كاتب الموضوع :
سلافه الشرقاوي
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 18- رواية امير ليلى بقلم Solafa El Sharqawey .. الفصل التاسع عشر .. مميزة جداً
وقف أمامها بثبات وهو ينظر إليها برجاء أن تستمع إليه، كاد أن يجن من قلقه عليها رغم انه يهاتف بلال يومياً ويطمئن على أخبارها رغما عن الأخير. فبلال أعلن له رفضه لمحادثته ورفضه لتدخله في حياة ليلى بعد الآن، ولكنه رغم ذلك ظل يتصل به كل يوم، وبكل مرة يزداد إعجابه بالآخر. فهو يجيب اتصالاته وأسئلته الكثيرة بأدب جم، تنهد بقوة وهو يفكر بأنه شاب مهذب أجادت ماجدة تربيته.
رمش بقوة وهو يفكر بأنه تمنى مراراً ولداً كهذا يكون له سنداً وظهراً وامتداداً، زفر بقوة واستغفر ربه.
نظر إلى ليلى وشعر براحة عمت أنحاء جسده، كم يطمئن عليها الآن وهي مع ذلك الشاب الرائع، تأملها بشوق، ابنته الحبيبة الغالية، مهما حدث منها سيغفر لها كل ما ستتفوه به.
نعم هي ابنة أخيه ولكنها الغالية ابنة الغالي، ابنته العاقلة. كم يحبها ويحب وجودها حوله، يتمنى أن تستجيب له وتغفر له ما حدث بالماضي وتفهم جيداً أنه لم يفعل ذلك نكاية في ماجدة، بل فعله لأنه لم يستطع أن يتركها تذهب بعيداً عنه.
زفر بضيق وهو يرى دموعها تنهمر بقوة على خديها. تقدم إليها سريعاً وهو يتألم على نشيجها المكتوم، ضمها بين ذراعيه بحنو وهو يتمتم: لا تبكي ليلى، أرجوك.
اتسعت عيناها بقوة وحاولت أن تتحكم بارتجاف شفتيها وهي تراه. شعرت بأنها كانت تائهة وعادت إلى بيتها، رغم كل شيء هو أبوها الذي لا تستطيع أن تتبرأ منه. نعم تشعر بألم عميق داخلها بسببه، تحمله ألم ليالي طويلة قضتها في بكاء صامت نتيجة اشتياقها لامها، ليالي كثيرة قضتها تحاول أن تعالج شعورها بعدم الانتماء لذلك البيت ولا لذاك العالم. أيام كثيرة تبتلع فيها إهانة زوجته وهي لا تنفك تُشعرها بأنها دخيلة على حياتهم. كم انطوت على نفسها بسبب تلك السيدة التي طالما عاملتها على أنها اقل منها اجتماعياً وأنها لابد أن تشكر الله أن عمها انتشلها من الضياع. لم تشعر- وسط دوامة أفكارها وهي تتذكر كل ما مضى من حياتها - بدموعها التي هطلت بغزارة مغرقة خديها وان جسدها يرتجف بقوة.
بل لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بكت بنشيج مؤلم حاد وهي تنتفض بشدة من آلام قلبها وروحها الشديدة. حاولت أن تسيطر على دموعها وتكبت أناتها بداخلها ولكنها لم تستطع، شعرت به يضمها بحنان أبوي كما كان يفعل دائماً.
تمتم برجاء ظهر جلياً في صوته: لا تبكي ليلى، أرجوك.
لتزداد دموعها تلقائياً وكأنه أمرها بالبكاء، ولكن ما تعجبت منه أنها لم تكن تبكي غضباً منه بل احتياجاً له. نعم هي تحتاج إلى وجوده بجوارها، تحتاج أباها، رغم أنها لم تناده بها يوماً ولكنه كان أباها دائماً وأبداً. فعل معها كل ما يفعله الآباء مع بناتهم، كان أباً ورفيقاً وصديقاً وحبيباً أيضاً. نسيت كل ما فعله معها وكل ألامها الماضية لتشعر بألم اشتياقها له، وبدلاً من أن تغضب وتدفعه بعيداً عنها وتُسمعه كل ما أرادت أن تقوله له، ضمت نفسها إلى صدره أكثر لتشعر بذلك الدفء الرائع. دفء البيت ورائحة الأمان التي تنبعث منه.
أحاطها أكثر بيديه وضمها إلى صدره وهو يسألها عن أحوالها ويخبرها أنه كان يطمئن عليها دائماً من بلال، ولكنه لم يستطع الصبر أكثر من ذلك وأراد أن يأتي ليراها ويطمئن عليها بنفسه.
هدأت قليلاً تحت وقع كلماته الحنون وتربيته الأبوي، نظرت إليه بعيون باكية ودون أن تسأله قال بهدوء: لم اُرد أن أؤذيك أبداً ليلى، كل ما فعلته كان من أجلك ومن أجل صالحك.
