كاتب الموضوع :
طِيشْ !
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()
المدخل لـ عبدالرزاق عبد الواحد.
أشعلتِ حبَّكِ في دمائي
وسكنتِ في زَرعي ومائي
ومَلأتِ كلَّ مواسمي
وملَكتِ حتى كبريائي
إن كنتُ بعضاً من رَجاكِ
فأنتِ لي كلَّ الرَّجاءِ
أنا ما خلَعتُكِ من دمي
أنا ما دفعتُكِ من سمائي
وفعلتِ أنتِ فَبعتِني
يا ليتَ بيعَ الأوفياء!
ياني.. وحسبُكِ إن أقُلْ
ياني، يُغالبني بكائي!
ويعودُ بي هذا النِّداءُ
لِعزِّ أيّامِ النِّداءِ
أيّامَ كان الزَّهوُ يملؤني
بأنَّ لكِ انتمائي
وبأنَّ قَلبَكِ لا يُثيرُ
رَفيفَهُ إلاَّ لِقائي
وبأنّ عينَكِ، عينَ ميدوزا
سَناها من سنائي
وبأنّني الغالي لديكِ
وأنتِ أغلى من غَلائي
وثقي بأنكِ رُغمَ ما
سَفحَتْ نصالُكِ من دمائي
وَبِقَدْرِ ما للتّافهين
كَشَفتِ ياني من غطائي
ما زلت ياني أجملَ الـ
لَحظاتِ حتى في شقائي!
ما زلتِ كلَّ رفيفِ أجنحَتي
وكلَّ مَدى فَضائي
ما زلتِ نَبضَ دمي، وأعظمَ
ما يُحَقِّقُ لي بَقائي
ما زلتِ أنتِ مَجَرَّتي
وغَدي المشعشعَ بالضياءِ
لا تُطفئيها مَرَّةً
أخرى.. فَناؤكِ في فنائي!
روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 60 )
ألتفتت عليه بغضب لا تكاد تُصدِّق بأن والدها يوافقه ويصادِق على أفعاله بكل أريحية دُون أن يُلقِي لموقفِي منه أيّ إهتمام، عبدالعزيز أهانني بإرادة والدِي ودُون هذه الإرادة لمَا ذلَّني أبدًا. : طبعًا لا
عبدالعزيز أدخل يديْه في جيوبه ليبتسم : صدقتِي؟ أصلاً مستحيل نروح .. أثير هناك ..
رتيل أخذت نفس عميق: عبدالعزيز يكفي تضايقني أكثر!!
عبدالعزيز : وأنا ماأبغى أضايقك .. تذكري الهدنة اللي قلنا عنها !!
رتيل بضيق : وأنت خليت فيها هدنة! تقهرني وتضايقني بعدها تقول هدنة
عبدالعزيز تنهَّد : طيب خلينا نمشي .... وأتجهَا لحيٍّ أقل صخبًا، دخلا في إحدى المقاهي المنزويَة بهدُوءها.
وضعت هاتفها على الطاولة وهي تأخذ الهواء بطريقةٍ تُوحي بأنها تختنق، رفع عينه لها : أنا تعبت من هالموضوع! خلينا نقرر من هاللحظة
رتيل : يعوضني الله
عبدالعزيز أمال فمِه بمثل حركتها الدائِمة التي ترتبط معه بها ولم يلحظها بعد، أطال صمته ليقطعه بجمُود : يعني ؟
رتيل شتت أنظارها دُون أن تُجيبه. وبدأت تسرق الغطرسَة والساديَّة من جوفِ عزيز، بدأت تستنسخُ قساوتِه كما يليقُ بالحزن الذي تسبب به في قلبها.
عبدالعزيز : وش تقصدين يا رتيل!
رتيل : اللي فهمته
عبدالعزيز : وهذا قرارك ؟
رتيل أرادت أن تلسعه بعذابِ الضمير لتُردف بقسوَة أحتدَّت بنبرتها : لا! القرار لك ولأبوي .. من متى كان لي قرار ؟ مثل ما طبختوها .. طلعوا لكم مخرج منها
عبدالعزيز يُشتت أنظاره للمقهى الخاوِي من كل شيء عدَا العجوز الذي يجلس خلف الطاولة التي بجانب الباب، عاد عينه إليْها : نطلع لنا مخرج!! أنتِ شايفة انه موضوع تافه عشان ..
تُقاطعه : بالنسبة لي تافه
عبدالعزيز بغضب : لآ تستفزين أعصابي يا رتيل!!
رتيل ألتزمت صمتها وهي تتشابك بأصابعها مع مفرش الطاولة.
عبدالعزيز : صدقيني محد بيخسر غيرك! أحكمي عقلك وأعرفي كيف تفكرين وتقررين
رتيل بإستفزاز صريح : قلت يعوضني الله عن خسارتك
عبدالعزيز أخذ نفسٌ عميق : ما عندك غير هالحكي ؟
رتيل بإنفعال لم تستطيع أن تُسيطر على كلماته الفاتِرة في حضرة غيرتها المُنتشية : ماهو على كيفك ولا هو على مزاجك متى ماتبي تجي ومتى ما روقت مع أثير نسيتني
عبدالعزيز : متى نسيتك ؟
رتيل : أسأل نفسك ...
عبدالعزيز رفع حاجبه : مشكلتك ماهي معي على فكرة .. مشكلتك مع قلبك اللي يناقضك
رتيل : أجل أترك لي مشاكلي بروحي! أنا أحلها مع نفسي
عبدالعزيز بدأت قدمه اليمنى بالإهتزاز والضرب على الأرض : تفكرين بمستقبلك كيف يكون ؟
رتيل : أحلامي مالك فيها مكان
عبدالعزيز شدّ على شفتيْه : يعني أفهم أنه قرارك أخير!
رتيل ودَّت لو يقُول شيئًا يعاندها به، لو يرفض وينكر القرار، والله لأتحجج بكل شيء في يدِي وأرضخُ لك، لو كلمة! فقط كلمة تُبلل جبينُ القلب المتعارك بحزنه، فقط كلمة وأعفُ عنك، لكنك أقسى من أن تتنازل عن كبريائك أمام أنثى مثلي، أقسى بكثير من أن تشعرُ بأن الحياة ضئيلة ولا تستحق أن نعيشها بهذه الصورة، أقىسى بكثير يا عزيز من أن تعتذر ليْ ولو إعتذارٌ مُبطَّن.
عبدالعزيز : كنت متوقع شي ثاني! لو أدري أنه كلامك بيكون كذا .... ما كان جيت .. ما كان خليتك تسمعيني إياه
رتيل بضيق تقاوم رعشاتُ عينيْها : وش كنت متوقع؟ أقولك راضية أنه أثير تشاركني فيك! ولا أقول أنه إهاناتك ما عادت تعني شي .. وش بالضبط منتظر منِّي ؟
عبدالعزيز يُثبِّت نظراته في عينيْها المتلألأة بالدمع : شي واحد ما أفهمه فيك! .... شي واحد يا رتيل ماني قادر أفهمه ... كيف تتلذذين بتعذيب نفسك!
تجمدَّت ملامحها، ستكره نفسها لو تبكِي أمامه، بلعت غصتَّها وهي تقاوم الحشُودِ الذائبة في عينيْها : أعذِّب نفسي!! غلطان .. لو يصير اللي يصير ما يهمني وأظن كل شي يثبت لك هالحقيقة ما يحتاج أقولك وأزيد عليك .. حتى عقب الحادث لو لا سمح الله صار فيك شي كنت بحزن عليك لمُجرد شخص عادِي.. ممكن أحزن على أيّ شخص في الشارع! لكن مستحيل أندم على وقت راح بدون لا أكون معك .. لأنك ببساطة ما تعني لي شي، أشك حتى أنه أثير تعني لي أكثر منك!!
يُطيل النظر بها، لعينيْها التي تصدق وتُهينه كثيرًا، للكلمات الحادَّة التي تُنصِّف القلب وتُسقطه، تُبادله الإهانة ذاتها ولكن يخشى أن نبرة الصدق هذه واقعٍ وليس من أوهامه، أردف بإبتسامة تُخفي قهره : تحاولين تبنين كلامك على أشياء ماهي موجودة! تكذبين الكذبة وتصدقينها
رتيل بغضب ترفع عينها المُحمَّرة بالرعشة وصدرها الذِي يعتلي بالنبض : ما أبني كلامِي! أنا فعلاً ما عندي غير هالكلام .. لا تجرب تستخف فيني بحكيْك أو حتى تفكر تضايقني بأثير! وهالمرَّة أنا اللي بصارح أبوي عشان يعرف قدر اللي معطيه هالثقة
عبدالعزيز : خلصتي كلامك ؟
تكاثرت الدموع في محاجرها، كيف للغيرة أن تتسرب إلى عيني، كيف لكلماته أن تشطرني نصفيْن؟ كيف لإسمها البسيط أن يقف كالغصَّة في صوتِي؟ كيف لكل هذا يجتمع في رجل! قاسٍ يا عبدالعزيز ويعزُّ على قلبِي أن تكون هكذا، يا حُزني المتواصل منك، يا حُزني الذي لم يجفّ بعد! لم يتضائل بعد، مازال في قوتِه، في تماسكه، وأنت وحدِك من تُبدده وأنت وحدِك من تستلذُ بتماسكه على قلبي.
يهمس : مين يوجع الثاني يا رتيل؟ أنتِ اللي توجعين نفسك
أتى صوتها الباكي، تعرَّت من مُكابرتها لتنهمر دموعها بقساوةِ الغيرة المترسبة في محجر عينها : أنت تضايقني! تهيني كثير يا عبدالعزيز هذا وأنا ما أجرمت في حقك أبد، كل هذا عشان أدافع عن نفسي في وقت الكل بما فيهم أبوي أرخصني .. وش سويت لك بالضبط عشان تقهرني بكل شي يجي في بالك؟ قولي بس وش سويت وأنا مستعدة أعتذر لك الحين وننهي كل هذا ..
أنهارت لتغرق كلماتها في البكاء، بكلماتٍ مُتقاطعة يعلُو بها بكائها : أنت اللي بديت! وانت اللي ضايقتني! في كل شيء .. في كل شيء والله تقهرني .... ما أطلب منك شي.. بس أحترم قلبي ...
بإنكسار أردفت : أحترمه لو شويَّـة
وقف ليتجِه للكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه : وأنتِ؟ يا كثر ما توجعيني يا رتيل وتقولين ما أجرمتي في حقِّي!
