كاتب الموضوع :
سلافه الشرقاوي
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 18- رواية امير ليلى بقلم Solafa El Sharqawey .. الفصل الـ 38
الفصل التاسع والثلاثون
الجزء الاول
نظر الى ساعته مرة اخرى ليزفر بضيق ويتمتم بكلمات خافته عبرت عن مدى غضبه وهو يتلاعب بأزرار هاتفه ويتصل بها للمرة العاشرة !!
زفر قويا وهو يستمع الى رنين الهاتف دون اجابة تهدئ من قلقه ، عبث مجددا في الهاتف ليتعالى الرنين مرة اخرى وعندما ياس من عدم ردها عليه فُتِحَ الخط ليأتيه صوتها ناعما ضاحكا وهي تقول بمرح : مرحبا ديدو ، كيف حالك ؟!
ازدادت عقدة جبينه ليقول بحدة : اين انت يا هانم ؟!
مطت شفتيها بتعجب وقالت بأريحية اغاظته : في الجاليري .
زفر هواء صدره بغضب اغشى عيناه : ماذا تفعلين ؟!
زمت شفتيها بدهشة وقالت بهدوء : الم اخبرك ؟!
صاح بقوة : عن ماذا ؟!
عقدت حاجبيها بضيق تلك المرة وقالت : لدي معرض غدا وكنت احضر له .
تعالى صوت انفاسه لتتبع بهدوء : هل انت بالبيت ؟!
تمتم بحنق وصل لها جيدا : منذ ساعة ونصف .
كتمت تنفسها لتهمس ببطء وهي غير قادرة على التوصل الى ما يغضبه : حسنا سأغلق الجاليري واتى على الفور .
قال بغضب ظهر بنبرات صوته : انتظري عندك ، سآتي لك .
عقدت حاجبيها لتقول باستنكار ازاد من حنقه منها : لماذا ؟! سأعود بمفردي .
صاح بصوت عال : ياسمين .
اتبع بنبرة غاضبة حادة اشعرتها بالضيق : انتظريني سآتي لأقللك .
انتفضت بحدة وهي تستمع للهاتف الذي اغلق بوجهها ، نظرت الى الهاتف بدهشة وعيناها تلمع بعدم تصديق لتعقد حاجبيها بغضب سرى بأوردتها وهي تفكر فيم حدث ليعاملها بتلك الطريقة الغير لائقة !!
زفرت بقوة وهي تخرج من الغرفة الخاصة بها في الجاليري وتنظر اليها وهي تتحدث مع اخيها في الهاتف وتخبره ان لديها بعضا من العمل وعندما تقارب على الانتهاء ستخبره .
راقبتها وهي تغلق الهاتف لتلتفت اليها وتقول بهدوء : وافق اخيرا على الانتظار .
ابتسمت ياسمين بود وقالت وهي تعود الى ربط اللوحات ببعضها : اخبرتك ان عليك الرحيل فلا داعي لتواجدك معي .
عقدت دعاء حاجبيها بتعجب وقالت : كيف اتركك بمفردك وانا اعلم اهمية الغد لديك .
اتبعت بلطف وهي تقترب لتعاونها : ثم انسيت انا الاخرى لدي بعض اللوحات سأشارك بها .
ابتسمت ياسمين وقالت : ان لوحاتك رائعة ستلاقي رواجا غير مسبوق .
ضحكت دعاء بخفة لتهمس ووجنتيها تتورد بخجل : اعلم انك تجامليني لا اكثر .
عبست ياسمين وهي تقول : كفي عن انكار موهبتك وثقي انك الافضل دائما .
ابتسمت دعاء بإعجاب لتنظر اليها وتهمس : لماذا اشعر بانك ضائقة ؟!
مطت ياسمين شفتيها باستياء وقالت : لا شيء ، فقط علينا انهاء ما نفعله قبل ان يصل وليد فهو غاضب من لا شيء .
رمشت الاخرى بعينيها وقالت بنبرة مترددة : الا تعلمين سبب غضبه ؟!
