كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
الارشيف
الحقيقة التاسعة
كانت(مليحة) إسماً على مسمى،
فملامحها الشرقية كانت ممتزجة بالجمال الأسباني الغجري وواضحة في عينيها النجلاوين شديدتي السواد وقامتها الطويلة الرشيقة وشعرها الفاحم الطويل الذي تجعده هي بنفسها لتبدو غجرية في ثياب مدنية. إلا أنها على أية حال كانت جميلة، والأهم أنها و(سارة) صارتا صديقتين منذ أول لقاء، عربيتان في لندن جمعت بينهما اللغة والغربة والجيرة والعمل.
ومرت أربعة عشر يوما على عملها قضتها(سارة) في بحث دءوب وعمل لا يتوقف حتى بهرت مشرفها الجديد بنشاطها وهمتها.
وداوم(باسل) على الاتصال بها كل ليلة حتى كانت ليلة المباراة، ليلتها لم يطل الحديث لأن المدرب أمره لاعبيه بالنوم مبكراً، فأنهى(باسل) اتصاله بزوجته في سرعة.
ليلتها فقط شعرت(سارة) بمدى إفتقادها له،
وربما كان هذا السر وراء تركها جهاز الكمبيوتر في حجرة المكتب وإتجاهها إلى المطبخ لتطهو أنواع الطعام التي يحبها.
كانت أول مرة تطهو شيئاً من أجله، شيئاً تتحرق شوقاً لمعرفة رأيه فيه.
وفي صباح يوم المباراة أنهت عملها في الجامعة سريعاً ووقفت مع(مليحة) أمام الباب الخارجي في إنتظار(بشر) ليصحبهما إلى الملعب.
وهناك ركزت كل إهتمامها على اللاعب رقم10 في الفانلة الحمراء والشورت الأبيض.
تابعته بعينيها وهو يحاور ويناور وينجح في الإفلات من لاعبي الفريق الخصم وتعانق كرته الشبكة،
ولدهشتها فقد وجدت نفسها تقفز من مقعدها مهللة مثلما فعل بقية مشجعي النادي رغم أنها تشاهد هذه اللعبة لأول مرة في حياتها.
ولأول مرة شعرت بالزهو حينما سمعت كلمات الإعجاب والإطراء تنهال على(باسل) من حولها.
لحظتها ودت لو هتفت بينهم قائلة أنها زوجته، وأنه حينما قبل بنصره والدبلة حوله كان يقبلها هي؛ إلا أن خجلها منعها فاكتفت بمراقبته من موضعها والتلويح له بكفها في سعادة.
وتكرر المشهد مرة أخرى بعدها بدقائق حتى صار مشجعي الفريق أشبه بثيران هائجة من السعادة وهم يتصايحون باسم(باسل).
كل هذا زادها سعادة.
فقد تزوجت من رجل ناجح ومحبوب أياً كان مجال عمله، والمهم أنه رغم شهرته لا يحب سواها.
وقبل إنتهاء المباراة بدقائق مال(بشر) في اتجاهها قائلاًـ"هيا لتستقبلي(باسل) في غرفة الملابس."
نهضت هي و(مليحة) في سرعة وتبعتاه وسط الزحام حتى غرفة الملابس إلا أن الحارس رفض مجرد اقترابهم ولم يقتنع إلا عندما قالت(سارة) في ثقةـ"أنا زوجته."
حينها فقط سمح لها بالانتظار بالقرب من الغرفة مع مجموعة أخرى من زوجات لاعبي الفريقين.
وأخيراً انتهت المباراة وتوافد اللاعبين ما بين مكتئب ومبتهج وهي تبحث بعينيها عنه، عن الرجل الذي قالت عنه بثقة’أنا زوجته‘.
ولم يطل انتظارها،
فمن بعيد تعلق بصرها به وهو يقترب محادثاً زميلاً له حتى التفت في اتجاهها وإلتقت أعينهما.
لحظتها إختفت كل الأصوات وأضواء الكاميرات المحيطة بهما وشعرا كما لو كانا وحيدين في هذا المكان؛ فقط هو وهي.
