كاتب الموضوع :
سلافه الشرقاوي
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 18- رواية امير ليلى بقلم Solafa El Sharqawey .. الفصل الـ 24 ..
البارت اهداء
للحاضرة الغائبة
روفي
وحشتيني جدا
ومفتقداكي جدا جدا
الفصل الخامس وعشرون
دلفت من باب الشقة تحمل طفلها بين يديها وهي تشعر بالإنهاك يتغلغل بخلايا جسدها، فمنذ أن أراها هشام الشقة وهي تحملت أمامه مهمة ترتيبها وتجهيزها وانتقاء الأثاث وها هي تدور بدوامة من الالتزامات، فيوميا تذهب إلى عملها ثم تعود إلى المنزل تصحب كريم معها وتذهب لاختيار الأثاث أو معاًينة ما فعله العمال بالمنزل. وبعض الأيام تذهب بكريم لجلساته العلاجية، أو الذهاب لانتقاء المفروشات.
زفرت بضيق وهي تتذكر أن هشام اخبرها أكثر من مرة ألا ترهق نفسها وأنه سيطلب من احد مهندسي الديكور أن يعتني بالشقة ويؤثثها، ولكنها رفضت وأصرت هي على أنها من ستقوم بتجهيز الشقة وانتقاء الأثاث. نعم هو يساعدها لا تستطيع الإنكار ولكن على حسب ظروف عمله وتفرغه منه.
اخبرها أكثر من مرة أنه لا داعي للاستعجال، ولكنها تريد أن تنتهي من الإقامة في ذلك البيت الذي يُشعرها دائماً وكأنها مقيدة.
التزمت هي بأوامر هشام وابتعدت عن والدته وابنة خاله المصون التي تحاول أن تستدرجها للشجار بأي طريقة، ولكنها أعقل من تلك المديحة.
ما يرعبها حقاً هي فوزية هانم، تشعر أنها تنتظر مترقبة ما سيحدث، لا تفهم تلك السيدة ولكنها تشعر بالخوف منها، وخاصة بعد أن اكتشف هشام بالصدفة أن عرس ذلك الشاب لن يكون تلك الأيام إطلاقاً. فعندما هاتفه ليسأله بمودة عن احتياجاته كما يفعل الأقارب عادة اخبره الآخر أن عرسه اخرر الشهر الحالي، لذا شعرت هي بالخطر يزداد من حولها، وخاصة أنها تذكرت أن والدته كانت تريد منه السفر بمفرده معها وتركها هنا هي وطفلها.
طرق السؤال عقلها بقوة "هل تريد منه السفر لتجبره على الزواج من تلك الأفعى التي تجوب أمامها ذهاباً إياباً وتنظر لها بثقة وكأنها تخبرها أنهما قريباً ستصبحان متساويتين في ذلك البيت التعس؟ "
انتفضت بقوة من أفكارها على صوت حماتها تقول بهدوء كعادتها: هنادي.
لوت شفتيها بضيق وقالت بهدوء: نعم أمي.
__تعالي من فضلك.
زفرت بخفوت وقالت: حسناً، سأضع كريم في فراشه وأبدل ملابسي أولاً.
فوجئت بالسيدة واقفة أمامها وقالت بهدوء: أعطيه للمربية وتعالي. أريد أن أتحدث معك.
زفرت بضيق وهي تناول طفلها للمربية وتتبع تلك السيدة المستبدة إلى غرفة الصالون، وجدتها خالية أمامها فتنفست قليلاً من الهواء لعدم وجود الأخرى هنا سألت بهدوء: أين مديحة؟
قالت فوزية هانم ببساطة: خرجت لتبتاع بعض الأشياء لها.
هزت هنادي رأسها وقالت بشيء من السخرية: أصبحت تعرف طريقها جيداً الآن.
تغاضت الأخرى عن نبرة السخرية التي اشتمتها في صوت هنادي وقالت بهدوء: ماذا تريدي هنادي؟
نظرت لها هنادي باستفهام فاتبعت الأخرى: تكلمت معك في أول الأمر بالحسنى وأخبرتك أنه من حق ولدي أن يكون له أطفال أصحاء يحملون اسمه ونسبه، وشعرت حينها أنك موافقة ولو ضمنياً على تلك الفكرة.
نظرت لها نظرة مباشرة: ما الذي غير طريقة تفكيرك وجعلك ترفضين ذلك الاقتراح؟
اتسعت عينا هنادي بقوة وقالت: أنا التي لا أفهمك يا هانم، تتكلمين معي عن زواج زوجي بأخرى وكأنك تتكلمين معي عن أحوال الطقس.
اتبعت بغضب: سأسألك أنا هل كنت ستتحملين إذا تكلمت مع حماتك عن رغبتها في تزويج ابنها من أخرى غيرك.
