كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أبرياء حتى تثبت إدانتهم
بِسمْ الله الرحمنْ المنآنْ ،
وآسعَ العَفُو و الغُفرآن
×ِ
اللهُمَ صَلِ و سَلمْ و بآرك على حبيبكِ سيدنآ مُحمَدْ و علَى آلهِ و صَحبهِ و سَلمْ
/
صبآحْ الإقحُوآن بهذا اليُومْ المُبآرك
أحبتي ،
طآل إنتظاركمْ .. لآتييكمْ بـ إدانة طويلة جدا .. و مشبعةْ
أتمنى أن تستمتعوا بـ معايشتهم رغم لفحات الحُزنْ
لا تأخروآ صلآتكمْ يَ قطع السُكر ولآ تنسُوا تلآوة سُورة الكهف
×
الإدانة السآبِعة عَشرْ
لا يغني حذر من قدر ، مقولة إعتدنا ترديدها ، فـ صار سيان توخينا للحذر او عدمه ، إذ إن قدرنا موشم على الجبين منذ الصرخة الأولى تلك التي تبسمت لها الاوجه ، و نبضت لها القلوب متراقصة فرحا ، ! تعثرت اقدارهم ، لتذيقهم من المرارة ملاعقا ، تغلى السوائل بكثافتها فوق مواقد الوجع ، ليرتشفوا من الدلاء بـ علقمة ، وأد الفرح قبيل موعده ، أجهضت أجنة السعادة و مازال نموها غير مكتملا ، جنين يتلوه اخيه ، ليبقى رحم الحياة موحشا فارغا ، ينزف حاجة لمن كان يملأه و رحل ، هي أقدار ، نتجرعها ولو كانت سما ، و نحمد الله على إبتلاءه ولو كان للقلب ممزقا و لنياطه ذابحا ، فـ ربنا العظيم هو الاخبر بنا منا ، وهو الالطف علينا ممن حملننا في الارحم تسعا من الاشهر ،!
فـ ' قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا '
' وعسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم '
؛
-1-
أجل! أهواكِ أنتِ مُنى حياتي
وأنت أحب من بصري وسمعي
وهل أنساكِ كلا لست أنسى
هوى قد كان إلهامي ونبعى
لبست من التصبرِ عنكِ درعا
فها أنا تنزعُ الأيامُ درعى
وها أنا لست أدري عنك سرا
عرفتِ محبتي ورأيتِ دمعي
تلاشت قوتي وغدا قؤادي
كأن خفوقَه خلجاتُ نزعِ
ابشره فيرقص في ضلوعي
وأنظرُ سودَ أيامي فأنعي
وقد نضبَ الخيالُ وغاض طبعي
ومات على حياض اليأسِ زرعي
أجرجرُ وحدتي في كل حشدٍ
وأحمل غربتي في كل جمع
-2-
مزَّقَته فصار والله لا يقدر
حتى أن يسأل اللهَ رفقا
لجةٌ بعد لجةٍ كلما صارع
ردت له أمانيهِ غرقى
فيلقٌ بعد فيلقٍ حجب الشمس
ولم يبقِ للنواظر أفقَا
وسنانُ الغروب تغزوه حمرا
وسنانُ العذاب تطعن زرقا
وجيوشُ الظلامِ تزحفُ زحفاَ
وثقالُ الأقدامِ تسحقُ سحقا...
إبراهيم ناجي
يجلس مقابلة الطبيب ، بقلب متقلص حد التيبس ، و كإنه صار قطعة من حجر مشحذة الأسطح ، لا عمل له سوى تمزيق ما يجاوره من المعالم الشبه ميتة ! فيغرق بدماها المثخنة بـ بقايا كتل ممزقة ، يشعر بـ هالة من جمود تتكتل حول جسده ، يضج الحديث مسامعه ، و تتهافت الاصوات من حوله و كإنها صرخات لعفاريت و أشباح ! و رغم هذا و ذاك ، و رغم فوضى ادرك بأنها صارت تحوم في الانحاء ظل واجما صامتا و كأنه لا يفقه ما يقال ، بل أسوأ ، فصار و كإن به أعمى ، أصم ، و أبكم ! فـ لم تسعفه عيناه في فك الغاز الصورة الإشعاعية لـ رأس حبيبته ، تلك التي إستلقت على الاسرة لتتفحصها الأجهزة المختلفة بـ إستسلام و كإنها تنصت لـ صوت قدرها و تهتم بـ إتباع أوامره ، مرة أشعة رنين مغناطيسية MRI ، و أخرى مقاطع اشعاعية للرأس CT scan ، و فوقهم تحاليل متكررة لـ دمها الأثمن عليه من نبضه ، كم من مرة سحبوا منها الدمى و كادت أن تغشى بين يديه ، و هو .. يرى ، فقط كان يرى ، فكيف يلام على فقدانه البصيرة بعدها ؟
أما الحديث فـ لا زال عازفا عن سماعه ، فـ بعد إسبوع كامل من أنين و آهات فرزتها حنجرة المحبوبة كيف لـ أجهزته السمعية أن تستمر بعملها الواعي ؟ و حتى اللسان ، أيلام إن ثقل أو حتى اصابه الشلل ؟ ، نعم شلل ، فـ هو أضحى بـ لا قدرة على المواساة ، أي مواساة تلك التي قد ترضي به الروح ؟ ، أ يواسيها لوجع بدأ يستفحل و أمامها منه مشوارا قد يكون طويلا ؟ أم يواسي رفيق دربه الواجم بصمت الموتى ؟ ، أم يواسي قلبه و يرثيه بـ معلقات طوال ، يرثيه بـ مدامع تهل من الاعين الذابلة ، الأعين التي لم تشبع بعـد من إلتهام حلو الحياة ، لم يسعفها الوقت في إبصار الفرح ! حواسه شلت ، لا بد أن تشل وهو يغرف من آبار القلق و الرعب فالـ حيلة الميتة قواريرا ، يخلط كافة الاصناف ليشعل فتيل العمر و يغليها ، حتى تستعر فـ يكتفي ، و من ثم يصهر الاضلع بـ ارتشاف خليطه السمي بـ جرع مستمرة حتى تفيض اذناه !