ببحَةِ الوجَع : اللي سويته ولا شي! بس أنت ما قصرت في أكثر شي يوجع البنت سويته! رحت وتزوجت
عبدالعزيز : قضيتك ماهي أثير .. انا متأكد من هالشي
رتيل: قضيتي بأنه فيه شخص ثاني موجود في حياتك!! تقبل تهين أثير ؟ .... جاوب على سؤالي تقبل ؟
عبدالعزيز بهدُوء : مستحيل أقبل أحد يهينها
أرتفع صدرها بشهيقها المتأني دُون زفير، ليُكمل : إن كان في بالك أني أستغل أثير فأنتِ غلطانة وأني جايبها لمجرد أني أهينك فأنتِ في مصيبة .. لأن أنا قادر أهينك بدون ما أستخدم أحد، لكن أنا .. أبغى أثير يا رتيل
لا يُدرك بالوجَع أبدًا، لا يُدرك بحزني ولن يُدرك، لِمَ حظي بهذا السوء؟ لِمَ الحزن يتربص لي في كل محاولة أبتسم بها! في كل مرة لا أرى شيئًا يستحقُ الحياة، يُجدر بي أن أهنئك يا عزيز فأنت كسبت وأفقدتني المتعة في الحياة.
ألتفتت عليه بكامل جسدِها لتلتصق به، تأمل دمعُها بعينيْه التائهتيْن، كيف يجب أن نُخبر هذه السمراء بأن لاتبكِي؟ كيف نُخبرها بأن البُكاء منها يعنِي : إنقلاب وكارثَة، بأن ملامحُ الجميلات يُحرِّم عليهن الدمع، أنا أعترف أنني قادر على فعل كل شيء، وأن أقاوم رغباتِي بكل ماهو سيء ولكن أمام دموعك أنا جدًا سيء يا رتيل وأعني بجدًا سيء أنني مستعد أن أنقض العهُود كما ينقضها اليهود! أنقضها بكل عنف دُون أن أسأل عما سبق وعما سيأتِ، ما بيننا أكبرُ من هدنَة، ما بيننا عمرٌ لا يقبل أبدًا أن يتعطل بهُدنة.
رتيل بألم : تبغاها ؟ يعني كنت تبغى تتزوجني بس عشان تضايق أبوي .. وتضايقني .. تعرف وش اللي موجعني؟ كنت أظن أنك ليْ وهي الدخيلة بيننا .. بس طلعت أنا اللي مالي مكان بينكم .. كيف تقدر يا عبدالعزيز تسويها فيني؟
بدأت تفقد شعورها بعقلها وبإتزان تفكيرها، أنهارت تمامًا وهي تُعاتبه بألمٍ يقذفُ نفسه بجسدِها : علمني كيف تقدر توجعني كذا ؟ يخي أنا وش سويت في حياتي عشان تسوي فيني كذا !! ليه ما تفهم .. حرام عليك .. تدري بشعوري .. تدري بأنه قلبي معك وتوجعني! ....
يجلس بجانبها جامدًا سوى من عينيه المحاصرة لعينيْها المرتعشتيْن، بلاوعي ضربت يدِها التي تُغطيها الجبيرة في الطاولة وهي تعلن جنونها الآن على حُبها وإنهيارها عليها، سحب يدَها حتى لا تكسرها أكثر لتعتلي نبرتها ولا يفصلُ بينهما سوى هواءُ عابر : أنا الغبية اللي أتحراك وأنت أصلاً قلبك معاها
عبدالعزيز بنبرةٍ حانية : رتيل ..... خلاص ..
تُخفض رأسها : ذليتني، كرهتني بنفسي، قهرتني بكل شيء حتى بأبوي، سويت كل شي ممكن يسيء لي .. وش بقى أكثر ؟
عبدالعزيز يسحب كرسيْها أكثر حتى يلتصق تمامًا وما عاد الهواء العابر يمرُّ بهما، أصبحت الأنفاس هي من تمرٌ وتطوف حولهما : كانت ردَّة فعل لكلامك .. ما كان هدفي أني أضايقك .. والله ماكان هدفي أني أجرحك وأوجعك
رتيل : هذا وما هو هدفك .. كيف لو كان هدفك وش كنت بتسوي فيني!!
عبدالعزيز أبتسم بضيق : اهدي ولا تبكين عشان أقدر أتناقش معك
رفعت عينيْها الباكية : أنا أبكي على حظِّي .. على حياتي الضايعة ...
يقُاطع لذاعةُ كلماتها ليسحبها لحضنه، شدَّها حتى ودّ لو أنها تدخلُ فيه : ما تضيع حياتك وأنا جمبك .....
يهمسُ بدفءِ أنفاسه في أذنها : رتيل ... خلينا ننسى كل اللي صار .. أمحيه من بالك
رتيل بصوتٍ مخنوق : وأثير ؟
عبدالعزيز : تجاهلي وجودها في حياتي
رتيل ببكاء الغيرة : كيف أعتبرها مهي موجودة وهي تعيش معك !!
يُبعدها بهدُوء ليمسح دمعاتها بأصابعه لتُكمل بوجَع : كيف تحب لك شخصين ؟
عبدالعزيز يُطيل الصمت والضياع في عينيْها التي يكرهها بقدر ما يُحبها، هذه العينيْن التي دائِمًا ما تُجرِّد قلبه من كل الكلمات، حتى أُصبح لا أعرفُ كيف أواسِي قلبك ولا أعرف كيف أواسي نفسي!
يُمسك كفَّها الأيسَر ليضغط عليه بكفِّه الأيمن، تنظرُ له بضياعٍ تام، لا أعتبُ عليك وعينيْك خمَاري، وأني والله يا حبيبي أخافُ العُريّ وأخافُ من نظراتِ المارَّة وأغار!.. أغارُ من العابرين والطُرق التي تراك ولا تراني فكيف بالإناث؟ كيف أقبل أن تأتِ أنثى وتسكُن معك؟ أن تراها وهي تستيقظُ أمامك؟ أن تُبصرها وهي تنام بجانبك؟ كيف أقبَل بأن تُشاركها طعامها، أن تُشاركها أمورها الحياتية الصغيرة والكبيرة، كيف أقبل بكُل هذا دُون أن يُخدشَ قلبي؟ دُون أن يضيق بيْ ويُحزنني؟ كيف أقبَل بأن ترى عيناك غيري؟
: ما توفِي يا عزيز .. ما توفي لا ليْ ولا لأثير ...
عبدالعزيز وهو يتلاعبُ بأصابعه على باطنِ كفَّها، عقد حاجبيْه بوجَعٍ أكبر : ما كنت متخيِّل ولو للحظة حتى بأكثر لحظاتي تشاؤم أنه حياتي بتكون كذا ! اني بتزوج بهالطريقة .. أنه بيكون على ذمتي ثنتين مو وحدة! .. كنت أحلم مثل الكل .. كنت أحلم بالبيت اللي بيجمعنا وبالأطفال اللي بيحملون إسمي .. كنت أحلم .. كنت أحلم فيك .. بس أنا ما حققت ولا أيّ شي من أحلامي ..... أنا ماني متضايق من أبوك .. بالعكس أعتبره بمقام أبوي، أنا متضايق لأني أفلست من هالدنيا .. لأن ماعاد أنتظر أحد ولا أحد ينتظرني ، متضايق لأن أبوي ماهو معايْ.. لأن أمي ماهي جمبي .. متضايق من أشياء كثيرة فقدتها وفقدت نفسي فيها، بس قولي لي تقدرين تعيشين بدون أبوك؟ .....
تُخفض رأسها لتسقطُ دمعتها الحارَّة على كفِّه التي تتغلغل بكفِّها،
عبدالعزيز يتعرى بجروحه تمامًا، لم يعد يُفيد الإسْرَار بشيء : ما تقدرين وأنا مقدر يا رتيل، إذا غبتي ساعة بتفقدك أختك وبيفقدك أبوك وبيفقدك مقرن وبيفقدونك أعمامك .. وبنات عمك والكل .. طيب أنا ؟ مين بيفقدني ؟ محد .. أفهميني بس ..
يُشتت أنظاره بضياع : أفهمي أنه القصد أبد ماهو أني ماني قادر أوفي لأثير أو لك ..
،
رفع فيصل عينيْه ليلتقط حضُورها، تجمدَّت ملامحه بأنها بعيدة وجدًا عن وصف والدتِه، لم تَصدِق بشيء سوَى شعرها الطويل ماعدا ذلك خرافات من أمي التي ترى شيءٌ لا أراه، أخذ نفسًا عميقًا وهو لا يرمش أبدًا، يوسف القريب منها يهمس بإبتسامة ساخرة : تبين تقهوينه ؟
هيفاء تُهدده بنظراتها العنيفة وتشعرُ بالإختناق وهي لم ترى سوَى أقدامه، بلعت ريقها لتتوسَّل إليْه بنظراتٍ ثرثارة، يوسف وقف لم يعد يعرف ماذا تريد منه بالضبط ؟ ودّ لو يتركها لوحدها حتى تتورط ولكن لم تتم الملكة بعد ولا يجُوز أن تختلي به لوحدها، جلست لتلتصق بيوسف.
يوسف يحاول بكل ما أعطاه الله من قوة أن لا يضحك بموقفٍ يجب عليه أن يكون الأكثر إتزانًا، طال صمتهم وطال ملله منهما.
فيصل تنحنح ليُردف : شلونك يا هيفا ؟
هيفاء بصوتٍ متقطع : بـ.. بخير
يوسف أشفق عليهم ليحاول هو الآخر بفتح موضوع : طيب يا فصِيل تقدر تقولنا الصفات اللي تبيها في هيفا
فيصل هدده بعينه ليشدّ على أسنانه : فصِيل بعينك!!
يوسف أتسعت إبتسامته حتى بانت اسنانه : يالله يا بُو عبدالله لا تبطي علينا عندِك 10 دقايق بس
فيصل ينظرُ لهيفاء التي تكاد تذوب في خجلها، بشرتها البرونزيَة مغريَّة حدِّ التأمل، عينيها شديدة الشبه بيُوسف يشعرُ بالضياع أمامها : ما عندي صفات محددة
يوسف غرق بضحكته الطويلة وهو يُشير له بيدِه دُون أن تنتبه هيفاء بأنه " تخرفن "
فيصل مسح على وجهه حتى لا يضحك ويضيع " البرستيج "
يوسف : طيب فيه شي ثاني ودِّك تقوله ؟
فيصل : وأنت مخليني أتكلم
يوسف : يالله قول وش عندِك ؟
فيصل بإبتسامة متزنة : أنا مستعجل ، عندِي شغل وأبي زواجنا يكون بأقرب وقت
يوسف لم يستطيع أن يُمسك نفسه ليضحك بخفُوت وبنبرةٍ ساخرة : عندِك شغل!
فيصل بإندفاع : والله محدد هالشي من زمان ومنصور عنده خبر
يوسف يلتفت على هيفاء بإستلعان : موافقة يا هيفا ؟ طبعًا إذا ما وافقت بتضطر تنتظرها
فيصل يُراقب حركة شفتيْها المرتجفة.
يوسف : وش قلتي ؟
هيفاء بحركة عفوية تغرز أصابعها في ذراعِ يوسف مُعبِّرة عن شدَّة الحرج التي تشعرُ بها.