نظرت لها الأخرى ببرود وقالت: حماتي كانت مرحبة بي كزوجة لابنها !!
زمت هنادي شفتيها بحنق وتمتمت: عدنا من جديد فوزية هانم.
قالت الأخرى بلامبالاة: لم نكن انتهينا منه هنادي.
قفزت هنادي واقفة وهي تقول بثورة: ألم تكتفي بما فعلتِه بي سابقاً؟ أجبرتني على الابتعاد عن هشام على الرغم من علمك بأنني حامل منه وأنني لازلت زوجته.
اتبعت بألم: أنا أخبرتك حينها ولكنك بمنتهى الهدوء كذبت علي وأخبرتني أن هشام لن يأتي، لن يتركك، ولن يعترف بذلك الولد !! كنت غبية حينها وصدقتك، كنت واثقة أنه لن يعصيك أو يغضبك، فأنا لمست ذلك عملياً، وعلمت مدى حبه لك. سافرت وتركت كل شيء خلفي، قضيت أياماُ عصيبة وأنا أدور بولدي على المراكز الصحية العلاجية وأنت لم تسالي عنا يوماً واحداً، لم تسألي مطلقاً!!
سألت بنبرة متألمة: ألم تفكري بحفيدك طوال تلك الفترة الماضية؟
ردت الأخرى ببرود: كنت أتحمل نفقات العلاج هنادي أم نسيت ذلك، وها هو بعد جلسات علاجية مكثفة بالكاد يجلس.
زفرت بقوة وهي تتبع: كل ما أريده أن يكون لولدي أطفال أصحاء.
صرخت هنادي: كلا. أنت بالأساس لا تريديني زوجة لولدك، تريدين أن تقهريني فتبحثين عن أي سبب لتريحي ضميرك به. أنت لا يهمك هشام، فإذا كان هشام يهمك كنت رأيتِ مدى سعادته وهو معي.
اتبعت بألم: إذا كنت مهتمة بهشام لفضلتي سعادته وراحته على راحتك أنت، ولكنك حولتها حرباً بينك وبيني رغم أنني لم أضع نفسي نداً لك في الأساس. أشعلت نار الحرب بيننا وعزفت الطبول وصممت على الفوز ونسيت أننا مختلفتان. فهو يحبنا نحن الاثنتين. أنا لن أكون له أماً أبداً، وأنت لن تكوني له زوجة أبداً.
اتبعت بعصبية وهي تشير بيديها: لا وجه مقارنة يا فوزية هانم، أنت والدته التي سيظل يحبها وممتن لها ويحملها فوق رأسه لو أردتِ، وأنا سأظل زوجته التي يعشقها بجنون.
وقفت الأخرى وقالت بغضب: سيعشق غيرك ويستبدلك أيضاً، لو أراد ولكنه لن يستطيع أن يستبدلني.
ظهر الحنق في عيني هنادي بقوة وقالت بثقة: لن يفعل ذلك
قالت الأخرى بتجبر: بل سيفعل. . سيفعلها من اجلي. . ومن اجل أنني أريده سعيداً وأريد أن أرى له أطفالاً أصحاء يملئون ذلك البيت ضوضاء وسعادة.
اتبعت دون تفكير: وليس ذلك الولد الذي ينطق حرفين بالكاد.
صرخت هنادي بقوة: اخرسي لا تتحدثي أبداً عن طفلي.
همت الأخرى بالرد لتنظر إلى ما ورائها ثم يظهر الانكسار على وجهها وتقول: أرأيت هشام؟ زوجتك تهينني في بيتي وبوجودك أيضاً؟
وقف صامتاً ينقل نظره بينهما هما الاثنتين. منذ أن دخل إلى الشقة ووجد الباب موارباً وهو يشعر بالريبة وشيء ثقيل يجثم فوق صدره، وتأكد شعوره بوجود مصيبة ثقيلة تنتظره عندما سمع صوت هنادي العالي. في بادئ الأمر لم يتبين محتوى الحديث ألا عندما اقترب وسمع الحوار الدائر بينهما حرفياً.
جز على أسنانه غضباً وهو لا يحتمل فكرة أن تتصرف معه والدته كقطعة شطرنج تستطيع أن تحركها كما تريد، ولا يحتمل غباء الأخرى التي صدقت ما أخبرتها به والدته. لم تثق به أبداً بل تعاملت معه على أنه طفل صغير لن يستطيع تحديد مصيره.
رغم الاختلاف الناشئ بينهما، فقد اتفقتا على أنه طفل لن يستطيع أن يزن الأمور ولا يقدرها ولا يستطيع أن يفعل إلا ما يريده الكبار !!