نظرت له بتشكك فاتبع بتروي: لابد أن تفهمي جيداً ليلى أني لم آخذك من ماجدة لأنتقم منها لأنها رفضت الزواج مني، كما هي تظن أو كما ظنت إحسان. لا ليس كذلك. نعم عرضت الزواج على والدتك، ولكن عند مغادرتي البيت واسترجاع ما قلته غضبت من نفسي ونهرتها بقسوة، ليس لأنني عرضت على والدتك الزواج بل لأن نفسي سولت لي ذلك الأمر. فكرت كيف عرضت الزواج على زوجة أخي، كيف رغبت بها وترجم لساني تلك الرغبة إلى فعل، كيف ارتضيت أن أُشعرها بذلك الحرج وكيف سأضع عيناي بعيني عادل فيما بعد واخبره أنني تزوجت من حب حياته. لم استطيع أن افعلها أبداً ليلى، حتى لو كنت اعشقها، فهي بالأول والأخر زوجة أخي الغالي.
تنفس بقوة وقال بصوت هادئ إلى حد ما: لم آخذك منها للانتقام ليلى بل فعلتها من أجل حمايتك من ذلك المدعو سليم الذي تزوجته بعدها.
اتسعت عيناها بقوة ليكمل ببطء: نعم هددتها بالأمر حتى لا تتزوج ولكني بالفعل بدأت في مضايقتها حتى تتركك لي بعد أن جلست مع سليم ذلك وتكلمت معه. كان إنساناً غيوراً وعصبياً، وعندما ذكرت والدك أمامه غضب بشكل لم استطع تصديقه. كان يكره سيرة والدك ويغار من شخص لم يعد موجوداً. ارتعبت يومها من فكرة أن يكرهك لأنك ابنة الآخر، ولأنني أيضاً رأيت في عينيه أنه يريد أن يتخلص من مسؤوليتك ومن ذكراك في حياته، فأنت تذكرينه بعادل. أخذتك ليلى حتى يكون أخي مطمئناً وأنت معي، حتى أريحه وهو في قبره، ليس لأي أمر آخر.
غامت عيناها مرة أخرى وانهمرت دموعها ليضمها إليه ويقول: آسف ابنتي لم استطع أن أتركك تبعدين عن عينيي وان تأخذك والدتك لتهرب بك إلى بلد آخر فلا استطيع أن أراك واطمئن عليك. كيف اتركها تأخذك بعيداً وعادل أوصاني بك؟ أوصاني أن اهتم بك وأرعاك كياسمين، وأنت بالفعل عندي كياسمين أن لم تكوني أغلى منها. لم استطع أن أتركك لذلك الآخر وأنا اشعر بأنه سيؤذيك. فعلت كل ما فعلته من أجلك ليلى.
انتبها الاثنين على صوت بلال وهو يقول: وأخفيت عنها أمر أمي أيضاً من اجل مصلحتها يا سيادة المستشار.
نظر إليه مطولا وهو مندهشاً من حدته الظاهرة جلياً على وجهه والتحدي الذي يطل من عينيه، من الواضح أنه لم يُعجب بما اخبره لابنة أخيه.
رد بهدوء أخيراً: مرحبا بني.
اتسعت عينا الآخر بغضب وقال كأنه لم يسمع تحيته: لماذا لا تجيب يا سيادة المستشار؟ هل أخفيت عنها أمر مرض أمي من أجل مصلحتها؟ هل من العدل أن تخبرني انك ستخبرها وتحاول التقريب بيننا وأنت توغر صدرها علينا وعلى أمي تحديداً؟ هل من الطبيعي ألا تخبرها باتصالاتي المستمرة منذ أن عرفت بأمرها؟ وحينما كنت لديك بمنزلك ووافقت ليلى على زيارة أمي والحديث معها وأخبرتها أنت بأن أمي تبحث عنها الآن فقط لتنقذ حياتها، هل كان هذا من اجل مصلحتها أيضاً؟ أم من أجل أن تنتقم من أمي لأنها رفضت الزواج منك؟
زفر بقوة وقال له بهدوء: اهدأ بني، لنتحدث وراعي أننا بالمشفى.
