغير بسرعة حفاظا على سلامته قبل أن تركله المشاكسة ، لتصل اللين حيث هما ، فترفع ابنة اخيها مسرعة مهدهدة إياها بهلع
: إششش حبيبتي ليش هالفززة ، ماكوو شي والله ماكو شي امشي نغسل حبييبتي انتي
لتضيف محدثة عمر : حبيبي فدوة لعمرك جيب نور وراية خلي اغسله
: لين يوم على كيفج ، لتستعجلين لتوقعيين امي
كانت الكفاح من أنب بها العجلة المتوترة ، لتحاول طمئنتها بـ : إن شاء الله ماما ، هاي على كيفي دا امشي لتخافين
فتحركت بعدها بالمنتحبة نحو الحمام ، أنزلتها ارضا مجعدة الملامح لما هاجمها من الم ، حاولت بجهد ان تواريه عن انظار المحب ، فنجحت .. ببطئ و اهتمام خلعت من على الصغيرة تنورتها القصيرة و البلوزة عديمة الاكمام ، لتغسل لها يدها و من ثم تحاكي عمر : عمورتي حبااب انتة غسل لنور ، بت علي افندي لازم ابدللها الحفاضة ، شورطني و جبتها !
لم يكن بإنتظار طلبها الروتيني ، فكان قد فعل بإستخدام حنفية المغطس ، معلقا بسخرية : و منين تجيبين حفاضة ؟ لتقولييلي اروح للأسواق ، معلييية
: لا حبيبي منريييد ، ملك ناسية يمنة جنطة بتها و بيها كلشي حفاضات و هدوم ، رح نحتلها احتلال
تحرك بصغيره ليجد الحنون تقف خارجا ، تنتظر قدومه و نبضها فتستلمه منه بـ ترحيب مزين بالمحبة ،
اما من " تورطت " بإبنة أبيها ، فـ قررت الخوض بحوار مهم مع الفرد الصفائي الجديد ،
: إي جوودة حبيبتي خلي نسولف شوية ، بالبيت منو يغسلج ؟
: جوج
: و منو يوكلج ؟
: أيزااا جووج
: و وين تنامين ؟
: بالكرب من جووج
: شووفي حبيبتي ، يعني جوج امج ، مامااا ، لأن بس الماما تغسل الطفل و توكله ، و تنيمه يمها
: إنتي ماماة نور ؟
: اي حبيبتي
: وووع نوور ، قززر و وغــد
لتصلهما نبرة متذمرة لمن ارتدى زي الدفاع في القضية : لج ابوج الووغد ، لتحجيين على ابني
.
.
.
الحب يشفي كل جرح عاصف ، فالجذر يحمل اثقل الاغصان
اغصاننا كم قطعت و تكسرت ، لكنها عادت بزهر ثاني
فأنا و أنت كـ بلبلين تآلفا ، و تحالفا في السعد و الاحزان
انا بيت قلبك في الفصول جميعها ، يا منزلي و وسادتي و اماني
فعلى يدي أعدت روحك طفلة ، و على يديك قد إنتهى حرماني
أنا لم اصادف توأمين كـ قلوبنا ، من حضرموت الى ربا لبنان
كريم العراقي
على درجات السلم يجلس ، ظهره يستند على الجدار المحاذي للدرجات المتصلة ببعضها البعض ، و ساقاه تنفرجان ، فـ أحداهما تظل قابعة بالقرب ، بينما الأخرى تهبط درجتين ، مرفق يساره يستند على الدرجة الاعلى ، و اصابعه الخشنة تنفرد لتغطي الوجه المحمر ، قلبه يرتج بين ما يجاوره من الاعضاء ، ذات اليمين و ذات الشمال ، و فوقا فـ تحت ، لا يكاد يهدأ رغم ترهله ، و كأنه لـ صبي في السادسة عشر .. أيقن بأن رهبة الموت ، تميت هلعا .. بسالف السنين عكف واثقا بأن إبنة قاسم عبثت بـ أزرار القلب حتى برمجته على ما تشتهيه ، و ترغبه ، و علم بأنه إرتضى ما فعلت ، مؤمنا بقضاء ربه .. لكن اليوم و لدقائق مضت إكتشف عظمة تلك البرمجة ، و العظيم الله
كاد أن يفقد صوابه ، إن لم يكن قد فقده كليا و إنتهى ، ثوان هي اقحمته في دهاليز الرعب ، الغبية عاقبت فؤاده شر عقاب ، ألا تعلم بأنها اكتسبت وزرا عظيما بفعلتها ؟ فهـي نقبت في اعماق صدر ملكوم ، فاقد للكثير .. هددته بـ فقدان نبضه الأول ،
أوجعته ... و ربكم اوجعته و إنتقمت لنفسها منه ، تبت يدها التي تفننت بـ التحديث ، و تب عقلا اتقن اختيار رمزا محكم السرية لبرنامجه ، إذ مرت من الاعوام ستا و حتى الآن لم يتمكن من تغيير النظام ، حسب ما يشتهيه الواقع !
يصله من وراء باب يحجبها عنه صوت سعالها ، و الشهقات تحذره بألا يغوص أكثر في يم السخط ، كان التماسك ذا عسرة و مشقة ، فحتى هذه اللحظة لم يكف الفؤاد عن الهلع ، شاخ قلبه .. شاخ دون موت عن عمر يناهز المائة نبضة ، يشعر بـ عقله يعتكف بـ محراب الوجل ، ما زالت الصدمة تغشيه بجلبابها الساتر ، تخفي ما تعرى من جنون !
لا يدري كم من وقت مر و هو رابض بذات البقعة ، متناسيا امر عقابها ، بل كان ضمورا في قوة عضلاته من اجبره على التخاذل محله ، دفعه لأن يلتزم السكون حيثما يكون بالرغم من ان فخذه تشنجت لأكثر من مرة متوسلة إياه الرفق و العدول عن تعذيب من لا ذنب لها لتتوجع .. رغم شروده الذهني كان القلب واعيا ، ينصت بشغافه لكل صوت بخس يأتيه بخبر يقين ، بأنها لم تمت بعد .. كمن يجلس خلف باب عمليات الولادة ، ينتظر ' نحيب صغيره ' ، يتضرع الرحمن ليكون ' ولـدا ' بعد دستة البنات اللاتي يملكهن !
بعد وهله أدرك بأن صمتها طال ، فلم يعد يطرق اسماع القلب لاهثا ، باكيا .. تغضن جبينه بـ كسل ، و شئ من قلق ، كـ ناقوس راح يضرب قرب وعي ذهنه الراكد في غياهب السكون ، فيوقظه من سباته ، طنت أذناه منزعجتان و السبب ذلك القلب الاخرق ، صارت نبضاته تتسارع ذاتيا متزامنة مع زيادة الكثافة لغيمة الافكار الناشئة في سماء عقله
بجمود مبتذل راحت قدماه تتحركان ، فيتبعهما الجسد كاملا ، ظل لثوان واقفا خلف الباب ، معاتبا وهن الفؤاد ، منذ متى و هو هكذا ؟ منذ أن احتل كوكبها الصغير مجرته ، كوكب أنار له حلكة فلكه المهيبة ، فدب باجزاءه رغبة بالدوران حول نفسها ، و من حولها
أدار إكرة الباب بـ بطئ ، ليتهادى له الصرير المزعج لإحتكاك الاجزاء الصغيرة بأطرافه ، ما إن شرع امامه كاملا ، تحرك خطواته ليدلف ، مطرقا الرأس ليسعل بقوة ، و فخامة !
دون أن يدير وجهه حيث لمحها توجه حدو الثلاجة ، ليفتح بابها المشوه بالسخام ، كشر غضبه عن انيابه ، ليسفر عنه " تأتأة " غيظ ، منزل والده ، تشوه .. و السبب حقارة قاسم ، و ضغطه على من تحاذي عتبات الجنون
التزم بعدها بـ صمت بغيض ، غالقا الباب بقوة ، ليستدير بكامله حيث تجلس .. على احد الكراسي ، التي لبعدها عن موقع الحريق لم تتلوث كثيرا ، كانت ساهمة النظرات باللا شئ ، تجعدت ملامحه بـ قهر ، ليتحرك حيث تكون ، و دون ان يهمل رسم امارات الحنق على وجهه ، مد ساعده الايسر تجاه زندها ليرفعها بقوة دافعا اياها امامه و الشياطين من حولهما ، لم يخفي على ذاته مقدار المفاجئة التي ادركته و هو يرى انسياقها الجامد ، احتار في امره ، و نبضه .. بشق الانفس قاوم اغراء ضربها على ظهرها لتتساقط فقراتها عل نيران تأججت بصدره تخمد
إكفهراره لم يزل كـ من انصهرت سبيكة فوق ملامحه ، لتحرقه بإشتعالها ، دون صوت ظلا يتحركان ، امامه كانت .. بخطوات رتيبة تتبع تعليماته الموجهة ، بإيماءات جسدية فقط !
حتى مد ساعده من جنبها يلامس خدها إلا شعرة فاصلة ، يشير بها الى الحمام ، لمح نظرتها الجانبية للدماء المتكتلة بـ خثرات تشمئز لها الانفس على طول ساعده ، و بعض من الأصابع .. المتسخة بلون الفحم !
قبض على قفل الاضلع لئلا تسمح للقلب بالهروب مللا ، ليتبعها ببصره فيراها هذه المرة هاربة من امامه ، كأرنب مذعور من مكر ثعلب .. أرنب عديم المخ ، أحمق .. غبي .. ويل له من بلاهة تسكنه
لما خرجت كانت بحال افضل قليلا ، نظافة الوجه مما كان يلتصق به عرى و بوقاحة اثار يديه على كافة زواياه ، إنشق ثغر الصدر بـ توبيخ ، ليضيق عليه خناق الضمير المؤنب ، لا يعلم متى سيتعلم أن يتحضر مع حواء .. هن قوارير ، و هو و رجال جنسه قوامون عليهم بـ كل شئ ، كالقوة الجسمانية .. لم يصيره الغضب اكمها ؟ فلا يرى رقة قارورته .. و دون تفكير بعواقب " خنق الانفاس " تراه يحطمها كـ بقايا هشيم
لاحظ ما تفعله من اشاحة بصرها عنه ، و كأنها خجلة مما اجرمته بحق ربها ، ثم ذاتها .. فـ هو !!
تركها تتقلب على سعير الندم ، ليدلف هو الاخر الحمام ، لما توجه للمغسلة ، مد يمينه بشرود قاصدا الصنبور ، لتتسمر نظراته على ما حل بها ، و بلحظة ادراك قصيرة مرت بباله الحمقاء ، و يدها ذات الحرق !!!
عبس بحنق لما شعر بهيجان عاصف هز الاضلع ، و كأن بقفلها طوح بذل لشدة انفجار ما بداخله ، ليشعر بـ امتلاء حلقه بأمنيات خرقاء ، إزدرد نبضته الثائرة بغيظ من الذات ، ليهمل صراخا متوسلا ظل القلب عاكفا على ترديده ، اذ مال نحو الصنبور بعد أن ادار اكرته بيسراه ، بملامح واجمة تخلص من الخثر الدموية ، ليكافئ بسيول حمراء جديدة ، و كان الماء مزق الصفيحات التي ارهقت لبناء سد حصين ، جر كومة من المناديل الورقية من لفافتها المدورة ، ليحاول بضجر ان يهدأ من روع الاحداق التي ظلت تتابع انهمار دم صاحبها دون رفة جفن يحيط بها
خرج بعد حين من الوقت ، ليتوجه بخطى ثابتة ، راكزة نحو غرفة المعيشة فيجدها هناك ، تجلس على اريكة منفردة ، ساهمة الفكر ، متقمصة دور الصمت .. بصره شحذ الهمة ليغير وجهته من اماكن اللطمات على البشرة ، للكف المفرودة فوق مسند المقعد
بوجومه ذاته اقترب منها ليربض على الطاولة المسكينة التي لا ذنب لها سوى إنها تجاور مقعد تلك الصامتة ، و بجهة يدها المصابة ، يجلس مقابل لجانب جسدها ، و بعين طبيب متفحصة رفعت يساره معصمها بهدوء ، ظل يقلب كفها و عبوسه يتفاقم ، ليقف فجأة فيصير كـ عملاق قرب السبعة اقزام ، و اميرتهم !
كانت مشيحة بوجهها عنه ، حتى شعرت بدفئ ظل حط على اوجاعها العارية فسترها ، اهتز كتفاها بوضوح ما إن نطق بـ خشونة
: قومي دنروح للصيدلية نجيبلج دهن
ليمتد الاهتزاز فيشمل الحلق فالشفتين ، لتخرج منهما الحروف ملتاعة .. و لعجيب الحال ، راكزة .. و كأن حنجرة اخرى من نطقتها !
: رح تاخذ مني جود صح ؟ مـ تأمن عليها يمي ؟
: لأ
انتي متعرفين تأذين غير نفسج ، فـ ما رح اخاف على " بتج "
قومي يللا
بنظرة خاوية همست ، و كل ما بها يعيش حالة من الذهول : سويت مصيبة ، لو ..... ميتة ، جان رحت للنار !!!!