يوسف : نعتبرها موافقة وصلى الله وبارك
فيصل أتسعت إبتسامته : أجل ألف مبرووك
يوسف وقف ليتجه مع فيصِل للخارج حيثُ مجلسهم الذي أجتمع فيه الجميع، أطالوا وقوفهم أمام الباب وأصواتهم تخفت قبل أن يدخلا للمجلس.
خرجت هيفاء دُون أن تنتبه أنهما مازالا واقفيْن ، رددت وهي تهفُّ على نفسها بيدِها بعد أن أعتلت حرارة جسدها والخجل مازال يُسيطر عليْها لتُنادي على والدتها بنبرة توشك على البكاء : يممممممه ... يممه وش ذا ..
يوسف تنحنح حتى تنتبه لهُما بينما فيصَل تمتدُ إبتسامته لآخر مداها.
شهقت وهي تتراجعُ للخلف وتشتمُ نفسها ويوسف وفيصل وكل عائلتها في ثواني قليلة، ودَّت لو الأرض تنشق وتبلعها حالاً .. حالاً.
،
الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . .
تعتلي قبضته لتُحاصر زندها وهو يصعدُ وهي تقاوم الصعود وتتمسك بالدرج : سلطاااان
يقترب منها ليفكُّ يدها من الدرج ويُحكم سيطرته على كلتا يديْها بيدِه ويصعدُ بها، أندفعت وهي تكرهُ نفسها أكثر حين ترضخ له : طيب آسفة .. خلاص آسفة ...
سلطان : أنا أعلمك كيف تتطاولين وتعلين صوتك عليّ! .... دخل بها لغرفتهما وأغلق الباب.
بقساوة ينزعُ حزامه العسكرِي الغليظ من بنطاله، تنظرُ له بدهشَة بعد أن تجمدَّت عروقها، ألتصق ظهرها بالباب : عمتِك ما رضيت عليها بالكفّ وأنا حتى الحريقة ترضاها عليّ !!!
سلطان بغضب : طيب يالمحترمة! يوم تعرفين تحاضرين وتناظرين !! شوفي نفسك كيف تكلميني!!
الجوهرة بربكة كبيرة أمام غضبه، أردفت بصوتٍ ركيك : وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ... وأنت على طول قدَّمت الضرب
تهزمه دائِمًا بالقرآن، بالآيات الي تعبره لتُمسك غضبه وتليِّنه، مدد أصابعه ليسقط الحزام على الأرض وقبل أن ينطق شيئًا أوجعتهُ بقدر الوجع الذي يترسبُ في قلبها، لتسخَر بكلماتها بجديَّة الحزن : وأظن أنك هاجرنِي بليَّا شي! ما هو ناقص بعد تحط في بالك الهجر
سلطان يقترب منها لتلتصق أقدامهما المتقابلة، بتنهيدته المتأنية : طيب يا حلوة
الجوهرة من قهرها لا تعلم ماذا تقول : لآ ماني حلوة!!
سلطان يكره أن يضحك في وقتٍ تضطرب به أعصابه ويرتفعُ به الغضب، أبتسم :وش تبيني أناديك ؟
انتبهت لكلماتها ليحمَّر وجهها، حاولت أن تُبيِّن اللاخجل : نادني الجوهرة
سلطان : طيب يالجوهرة بكلم أبوك وأعزمه عندنا قبل لا يرجع
نظرت له بملامحٍ أرتخت، شعرَت بأنه يفكّ قيدها تمامًا، هدأت أنفاسها وضاعت نظراتها في كل شيء بالغرفة ما عداه رُغم أنه لا يترك لها فرصة لتأمل شي وجسدُه يلاصقها تمامًا، لا تعرف كيف أنه يرضخ بسبب كلمةٌ بسيطة منها! أن يوافق على ذهابها لوالدها بعد رفضه.
سلطان بخبث يقطعُ سلسلة أفكارها : عشان أقطع يقينك بالروحة له
تغيَّرت ملامحها للأسوأ بعد أن رأت أملاً وسُرعان ما تبخَّر، لتتسع إبتسامته : تبين شي ثاني ؟ لأن ماراح أرد لك طلب
الجوهرة أمالت شفتِها السفليَة بغضبٍ شديد بعد سخريته بها، لا تعرف كيف تزورها القوة والجرأة أحيانًا، أندفعت : طيب يا حلو .. منك أنت بالذات ما أبغى طلبات
سلطان يُقلد نبرتها : لا ماني حلو
الجوهرة أخذت شهيق ونست الزفير من العصبية التي تُسيطر عليها : لآ تقلدني!!
سلطان مازال يُعاند، يشعرُ أنه يصغر 10 سنوات للخلف بتصرفاته : ناديني سلطان
الجُوهرة تُشتت نظراتها، تخاف من كلماتها القاسية أن تأتِ وهي تنظرُ لعينيه : يقول عني صغيرة عقل وما يشوف حاله
سلطان يضع ذراعيه على الباب لتُحاصر جسدِها : ما تبيني أمزح معك ؟
الجوهرة : أنت ما تمزح أنت تهين وبالشرع ما يجوز أنك تمزح بالإهانة
سلطان بإبتسامة : عاد أنا مزحي كذا
الجوهرة : وأنا ماأحب مزحك
سلطان : غصبًا عنك تحبينه ..
بغرورة الذِي يغيضها يُكمل : كل شي منِّي مجبورة أنك تحبينه
الجوهرة تعضُّ شفتها بغضب حتى أحمرَّت بالدمّ : طيب أبعد
سلطان : وإن ما بعدت ؟
الجوهرة تكاد تجَّن من تصرفاته التي لا تعرفُ بدايتها من نهايتها، كيف مزاجه يتلون بالدقيقة مئة مرَّة : سلطان
سلطان يُمسك ضحكته ليقترب أكثر فوق إقترابه الشديد : حاولي تدلعيني بكلمة ثانية وأبعد
الجوهرة : منت صاحي!
سلطان : هذي من معجزات القرآن، تقرأين عليّ آية وتضيعني
الجوهرة أضطرب نبضها وهو يتصادم في صدرها : طيب .. ممكن تبعد ؟ الحين حصة بتدوِّر علينا
سلطان بسخرية لاذعة : صادقة ماحسبناها! عمتي بتدوِّر علينا الحين وبتخاف إن ما لقتنا
شعرت بغباءها وسطحيتها في التبرير : سلطان لو سمحت جد أتكلم
سلطان : قلت دلعيني بإسم وأفكر أبعد
الجوهرة : طيب يا حلو ممكن شوي
غرق بضحكته : دلعيني دلع رجال
الجوهرة رفعت عينها لتُغيضه : يا سبحان الله حتى بالدلع ما ترضى تنتقص رجولتك بشي
سلطان يُغيضها أكثر : ما تنقص برجولتي الكلمات
الجوهرة : طيب إسمك ماله دلع رجولي
سلطان : إلا له .. أنتِ فكري وأنا بفكر معاك
الجوهرة تعرف ماذا يقصد : ما أؤمن فيه
سلطان أدرك أنها فهمت قصده : وأنا ما أؤمن باني أبعد الحين
طال صمتها لثوانِي طويلة حتى أردف بقهر : طيب يا سلطاني ممكن تبعد ؟
أبتسم : ولا تفكرين بيوم أنك بتقدرين تبعدين
الجوهرة وعينيها لا تستطيع ان ترفعها إليه، لاصق بطنه بطنها ولا فُرصه للحركة : طيب أبعد سويت اللي تبيه
سلطان يستمتع في إغاضتها وقهرها : قوليها وأنتِ حاطة عينك في عيني
الجوهرة بقهر أندفعت بغضبها : أنت تبغى تهيني وبس!
سلطان بهدُوء : الحين هالكلمة بتهينك! أجل يا ضعفك إذا الكلام يهينك
الجوهرة تضع يدها على صدره محاولة أن تُبعده ولكنه كالجدار واقف.
سلطان بخبث : أعدّ لما الثلاثة وبعدها تشهدِّي .. واحد . . . . . إثنين . . . .
نظرت لعينيْه وهي تفيضُ بالقهر، ستصبح هذه اللحظة من أسوأ الأشياء التي أحزنتني منه، يتلاعب بيْ مثلما يُريد، يُثبت أنه متمكن منِّي، بأني لا أستطيع أن أنسلخ منه، يُرضي غروره على الداوم بأنني غير قادرة على الإبتعاد، ليتني أفعل رُبع ما تفعل وأشعُر بأنني فعلاً مُتمكنة منك، بنبرة هادِئة : ممكن يا سلطاني تبعد لـ
لم تُكمل من قُبلتِه المُفاجئة التي قطعت عليها سيرَ الكلمات الخافتة، أتشعرُ بالضياء الذي يتوهَّج بجُغرافية جسدِي كُلما مررت بيْ؟ كم يلزمُ غيرك من الرجولة حتى يجيء نصفك؟ كم يلزمهم وأنت تختصرُ عليّ كل الرجال؟ مشكلتِي والله أنني أحبك ولا أعرفُ طريقًا أبتعدُ به عن حُبك، لا أعرفُ طريقًا للهرب وأنت لم تُبقِي ليْ مكانًا للهرب، رُغم أنك أكثرُ شخصٍ يُهينني، يستفزني، يُغضبني ويُحزنني ويُبكيني إلا أنك أكثرُ شخصٍ أشعرُ بأنِّي دُونه أعيشُ في غربة، مُشكلتي أيضًا أن عينيْك تُجهض كل محاولاتي البائسة في النهوض من وعثاءِ حُبك! كيف لك أن تحملُ هذا القدر من الرجولة القاسية لأنثى بسيطة مثلي؟ كل لك أن تحمل كل هذا الجمال العنيفْ الذِي يجلدُ قلبٌ هشّ مثلي؟ إن كُنت يومًا موسوعة أنا ثقافتُك يا سلطان.
أبتعد وهو يُبلل شفتيْه بلسانه، يومًا ما سأذهب ضحيَة لعينيْها الشفافتيْن وثلجيةُ ملامحها الناعمة، كيف لمجرَّة تدُور حول جسدِ أنثى وأضيعُ أنا في شمسها وقمرها ؟
لم تتجرأ أن تنظرُ إليه، وهي تتجه نحو الدواليب من الربكة لم تعد تعرف ماذا تفعل، دُون أن يلتفت إليها خرجَ للأسفل.
وضعت يدها على صدرها وهو يرتفع ويهبطُ بشدَّة : يا الله عليك!
،
وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه، أنا مستعد أن أعلن إنسلاخي من كل الأشياء التي تربيْتُ عليها مُقابل أن يتلاشى وليد من هذا الوجود، مُقابل أن تعود ذاكرتها كما كانت، مُقابل أن تكُون ليْ وحدِي، وحدِي أنا لا يُشاركني بها أحد.
زفرَ أنفاسه الغاضبة : وليد!! حسبي الله ..