و ها هو يتابع شاردا ما يدور حوله ، و كأن به محتجز بكوكب عازل ، أو صار شفافا لهم ؟ أ يدركون وجوده ام هو فقط من لا يدرك احدا بعد ما لاقى ما يخشاه ! ليت القلب من يمتلأ عقدا و اوراما يا عالمين ، ليت المرض يتغذى على جسده هو ، ليته هو من يستلقي محلها و يتجرع بدلا منها ذلك الوجع الصامت !
يارب ، رحماك ، كل ما يحدث لك به إرادة و حكمة ، نسألك الصبر يا رب ، الصبر لـ روحي ، و تهدئة أوجاع حبيبتي ، إلهي ، إلطف بها و بي ، يا رب !
: دكتور عمر ؟
و كأن بـ غيمة الهذيان الصامت قد فقعت بـ إصبع أحدهم ، ليتقلب جسده في الفضاء مئة إنقلاب في الدقيقة ، حتى يقع أرضا و يرتطم رأسه بـ حجر صوان ضخم يفتك بشروده الموجع ، جارا به حيث واقعه الكريم بالالم ، بـ نظرة باهتة و لون منخطف تكلم ، و حشرجة صوته بدت واضحة جدا للـ طبيب الستيني الأنيق ، و هو يستل من بين شفتيه كلمة تائهة ' وياك '
جل ما إستطاع البوح به ، ليتفهم وجعه الأخر فيعيد حديثه بـ إسلوب متعاطف ينافي الرسمية التي إعتادها معه : عمر ، قول يا الله ، الورم حميد ، يعني رحمة من ربك ، عملية بسيطة و ينشال ' ينرفع ' ، و شوية ادوية وبإذن الله تتشافى ، إبني إنتة رجال مؤمن و ...
بذات الصوت الشريد تحدث مقاطعا بعد أن جلى حنجرته ، و شئ من الإدراك راح يغزو فكره التائه : ونعم بالله ، بس دكتور ، حجمه محتاج عملية ؟ و اذا على كلامك يعني اكو اعراض ثانية هية مـ دتعاني منها ، وهية عمرها مـ شكت من وجع رقبتها او مفاصلها
بعملية بحتة و دقة في الكلام نطق الطبيب المباشر لحالتها منذ إسبوع فقط ! : إنتة سألتها ؟ الي فهمته منك انو هية إنسانة كتومة ، و هاية مصيبة اغلب المرضى عدنا ، يبقون ساكتين لحدما تتأزم الحالة و توصل لدرجة التعقيد ، المهم ، معلينة من هالحجي هسة ، أريدك تجيبها و يفضل هسة ، ورة نتائج الرنين و المفراس احنة تأكدنا من وجوده و نوعه ، بس بقى الشي الاهم ، اعراض المريضة نفسها ، لازم بالضبط نعرف التفاصيل منها هية ، وجع الراس و التقيؤ شي روتيني و ممكن يدل على اكثر من حالة ، و حسب مـ إفتهمت منها انو هية توقعته بالبداية فقر دم ! لحدما صارتلها حالات الاغماء ، لهذا وجودها ضروري حتى نشتغل صح
لم يعر لـ صمت الشاب اهتماما ، بل أكمل شرحه العلمي مدركا بأن كل ما قد درسه هذا الـ ' المبتدئ ' يوما قد مسح بممحاة الخبر الصاعق من اروقة دماغه ، و لا يلمه في ذلك : و اذا فرضنا كلامك اكيد و البنية ابد مـ شكت من مفاصلها او رقبتها او حتى ضعف بأحد حواسها فهالشي خييير إن شاء الله لأنه الاعصاب ممسوسة بالكتلة الحميدة ، و ممكن العلاج يقتصر على الادوية بس لإنو حجم الورم مو بذاك الكبر المقلق .. طبعا هذا الحجي كله افتراضات ، أهم شي نسألها هية عن الاعراض الي ممكن صايرة بغفلة منها
هز برأسه موافقا بصمت ، ليثبت كلا مرفقيه على ركبتيه ، و كفاه تفركان الملامح المرهقة ؛ زفر هما جثم فوق صدره ، لينطق و رأسه مطرق لـ حضنه و يده راحت تتغلغل بين شعيراته القصيرة : هسة اخوها جايبها بالطريق
: دكتور عمر اعرفك اقوى من هالوضع ، خلي إيمانك بـ الله قوي ، إنتة إنسان متعلم و واعي و تعرف إنو هالمرض مو بالخطورة السابقة و الاعمار بيد الله بس نسبة الشفاء عالية جدا و خصوصا هوة حميد ، اصلا إحتمال جبير حتى العملية مـ نحتاجها ، المهم تحط املك بالله و تستعجلون شوية
كان لا يزال مطرق الرأس ينصت بـ ضياع لكلام يقال و لا يحس ، بالتأكيد أن إيمانه برب الكون هو ما يصبره حتى الآن ، و لو لم يكن صابرا لـ شق جيب صدره و إستل قلبه ليبيعه مجانا فقط لتشفى ، بلا ألم ، بلا وجع او أنين ! و الله لا يقدر أن يسمع تلك الآهات و يصطبر ، إنها تمزق به الفؤاد بأوردته و الشرايين ، يا اله السماوات .. سيجن بلا شك قبل أن يكملوا المشوار ، لولا الله و من ثم علي لـ مات بهمه ، فـ الأخير كان اكثر صمودا ، و بأسا ، يحسده هو و جدا ، لـ علي قدرة على الصمود رافقته منذ الصغر ، ربوه كـ جلمود ، فصار واحدا ، يال حظا يمتلكه ليصطبر بـ رؤية ما تبقى له يذوي بين الموت و اللا موت !
: عمر ؟
ما إن وصله الصوت المهتم مجددا ، إستقبله بإيماءة صغيرة ، ليقف و نظراته هائمة بالـ لا شئ ، أو ربما الشئ الكثير ، فرك بالإبهام و الوسطى صدغه لعله يخفف من وطإة الأفكار الشرسة ، و كإن لا هدف لها سوى خلاياه الدماغية لـ تشويها قلقا فـ تناولها بشراهة جشعة ، جلى حنجرته لـ يتحكم بـ ضياعه لـ برهة : دكتور سعد ، اذا تشوف الوضع محتاج سفر فـ بلغنا رأسا
هز الطبيب رأسه متفهما و من عينيه ينطلق شعاعان مواسيان ، يحاولان صمتا أن يربتا على كتف التوتر الذي يعتري هذا الشاب المندفع ، زميل إبنته الوحيدة !
