كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
ملف المستقبل
الفصل التاسع ... دمار شامل
كانت مفاجأة حقيقية، لجميع القادة العسكريين، وحتى للقائد الأعلى للمخابرات العلمية نفسه، أن يصل رئيس الجمهورية شخصياً إلى مقر الاجتماع، على صورة مباغتة، ودون إعلان مسبق...
وعلى الرغم من كونه أعلى سلطة بالبلاد، فقد تم إخضاعه لكافة الوسائل والنظم الامنية، وبخاصة نظم الكشف الحرارية، التى تم استحداثها، بعد تحديد طبيعة الغزاة، قبل أن يلتقى بالقادة، فى حجرة الاجتماعات البلوًَّرية ...
وفى دهشة، لم يستطع إخفاءها، واجه القائد الأعلى رئيس الجمهورية، قائلاً:
- سيًَّدى الرئيس ... كانت مفاجأة حقيقية ان نتشرف بحضورك هنا، ولكننا سنستعرض مع فخامتك تطورات الموقف ، و...
قاطعه رئيس الجمهورية، فى توتر ملحوظ :
- نحن فى ظروف استثنائية أيها القائد الاعلى، وقد يدهشكم أننى على علم بتطوًَّرات الموقف .
بدت دهشة حقيقية على وجوههم، خاصة وأنهم كانوا يستعدون، قبيل وصوله مباشرة؛ لإبلاغه رسمياً بتلك التطوًَّرات، ولكنه تابع بنفس التوتر:
- لقد أخبرنى بها مندوباً (الصين) والولايات المتحدة، منذ أقل من ربع الساعة بالضبط .
تضاعفت دهشتهم، وإن لم يعًَّلق أحدهم على العبارة، فى انتظار المزيد من المعلومات، فتابع الرئيس :
- لقد رصدوا كل ما يحدث، عبر أقمارهم الصناعية، وكان علماؤهم يدرسون بالفعل سر انخفاض حرارة الشمس، وأمكنهم استيعاب الموقف كله .
سأله قائد القوات فى اهتمام :
- وهل يعرضون التعاون يا فخامة الرئيس ؟!
نقل الرئيس بصره بين وجوههم جميعاً، قبل ان يجيب، وتوتره يتصاعد:
- بل أبلغانى أن دولتيهما قد اتخذتا قراراً بالتدخًَّل الفورى .
بدا الغضب على وجوه الجميع، ونقله أركان الحرب إلى لسانه، وهو يقول مستنكراً:
- دون موافقتنا ؟!
أومأ الرئيس رأسه إيجاباُ، قبل أن يقول:
- لقد تحدًَّثوا عن الخطر الداهم، الذى يواجه الكوكب كله، وعن أنه ليس من حق (مصر) وحدها، فى مثل هذه الظروف، أن تتخذ القرار، وأن تتصدًَّى للغزو، دون الرجوع إلى الآخرين .
غمغم القائد الأعلى:
- هذا صحيح إلى حد ما .
اعتدل الرئيس، قائلاً:
- ولهذا كان قرار التدخًَّل .
وصمت لحظة، قبل أن يضيف:
- الفورى .
تبادل الكل نظرة متوترة، قبل ان يتساءل قائد القوات:
- وباية صورة يا فخامة الرئيس ؟!
التقط الرئيس نفساً عميقاً، فى محاولة لتهدئة أعصابه الثائرة، قبل أن يجيب فى صوت، حمل كل انفعالاته:
- بقنبلة .
شدًَّت الكلمة أعصاب الجميع، ودفعت القائد الاعلى، إلى أن يتساءل فى عصبية:
- أى نوع من القنابل ؟!
أجابه الرئيس، فى انفعال متزايد :
- قنبلة نووية محدودة .
فجًَّرت إجابته موجة من التوتر فى المكان، وجعلت قائد الطيران يقول فى عصبية:
- صحيح أنهم يعملون، ومنذ نهايات القرن العشرين، على تطوير القنابل النووية، بحيث تكون ذات تاثير محدود، وبقدر أقل من النشاط الإشعاعى اللاحق 1، إلا أن هذا سيعنى سحق منطقة (المقطم) بالكامل، وانتشار مقدار كاف من الأشعة النووية؛ لتدمير البيئة المحيطة بها، وتلًَّوثها لسنوات قادمة .
زفر الرئيس فى توتر، وهو يقول:
- أعلم هذا جيداً، ولقد واجهتهما به، ولكنهما أجابا بأن هذا لا يقارن بمصير كوكب كامل، يواجه خطر الفناء.