موصل من تيار كهربائي صار يعصف بكلا صدغيه حتى إنتفخا بصداع لحظي : إستغفري ربج ، و حمديه
و كأنها صمت ، لتجيبه ساهمة البصر في الفراغ : مدام رايح للصيدلية ، اريد دوة الدبرشن ' الكآبة ' مالتي ، مدا اقدر اتنفس من الكتمة الي بصدري
صمته طال ، لتقطعه زفره تشتعل ، و من ثم نبرة اشد اشتعالا : قومي يللا
: ما اريد ، روح وحدك
: قتلج متعرفين تأذين غير نفسج
و اني .... ممستعد اعيش الـ عشته مرة لخ !
.
.
.
منذ شهر مضى ، ظلت عاكفة على " الزعل " ، إختارت أن تعاقب ' فلذة القلب ' بجفاء يضني الروح ، و ها هو العيد يحل ببهجة ناقصة ، بل بلا بهجة ، فـ سبب سعدها هو الاخر يجفو ، و كأنها تنتظر منه ان يتنازل من علوه و يرضيها دون قناعة !
ما زال مصرا على أنه لم يخطئ ، و لا تذكر إنه فعلها سلفا و اعترف بذنبه ، لتراه هي مخطئا بحق نفسه دون الغير ، فهي الاخرى انانية ، و لكن انانيتها تتمحور حول عالمه ، تحمل بقلبها عتابا بطول المسافة الفاصلة بينهما ، دون ان يترك لها خبرا يطمئن به قلبها الناشئ في بيئة شعارها الاول قلق ، و الثاني فقد ، و الثالث .. صبر من بعد فقد !
حتى الاتصال شح به ذو القلب العتيد ، الثابت على القسوة دون تقلب ، كم من مرة في الايام الماضية كانت قد رفعت هاتفها بنية الاتصال ، لتتقهقر بـ غضبها ، و عجرفة المسنين تتمكن من مشاعرها ، فتنهيها عن المضي قدما
كانت في حجرة المعيشة تربض على الأريكة الطويلة ، حاملة بيدها مسبحتها الطويلة ، تتابع النشرة الاخبارية لإحدى القنوات المنحازة لفئة دون اخرى ، فـ تتذمر بإنزعاج ، لترفع جهاز التحكم من جانبها ، مغيرة القناة لأخرى ، لم تكن افضل من سابقتها بإنتماءها لزمرة محددة هي ايضا .. بشكوى من وضاعة الحال تركت قائمة القنوات الإخبارية ، لتتجه نحو المسلية ، فلم يتبق على مسلسلها ' التركي ' المفضل غير دقائق قليلة
فكرها يشرد دون الإهتمام بنوع الفواصل الاعلانية التي دفع اصحابها الذهب المذهب لكي تتربع على عرش الشاشة الصغيرة
بنظرة جانبية راقبت مرور ' سبب الخصام ' بينها و حفيدها من امام التلفاز ، لتتوجه حيث باب الشقة فتقف امامه ، مستندة بكفيها على سطحه الاملس ، و عيناها تضيقان سويا ثم تفترقا ، فإحداهما تتوسع و الأخرى تغلق ، تاركة مهمة ' المراقبة من العين السحرية ' لشقيقتها !
من مكانها تحدثت ، و بملامح واجمة : هاي شدتسويين ؟؟ سعااد رجعت من السووق ؟
لتمد الشابة باحدى يديها بإتجاهها ، مجمعة رؤوس الأصابع بلقاء حميم ، هدفه إسكات المسنة ، و لكن هيهات
: علييمن دتباوعيين ولج ؟
إستدارت لحظة و العبوس بان على وجهها الفاتن بـ حدة ملامحه ، و الذي لم تزده اجواء الشمال النقية إلا بهاءا و حسنا
: علي رجع ، شفت سيارته من الشباك جوة العمارة
شهقت بـ مفاجئة ، إبتلعت غيظها منه لثوان ، لتهمهم بلا وعي : يا عمرري ، شوكت رجع ؟ و لييش لهسة مـ إجى
بحكاوي العيون شكتها قسوة ولدهم ، فهم لم يفتأوا أن يعتادوا عليه ، و على جلافة اساليبه
: و انتي شعندج واااقفة هنا ؟ شعلييج بيه ؟ مو تطلقتوا ؟ لو لعب جهال هوة !
قالتها العجوز بـ صرامة ، لتعض شفتيها بقسوة ذات القد المنحوت بـ إبداع رباني ، و من ثم عناية خاصة .. و لكن كما عادتها لم تستسلم لموجة الغضب التي جرتها حتى عمق البحر بل ظلت تعافر بـ سباحة ماهرة : اتوقع هالشي خاص بية ، أباوعه ما اباوعه بكيفي ، و اذا عالحلال و الحرام فـ ترة لحد الآن بعدني بالعدة
: إنتي شقد لساانج طويل
: تربية بتج و ابنها
قالتها لتستدير مرة اخرى ، فتعود مستطردة عملها ، لتفلت منها " خررب " غاضبة ما إن قوبلت بالباب الذي اغلق ، مخفيا خلفه ذلك الـ علي دون أن تكتحل برؤيته !!
شتمت بغيظ لتترك المكان ، و بخطوات حانقة راحت تبتعد حيث الغرفة التي سكنتها منذ خمسا و ثلاثين يوما ، تذمر العجوز من " قلة ادبها " لم يهمها بشئ ، فـ على حد فكرها ' لا ينقصها من الهم قنطارا '
المسنة ظلت تحدق في الباب للحظات طالت ، ودت لو يرأف بـ ضعف قلبها فيأتيها مهرعا لها الشوق ، و إن لم يفعل سيفيض بها كيل القهر ، و الغبن .. منذ أن نضج و هو يتحلى بالصرامة اللائقة بالرجال ، و لكن جمود الموتى اصابه منذ اعوام اربع ، و بعد إختطافه !!
بعد أن عاد ليشعل اسماعها بقول " صدري حيل يوجعني " ، و منذ ذلك الحين لم تكتشف عقارا لتطبيب وجعه ، و كيف تفعل و هو بذاته لا يعرف لسقمه دواءا ، بل يعرف ، و يتجاهل ، فدواءه ذاته الداء !
لا تعلم كيف صار " الداء " يجوب في افكارها بـ سكينة ، يا ترى لو كانت هنا ، هل سيشفى حفيدها الحبيب ؟ و ما هي احوالها ؟ أ هي الاخرى تآكلها الشوق المضني لـ من عاشت معه مغامرة خطيرة ، مغامرة يتكنفها الغموض للبقية
ليتها لم تظهر بحياة إبنها ، و لم تمزق شغاف قلبه لتنفذ الى ما تحتها ، يا ليت .. بإستغفار متكرر حاولت فك عقدة الإثم التي خنقتها بعد القول المعترض على ارادة القدير
تجهم وجهها بالضيق لما مرت من الدقائق ثلاثون وهو لم يظهر ، نفذ دلو صبرها ، لتقف مهملة مسلسلها الحبيب ، و متوجهة بهدوء نسبي نحو جلباب صلاتها الموضوع على احدى الأرائك
ارتدته كيفما شاء ، لتتحرك هذه المرة بـ غيظ كبتته طويلا لأجل الغبي المسمى بـ القلب !
؛
غرامك كان محراب المصلى ، كأني قد بلغت بك السماء
خلعت الآدمية فيه عني ، و لكن ما خلعت به الإباء
فلم أركع بساحته رياءا ، و لا كالعبد ذلا و إنحناء
و لكني احببتك حب حر ، يموت متى أراد و كيف شاء
ابراهيم ناجي
تتبع الاوامر حتى ادق الحذافير ، بصمت و سكون رافقاها منذ ايام ، سكون لم يخيفه بالعكس ، عليها ان تشذب صفاتها ، و هذه المرة بوجوده قربها ، و إن قسى فـ هو لن يكون حينها جائرا ، بقدر ما هو محبا لرؤيتها كما تستحق ان تكون ، والدة طفلته .. الجميلة
كان قد ادخل الاخيرة ، النائمة كـ ملاك يناقض العفريت الذي تشبهت به طيلة الـ " خمس ساعات " الواصلة بين بغداد و اربيل ، لا زالت نشوة وجودهما قربه تسرق من قلبه نبضات ، ظلتا تجلسان تحتضن احداهما الاخرى على المقعد المجاور له ، و لأول مرة منذ ان انتقل لهذه المدينة ود لو أن الطريق يطول ، لا أروع من شعوره بأمان وجودهما !!
طيلة الايام السابقة و القلق يغزو شيبه البادي ، يدرك بأن قاسم لن يصمت ، و هو الاخر لن يتنازل و لو كان بالأمر سفك لدماه ، و هذه المرة تصميمه شمل به الجلنار ، لن يتركها لتشوهها قذارات قاسم اكثر ، لن يتخلى عن رغبته بإمتلاكها و الصغيرة
و لحسن الحظ بل بلطف القدير ، قاسم تركهما يتجولان بحرية ، بل حتى سمح لبقية افراد عائلتها أن يقابلوها مودعين !!
بسمة عطوف حطت على النظرة المنصبة على الجسد المنتفخ لـ سلطانة آل صفاء الحديثة ، تتخذ من مخدعه سكنى لها ، مرت بباله ذكرى غضبها الاخير منه ، تعاركه بشأن من ابعدها عنه ، " ليوسي "
أفسدوا له قلب فتاته ، و اخلاقها ، فصارت بكل وقاحة تقف امامه معلنة مشاعرها نحو احد ابناءهم .. و كأنه سيسمح لأحد بالإقتراب من حدودها يوما ، تلهف قلبه لرؤيتها تكبر امامه ، فيملأ الشيب رأسه و امها ، تشاكسهما بـ دلال ، و تتغنج بطلبات لا تنتهي ،
ليعبس فجأة بقلب ينقبض ، أ سيكون محل قاسم ؟ ليراها تنسل من حضنه لأخر ، إختارته دون رغبته ؟ ، هل سيسمح لها بفطر قلبه و شطر روحه ؟ و هي .. أ سيرتضي لها قلبها ، و مشاعرها على المضي دونه و والدتها ؟ كما فعلت الاخيرة .. لتكون معهما ؟!
جر من افكاره المنعكسة على الوجه المكفهر ، اثر ذات نبضة خطفت من طابور رفيقاتها ، إحتدم الصراع الاعتيادي بنفسه و هو يلتفت حدوها منصتا لما تقول ، و مبصرا روعة ان تتخلى عن قيود بينها و الاخرين معه !: وين الحمام ؟
جر من افكاره المنعكسة على الوجه المكفهر ، اثر ذات نبضة خطفت من طابور رفيقاتها ، إحتدم الصراع الاعتيادي بنفسه و هو يلتفت حدوها منصتا لما تقول ، و مبصرا روعة ان تتخلى عن قيود بينها و الاخرين معه !
ازدرد ريقه خفية و هو يرى الحسن بأبدع صوره ، ملامح مجهدة من طول الطريق ، عنق طويل مزين بحبات عرق اثارت جنونه ، و ليكتمل بهاء الصورة ،
حررت شعرها من قيده .. فتراها شقت جلباب تماسكه فتقطعت ازراره ، واحدا تلو الاخر !
رغم انهما تشاركا منزله في بغداد إلا إنها دقيقة لم تتخلى عن الكعكة الضخمة الراسخة فوق رأسها و هي واعية ، ليكتفى حينها بأستراق لحظات استمتاع ' من حقه ' فيراقبها و هي تغفو على سرير الجدة ، و الكومة الكثيفة الحالكة كـ ليل مسهاد تضطجع قربها ، محل ما يجب ان يكون هو !
ظل لليال عاكفا على التردد بين غرفة المعيشة حيث ينام ، و غرفة جدته ، بفؤاد دائم السهاد رغم وسن الجسد
تحرك خطواته بإتجاهها ليرى إنكماشها مفضوحا رغم محاولتها لمواراته خلف اصطناع العفوية بحركاتها المدبرة خارجا ، تبعها ليقف عند العتبة ، حيث كانت منذ ثوان ، لتسخر نظراته و هو يلمحها تجلس القرفصاء قرب إحدى الحقائب " الضخمة " التي جاؤوا بها ، تلون بصره بالمتعة و هو يلمح ما عزلته جانبا ، الثوب الصيفي القصير لـ سلطانته الصغيرة ، و الاهم منه .. ذلك اللباس الداخلي المضحك بحجمه الصغير ، و الذي كإخوته دوما ما كان مفضوحا ، فـ الأنيقة لم تزل تتسربل الخطى بـ اثواب و تنانير لا تغطي الكثير من افخاذها المكتنزة .. و ليزداد الامر روعة ، ابصر اختيارها البطئ للحفاض ، و من بعده بودرة الاطفال ، و سائل الشعر ، ذا الملصق الطفولي
الشقة المحتضرة هذه ، سـ تتلون ببهجة عيد ، أخيرا .. لما لمح ترددها و هي تبحث عن اشياء اخر ، فهم إنه بدأ يتطفل على خصوصياتها ، فـ علق بـ هدوء لم يزل خشنا
: المي باارد هنا ، و السخان هسة فتحته ... إنتظري شوية يللا تفوتين تغسلين
دون ان ترفع رأسها اجابته متظاهرة بالانغماس في البحث ، و كأنها تنقب عن كنز ! : عادي اني احب المي البارد ، و جود من يحمى اغسللها مو مشكلة
: ما بية حيل تتمرضين علية ، دوامي عقب باجر حيبدي و يبقى البيت عليج
بسخرية اضاف قوله الأخير و هو يتحرك بـ بطئ متوجها و من جديد نحو الداخل ، دنى من دولابه ، و احداقه تتلصص على ما خلف الباب المفتوح ، و لكن دون جدوى ، لم ينجح بلمح ظلها .. اخرج لنفسه قطع بيتية كيفما شاء ، و قبل ان يعود ادراجه تأكد من استكانة الشجيرة القصيرة تحت اللحاف الخفيف ، فـ حال الانتقالية المناخية قد تصيبها بالتوعك ، و هو لم يكتفي من جنونها بعد
ما إن خرج وصله على خلاف السنين السالفة صوتا إنثويا لطالما طارده ليال سهد فيها قلبه ، طارده هنا بين هذه الجدران ، كم و كم تمنـى أن يصير سرابها يوما حقيقة فيرتشف من عذب زلالها و لو لمرة ، فالجفاف دونها اصاب صمامات قلبه بـ تيبس عكف على إيلاجه في دهاليز الشوق الحار ، و ها هي امامه ، بـ فستان طويل ملطخ بمزيج ألوان غامقة ، تعلوه سترة قصيرة من ' الجينز '
أنيقة !