؛
تربض بجانبه على المقعد المائل قليلا بإستلقاء ، بـ بلوزة صوفية ثقيلة بلون بني داكن ، و حجاب صحراوي مع بنطال من تدرجاته اللونية ، يداها مدسوستان في جيبي البلوزة و رأسها يميل الى النافذة مراقبة الشوارع بـ مراكبها المتفاوتة الالوان و الاحجام ، نظراته تتناوب بين الطريق و بينها ، و كأنه يخاف أن يتوقف صدرها عن العلو و الهبوط فتفارقه ، تتركه كما فعلوا من قبلها ، لم يتوقع أن يسكنه الـ هول من فقدان سليطة اللسان ، أدرك متأخرا بـ أن لها في القلب حجرة رئاسية لا ينافسها على تأجيرها إنس ، يحرك المقود بـ يساره ، بينما اليمين مرتخية على الفخذ الـ معطوب ! يسكنه ألف دعاء صامت أن يكون ما بها هينا فتتشافى جسدا لـ يتشافى مع رفيقه روحا و قلبا ! ، إلا خبث الاورام ، لم يخطئوا حينما اطلقوا عليه هذا الإسم المسموم ، فـ هو مهيب متسلط ، لا يكتفي بـ قضمة واحدة من الاجساد ، بل يبتلع ما امامه كاملا جملة واحدة ، تاركا خلفه بقايا فتات ، أو مجرد رفاة !
يارب ، يكفيني ما فقدت ، فـ إحفظ لي هذه البقية الباقية ، أتوسلك يارب ، فـ ليكن اي مرض ، إي واحد إلا خبيث الخبائث ، فـ هو يزلزل العظام و يرممها ، كـ بقية حطام !
أدار عنقه قليلا نحوها ، عندما صدرت تنهيدة طويلة من ثغرها المائل للإبيضاض ، فـ نظف حنجرته بسعال أدمعت له عيناه ! تغضن جبينه و راحت الافكار تصول و تجول في عقر عقله ، ما الذي ينتظرهم ؟ من اين اتتهم هذه المصيبة ؟ يا رب رحمتك ، أعوذ بك من العجز و الجزع ، فقط امددنا بأكوام مكومة من الصبر ، يا رب
زحام الطرقات صار امرا روتينيا ، فـ كالنا دروسا في الإنتظار !!! صار يدق بـ أصابع يمينه حيث الشرخ القديم ، متمللا و حانقا ، لو كان الامر تحت تصرفه لنزل و اكمل الدرب سيرا حاملا اخته فوق كتفه ، و لكن لا حيلة لهما سوى التحلي بالـ هدوء ، تطاولت يده على المنطق لتمتد حيث علبة السجائر الموضوعة جنبا لجنب مع المحمول ، ليستفيق العقل فجأة فيغير مسارها حيث الهاتف ، رفعه بـ ضوضاء يقصد منها دب الحياة في هذه المركبة البائسة و كإن بها عجوز يحتضر ! و يبدو أنه نجح في لفت إنتباه الشاردة حيث إلتفتت نحوه بـ كسل ، و رأسها ينام على المركى بـ منظر مريض ثقب قلبه ! إغتصب بسمة خفيفة لـ ترتسم بـ بؤس على الملامح الصارمة ، و كان ردها همسا ضعيفا لا يكاد يسمع : شنو هالإزدحام يا الله !
نقل نظره للطريق امامه ، ليثير غثيانه العدد المهول للسيارات التي تسبقه ، دوما هكذا ما تزدحم الشوارع بسبب الإنتشار الهائل لـ نقاط التفتيش الأمنية ، تلك التي لا عمل لها سوى البحلقة في الوجوه ! و كأن من يحمل الأسلحة له وشم على الجبين بـ مسمى إرهابي ! ما يحدثونه هو زحمة سير لا غير ، خلا النادرة من النقاط السليمة العمل ، و التي تتقن البحث و الكشف عن من لا ضمير له و لا دين ، أولئك العملاء ذوي الجشع من الناس ، و كأن الوطن لا يعود لهم ، فيعثون به الفساد و الدمار ، مرتضين بـ اكوام من اموال مستعرة تأكل أحشاءهم ، أو من أولئك اصحاب البشاعة المتخفية خلف عباءات الدين ، و كأن رب العزة قد اباح لهم قتل الابرياء ليرتقوا سلم الحطام ، ينسون أن استباحة دم مسلم بغير حق تساوي عند العظيم دماء العالمين ، فـ مكائدهم و عزتهم التي اخذتهم بإثمهم الجبار تغشي ابصارهم عما يحيق بأبناء دمهم في دنيا الفناء ، و بهم عند البقاء !
من تحت كومة الافكار المتكدسة قد جر ، فـ رنين الهاتف بيده جعله يفيق لوهلة ، ثم ينطفئ شعوره بالكون عندما لمح المتصل ! شئ بصدره صار ينبض سريعا ، شئ كـ مضخة ضخمة تزود مدينة كاملة بماها ! جلى حنجرته بـ هدوء و احس بالجفاف المغطي لبطانتها قد احرقه ، رفع الهاتف فثبته فوق الصيوان بعد ان فتح الخط ، ينتظر من المتصل حديثا ، فهو خائف !
نعم خائف ، يقولها بـ إختصار لكل حروف الابجدية المعبرة عن كل ما لا يعبر عنه ، لا يدري إن كان سيسمع شيئا قد يقسم ظهره و القلب ، و لكن ما يدريه بأن السكون الواصل بينه و بين المتصل لا ينذر بـ خير ، فإن تماسك هو و حمل الهم على كتفيه بلا تذمر ، يعلم بأن رفيقه سيصرخ ! يتوجع ، عمر يتوجع و لا يحاول أن يبدي غير ما يحسه ، لم يخبئ قلقه المجنون ، و لم يحاول هدهدة الألم أو التظاهر بالتحلي بالقوة ، ينهار و لا يأبه ، و دليل إنهياره وجده مرميا قرب الجثة الهامدة للتماسك ، ليرفعه هو بأطراف أصابعه يحاول إخفاءه في جيبه فـ لا يود أن ترى هي ما يدين رعب ذاك الرجل أكثر ، يكفيها ما بها الآن !