زفرت ياسمين قويا لتهمس وهي تلوي شفتيها بنزق : لا
اكملت وكأنها تحدث نفسها : لأول مرة يتحدث معي بتلك الطريقة وانا لا افهم السبب .
قالت دعاء وهي تركز نظراتها على ما تفعله : يجوز ان يكون غاضبا لتأخرك فالساعة الان قاربت على الثانية فجرا .
اتبعت بهدوء : الا ترين كيف يتصل بي ايمن كل نصف ساعة ليطمئن علي ويخبرني هل عليه النزول الان ليأتي ويصحبني للبيت ؟!
ابتسمت برقة : اخي يفعل ذلك فما بالك بزوجك ، طبيعي ان يستاء لعدم تواجدك بجانبه الان .
عقدت ياسمين حاجبيها وامارت التفكير تظهر بوضوح على ملامحها لتهمس ببوح : لم اخبره انني هنا اصلا ليغضب او يستاء .
شهقت الاخرى بقوة وهي تلتفت اليها وتنظر بغير تصديق وقالت : لم تخبريه ماذا ؟!
رفعت ياسمين عينيها وهي تنظر لها بعدم استيعاب وقالت بهدوء : لم اخبره اني سآتي الى هنا ، لقد اعتدت على النزول دون اخبار احد .
اتسعت عينا دعاء برعب وقالت : لا تخبريني انك لم تحدثيه لتتطمأنيه انك ستتأخرين قليلا .
نظرت لها ياسمين مليا لتهمس بشرود : لا ، لم افعل ذلك ايضا .
ضربت دعاء بكفها على صدرها وقالت : يا الله ، وتتسألين عما اغضبه ، انه اقل ما يمكن فعله هو الغضب فقط .
رمشت ياسمين بعينيها لتهمس بانزعاج حقيقي وهي ترفع انفها بأنفة واضحة : ولم عليه الغضب ، هل انا الهو هنا ؟!
اتبعت بغضب : انه عملي ولن اقصر به .
رفعت دعاء حاجبها بعدم تصديق لتقول لها : نعم افهم ذلك ولكن من حقه عليك ان تستأذني منه وتطمئنيه عليك .
عبست ياسمين باستنكار لتردد بنبرة ممزوجة بدهشتها المستنكرة : استأذنه ؟!
اتبعت سريعا : لماذا علي ان استأذنه ؟! لم ارى ماما تستأذن بابا لتخرج من البيت وانا الاخرى كبرت على ذلك ، لم استأذن احدا من قبل ولن افعلها .
اطبقت دعاء شفتيها وهي تنظر اليها بدهشة المت بها لتهمس بصوت خافت : ولكنه زوجك .
نظرت لها ياسمين بغضب تلك المرة : وليكن ؟!
صمتت دعاء وهي تنظر اليها بريبة لتتألق عيناها بغضب وهي تلتفت لباب الجاليري الذي فتح بحده اصابت تلك التعليقة ذات الاجراس والتي دوت بصوت مزعج اثار استيائها اكثر مما كانت مستاءة .
وقف ينظر اليها بملامح معتمة لم تستشف منها مدى ضيقه المفترض ليهمس بصوت حاد رغم خفوته : السلام عليكم .
تمتمت دعاء بالتحية لتخفض نظرها عنهما في حين انها اثرت الصمت وهي تنظر اليه بغضب مكبوت .
اتبع بهدوء : كيف حالك دعاء ؟!
احمرت وجنتي دعاء بقوة لتهمس بخفوت وهي تخفض راسها بخجل تنظر الى ما تفعله : بخير والحمد لله .
ابتسم بلباقة وقال : دائما يا رب .
ابتسمت دعاء لتهمس بصوت مرتبك : شكرا لك .
زفر بقوة لينظر اليها ويهمس بصوت حاد اتسعت عيناها على اثره : هل انتهيتما ؟!
رفعت حاجبها بتوعد لتؤثر الصمت الذي خيم على المكان للحظات ليست بكثيرة فبرقت عينيه بوميض غاضب ثم التفت الى دعاء مرة اخرى وقال : هيا لأوصلك بطريقي .