هذا ما لحظه عن ' زوجة ' تظللت بإسمه لأربعة أعوام دون أن يكون ما بينهما حقا .. لا يكادان يعرفان بعضهما البعض ، ما ان يتقابلا يكتفيان بشجار الألسن و عناق الأفئدة ، كم ود لو يقترب ليمزجها به ، و الله ودها كما لم يفعل من قبل .. و لكن ما زال ما بينهما بقايا من سد بنته سواعد الاشداء ، لم يحطم تماما
عجبي على قلب يرقص طربا بين الرئتين ، يحاول جرهما هما الاخرتين لذلك العرس المبجل ، ليس عرسا بقدر ما هو احتفالا مزين بأهازيج السعادة لكون ' الحق عاد لأصحابه ' ، و حقي يجلس امامي ، يحدجني بنظرات حانقة ، تكاد تفلت عقال سيطرتي ، حقي المستباح .. كم أشتهيته لما ابتعد فـ تاه القلب دونه ، و كم حقدت عليه ؛
هذه البقعة التي تستضيفنا فوقها بجود .. كل شبر بها يشهد ما عنته ، و ما ذرفته من دماء الشوق ، بعد أن كنت أسكر حنينا غير محرم ، و يمزق صدري صوت أنين مضى ، و طيف صاحبته لم يمض !
طيفها ... الماثل امامي ، بهيئة ، تكاد تقتلني ، برغبة لـ لمس خصلات و رب الكعبة إشتقتها ..
أضنته المقاومة ، لإستباحة " حقه " ، فـ التفت بنية تبريد رأسه المنتفخ بالترهات التي اشعلت به مراجل الوله لكل ما يخص من كانت مجرد وهم يتمسك بتلابيبه كل ليلة ، يتمرغ بين اغطيته .. و ينقر فوق جدران قلبه ، و على شفا غفوة منه ، يعاقبه بغرس مخالبه المقلمة في لحمه ، ليستيقظ فزعا .. و دون ان يرتق ما شرخ ، يحتضن وهمه .. فيسهد !
: هااي شنو لعد انتة ليش حتسبح ؟
قالتها بحنق مسلي فـ أهمل الالتفات نحوها مكملا طريقه صوب الحمام ، تشيعه نظرات ' رغم حدتها ' بفحواها لمحة فضول لإستكشاف " عز الزوجية !! "
: أني متعود على هالجو ، إنتو لأ .. اذا جوعانة شوفي الثلاجة شبيها ، و اذا تريدين تنامين روحي يم بتج
؛
بعينين تبرقان كانت تتبعه حتى اذ توارى بضخامته خلف باب الحمام !! .. انفاسها التي حبست طيلة الساعات السالفة افرجت عن سراحها بزفرة طويلة ، هدلت كتفيها ، و سقط ما بيدها من كومة الثياب لداخل الحقيبة مجددا ، دون ادنى تأجيل استقامت و قلبها يتقلص لتشعر بجحمه صار كحبة بازلاء ، تاركا مكانه اجوفا ، إبتلعت ريقها بصمت ، لتتحرك و الفضول " الخائف " يزودها بالعزم ، لن تحتمل أن يذبحها بـ أخرى
و على ما تذكر في احدى مكالمات السنين الماضية اخبرها بأن هنالك من تشاركه الشقة ، زوجته ! .. قضمت شفتها السفلى و نبضها يتخلخل ، هو لم يفصح عن طبيعة علاقته بتلك ، و هي بإعتزالها عنه بعد شناعة مصيبتها الاخيرة لم تستفسر منه عن شئ ، تركت له القيادة ، دون حتى استفهاما تعلم به أين ستقطن مع صغيرتها
في أول الأمر راحت تتجول في الصالة الواسعة التي تضم جدرانها الجانبية ابوابا تتوزع بعشوائية ، عيناها تحدجان كل ما تلقاه ؛ فتظنه لأنثى ! .. جبينها يتغضن بقلق لم يفتأ أن يحفر بصدرها خندقا خاوي .. إن فعلها و أتى بها بشقة غريمتها ستقتله .. كـ فراشة تشتعل الجناحين راحت ترفرف بين ازهار حديقة لا تدري من ملكتها من قبلها ، ابتدأت بالغرفة التي وضع بها ابنتهما ، بعجل صارت تنقب عن اي أثر لـ أنثى
عطر أنثى
رداء أنثى
احمر شفاه .. لأنثى
لتذهل لما لم تجد ما تدسه الشياطين برأسها ، تمنت لو الوقت يسعفها لتقلب الدولاب رأسا على عقب ، و لكن لا بأس .. ستتفرغ لهذه المهمة بعد ان يغيب للعمل بالتأكيد
انتهت من اول حجرة بنجاح ، و خف ضخ الدماء لاجزاءها قليلا ، لتتوجه حيث الغرفة الاخرى ، و بداخلها توجس جعل لأنفاسها هسيسا مسموعا ، ما إن دلفت حتى فرت من شفتيها شهقة فزعة
غرفة نسائية بحتة !!
إختض قلبها بين الاضلع لتتخدش حيطانه بدما اهله ، أوجعها نبضا ، ليرتج رأسها معلنا عن صداع حاد .. قبضتها المصابة حطت فوق القلب ، تعصره و ذاتها ، المقل فاضت بقهرها ، و الروح غصت بنحيبها ، كانت هنا
و لربما ما زالت ، و ستظهر حالا من خلف احد الابواب ، تعاركها لخطف ' رجلها ' ، إنحنى ظهرها بؤسا و نشيج اخرس راح يشق طبال الجدران التي قررت هي الاخرى ان تضيق حول الضيف الكئيب ، صار الفؤاد يذرع الحشا قافزا بكل النواحي ، معاتبا اياها فهي المخطئة الأولى ، هي من تركته ، و لكن أوكان الامر بيدها ؟
ذات خيبة جعلت وشائج التحلي بالـ " عقل " ممزقة ، كـ خرقة بالية لم يعد لها اهمية ، و ما نفع العقل و هي من اتبعته بسبات ذهن ليجيئ بها حتى هنا ، حيث عشه مع غريمتها ؟ .. لم لا تتعلم من مصائبها ؟ أ نسيت من هو علي ؟ أ ستظن بأنه سيتفهم وجع نهش الروح قبل الجسد و هي تتنفس هواءا بين جدران شهدت صولاته مع زوجته ؟ يا الله .. لن تحتمل
جثى الهم فوق انفاسها فصار تماسكها عسيرا ، أضحت مشتتة الذهن و القلب ، شعرت بالعجز ، بالاذلال ، كيف ستصطبر على علقم علي دون ان تثور شياطينها ، فيعاقبها بـ مد اليدين إن تطلب الامر !! .. علي بدا متوحشا اكثر عن ذي قبل ، و كأن شيبا راح يغزو شعره و لحيته لم يخفف من غضب عاش و تربى على تعاليمه .. لاكت الوجع بفكيها ليبتلعه الحلق بخنوع ، بقلب مفطور إستدارت لتلج خارجا مسرعة و كأن عفريتا يلاحق طيفها ، و ما ان فرت من ارض لأخرى حتى اتجهت و بسرعة حيث الحقائب الضخمة الراسخة ارضا ، بلا هدوء صارت ترمي بداخلها الملابس التي جهزتها مسبقا لها و للصغيرة ، تعروج الجبين الرقيق تعاظم لما سمعت قرع طبول الفؤاد الواقفة على جانبي قلاع الملك ، بـ تحية ملكية صارت ترحب بـ عودته ، قاسيا !
: هاي شبيج ؟
سمعته ينطقها ليشتعل حطب الموقد في صدرها ، و هو ببرود لا يليق به صار يقلب اسياخ الاضلع كي تشوى جيدا ، فيراقبها بعين المتعة
استقامت بعد انحناء ، لترتفع الكتلة الليلية فتحط بتشعث ذات يمين الوجه البدري و ذات يساره ، بتلقائية فردت انامل الشمال لتمشط بها مقدمته ، حتى قضت على ذلك السبيل الرفيع بين المنتصفين ، و بها ذاتها حاولت لملمت شمل اطرافه الثقيلة على كتفها الشمال ، غيظها و نفورها ممن يستقيم خلفها دون ان تبصره فعليا راحت تفصح عنه بـ لي شعرها بـقوة جعلت منه قضيبا حلزونيا ، دون ان تلتفت كزت على اسنانها ليغادر صوتها الحنجرة محملا بالبغض
: بهاي الشقة منقعد لا اني و لا بتي ، اني منااقصة هم جايبني يم مرتك
صمت ران من قبله جعلها تشك في ذاتها و قولها ، أ تراها قالت امرا محظورا في حق البشرية ؟! .. بعد وهلة جاءها صوته كسولا ، متمللا بحق
: جلناار ، تعباان من السياقة و اريد اذب روحي و انااام ، خبالاتج هاي عوفيها لغير وكت
و ترة المي حمى ، اذا تريدين فوتي سبحي
بس دخييلج لتقعدين بتج ، هاي اذا قعدت بعد متنام و اني تعبان
شدت على يمينها لتتأوه دون شعور ، فتطرق لحظة بمقل دامعة لتلمح الشاش الابيض الذي يغطي كفها ، كم ودت لو تحشره في فمه ، عله يصل لـ مركز تدفق الوقاحة و غلق ثقبه ، فلا ينساب من ثغره الا زخرف القول الجميل
استدارت بسرعة نحوه و الشمال بلا شعور رفعت كومة الثراء الرباني الذي تملكه لتلقي به بهيجان ، فيرتطم بالكتف و يتطاير من حولها مشكلا هيئة ، شرسة .. مجنونة !
صرختها الحانقة خرجت كـ زئير لبوة في خضم عراك مع الليث المستهتر بنظراته ، رغم اتقاد نبضه و انتفاخ القلب ، لوحة متكاملة تستحق ان تبصر ، بـ هيام ، كانت كذلك و هي تقف امامه بعيون تتوهج شرا ، و تنوي عراكا .. بلحظة بل اجزاءها انطفئ البريق و تأتأ نبض القلب متقهقرا ، ارتدت خطوة للخلف بأنفاس مخطوفة و هي لا تستطيع ان تحيد ببصرها عن هيئته المتفردة ، أول مرة تلمحه بـ هذا الحال العفوي
يرتدي بنطالا قصيرا من الكتان الخفيف نيلي اللون ، يعلوه قميص قطني بلون الصحراء ، و التمساح الصغير المطبوع على جانب صدره رفع من قيمته الجمالية اضعافا ، بـ غباء !
غصت بغضبها و باءت ثورتها بالذبول لما لمحت تلك الفطنة المشتعلة بنظراته ، و هو يدرك تماما بأنه و دون اي جهد يذكر ، أسكتها حد الخرس ، ارتعش فمها و نظراتها تتوشح بالذل العاطفي لتهرب من قيده غير مدركة لسبب اتقاده الحقيقي ، غير مبصرة لما تقع عليه نظراته بـ تيه رجل ، يقسم من حوله بأنهم لم يظنوه يوما سيشتعل رغبة في مراقبة شئ ما ، شئ كان له ماض غير مشرف ، كم من مرة ترك له هذا الشئ المغري تذكارت هائجة ، لا يذكر .. و لكنه متيقن بأن جل ما تمنته يداه منذ ليال هو أن تتخلل أصابعها الخشنة هذه الكومة الرائعة الفتنة ، اللامعة كـ ليلة ظلماء تترصع بالنجمات الرقيقة ، و يزين بهاء الصورة القمر المنير
إستجدت ذاتها لتلقي إعتراضها بتوتر : علي ما ابقى بهالمكان ، ألقيلك حل ، اني معليية شتسوي ، ودينا فندق
دنى منها بحركات تتظاهر بالكسل ، كسل يعمل كجلباب يستر به عري لهفته ، و الشوق .. ترنح الفؤاد مخمور البصر لما تهادت له أنتها القصيرة ، المتعجبة حاله ، و المهتزة لقربه ،
خطوات ثلاث صارت فارقا بينهما ، قبض على يده مفرغا بعض شحنات التماس العاطفي الذي افلح بشل عقله عن التفكير ، بـ نبرة فاترة تحدث ، محاولا ان يلتقط نظراتها و لو بالخطأ
: و اعوف اهلي ؟ تعقليها انتي ؟ اصلا وين اخذكم هنا الشقق غاالية صاحب العمارة مسويلي خصم لإن ابنه صاحبي و لان اني مأجر شقتين
وين القي عمارة لخ بيها شقتين فارغات و قريبات ؟ لتبهذلين احوالنا و تكبرين الموضوع
ما ان بدأ الحديث حولت بصرها نحوه ، تنصت له بإمعان ، و النبض يهيج ثائرا مبتهجا بتلك الهيئة الوسيمة ، ثلاثة اعوام مضت بينه و تلك ، بالتأكيد ابصرته هكذا ، و لربما بحال اجمل ، و اكثر عفوية ، يا الله ... يا الله
ابتئست بهجتها و حل العبوس على الوجه الحسن ، لتهمس منفعلة ، ممتلئة بقهر الإناث : حرااام عليييك تريدني اعييش وياااهة ؟ أعييش بمكاان هية عايشة بيه ... و الله ما اقدر ، ما اتحممل ، ما اعرف اذا متقدر تلقي شقة لخ اني عندي حسااب بالمصرف اسحبه و اشتـ ـ ـ
: ليش متنجبـ ـ ـ ، أستغفرك يا رب
جلناار تدرين مرح اقبل هيج حجاية فليش تجيبين الحجي لنفسج !