انتبه على والدته تتحرك نحوه مسرعة وترمي نفسها بحضنه وهي تبكي وتقول: هل أنت راض عن معاًملة زوجتك لي؟
تحرك جفنه الأيسر بطريقة عصبية ليقول بصوت هادئ وهو يرفع نظره لها: لا أمي لا يحق لها أن تتحدث معك بتلك الطريقة.
شحب وجه هنادي بقوة وشعرت بالقهر يغتالها وهي تنقل نظرها إلى الأخرى وترى نظرة الانتصار متألقة بعينيها، شعرت بأنها على وشك الموت عندما اتبع هو: وعليها أن تعتذر لك بطريقة لائقة.
اندفع الدم بعروقها مرة واحدة كما انسحب منها فجأة ليحمر وجهها ويربد من الغضب لتقول وكل انش بجسدها يرتجف: ألم تسمع ما قالته والدتك عن كريم؟
أردفت بثورة: ألم تسمعها وهي تقول إن كريم ليس الصورة التي تتمناها لحفيدها؟
نظر لها بصرامة وقال بقوة: هنادي. اخفضي صوتك.
ارتدت للوراء وهي تشعر بالتبعثر يمتلكها ليتبع هو: أمي يحق لها أن تقول ما تريد، وأنت ليس لك ادني الحق في الرد.
أكمل آمراً: اعتذري لها الآن حالاً.
جزت على أسنانها بقوة ونظرت له بتحدي: لن اعتذر. إذا كان من حقها المدافعة عنك والتدخل في شؤونك لأنها والدتك وتريد لك الأصلح، أنا أيضاً من حقي أن أدافع عن طفلي أمام أي احد حتى لو كانت والدتك.
انصرفت بثورة من جانبه وهي لا يرمش لها جفن، غادرت الغرفة وهي في تمام الاقتناع أنها لن تتنازل أكثر من ذلك، فحتى لو خسرت هشام لن تخسر نفسها أبداً. لن تنحني لتلك السيدة المتجبرة التي لا تنفك أن تتدخل بحياتها وتفسدها، ستبقى كما اعتادت، رأسها مرفوع ولن تحنيه حتى لو كان ذلك من اجله هو !!
جز على أسنانه غضباً وهو يغمض عينيه من تحديها السافر له، كان يعلم أنها لن تعتذر، فهي لن تتغير أبداً !!
انتبه على والدته التي تقول بغضب: أرأيت كيف لم تهتم بك وبكلمتك؟ أرأيت كيف أنها لا تستمع إليك؟ أخبرتك من قبل أنها عنيدة ولن تستطيع ترويضها، ستبقى شوكة في خصرك تؤلمك كلما تحركت، إنها تحتاج إلى أن تتعلم الأدب والتربية من أول وجديد.
جلس بتعب وهو يسمع كلمات والدته الغاضبة وينظر إليها وهو لا يتخيل أنها فعلت به ما سمعه بأذنيه. كانت تعلم عن طفله وهي من أجبرت حبيبته على الرحيل، فعلت كل ما استطاعت لتخرب حياته وبيته الذي حلم به طويلاً، وها هي تفعلها من جديد وهي تعلم جيداً أنه لن يستطيع منعها !!
تنبه من أفكاره على جملتها الأخيرة ليشعر بالسخرية تلبسه فابتسم بألم وقال: ماذا تقترحين أمي لإعادة تربيتها؟
همست بفرحة: تزوج من غيرها.
حاول ألا يضحك، ولكنه لم يستطع. انفجر ضاحكاً بقوة إلى أن دمعت عيناه أمام نظرات أمه المندهشة، سيطر أخيراً على ضحكاته لينظر إلى نظرتها المتسائلة.
__ علام تضحك هشام؟
ابتسم باتساع وهو يقول باستهزاء: اخبريني أمي، هل تعرفين كم عمري الآن؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم وقالت: ما دخل ذلك بحديثنا؟
زفر بقوة: لقد أصبحت رجلاً كبيراً أمي، رجلاً يستطيع أن يفهمك جيداً. اعلم ما ترمين إليه، وماذا تريدين من وراء تلك الأفعال. هل توقعت أنني غافل عنك أو عن ذلك الكره الذي تكنينه لهنادي؟ هل توقعت أنني لا افهم سبب إتيانك بمديحة من البلد معك وجلوسها معنا هنا؟
هز رأسه بسخرية: ما زلت تتعاملين معي على أساس أنني ذلك الصبي ذو الخمسة عشر عاماً. لم تدركي أنني كبرت وأصبحت رجلاً افهم ما يدور من حولي.