همهمت بـ ' عمر ' ؟! ، فإلتفت حدوها ليهز رأسه موافقا من دون أن يعقب حرفا ، ظل صامتا ينتظر ان يتحدث ذلك العمر ، فهو اعلم منهما الآن عن الحالة ، لا يعلم اطال الانتظار دهرا أم إنه التوتر فقط ما يمد اجزاء الثواني لتبدو و كإنها ساعات ! أخيرا وصل له الحديث المغلف برتابة تامة من قبل عمر : طلع ورم
أطبق أجفانه و جر حسرته بـ ' لـ تقولها ' ، إعتصار قبضة يمينه و تشنج ملامحه دعاها للإعتدال بجلستها لتتساءل و نبرتها مشوبة بالرعب : علي شبييك ؟ شطللع ؟؟
و من على البعد ذاك ، أضاف رفيقه مواسيا نفسه قبل اخاها : الطبيب يقول حميد !! و هسة من اعراضها رح يتأكد اذا ضاغط على الاعصاب لو لأ
الآن بات متأكد بأن دهرا قد مر و هو على حاله ، صامتا و تائه النظرات ، يرى من حوله حركة السير قد إستأنفت ، و الشارع امست تـدب به الحركة المزدحمة ، إلاه ، فلا عصب لديه قام بعمله و ارسل ايعازا و لو واحدا لدماغ منتفخ من هول ما طرق خلاياه السمعية ! ، ظل هكذا حتى شعر بيدها الصغيرة تحط فوق كفه المنقبض ، تحاول تهدأته رغم علمها بأن مصابها هو ما قلص به العضلات وحبس الانفس ! ، لم يجود بـ نظرة نحوها ، إكتفى بـ النطق و صوته يتحشرج كمن ابتلع لتوه علبة مليئة بالأمواس ، فـ تمزقت حنجرته و لم يتبق منها سوى خرقة بالية ، لا تنفع حتى في مسح الارضية ! : متأكد حميد ؟
ما إن سمعت قوله حتى شهقت بـ حدة و جسدها يرتد ليرتطم بـ ظهر المقعد مرتعبة !
ورم ، ورم ، ورم !!!
رأسها يحوي على ورم بإمكانه فتك خلاياها و تناول بقية عمرها ، يارب ، يـارب !
إستدار علي نحوها بسرعة و توه يدرك عظيم خطأه ، ليغلق الخط مكتفيا بهذا القدر المظلم من الاوجاع ، رمى الهاتف محله ، و مد كلتا يديه نحوها جارا بكفيها ليحتضنهما ، مسد كلاهما سويا و قلبه يتفطر الما لشحوب وجهها و شدة بلاءها ، إلهي رحمتك ، لم يستطع النطق بـ كلمة ، تركها تذرف الادمع بـ جسد انتفاضته تكاد تفتت به العظام ، صم أذنيه عن سماع ابواق السيارات المنادية من خلفه لـ ' غباء السائق و شرود عقله مع إمرأة ' ، اخيرا تمتم بـ هدوء محاولا أن يذيب كما من الهم الجاثم فوق صدره ، عل البوح يهدهد الوجع و يسكنه ولو لبرهة : إشششش ، قولي يا الله ، لين اهدي مو صعب ، صدقيني مـ يخوف حبيبتي ، كافي بجي
: مـ ـ ـ ، مـ ـا أريـ ـ ـد أمـ ـ ـوت ، أخـ ـ ـاف !
ليسمـع تحطم اضلعه على حين غرة و كأن بـ مطرق فتاك ذي رأس فولاذي قد اقسم على ان يقدم رفات الاضلع قربانا لـ دمعاتها ، أهمل ذلك الالم القاتل ليرفع يمينه فيستل من علبة المناديل انصافا من المحارم ، و بها يكفكف ادمعها مرددا بـ ثبات منكسر بالخفاء : بابا على كيفج ، ليين حبيبتي العلم تطوور ، يعني قابل متعرفين انتي ، والله ان شاء الله سهلة ، يومين و تصيرين مثل الحصـ ـ
لتجر بكفيها من حضن يساره و تغطي ملامحها البائسة و تكتفي بالنشيج المهتز ، رددت بـ ' يارب لا ' مرارا حتى شعر بوخزات متكررة مكان اصابته ، و الله بات يشعر بـ ألم استلال القطعة الخشبية بها ، اعاد جسده مرغما بإعتدال على المقعد ، ليكمل طريقه بعد أن فتح نافذته ليزأر هادرا بأحد السائقين الذين يتلون سيارته ، لم يستطع كظم غيظه و فجره بهم ، و هي تفعل المثل بالانتحاب ، ياليتها تعمل ماهي فاعلة بـ روحه الممزقة إربا لـ قلة حيلته و ضعفه !
لا حول و لا قوة إلا بك يا رحمن ، لا حول و لا قوة إلا بك ، ربي إرحمها و أجرها من جحر المرض يا إلهي ، يارب !
؛
قالت:أحبك و الهوى أشقاني وعلى طريق شائك ألقاني
قلت:المحبة هكذا لم يختلف في شرح خافي أمرها اثنان
قالت:فهل أشقاك حبي قلت:لا قالت:إذن هل نحن مختلفان
قلت:اسمعي يا بسمتي و شقاوتي إنا بأحضان الهوى طفلان
نبكي و نضحك في زمان واحد شاء الهوى فتجمع الضدان
فإذا بكينا قال دمع عيوننا سأظل منسكبا مدى الأزمان
لكن قلب الطفل بين ضلوعنا لا يستطيع تحمل الأحزان
يرتد عن أشجانه في لحظة و الدمع لا ينسب غير ثواني
ينسى و ما من نعمة لقلوبنا لو تعلمين كنعمة النسيان
لي في الحنايا شابَ طفلٌ خافقٌ من هول ما لاقى من الطغيان
علمته ألا يبوح بسره لكنه لما رآك عصاني
أعطاك تاريخي بكل فصوله فعرفت قدري في الغرام و شاني
أغراك ثلجي فاحترقت بناره و لمست برد الثلج في نيراني
أحرقت بين يديك لهو طفولتي بإرادتي و كبرت قبل أواني
و اخترت سجن الانتظار لأنه ما كان قهر الحب في إمكاني
أهواك يا قدري الجميل و ليس لي إلا الرضى حتى بمر هواني
إني أحبك دائما سأقولها بلسان قلبي لا بلفظ لساني
مانع سعيد العتيبة
تكاد تتقيأ وجعا ،
ستموت !