تمتم القائد الأعلى فى مرارة:
- وهما على حق .
أضاف الدكتور (فريد)، فى خفوت شديد :
- للأسف .
تبادل القادة نظرة أخرى متوترة، قبل أن يقول أركان الحرب:
- على الرغم من ألمنا لما سيحدث، إلا أنه يبدو وكأنه الحل الوحيد؛ لإنقاذ كوكب الأرض، وليس أمامنا سوى ان نتقبًَّله، بكل الحزن والأسف .
اعتدل قائد القوات، وهو يضيف:
- ولكن علينا العمل على إخلاء المناطق المحيطة فوراً، بعد أن قمنا بإخلاء منطقة (المقطم) من قبل.
أجابه الرئيس، وقد استعاد توتره:
- لقد أصدرت أوامرى بهذا بالفعل، وأنا فى الطريق لحضور اجتماعكم هذا .
سأله القائد الأعلى فى قلق:
- هل سيبدأ هجومهم قريباً ؟!
تنحنح رئيس الجمهورية، وهو يعتدل فى توتر شديد، مجيباً:
- طائراتهم فى طريقها إلى هنا بالفعل .
وتبادل الجميع نظرة أخرى، أشد توتراً...
فقد كان هذا يعنى أن الأمور قد تصاعدت، إلى الحد الأقصى ...
وأنها نهاية منطقة (المقطًَّم) ...
ونهاية فريق (نور) ...
تماماً ...
* * *
من أهم ما يتميًَّز به (أكرم)، عن باقى أعضاء فريق (نور)، وحتى عن (نور) نفسه، هو أنه مقاتل بالفطرة ...
مقاتل اعتاد المواجهة ...
وصنوف القتال ...
وخبر وسائل البقاء ...
وفى ظل أحلك الظروف ...
ولهذا، فقد بدأ قتاله، فور وصوله إلى المكان ...
ودون إضاعة لحظة واحدة ...
ولقد كان رد فعل (أيسول) سريعاً أيضاً ...
وفى لحظة واحدة تقريباً، انطلقت رصاصة (أكرم) نحو الجنرال، وانطلقت فقاعات (أيسول) المتفجًَّرة نحو (أكرم) ...
ووثب الجنرال إلى الخلف فى سرعة، محاولاً تفادى رصاصة (أكرم)، إلا أنه تلقًَّاها فى كتفه، قبل أن يختل توازنه، ويسقط أرضاً، وهو يصرخ فى رجاله بلغته غير الأرضية ...
أما فقاعات (أيسول)، فقد أصابت الجدار الثلجى، على قيد خطوة واحدة من (اكرم)، وانفجرت لتلقى هذا الأخير أرضاً...
إلا أنه أطلق المزيد من رصاصته، حتى وهو يسقط ...
وبكل قوته، وثب (نور) نحو (أيسول)، وهو يهتف:
- وصلت فى الوقت المناسب يا صديقى ...
أدًَّت انقضاضة (نور) إلى أن تنطلق فقاعة (أيسول) الثانية نحو الجدار الثلجى، بعيداً عن (أكرم)، الذى قفز أرضاً، وتدحرج مبتعداً، باحثاً عن هدف جديد، فى نفس اللحظة التى جذب فيها (أيسول) (نور) من خلف ظهره، فى قوة هائلة، وألقاه امامه فى عنف، صارخاً بلغة أرضية:
- ألم تتعلًَّم بعد، أن القتال اليدوى معنا بلا جدوى.
كان باقى الرجال يندفعون بأسلحتهم نحو (أكرم)، الذى أدرك أنهم يحاصرونه من كل جانب، ورأى أسلحتهم ترتفع نحوه، مما يوحى بحتمية خسارته لمعركته، إلا ان هذا لم يوقفه ...
وعلى الرغم من إدراكه أنها قد تكون معركته الاخيرة، أطلق (اكرم) رصاصاته نحو الغزاة، الذين اطلقوا فقاعاتهم المتفجًَّرة نحوه بدورهم، فدوت الانفجارات عنيفة فى المكان، ورأت (سلوى) جسد (اكرم) يندفع إلى الخلف، ويرتطم بالجدار الجليدى فى قوة، قبل أن يسقط ارضاً، فى نفس الوقت الذى ركل فيه (ايسول) (نور) فى وجهه، وهو يصرخ فى غضب هادر :
- كنت اعلم أنه ينبغى التخلًَّص منكم فوراً .