تلونت نبرتها بالتعاسة ، لتهمس بائسة تبصر ساعده المصاب ، فعند الاستحمام كان قد ازال لواصق الجروح من عليها ، لتبقى عارية تؤلم الناظر : يعني شنو ؟
فحاكاها بـ خفوت دغدغ جدران القلب ، ليلتوي منتشيا : يعني تبقين هنا ، و اذا تريدين اغيرلج الاثاث ، و نصبغ الشقة .. غيريها مثل متريدين انتي ، بس طلعة منها ماكوو
تشجعت لترفع نظرها نحوه ، فتنساب كلماتها بصدق لا تيه فيه : ما اقــدر والله
: لا تقدرين ، يوم يومين و تتعودين
ليتغضن الجبين ، و تتوحش النبرة : زين و هيــة ؟ وين تقعد ؟ لتقوول ويانة ؟ و الله العظيم اخذ بتي و متعررف وين طريقي ، و الله اخليك تفر راسك فر و متلقينا
لاح لها طيف بسمة غزت الاحداق و من ثم الفم ، ليغص فؤادها بصدمته ، و شوقه .. منذ ايام لم يتبادلا حديثا ، و ها هي الآن تقف امامه بشموخ زيف ليبدو على ماهو عليه ، تحاول التشبث بقشة كي تنجو من غرق محتم ، و لكن هيهات !
: علي مدا اتشاااقـ ـ آآه
ليفاجئها برد لم تكن به حالمة ، إذ رفع كفها المصاب .. ليفرده و وجهه ينضح بأسى غير مستور ، ابهامه ظلت تدلك باطنها من فوق الضماد ، حتى إذ همس بتأثر ، دوخها !
: راح أفتح الشاش و لمن تفوتين للحمام قوليلي دا انطيج جفوف لبسيها ، و ديري بالج تأذيها ، ترة جلدها بدا يطيب شوية
تأوهت بـ وجع عاطفتها الأنثوية الناعمة ، تهدل كتفاها و معهم القلب ، أخرست افواه المحتجين من خلاياها العصبية و رئيسهم الدماغ ، صمت اسماعها عن كل شئ دون نبضها و الانفاس !
لم ينتظر منها ردا ، ليبدأ بفتح مقدمة الضماد ، و لكن لم يلبث أن ينهي عمله " الذابح لحبل سيطرتها على الذات " حتى علت زقزقة العصفور ، معلنة عن حضور زائر
حشرت انفاسها شهقة عالية الصوت ، ارتدت للخلف خطوة متوترة لتسحب بيدها منه دون شعور ، راقبت نظراته المتساءلة و الممتعضة لتتمتم بـ رجفة : هاي هية مو ؟
و الله العظيم ما ابقى وياك لحظة اذا تجي هنا ، و الله العظيم
امتقعت ملامحه بضجر ، ليثبت نظرات عينيه على كفها ناطقا بعناية : لتخافين ، مو هية .. بس فوتي للغرفة يم جود ، إحتمال بيبيتي هاي
عضت شفتها السفلى لتهمس بذات خيبة : شنو مرح تقلها جبتنا ؟
فتتلون نبرتها بآسى اعظم مسترسلة : حتى لو تقلها ، هية بيبيتك من زماان تعتبرني عدوة و تكرهني ، عااد هسة ورة الي صار
تقدم منها لتنكمش على ذاتها ، ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تشعر بذراعه الشمال تحط فوق منتصف ظهرها ، ليدفعها للامام على حين غفلة منها ، تعثرت بشهقة عنيفة ، لتتماسك بعد عسر دون ان يمد لها يدا للعون ، عاد ليقول بلطف اكثر : جلنار ، أعرف بيبيتي فاريد احجي وياهه وحدي ، ما اريدها تفوت و تشوفج ، تفز
: تفز !!!!!
ليفاجئها بذات بسمة شقت ورقة عقدها مع الزعل لنصفين ، " خصوصا انتي و هالكفشة "
: كفشششة !!!!
ارتفع صوت الجرس مجددا ، ليرفع حاجبه بسرعة ، فتتحرك بإمتعاض نحو الحقائب ، بمحاولة لجر اثنتين منهما ناطقة بـ خفوت : تعال دخل الثالثة
: عوفييهم و فوتي هسة
بمنتصف الطريق تركتهما ، لتتوجه حيث صغيرتها ، بخطوات تجرجر اذيال خيبتها خلفها
؛
؛
دون عتاب ، تبادلا تحايا بسيطة ، ليزين جبينها بـ " كل عام و انتي بخير ، و اياامج سعيدة خاتونة "
: بعد وكت افندي
قالتها ساخرة و اكتفت بذلك لتلج داخلا ، مقلبة نظراتها في المكان بملل ، استوقفتها الحقائب لتلتفت نحوه بـ سؤال صريح
: هاي جنطمن ؟
أشار لها نحو الارائك ، ليقول بـ إسلوب هادئ ، يغيظ من لم يعتاد منه الامر : دقعدي حجية ، قعدي و خلينا نتفاهم .. بس قوليلي قبلها ، ماخذة دواج ؟
لم تكلف نفسها عناء الاجابة ، فقط توجهت حيث اشار ، لتتخذ من المقعد الطويل سكنى لجسدها المنحني بعد ان تشبعت من اعوام عمر نصف العقدين السابع و الثامن ، ليتبع خطوتها فيجلس على المقعد القريب
: شلونج ؟
: تحت رحمة الرحمن ، شعدنا غيره ، هوة بس فدوة لإسمه يرحم عبده و مينسااه
كتم التسلي مكتفيا ببسمة خفيفة حطت على ثغره ، نحنحة قصيرة ندت من حنجرته ، ابعد بها ما علق من تردد ، ليستطرق بعد وهلة : بعدين نتعاتب ، هسة جايبلج خبر حلو
: خبر حلوو ؟؟ منك انتة ؟ و تريدني اصدق !
: ههه سويتيني مزق ، بس ميخالف ، تمون الحجية ، زعلانة و تتدلل
: فضهاا شعندك ؟
: بالبداية جاوبيني ، أخذتي دواج ؟
: إي اخذته
: كذااابة
: أياا ادبسزز يا ابن الادبسز ، انتة ولك شوكت يصير عندك احترام ؟ دكتور و دكتور و الله الله يرحم والد كلمن يصير جوة ايدك
: لج سمعيني و كاافي رزايل
: لجلاااجة بقلبـ ـ العدو ، استغفرك الهي ، إحجي يللا
: ضغطج شقد ؟
: و لك علي يمة بديت اخاف شكوو ؟
قست ضغطي زين ، بس مرتك ام لسان رجعت رفعتلياه
: بيبي ساارة مو مرتي ، و شسوتلج ؟؟ لعد بتج وين ؟
: امك رايحة للسوق ، معليك بذيج القرج " الوقحة " ، فهمني شصاير
: سمعيني للاخير بدون متقاطعيني
تدرين بية لهسة ممطلق بت قاسم ، بس متدرين غير شي ، شي جنت ضامة عليج لإن ادري مرح تسكتين
: شييش ولك وقفت قلبي ؟ " شي إيش ^^ " ، و شجاااب هالموضوع ببالك ، مخلصنا من ضيم ذيج الـ ـ
: بييبي سمعيني زين قلت ، باعي ، جلنار من راحت لاهلها جانت حامل
شهقـة مصدومة رافقتها ضربة قوية على صدرها المريض ، لتتبعهما صرخة لم تعتب بيبان الوعي : ولك شلووون ؟؟ من رااحت لابوها ؟؟ قبل خمممس سنيين ؟؟
: أربعة ، قبل اربع سنين
: و انتتة ؟؟ جنت تدرري و خليتهااا ؟
لـ وهلة ، عاتبه الشيطان على ضعف الفؤاد ، حاول أن يثير نفسا امارة بالسوء ، لتسئ .. و لكن بـ " لا إله إلا الله " صامتة نجح ذو النظرات الهادئة في التشبث بـ صفة حميدة ، بغاية تسمو رغم سبيلها المتعروج : طبعا
تنهيدة قصيرة هربت من صدره ليسترسل بعدها بجمود ، فبدا غير موقن لـ فقه احرفه ، و كأن به طفلا يلقي نشيدا في احد الصفوف الابتدائية ! : جان لازم ترجع لأهلها على الاقل ميصير بيها لو بالجاهل شي من القهر
بس قبل لتقولين شي ، إتفقت وياهم اشوف بتي ، و جنت كل فترة اروحلهم ، مراات همة يجون لاربيل و اروح اشوفها
بذات حرقة ارتفع صوتها و الضغط ، لتلطم على فخذيها و ثياب الخيبة غطت قدها الواهن : عززة العزاااني ، صخااام الصخمممني ، كل هذااا و مقاايلي ؟ و لك لييش ؟ شلوون ؟ شووكت رحتلهم شوكت سافرت ؟ مو جنت تقول هية بالاردن ؟؟
: لا جانت ببغداد
: نعلعلااا قلب قلبك ، و لك اربع سنيين حارمني من بتك ؟؟؟ و لك شقول عليك شدعي عليييك ، تدرري انتة شنو معزتك بقلبي ؟ و لك تدري جنت كل ليلة اصلي و ادعي الله يفرحني بشوفة ضنااك ، ليييش تحرمني من شووفتها ؟ ليش مـ بردت قلبي بيها ؟
: لو قايللج جان شيبتي راسي و فوق امراضج جان صار بيج مية مرض ، جان خبلتيني يومية تقولين روح جيبها و وين بتك و مدري شنوو ، و اني منااقص هم
: هم ؟
و لك ضناااك ، حرمتنييي من شووفة ضناك .. حررقت قلبي علاوي ، حرررقت قلب بيبيتك والله
يكفيك أماه ، فأنتي و ربك تتقنين شق جيب الصدر و رش ادمعك المالحة حيث الجروح الغائرة ، ليستحيل التئامها و لو رتقتها عشرا
؛
لا تتعبي جفنيك
غلف ' يأسه ' جفنيه !
هو لن يراك و إن تكن عيناه في عينيك
منذ أن غادرت جدته و هي تقف هنا ، بـ بقايا أنثى تستجدي طيفا لم يكن لها يوما ، لم تكن بحساباته و هي تشاركه المسكن ، فكيف الآن و بعد أن غطى ستر الفضيحة ، و تخلص منها !
لطالما فيما يخصه كانت بلهاءا ، مثيرة للشفقة ، ممرغة انف الشموخ الواهي في وحل من شغف ، جلد صبرها يحمل اثار سياط الشوق ، و الرغبة للحصول على ما كان امنية الصبا ، المشكلة تكمن في كونها تمتلك قلبا لا يعرف الاذلال ، و لا الخسارة ، فـ تراها تمني النفس بأنها رغم كل شئ الاحق به ، و هو ملزوما بها و لو غزا الشيب ما بقي من شعره ، عليه أن يردها لعصمته .. لما طالبته بالفراق ، و اصرت .. تمنت صدقا أن يكون شحيحا في تلبية المطالب ، مهما حاول ستر عورة راحته لدى طلبها ، سيفشل
فصار الامر بعد ذلك مفروغا منه ، ستتطلق ، و ستنتظر منه وعيا ! ، فـ لم تتجاوز بأمانيها تعتيب بيبان تعود لغير العقل ، فذاك المسمى قلبا مشكوكا في امر سكناه الصدر ، بيقين ادركها منذ ارذل الحزن ، و أكده هو بلحظة اعتراف غاضبة .. مر دهر على فؤاده و هو غائب ، بدون ان يحزم بقاياه رحل ، لم يرحل مودعا و لا واعدا بلقاء ، بل غادر راكضا لاهثا ، في سبيل حالك الظلمة لم يترك منه سوى عطرا سلف ، و أثار دماء ! متمزق الاطراف كـ حاف فوق شوك ، و باهت اللون لخواءه من دمه ، ظل يعافر خلف تلك ، من لا تستحقه
بينما هي ، فـ بكل حق بخس كانت و لا تزال طرفا ثالثا ، لا يرى ، و إن رأي ، سيهمش كما لو إنه لم يرى !!