وإبتسمت له وإبتسم لها تاركاً زميله ليتجه إليها في خطوات أقرب للعدو ماداً ذراعيه إليها.
هي الأخرى كادت ترتمي بين ذراعيه إلا أنها مدت ذراعيها عن آخرهما لتلتقي أكفهما وعيناها معلقتان بعينيه قبل أن تهمس ـ"مبروك."
تمالك أعصابه وهو يكاد يلتهم ملامحها بعينيه في شوق، وأسند جبهته إلى جبهتها هامساً ـ"وجهك الحسن جلب لنا الفوز. أنت ملهمتي."
قالها وهو يقبل كفيها كعادته منذ زواجهما قبل أن يهمس قائلاً ـ"أحبك يا تعويذتي السحرية."
تخضب وجهها خجلاً وهي تسمعه يصرح لها بحبه على الملأ فخفضته أرضاً في اللحظة التي إنتبه فيها (باسل) لـ(بشر) وزوجته فصافحهما في حرارة و تقبل تهانئهما بابتسامة واسعة قبل أن يهم بدخول غرفة الملابس، حينما إستوقفه زميله الذي كان برفقته قائلاً بود ـ"ألن تعرفني على أصدقائك؟"
رفع(باسل) حاجبيه للحظة ثم ما لبث أن قال في سرعة ـ"أوه..(مايك).. هذه زوجتي دكتور(سارة)، وهذا صديقي المهندس(بشر) وزوجته دكتور(مليحة)."
صافحهم(مايك) بود ظاهر وهو يقول لـ(سارة) ـ"تهانئي القلبية يا سيدتي، لا بد وأنك أنت السبب وراء تألقه اليوم. بالمناسبة، سنقيم إحتفالاً اليوم. ألن تأتوا؟"
إبتسم(باسل) في حرج قائلاًـ"لا أعتقد ذلك..سأعود للمنزل مع زوجتي."
أصر(مايك) قائلاً بابتسامة ودود تملأ عينيه الزرقاوين ـ"مستحيل، سنحتفل بزواجك أنت ودكتور(سارة). لابد وأن تحضرا، على الأقل لتتعرف زوجتك على زوجاتنا، أقصد زوجات الزملاء."
إبتسمت(سارة) لدعابته وتبادلت نظرة سريعة مع زوجها الذي قلب كفيه قائلاً بإستسلام ـ"حسناً، سنحضر ولكن لفترة قصيرة، سنعود بعدها للمنزل. بالطبع يمكنني إصطحاب من أشاء."
دعاه(مايك) بثقة قائلاًـ"بالطبع، أحضر كل من تحب."
ورغم ذلك إعتذر(بشر) وزوجته عن مرافقتهما وذهب(باسل) و(سارة) وحدهما للإحتفال مع أعضاء الفريق وزوجاتهم.
وأخيراً عندما أوقف(باسل) سيارته الرياضية في المرأب تناهى إلى مسامعه رنين الهاتف، فخرجت(سارة) مسرعة نحو المنزل ورفعت السماعة لاهثة الأنفاس لتجد حماها على الطرف الآخر يهتف بارتياح ـ"ألو يا(باسل)..أين كنتم؟ ولماذا تغلق هاتفك المحمول؟"
أجابته(سارة) في سرعة ـ"أنا(سارة) يا عماه. كيف حالكم جميعاً؟"
ضحك الرجل ضحكة قصيرة وهو يقول ـ"مرحبا يا(سارة). نحن بخير والحمد لله. كيف حالكم أنتم يا ابنتي؟ أين(باسل)؟ أنا أحاول الإتصال به منذ إنتهاء المباراة دون جدوى."
التفتت ناحية الباب تتابع إقتراب(باسل) وهي تجيبه ـ"لا تقلق يا عماه. لقد إنتهى شحن هاتفه، وهو الآن يوقف السيارة في المرأب. هاهو يقترب."
إلتقط منها (باسل) السماعة في سرعة وهو يهتف بسعادة ـ" أهلا يا أبي. كيف أحوالكم جميعاً؟"
هنأه والده بالفوز قائلاً ـ"بخير مادمت ترفع رأسنا دوماً."