قبض بلال كفيه بقوة لينظر إليه بصبر أعجب الآخر ورسم على شفتيه ابتسامة هادئة واتبع: اسمع بلال، بأول الأمر كنت ارغب في طردك من بيتي، كنت ناقماً على والدتك وعليك بالتبعية. نعم أنا أجبرت ماجدة على ترك ليلى لي ولكني لم اجبرها أن تبقى بعيدة عنها وألا تسأل عليها. لم اخبرها وأنا آخذ ليلى منها ألا تأتي أو أن زيارتها لها مرفوضة، ولكن من الواضح أن والدك العزيز هو من فعل ذلك. لم أكن اعلم ذلك حينها ولكني قضيت سنوات طويلة تترسخ في ذهني فكرة أن والدتك رمت لي بليلى حتى تستطيع الاعتناء بكما وبوالدك. كنت غاضباً منها ومنك أنت أيضاً فلم أتخيل يوماً واحداً أن رجلاً شرقياً يترك أخته ولا يسأل عنها إطلاقاً كما فعلت أنت، حتى أتيت إلي وأخبرتني بالوضع الذي كان قائماً عندما كان والدك حياً. لن أنكر أنني لم اصدق في بادئ الأمر، ولكن صدقك وندمك اللذان ظهرا بعينيك جعلاني اصدق ما قصصته لي، فوافقت مبدئياً على رؤية ليلى لكم. وعندما أخبرتني بحالة ماجدة أشفقت عليها وأخذت ليلى لتراها في المشفى، فأنت أبلغتني في أول الأمر أن حالتها مستعصية وان احتمال وفاتها قريب، فخفت أن تتوفى والدتك دون أن ترى ليلى أو تراها ليلى. فأتيت بها وحاولت أن اقنع ليلى أن تدخل لتراها وان تعفو عما سلف وليلى تستطيع أن تخبرك بذلك.
نظر إلى ابنة أخيه فهزت رأسها بالموافقة على ما قاله. أكمل بهدوء: لم تخبرني حينها أن والدتك تحتاج إلى إجراء عملية لزرع الكبد وان ليلى تستطيع أن تنقذ حياتها.
رد بلال سريعاً: نعم لم يكن هذا الاحتمال قائماً لأننا لم نكن على علم بوجود ليلى، وجاء بالصدفة وأنا أتحدث مع الطبيب. وعندما علم بوجود أخت ثالثة لنا اخبرني أنها ربما تستطيع مساعدة ماما.
أومأ برأسه موافقاً: وأنا أصدقك ولا اتهمك بالتلاعب معي ولكني أرد على أسئلتك، وعندما أخبرتني أنت بهذا الحل حاولت مراراً أن أتكلم مع ليلى ولكنها كانت ترفض التحدث معي بشأنكم. حاولت أن اخبرها باتصالاتك ولكنها رفضت ذلك أيضاً، بل إنني سجلت رقم هاتفك بهاتفها وقلت لها اجعليه للضرورة معك، فمن الممكن أن تحتاجينه في يوم من الأيام، ووافقت حينها على مضض.
تنهد بحرقة وهو يتبع: وما جعلني أعود في طريقة تفكيري هو إصرارك على أنها ستأتي وتمضي بقية حياتها معكم، وكأنه ليس وجود لي.
ثم نظر له بقوة: قررت الأمر دون أن تشاورني بالأمر أو حتى تتأكد من موافقة ليلى عليه، أخبرتني به مرتين وكأنه أمر واقع علي أن أتقبله واعتاد عليه. أغضبني ذلك جداً وقررت أن ليلى لن تذهب إليكم ولن تفعل ما تريده منها. كيف اترك لك ابنتي هكذا و بعد كل تلك السنوات؟ حلفت حينها في وقت غضبي أن ليلى لن يكون لها أي علاقة بكم، ولذا فعلت ما فعلته. لن أنكر أنني مخطئ ولكني لم استطع تقبل فكرة أن تتركني ليلى.
صاح بلال بغضب: لا يحق لك أن تفعل ما فعلته، ليس عليها أي حق لك، ولن تعُد معك مهما فعلت.
اتسعت عينا سيادة المستشار بغضب وهم بأن يرد عليه لتصيح هي بقوة: كفى.
قالتها قاطعة قوية، فالتفت إليها الاثنان لتقول بغضب وصوت قوي: كُفا عن تقرير أشياء تخصني وحدي.
ظهر التصميم على وجهها: أنا لست صغيرة الآن واستطيع تقرير ما أريده وان افعل ما أريد. لماذا تتعاملون معي على أنني حقيبة سفر ستحملونها مكان ما تريدون انتم.
نظرت إلى عمها وقالت بثورة: وأنت عمي لماذا تكرر أخطائك الماضية؟ ألم يكفك ما تألمته بسبب أنك لم تستطع الابتعاد عني. لم تفكر في شعوري أنا وأنا اشعر بأمي تتخلى عني. ألم تفكر في شعوري الدائم بأنني دخيلة على بيتك وأسرتك؟ ألم تر كيف كانت زوجتك تعاملني؟ ألا يكفيك ما تحملته في الماضي؟
نظرت له والألم يتجسد بعينيها: أنا أخبرك أنه يكفي عمي.
شعرت بغصة قوية وهي تتبع: بل يكفي ويزيد.
هم بالاقتراب منها لتصيح قائلة: لا بلال، لا أريد أحداً هنا الآن، اتركوني بمفردي قليلاً.
يتبع
|