بصراخ : تنسين شي إسمه وليد!!! أنتِ زوجتي رضيتي ولا ما رضيتي ... لا تخليني أفقد أعصابي معاك فوق ماني فاقدها
غادة بحنق : أقولك فاقدة ذاكرتي ماني عارفة إذا أنت تصدق بكلامك ولا تكذب .. وش يذكرني .. الله يخليك أتركني .. أتركني بس أرتب أوضاعي
يشدِّها حيثُ الجزء الآخر من الصالة التي تُخزِّن بها الذكريات بلا إنقطاع، تحبسُ أصواتهم وكلماتهم الضيِّقة الحزينة والسعيدة المُتغنجة، فتح الحاسوب المحمول ليُشغل إحدى الأقراص
ناصِر : شوفي بنفسك وأعرفي مين الصادق ومين الكذَّاب
غادة بتشتيت نظراتها : عارفة ماله داعي أشوف .. لو سمحت
ناصر رفع حاجبه والغضب يسيطر على أعصابه: صار بيننا لو سمحت؟؟ بعد
غادة نظرت إليْه والمقطع يُحمِّل حتى يُفتح : لا تضغط عليّ
ناصر عقد حاجبيْه الحادتيْن : ما أضغط عليك!! هذا شي ضروري عشان تعيشين! أنتِ ما تعرفين تعيشين بدوني وأنا مقدر أعيش بدونك .. عشان كذا ضروري تكونين معايْ!! مفهوم ؟
غادة تنظرُ للشاشة التي أتسعت بصورتها وصوتها الذِي أنهمر على مسامعها.
تسير من بعيد في مكانٍ كان بالماضِي مقهى، مهجور جدًا لا تسمع سوى صدى أصواتهم، تنظرُ للكاميرا الموجهة إليها : للحين تصوّر
ناصر بضحكاتِه اللامُنتهية: تأخرتي قلت أوثق المكان .. وقف ووضع الكاميرا دون أن يوقفها على الطاولة المتصدِّعة
تعانقه وتتنفسْ عِطره : وحشتني
ناصر : ماهو أكثر منِّي .. جلسا على الكنبة الرثَّة .. هالمرة بعد عجئة سير؟
غادة : ههههههههههههه لأ أبوي فتح معي تحقيق وعطاني محاضرة بطول وعرض
ناصر : مانيب متكلم عن أبوك
غادة وبأصبعها تداعب خدّه الخشن : هو تقدر ؟
ألتفت عليها ووجهه يُقابل وجهها : بصراحة لأ
غادة وترى بقايا أحمر شفاه على خده : مع مين جالس قبلي ؟
ناصر ويراها من المرآة المتكسِّرة على الجدار :يامجنونة هذا رُوجك !!
غادة وتقترب منه لتمسح بأصابعها بقايا رُوجها على خدّه وبمرواغة من ناصِر ليُقبلها لكن ألتفتت للسقف وكأنها تتأمله
ناصر : لا والله ؟
غادة بإبتسامة تنظرُ لِمَا حولها : هالمكان من متى مهجور ؟
ناصر : تبخلين على اللي مشتاق لك ؟
غادة : عشان تطفش مني بعد الزواج
ناصر : مين قايلك هالحكي
غادة ضحكت لأنه يعرف من ينصحها ويُعطيها كل هذه المواعظ.
ناصر : نصايح حكيم زمانه عبدالعزيز !! شغله عندي ذا أتركيه عنك لو تسمعين له صدقيني تضيعييين ..
غادة : ههههههههههههههههههههههههه بس أنا أقتنعت بكلامه
ناصر : لازم يخرّب عليّ كل شيء هالولد
غادة : قولي وش أخبارك ؟
ناصر : ماشي حالي
غادة : أنت بس ناظر عيوني وأتحداك بعدها ماتقول أنك بألف خير
ناصر بحُب وعينه بعينيها : وعيُونك تعطيني درُوس بالفرح بالسعادة يابعد ناصر أنتِ
غادة أبتسمت وهي تنظر للكاميرا : للحين شغالة ؟
ناصر ألتفت عليها ويسحبها ليُغلقها . .
أضطربت وقلبُها يصطدم بصدرها الذِي تبلل بالكلمات الخجلى التي لا تعرفُ كيف كانت تتجرأ بنطقها أمامه، أحمرَّت خجلاً من حركاتها وكلماتها معه، هذه العلاقة لا تُوحي بانها سنة أو سنتين، جُرأتي تُوحي بأن الذي مضى عمرًا كاملًا.
أخذت نفسًا عميقًا وهي تصارع دموعها : لا تشغل شي ثاني
دُون أن يلتفت لها يُشغل القرص الآخر الذي هو نفسه لم يراه منذُ فترة طويلة بعكسِ الذي سبقه.
على القارب الذي يعبرُ نهر السين ولا يُشاركهم به أحد، تُمسك الكاميرَا وهي تصوِّره وأطرافها ترتجفْ ببرودةِ الأجواء : ناصر خلاص أبعدنا خلنا نوقف هنا
ناصر يُجمِّع كفيْه وهو يُدلكهما حتى يتدفئ : الجو يناسب القصيد
غادة تضع الكاميرَا لتثبت الصورة على أجسادهم من بطونهم حتى أقدامهم، أقتربت منه حتى يُحكم قيده على يديْها ويُدفئهما، قرَّبها إلى الأعلى وكانت تُوحي بأنه قبَّلهُما
غادة تزفرُ أنفاسها الباردة ليحملها ناصر بخفَّة ويجعلها تجلسُ أمامه، صدرُه يلاصق ظهرها وذراعيْه تُحيطها : متى نتزوج ؟
غادة : ههههههههههههههههههههههه كم مرة سألت هالسؤال
ناصر : وبضِّل أسأل لين يرحمنا أبوك ...
غادة : هانت! ما بقى شي ويجي تقاعد أبوي وبعدها أكيد بيعجِّل في الزواج
تُطبق الشاشة، ترفضُ أن ترى حياتها السابقة بعينيْها، تعالت أنفاسها وهي تتوسَّلُ إليه : يكفي! .. ما فيني حيل أشوف أكثر
يضع كفِّه على كفِّها : وأنا ما فيني حيل أشوف صدِّك
تلتفت إليْه وملامحها تُضيء بالدمع : طيب هذا فوق طاقتي! والله فوق طاقتِي ...
ناصر بغير وعي/إتزان : مافيه شي إسمه فوق طاقتك! يعني تبين حياتك هذي؟ اللي ماتعرفين فيها حتى إسمك
غادة : أنا مشتتة عطني الوقت اللي يخليني أستوعب كل هذا
ناصر : وأنا من يعطيني الوقت ؟
غادة ودمُوعها تتساقط : أرجوك ناصر
ناصر يقف مُبتعدًا عنها : يا قساوتك!
وبعصبية بالغة يرتفعُ على سطحه مُلكيته بها : بس طلعة من هنا لو تموتين ما طلعتي! حياتك هنا! مالك مكان عند غيري .. مالك مكان أبد
،
تمرُّ الأيام بصورةٍ مُهيبة، الهيبة التي تجعل الجميع ينحنِي إليْها، لا أعرفُ كم من الوقت يلزمُ أبناء جنسنا حتى يستوعبُ أن الهجر لا يزيدُ قلوبنا إلا مضرَّة/كدرًا! يراقبها وهي تأكل بهدُوء بعد أن أعتادت الأكل باليسار والآن تحاول أن تعتاد على يدِها اليمين التي نستها طوال الفترة الماضية، رفعت عينها : فيه شي بوجهي ؟
عبدالعزيز أبتسم : لأ
رتيل : شككتني بحالي، اليوم عندك شغل ؟
عبدالعزيز : إيه أنتظر أبوك يجي
رتيل : ما نام إلا الفجر
عبدالعزيز : الله يعينه ... نظر للمصعد الذي أنفتح بخروج عبير .. طيب 10 دقايق يا رتيل وتمشين معي .. ماهو أنتظرك ساعة!
رتيل تنظرُ لعبير التي لم تتوقع أن تجد عبدالعزيز اليوم بحُكم الأشغال التي أزدحمت في الأيام الماضية
عبدالعزيز دُون أن ينظر إليها : شلونك عبير ؟
عبير بخفوت : بخير الحمدلله
رتيل : طيب 10 دقايق وأجيك ، خرج ليتركهما
عبير : ليه ما قلتي لي أنه بيجي اليوم ؟
رتيل : نسيت ..... تنظرُ لمحادثات الواتس آب ... يارب صبِّرني
عبير : مين ؟
رتيل بشغف تلتفت عليها بكامل جسدها : تذكرين اللي تمشي مع صديقة هيفاء الطويلة .. اللي دايم تسوي بشعرها حفلة
عبير ضحكت لتُردف : إيه عرفتها .. إسمها هناء مدري نهى
رتيل : المهم قبل كم يوم جتني تعزمني لعرس أخوها قلت لها أني ماني في الرياض! راحت قالت لهيفا أني أكذب وأني أنا أتحجج عشان ماأجي .. جتني هيفا تقول أشوى أنه عندك عذر عشان ماتجين عرسهم أنا وش عذري! المهم الهبلة هيوف كتبت هالكلام في محادثتها .. وسوَّت لها فضيحة
تُقلد صوتها رُغم أنها لم تسمعه إلا لمرةٍ واحدة : أنتم ماتبغون تجون بكيفكم محد غاصبكم ! ليه تنافقون وتمثلون عليّ وأنتم وأنتم .. ههههههههههههههههههههههههه تفجرت البنت .. هيفا كلمتني الصبح تقول مسوية نفسها ميتة ما ترد على هواشها .. تو الحين كاتبة لي نهى .. ما فيه تقدير للعشرة تتزوجين وماتقولين لي ؟ بغيت أحط لها ضحكة طويلة وأقولها عفوا مين أنتِ ؟ يختي غصب تحط بيننا عشرة وأنا ما شفتها الا مرة وحدة
غرقت عبير بضحكتها لتُردف : هبلة هالبنت! لا تردين عليها وأسفهيها
رتيل : عقلها صغير أستغفر الله .. مشكلتي ما أحب أحش بأحد
عبير بسخرية :بسم الله على قلبك ماتحبين تحشين أبد!
رتيل : يعني صراحةً فيه ناس غصب يخلوني أحش ولا أنا ما ودي .. تحسين كأنهم يقولون لك تكفين حشِّي فينا
عبير : أصلاً أنا ما أدانيها يختي قلق مررة
رتيل : مدري كيف صديقة هيفا تماشيها! أبد الضد منها
عبير : تخيلي في ناس تشوفك وتقول .. كيف هيفا تماشي رتيل ؟
رتيل : يآكلون تراب! الحمدلله صدق أني أسوي أشياء غبية في حياتي بس ماني قلق ولا نشبة ولا أهايط .. الله يآخذ سيرة الهياط يختي تذكرني بناس وصخة
عبير: سبحان الله كل الناس وصخة ماعداك
رتيل غرقت بضحكتها لتُردف : أستغفر الله الله يتوب علي بس آخر وحدة بحشّ فيها وإن شاء الله أني بعدها بتوب، تعرفين بنت صديقة أبوي اللي إسمه مدري إسم جده معاذ .. اللي تعرفنا عليها أيام الثانوي ..