لم يعترض الجنرال هذه المرة، عندما صوًَّب (ايسول) سلاحه نحو (نور)، وإنما حاول إيقاف تلك الدماء الزرقاء، التى اندفعت من موضع إصابته، وتجمًَّدت فوراً على زيه العسكرى، وهو يصرخ فى رجاله بكلمات ما ...
ومع ذلك الموقف البائس، أشارت (نشوى) إلى ذلك الجهاز المعلًَّق بسقف الكهف الثلجى، صارخة:
- ذلك الجهاز يا (أكرم)..
التقط (اكرم) صرختها، وأدرك على الرغم من دقة موقفه، ان ذلك الجهاز، الذى أشارت إليه، يحمل حتماً أهمية كبرى، فألقى نفسه على ظهره، وتجاهل كل الانفجارات من حوله، وصوًَّب مسدسه فى دقة...
وأطلق النار ...
لم تكن قد تبقًَّت فى خزانة مسدسه سوى ثلاث رصاصات، أطلقها كلها نحو ذلك الجهاز بلا تردًَّد ...
ومع رصاصته الثالثة، دوت فى المكان فرقعة مدوًَّية ...
ثم انبعث من ذلك الجهاز شرارات عنيفة ...
ومن قلبه، تصاعدت أبخرة زرقاء كثيفة ...
ومع تصاعدها، توًَّقف القتال دفعة واحدة ...
ومن عيون الغزاة، اطلًَّت نظرة ذعر ...
كل الغزاة ...
حتى (أيسول) ...
والجنرال ...
وفى ارتياح، غمغمت (نشوى) :
- كنت على حق .
سألتها (سلوى) فى انفعال:
- أهذا ما كان يجعل المكان بارداً هكذا؟!
أجابها (رمزى) :
- بكل تاكيد .
أما (أكرم)، فقد نهض فى بطء، ممسكاً مسدسه فى قوة، وهو يغمغم :
- رباه! ... ماذا فعلت رصاصاتك يا (أكرم)؟!
أجابه (نور) فى ارتياح :
- ربما تكون قد أنقذت الأرض يا صديقى.
بدا الجنرال شديد الغضب، وهو يلقى أوامره لرجاله، الذين أسرعوا يرتدون أزياءهم الواقية، وإن ظل بعضهم يصوًَّب أسلحة إلى (نور) وأفراد فريقه، وبخاصة (أكرم)، فقال (نور) فى حزم :
- أظنكم قد خسرتم معركتكم.
أجابه الجنرال فى غضب:
- هراء .... ربما ترتفع درجات الحرارة هنا، مع مرور الوقت، ولكن كل معلومات عالميكما، انتقلت إلينا بالفعل، ومفاعل توليد الطاقة السلبية بدأ عمله كما ترى .
قالها، وهو يشير إلى شاشة رفيعة، فى الركن القريب من جهاز (آتوترون)، يتحًَّرك فوقها شريط من ضوء أحمر، فى سرعة واضحة، ثم تابع فى حدة:
- عندما يصل ذلك الضوء إلى نهاية الشاشة، سيعنى هذا أن جهازكم، الذى تطوًَّر كثيراً عما كان عليه، قد تم شحنه بطاقة سلبية جبًَّارة، تفوق بالف ضعف تلك الطاقة، التى خفضت درجة حرارة سطح شمسكم، وفور اكتمال الشحن، سيطلق الجهاز تلك الطاقة السلبية الجبًَّارة، نحو الشمس، التى ستبدو كما لو انها قد صارت شمساً باردة، لا تلقى عليكم ذلك الدفء، الذى اعتدتموه منها .
والتهبت عيناه، وهو يضيف بمنتهى المقت:
- وسيعنى هذا الفناء العاجل، لعالمكم كله .
ثم رفع رأسه فى اعتداد، مضيفاً :
- وبداية الحياة لعالمنا .
نطق عبارته الاخيرة، وشريط الضوء الأحمر يقترب من نهاية الشاشة ...
ونهاية الارض ..
بمنتهى السرعة ...
* * *
" الطائرات الصينية تقترب من مجالنا الجوى"...
قالها قائد الطيران فى توتر، وهو يراقب شاشات الرصد، قبل أن يضيف، فى شئ من الحدة، لم يستطع كتمانها، على الرغم من وجود الرئيس :
- لم اكن أتصوًَّر أن يأتى يوم، أسمح لطائرات مقاتلة أجنبية، بعبور مجالنا الجوى، وهى تحمل أسلحة دمار شاملة .