بزفرة قهر شتمت ، و هناك في يسار الصدر قلب يحتضر ، سقيم على شفا الموت ..
ينتظر املا وعده بعشبة سحرية
موجودة في غابة ملكية
تحرسها كل افاعي البرية
و حولها خنادق رملية
تبتلع من يدوسها برغبة عتية
أفبعد كل تلك الحراسة القوية
يكون منطقيا أن تنتظر عشبتها الوهمية ؟
بغفلة من حاضرها كانت ، لنتتفض بالصدر الأضلع ما ان وصلها صوت غلق الباب المقابل لـ شقتهم ، و دون تأخير كانت قد التصقت كليا ببابها ، عينها تثبت على عدسة الباب السحرية ، لتشهق الروح فرحا ، و تتراقص الأماني امام احداقها بـ مهارة ، ودت لو عاد بها الدهر شهرا و ايام ، ما كانت حينها ستصر على وأد روحها الفتية ، و ذبح عنق حلمها الملكوم
رجفة اعترت داخلها و ما ظهر و هي تراه يتقدم نحوها بخطواته العرجاء ، اغلاقه الباب دون ان تظهر من خلفه العجوز هزها حنينا ، و املا بإمكانية الوصول لـ موطن العشب المسلح بالثعابين السامة ، إزدرت ريقا جف ما ان وصل ، و دون تأخير ضرب الباب بقبضة شديدة ، محل قلبها ، لتجفل بإرتياع متقهقرة خطوة ذات دبر ، و كأن ابخرة حريق راحت تغزو الشقة من شقوق لا ترى تحيط بخشب الباب المؤصد ، فـ تخنقها
توجست خيفة من قدومه و شراسة تنبيهها بوجوده ، أليس هنالك جرس ؟ لم لم يستخدمه ؟ أم إن هنالك غضب مكبوت بصدره لم يقاوم اغراء تنفيسه ؟ فتسائلت ما فعلتها كي يغضب الآن ؟
سحبت نفسا طويلا ، و هذه المرة لم تجفلها الضربة ذات القوة الاعظم ، و التي رغم البعد بينها و الباب هزت قلبها ، شمخت برأسها عاليا ، و رفعت حاجبا متقنة ارتداء زي الفتور ، ما ان ادارت اكرة الباب حتى امتدت قبضة من حديد لتلكم كتفها فـ تتقهقر خطوات سريعة مدبرة ، اجفلها لتتزامن شهقاتها المصدومة مع صوت انغلاق الباب بعنف !!
لولا الطاولة القريبة ، لكانت فريسة الوقوع ارضا ، أمامه .. تماسكت بـ صلابة ، لترفع وجهها نحوه ، و قبل أن تأتيه مستفسرة ، جاءها هو ، بصلادة نطق و يمينه تتكور بقبضة ذات شكل مهيب فكيف بالقوة !!
: جنتي تدرين بحمل جلنااار ؟
لم تدرك مدى الشحوب الذي صعد للملامح من القلب ، عيناها توسعتا بصدمة تسربلت برعب باد ، و شفتاها انفرجتا متلونتان بأبهت الألوان ، فجيعتها بالخبر لم تكن شيئا امام رعبها من نظراته المهددة بـ عري مفتضح ، لم تفلح بإبتلاع ريقها و شحذ همة حبالها الصوتية ، فـ قد تهرئ كل شئ كما حبال القلب ، و الروح !
شعرت بإهتزاز أسنانها ، و لولا رحمة الله لكانت اندلقت كحبات لؤلؤ من محار الفك المتشنج ، إثر صفعة رجل ثائر ، متوشح عباءة الغضب الأحمر !
" آآآآه " مرتفعة صرخت بها ، لتصمها مع سماعها طقطقة عنقها الذي ادير بعنف ذات الشمال حتى قارب ان يدق إثر صفعة !
: ليش مقلتيلي ؟؟
نطقها بهدوء ميت ، كمن يجاهد في سبيل التعقل ، و الاستعفاف عن صفعات اخرى ، لم تجبه ، ظلت مشيحة بوجهها " غير مطرقة به " ، يمينها ترتكز على خدها اليسار ، كأنها شردت في عالم أخر انساها ضعف حجتها ، و ثبات ادانتها بالجرم المكشوف .. ظنت انها لن تلاقي مصيرا تمنته لتلك القذرة ، وجه المصائب ، لكن ظنها تغطى بملاءة الإثم ، لتتزحلق بحفرة اماني حقيرة تمنتها لغريمتها
: جاوبيني بسرعة
و لإنه يعلم من هي ، لم يتعجب من قولها الساخر ، الحانق ، و حتى الآن لم تبدل من وضعها ، مستندة على الطاولة المرتفعة خلفها ، و كفها تحط على مكان الصفعة التي لم تنفس عن بركان الغضب المكبوت بصدره منذ ايام !
: هه ، حبيت اخلي مرتك تقلك الخبر ، تعرف ، الفرحة تصير غير شكـ ـ
: سارة و الي خلق سبع سمااواات اذا منجبيتي و حجيتي عدل لا هسة ادمييج و اخليج تعرفين الله حق
بذات نقمة رفعت عينيها بإتجاهه لتبصر سبابته الضخمة الموجهة نحوها ، رجفة قصيرة سرت على شفتيها لكنها قضمتها بسرعة لتخفيها تحت قول لاذع : أهاا ، تضربني ، و تتوقع رح اسكتلك ؟؟
: إنتي شنو فهميني ؟ لا أخلاق و لا خوف ؟ زين مفكرتي بمرة من المرات اني شتحملت من ورااج و من ورة ابوج و مصايبه ؟ مقلتي يستاااهل الكذب هالرجال لو لأ !!
: دتعيرني بالستر ؟ هه والله رجاااا...
: سااااارة و سسسسم و زقنبوووت
عادت لتهرب بـ نظرها و الجسد هذه المرة ، اذ ولت بإدبار حاولت اخفاء جبنه ، و الرعب ، كرر بـ ذي حقد غلف بضحكة فاترة ، صادرة من جسد صلبوه بـ كل انواع قهر الرجال ، حتى قهر
: تدرين ، شقد ما احااول احسن صورتج تبقين مثل مـ إنتي ، بت واحد ..... أستغفر الله العظيم
تجلدت بالبرود رغم غليان مرجل الصدر بدماه ، ربعت ذراعيها فوق مخدع صدرها و شمخت بأنفها بتعال ، لتنطق موارية نحيب نبضها : ممكن افتهم هسة ليش جاي علية ؟ ليش متروح على مرتك العزيزة الغالية تقلها ليش مـ قلتلك ؟ إسألها ، أني شكووو ؟
لو هذيج شتسوي حلااال ، ما اعرف شمسوييتلك حتى هيج تصير يمها ، لو مو مبين عليها ثووولة جان قلت ساحرتك
بضحكة ساخرة اتاها رده ، ليتذيل ببهرج الإيلام : هذيج الثولة على قولتج ، تسوااج و تسوى راسج ، على الاقل عمرها مـ طعنتني بظهري ، و جنت ادري بيها حامل ، بس الي مجنت ادري بيه انتي تعرفين و مقلتيلي .. كذبتي علية طول هالسنين و انتي قااعدة ببيتي ، شلون توقفين قدامي يومية و تحطين عينج بعيني و انتي تجذبين ؟ فهميني ، خل اعرف رااسي من رجلية
: إنتة ليش مـ تطلعها غلطانة ؟
ليش بس سارة تتمنى تلقى عليها زلة ؟ معقولة الحب هيجي يسوي ؟ يخليك تشوفها ملاااك و غيرها شياطين ؟
و بنظرات تضيق اضافت ، مموجة النبرة بالهزء الفطن : و بعدين شنو الفرق اذا قتلك او لا مداام انتة ' حسب متقول ' جنت تعرف ، و انو بت قاااسم قااايلتلك
ذكاءها يؤهلها لأن تكون تحفة نادرة ، لكنها شوهت جمال التحفة بذات قول و فعل ، بإبتسامة محترقة همس ، فنبرته ظهرت كفحيح ملكة لثعابين تلك الغابة ، لتدلغها حيث ما تتوجع .. بمنتصف القلب !
: هية ملاك ، بعيني و ..... بقلبي ، و انتي تدرين .. فليش دتجيبين القهر لنفسج ؟
: لو ملاااك جااان معاافتك طول هالسنين متدري عن ابنك لو بتك ، جاان مغمضت عيونها بعيد عنك
انتتتة شنوو ، إششفت بيها حتى تحبهاا بس لو افتهم ؟
و الله مشفت غييير المصاايب ، هية وجه فقررر ، و هسة تشووف شلون ترجع المصايب عليك تهل ، معقولة متخاف على نفسك ؟ زين متخااف علينا ؟ رجعت لسيرتها و تدري برجعتها دم لاااخ رح ينهدر ، شلوون قلبك ينطيك تنسى كل الي صاار و تفكر بيها ، فهمني شلوون ؟!
توقعت عمرك مرح تخليها تمر على بالك و ابن عمهـ ـ ـ
: سااارة لتستغلين غيرتي و رجولتي الي احترقت هناك ، عوفي الي رااح و لترجعين تشبين النار بضلوعنا
: و هيية ؟ شوفتها مرح تشب بضلوعك ناار ؟ من تحضنهاا متحس بنفسك خااين لرجولتك ؟ قلي شنووو هالحب الي يخليك تنسى اهم شي بالنسبة الك ، علي ... ليش تحبها
: أوجعي قلبج اكثر ، تستاهلين الوجع
صمت بعد سماعه صوت تمزيق وشائج التماسك ، و إبصاره تلك الدموع المهطلة من سحابات داكنة السواد ، معتمة !
بعد وهلة اختار أن يبتعد ، فـ بطبعه لا يحتمل رؤية ادمعها ، لكونها تشابهه التشبث بالتصبر ، و التحلي بالقوة ، فأن وجع رؤية انكسارها الخنوع يماثل وجع قهره
ادبر موليها شحة عطفه ، لتستقر كفه فوق عتلة الباب ، فينطق محذرا بصدق : جلنار جتي وياية ، و بتي وياهة ، سارة و الي خلقني و خلقج اذا سمعتيها حجاااية وحدة زايدة ابدي صدق اووجعج ، فاحترمي على الاقل العشرة الي بيناتنا
هكذا فقط .. ثم ، رحيل !
كم قرعت فوق بابه كـ متوسل يرتدي الخرق من الملبس و يمتطي الممزق من النعلين ، في ليلة ظلماء يعصف بها البرق ، و يهز اركانها رعد ، بطريق باهت اللون من كل إنس ، على قارعة الوحدة ، و الضعف ، توسلت مالك القصر أن يتفضل بفتات مشاعر ، لن يفقر فحشاءه ، لكنه سيغني فقرها ، إلا إنه بخل ، بخل فأوجعها ، ويل لكل من يشابهه بـ عنت القلوب ، و شحة العطاء ، أوصد بابه دونها ، ليتركها بذات خيبة ، و ذات وحدة و قهر !
تجرجر اذيال نكبتها و الذل يندلق مع ادمع المقل الغائمة بـ عتمة الليل و الوحشة ، لتجد حنوا تحتاجه بـ قطة قذرة ، وحيدة ، كـ هي ، و تتبدد ظلمة عمرها بـ عمود إنارة وحيد ، كـ هما !
علموه كيف يجفو فجفا
ظالم لاقيت منه ما كفى
مسرف في هجره ما ينتهي
أتراهم علموه السرفا ؟
جعلوا ذنبي لديه سهري
ليت بدري إذ درى الذنب عفى
أنا سهران على عهد الهوى
لم أنم و هو لعهدي ما وفا
صح لي في العمر منه موعد
ثم ما صدقت حتى اخلفا
أحمد شوقي
؛
تجلس على المقعد الذي تحمل بنية زوجها الضخمة منذ قليل ، ليأخذ فترة راحة بـ وزنها مع ابنتها ، تستند الصغيرة على صدرها و سبابتها تقف على اعتاب الشفتين المحمرتين إثر بكاء ما بعد اليقضة !
بنبرة تتحشرج خجلا حركت فتاتها و نظراتها تشيح عن احداق المسنة حياءا ، وصلها حديث دار بينها و حفيدها ، و خدش لها جلد التحمل ، إلا إنه لم يمزقه تماما
: جودة حبيبتي روحي يم بيبي ، باعيها شلون تحبج
لترفع رأسها قليلا محدثة المسنة ذات القلب المتقافز كـ طفل في ريعان مشاكسته : تحبيها مو بيبي ؟
إن كانت ترتدي ثوبا للتوتر ، فـ بعد " لا مبالاة الجدة " بوجودها كان لزاما عليها خلعه ، اذ راحت اليدين تفكك ازراره ببطئ ، منصته لما تقوله العجوز بـ وجهها المجعد ، و تعروجات زمن علم على الجلود أثاره أرهبتها من ارذل العمر الخفي !
