كاتب الموضوع :
سلافه الشرقاوي
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 18- رواية امير ليلى بقلم Solafa El Sharqawey .. الفصل العشرين .. مميزة جداً
هزت رأسها قوياً: لا شيء.
زم شفتيه وآثر الصمت إلى أن وصلا فقالت سلمى بمرح: وليد أقنعه أن يرقص معي.
رفع حاجبيه وهو يضحك بمرح: لا دخل لي بكما.
رفعت له حاجبيها وقالت: إذاً تعال أنت لترقص معي.
قهقه ضاحكاً تلك المرة: حينها سيقتلني وهو في غاية الراحة.
وضعت يديها بخصرها وزمت فمها بغضب فقالت ياسمين بمرح: انتظري وأنا سأذهب معك.
التفت لها في حدة وقال آمراً: لا لن تذهبا، على الأقل ليس بمفردكما.
أكمل الآخر بقوة: اجلسي حبيبتي. لن تموتي إذا لم ترقصي.
وضعت كفيها بخصرها معترضة: لماذا أتينا إذا؟
رد بهدوء: أتينا من اجل وليد وأنت تعلمين ذلك جيداً.
اتبع بلهجة أكثر رقة وهو يقترب منها: ثم لا تنكري انك استمعت باليوم.
وقف بجوارها ليشدها من خصرها إليه: وإذا على الرقص، ارقصي بالمنزل كما تريدين.
مطت شفتيها وقالت بآلية: حسناً، لا تبدأ في تلك الاسطوانة، لا أريد أن ارقص ولكن نستطيع السير على البحر قليلاً.
أومأ برأسه موافقاً ليحتضن كفها بيده: بعد إذنكما.
ابتسم وليد وأشار برأسه يحييه، ثم التفت لها ليجد عينيها تبرقان بحزن عجيب. اقترب بجلسته منها وقال برقة: ماذا بك حبيبتي؟
انتفضت على صوته الرقيق وتلك النبرة الجديدة عليه، نظرت له بحزن وقالت: أتعلم أن سلمى حامل؟
ابتسم: نعم اعلم، مصطفى اخبرني اليوم.
أشاحت بعينيها بعيداً عنه فأتبع سائلاً بتعجب: إنه خبر سعيد، فلماذا اشعر أنك حزينة؟
كحت بخفة: بالطبع أنا سعيدة من اجلها، بل إن الخبر جعلني اقفز فرحاً، ولكن...
صمتت وعيناها تغيمان بالحزن فاقترب محتضنا كفها: ماذا؟!
سحبت كفها من يده وسارت باتجاه البحر، اقتربت كثيراً إلى أن شعرت بالمياه الباردة تبلل قدميها العاريتين إلا من صندال خفيف مفتوح سمح للمياه أن تتوغل وتحيط قدميها لعل برودتها تهدئ من تلك الآلام التي هاجمتها فجأة!!
تمسكت بطرفي الشال لتعقده من الأمام ثم تعقد ذراعيها أمام صدرها وتقف لتنظر إلى المجهول، تريد أن تهدئ مشاعرها قليلاً، فآخر ما تريده الآن هو أن تفقد جأشها أمامه.
تنهد بقوة وهو ينظر إليها. يعلم جيداً أنها حزينة ولكنه لا يعلم ما السبب وراء ذلك الحزن، فقد كانت سعيدة طوال اليوم. ربما كانت تتعمد ألا تُظهر له ذلك الإحساس ولكنه استشعر أنها سعيدة لوجوده كما هو سعيد بوجودها معه.
اقترب منها ووقف بجوارها ونظر لأكتافها المشدودة بقوة وساعديها المعقودين أمامها، لمس كتفها بأنامله وقال برقة: ياسمين ماذا حدث؟ ما سبب ذلك الحزن؟
نظرت له وهي ترجوه أن يكف عن تلك الرقة التي يتحدث بها معها وتلك النبرة التي تخترق قلبها، تلك النبرة التي لم تسمعها منه قبلا !!