هزت دعاء راسها نافية بشدة وتمتمت بصوت خجول : لا سياتي اخي ويصحبني .
تنفس بهدوء وهو يعيد نظره اليها : لا داعي لحرجك اتصلي به و اخبريه انني سأوصلك وطمئنيه ان زوجتي معنا .
رفع نظره اليها ليقول بأمر اشعت عيناها له غضبا : هيا بنا .
زمت شفتيها مانعة نفسها من الصياح به وهي تهمس لنفسها : انهما ليسا بفردهما وعليها الصبر الى ان يصلا للبيت ، وحينها ستخبره ان تلك الطريقة الغير لائقة بالمرة في التعامل معها لا تروق لها !!
لملمت احتياجاتها وهي تراقبه بطرف عينيها ينظر الى معروضات الجاليري كما كان يفعل سابقا ليتمسك بتلك التحفة المنحوتة من الزجاج البراق لمهرة جامحة تقف على قائمتيها الخلفيتين وتضرب الهواء بحوافرها الامامية بقوة وخصلات شعرها ثائرة من خلفها .
ملس بأنامله عليها بشغف اضاء عينيه لتعقد هي حاجبيها بضيق قوي وهي تشعر بانها تريد ان تقذفه بها لعلها تستطيع تهدئة هذا الغضب الذي يمرح بداخلها ويزيد من حنقها عليه !!
زفرت قويا لتحمل حقيبتها وهي تنظر الى دعاء التي تقف مبتعدة عن مجالهما تنتظر بجانب الباب وتزدرد لعابها بتوتر لاحظته هي واشعرها بشيء مبهم لم تفهمه .
افاقت من شرودها على صوته وهو يقول بهدوء غاضب اعتلى ملامحه : انتهيت ؟!
هزت راسها بالإيجاب لترفعها عاليا وهي تتحرك بجانبه مغادرة الجاليري بأكمله ، اتبعتها دعاء بخطوات متعثرة وهي تخفض بصرها عنهما معا !!
تأملها مليا ليقبض كفيه بقوة وهو يتمتم داخليا " حسنا ياسمين سأكسر راسك الصلب هذا لعلك تفهمين مدى التغير الذي طرا بيننا "
اتبعها بخطوات غاضبة لينهرها بعينيه قويا وهو يراها تجاهد مع البوابة الحديدية للجاليري فيزيحها بحدة من امامه وهو ينزل البوابة بغضب شاع بحركاته ، سحب منها القفل الحديدي وانحني ليغلقه ثم تحرك مبتعدا للسيارة واستقل مقعده الامامي غير مباليا بغضبها الظاهر على محياها .
اطبقت فكيها بقوة وهي تنظر اليه بعينين تصلبت الدموع بهما لترفع راسها بكبرياء ممزوج بتحدي علا نظراتها ليرفع حاجبه لها بتحدي مماثل وهو ينظر اليها منتظرا !!
رفرفت بنظراتها لتلتفت الى دعاء الواقفة تنظر اليها بتشتت امتزج بعدم فهم لما يحدث بينهما ، كحت بخفة وحاولت ان تكسب صوتها بعضا من المرح وهي تهمس لها : تفضلي يا دودو ، هيا اركبي .
بللت دعاء شفتيها بتوتر لتهمس بصوت مخنوق : ارى ان الامر غير لائقا .
اتبعت وهي تتلاعب بهاتفها : سأتصل بأيمن واخبره اني انتظره .
رفعت ياسمين حاجبيها بدهشة وقالت بحدة رغما عنها : تنتظريه !!
اتبعت سريعا : في الشارع هكذا ، بعد ان اغلقنا الجاليري ؟!
هزت الاخرى كتفيها بلا اعرف فأكملت ياسمين برفض واضح : لا طبعا ، ستاتي معنا ، هيا .
همست دعاء وهي تتمسك بحقيبتها قويا : لا اريد ان اتعب الباشمهندس .