نظر إلى عينيها وقال بعتب: توقعت أن تفعلي أي شيء أمي إلا أن تهدمي سعادتي، توقعت أن تتشاجري معها. . تضايقينها. . وكنت على أتم الاستعداد أن افعل لك ما تريدينه لتفهمي أنني لن أتخلى عنك أبداً. فأنت أمي، أفنيت عمرك كله من اجلي.
اتبع بغصة: لكنني لم أتوقع أبداً أن تتلاعبي بي بتلك الطريقة، لم أتوقع أن تكوني على علم بوجود حفيد لك ولا تشتاقين لرؤيته، بل تبعدينه عني. تجبرينها على السفر وأنت تعلمين أنها حامل بولدي، بل أجبرتها وأنت تعلمين أنني سأذهب إليها وأنني حسمت أمري. أخبرتها أن الشاب الذي أحبته وتزوجت منه طفل صغير يأتمر بأمرك، فخافت وهربت من الفضيحة.
نظر إلى عينيها اللتان اتسعتا خوفاً: ألم تخبريها بذلك أيضاً أمي؟ أنني سأنكر نسب الولد وأننا لن نعترف به، رغم أنني أخبرتك بأن زواجي من هنادي كامل.
ازدردت لعابها بقوة وشبكت يديها ببعضهما لتنهض واقفة سريعاً. أدارت ظهرها له وصمتت قليلاً محاولة أن تهدئ انفعالها، رفعت رأسها بكبرياء وقالت بصوت هادئ قوي: نعم فعلت كل ذلك ومستعدة أن افعل أكثر من ذلك بكثير.
ارتفع حاجباه بدهشة لتتحول الدهشة إلى غضب تجسد بعينيه وهو ينصت إلى بقية حديثها، اتبعت بقوة: أنت ولدي ومن حقي أن تتزوج بمن اختارها أنا، وعندما أرى أن تلك الفتاه التي ارتبطت بها لا تصلح لك فمن حقي أن أبعدها عنك، من حقي أن أتدخل وأقومك عندما لا تستمع إلي.
وقف وقال بثورة: وأين حقي أنا؟ أين حقي عندما تتعاملين معي على أنني قطعة من الأثاث ستتصرفين بها كما شئت؟ ! أين حقي عندما تنكرين علي السعادة وتحاولي أن تدمري بيتي؟ ! أين حقي عندما تأتين بفتاه لإرغامي على الزواج منها؟ !
قاطعته بصرامة: لا أرغمك على الزواج من مديحة ، فهي لا تعنيني. ما يعنيني حقاً هو أن تترك تلك الفتاه التي لا تستطيع أن تمنحك طفلاً سليماً وتتزوج من غيرها وتأتي بأحفاد يليقون باسم عائلة المنصوري !!
نظر لها بدهشة تغلبت على غضبه وقال: الكلام لا فائدة منه أمي، أنت لا تريدين الاقتناع بأي لست مِلكاً لك.
اقتربت منه وعيناها تشتعل من الغضب: بل ملكي، لقد أفنيت عمري كله عليك، كل يوم كنت احلم بك وأنت عريس، احلم بأحفادي وهم يملئون ذلك البيت بالصراخ والضحك والبكاء أيضاً، ليس من حقك أن تأتي وتهدم الحلم بفتاه لا تليق بك وغير قادرة على الإنجاب أيضاً.
نظر إلى عينيها ملياً وقال بهدوء فاجئها: لست مِلكاً لك أمي، وما فعلتِه لا يختلف عما تفعله كل أم بتلك الدنيا. ليس من حقك أن تملكيني من اجله، وتهدمي حياتي وحلمي من اجل حلمك أنت.
صمت قليلاً واتبع بهدوء: كل ما يحق لك هو أن اعتني بك في الكبر وأحسن إليك.
نظرت له بعينين مليئتين بالتخوف وقالت بنبرة مهزوزة: ماذا ستفعل هشام؟
أغمض عينيه قليلاً ثم تنهد بقوة: أراك على خير أمي، سآتي لزيارتك أسبوعياً إن شاء الله، فقد آن الأوان أن استقل بعيداً عن بيت العائلة لعلك تدركين أنني كبرت واستطيع الاعتماد على نفسي وتسيير شؤون حياتي بنفسي.
همت بالتمسك به لكنها سيطرت على نفسها وصرخت فيه بحنق: هل ستتركني من اجلها؟
وقف معطياً ظهره لها وقال دون أن ينظر إليها: ليس من اجلها أمي، بل من اجل نفسي.
تحرك بخطوات بطيئة لغرفة نومها وفتح الباب بهدوء وهو يشعر أن الإعصار يقبع خلف ذاك الباب !
شعر بالدهشة تخيم على عقله وهو يجد الغرفة مرتبه وهادئة، نظر متفاجئاً بالسكون الذي يلف الجو من حوله !!