جلس(باسل) على الأريكة المجاورة للهاتف ليواصل حديثه مع والده في حين وقفت(سارة) تراقبه.
تابعت إبتسامته المضيئة والحنان الذي يملأ عينيه، ووجدت نفسها تجلس إلى جواره وعيناها معلقتان بوجهه وتعبيراته.
لحظتها فقط أدركت أنها افتقدت هذه الملامح طيلة الأسبوعين الماضيين، وأنها كانت بحاجة إلى ضحكته الصافية تلك كي تخفف من وحدتها.
وإنتقلت عيناها لاإرادياً إلى كفه اليسرى الرابضة على الأريكة إلى جواره وإلى دبلة زواجهما في بنصره، الدبلة التي قبلها اليوم مرتين في شغف أمام الآلاف معلناً حبه لها، والأهم ..افتقاده الشديد إليها بجانبه.
وبهدوء تسللت أناملها لتعانق أصابعه في هيام، وأثارت حركتها دهشته البالغة فاستدار إليها رافعاً حاجبيه في حيرة وهو يتأمل ملامحها المستكينة ثم أنهى حديثه مع والده وبصره مازال معلقاً بوجهها البريء.
ترى ما سبب ذلك؟
هل عرفت الحب بهذه السرعة أم تراها تعبر عن مدى افتقادها له؟
كاد يستمر في تساؤلاته إلا أن شوقه إليها نحى هذه التساؤلات جانباً وهو يحتضن كفها الرقيق بين راحتيه في حنان وأعينهما تتبادل حديثاً صامتاً طويلاً.
وبرفق جذبها(باسل) ليجلسها على ركبتيه وهو يلتهم ملامحها بعينيه وأنامله تزيح نظاراتها الطبية ثم تداعب بشرة وجهها الرقيقة وتتحسس غمازات وجنتيها الشقيتين في هيام. ودونما توقع أدارت(سارة) وجهها وشفتيها لتطبع قبلة دافئة على راحته قبل أن تعود إلى وضعها السابق دون أن تخفض ناظريها عن وجهه.
إلتقت أعينهما للحظات كانت كفيلة بإفقاد(باسل) تماسكه فاحتوى زوجته بين ذراعيه بشوق كبته بداخله منذ رآها، إلا أنه عاد فابتعد عنها في تردد وتنحنح قائلاً بحرج ـ"آسف، لقد وعدتك بأنني لن أجبرك على شيء و.."
قاطعت جملته المضطربة وهي تضع أناملها على فمه هامسة بهيام ـ"شش. لقد أوحشتني."
قالتها وهي تدفن وجهها في رقبته وتحيطها بذراعيها فيما بدا موافقة صريحة منها على مبادلته مشاعره التي طالما حاول إخفائها، وحينها سمح لنفسه بأن يحتويها بين ضلوعه وذراعيه وود لحظتها لو استطاع إدخالها قلبه بعيداً عن العالم وما فيه وهو يهمس في أذنها بحب ـ"أحبك، لم أدرك مدى حبي لك إلا حينما افترقنا. كنت كلما أرقني الشوق أقبل دبلتك وأتخيلها أنت."
داعبت أنفاسها الرقيقة عنقه وهي تهمس بدلال ـ"لي الحق إذاً أن أغار من دبلتي ما دمت تقبلها بكل هذا الحب."
أبعدها عنه للحظات وتناول كفها من حول عنقه يلثمه في رقة قائلاً ـ"لا داعي للغيرة يا حبي، فأنت وحدك حبيبتي، ولك وحدك كل قبلاتي."
قالها وهو يقترب بوجهه من وجهها حتى إلتحمت أنفاسهما، قبل أن تبتعد(سارة) قليلاً قائلة في شقاوة ـ"لقد أعددت لك كل ما تحب من الأطعمة.. ألن تأكل؟"
هز رأسه نفياً وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة زادت من تألق عينيه قائلاً ـ"كلا، ليس الآن."
***************
|