همت بالرد عليها ليصدح صوته من حولهما : الباشمهندس غير متعب وهيا من فضلك لن نؤخرك اكثر من هذا ،
اتبع بصوت مكتوم : يكفي انك تأخرت الى هذا الوقت من الاصل .
شعرت بعتابه الخفي وراء كلماته لتزم شفتيها بقوة ثم تهمس : فعلا ، هيا دعاء ، يكفي انك تأخرت الى الان وانت لست معتادة على ذلك .
تمتمت دعاء ببعض الكلمات وهي تخفض راسها بحرج فابتسم وليد باتساع وهو يتحرك ليفتح باب السيارة ويهمس : هيا يا انسة تفضلي .
اتسعت عينا ياسمين بغضب وهي تنظر اليه بحده ليبتسم ببرود وهو يفتح باب السيارة اليها ايضا ويهمس بسخرية : تفضلي انت ايضا ، ام تنتظرين دعوة خاصة مني .
اتبع بتهكم وهو يبتسم بسخرية اثارت غيظها : اعتبريها كسيارتك .
ضربت الارض بقدميها في غضب لم تتحكم به وهي تدلف الى السيارة وتصفق بابها خلفها بقوة صدحت بأرجاء السيارة بأكملها
ضحك بخفة لينظر اليها بطرف عينه ويميل بجسده ناحيتها ليهمس بوعيد صدح بصوته : رويدك ياسمينتي ، فلدينا حساب طويل سننهيه بالبيت .
ارتجف كتفيها رغما عنها وهي تلاقي نظراته بعينيها المدهوشتين لترمش كثيرا وهي لا تستطيع استيعاب ما يفعله معها !!
**************************
تحرك خارجا بعد ان اغلق الباب خلفه تاركا الاختين تثرثران سويا ، لقد شعر ان منال تريد الحديث مع فاطمة فيما اخبرها به صباحا فاثر الابتعاد ، وهو يعلم انها اصبحت قادرة على التأثير بفاطمة الى حد ما عن ذي قبل ،
تمتم داخليا " ليتها تستطيع اقناعها بما فشلت انا به " تحرك ببطء الى غرفة مكتبة ليقف في النافذة متأملا السماء بليليها البهيم ، انها ليلة مقفرة لا نجوم بسمائها ، التقطت عيناه وهج احمر ضوى امامه فجأة فابتسم بمكر ابتسامة لمعت بحدقتيه ولم تصل لشفتيه المغويتين وهو يحدق بذاك الشاب المكلف بمراقبة بيته لمعت عيناه بوميض ازرق ناري فارتد الاخر بحركة خافتة راها هو رغم الظلام الدامس الذي غلف الاخر ما عدا شعلة سيجارته التي بين شفتيه !
كتم ضحكته قويا ليبتعد عن النافذة وينظر الى تلك القابعة على مكتبه تتوسطه كقطة مدللة ، تنفس بقوة وسحب ارجله مرغما ذاهبا اليها ، جلس خلف مكتبه الانيق العصري غير راضيا عن تفحصها حتى لا يصطدم بشيء جديد من الماضي ولكنه مجبرا على ذلك!!
كتم انفاسه وهو يدير انامله الطويلة على قماش الحقيبة من الخارج ، فتح زمامها ببطء وهو يشعر بقلبه يصرخ مستنجدا اياه بالتوقف عند هذا الحد ولكن عقله تجبر عليه كالعادة وهو يسبر اغوار حقيبته القديمة التي اختفت منذ ان كان بأوائل سنواته الجامعية لتظهر امامه الان بعد ان بدا يشعر باستقراره النفسي يداعبه اخيرا .
ابتسم بحنين وهو يطالع محتويات الحقيبة بتعجب وانبهار تألق في صفاء زرقة عينيه ، يحدق بدهشة والتعجب يرتسم على ملامحه وهو يرى محتوياتها التي تخصه بأكملها
ذاك الكارت القديم الذي زحف الاصفرار اليه بسبب مرور السنوات عليه كان هدية والدته لعامه العاشر ، اغرم به من اللحظة الاولى فلقد كان مختلف التصميم ليس عليه كعك وبالونات كعادة والدته في اختيار باقات التهنئة لهما ولكنه كان تلك المرة يحمل بحر ازرق صاف بأمواج هادئة وشاطئ ذو رمال صفراء ذهبية وعبارة اطيب التمنيات تلمع بأحرف ذهبية في الافق .