قال رئيس الجمهورية، وهو يكتم توتره:
- لقد اتفقنا على أننا نمر بظروف استثنائية ... ثم أن القنبلة التى تحملها تلك الطائرات، ليست قنبلة تقليدية، وليست ذات تأثير مدمًَّر شامل، كتلك التى ضربت (اليابان)، فى نهاية الحرب العالمية الثانية، وتركت تأثيرات إشعاعية، دامت لما يقرب من ربع قرن، فى المنطقة المحيطة بها .
غمغم القائد الأعلى فى قلق:
- أخشى أن معرفتنا بهذا لا تتجاوز ما أعلنه الصينيون أنفسهم، عن التطويرات التى أحدثوها، فى القنبلة النووية الحديثة، ولا هم أو الأمريكيون، أطلعونا على نتائج اختباراتهم، فى هذا الشأن ...
أضاف قائد القوات، فى قلق مماثل:
- ثم ماذا لو أنهم يحاولون اختبار قنبلتهم النووية الجديدة على أرضنا، كما فعل الامريكيون فى الحرب العالمية الثانية؛ فلقد أطلقوا قنبلتهم الانشطارية، التى اطلقوا عليها اسم (الولد الصغير)، على مدينة (هيروشيما) اليابانية، فى السادس من أغسطس 1945 م، وكانت تكفى لإنهاء الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من هذا، فقد ألقوا قنبلتهم النووية الثانية، والتى أطلقوا عليها اسم (الرجل البدين)، على مدينة (ناجازاكى)، بعد ثلاثة أيام فحسب .
إنبرى قائد القوات الجوية يضيف فى توتر:
- هذا لأن القنبلة الثانية كانت قنبلة اندماجية، وليس انشطارية، مثل الأولى، ولقد أزهقوا آلاف الأرواح، فقط لأنهم أرادوا المقارنة بين تأثير القنبلتين، الانشطارية والاندماجية، ولهذا اختاروا مدينتين، لهما نفس المساحة وبهما نفس عدد السكان تقربياً .2
أدار الرئيس عينيه فى وجوه الجميع، فى توتر بالغ، قبل ان يتساءل:
- ألديكم حل آخر ؟!
أجابه القائد الاعلى فى سرعة:
- الحل الوحيد لا يكمن هنا .
استدار إليه الرئيس فى تساؤل، فأكمل فى حزم:
- إنه يكمن هناك، فى قلب وكر الغزاة .
تزايد التساؤل، المطلًَّ من عينى الرئيس، مما جعل القائد الاعلى يميل نحوه، متابعاً:
- يكمن فى الفريق ... فريق (نور)...
قالها، دون أن يدرى أن فريق (نور) كان فى تلك اللحظة بالذات، يبحث عن الحل ...
الحل الأخير ...
والأمل الأخير ...
لعالمنا كله ...
* * *
" ألق سلاحك يا هذا ..."..
قالها (أيسول) فى صرامة شديدة، وهو يصوًَّب سلاحه إلى رأس (اكرم)، فى نفس الوقت الذى انتهى فيه فريق الغزاة، من ارتداء الأزياء الواقية، واستبدل بعضهم موقعه، مع الذين كانوا يصوًَّبون أسلحتهم إلى الفريق، فرفع (اكرم) مسدسه، وهو يقول فى عصبيته المعتادة:
- لقد نفدت رصاصاته .
كرًَّر (ايسول) فى حدة:
- ألقه .
رفع (أكرم) مسدسه إلى رأسه، وضغط زناده، فصدرت عنه تكة معدنية، تشف عن خلو خزانته من الرصاصات، وهو يقول، فى عصبية متزايدة:
- ألا يمكنك فهم لغتنا يا هذا ...إنه فارغ .
صرخ (أيسول) فى تحفز:
- قلت : ألقه .
التفت (نور) إلى (أكرم)، قائلاً:
- ألقه يا صديقى، فهذا الوغد سيسعد بقتلك، بحجة أنك لم تفعل .
مطًَّ (أكرم) شفتيه فى امتعاض، وهو يغمغم:
- ليس من السهل أن يتخلى المرء عن سلاحه .
التقت نظراته بنظرات (نور)، وهو يفلت سلاحه، ويتركه يسقط أرضاً ...