عبير أتسعت محاجرها : لآ تقولين لي أنك متواصلة معها إلى الآن .. قديمة مررة
رتيل بحماس الموضوع : معي في الواتس آب ، المهم أرسلت بي سي حق ..
تُقلد صوت الدلع : البنات الكيوت و اليايْ .... المهم كتبت المناكير وعلاقتها بالحب .. قلت لها طيب اللي ماتحط مناكير ؟ فشلتني الكلبة وقالت ماهي بنت ماتدخل من الفئة المعنية بالبي سي ! قلت طيب اللي تحط مناكير شفافة ؟ قالت لي لحوج! قلت طيب اللي تحط مناكير زي لون شعرك .. الحيوانة عطتني بلوك ..
عبير : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههه قسم بالله أنك حقيرة يا رتيل
رتيل بصخب ضحكاتها : قهرتني الكلبة أجل أنا لحجية وهي صابغة شعرها أصفر .. يا ليته أشقر بعد .. عاد هذا قبل سنين يمكن أنها الحين صبغته أسود وعقلت
عبير صمتت وشتت أنظارها لتلتفت رتيل للواقف أمامها : خلصتي حشّ ؟
رتيل بإبتسامة ونظراتها العفويَة تبتسم معها : باقي أنت ما حشينا فيك
عبدالعزيز : قومي معي منتِ كفو أحد ينتظرك
رتيل تقف : طيب خلاص ... أتجهت معه للخارج وبنبرة الفلسفة الغير مقنعة : تعرف عبدالعزيز وش يروقني ؟ لاحظت أنه أكثر شي يروقني لما تكون سعيد
عبدالعزيز ألتفت عليها : بحاول اصدق
رتيل : هههههههههههههههههه جد أتكلم! أنت أنبسط يا قلبي وأنا اروق
عبدالعزيز تنهَّد : تحبين تتطنزين على علاقتنا كثير! ملاحظ هالشي و أصلا هالفترة واصلة معي وأنتظر الزلة على ايّ أحد عشان أتهاوش معه
رتيل : هذا شي يرجع لخلل عقلك لكن ظاهريًا أنت سعيد
عبدالعزيز يعض شفتيه ليحاوط رقبتها بذراعه ويُنزل رأسها ناحية بطنه
رتيل : خلاص خلاص آسفين .. عورتني توَّها راجعة لي رقبتي تبي تطيِّرها بعد
عبدالعزيز يتركها : أنتِ ما تروقين يا قلبي أنتِ تهايطين
رتيل أتسعت بإبتسامتها : أستغفر الله أستغفر الله .. اليوم بجلس أستغفر عن كل شخص حشيت فيه ...
عبدالعزيز : أنتِ كويِّس ما تحشِّين في ظلك
رتيل عقدت حاجبيْها : تبالغ مرة .. أنت والله اللي كويِّس ما تتهاوش مع ظلِّك
عبدالعزيز : بس أنا أقولك وش اللي مروقك هاليومين ؟
رتيل : وشو ؟
عبدالعزيز وهو يسير بجانبها على الرصيف الصاخب : أنك صايرة ما تتهاوشين معي وتعاندين! عشان كذا أمورنا طيبة
رتيل : إذا أنت ما نرفزتني ما اتهاوش معك
عبدالعزيز بخبث : ولا عشان ماتشوفين أثير
رتيل وقفت وهي تعضُّ شفتها السفلية بحقد.
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه بترجع الليلة لازم تقومين بواجب السلام
رتيل تُكمل سيْرها حتى لا تلفت إنتباه أحد : شفت! ما ترتاح إلا إذا عصبتني وأنا مروقة .. يخي أتركني أنبسط لو يوم
عبدالعزيز : أبشري على هالخشم
رتيل أبتسمت : طيب .. وين بتوديني اليوم ؟
عبدالعزيز يواصل خبثه المُتغزل : لقلبي
رتيل ضحكت لتُردف : لاحول ولا قوة الا بالله .. جد عزوز
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههه وصرنا نقول عزوز ؟
رتيل : عفوية لا تجلس تدقق
عبدالعزيز : طيب عندي لك موضوع سري سري سري للغاية .. حتى بينك وبين نفسك لا تفكرين فيه
رتيل رفعت حاجبها : وشو ؟
عبدالعزيز : يخص أختك عبير
رتيل : إيه وشو .. خوفتني
عبدالعزيز : خلينا نجلس بالأول بمكان هادي وأقولك
،
ينظرُ لساعته بربكة : والله لا يعلقني معك ترى إحنا واعدينه ..
أحمد : طيب أنت توترني .. أبلع لسانك وبطبعهم الحين
متعب يقترب للنافذة التي تطلّ على بوابة المبنى الرئيسية : إن جاء ومالقى الأوراق بيقول أننا مو قد الوعد وعاد والله لا يمسكها علينا سنة قدام
أحمد : متعب إكل تراب .. دبلت كبدي ووترتني معك .. بيجي وبيلقى كل شي جاهز
متعب : بيمسكني دوام ليلي والله لا يذبحني معه .. انا أعرفه
أحمد يرمي عليه علبة المناديل : يخي أسكت
متعب صمت قليلاً ليُردف بصوتٍ عالِي : جاء .. جاء .....
أحمد يسحب الأوراق من الآلة ليركض للطابق الثاني الذي يحتوي على مكتبِ سلطان، متعب يسحبُ بقية الأوراق التي نساها الغبيُ الآخر وهو يركض خلفه ... دخل أحمد لمكتبه.
متعب الذِي أصطدم بالطاولة وآلمت بطنه، تحامل على ألمه ليركض نحو مكتبه وتجاوز بابه ليعُود للخلف بـ " سحبَةِ " أقدامه التي أنزلقت نحو الداخل ... وضع الأوراق على مكتبه بترتيب.
مرّ زياد بكُوب القهوة ليسحبها منه متعب ويضعها على طاولة سلطان. زياد بسخرية : ممشيك على الصراط !
أحمد : وش تحس فيه ؟
متعب : عشان يشوف القهوة باردة ويعرف أننا مجهزين كل شي من زمان .. ذكاء يا حبيبي ذكاء ... وخرجا مُتجهين لمكاتبهم.
أنفتح المصعد ليتجه سلطان دُون أن ينتبه للربكة التي حصلت قبل قليل، وقبل أن يدخل مكتبه تراجع عدة خطوات للخلف ونظرُ لمتعب ، أشار له من خلف الزجاج أن يأتِيه.
متعب تبعه : سمّ
سلطان ينظرُ للقهوة التي واضح أنها سبقت شفاهُ أحد : مين داخل مكتبي ؟
متعب : محد بس أنا الصبح حطيت الأوراق اللي طلبتها مني
سلطان رفع حاجبه : وهذي القهوة مين له ؟
متعب شعر بالورطة الحقيقية : لي أنا طال عُمرك! .. نسيتها ... أقترب وأخذها.
سلطان يجلس ويطيل النظر بعينِ متعب ليستنسخ الكلمات منها : وجهك ما يبشِّر بالخير
متعب وفعلاً يُريد أن يبكي الآن من قهره، مهما فعل يشك به سلطان : علمني وش أسوي! كل شي أسويه تشك فيه
سلطان بجمُود : بعد أبكي زي الحريم
متعب ويشعرُ بأنه تعقَّد تماما من هذا العمل : ما أبكي بس أشرح لك الحرقة اللي في صدري
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك : حرقة بعد !!
متعب : هذي الأوراق وجاهزة .. والحين تجيك القهوة زي ما تحبها .. أنت بس آمرني
سلطان يضع يده على خده ويتكئ : متعب ماودِّك تترقى ؟ تدخل دورة وتآخذ رتبة جديدة
متعب ببلاهة : لا .. أنا كذا مرتاح
سلطان : طيب فارق
متعب : شكرًا ... وخرج
سلطان أبتسم على كثرة أخطائه الفادحة والغبية إلا أنه يُسعده حضوره، مسك الأوراق ليُراجعها بعد أن عاود نشاطُ عبدالعزيز مع عبدالرحمن في باريس. بدأ العدّ التازلي لإنتهاء الجوهي أو إنتهاءُ إدراتنا!
،
دخَل لتلتقط عينيْه جلوسها على السرير وبين أحضانها عبدالله، تُلاعبه بأصابعها وتُغني له بصوتٍ خافت، بإبتسامة : مساء الخير
رفعت عينيها : مساء النور ...
بربكة أردفت : كانت هنا هيفاء وخلته راحت تشوف أمها ...
يوسف : أصلا عادِي مافيها شي .... جلس بجانبها : رحتي الجامعة اليوم ؟
مهرة : إيه قبل شوي رجعت ... هالكورس إن شاء الله أتخرج وأرتاح من هالهم
يوسف يأخذُ عبدالله من أحضانها ويُقبِّل خده : وزين خدوده يا ناس ...
مُهرة أبتسمت : أحترت فيه مو طالع على واحد فيكم .. بس فيه شبه من عمِّي
يوسف : طالع على سميَّه ... أنا أدعي الله أنه طنازتي على خلقه ما تطلع في عيالي
مُهرة : ههههههههههههههه عقب وش؟ تطنزت وأنا اللي بآكلها
يوسف : انا واثق بجمالهم .. دام أني أبوهم غصبًا عنهم يطلعون حلوين
مُهرة : إذا ولد انا بسميه وإذا بنت بكيفك .. علاقتي مع أسماء البنات مهي كويسة
يوسف بضحكة : أنتِ إسمك كله على بعضه مو كويِّس
مُهرة رفعت حاجبها : إسمي اللي مو عاجبك معناه ..
يُقاطعها : والله داري وش معناه .. بس أنا كذا ما أحب الأسماء العنيفة .. أحب الركَّة *الرقة* *أردف كلمته الأخيرة بضحكة عميقة*
مُهرة : لو بنت وش بتسميها ؟
يوسف : ريَّانة بلا منازع وبخليها لولد عمَّها عبدالله
مُهرة : تدري لما كنا صغار كانوا مسميني لولد خالي مساعد .. بس تزوج يوم كنت في اول سنة جامعة
يوسف : شفته ؟
مُهرة : إيه كان موجود يوم جيت حايل ... لحظة عندي أخته حاطة صورته ... أخرجت هاتفها لتفتح بروفايل إبنة خالها على صورة أخيها
يوسف لم يُدرك من قبل أنه يغار بهذه الصورة الشديدة، نظر للصورة بحدَّة : طيب
مُهرة بعفوية : بس قهرني! يعني لما تفكر طول مراهقتك بأنك بتكون معه وتبني أحلامك على هالأساس بس آخر شي كسر قلبي وتزوج وحدة ثانية
يوسف بسخرية : بسم الله على قلبك اللي كسره
مُهرة : ههههههههههههههههههه جد أتكلم يعني بوقتها ما كنت أشوف من الرجال أحد غيره ..