لن تصطبر على المرض ، لا تستطيع ، إنها أضعف من أن تقاوم ، جبال التبلد تنهار و تتصدع عند إعتراض مراكب قطاع الطرق من الحزن لقوافلها ، و الآن ليس الحزن وحده ، إنه مرض و ليس أي مرض !
لم تكد تهنئ بـ عمر ، لم تشبع به و تدليله حتى الآن ، أوكانت ستشبع يوما ؟! ، هل يا ترى ما بها ردا لدين يقيد عنقها تدينه لـ طليقته ؟ تلك التي اوهمتها هي بـ ورقية علاقتها مع زوجها لتخلي بالوعد بعدها بدم بارد و نظرات ساخرة ؟ أم إن عزوفها السابق عن عمر و محاولاتها الحقيرة في تشتيت حياته رغم رفضها الولوج بها هي السبب ؟ أم ضرغام و ترفعها عنه ؟ أم جلنار ؟ تلك التي اكتفت من تجرع الصبار بأشواكه من دون آهة تذمر بسبب اخيها ، و هي كانت متابعة صامتة و احيان ناقمة ! أم ماذا يا الهي ؟ عقاب هذا ام إبتلاء ؟ يا رب ، لا أريد الموت ، إني اخاف الموت ، و الله اخافه !
صار التماسك بها كـ حزم من قش التقفتها النار و صارت تأكلها بنهم جشع ، لتنهار و تنهار و تنهار ، لم تستطع ان تكف عويلها ، و لا أن تخفف من وطإة الرعب ، ترتعد فرائصها فتصير كـ قطة مبلولة تحت المطر ، بل تحت نزيف الاعين ، مذعورة تثير الشفقة ، لم تظن يوما ان تترك قناعها الصفائي ينحدر فيجاور القدمين و تدقه بكعبهما ، لينكسر ، أوتنجح ؟ أم ستعود يوما لرفعه و التنكر بـ زهوه الخداع ؟
شعرت بـ كف اخيها تحط فوق كتفها ليضغط مواسيا بصمت ، و تجهش هي بردة فعل محتاجة ، تريد أن يحتضنها ولو لبرهة ، تود أن تندس بين كتفيه و تشعر بذراعيه يحوطانها و صوته يهدئ من روعها ، تعسا لهذه المركبة ، و تعسا لزحام سيخنق أنفاسها ، تريد العودة للمنزل و الإكتفاء بـ أمان تجده بين المنكبين !
و لم قد تحتاج لمنكبين و باب الرحمة الإلهية موجود ليطرق ؟ سجدة طويلة هي ما تودها ، بالطبع ، سجدة و عويل ! علها تخفف من حدة الخبر على روحها ، لتضيف له نكهة من ايمان بـ قدر ، و حينها فقط يصير ارتشافه أرحم !
مفترق الطرق قد وصلته ، لتعرف أنها إما أن تختار الرضا بالقدر ولو كان موتا محتوما ، أو العبوس بوجهه ، و حينها لن تجني سوى ذنوب فوق ذنوبها ، فـ كفكفت الدموع من على الخدين الملتهبين بإحمرار قان و تمتمات حمد تنبعث من بين الشفتين المتورمتين إثر البكاء !
نطقت بـ ' إنا لله و إنا إليه راجعون ' مرارا ، و بتكرار باكي ، لتهدأ فجأة كما إبتدت نوبة بكاها ، استلقت على المقعد مجددا و رأسها يستقيم مع الجسد لتتابع سقف السيارة و كل ما فلتت منها دمعة كفتها سريعا لئلا تجتذب قريناتها و تعود لنقطة البداية ، اطبقت جفنيها بقية الدرب مكتفية بـ شهقات جافة تفلت منها كل حين ، ليهتز كتفاها على اثرها ، مر وقت طويل كادت به أن تغفو بغيمات اللا إستيعاب ، لترسو على حين غفلة من ذاك التوهان على شاطئ الواقع ، بعد أن توقفت السيارة و أطفئ المحرك !
إعتدلت جالسة و جبينها يتجعد بـ صداع داهمها لكثرة البكاء و شدته ، نعم هذا السبب ، البكاء ليس إلا !
إلتفتت نحو اخيها لـ تقابل بنظرة ساهمة الألم من عينيه ، فـ تردها بـ شبه بسمة طفيفة تكاد تسخر بها من ذاتها ، علي يتألم لأجلها ، ألم يدرك أهميتها قبلا ؟ كم هو كريه هذا الاخ ، و لكنها تهوى وجوده .. و كيف لا تفعل وهو لها الأب و الأم و حتى الشقيق !
لمحت جهاده لـ ذاته حتى نطق بـ هدوء : لينا حبيبتي ، هسة نصعد للطبيب ، أريدج تقوليله كلشــي تحسين بيه بالضبط و من جديد ، ركزي وياه لإن ممكن اشياء صايرتلج وانتي محاسة بيها وهية مهمة و تفيدنا بسرعة العلاج ، و لتخافين بابا ، أني و عمر وياج ، و قبلنا الله موجود فماكو داعي تخافين مو بللا ؟
هزت برأسها موافقة بإستماتة ، لترفع يديها فتعيد تشكيل حجابها بإهتمام ، حتى وصلها صوته بنبرة مطالبة : و لتبجين بعد ، عيوونج انفخن صارت كل وحدة فنجااان
إبتسمت بشرود ، لتواجهه فجأة و إنجلى الخوف ليحل محله التوتر : صدق مبين علييية باجية ؟
تعاقد حاجبيه على العجب ، لـ يتساءل من دون تقديم اجابة : شبيج فزيتي ؟
ارتعش فمها فـ لاحظ قضمها المستمر لشفتها السفلى ، ليكرر متساءلا : لينا ؟
اعادت بصرها نحوه اخيرا لتعلق بـ قلق : ما اريد يبين باجية ، عمـ ـ ـر يتخبل ، علي خلي بس وجهي يرجع طبيعي و ننزل عفية
و كإنها صفعته بصفعتين !!