: إي احبها شلون ما احبها ، تعالي بيبي يمي ، حتى اطلعج اشتريلج مووطة
كفها امتدت لتلامس اصابع القدمين المشابهة لحبات لؤلؤ بأحجام تختلف ، فما كان من جلنار سوى ان تميل بجسدها اكثر لتيسر على المسنة التقرب من هذه المزعجة ،
لم تكن تنوي الحديث و هذا ما بدا واضحا على تغنجها في حضن امها ، إلا إن للـ " موطة " سحر خاص ، و كأن العجوز اقتحمت بكلمة سر مغارة علي بابا بـ اغراءها ذاك ، لتعتدل الصغيرة ، فتتحدث اخيرا بنبرة ملؤها النوم
: تكصدين آيس كريم ؟
ترقيقها لحرف الراء تلقائيا هز جسد والدتها بضحكة قصيرة ، لكنها طالت لما لمحت الفزع يتجلى بنظرات جدة زوجها و هي تسمع ما لم تسمعه من قبل ، و بإسلوب متفرد خاص بعفاريت الاجيال الحديثة !
تبنت الإجابة عن سؤال صغيرتها بلطف ، متزامنة القول مع حملها إياها لتنزلها ارضا ، فتدفع ظهرها برقة تتواءم مع الهمس اللطيف : إي آيس كريم ، يللا ماماتي روحي يم بيبي ، سمعتيها قالت تحبج
تلونت النظرات بالحياء اللذيذ ، و صارت تحاول الالتصاق بوالدتها بدلال سافر برى الجدة بوجدها ، و ما ان بلغ سيل صبرها زباه جرتها بشئ من قوة لتحشرها بين صدرها و الذراعين ، مقبلة خدها المواجه لها بـ دفء محبب ، نظراتها العطوف ، و الحاملة بطياتها حقد على والد الفتاة و زوجته اوجعت قلب الاخيرة فكادت تبكي قلة حيلتها التي أدت لتمزيق شغاف قلوب محبة
إكتفت بمراقبة حوار دار بجلسة تعارف ، تجملت بالبسمات ، و تلألئ النظرات
: حبيبتي شسمج انتي ؟
لم تجبها مباشرة ، بل مطت شفتيها تحاول الخلاص منها و لكن لا مفر ، استجدت والدتها فخذلتها ، لتستجدي لسانها الطويل فكما العادة ، أبهرها بمعونته ، إذ نطق بما تتمناه نفسها المشاكسة
: اسمي جود و لكني لا أعرفكييي فعليكي ان تعرفيني بنفسكي انتي ايزاااا
بهتت الجدة بلقطة كوميدية ، لتلتقط انفاس وعيها بعد حين ، فتعرف عن نفسها بـ بسمة ودودة : اني بيبي
رفعت رأسها نحو زوجة الاحمق ، المدلل ، لتراها تهمس لها بشئ ما ، إلتقطته اسماعها لتعيد قوله للطفلة ذات كومة الصوف الاشقر ، و عيني القطة .. المستذئبة
:حبيبتي جوودة ، شقد حلووة ، شقد حبااابة
: سحييح جدتي ؟ أنا حلووووة ؟
: هههه صحيح حبيبتي كللش حلوة انتي ، حتى احلى من امج
: جيد
همم طيب من احلى انا ام العمة لينا ؟؟ العم عمر السرير يكول بأن عمتي احلى
الاستمتاع ولى فارا مما رآه ، إذ الجم القهر لسانها ، فتراها همست بـ حقد و نظراتها تحط على الام : حتى لينا و رجلها يدرون بيها ؟ و اني طرطووور ، خرااعة خضرة " فزاعة " محد يقلي
بهت لونها و تلعثمت الحروف قيد الاعتذار ، و قبل ان تهم بقول شئ تتمنى لو يخفف من وطأة الصدمة قطعت عليها المسنة الطريق ، بقولها المستنفر : إنتي و رجلج قهرتووني
حييل قهرتوني ، الله يساامحكم ، شدعي عليكم و الي يصيبكم يصيبني !
إختنقت بغصة تود الإفلات منها ، فتكومت كـ كتلة من جماد على مقعدها ، تضم ذراعيها لصدرها ، و تستمع للمحاورة المستئنفة بين جيلين بعيدين ، تراقبهما بعينين تفيضان اعتذارا و ندم ، عينين قليلي الحيلة
: إي بت علي الكللللب ، شلونها عمتج لينا ؟
: لا تكوولي على ابي هكزاا ، أنا لاا اسمح لكي ، أفهمتي ؟؟؟
تهديدها اقترن بالفعل و هي تكشر على انيابها و ترفع سبابتها بوجه الجدة ، نظراتها تتقد شررا و صوتها يأتي مصرورا شهيا ، افلتت الجدة ضحكة قصيرة ، ختمتها بتنهيدة متحسرة على الحال ، لتتمتم شاردة : و اخيرا لقى وحدة غيري تدافع عليه ، و تحبه
لم تدري بأي نصل اصابت القلب المرتق بـ سبعين خيط و آه ، ذاك الذي شاخ من جور ما ابصره ، و عاشه .. فـ عشقه !
: شعندج هنا ، قومي روحي ورة رجلج ، لتروح تذب عليه سمومها و مثل مـ خلته يتزوجها اول مرة تخليه يرجعها هسة
اجفلت كـ من لدغ ما ان حاكتها الجدة دون ان تترفع بالنظر نحوها ، تلاعب الصغيرة و تناغشها ، لدرجة اصابتها بشك بأن ما سمعته كان صوتا من وحي القلق !
و لكن تبدد الشك باليقين و هي تلمح باب المدخل يفتح ، ليدلف الطبيب ، بهيئته الشبابية اللذيذة ، و نظرته الحانقة الراكدة على اللا شئ ، نقل بصره نحو مجلسهم دون ان يدنو ، كانت الصغيرة تجلس مولية الباب ظهرها فلم تره و إلا ما كان سيتخلص من ثرثرتها التي باتت له عقارا مزمنا ، لداء عضال .. بريق سطع على سطح المقل اختفى بعد حين و هو يكمل طريقه اماما ، حيث حجرته
: شعنددج قاعدة ، قومي وراه شوفيه ، من نعلعلااا قلب قلبه ، شقد يسوي مصاايب ما اقدر اعوفه يلوب من القهر
استقامت منصته للرأي الحكيم ، و قبل ان تبتعد تحدثت بذات صدق لم يتوارى خلف ستارة الخجل : بيبي ، سامحينا .. و الله العظيم كلشيي صار غصبا علينا ، و الله لو بيدي جان عمري مطخيتكم بـ أي شي مو زين ، والله
: ربج رايدها النا و الج ، و ان شاء الله يجازي صبرنا
: زين لتحقدين على علي ، و الله مـ ـو بيده
: لو احقد عليه مجان هذا حالي ، تعرفين رجلج يدووس ببطني و اقله خوش ، قلبي يحبه و يخاف عليه من الهوا الطاير
: زين لعد خلي ابوسج بوسة رضا
؛
أتبقين فوق ذراعي حمامة ؟
تغمس منقارها في فمي
و كفك فوق جبيني شامة
تخلد وعد الهوى في دمي
أتبقين فوق ذراعي حمامة
تجنحي ... كي أطير
تهدهدني ... كي أنام
و تجعل لأسمي نبض العبير ؟
و تجعل بيتي برج حمام ؟
محمود درويش
بجسد متعملق بمصائب أودت بـ ذبح ما كان به طفلا ، يقف منحنيا مستندا على سور الشرفة بـ ساعديه ، شابكا اصابعه و من بين بعضهما يدس إصبعا حادي عشر ، لا يشابههم الهيئة ، لكنه يرافقهم دوما !
عيناه تتجولان على احدى اجمل صور إبداعات الرحمن ، فـ شقته تقع في " شقلاوة " ، لقربها من مقر عمله ، بعث الله لساكني شمال العراق أرضا تحمل من الحسن أجمله ، تلك الجبال الشاهقات بـ إخضرار عشب و اشجار اكتسحتها ، سماء صافية ببريق أزرق ، و شعاع أحمر يشق اطراف النهار
سبحانك الهي ، كيف تكون جنتك و هذه دنياك ؟
لم يشأ أن تبتر لحظات خلوته النفسية ، و صفوة ذهنه ، إلا إن أمنياته لم تعد مباحة بوجود من تشاركننه المنزل ، و القلب !
خطوات هادئة راحت تدنو بتردد من موضعه ، فتذمر بصمت منزعج
: علي
دون ان يلتفت تحدث بصرامة : لتجين ، تبينين
قالها ليعتدل فيرفع يمينه القابضة على الرفيقة المكملة العدد ستا ، فيجر نفسا طويلا ، و من ثم يدهس العقب في المنفضة الموضوعة على الطاولة الصغيرة المحشورة في المكان
إستدار بعدها لينبهر الفؤاد بحسناء الوجه ، من لا يكتفي من التمتع بـ جمالها الذي قد يكون لغيره اعتياديا ، إلا هو .. فلا ينبض بـ صدق إلا حين لمحه طيف زهرته ، و سماع ذكراها ، فأنى له النبض حين ابصارها كاملة و دغدغته بـ صوتها العذب
تعلق بصره لثوان بـ مقدمة ذيل الحصان المعروضة من فوق رأسها ، و تمنى بحق أن تمتلأ فراغات يده بـ خصلاتها المغرية ، بتعنت من طبعه إستخدم الانامل بـ تعبير أخر على مشاعره ، ألا و هو الغيظ ، ليهز بها اماما قليلا و كأنه يدفعها لتلج داخلا
اوهمته تفاصيل الغضب على ملامحها بالرضا ، لينفرد اكفهرار الوجه قليلا ، و ترتسم إبتسامة مشبعة بالوقاحة بنظراته المستلقية على القد الرفيع ، و الذي كان يوما ممتلئا بإغراء ، يوما فقد به صوابه و إجتاحها به دون ابصار دلائل خيانتها لميثاق لم يكتباه !
تقلب ببصره هنا و هناك ، مستمتعا بحلاوة وجودها قربه ، رغم كل شئ هي هنا ، في غرفة تكاد تقسم جدرانها بأنها تعرفها من قبل ، بل و قد رحبت بها مرارا ، و كل ليلة ، لترتحل مع اول خيوط الغسق ، عندما يسفك دم العتمة ، في معترك دائم ، متناوب النهايات بين رابح و خاسر !
إنبلاج صبحه غدا سيكون مختلف ، فها قد أتت لتشاركه الحلم .. و ما أبعده من حلم ، و ما اضناه من إنتظار صبح
تنهد بحسرة شوق فلتت منه دون ادراك ، ليحاول لملمة شتات قد تلتقطه الاعين الماكرة ، و بالطبع هي لا تملك منها ، لكن الحذر واجب فقد يبصره المجانين و الذين بالتأكيد تعتلي مقاعدهم العليا مع إبنتها : لتطلعين للبالكون بلا حجاب ترة تبينين
: وين جنت ؟
سؤال صريح منقطع الإستجواب ، رفع حاجبه منبها ، لتتكتف متحدية ، بملل اجاب متحركا ذات اليمين ، متوجها نحو باب الحجرة : من هسة دا اقلج سوالف وين جنت و منين جاي و شعندك طالع ما اريدهاااا ، اني دم سنوني سوالف النسوان هاي
سبقته بخطى رشيقة و دون ان تدرك عظيم خطأها اغلقت الباب لتستند عليه رافعة بذقنها نحوه و صدرها يرتفع فينخفض بصورة مبهرة ، يختض القلب بقفصه مقهورا يتملكه من الغيظ سلطانا : و اني من هسة اقلك مجاايبني طرطور ، سكتتلك عالشقة لإن حقك ، بس مااال كل شوية تروح لشقة بيبيتك و انتتتة مطلق سارة ما اقبلها
كان قد وصلها ، اذ يكاد يلامسها إلا تعقلا ، يديه تنحشران في جيوب بنطاله القصير ، صدره منتفخ بخيلاء ، و رأسه يملأه غرور اعتداده بذاته ، و بقلبها المنتفض كـ أرنب مذعور
تبا لها كم تبدو شهية ، تبا لها و لغيرتها !
يا الله ، تكاد الاحداق تندلق من محلها لشدة تورمها المحتقن بالغضب ، يالها من جميلة ذات عقل صدئ
لم يعلق إلا بما وجده مهما : ماكو داعي اقول بيبيتي مقصرت ، رأسا قلتلج عالطلاق و الله العالم بعد شقالت
و بعدين إنتي شعليج ؟؟ جلناار لتحسسيني انتي الزوجة الصالحة و احنة الناس الطبيعين ، لإن هالشغلة تلعب النفس ، ماشي ؟
: إنت شقد ما عندك احساس
تزامن القول مع قبضة سددتها لمنتصف صدره ، لم تحيد يمينا او شمالا ، لينتهي بها الامر شاهقة بوجع شق هدوءها ، لترتد بخطوة مدبرة فيرتطم ظهرها بالباب المغلق ، رفعت يمينها تهزها بقوة و سرعة لتغدق عليها بكومات من النفخات التي زفرتها بلهاث يلتهب
تأوهاتها علت بلا وعي ، لينطفئ بريق متعته و يحل اخر قلقا متوترا ، جر يدها من المعصم لتنكمش ملامحه بعد أن لمح ما حل بقشرتها الملتهبة إثر الحرق الحديث ، الغبية هاج بها الغضب لينتهي بإيلام ذاتها
وجد نفسه هو الأخر ينفخ عليها بـ رقة ، محاولا قدر ما يكون تمسيد المناطق السليمة كـ طريقة مخدرة ، شهقاتها و دمعة مرت من الاحداق غازلت رأفته لتخجل ، و لتختفي تحت نقاب المزاح
: أم دميعة كافي ، شدعوة هالرقة يابة
: ووووخررر اييدك دتأذيني اكثرر ، عصرتني
فعل و لكن قبلها اهدى رسغها " عصرة " لتكون صادقة القول كما يحب أن يراها ، تأوهت بـ نظرات دامعة و جبينها يتجعد بحنق ، حاولت دفع صدره بيسارها و اليمين تستند على صدرها المهتاج
ترنح خطوته ، مكنها من جر انفاس تتعطر بـ رائحة غسول الشعر الممتزجة بـ أحد أفخم العطور ، و أخرى تعيسة ، خنقتها !