عاد خطوتين ليذهب لغرفة كريم وينظر بها ليجدها فارغة هي الأخرى.
تنبه عقله سريعاً فعاد إلى غرفته ونظر إلى دولاب ملابسها ليجده فارغاً، صرخ بقهر وهو يندفع خارجاً من الشقة وهو يعبث بهاتفه ليتصل بها.
زم شفتيه بغضب وهو يتوعدها سراً إذا هربت منه كما فعلت سابقاً !!
*****************************
__ ياسمين.
التفتت إليه ليحمر وجها خجلاً من نظراته المسلطة عليها، همست: توقف عن النظر إلي بتلك الطريقة.
ابتسم بجاذبيه وهو يلثم كل انش في وجهها بمقلتيه، تنهد بقوة ثم قال بتلك النبرة التي تخصها: لا استطيع.
تنحنحت وهي تشعر بالحرج يملأها، خاصة وهي تشعر أنها تحت العدسة المكبرة وأن كل المدعوين ينظرون إليها ويتهامسون على احمرار وجهها.
همست برجاء: أرجوك وليد.. اشعر أن كل من بالحفل يعلمون عما تتحدث به معي ويقرؤون عينيك ويعلمون ما بهما.
اقترب أكثر منها وهمس: لا يهمني احد. أنا أتحدث مع زوجتي.
تنهد بقوة مرة أخرى: كم هي رائعة تلك الكلمة.
شعرت أنها ستختنق من الخجل فقالت سريعاً قبل أن يسترسل في حديثه: كنت ستخبرني بأمر ما؟ ما هو؟
هز رأسه موافقاً: نعم كنت سأطلب منك أن نرحل الآن، أريد أن اجلس معك بمفردي.
اتسعت عيناها في ذهول ونظرت له بعدم تصديق وهي تقول: أجننت وليد؟ نغادر الحفل الآن؟
زفر بملل وهي تتبع: لابد أن نظل لنستقبل التهاني ومباركات المدعوين.
تنهد بقوة وهو يقول بغيظ: ياسمين لقد أخبرت والدك أنني أريد عقد قران عائلي، انظري إلى كمية الحضور، أهذا ما يسمى باحتفال عائلي؟
ضحكت بقوة وقالت: نعم اعلم جيداً ما كنت تريد وأنا الأخرى طلبت من والدي ألا يدعو كل معاًرفنا. ولكن والدك ووالدي اتفقا سوياً على إقامة ذلك الحفل، وصراحة..
لمعت عيناه وهو يرى تلك النظرة الشقية تسطع من مقلتيها وهي تكمل: لقد تركت لهما أمر تنظيم ذلك الاحتفال كما يفضلونه هم لأنني أريد أن انظم حفل الزفاف بطريقتي.
ضحك بمرح وقال بهيام: احبك ياسمينتي.
احتقنت وجنتاها فهمس متابعاً: كل ما عليك هو أن تحلمي وأنا سأنفذ، ولا تخافي لن يتدخل احد في حلمك، سأتحدى سيادة الوزير شخصياً إذا لزم الأمر.
ضحكت برقة: إذاً أنت تدرك أن حلمي لن يتناسب مع الكبار.
هز رأسه بمرح: بالطبع، فحلمي أنا الآخر بعيد عن كل تلك التعقيدات.
اتبع وهو يحتضن كفيها ويقربها منه: أريد حفلاً بسيطاً وأنت ترتدين فستاناً جميلاً، منسدل على جسدك بنعومة مثيرة تجعلني افقد صوابي.
ابتعدت عنه بحرج وقالت بلوم: وليد توقف الناس ينظرون إلينا.
قربها منه مرة أخرى: دعيهم ينظرون ويتميزون غيظاً لأنهم ليسوا بموقعنا.
ضحكت بدلال واتبعت وهي تنظر إليه بوله لمع في عينيها: معك حق، أتعلم؟ أريده أن يكون على الشاطئ وقت الغروب، ترتدي أنت سترة السهرة وأنا فستان الزفاف بأوله وبعد غروب الشمس نبدل ثيابنا إلى ملابس خفيفة وننطلق.
أكمل وهو ينظر إلى عينيها: لا نتوقف عن الرقص معاً ولا نهتم بأحد.
اتبعت: نعم نرقص على أغاني من اختيارك أنت إلى أن نسقط تعباً.
همس بصوت دافئ وهو يسند جبينه إلى جبينها: يومها لن اشعر بالتعب قط، سأحملك على كتفي إذا أردت.
اتبع بهمس مثير: ولكن لن اسمح لك أبداً بالسقوط إلا بين ذراعي.