شعر بقلبه يئن من نظراتها الحزينة، فأتبع بلهفة: ياسمين حبيبتي اخبريني ماذا حدث؟
ابتسمت بألم وهي تهز رأسها: لا شيء.
وقف أمامها ليمسك ذقنها بأنامله ويجبرها على النظر إليه: اخبريني حبيبتي، لا
تشيحي بوجهك عني. انظري إلي واخبريني بماذا تشعرين.
رفعت رأسها ونظرت له ملياً، همت بالتحدث أكثر من مرة لتغلق شفتيها وتصمت.
قال بتذمر تلك المرة: ياسمين من فضلك تكلمي.
نظرت إلى عينيه وقالت بألم لم تستطيع إخفاؤه: أتعلم كم مرة توقعت أن تدعوني للرقص؟!
عقد حاجبيه بتعجب لتكمل بسخرية مريرة: أتعلم كم مرة رفضت دعوة احدهم على أمل أن تتحرك أنت؟! أتعلم كم مرة ابتعدت عن آخر وأنا أتوقع اقترابك أنت؟!
شحب وجهه وفرت الدماء منه، وشعر بأن جسده يتجمد وكأن الصقيع منتشر حوله.
اتبعت بسخرية والألم يتجسد بعينيها: عدد من السنين لا بأس بها، أيام طويلة وليالي كثيرة كنت أراقبك وأنت مع أخريات غيري، تضحك معهن.. تغازلهن أمام عينيي.. تلمع عيناك بتلك النظرة التي تذيب العظام.. وتلمع شفتيك بتلك الابتسامات الساحرة الجذابة.. تتحدث بذلك الحديث الذي يأسر العقول ويملك القلوب. كنت أراقبك بشغف، أتخيل كيف ستتكلم معي أنا.
صمتت لتتبع بغصة: إذا كنت أنا حبيبتك، هل ستلمع عيناك بتلك الطريقة؟ هل ستبتسم لي بتلك الطريقة؟ هل ستنحني وتهمس في أذني بتلك الكلمات التي ستجعلني احمر خجلاً واشعر أنني لا استطيع الوقوف على قدمي؟ هل ستنظر إلي وتتلألأ عيناك بتلك النظرات الساحرة التي تأسر قلبي؟ بكل مرة كنت انتظر وانتظر وأنت لا تأتي.. لا تهتم.. لا تلتفت إلي ...
يشعر بأن قلبه ينتفض حزناً وألماً، يصرخ به ويعنفه على كل ما ارتكبه في حقها وحق نفسه بابتعاده عنها فيما مضى، يشعر بالخزي لأنه كان جباناً ولم يتحمل رفضها له فحمّلها وحمّل نفسه ما لا طاقة لأحد به.
التفتت تنظر إلى البحر وأخذت نفساً طويلاً لتتبع بشجن: أتعلم أن أكثر من صديقة لك كانت تخبرني "لا تحلمي به فهو لن يلتفت إليك".
اتسعت عيناه بقوة لدرجة آلمته فضحكت بسخرية وأكدت: نعم وليد، بعضهن قلن بذلك شفهياً، والبقية كانوا يقولونها بأعينهن، بنظراتهن.. بتلك الابتسامات التي تمتلئ بالمعاني.. بدلالهن عليك ومغازلتهن العلنية لك وأنا معك..
نظرت له بتصميم وقالت بتحدي: لماذا أتيت اليوم وليد؟
تنحنح وهم بالرد لتسكته بإشارة من يدها وتتبع: أتيت لتخبرني بأنك تحبني وتريد أن تكمل حياتك معي، أتيت لتعرف جوابي على طلبك، أتيت لتوهمني وتوهم نفسك أنه لم يحدث شيء وأننا سنتزوج ونعيش في سعادة كتلك الأفلام الغبية التي تنتهي بتلك النهايات السعيدة.
هز رأسه بقوة وقال بتصميم: نعم. أتيت لأنني متمسك بك لآخر يوم بحياتي.