لم يحلم أبدا أن تصير أخته بهذه الشخصية المهذبة المتفهمة لمشاعر الاخرين ، و ايهم ؟ عمر !!
وجد نفسه يبتسم بـ خفة ليعلق و ما زالت اجراس القلب تنذر بالخطر الهاوي نحوهم من منحدر عال : دا اتشاقة ، هسة وجهج أحسن
بعد تردد لمسه عاودت الكرة في القلق : زين إنتة لـ تقله اني بجيت ، قله عادي مـ خافت ، حباب علي ، والله هسـ ـة الي بيـ ـه كافيـ ـ ـه
إبتسامته الغير مصدقة صيرت لأخرى ناقمة ، لينطق بـ مشاكسة ميتة : يعني هوة الي بيه كافيه وتخافين عليه و أني لأ ؟
بـ شئ من خجل متناسية هول الموقف تحدثت : لا حبيبي والله مو قصدي بس لإن إنتة أقوى منه ، عمر يتأذى بسرعـ ـة
أفعلا ترينني قوي بما يكفي لأستقبل مصيبة مرضك و التأرجح على حبل يعلو بحرا من يحموم ؟ أ أقوى فقدانك أنتي الأخرى لـ أظل خالي الوفاض منكم جميعا بعد أن خسرتكم على دفع متفاوتة ؟
ترددت كفه كثيرا ، حتى إنشد احد اعصاب ذراعه ليصعق اصابعه بـ حركة مفاجئة ، رفع معها كفه حتى وجه اخته ليقرص أرنبة أنفها المحمر مداعبا بـ عجز : إن شاء الله محد يتأذى ، و إنتي تقوميلنا بالسلامة
بـ حمرة خدين خفيفة إبتعدت نحو الخلف هاربة منه ، لتعود فتحاكيه و نبرتها ترتجف كـ هدير حمامة جريحة : مـ قتلي ، هسة مبين علية باجية ؟
إزدرد ريقه و أعاد كفه لـ جحره و صدره يتشنج الما ، مد يساره لـ يفتح الباب بجانبه ناطقا و كل ما به يـ شويه : لأ ممبين ، يللا تأخرنا عالطبيب
تبعت خطاه لتترجل بهدوء متماسك ، شعرت فجأة بـ وخز خفيف خلف عنقها ، و منه الى اعلى الظهر ، عسر عليها سحب الانفاس ، فـ شهقت بحاجة غريزية للهواء ، تمسكت بـ قوة في الباب الجانبي ضاغطة عليه بقوة تتناسب طرديا مع حاجتها للـ أوكسجين ، ثوان هي و إستطاعت بشق الأنفس أن تجر هواءا محملا بملوثات الجو لـ رئتيها و إرتخى جسدها من تشنج شعرت بأنه سيقضي على حياتها لا محالة !
لم تشأ أن يدرك اخوها حالها ، و حمدت الله إن ما به من عسر في الحركة أخر قدومه لـ جهتها ، لحظة هي و إعوج قلبها بعبوس لـ حركته العرجاء ، علي ذلك الجبل الشاهق بـ عملقة ، يعرج بـ وضوح عار ، صار صدرها يؤلمها لتهمس بـ خفوت ' الحمد لله على كل حال '
ثم أشاحت ببصرها لئلا يقرأ شفقتها و رثائها حاله و رغم أنفه سيضيق حينها حتى لو تظاهر بالعكس كعادته !
ما إن امسى قربها هز رأسه بخفوت دعوة لها للتحرك ، لتنطق هي بـ شئ من ضيق : مـ لقيتوا غير دكتور !!!
شاركها المسير بـ هدوء و قد تخلى اخيرا عن عكازته ، فـ صارت خطواته تتسم بالبطئ أكثر ، امال رأسه نحوها ليتساءل بتعجب و حاجبه يعلو عن ارتفاعه الطبيعي : ليش شبيه ؟ ترة هذا احسن جراح مخ و اعصاب و بعدين مو هوة مدير مستشفتكم ؟!
لم تجيبه و أنفها علا قليلا بـ إنزعاج تبدد بلمح البصر حالما خطت عتبة البناية الحاوية على عشرات العيادات ، في أحد أهم شوارع منطقة الحارثية ، شارع الكندي المشهور بزحام عيادات اطباءه و يتوافد له المرضى من أكثر من مكان من كرخ العاصمة و حتى رصافتها ! إرتعش بدنها بعد إستنشاقها لرائحة المنظفات الطبية و رغم أن خلاياها الشمية قد اعتادت منذ سنين هذا العبير المزعج إلا إنها الآن شعرت بالجزع و الاختناق !! و كإنها تساق لمجزرة يسلخ فيها جلد عمرها ، فتموت !
و يبدو أن إنكماش جسدها قد بدى واضحا لـ أخيها الذي سرعان ما غطى كتفها بذراعه الضخمة دافعا بها بخفة لتكمل المسير نحو الجزار ! ، هتفت صامتة بـ ' ربي اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين ' ، و خطواتها تتعثر على درجات السلم كل حين و لولا وجود علي لكانت قد إنصهرت و كونت لهذا الـ درج الطويل سجادة بشرية نادرة الصنع !
أ عانيا منذ قليل من زحام المركبات ؟ الآن جاء دور زحام البشر ، جبينها متغضن بمزيج من ضجر و توتر مترقب ، نظراتها منصبة على الارضية و شفتيها لم تنفك أن تقضم بـ أسنان تصطك خوفا ، و اخيرا صارا في الممر الطويل الحاوي على أكثر من عيادة ، و يمتلئ بالـ مراجعين بكافة الاعمار ، فهذا طفل تحمله والدته ، و تلك عجوز يدفع كرسيها المتحرك ولدها ، و هذه تساعد حركة والدها الضرير ، و كثيرون غيرهم !
أغمضت عينيها بـ بؤس حالما لاح لها الحذاء الأسود و نهاية البنطال الـ ' جينز ' الذي يرتديهما من يعاني شرخا في القلب منذ إسبوع مضى !