: ريحة جكااايرك تكتممم
تمكن منه القهر لوهلة ، كان على وشك شهر سيفه ذا الحدين ، لكنه تعقل تاركا إياه بغمده محذراا إياها بأن التعقل لا يعرف له سبيلا ، و أحيانا كهذه يخطئ السبيل فيصله ، و عليها ان تكون ممتنة !
: روحي حطي الدهن لإيدج
: هسة افوت اسبح ماكو داعي
بإمتقاع اجابته ، و رأسها مطرق و انامل اليسار تداعب اليمين بنعومة مدغدغة لجدران قلبه ، إنبسطت ملامحه ، و افتر عن ثغره طيف بسمة تحمل تحت طياتها لا استيعاب لكون أول الحلم هنا امام ناظريه ، و بقيته في الخارج ، حيث احب الناس لقلبه !
: ليش رحتلها ؟
همست بها لترفع رأسها ببطئ ، تراقب تقاسيمه التي وجمت ، نازعت خوفها لتدق بكعبيها أرض الضعف ، و دون تردد كررت : علي ، شعندك رحتلها ؟؟
: إنتي شعلييج
قالها ليستدير موليها جنبه قاصدا الشرفة ، لتركض مجددا بقدمين حافيتين فتسد طريقه ، على عتبة الباب ذي الزجاج العاكس ، بحركة سريعة جذبها من كتفيها ليبادلها الموضع ، فيصير هو بجسده الضخم سادا فتحة الباب المشرع ، و بحاجبين ارتفعا علق : مو قلت لتطلعين تبينين ؟
نظراتها صوبت على حدقتيه بجرأة لا تناسبها ، أنساها غيظها منه ما كانت عليه ، لترتدي زي التمرد : قلي شعندك رحتلهاا ؟
إزدرد شوقه ريقا ممتلئا بلعاب الحنين لما لمح خصلاتها الطويلة تتفرق لتتوسد بعضها مخدع كتفها بتموج مذهل و تتغنج قرب اصابعه الخشنة بتمايل مثير ، بإمتناع راغب ! و البعض الاخر شق صدره ليتوسد الكبد ، و يتزحلق فوق سطوحه الملساء ، راسما علاماته المميزة ، ناحتا حروف إسمها و لون المقل !
رف جفنه بـ معترك ' نزلاءه شوق و قهر يجلد ذات متمردة ' ، بتحشرج اذهلها علق و ما زال كفيه يتوسدان كتفيها ' كافي خبال ' ، لتتحرك شمالها خطوة ، فتتلمس بعضا من بعض ما اغراه ، ارتج قلبه بعظيم انفجار هز اركانه الساكنة ، ليدوخ بنظرة دامعة ، فصار بحارا غرق في دمعة أنثاه ، لا محيط سفينته .. رفت اجفانها لتتطاير اللألئ من محاراتها ، لتكون يمينه بالمرصاد فتلتقط ما قذف بـ أنامل حاولت تخفيف وطإة خشونتها ، همس بـ صدق : جلنار الله يخليج ، و الله لعبت نفسي من البجي ، كافي
اشاحت ببصرها و الخجل تسربل برمشيها المهتزان ، لتصيبها عدوى الصدق ، فـ تعترف بيأس
: كل اهلك يكرهوني ، يحسسوني اني وجه مصايب و بس جيت يعني الله يستر ، صححح اني وياهم و حجيهم كله صدق ، بس هالشعور يوجع علي ، و الله يوجع
حاولت اكون طبيعية وية بيبيتك و يمكن لإن ...... هية معصبة عليك شوية سمعتني ، بس والله خايفة من امك ... و سـ ـارة ، ادري بيها مرح تسكت ، علي لترجعها ، إذا رجعتها ما ابقى هنا ، و ترة مستعدة اعوف بتي و اروح و لا اتحمـ ـ
حرر كتفها لتتذيل احرفه بالسخرية : لهالدرجة بتج رخيصة ؟
ذبلت مقلتاها و نشيج مبتور بشهقات علا من مكامن الروح دون الجسد الصامد : لتشكك بحبي الها ، لو مو احبها بخبال مجان ذبحت نفسي و ذبحت ضميري كل هالسنين
بذات النبرة الهازئة اضاف : و ذبحتيني
تنهيدة فرت من قبضة تماسكه ، ليكمل بصرامة هذه المرة : جلنار باوعيني
هنا ... إنتي مرتي ، غصبا ما على اليقبل و الميقبل ، مررتي و ام بتي و هذا البيت بيتج ، محـــد يقدر يسمعج حجاية و اذا خايفة من مواجهة امي و سارة اقلج امي معليها بيج ، " و بسخرية " هه أصلا هية شوكت احترق قلبها على ابنها حتى تحس وجودج خطر علية
بللت شفتيها لتهمس برجفة : وجودي خطر !!!!
ضاقت عيناه ليقول دون مواربة : إنتي شتقولين ؟
و لما لم تجيبه سوى بإشاحة ملامح حسنها عنه زفر ثم اضاف : رحت لسارة دا اعرف منها ليش مقلتلي على بتي و هية تدري ، و على فكرة ترة هية ذكية و الكذبة الي مشت على بيبيتي معبرت عليها
بس مو مشكلة ، مـ رح تأذيج بحرف ، بس بنفس الووقت ، " رفع سبابته بتهديد صريح " كلممة زايدة منج بحقها ما رح ارحمج ، مو اخر عمري اقعد افاكك بعركات نسوان
قضمت شفتها السفلى لتحبس صريخ سعادة هتف بها قلبها ، زجت بنظراته خلف قضبان فلكها الواسع ، لتتدلل بـ ضحكة : هه علي .... قلي انتة تحجي وية البيشنتية " المرضى " هيج ؟
رفع حاجبه ليتكتف مميلا برأسه ذات اليمين ، برم شفتيه مدعيا التفهم ، لينطق بعدها : رجعنا لإسلوبي المعااجبج ؟
تداعى الخجل ، فأفصحت عما يشدها و يزعجها فعلا : مو معاجبني ، بس انتة طبييب ، المفروض تتعامل بذوق اكثر ، شنو هالالفاظ
هذه المرة إحتدت نبرته و شع الغضب بالاحداق ، بصوت مصرور و كأن رفيقنا بات يبصق كلماته : لا و الله تعالي اخذيلج راجدي " صفعة " ربيني بيه و خليني اتعلم احجي عدل ، الظاهر عاجبج تسويها
ليصيب القلب و الروح مساس كهربائي ترتج له العمارة و لربما المدينة ، جسده تصلب على حاله ، شامخا بأنف الرجولة ، متزمتا بعنت افكاره المخضرمة ، متكتفا و كأن به يحفظ قبضتاه من أن تفر من سجن زجها به بعنوة ، بلا شعور اطبق جفنيه فلا حاجة لبصر الاعين و القلب يقف كأبله ، متوسع المقل و منفرج الفاه صدمة !
ذراعاه المشدودتان بعضلاتهما ذوات الاوردة البارزة اصابهما تشنج فصارتا كقضيب من حديد ، ينقل الصدمات الكهربائية بعنف قاتل ، و كأن صورتها التصقت بـ عدستيه ، فرغم اغماضه العينين ظل يبصرها ، تتقدم خطوتين تفصلهما ، لتستند بيسارها على ذراعيه المستلقيين فوق مخدع صدره الواسع ، الوثير لدرجة أشقتها .. تقف على اطراف اصابعها كي تصله ، كي تصله ... أتصدقون ؟ أ مسكم ريب من كونها ستهديني " صفعة " تؤدبني بها ؟ تحسن الفاظ لساني ، لم تفعل ، بل اعادت برمجة القلب ، و نبضه .. من جديد ، بثغر رقيق حط على اسفل الخد ، بقبلة أطالت عمر عشقه ، نعم .. بات صريحا مع ذاته ، إبنة أبيها إنتشلت صفائيته من وحل الانتقام ، شذبت اطرافه النافرة ، و برت حدة نباله التي اصاب بكثير منها كبدها ،
: عاجبني أقلك .... إنتة عمري ، و عمري كله فدوة لكلشي بيك ، علي هواية احبـ ـ ـك ، فـ ـوق متتخيـ ـ ـل و مدا اقـدر اصدق اني هنا .... ويـ ـاك ، و بتنا ويااانة
لتبتعد ، هكذا .. زرعت بقلبه وتدها ، و اعادت تربية قلبه ، لتغادره ، عطرها الرقيق جدا لازال يغازل حواسه اجمع ، فتتقلص تلقائيا ، ما ان فتح عينيه و ابصر ذاته وحيدا ، حتى رفع يمينه لتحط حيث كانت .. زهرته !
كم كانت ايامه جافة متيبسة الاغصان دونها ، و ها هي تعود لتبللها بريق العشق ، و ندى حب نبت بين قلبيهما منذ الأزل ، ستسقي جرداء ارضه بـ وافر السقيا ، فتخضر و تزهر صحراءه ، و يصيرها القرب سهولا بربيع دائم
و عذلت أهل العشق حتى ذقته
و عجبت كيف يموت من لا يعشق
و عذرتهم و عرفت ذنبي إنني
عيرتهم فلقيت منهم ما لقوا
ابو الطيب المتنبي
.
.
.
يستلقي على السرير بإعياء ، جسدي يصاحبه ذهني إذ اضحى مضطرا لمجالسة المزعج طيلة فترة تواجده في البيت ، فالجدة الحنون ترافق إبنتها في رحلة الى عيادة احدى الطبيبات ، بهدف إطمئنانهم على صحة الحفيد القادم ، بينما الأم و كأنها بحرب طاحنة مع الأوساخ الغير مرئية من سواها ! ، تنهك قواها بالتنظيف كما لو أنها لم تكن يوما من سلالة السلاطين !
لذا لم يتبق غيره ليرموا على كاهله هذا الأحمق .. بصراحة ، لم يكن احمقا فعلا ، بل على العكس كم من مرة فاجئهم بـ فطنته ، و كأن بعمره دق ابواب العام و اكثر
بصدر عار مهدود القوى ، يكاد الوسن يتغلب على وعيه ، و يرديه غافيا لكن المنبه الدائم العمل على الازعاج لم ينفك أن يصيح ليفز من قيلولة ذهنه المرهق ، مفلتا سبابا مضحكا بحق من يشاركه السرير ، لا يرتدي سوى حفاضا مضحكا
رأسه يميل نحو شريكه في المسكن و السرير و الأنثى التي يعشق ، فهذا القزم إستحل جزءا من روح السلطانة ، فصارت تدلله بطريقة مغيظة ، و كإنها ليست ذاتها اللين التي قضت ليال بقلب مسهاد و لسان يتذمر من عدم احتفاءها بمشاعر الأمومة ، التي ما إن شعرت بها حتى تقازمت الاشياء بعينها ، بل الاشخاص كلهم اختزلت مناصبهم ، ليحتل ذو الذوق المنعدم المساحة الكبرى
بإنزعاج ابعد وجهه عن مرمى اليدين الصغيرتين ، تلكما اللتان لم تبرحا أن تشاكسا ملامح العملاق القريب ، ذاك الذي زفر بـ صبر نافذ ، ليضرب بسبابته ظهر اليد الشهية بطراوتها
: نور بابا شوكت ناوي ترحم ابوك و تنام ؟؟ ترة لعبت نفسي ، راح اطلق أمك و اخلص منكم اثنينكم
اي اطلقهااا شحصلت منك و منها ، لتباوعني هيج ، رأسا خفت على امك ، شدعوة يابة
ملامحه المنكمشة بتواءم مع اسهابه في الشكوى ، خدشت مشاعر الصغير ، ليعلو صوته محتجا ، شاهرا سلاحه الوحيد بوجه من يتطاول على والدته ، غاضبا ، حانقا تكاد شفته السفلى لشدة التبرم ان تلامس ذقنه المزين بغمازة جميلة
صوته الصارخ ، و دموع احداقه جعلت من الوالد يتملل أكثر ، ليميل نحوه فيرفعه بشئ من كسل من منتصفه ، و بيد واحدة ، و كاد أن ينسكب كـ كوب حليب لولا ان تلقفته يده الاخرى ، ليحط به على صدره ، فيتقابل الرجلان ، الصدر بالجسد !!
ظل محتضنا اياه باليمين بينما الشمال قررت مداعبته بإستمتاع لحظي ، ما إن توقف مدلل أمه عن النحيب ، حتى ثرثر الاب ذو القلب الحانق
: انجب لتدافع عليها ، لك قامت تحبك اكثر مني !!!