لا يتذكر الى الان ما الهدية التي كانت مقدمة له ذاك العام ولكنه يتذكر تلك البطاقة التي احتفظ بها الى ان اختفت بعدها بثلاث سنوات تقريبا ، حينها بحث عنها كثيرا ولكنه لم يوفق في العثور عليها !!
تنفس بقوة وهو يقلبها بين انامله ليزيحها جانبا ، لامس ذاك القلم الفضي بحوافه السوداء وعلامته الانجليزية الشهيرة والحنين يتدفق من عينيه فذاك ذكراه قريبه جدا لدرجة انه يشعر بها البارحة ، انه ذاك اليوم الذي ضمه اباه لصدره وهو ينظر اليه بفخر نفخ اوداجه كان يهنئه بإتمامه لدراسته ودخوله الى الجامعة التي ارادها اليه دوما واهداه ذاك القلم المصنوع خصيصا له محفور بأول حرف من اسمه على جانب القلم بلون اسود قاتم
ازاد القلم أناقه خاصة بمالكه ، وخاصة ان الحرف بطريقة كتابته العربية يوحي بغموض يليق بصاحبه !!
تنفس بعمق واكتنف القلم بين يديه وهو يشعر بروح اباه مجسده تنظر اليه من خلال هديته الغالية التي فقدها بعد ان انهى دراسته الجامعية والتحق بتلك الهدية الاغلى في عمره كله التي قدمها اليه اباه وهو يدفعه لتحقيق حلمه الغالي عليه ذاك الحلم الذي اوصله الى ما هو عليه الان .
وضع القلم جانبا وهو يحدق في بقية محتويات الحقيبة والتي كانت اشياء كثيرة تخصه كانت تعني له شيئا ما في وقت من الزمن الماضي اختفت في ظروف غامضة لم يتعرف على سبب اختفائها الى الان !!
تنفس بعمق وهو يفكر في كيف تجمعت تلك الاشياء مع بعضها والاهم كيف وصلت الى منال ؟!
مد يده داخل الحقيبة مرة اخرى ليسحب شيء تكهن بانه دفتر للكتابة ، ابتسم حين صدق حدسه ليتأمل ذاك الدفتر البني بين يديه ، لا يعلم لماذا شعر بان روحها مجسده به وللمرة الثانية حدسه يصدقه وهو يفتح اول صفحة بالدفتر ليجدها مزينة بحروف اسمها مكتوب مرتين بالإنجليزية تارة والعربية تارة اخرى ،
تأمل خطها المنمق بتلك اللمحة العربية التي تطل من بين حروفها ، طريقة الاصرار التي تكتب بها تبين ان الدفتر يعود لأيام بعيدة كانت هي اصغر سنا من الان .. اكثر جموحا .. واكثر عندا وتمردا !!
ابتسم بمكر شع من حدقتيه وهو يتأمل كتابتها كاد ان تفلت ضحكاته وهو يجول في ورقات دفترها ويقرا تلك الدروس التي كانت تخطها في وقت سابق كطالبة بالمرحلة النهائية في المدرسة
تذكر انها الى الان تخط ما تجده هاما لها ، لا تحبذ استعمال الاجهزة الالكترونية وتلجا الى الورقة والقلم دونا عن أي شيء لتخط ما يؤرقها
لمحها كثيرا تفعل ذلك ثم تخفي دفترها في مكان لم يصل اليه الى الان ليس لأنها تجيد اخفاؤه ولكنه لم يبحث عنه ابدا !!