يا إله السماوات ، مدنا بالصبر ، الكثير منه يارب ، لم تتمكن من نصب عنقها لـ ترفع الرأس الكروي و ترى حاله ، فـ يكفيها أن إحساسها قد ابصر ما به من حطام ، و تهشم قلقا عليه ، هي المريضة هنا ، لم إذن كل ما يهمها أن يخف وقع المصاب على زوجها ؟
ألم تقل بأنها لا تود أن يراها باكية ؟ لكن تبا لـ مقلتين ابتا إلا أن تطفر منهما الأدمع فقط عندما أحست بـ نبرته المرهقة تنطق بشرود واضح : تأخرتوا
ذراع اخيها حررتها ، لترفع هي كفها فـ تمسح أثر الدمعة و رأسها يميل بعيدا عن الرجلين بمحاولة بائسة لـ إخفاء سربلة الخوف الفطري ، ليصدر من اخيها سؤالا مكرها و يبدو أن الضيق قد سيطر عليه : الشوارع كتل ، و شنووو هالازدحام هذا هالمرة ؟ شوكت سرانا ؟ ' دورنا '
لتنصعق بتيار كهربائي أخرس بها اللسان و أوقف نبض القلب وهي تشعر بـ ذراع حنونة غير تلك الخشنة تحيط كتفها لـ تدس بـ جانب وجهها في القماش الصوفي للبلوزة السوداء ، لم تشك لحظة من أن يحس بـ حاجتها لكنفه إلا إنها لم تتوقع منه مسايرة تلك الحاجة بإحتضان امام الملأ ، بالرغم من أن اخاها قد كان شبه محتو لها إلا إن حضن الزوج هو ما يشعر حواء بالخجل الفطري رغم أحلك الظروف !
لم تبتعد عنه ، بل رفعت يسارها لـ تتمسك بـ البلوزة دافنة ملامحها به أكثر ، ليتذبذب نبض القلب بـ شتات صوت يخترق روحها قبل أذنيها و هو يرد على اخيها بـ قوله : إحنا حاجزين ، هسة بس يطلع المريض الـ جوة نفوت
شعرت بـ ثقل رأسه يقبع فوق رأسها ، و من ثم قبلة طويلة تطبع على الخمار الناعم ، ليسند ذقنه مجددا على جمجمتها الحبيبة ، و المريضة ! بقيا على هذا الحال لـ لحظات ، ليحررها بعد ذاك بهدوء و رأسه يميل نحوها فيهمس بـ تفاؤل ميت ، و حرقة القلب باتت مفضوحة برائحة الإشتعال الخانقة : شلونج هسة ؟ خوما متأذية ؟
زمت شفتيها لداخل فمها لتمنع الشهقات الباكية من الإنفلات ، فهي لا تود له القلق ، ألم تكرر ذلك كثيرا ، لتهز برأسها نافية ، ظل هو على حاله ليتحدث مجددا وهذه المرة صـوته أدركه فقدان الثبات : حبيبي ترة ما بيج شي ، لـ تخافين ، بس كل شي تتذكريه عن الحالة قوليه للطبيب ، هوة احسن مني و من علي ، و ... !
بتر جملته عائدا خطوة الى الوراء ، ليـرفع يمينه حيث صدغه و يفرك شعره ببعثرة و كأن به يحارب الصمت المنكسر ، فيغلبه الاخير ، و يكسره ! طقطقة تهشم الفؤاد كانت عالية ، و أثارت روحها الشفافة ، لتحاول بجهدها ان ترسم شبه بسمة و لو سخفت على الثغر المنتفخ بالاحاديث المنتحبة ، علمت بأنه يكابد لوعة راحت تغلي في دمه ، و تعلم أيضا بأنها ستتوج ملكة للأنانية إن تجاهلت وجعه و طالبته بـ إحتواء أخر ، و لكنها فعلت ، فتقدمت تلك الخطوة التي ابتعدها سلفا ، و ما كان منه إلا أن يستجيب لـ نداءها الصامت !
خبئت ملامحها بـ صدره و غاصت للحظات في عمره ، لا تعلم كم مر و هما يقفان في أحد زوايا الرواق ، بـ منظر يوحي بالأسى ، و لربما الحرج ، و لكنه لم يهتم سوى بأن تسكنها الراحة ، و لو قليلا فقط !
بينما ثالثهما فـ إتخذ له مقعدا شاغرا ليربض فوقه ، فـ طول الوقوف ليس من هوايات ساقه ، يراقب بصمت ما يفعله عمر ، ليتسلل شعور بالغبطة الى دواخل نفسه ، يكاد يحسد رفيقه على ذلك الصبر و اللطف في معاملة اللين ، و الله هو من يمتلك قلبا لينا أكثر من إسمها و شخصها بأشواط .. أما هو ، فمنذ دقائق فقط قد تلقى منها جملة تثبت له مريخيته عند البشر ! تقول بأنه أقوى من عمر ، و ما دمت أقوى يا علي إذن تستحق أن ترمي قلبك فوق حطب الموقد ، و تراقبه ببرود يشتعل ، فهذا حال الإنسان القوي ، أليس كذلك ؟!
دقائق مرت ، لينتهي بهم الإنتظار في الولوج الى عيادة الطبيب ، ذاك الذي رحب بهم بـ حفاوة لم تستلطفها هي بالتأكيد ، لتجلس على احد المقاعد المجاورة لـ مكتبه ، و من امامها اخوها ، ليقف على مقربة زوجها ! إستفسر الطبيب مطولا عن شدة الأعراض التي تعانيها ، و دقة أنواعها ، و اوقات حدوثها ! بما إنهم يتراقصون على ارض مزروعة بالالغام فكان الحذر واجب على الجميع و هي اولهم ، اردف بـ صوته العملي ليسألها : يعني اببد مـ صايرة عندج حالات تشنجات ؟ او وجع مفاصل ، رقبة ؟ بنتي لازم تتذكرين زين ، لإن دنشوف احتمال جبير الورم مـ واصل للعصب الحسي و بهيجي الوضع تمام
هزت رأسها نافية ، ثم تغضن جبينها بخفة لتدير رأسها نحو الامام و كإنها محدثة اخيها عما عانته منذ دقائق في الاسفل : آآ بس هسـ ـة
عادت لتلتفت نحو الطبيب لتكمل : يعني قصدي قبل شوية رقبتي تشنجت ، و حتى عضلات ظهري ، ما اعرف اول مرة تصيرلي !