ابتسمت بسخرية وهزت رأسها: ألا ترى أن هذا الحديث فات وقته منذ زمن طويل وليد؟
تنهد بقوة وقال بتصميم: العمر كله أمامنا ياسمين، نحن لا زلنا بأول الطريق.
ابتسمت ودمعت عيناها: أتعلم أنني أحب الأطفال كثيراً؟
نظر لها في دهشة لتتبع: لم أخبرك صحيح، لم أحدثك عن أحلامي قط.
لمعت الدموع بعينيها وهي تكمل: اختزنتها بداخلي حتى نكون معاً فأحدثك عنها. لطالما أردت أن أتزوج بسن صغير وأنجب أولاداً كثيرة، اهتم بهم وأرعاهم، بل واترك الدنيا كلها من اجلهم. أردت طفلة صغيرة تحمل غمازتيك ولون شعرك البني، تبتسم لتنسيني كل همومي وتتعمد إغاظتي بك، كما كنت افعل مع أمي.
تنهدت بقوة لتسقط دمعة وحيدة رغماً عنها: كنت كل ليلة أحلم حلماً جديداً لاستيقظ صباحاً فتهد أنت الحلم فوق رأسي وتخبرني مثل فتياتك أنني لا يحق لي أن احلم بك لأنك لن تكون لي.
صرخت بألم تلك المرة: كل يوم ارددها الآلاف المرات على عقلي وقلبي واخبر نفسي بها ليأتي الليل وأجد انك تحتل كل أحلامي.
نظرت له وقالت بواقعية: أتريد بعد كل ذلك أن تأتي الآن وتحاول أن تمحو كل شيء في ساعتين. أتتوقع أن أنسى كل شيء عندما تخبرني بذلك الموقف الطريف وأنك تشاجرت من اجلي؟
هزت رأسها نافية: لا وليد هذا مستحيل.
همت بالابتعاد ليمسك يدها بقوة ويجبرها على الوقوف أمامه، احتضن يدها الأخرى بكفه وشدها برفق إليه، اقترب منها بهدوء وهو يحسب خطواته جيداً، يريد أن يمحو تلك الذكريات السيئة، يريد أن يمحو تلك الآلام التي تشعر بها.
تنهد بقوة "آه لو يستطيع أن يحرر قلبها من تلك القيود الملتفة حوله والتي جعلته يشعر بكل شيء إلا حبها له"
نظر إليها بحنو وهمس وهو يضع عينيه بعينيها: آسف ياسمين.
نظرت له ملياً فكرر بصوت أقوى: أنا آسف بل في شدة الأسف على كل ما تسببت به، لا استطيع أن أمحو كل ذلك ولكني سأحاول، فقط أعطني فرصة أخرى.
ردد بتوسل وهو يرجوها بعينيه: فقط فرصة أخرى لأريك أن ذاك الغبي لم يعد موجوداً بداخلي، وأنني تخلصت منه للأبد.
وضع رأسه برأسها وهو يقربها منه أكثر: ألا استحق فرصه أخرى؟
ترقرقت الدموع بعينيها ليهمس برقة: لا أرجوك لا تبكي، لن أسامح نفسي إذا انهمرت تلك اللآلئ الغالية، حتى وإن كانت من اجلي.
شبك كفيه بكفيها ورفعهما إلى شفتيه ليغمرهما بقبلات رقيقة: اغفري لي حبيبتي.
همس بتوسل: أرجوك ياسمين، دعينا نبدأ من جديد، ارمي بتلك الذكريات وراء ظهرك، واعدك بأن أهديك ذكريات جديدة تحتفظي بها بقية حياتك كلها.
احتضن خدها بكفه ووضع يده الأخرى على خصرها مقترباً منها، ثم رفع ذقنها برقة لتنظر إليه: ذكريات سعيدة ستملأ قلبك وحياتك كلها سعادة، سأريك أن وليد وهو معك شخص جديد يستحق أن تحترميه وتحبيه أكثر من ذاك، وليد يستحق أن يفوز بك، يا ياسمينتي الحبيبة.