يوسف بهدُوء يُقاطعها : مُهرة ممكن تبطلين حكي في الرجَّال اللي تزوج قدامي
تجمدَّت ملامحها بالإحراج : ما كان قصدي
يوسف : داري .. وضع عبدلله على السرير ليستلقي بجانبه مُرهقًا من العمل ...
مُهرة تقترب منه : بكرا موعد الدكتورة .. بتجي معاي .. بيكون الساعة 10 الصبح
يوسف وهو مُغمض العينيْن : طيب يعني بتداومين ولا كيف ؟
مُهرة : لآ ماراح أحضر .. بس أنت بتطلع من دوامك ؟
يوسف : إيه ولا يهمك
مُهرة ألتزمت صمتها وهي تُطيل النظر به، من أنفاسه يتضح أنه لم ينَم بعد، قطعت الهدوء : طيب إذا ما تبغى تنام أجلس معاي لأنه مو جايني النوم ومحد في البيت .. طلعت هيفاء مع عمتي ونجلا
يوسف مازالت عيناه مغلقة : من آثار الحمل أنك تكونين قلق؟
مُهرة أبتسمت : لأ بس طفشانة
يوسف يفتح عينيْه : تعرفين تسوين مساج لرآسي
مهرة : لأ
يوسف : حايلية على وش ؟
مهرة : ليه الحايليات لازم يعرفون كل شي
يوسف : إيه مين أسنع حريم بالسعودية ؟ بنات الجنوب وبنات الشمال
مُهرة : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه على كيفك تقسِّم ... بالعكس نجد مسنعات بعد
يوسف : بالنسبة لي أنا أشوفهم التوب
مهرة بخبث : مجرِّب ؟
يوسف : أنتِ أدخلي معي الإستراحة وبتشوفين حوار الثقافات اللي يصير
مهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههه ما تمِّل وأنت تتطنز على ربعك
يوسف : تراني أحبهم وأغليهم على كثر طنازتي! تحسبينا زيكم .. نتطنز من الغيرة والكره
مهرة : يخي لا تعمم .. كل شي حريم وحريم .. فيه الشين وفيه الزين دايم
يوسف : طيب بجلس أقول كل شوي " بعض " و " بعض " .. خلاص أكيد ما أقصد التعميم يعني كل حريم حايل سنعات هذا أنتِ غير عنهم ما قلت شي
مُهرة عقدت حاجبيْها : طيب نام خلاص
يوسف يضحك بصخب ليُردف : أنا لاحظت فيك صفة خايسة
مُهرة تكتفت : إيه وشهي
يوسف : ما تتقبلين الأراء ...
مُهرة : وشنوحك كل ما قلنا لك كلمة قلت ما تتقبلين الأراء!
يوسف : هههههههههههههههههههههه إيه طلعي اللهجة
مُهرة أنتبهت لكلمتها لتُردف بنبرة حائلية بحتة : أنا هاتس طبعي ما يعجبنن الطنازة وكل ما قلت شي تحندر بوه تسنِّي مِكفرة
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههه يا ولد .. لا لا هذا كلام كبير .. كيف أرد عليك الحين
مُهرة بإبتسامة عريضة : والله وش زين اللهجة بس لأني متعودة على الرياض ما صرت أحكي فيها
،
يُقابله في إحدى المقاهِي القريبة من شقته ليشرح له بطريقة لا يستوعبها قلبه العاشق، يُردف بحنق : ومع مين كانت جالسة ؟
وليد يتأملُ ملامحه الحادَّة، دائِمًا ما كنت أملك قناعة أن فئة ناصِر يملكُون وسامةٌ قاسيَة، قاسية حتى على أنفسهم حين تحتدُ بالغضب : كانت جالسة مع وحدة إسمها أمل
ناصر : ومين تطلع ؟
وليد بهدوء : ما أعرف!
ناصر : وطيب هي وينها الحين ؟
وليد : هربت
ناصر : هربت!!!.. ليُردف بغضب : تستهبل على مخي ؟
وليد : أنت شايفني بموضع إستهبال! أنا أكلمك جد كانت معاها وهربت ... مالها وجود بعد ما هبَّلت في غادة وخلتها تشك في نفسها وفي قدرتها على عودة الذاكرة .. كانت تتذكرك وتتذكر ناس كثير بس بطريقة مشوشة لكن حصل لها الحادث الأخير وفقدت كل ذكريات السنوات القريبة وصارت تتذكر الماضي البعيد .. وهذي حالة من حالات فقدان الذاكرة الرجعي اللي مالنا أيّ سيطرة عليها ولا تحكم عليها الحوادث وتصنيفها .. لأن الحوادث اللي تأثر على الرآس تختلف نتايجها من شخص لآخر .. انا ماراح أحبطك .. لكن صعب جدًا أنه غادة ترجع لها ذاكرتها بهالظروف .... تقدر تعيش معها وتبدأ من جديد ...
ناصر شد على شفتِه : كيف يعني أعيش معها وأبدأ من جديد ؟ مافيه علاج ثاني
وليد : قلت لك الإصابات في الرآس تختلف، بالنهاية 80 بالمية من العلاج يعتمد عليها هي وعلى نفسيتها، لكن أنا أقولك من واقع التجارب .. إذا فقدت ذاكرتها للمرة الثانية صعب ترجع لها، .. أقولك كدكتُور غادة واقفة ذاكرتها لزمن معين وهذا الزمن كان فيه ناس تثق فيهم، مستحيل الحين تتكيف بسهولة وهالصدمات منك راح تضرها أكثر ما تفيدها .. المطلوب منك أنك تجيب لها ناس كانت تعرفهم قبل 2007 وتثق فيهم عشان يساعدونها في ذكرياتها .. لأنها ببساطة أنت في موضع غير ثقة بالنسبة لها ولذاكرتها
ناصِر يُطيل نظره به ليُردف ببرود : وأنا أقولك خلك بعيد عنها .. وهالنصايح ماتهمني في شي وسالفة أنه ذاكرتها واقفة عند زمن معين أنا أرجِّع لها ذاكرتها يا شيخ بدون خدماتك ... و خرج ليتصل على والده ويسأله عن أوراق غادة التي لم يُصارحهه بها، يُدرك بأنه سيكذبه ويشكُ في عقله، أكتفى بأن يرمز لها بإسمها السابق " رؤى ".
في جهةٍ أخرى كانت تبحث في شقته بعد أن حبسها به، كانت تنظرُ للصور التي تجمعهم وضحكاتهم التي تلامسها بأصابعها، فاض الحنين بها، ما أقسى الحزن وما أقساه على قلبي، كيف أستردُ صوتِي الذِي أقرأه خلف هذه الصور والرسائل، كيف أستردُ ضحكتي التي تُرسم على هذه الأوراق! كيف أستردُ ذاتي التي ضاعت، سقط دمعها على عينِ عبدالعزيز الذِي يتوسطهما بالصورة، أشتاق لك يا عزيز، أشتاق لك فوق ما تتصوَّر، أشعر بأن غيابك مُختلف عنهم، أنت الذِي كنت قريبًا منِّي في لحظاتِ حُزني وإنزعاجِي، أنت الأب في مكوث أبي في الرياض، أنت وحدُك الذِي أشعرُ بأنه يجمع كل التصنيفات " أب، اخ،صديق، حبيب " أشتقت، أشتقت . . .
تقرأ على الصورة التي كُتب على طرفها " فيني بدو ماتوا ضما للمواصيل " ، نزلت دموعها بإنسيابية ليُكمل قلبها على روح عبدالعزيز التي تحنُّ لها : وجيههم من لاهب الشوق سمرا
عضت شفتِها تحاول أن تُمسك دمعها الشفاف من عُمق السقوط، كثيرٌ عليها أن تتحمَّل هذا الكمُ من الذكريات، هذا الكمُّ من الحزن، دقائِق قليلة حتى أنفتح الباب لتلتفت عليه.
ينظرُ ليديْها التي تعانق الصور، أقترب منها : مساء الخير
غادة الرافعة شعرها ككعكة في منتصف مؤخرة رأسها، تسيلُ دموعها دُون أن يواسيها الليل الطويل الهابط على رأسها، نظراتها الضعيفة تخنق ناصِر، تهزمه بكل ما تملكُ من رقَّة.
ناصر بهدُوءٍ متزن : إن شاء الله كلها كم يوم وراح نطلع من باريس
غادة بلعت الغصة التي تبحُّ معها صوتها : لوين ؟
ناصر : إلى الآن ما قررت بس أكيد مكان قريب ماراح نبعد كثير عن فرنسا..
غادة أخذت نفس عميق : ممكن أسألك سؤال ؟
ناصر بضيق : ممكن أطلب منك أنك ما عاد تستأذنين لطلباتك وأسئلتك .. تجرحيني يا غادة! .. تجرحيني كثير لا قمتِي تعاملني كأني غريب عنك
غادة شتت أنظارها للصورة التي بين يديْها : مو قصدِي .. انا .. بس أبغى أعرف وين عبدالعزيز ؟
ناصر : بهالفترة ماهو هنا .. إن شاء الله في الوقت المناسب راح تشوفينه
غادة : هو بخير ؟
ناصر : إيه بخير الحمدلله
غادة بحزن يشطرُ قلبها، لا أحد يفهم معنى أن أفقد الأخ الذي يوازي مقام الأب : يدري عنِّي ؟
ناصر : غادة .. راح تشوفينه قريب
غادة تسيلُ دمعتها التي لم تقل حرارتها عن كل دموعها التي عاشت في ركامها طوال السنة الفائتة والنصف الذي يفوت الآن : مشتاقة له حيييل
ينظرُ لها وهو يشعرُ بالعجر من أنه لا يستطيع أن يعانقها بكامل إرادتها، أن يمسح دموعها دُون أن تنفر منه، دُون أن تضيق، أن يُقبِّل كل دمعة تسقط منها ويحكي لها أنها جميلة جدًا عندما تبتسم، أن يرى ضحكاتها التي أعتادها، هذا وجهُ غادة الثاني! ليست غادة المرحة السعيدة التي أعتاد أن يغرق في حضنها ويعُود كمراهق أمامها، هذه ليست غادة التي أضيعُ في عينيْها وأحكي لها من الكلماتِ شعرًا ونثرًا ، هذه ليست غادة التي أستمتعُ بإغاضتها لأرى عُقدة الحاجبيْن التي أشتهي أن أقبِّلها دائِمًا، هذه ليست غادة التي تحاول أن تبتعد كُلما حاولت أن أقترب لتزيد لوعة قلبي، لتزيد من شغفِي بأن أعنِّف ملامحها بقبلاتِي وتعنيفِي رقيق ما دام يسكنها، هذه ليست غادة التي تبكِي مرَّة وتضحكُ مرَّات، هذه ليست غادة والله ولكن ذاتُها التي أتولَّعُ بعشقِ عينيْها وأغرقُ بشفتيْها، هي ذاتُها من أحب، هي ذاتُها التي تزيدُ عذابِي وتُميتني في كل مرَّة، الذاكرة مُضحكة للغاية! إن وددنا تذكُر شيءٍ بسيط نجد أنفسنا ننسى! وإن حاولنا النسيان نجد أنفسنا نتذكرُ أبسط التفاصيل، مُضحكة لأنها تستفزُ قلبي! تستفزُ حبي الذي لا يسكنه أحدٌ سواك.