تنفس بعمق وهو يتأمل تلك الصفحة المغايرة تماما لطريقة كتابتها للمحاضرات ، والتي كانت اخر صفحة في كتابتها ايضا ، ورغم خطها اليها بالإنجليزية ولكنه شعر باختلاف ما في تلك الحروف المكتوبة بطريقة اكثر تأنقا .. اكثر جمالا ، شعر بروحها تشع من بين نقاط الحروف .. ودموعها تنهمر من بين سطورها
عقد حاجبيه بانزعاج لحظي وهو يتحسس تلك الصفحة التي كانت اكثر خشونة وكأنها بلت فعلا من قبل ليزفر بقوة وهو يتأكد من حدسه للمرة الثالثة !!
فمنال كانت تبكي بالفعل وهي تكتب تلك الكلمات القليلة التي امامه !!
رمش بعينيه وهو يقرا كلماتها التي اصابت قلبه قويا
ايقنت اليوم انه لا يراني ، لم يراني يوما ولن يراني يوما
انه مشغول بأخريات وعندما حاولت ان اريه نفسي تجاهلني بسخرية واستهزاء قتلوني
سأنساه فهو لا يستحق ان اسحق كرامتي من اجله ، لن اركض ورائه فانا لا افعل ذلك ، لابد ان يشعر بي كي يأتي الي اما انا فكبريائي اهم لدي من قلبي
سامحني يا قلب ولكني لا استطيع فعلها يكفيني وجعي وانا اراقبه من حولي دون ان يكون بجواري
سننساه ، لابد ان ننساه !!
شعر بقلبه يخفق قويا وهو ينظر لتلك الكلمات التي احتوت كبريائها اللعين الذي كان سببا رئيسيا لسنوات العذاب التي قضت عليهما قبل ان يقضياها
زم شفتيه قويا وهو يقلب صفحات الدفتر مرة اخرى بعشوائية ، ليلفت انتباهه بعضا من الكلمات لا تخص دروسها ، فاستنتج هو انها لا تختص صفحات معينة للكتابة بها بل انها تفضح مكنوناتها في صفحات عادية بداخل الدفتر نفسه !!
عاد للكلمات يلتهما بعينيه ، لاحظ انها مكتوبة بتاريخ محدد تابع لتاريخ الصفحة الرئيسي
ولكن تلك المرة شعر بالكلمات مرحة .. سعيدة .. تحمل فرحتها اليه
ابتسم وهو يقرأها ويشعر بضحكة عينيها تقفز له من بين سطور دفترها
" اليوم هو يوم الاثنين ، لطالما كرهت هذا اليوم الذي يمثل اول الاسبوع فمعه تنتهي الاجازة ويبدا الدوام الدراسي ، ابدا بالاستذكار وغالبا ما يبدا الاسبوع بأهم الدروس التي علي استذكارها في وقتها
ولكن اليوم مختلف جذريا عن سابقيه لدرجة اني غيرت فكرتي نهائيا عن كرهي الدفين لذلك اليوم ،
اليوم رايته ، اتذكر يا قلب ذاك الاجنبي الذي كرهته لحظة ما رايته ، نعم .. نعم ، انه هو فتى الحديقة الذي بحثت عنه بعدها لاعتذر منه لان اسلوبي كان فظا جدا معه وغير لائقا في التعامل ، لم اجده يومها ورغم بحثي عنه الا اني لم اصادفه نهائيا ، رايته منذ يومين لم يتعرف علي بالطبع ولكني عرفته رغما عني فزرقة عينيه مختلفة عن جميع العيون الاخرى ، "
اتسعت عيناه وهو يشعر بها تتنهد قبل ان تكمل خطها لتلك الكلمات التي تجعل قلبه يخفق بجنون
" دعنا من وصف عينيه الان ، اتذكرته ؟!
نعم انه هو ، بالطبع تغير كثيرا فهو صار شابا كبيرا ورغم انه ليس ضخما الا انه يمتلك جسدا رياضيا ملفت للنظر ولكن عيناه لم تتغير اطلاقا بل لازالت كما هي تشع بدفء البحر ليس زرقته فقط .