أني التعبت و ركضت و طلعت روحي لحدما حصلتها ، تجي انتة " أبوو بولة " عالحاضر و تاخذها ، يا كلب
لم يجيبه الصغير ، بل أرخى جانب وجهه على كتفه ، ليحتضن بيمينه الصغيرة السبابة الضخمة ، محاولا إيلاجها بفمه ، فيرفع العملاق جذعه قليلا ليجر اصبعه دون التحرش بعفاريت صغيره الوفية ، فنجح ليفشل .. إذ ما ان ضاعت من صغيره الرضاعة الضخمة ، حتى عاد ليكتفي بحشر إبهامه الصغير بثغره الاحمر ، و الوسن صار يغازل جفنيه الحالكي الاهداب ، فصار يمسح على ظهره برقة متناهية ، و بعادة إعتادها ، صار يهمس بـ سورة الفاتحة و من بعدها المعوذتين ، يتبعهم بـ الإخلاص
؛
أنت يومي و غدي أنت و ما - من زمان مر بي لم تك همي
آه كم أغدو صغيرا ، حاجتي - لك كالطفل إلى رحمة أم
و لكم أكبر بالحب إلى أن - أغتدي مستشرقا آفاق نجم
أي سر فيك ، إني لست أدري - كل مافيك من الأسرار يغري
إبراهيم ناجي
بملامح باهتة ، يتجلى الشحوب بوضوح على تقاسيمها راحت تجوب الرواق جيئة و ذهابا متوترة الجسد مشدودة الاعصاب ، بثوبها البيتي القصير الذي لم يكد أن يلامس الركبتين ، ذي الاكمام الهاربة من الكتفين ، و شعرها المرفوع بكتلة كروية مهملة ، بعض منه يداعب العنق الطويل المغتسل بحبات عرق ، و اخر يستلقي بدلال فوق الجبين المحمر ، يدها تدلك مكان الفؤاد الهلع ، لم تتقبل ما حصل ، ليس الآن ، تكاد تبكي قهرا !
حاولت تكميم فاه الضيق المؤنب لها ، و غباءها ، لتجر اذيال ضيقها فتتوجه نحو شريكها في الجريمة ، لم ترفع " شعرة " عن موضعها الخاطئ ، لن يراها بعد الآن سوى بمظهر مبتذل ، يستحق العقاب
باب حجرة النوم الموارب كان اول من عوقب ، ليشرع بقوة هزته دون ان تمسس من كانا سابحين في اعماق الحلم ، و كإن ما سكنها من قهر قد تبخر بعد إبصارها تلك الصورة الرائعة ، فليثها يستلقي عاري الصدر ، و فوقه شبله يشابهه في العري ، ارتج قلبها و طنت اذناها ، لتمتلئ الاحداق بماها ، إزدردت ريق شوق للتقدم منهما و حشر نفسها بين جسديهما الملتحمين ، و لكنها تعقلت فـ إن إستيقظ المجنون لن يردعه شئ عن الصراخ كمن أختطف من حضن امه !
ببطئ خلعت صندلها البيتي ، لتتحرك بقدمين حافيتين حيث السرير ، رفعت من تحت الوسادة هاتف زوجها ، و بـ حركات سريعة راحت تدور حول السرير ملتقطة اكبر عدد ممكن من الصور و من زوايا تعددت لهذه اللقطة الفريدة ، يا الله ، و كأن اللين ضاعت في يوم ما و إستبدلت بذات القوام المطاطي هذه ، إذ صارت تتشكل كطين لزج كيفما يمليه عليه محيطها !
انفض القهر لـ حيث لا تعلم بعد إبصارها روعة المنظر ، فتربعت على السرير قربهما ، تراقب و تطمئن قلبها كل ذي نبضة بأن صدريهما لا زالا يعملان ، لا تعلم كم مر من وقت و هي على حالها و لكنه لم يكن بطول مأساوي لتدرك بأن زوجها المسكين المبتلى بزوجة كهي ينام بعضلات متقلصة ، خوفا من أن يسقط الثقل من على منكبيه ، دون ان يدرك حقا ما كان كنهه
ببطئ رقيق مالت لترفع صغيرها و مقلتاها تسافران منه لأبيه برحلات ذهاب و اياب خوفا من أن يفقد احدهما حلاوة راحته ، ليفعلها الاكبر ، بـ كسل صار يباعد بين جفنيه ، شاعرا بفك أسره مما كتم انفاسه لفترة ، مدد ذراعيه و زئيره علا ليجفل من اولته ظهرها متحركة بالصغير نحو سريره القريب
إلتفتت نحو طفلها الكبير بعد أن تأكدت من هناء نوم الصغير ، و غطته خشية نزلات البرد الكريهة ، ما إن قابلته حتى تذكرت ما تراه مصيبة ، لتتورم حنجرتها بالكلام و يغص به الحلق خجلا ، إبتسامته الناعسة و جفناه المسدلان كل ذي لحظة تفننوا بـ دغدغة اطراف قلبها ، ليفتر منها شبه بسمة قلقة
: ها حبي ؟ شبيج ؟
صوته المتحشرج بنومه ادركها لتتحرك نحوه بـ توتر بدى على ملامحها .. لينعكس بحدقتيه ، حاول ان يعتدل جالسا فرفضت بحركة من يدها ، حتى وصلته فإفترشت الارض قرب وجهه ، اذ كان مستلقيا على بطنه و رأسه موجه نحو مهجة الروح ، مدت يدها على استحياء ، لتضعها على مرأى منه ، و دون ادنى جهد التقطت السمكة الطعم ، بل صار هو الصياد ليأسر ساعدها المستلقي قربه بـ ذراعه كاملة ، بعفوية قبل طرف سبابتها ليعود فيستفسر بهمس خشن و لم يكف الوسن عن مغازلة وعيه : حبيبي شبيه ؟ ليش ضايج ؟
: بس متضحك علية ؟
باءت محاولات الجدية بفشل محقق ، ليجلي حنجرته بـ كسل مخفيا ضحكته بصعوبة ، مصطنعا التفهم : لا ما اضحك ، تفضلي
لتحاول جر ذراعها منه بشئ من دلال حانق : عمرررر
اغمض عينيه مستسلما لدغدغة أعصابه بتلك النبرة المغنجة التي صارت له حياة ظل لأعوام يحلم بأن تداعبه : هههههه ، عيونه خلص أسف .. شبيه القلب مالتي ؟
كم ودت لو قبلت جفنيه ! يا الله كم صارت تعشق تفاصيل هذا العمر ، و ليس السبب ضعف منها ، بل هو من يعشق بكل ما فيه ، و يستحق أن تسحق النسوة أفئدتهن بحبه ، أمه و شقيقته و هي ، أما غير ذلك ، فهي من تسحقهن إن مر كـ خاطر مثير في افكارهن
منذ أن ملك قلبها ، إمتلكت تفاصيله ، بنت لها قلعة طابوقها خلايا الفؤاد ، لتجعله سلطانها الازلي ، متربعا على عرش مشاعرها ، و روحها
دون شعور رفعت يدها الاخرى فوق الوسادة و رأسه ذي الشعر الخفيف ، لتداعبه برقة شهية جعدت نهايتي جفنيه بإبتسامة ، بهمس داخ له نبضه نطقت : بس الله عليك لتضحك علية
هذه المرة فتح عينيه ليتابع تخلجاتها المتقلصة و نظراتها الهاربة بإستحياء ، صوته صار اكثر تفهما ، ليجد جلباب الجدية معلقا خلف باب متعته ، فإرتداه ليصير به ، رائعا : لين عمري شبيج ؟ دقولي يا عيوني .. و ما رح اضحك لتخافين
جرت نفسا طويلا يضاهي ازدياد حاجتها للاوكسجين ، فيمدها بطاقة لتنطق بحروف متعثرة ، يكسوها رداء الخجل : أنـ ـ ـي ، همممم ., يعني ،، .... احم ... يمممكن حامـ ـ ـل
رف جفناه بلا إستيعاب ، سعل ببطئ و للحظة او اقل ظل فاه فاغرا ، ليهمس بعد حين و احداقه تثبت على نظراتها الدامعة : اي حبيبي ، مبرووك .. زين ليش هالرجفة ؟؟ شبيج ؟
لم تكن هذه ردة الفعل التي كانت تخشاها ، و أيضا ليست ما انتظرت ، تغضن جبينها لتقول منزعجة و أناملها كفت عن مغازلة شعره : عمررر شنو شبيية ؟ بعدنيييي شفتهمت من نور ، و هم تعاالي اتحملي العملية و اللعبان النفس ، حتى النااس هسة شتقول علية ، و الله اصير نصبة " محط سخرية "
بقي متسمر الاحداق على هيئتها الفوضوية ، و منصت القلب لـ حديثها الأبله دون أن يفقه سببا يقنعه بما تعيشه من بؤس ، جر نفسا طويلا ، ليحاول ان يتشبث بأي خيط يصله باللطافة ، رغم حنقه الداخلي
: لين حبيبتي العالم تتمنى هالنعمة و يومية رايحة لطبيب و عمليات و ادوية و خبصة و إنتي ربج ناعم عليج و جاية تحجين هالحجي ؟
بضيق بترت تأنيبه الذي هز اوتار عودها : عمررر لتقول هيجي قابل اني مدا احمد ربي و اشكره مليون مرة ، أصلا اني هم تلث سنين انتظرت يللا الحمد لله صار عندي نور ، بس دا اقلك اكو مشكلة بالتوقيت
لتسترسل هي كمن يناقش بقضية هائلة الأهمية
: يعني خابرت رنا قبل شوية خبلتني لإن هية عدها توأم و تعرف التعب ، تقول حتى هسة نور يبدي يغاار من عنده ، بعده صغير خطية اجيبله اخو !! و اذا يغار رح يبدي يسويلنا مشااكل و يومية يتمرض ووو
يريها السها ، و تريه القمر !
أي غيرة تلك يا سلطانة ، بربك ، إكتفي من تقليب قلبي بين يديك و على ما تشتهي نفسك ، إكتفي
: لينا قومي
قال قوله بتزامن مع تحرير ذراعها ، و إستدارته السريعة اذ صارت مؤخرة رأسه مقابلة لها ، بغيظ حريمي قبضت كفها لتضرب كتفه ، و نبرتها تسربلت بالحنق : عمرر شنوو هااي ، حسستني ما ادري شقلت ، اندااار " إلتفت " ، عمرر مو دا احجي وياااك لتخليني اكرهك اني صدق مقهورة
بنبرة مثقلة بالنوم ، و الكسل علق : لينا من تعقلين قعديني ، هسة نعسان اريد اكمل نومتي ،
: شنوو تكمل نومتك و ترتاح ، ناقشنيي ، أقلك ما ارييد جاهل هسة اني نور و قوة دا افتهم شلون اتعامل وياه ، و لو مو ماما وياية جان هسة خبلتك ، هالمرة يجيني واحد لاخ
عمر جاوبني
عمررررر
: قلت من تعقلين تعالي ، هسة روحي ليقعد ابنـ ـ
ليستحق منها لكمة اخرى على كتفه ، تتلوها قرصة و من ثم خرمشة ، تأوه بغيظ ليفر مبتعدا عنها مديرا جسده ليصير على جنبه مقابلا اياها ، جبينه مجعد بالغضب ، و اوداجه تنتفخ غيظا ، هددها بنظرة فلم تهتم ، بل استجمعت قوتها مع القهر و النفور ليسفر عن خلطتها قبضة قوية سددتها لمعدته و أخرى لذهنه بقولها المجنون " قوووم شوفلي حل للمصيبة " ، تلوى بتلقائية ليصرخ دون شعور : لج ليييين مخبببلة
و بلحظة خاطفة كان قد احكم القبض على ذراعها الجانية ، ليجرها فيرتطم جسدها على المخدع الوثير قربه ، و هو جالسا متمكنا من فريسته المذعورة ، بـ فزع مضحك رفعت كفيها لتصيح عجلة : لالالا عمررر حااامل حاااامل لتتهور
بنرفزة عصر معصمها ، مرددا : هسة صرتي حاامل ؟؟ و صارلج ساعة مو تشكين و تبجين منه و ما اريده و نور يغار و مصيييبة !!
كادت ان تنزع عن وجهه ذاك القناع ، بدلالها المتقن و هي تتلوى للنفاذ من العقاب : لا عيني ابني هذا و ابن حبيبي ، طبعا اخاف عليه
: تخافين عليه ؟ زين بربج مستحيتي و انتي تقولين مصيبة ، إلي يسمعج شيقول !!!
ضحكت بـ لا شعور ، لتبعد وجهها عن مرمى يديه ، وهو لم يبارح موضعه قربها ، مسيطرا عليها من علو ، حاولت تحرير يدها المأسورة بأختها الحرة ، ليعود فيثبت الاثنتين بقيد واحد ، و يرميهما خلف قضبان واحد
بعتابه اللذيذ راح ينكأ خلايا الخجل بها ، فصاح الضمير مؤنبا صافعا خديها بتزامن مع شدة حروف حبيبها الهادئ : يعني الله عليج هاي عدالة ؟ جاي تعبان و متكسررر و تحملت خبال ابنج و نيمته و شوية اخذتلي غفوة تجين تقعديني علمود هيج شغلة ؟
؛
|