،
لم تعتاد بعد على أجواءِ الشرقيَة الرطِبة والتي بدأت بالميل للبرودة قليلاً، لم تعتاد على جوّ البيت الخاوِي، ولولا وجُودِ أفنان كان من الممكن أن تنهار من وحدتِها، منذُ أتينا هنا وأنا لا أراه إلا أوقاتٍ قليلة، يستغلُ أيّ محاولة للإبتعاد، لا أراه إلا عندما ينام وأحيانًا أنام قبله ولا أراه، ولا أراه إلا عندما أستيقط وأحيانًا يستيقظ قبلي ولا أراه وما بينهما أنا ضائعة لا أعرفُ أين مستقرِ أقدامه، كثيرٌ عليّ أن أتحمَل كل هذا، كل هذا الهجر والصدّ وانا في أولِ حياتي معه، إما أن يختار طريقًا صالحًا لحياتنا أو " بلاها هالحياة " ، حتى ملكةُ هيفاء لم أستطع أن أحضرها، كان يعاقبني على أخطاءٍ بسيطة، على صوتِي الذي يعتلي لحظة من فيضِ قهري، أنا لا أفهمك يا ريَّان ولا أريد أن أفهمك مطلقًا.
رفعت عينيْها على دخوله، صدَّت لتُكمل قراءة الكتاب الذي لم يستهويها يومًا، و دائِمًا في لحظاتِ وحدتنا وعُزلتنا نبرع في ممارسة أكثرُ الأشياء سوءً وأكثرُ الأشياء كرهًا للقلب، أقرأ حتى أملُّ وأنام، لا شيء مفيد يمكنني فعله غير هذا، لأني ببساطة لا أريد التفكير بك، لا أريد أن أفكِر لِمَ يتصرف بهذه الصورة ؟ ظنوني السيئة بك تتجدد في كل لحظة وأنا لا أحبذ مناقشتها مع عقلي.
يسحبُ الكتاب بتأني بين يديْها ليجلس أمامها، ترفعُ عينها له : تآمر على شي ؟
ريَّان : ليه جالسة لوحدك ؟
ريم ببرود تتضحُ به حدةِ الحُزن في نبرتها : كذا .. مزاج
ريَّان : طيب أنزلي معي ..
ريم : أبغى أجلس بروحي
ريَّان رفع حاجبه : ليه ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بهدُوء : وأنا أبغى أعرف وش الأمر اللي يخصك ؟
ريم بحدة تكررها وكأنها تبدأ الحرب على ريَّان : أمر يخصني
ريَّان يشدُّ على شفتيْها : يعني ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بغضب : ريـــــــــــــــــــم! لا تطلعين جنوني عليك
ريم تنظرُ إليْه بعصبية لتقف : تطلع جنونك! لآ أنا أبغاك تطلعها عليّ ... أنا أصلا ماأعرف كيف متحملتك إلى الآن ... أنا منتظرة بس المصيبة اللي بتحجج فيها عشان أفتَّك منك
ريَّان يقف وبنبرةٍ حادة : أنتبهي لحدودك معي لا قسم بالله ..
تُقاطعه بنبرةٍ تعتلي للصراخ : لا تحلف عليّ! ماني أصغر عيالك تقسم وتحلف ... أحترمتك بما فيه الكفاية لكن أنت منت كفو إحترام! أنت حتى ظلك تشك فيه ...
يُقاطعها بصفعة على خدِها الناعم،أخفضت رأسها لينساب شعرها على جانبيْه، لم تستوعب بعد أنه ضربها ومدّ يده عليها، هذا الإجرامُ بعينه مثلما كانت تراه في أعين اخوتها اللذين يُحرمُّون الضرب كمبدأٍ دائِم، المبادىء التي تربت عليها جميعها تلاشت أمام ريَّان، لا تعرفُ كم من الطاقة تلزمها حتى تتحمَّل وقع إهاناته المتكررة سواءً بلسانه أو بأفعاله.
ريَّان : وغصبًا عنك بتحترميني ... خرج ليتركها في فوضى حواسها التعيسة.
لم تعد تشعرُ بأقدامها، لم تعد تشعر بمقدرتها على الوقوف لتجلس على الأرض، سقطت دموعها التي تسيرُ ببطء، هذه الحياة في كل يوم تقتلني، في كل يوم تُميتني بتأنِي لا يستحقه قلبي أبدًا.
،
تسكبُ له القهوة وهي تنظرُ له بإستمتاع حقيقي بالحياة التي تبتسمُ لها، بأن إبنها يتزوج وتفرحُ به وتنتظرُ الحلم الذِي يتحقق في رؤيَةِ احفادها : متى يجي العيد بس ؟ عاد عيد الأضحى كل سنة أحسه يجي عادِي مو زي الفطر بس هالسنة غير دام بيحصل فيه شرف زواجك
أبتسم فيصَل ليُرضي غرور والدته : طبعًا هالسنة كلها غير
والدته : ما قلت لي وش صار بالشوفة ؟ كل مرة تتهرب
فيصل : هههههههههههههههههههههه لأن يا يمه ما أبغى أحرجك صراحة وصفك شرق والبنت غرب
والدته عقدت حاجبيْها : أفآآ !
فيصل : إيه والله .. ما صدقتي الا بشي واحد وهو شعرها ما عدا ذلك مع إحترامي لك يا يمه لكن عيونك تشوف شي ما اشوفه
والدته : إلا والله أنها تجنن و
يقاطعها : داري أنها تجنن لكن ماهي بنفس أوصافك .. أولا ماهي بيضا .. سمرا
والدته تشهق : إلا والله أنها بيضا وبياضها ماهو بياض عادي
فيصل تتسع محاجره : يمه لا تحلفين! أنا شايفها
والدته : أقول لا تخبلني البنت شايفتها وبيضا ماشاء الله تبارك الرحمن .. بيضاها مثل أختك ريف وأكثر
فيصل يشعرُ بأنه سيُجَّن من والدته : يمه لا يكون وصفتي لي بنت غيرها و وروني بنت ثانية.. هم عندهم غير هيفا ؟
والدته : إيه ريم و تزوجت والحين ما عندهم غير هيفا
فيصل بضيق : لآ يمه والله غلطانة ... أستغفر الله كيف ! صدقيني يمه يمكن مخربطة بأختها أو بوحدة ثانية
والدته : إلا هيفا نفسها أنا شايفتها بيضا وش ملحها
فيصل بتشويش : ماني مستوعب! أتصلي على أمها وأسحبي الحكي منها
،
في تلك الجهة التي تستمتعُ بها هيفاء بعد أن هُلكت بالتسوق : شي مو طبيعي والله .. خل يأجل العرس يعني صعبة أحقق كل هذا بوقت قياسي
يوسف : طيب ماهو لازم كل شي جديد ..
والدته بإندفاع : وش تبيه يقول عننا ! ما عطيناها مهرها ؟
يوسف : خلاص خلاص .. خله تحلله قرش قرش
هيفاء بضجر : باقي لي أشياء كثيرة ما سويتها .. لا ما ينفع والله خل يأجله .. ما أتحمل يصير الزواج بالعيد!
والدته : إلا يمديك .. بس أنتِ لا تقلقين نفسك ... وخرجت
يوسف: أسمعي مني أشتري بعد العرس .. خليه يدفع لك بعد
هيفاء أبتسمت : لا يا حبيبي لازم كل شي كل شي جديد ... كأني توني مولودة
يوسف يُظهر ملامح التقرف : عندك تشبيهات مدري وش تبي! أنا قلت لك رايي كرجِل وفيصل شخصيته حافظها حفظ .. أستغفر الله بس نسيت هو نظام التدقيق في اللبس .. وأناقة وماأعرف أيش
هيفاء تضرب صدرها بخفَّة : وتبيني ماألبس أشياء جديدة عنده عشان بكرا يعلق عليّ يقول بنت عبدالله لابسة ..
يُقاطعها : اصلا الرياجيل مع بعض مستحيل يحكون في لبس زوجاتهم! بس يعني ممكن يجيك كمخة يحكي
هيفاء : زي ربعك مثلاً
يوسف : لكل قاعدة شواذ .. ربعي ما يحكون عن حريمهم بس يحكون من باب حل المشاكل والفائدة
،
أخذ نفسًا عميقًا، لا يعرف ماذا يفعل بوالده الذي يواصل سلطته عليه وكأنه إبن العاشرة وليس التاسعة والعشرُون، يُردف : طبعًا لا يا يبه .. يكذبون عليك وتصدقهم!
رائِد : وهذي الحسابات وشهي؟ قلت لي بتترك الشرب؟ لكن طلعت كلمتك ماهي كلمة رجال
فارس بإندفاع : تركته .. والله تركته ..
رائد : توَّه قبل كم يوم شارب قدامي وتقول تركته
فارس : بهالفترة أحلف لك بالله أني ما شربت شي .. والحين أروح للمستشفى أسوي تحليل يثبت أني ما شربت شي في اليومين اللي فاتت
رائد : أنا أبغى مصلحتك! بالنسبة لي يهون أنك تسوي كل شي قذر في الحياة إلا أنك تشربْ! الشرب بالذات ماأبيه يقرِّب صوبك
فارس بسخرية : يعني بتفرق مررة ؟
رائد : بالنسبة لي تفرق وتفرق كثير .. لأنك لو ادمنته مستحيل تبعد عنه وأنا ماأبغاك تدمن أشياء ماتقدر تتشافى منها
فارس بضيق : طيب .. أوامر ثانية ؟
رائد : على مين أتصلت أمس ؟
أرتعشت شفتيْها بالتوتر : على مين ؟
رائد : أنا أسألك
فارس : ما فهمت .. امس كنت هنا
رائد : أنت تقابل أحد بدون علمي!
فارس بتوتر عميق يُحاول أن يخفيه بنبرته المتزنة : طبعًا لا .. أصلا طول الليل كنت عندك
رائد بنظرة الشك : وش عرفِّك أني أقصد الليل
فارس أخذ نفس عميق : أنت قلت توّ
رائد : لآ ما قلت
فارس بضيق : إلا يبه قلت
رائد بعصبية : تكذب ؟ والله العظيم أنك تكذب ... لم يترك له مجال للدفاع عن نفسه ليصرخ به : مين عبدالعزيز ؟
،
في شقتِه تندفعُ كلماتها الغاضبة : أنت بس تبغى تهينني .. تدوِّر أكثر شي يضايقني وتقوم تسويه
عبدالعزيز بهدُوء : الحين الشقة تضايقك؟ أنتِ سألتيني وأنا جاوبتك ..