لقد قابلته اليوم ، كان هنا ببيتنا ، ماذا حدث لك لم اعهدك بذاك الحمق ، نعم كان ببيت سيادة السفير ،
امم ، لا اعلم لماذا ولكني قابلته وهو خارج من البيت وكان ابي يودعه عند الباب ، لقد ابتسم لي وابي يقدمني اليه
لقد ومضت زرقة عينيه بغموض وهو يحنى راسه لي ثم يهمس بعربية اظهرت لكنته الانجليزية وهو يقول : سعيد بمقابلتك انستي . "
شعر بها تضحك بخجل وهي تحني راسها وتتبع بكتابتها
" نعم اعلم حينها انك دققت بجنون وخفقت قويا فاذا كانت عيناه تحمل دفء مياه البحر الرائقة فابتسامته تشع بدفء شمس مصرنا الغالية
اووه كم اشتاق الى العودة اليها لقد سئمت الضباب والبرودة هنا
اشتاق الى ان اعود اليها برفقة ذلك الاجنبي فهو يحمل دفء مصر رغم ملامحه الاجنبية . "
زفر انفاسه اللاهثة وعينا تشع ببريق سعيد يشعر بان قلبه يتخم بسعادة اتت له دون اشارة مسبقة
تمتم بداخله " يا الله اكانت تحبني منذ ذاك الوقت البعيد ، يا الله يا منال لا اصدق ، بالفعل لا اصدق "
عقد حاجبه مفكرا وهو يسال نفسه " لماذا اذا تعهدت لقلبها بنسياني ؟! "
قلب صفحات الدفتر بعشوائية مرة اخرى ، لتلتقط عينيه تلك الصفحة المخبئة بين صفحات دراستها للتاريخ ، لامسها بأطراف انامله متحسسا شعورها قديما عندما كانت تكتبها ليرتد الى الوراء وهو يشعر بالغضب يكمن بين طيات حروفها
نظر اليها متأملا ليقرأها بعناية " اليوم من اسوء الايام التي قضيتها بحياتي "
شعر بها تصيح داخلها وهي تضغط على قلمها بعنف حملته كلماتها
وهي تتبع " لا تجرؤ على المدافعة عنه ، اسمعت ، انه احمق وغبي ولا يرى امامه "
" كيف يرى من الاصل وعيناه معلقة بتلك الدمية الشقراء التي تتأبط ذراعه ، تلك الدمية الملونة ذات الجمال الفج والنظرة الفاجرة ، انها حمقاء فارغة من الداخل كل ما تريده منه مفضوح بنظراتها الغانية التي لم تستطع كتمانها
اوف .. اوف كيف لم يشعر بذلك ، بانها لا تريد منه الا ... "
ابتسم وهو يشعر باحتقانها وهي تتبع " لن اتدنى لذاك المستوى الغير لائق ولا يجب ان اكون بذاك المستوى السيء ولكني غاضبة ، غاضبة منه وبشدة "
تخيلها امامه وهي تزفر بقوة وتضع القلم بطرف فمها لتلوي شفتيها بحنق وهي تعاود الكتابة " اتفكر فيما افكر به الان ؟!
اتساءل عما يفعلانه سويا الان ؟! "
لمعت عيناه بوميض غامض قوي وهي تتبع بعنف ظهر بحروفها " قليلا الادب وعديما الحياء سأخلد الى النوم وانا ادعو الله ان يخيب رجائها ويعيدها الى بيتها خائبة الرجا "
اغلق الدفتر وهو يعود بظهره للوراء ويقهقه ضاحكا الى ان دمعت عيناه ، يشعر بغيرتها القوية منذ صباها ، يحرك راسه بدون علم وهولا يتذكر تلك المرة التي تتكلم هي عنها ولا يذكر تلك الفتاه التي اثارت غيرتها الى تلك الدرجة .