شعر بها توافق دون أن تجيب عليه، شعر بها تمنحه موافقتها على كل ما يطلبه دون أن تخبره، شعر بها تخبره بحبها بطريقة مختلفة عما سبق.
أدار عينيه على وجهها وهو يتأملها بتأني وروية، يريد أن يحفظ تلك التقاسيم التي تصرخ بعشقها له، نظر إلى عينيها المغمضتين، ابتسم " تغمض عينيها حتى لا تفضح أسرار قلبها " انفها الدقيق وشفتيها المكتنزتين تعض عليهما برقة تخلب لبه وتسرق أنفاسه، اقترب أكثر منها ليتنفس أنفاسها التي تندفع بجنون، يشعر بدقات قلبها الذي يقفز بداخل ضلوعها، يقفز متناغماً مع قلبه الذي يثب بجنون هو الآخر.
ازدرد لعابه بقوة وهو يلمس خصلات شعرها الناعمة التي تتطاير أمام وجهها فتجعلها أميرة أسطورية تقف بين يديه، انحنى عليها وهو يريد أن يجدد عهد تلك القبلة (التي أسكرته ولم يتذوق مثلها أبداً)ذات المذاق المسكر له الذي لم يتذوق مثله أبداً.
تنفس بعمق ليهدئ قلبه قليلاً، واقترب أكثر منها حتى لامس انفها بأنفه ليدق عقله بقوة وهو يتذكر ما عاهد نفسه وقلبه به فيبتعد عنها.
عاد إلى الوراء قليلاً دون أن يبتعد عنها كلياً، بل ظل محتفظاً بكفه الموضوعة على خصرها وظل يبعد تلك الخصلات الطائرة عن عينيها. همس برقه: ياسمين.
منذ أن نظرت إلى عينيه وهي تعلم أنها انتقلت إلى عالم آخر، لا تفهم به شيئاً ولكنها مستعدة أن تضحي بكل شيء حتى تظل تستمع إلى تلك النبرة التي يتكلم بها، وترى تلك النظرة التي ينظر بها إليها، تضحي بكل شيء لتظل تستمتع برقة تلك القبلات التي أمطر كفيها بها، فبكل قبلة كانت تشعر به يضخ لها حباً جديداً يتسلل إليها ويتوغل بجسدها أكثر فأكثر. بل إن عقلها توقف عن العمل تماماً عندما همس يتوسل لها أن تبدأ معه من جديد، وأن تغفر له ما مضى وأن تمحو تلك الذكريات التي تقف عائقاً بينهما.
انفصلت عن الواقع عندما لامس خدها ولم تشعر إلا بأنها تقترب منه، تشعر بأنها تتنفس أنفاسه فيمتلئ جسدها برائحته وتنتفخ رئتيها بحبها له. شعرت بأنها تطير في السماء عندما وعدها بأنه سيصبح شخصاً آخر من اجلها. نعم رددت لعقلها "إنه يعدك بالسعادة التي لا نهاية لها". شعرت بأنها تقترب منه أكثر فدق قلبها أكثر من ذلك القرب الذي ترجوه منذ أمد بعيد، ذلك الحنان والحب اللذان كانت تحلم بهما كل ليلة مضت من قبل.
أغمضت عيناها وهي تشعر بأحد أحلامها يتحقق أخيراً!! شعرت بأنفه تلامس انفها فتأكدت أنه سيقبلها كما فعل من قبل، ولدهشتها العارمة فهي لم تكن لتمانع إذا فعل.
دق عقلها بقوة وطن جرساً مدوياً في أذنيها ولكن قلبها تحكم بكل شيء وجعلها لا تريد أن تشعر بما يحدث بداخلها. انتبهت من ذاك الصراع الدائر بداخلها إلى صوته وهو يهمس برقه: ياسمين.
انتفضت بقوة وهي تفكر " ماذا حدث؟ "
|