حاولت الابتعاد عنه ولكنها لم تستطع أكمل وهو ينظر إلى شفتيها: لما لا يخبرونا بعد عقد القران أنه يمكنك تقبيل العروس؟
انطلقت ضحكتها مجلجلة ولم تستطع كتمانها ليتبع بغيظ: اضحكي، من حقك فلست أنت من يكتوي بنار الهوى حبيبتي.
ابتسمت بحب وهمت بالرد عليه لتبتسم باتساع وتقول: والدتك.
عقد حاجبيه ونظر باستفهام فرددت: والدتك تقترب منا.
ابتسم باتساع وهو يلتفت اتجاه والدته ويفتح ذراعيه مرحباً بها. تحرك سريعاً لتضمه إليها وهي تقول بصوت باكي يحمل عاطفة جياشة: مبروك حبيبي، ألف ألف مبروك.
احتضنها قوياً وقبل وجنتيها ورأسها ثم انحنى ليقبل يدها وهو يقول: بارك الله فيك ماما.
ابتسم والدموع تتجمع في عينيه وهو ينتصب واقفاً ويفتح ذراعيه أمامها بمزح: أرأيتني وأنا عريس أمي؟
انحنى يقبل رأسها مرة أخرى وهو يقول: هل ماثلت الصورة التي طالما رسمتها لي بخيالك؟
ربتت على خده بحنان وهي تضحك: بل إنها أحسن من خيالي بكثير وليد.
لتمسكه من ساعديه بحنو وهي تقول بأمومة سطعت بعينيها وصوتها: أنت أجمل بكثير من كل أحلامي وليد، أخيراً بكري أراه عريساً.
ابتسم باتساع وانحنى محتضناً إياها لتهمس له بصرامة: توقف عن مغازلتك العلنية لزوجتك.
احمرت أذناه وقال بحرج: لماذا أمي؟
ابتسمت وهي تهمس له: انتظر إلى أن تصبحا بمفردكما. لا تحرجها هكذا علناً وأمام الناس.
هز رأسه بالإيجاب وقال: حسناً ماما.
ابتسمت والدته وقالت: ابتعد عني حتى اذهب لأبارك لها.
ابتسم باتساع وقال بمرح وهو يضمها من كتفيها إليه مرة أخرى: لا لن ابتعد عنك.
ضحكت بمرح وهي تدفعه بعيداً عنها عندما اقتربت من ياسمين التي اقتربت منها بتلقائية وهي تقول لها: أترين زوجك العزيز؟ لا يريدني أن أبارك لك.
ابتسمت ياسمين ليقول هو: سأبارك لها أنا نيابة عنك.
نظرت له بدهشة وقالت: كيف؟
اتبع بمرح: سأقبل وجنتيها واحتضنها نيابة عنك أمي لا تتعبي نفسك.
لكزته أمه في جنبه وقالت الأخرى بعتب ووجهها محتقن بقوة: وليد.
ابتسم بمرح: حسناً، حسناً سأصمت.
تبادلت الحديث مع حماتها بود فائق لتقترب ليلى منها مرة أخرى والغضب ظاهر عليها بوضوح، ابتسمت بتوتر لياسمين: سأنصرف أنا.
عقدت ياسمين حاجبيها لتبتسم ابتسامة مقصودة وتقول بود: تعالي ليلى، إنها والدة وليد، إنعام هانم.
ابتسمت السيدة إنعام وياسمين تتبع: ليلى ابنة عمي.
ابتسمت ليلى بلباقة وقالت: مرحبا سيدتي.
ابتسمت السيدة بود وصافحتها بحنو: مرحبا بنيتي، تشرفت بمعرفتك.
ابتسمت ليلى بخجل وقالت: الشرف لي سيدتي، مبروك زواج وليد.
ابتسمت السيدة بإعجاب: الله يبارك فيك حبيبتي، العقبى لك قريباً.
تنحنحت ليلى ونظرت إلى ياسمين التي ابتعدت بها قليلاً عن وليد ووالدته وقالت بقلق: ماذا بك؟ اشعر انك متغيرة قليلاً، احدث شيء لبلال؟
هزت ليلى رأسها نافية: لا بلال غادر من اجل شيء خاص بالعمل وأنا اشعر بالتعب قليلاً وأريد الانصراف.
نظرت لها ياسمين بعتب: ستتركينني بمفردي، لا ليلى سأغضب منك إذا فعلتها.
تنهدت ليلى بقوة: حسناً، حسناً سأبقى من أجلك.
همت بالحديث لتتبع ليلى سريعاً وهي تبتعد بعيداً عنها: عريسك قادم.