تنفس بقوة وهو يهمس " حبيبتي المجنونة ، انها مجنونة منذ نعومة اظافرها "
قلب الدفتر بين يديه ليهمس له : انت تحتاج كوبا من القهوة لأتفحصك جيدا واقرأك بعناية شديدة
عاد للأمام ليضعه على طرف مكتبه مقلوبا ،فسقطت عيناه على غلافه الخلفي فدقق بدون وعي منه بتلك الكلمات التي كتبت بلون اسود نافس سواد غلاف الدفتر الجلدي
اتسعت عيناه وهو يقرأها بعناية ، ليكتم تنفسه وهو يشعر بان تلك الليلة لن تنتهي !!
***************************
اوقف السيارة لينظر اليها متأملا ويهمس بصوت اجش : وصلنا حبيبتي .
ابتسمت برقة وقالت : كانت امسية رائعة حبيبي .
اتبعت وهي تمط شفتيها بدلال : ولكني لا اريد الصعود .
ابتسم بمرح وقال : أتريدين قضاء الليلة هنا في السيارة ؟!
اتبع سريعا وهو ينظر اليها بمكر : لا مانع عندي ، انه تغيير .
ضحكت بأريحية وهي تتمطى بدلال لتهمس : لا هشام ، بل اشعر باني اريد ان اسير قليلا معك على الكورنيش .
زفرت بقوة لتهمس وهي تنظر اليه بوله : كالأيام الخوالي .
ترجل من السيارة ليدور حولها ويفتح لها بابها ، تناول كفها برقة ليساعدها على الوقوف خارج السيارة ، رفع الى شفتيه ليقبله برقة ويهمس وهو ينظر الى عينيها المتلألئتان بغموض : موافق .
غمز بعينه ليقول بمكر : كالأيام الخوالي .
عبرا الشارع للرصيف المقابل ، فاتسعت ابتسامتها وهو يشبك كفه بأناملها يضغط عليها برفق متملك ، يسير بجانبها في تناغم حركي لم يقصداه ، ليقفا سويا ينظران لصفحة النيل السوداء .. معتم في ذاك الليل البهيم المقفر من النجوم .
تنفست بقوة وقالت : عدني انك ستحبني دائما .
رمش بعينيه وهو يشعر برجفة اصابته لا يعلم سببها فنحاها جانبا ليهمس وهو يلتفت اليها ، يشدها مقربها اليه ويهمس وهو ينظر الى عمق عينيها : سأعيش احبك واموت احبك .
ضحكت برقة وهي تدفن وجهها في صدره لتهمس وهي تستنشق رائحته لتخلدها في عقلها : عدني انك ستسامحني دائما وابدا .
جمد وجهه للحظات ليرمش بعينيه ويدفعها بلطف ان تنظر اليه ، ليسالها بعينيه فهزت كتفيها بلا شيء وهي تتبع : فقط عدني .
اكتنف وجهها بكفيه ليهمس لها امام شفتيها : سأسامحك دائما و ابدا .
قبل شفتيها بقبلة رقيقة قصيرة لتهمس بخجل وهي تلتفت حولها : نحن بالشارع يا سيادة المستشار .
ضحك بخفة ليهمس : في الايام الخوالي لم تبالي ابدا يا استاذة .
ابتسمت بهدوء لتهمس : نعم لم اكن ابالي ، كنت مندفعة وحماس الشباب هو ما يحركني ولكن الان ..
صمتت لتتنفس بقوة فهمس هو : ما الذي تغير هنادي ؟!
ابتسمت بألم وهي تتحاشى النظر اليه : الكثير هشام .. الكثير .
زفر قويا ليحتضن ذقنها براحته ويرفعها لتنظر اليه فهمس : عديني انت ان لا تقدمي على أي فعل يغضبني .
زاغت عينيها ليضغط على ذقنها برفق ويكرر : عديني هنادي .
ابتسمت بتوتر لتهمس بصوت خافت : اعدك .
احنى رقبته ليقبل شفتيها ولكنه توقف وهو ينظر الى الشابين القادمين نحوهما فقال : هيا لنعود الى بيتنا ونكمل حديثنا على راحتنا .
اتسعت ابتسامتها لتومئ براسها ايجابا وتعاود السير بجانبه وهو يضمها من خصرها الى صدره .
|