لا تعرفُ كيف للشقة أن تستفزُ غيرتها، كيف لهذه الألوان التي تظهرُ بها لمسات أثير أن تُغيضها، كيف لكل هذا أن يُحزنها وهو جماد!
رتيل بإنفعال : طيب يالله خلنا نطلع لأني أختنقت هنا
عبدالعزيز بإستفزاز : أختنقتِ ؟ هذا بكرا بيصير بيتك!
رتيل بحماس تندفعُ بكلماتها الحادة الغاضبة : لآ والله! لو أيش ما جلست فيه دقيقة عقبها! يالله رحمتك على عبادِك .. على فكرة كل مرة تثبت لي أنك بحاجة لدكتور نفسي! تقول خلينا نسوي هدنة وأوعدك ما أقول شي يضايقك وبعدها بدقيقة تقهرني! منت صاحي .. والله أنا لو أيش ما اسوي .. لو أترجاك ما تتغيَّر تبقى عبدالعزيز اللي يتلذذ في تعذيب غيره ..
تتفتحُ أزارير قميصها من فرط إندفاعها وحماسها بالغضب، ليجلس عبدالعزيز على الأريكة ويغرقُ بضحكاته الصاخبة : كم مرة قلت يا قلبي لا تعصبين عشان نفسك؟ شفتِ كيف ؟ الضرر وصل لملابسك
رتيل تُعطيه ظهرها وهي تتلوَّن بالإحراج، أولُ مرَّة لا تلبس شيئًا تحت القميص سوَى ملابسها الداخلية، أعتادت أن تلبس شيئًا دائِمًا ولكن حظُها يُثبت لها في كل مرَّة أنه من سيء إلى أسوأ، تُغلق الأزارير بتوتر كبير.
عبدالعزيز يقف بعد أنا أطالت وقوفها : يالله خلينا نطلع
رتيل دُون أن تنظر إليه تسحب معطفها وترتديه، يلتفت بضحكة مُستفزة : يعني الحين مستحية ؟
رتيل : ممكن تآكل تراب ؟
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههه بس لونه رهيب أهنيك
رتيل شعرت بالحرارة تفيضُ بجسدِها، وقفت في منتصف الدرج وهي تنظرُ إليْه بقهر/بحرج
عبدالعزيز يُكمل سيره للأسفل وهو يدندن : الأصفر جميل .. جميل ... جميل
رتيل وبأكملها يتحول لونها للأحمَر، تُقلد صوته : معفن .. معفن ... معفن
عبدالعزيز يُغيضها أكثر بعد أن خرجا : يا ويل حالي من الأصفر .. قطَّع قليبي معاه
رتيل بجدية : عبدالعزيز لو سمحت .. خلاص .....
عبدالعزيز ألتفت عليها : عندِك حب للأصفر مدري من وين تذكرين الفستان اللي شفتيه بباريس معاي أول ما تعرفت على شخصيتك الفظيعة
رتيل : إيه أتذكر يوم خليتك تتخرفن وتخاف عليّ
عبدالعزيز أنقلبت ملامحه : إيوا بالضبط لما خليتك تطيحين على الأرض وتشربين مو مويتها
رتيل : ههههههههههههههههههه تحاول تستفزني بس صعبة عليك
عبدالعزيز بإبتسامة يستفزها فعلاً : بس طبعًا اليوم تغيَّرت نظرتي للأصفر
رتيل تحمَّرُ وهي تحاول أن تتخلص من إحراجها، تضرب كتفه بغضب لتسير أمامه، يتبعها بضحكاته : طيب أنا وش ذنبي؟ مين فتح القميص أنا ولا أنتِ ؟
رتيل بغضب : ممكن تنسى الموضوع! اعتبر نفسك ما شفته ..
عبدالعزيز : طيب بوعدِك اني أنسى كل شيء لكن الأصفر مستحيل .. هههههههههههههههههههههه
رتيل : حيوان
عبدالعزيز رفع حاجبه : مين الحيوان ؟
رتيل : يالله! يالله .. خلاص أنا حيوانة .. ممكن توصلني وتتركني بعدها
عبدالعزيز بجدية : طيب بموضوع عبير
تلتفت إليه وهي تسترجعُ ما قاله له تحتاج لأيام حتى تستوعب ، يُردف : وهالكلام طبعًا بيني وبينك ، أتفقنا ؟
رتيل بتشتت : أتفقنا .. بس يعني؟ كيف بتقول لأبوي ؟
عبدالعزيز : إن شاء الله مسألة يومين وراح يقتنع أبوك
رتيل بضيق: طيب وعبير؟
عبدالعزيز : كل شي في مصلحتها .. مستحيل يضرَّها، وأنا أعتبرها مثل أختي مستحيل أقبل بأنه أحد يضرّها .. تطمني
رتيل تنهدَّت : طيب ... طيب بحاول أتكلم مع عبير إذا كانت معارضة
عبدالعزيز : ما أتوقع تعارض .. يعني إذا عرفت أنه دكتور وإلى آخره من هالهبال بتوافق
رتيل بوجَع : ولا وحدة فينا تزوجت زي العالم والناس! ليه قاعد يصير معنا كذا ؟ أحيانا أقول وش الشي العظيم اللي سوَّاه أبوي عشان يتعاقب فينا إحنا الثنتين
عبدالعزيز ويشعرُ بالضمير اللاذع : طيب هي أنرمت عليه! زواجها عادِي .... وممكن لو تزوجت بطريقة تقليدية ما كان راح تكون سعيدة وممكن هالزواج يكون خيرة لها
رتيل بسخرية : زي زواجي منك مثلاً!
عبدالعزيز : أنكري أني ماني خيرة لك ؟
رتيل أخذت نفس عميق : ترى عندي أشياء تخليني أقول أنك منت خيرة ليْ فخلنا ساكتين ومحترمين نفسنا
عبدالعزيز بإبتسامة لم تُطيل وعيناه تسقط على الرسالة التي أضاءت هاتفه من بو سعود . . . . . . .
،
ينظرُ للشاشة التي تُخبره بكل حدَّة أن الأشياء تسقطُ من سيطرته، تُخبره بأن طوال هذه الأشهر كانت أعماله قائمة على " خطأ " يا لذاعةُ هذا الخطأ في وقتٍ حرج وفي عملٍ ضيِّق كهذا ! يا قساوة هذا الخطأ على قلبه كمسؤولٍ يتحملُه. أيُّ خيبة هذه التي تكسرني! أيّ خيبة هذه تكسرُ قلب رجلٍ عُلِّق في العمل، بلع ريقه الجاف ليُردف بهدُوء يُخبر عن خيبته الشديد : بلغهم إجتماع طارىء الساعة 7 الصبح بكرا
أحمد : إن شاء الله .. شيء ثاني طال عُمرك ؟
سلطان : لا
خرج ليتركه بقمةِ حزنه، بقمةِ غضبه، بقمةِ قهره، هذا فوق طاقته، كيف يتحمَّل كل هذا ؟ كيف يستطيع أن يحكمُ سيطرته على نظامٍ بات يخرجُ الجميع عنه، لم يعد يعرف من يخون ومن يَصدق ؟
ضرب الطاولة بقدمِه، يُريد أن يكسِّر أيّ شيء أمامه، هذه الخدعة لا يتحملها ، هذا الخطأ لا يعرفُ كيف يعترف به، سنة وأكثر وهو يعملُ على معلومة خاطئة! يالله كيف ؟
نظر لهاتفه الذي أهتزّ برسالة ، قرأها مرارًا بعينيْها ولثواني طويلة رُغم أنها قصيرة، بحروفٍ إنجليزية بسيطة، أعادها مرةً أخرى بعينيْه " كانت هزيمتك امرٌ مؤقت، لكن لم أتوقع يوم أن تصل إلى هذا العمق "
يقرأ ما بين السطور ويستكشفُ ما هو العمق الذي لم يتوقعه، أخذ هاتفه ليتصل على الجوهرة بإستعجال وهو يخرج من عمله الخاوي في الساعات المتأخرة من الليل، لم تُجيبه ليتصل على الحرس الذي تم تعيينهم
: آمرني طال عمرك
سلطان : فيه شي صاير ؟
: لآ كل أمورنا تمام
سلطان : أنتبه أكثر وأنا جايك
: إن شاء الله
سلطان يُغلقه بعد أن تحشرج به الحزن إلى آخر حد، وصوتُ سلطان العيد يحضر بقوَّة في ذاكرته، يمرُّ على قلبه بكلماتِه التي دائِمًا ما كانت تُخفف وطأة غضبه.
" سلطان العيد : تعرف كم مرَّة قلَّت ثقة الموظفين فيني؟ تعرف كم خطأ حصل تحت إدراتي! كثير لكن كانت في أشياء تشفع لي، لكن أحيانا الأخطاء تكون بسيطة لكن أنت بموضع مفروض أنك ما تخطأ ، أنت لازم ما تخطأ أبد، لأن أخطائك ممكن تروِّح لك حياتك .. فاهم عليّ؟ "
يكتبُ رسالة لعبدالرحمن وهو يقود سيارته بعد أن أطال بإتصاله معه قبل ساعة تقريبًا " طلبت منهم إجتماع بكرا .. عبدالرحمن أنت لازم ترجع "
ينظرُ للحيّ البعيد عن وسطُ الرياض الصاخب، أخذ نفس عميق وهو ينظرُ للحرس أمام بيته، نزل : أبغاك تفتح عينك كويِّس الليلة
: هذا واجبي طال عُمرك
سلطان يربت على كتفه وهو الذي يحتاجُ من يربت على كتفِه : يعطيك العافية .. .. لم يتقدم سوى خطوتين في إتجاه البيت وتجمدَّت أقدامه، أستنفر الحرس الذي يحاصرون قصره، حتى بدأوا في تغطيَة المكان.
شعرَ بألم الرصاصة التي أخترقته، صوتُها اللاذع الذي أعتاد أن يسمعه في التدريبات كان مختلف جدًا لأنهُ شعَر بضربات قلبه التي تندفع بقوَّة، سقط على ركبتيْه وهو يشعرُ بالهزيمة الحقيقية.
البعيد عن الذي أحاطُوا جسد سلطان، يُبلغ عبر الجهاز اللاسلكي : مجهول الهويَة .. على بعد 20 متر تقريبًا ... أغلقوا الطريق العام . . . . .
.
.
أنتهى نلتقي الإثنين إن الله أراد، وجدًا جدًا جدًا أعتذر على التأخير اللي والله خارج عن إرادتي وتدرون وش كثر أحاول أني أقدِّر مُتابعتكم بكل شي يطلع في إيدي ، عشان كذا عُذرًا مرة ثانية ()
.
.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()
لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.
أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة
*بحفظ الرحمن.
|