ابتسمت ياسمين تلقائياً والتفت لتنظر إليه بهيام لم تستطع إخفاؤه. اقترب منها وهو يبتسم وينظر إليها بشغف، احتضن كفيها بحب وهمس وهو يقربها منه: لم اختر الأغاني تلك المرة، فأنا كنت افعل كل شيء متعجلاً ولكني سأعوضك المرة القادمة في حفل الزفاف إن شاء الله
ابتسمت بدلال: وأنا سأتمهل إلى أن استمع إلى أغاني الزفاف.
قرب رأسه منها لينظر إلى عينيها ويقول بخفوت: ولكني أريد أن ارقص معك حبيبتي، فاخترت تلك الأغنية لنرقص عليها سوياً.
احتقن وجهها بقوة وقالت وهي تحاول الابتعاد عنه: لن ارقص أمام هذا الجمع من الناس.
ابتسم وهو يشدد قبضتيه عليها ويضمها إلى صدره ويهمس في أذنها: استمعي إلى الأغنية واشعري بها فهي رسالتي إليك اليوم.
نظرت إلى عينيه باستفهام فقبل جنب أذنها برقة وهو يهمس: فقط استمعي إليها بقلبك حبيبتي.
تهادت إليها موسيقى هادئة ترتفع شيئا فشيئا ليتحرك هو بخطوات رقيقة بطيئة عليها ويجبرها على التحرك معه بحنو ورقي
دي اللي خدتني مني
ودي اللي بتحسسني إني
ملكت كل الدنيا ديا علشان لقيتها
قابلت كتير وخوفت
وقلبي صدقها اما شوفت عنيها
قولت ساعتها بس خلاص لقيتها
تنفست بقوة وهي تستمتع إلى كلمات الأغنية لتبتسم بهيام وهي تتعرف عليها فور أن بدأت وتتذكر أنه كان يتحين الفرص ويديرها بالسيارة وهما معاً.
نظرت له ليتبسم بقصد وهو يشير إليها بعينيه بالإيجاب أنه كان يديرها من اجلها.
ابتسمت إليه وهي تقترب منه بتلقائية فتنفس بقوة وهو يردد مع الكلمات بخفوت في أذنها
وببقا هاموت وأشوفها
وقد إيه بيوحشني خوفها
كسوفها لما بكون واحشها
دي دنيا كنت هاموت وأعيشها
لقيتها بيها
حلم حلمت بيه
كنت هاموت عليه
وقفت تنظر إلى ابنة عمها التي تشعر بها طائرة على غيمة الحب السماوية، تبتسم من اجلها وتتمنى لها السعادة، رغم القهر الذي تشعر به إلا أنها سعيدة من اجل ياسمين، فهي لن تفكر به وبما فعله بها الآن.
صدح صوت عقلها قوياً " ليس الآن ولا بعد ذلك، اكتفينا منه للأبد "
هزت رأسها بالموافقة وهي تتنفس بقوة وترفع رأسها بكبرياء وتهمس بخفوت " نعم اكتفينا منه للأبد"
تحرك من مكانه وهو يشعر بدهشة كبيرة تجتاحه. لم يكن يتخيل أبداً أن ليلى ستتصرف معه بتلك الطريقة، ولكنه لا يستطيع لومها بل هو يعلم جيداً أن عليه أن يعتذر عن تلاعبه بها الفترة الماضية، قرر أن يقوم بمحاولة أخرى معها وتحرك باتجاهها.
توقف قليلاً والأغنية تخترق سمعه رغماً عنه، لينظر لها ملياً وهي تنظر بدورها إلى الرقصة الهادئة بين وليد وياسمين، شعر بقلبه يهفو إليها وأنه يريد أن يشعر بقربها منه ومن تفهمها له. يريد ليلى الرقيقة الهادئة البشوشة، ليست تلك التي تعاملت معه بعجرفة.
شعر بان الأغنية تصفها بدقة وهو يستمع إلى الكلمات التي تشدو من حوله
دي اللي معاها بس بدأت أحس
إن اللي فات دلوقتي ممكن
بين ايديها في لحظة يرجع
تنسيك أي حد
أهي دي اللي تستاهل بجد
انك تعيش ليها الحياة
إيه اللي يمنع
رمش بعينيه وهو يقترب منها مسحوراً بتلك الكلمات إلى تعبر عن مشاعره جيداً وهو يتذكر أنه ضرب بكل شيء عرض الحائط عندما رآها في فيلا السفير وتخلى عن حذره بسبب تلك الهالة التي تحيط بها وتجذبه إليها رغماً عنه. كان يعنف نفسه كثيراً بسبب ما يفعله معها ولكنه لم يستطع أن يكبح جماحه ويبتعد عنها.
زفر بقوة وهو يؤنب نفسه " لو أنك استطعت أن تتحكم بنفسك قليلاً لكان الموقف الآن مختلفاً كلياً".