هز برأسه متفهما ، ليثبت القلم بيمينه بعد أن كان مستلقيا على سطح المكتب : زين ، تأذيتي هواية ؟
بـ رعشة خوف من ردة فعل رجلاها نطقت : يعني
اصر عليها رغبة بالحصول على اجابة قاطعة : مو يعني لينا ، لو اي لو لأ ، و معليج باخوج و عمر ، قوليلي بالضبط شتحسين حتى نقدر نكمل شغلنا عدل يا بنتي
لـ يستطرد مبتسما بسماحة و مزاج مشاغب : اذا تريديني اطردهم و تبقين تقولين الي بقلبج ، هم تتدللين
إبتسمت بـ لطف خجل ، لتهز رأسها رافضة ، أ وتستطيع المقاومة دونهما ؟
تفهم قلقها ، ليعيد اطار نظارته الطبية لـ أعلى الانف مضيفا : لعد قوليلي تفصيل حالتج ، انتي قلتيلي ذيج المرة انو إنتي صيدلانية و بمستشفتنا صح ؟
: صح
: زين لعد ليش مشايفج !
إبتسمت دون أن تعقب ، ليكمل هو تحقيقه الطبي : زين عموو شغلج بالصيدلية يخليج تشيلين كراتين الادوية ؟ هالشي ميسببلج اي وجع بظهرج او رقبتج ؟ أو مثلا تعانين من ضيق نفس و تحسين بألم بعضلات صدرج او اضلاعج ؟
كان ليتدخل ، لولا اشارة والد زميلته بالرفض ليكتفي بـ تقلص فكيه و رفيف قلبه لـ كلامها المتلكئ بـ تشتت : أممم لأ ، أني اصلا ما اشيل شي ، يعني اكو عمال يشيلون ، و اصلا دكتور صادق و دكتور رضا بكل الحالات ميخلوني اشيل شي ، بس مرات يعني تصير عندي تشنجات عادية برقبتي يعني اتوقع من ورة المخدة ' بسبب ' !!
هز رأسه نفيا ليعلق بلمحة إهتمام صادقة : لا مو من المخدة ، قلتيلي هالتشنجات صارلها شقد ؟
: مو هواية ، إسبوعين يمكن
: و وجع راسج و التقيؤ ؟
: هـ ـوايـ ـة ، يعني فـ ـد سبعة اشهر ، و وياهم دوخة هم !
تخشب جسد الماثل امامها ، ليراقبها بدقة و جبينه يتعروج بخطوط غاضبة من ذاته !! ما تقوله يقارب فترة غيابه ، أيعقل ؟!
نعم يعقل ، و نظرتها المتوترة التي حطت لـ ثواني على عينيه اثبتت منطقية تفكيره ، يال طيشا اعمى قلبه عن ذكرها و حاجة تسكنها له ، إن كان يراها بقية صفاء ، فهي تراه صفاء بنفسه ! كيف تغاظى عن هذا الامر ؟ كيف يا علي ؟
نسيها ليجري بعمى خلف ثأرا لم يعود عليه سوى بـ شرخ في العرض ، و أخر في الجسد ، و الآن يكاد يسمع أزيز الروح الملتاعة بشرخ جديد !!
إنتبه لـ سؤال أخر غفل عنه مع عمر ، لكن لم يفعلها هذا الخبير ويغفل : زين نظرج شلونه ؟ مـ تأثر ؟ سمعج إحساسج بالحرارة و البرودة ؟
لـ تعقد حاجبيها و الأهداب صارت تتراجف كـ حشائش غابة تميل في مهب عاصفة هوجاء ، بلت ريقها و الخوف صار يـحتل كيانها بصورة جدية ، همست مجيبة و صوتها مزموم بحشرجة واضحة : شوية عيوني اي ، يعنـ ـي من أدوخ بس !
ثخنت نبرة الطبيب ، ليعطي نتاج ما توصل إليه بشئ من حذر و أبصار الثلاثة تتعلق به : إحتمال جبير يكون الورم ديكبر ، و هالشي الي خلاه يضغط على الاعصاب الحسية ، و احتمال تعانين من اشياء ثانية خلال فترة العلاج ، لإن لحد هسة اشوف العملية مو الخط الاول ، خلينا على الادوية ، لحدما نشوف درجة التحسن ، و اهم شي تتبعين تعليماتنا
لـ يرفع بصره حيث ذاك المتكئ بـ ظهره على الجدار عاقدا حاجبيه و الذراعان ، حاكاه بـ لطف غير رسمي : عمر ، إنتة مهمتك راحتها ، خليها تنام هواية و مـ تتعب عيونها و لا تتحرك هواية الا للضرورة
ليـكمل و هذه المرة موجها حديثه نحوها : وطبعا دوام ماكوو ، و لتخافين عالاجازة ، أني أخلي ياسمين بنتي تسويلجياها ، فـ لـ تشيلين همها ، صدق تعرفين ياسمين ؟ زميلة عمر !
إنكمش جسدها على المقعد ، لتصير نسخة مؤنثة من القائم خلفها ، فـ حاجباها اقتربا بود كريه ، و ذراعاها احاطتا صدرها ، لـ تعلق بشئ شبيه بـ اللؤم : لا ما اعرفها ، و شكرا دكتور ميحتاج ، صديقتي تسويها إن شاء الله
أحست بـ حركة عمر من خلفها ، و وصلها حديثه الهادئ : دكتور هسة شلون نبدي بالعلاج ؟
لـ يتدخل هذه المرة من كان صامتا لـ دهر : دكتور لا صغرا بيك ، خلينا ناخذها للأردن ، هناكة اعرف دكاترة المانيين جايين لـ فترة ، و أكيد تطورهم أحسن من الي هنا !
لم يخفى عليهما النفور الذي ابداه والد تلك المغرورة وهو يعود بجسده ليرتطم بـ ظهر المقعد الجلدي فـ يجيب اخاها بـ أنفة طفيفة : هذا شي راجع الكم ، بس كل شي ممكن تحتاجه حالة لينا موجود هنا ، و بعدين دكتور لـ تتوقع لو اشوف السفر احسن مـ جان نصحتكم بيه ، و هم بكيفكم
.
.
.
|