اقترب منها إلى حد كاف ليهمس بصوت فخم كعادته: ليلى.
التفتت إليه في حدة وعيناها مترقرقة بالدموع، لتتسع عيناها بغضب جمد الدموع بعينيها وقالت بكبرياء تألقت شرارته في بحور الغضب في عينيها: نعم.
شعر بالتوتر اللحظي بسبب ردها الجامد عليه فقال بهدوء واتزان: من فضلك استمعي إلي.
قالت بحدة قاطعة: لا أريد.
هم بالحديث لتقاطعه بإصرار: لا أريد الاستماع للمزيد من الأكاذيب، فأكاذيبك لا تنتهي. تستطيع تأليف المزيد والمزيد من الحكايات الرائعة التي لا تنتهي فهذه هي مهنتك على ما يبدو.
نظر إلى الأرض وهو يقبض كفيه بقوة محاولاً أن يتخطى ما قالته ويسيطر على أعصابه، مرت لحظات دقيقة وهو صامت ليرفع عينيه إليها ويقول بهدوء: أنا رائد بالشرطة وكنت اعمل بمهمة رسمية في فيلا السفير عندما التقيتك، لم استطع أن أخبرك أنني أمير الذي يحدثك عن طريق الانترنت فمقتضيات عملي تمنع ذلك.
قاطعته بصرامة ولهجة باردة: ولكن عملك ينص على أن تتلاعب بي وبمشاعري يا سيادة الرائد؟
هتف سريعاً: لم أتلاعب بمشاعرك يوماً ليلى، لقد عنيت كل كلمة تفوهت بها معك، لم اكذب قط بخصوص مشاعري تجاهك.
ابتسمت بسخرية وقالت باستهزاء: بماذا تسمي ما فعلته إذا يا سيادة الرائد؟
اتبعت وهي تنظر إليه بغضب ظهر ملياً على وجهها: لم تتلاعب بي وأنا اعمل عند سيادة السفير، ولم تتلاعب بي أيضاً الفترة الماضية؟ ألم تتركني أحدثك عن حياتي كلها وأقصها عليك بالتفاصيل المملة وأنت كنت تعلم كل شيء عني؟ ألم أتحدث إليك بعفوية وأنت تسخر مني بردود أفعالك الكاذبة، بل وأحاديثك المخادعة أيضاً، ألم تقصد أن توهمني بأنك لست عبد الرحمن؟ ألم تتقصد خداعي والكذب علي؟ ألم تحاول إيهامي انك تكن لي المشاعر وأن مكانتي لديك خاصة، بل تفوهت ببعض العبارات التي تغاضيت أنا عنها عامدة؟
أكملت بثورة: لا يا سيادة الرائد أنت كذبت علي وخدعتني، قصدت ذلك، قصدت أن تهين قلبي وأنت تتلاعب به، بل كذبت على قلبي وعقلي وسخرت مني متعمداً، وهذا لن اغفره لك أبداً !!
هم بالحديث لتقاطعه بقوة وهي تقول: لا.. لا أريد سماعك فأنا لن أصدقك على أي حال، فلا تهدر وقتك الثمين معي يا اسطى.
تحرك أمامها ليمنعها من المغادرة وهو يقول برجاء فخم: توقفي ليلى من فضلك واستمعي إلي.
رفعت عينيها إليه وقالت من بين أسنانها: إن لم تبتعد الآن سأتسبب لك بفضيحة و..
قال بهدوء وهو يقترب منها أكثر وينظر إليها: لا تتصرفي بتلك الطريقة ليلى.
أشاحت بيدها قوياً وهي تقول بغضب عارم: سأتصرف كما يحلو لي ولن اهتم بك ولا بمشاعرك كما فعلت أنت بالضبط. سأفعل كل ما يدمي قلبك ويعكر صفو مزاجك فابتعد عن طريقي من الأفضل لك.
رفعت عينيها ونظرت إليه بقوة، لتتسع عيناها بدهشة وتبتعد عنه تلقائياً وهي تنظر إليه بخوف، التفت حوله وقال بتعجب: ماذا حدث؟
قالت بشرود ودون تفكير: ماذا حدث لعينيك؟
عقد حاجبيه بعدم فهم: لم يحدث لهما شيء، لماذا تبدين مرتعبة؟
ركزت نظرها قليلاً لتشتعل عيناها من جديد وتقول له بحنق: أيها المخادع، لم أر في حياتي كاذباً مثلك.
اتبعت بثورة وصوت مرتفع اجبره على التراجع بعيداً عنها: ابتعد عني.
انصرفت من أمامه وهو ينظر إليها في دهشة ليتمتم بحنق: مجنونة !!
يتبع ...
|