وفى عينى (نور) قرأ (أكرم) شيئاً ...
قرأ فكرة ...
وخطة ...
وفى زهو ظافر، قال الجنرال، وهو يعقد كفيه خلف ظهره، وينتفخ كالطاووس:
- بعد أقل من دقيقة واحدة، سيبلغ هذا المؤشر نهايته، وسيكون جهاز (آتوترون)، الذى صنعتموه لحمايتكم، هو السلاح الذى سيقضى على كوكبكم.
تبادل (نور) ورفاقه نظرة صامتة، قبل أن يقول:
- هل سمعت يا (أكرم) .... أقل من دقيقة.
اتجه (أكرم) نحوه، وهو يقول فى توتر:
- دعنى أصافحك خلالها إذن يا (نور)، فقد كان شرفاً لى، أن أعمل معك، وأن أنضم إلى هذا الفريق الرائع .
تحرًَّك سلاح (أيسول) معه فى تحفًَّز، حتى بلغ (نور)، ومد يده ليصافحه، وهو ينظر إلى عينيه مباشرة، قائلاً:
- قل لى يا صديقى: فى أقل من دقيقة، ما الذى يمكن أن تفعله؟!
أجابه (نور) فى حزم:
- الكثير .
ما حدث بعد كلمة (نور)، كان مفاجأة للجميع بلا استثناء ...
ففى سرعة مدهشة، اعتمد (أكرم) على كتفى (نور)، ووثب بقدميه، ليركل بهما معاً وجه (أيسول)، بكل ما يملك من قوة ...
ومع المفاجأة، سقط (أيسول) أرضاً، وانطلقت من سلاحه فقًَّاعة متفجًَّرة، انفجرت فى سقف الكهف، فتساقطت العناقيد الثلجية منه، لترتطم بأجهزة الغزاة فى قوة ....
وتراجع الجنرال فى دهشة غاضبة، فى نفس الوقت الذى أفلت فيه (أكرم) كتفى (نور)، وترك هذا الأخير ينقض على (أيسول)، فى حين ترك هو جسده يسقط أرضاً، وهو ينتزع من جيبه خزانة رصاصات إضافية ...
وفى سرعة مدهشة، اكتسبها من التدريبات المستمرة، فى قاعة المخابرات العلمية، التقط مسدسه التقليدى من الأرض، وضغط زر إفلات خزانته، ثم دفع الخزانة الجديدة داخله، و(نشوى) تندفع نحوه، صارخة:
- الجهاز ... الجهاز يا (أكرم).
كان (نور) يعلم أن قتاله مع (أيسول) خاسر حتماً، مع القوة الهائلة، التى يتمتع بها هذا الأخير، وعلى الرغم من هذا، فقد تشبًَّث به بكل قوته؛ ليفسح المجال لزميله (أكرم)، الذى أدار فوهة مسدسه فى سرعة نحو الجهاز، وأطلق رصاصاته...
كل رصاصاته ...
وأمام عيون الجميع، تحطمت شاشة الجهاز، وتحطًَّم مؤشرة، الذى كاد يبلغ نهايته، وأطلق الجنرال صرخة غضب هائلة، فى نفس اللحظة التى رفع فيها (أيسول) (نور) عنه، وهو يصرخ:
- كان ينبغى أن تموتوا منذ اللحظة الأولى.
وعلى الرغم من أن باقى الغزاة كانوا يندفعون نحوه، وثب (أكرم) نحو (أيسول) بدوره، وهو يهتف:
- لكم نقطة ضعف حتماً، مثل كل مخلوق حى .
وبكل ما يملك من قوة، دفع سبًَّابته ووسطاه فى عينى (أيسول)، الشبيهتين بكرتين من الثلج، و...
ولأوًَّل مرة، صرخ (أيسول) ...
صرخ عندما تفجًَّرت عيناه، ككرتين من الثلج بالفعل، وسال منهما سائل شفاف، له برودة الماء المثلًَّّج ...
وأفلت سلاحه من يده ...
وفى سرعة مدهشة، التقط (نور) سلاح (أيسول)، قبل أن يبلغ الأرض، واستدار فى الهواء، يطلق فقاعاته المتفجّرة، نحو كل ما رآه امامه ...
نحو الغزاة ...
والجنرال ...
و(آتوترون) ...
ومع سقوط (أيسول) أرضاً، وهو يتلًَّوى ألماً، دفع (أكرم) فى مسدسه خزانة الرصاصات الاخيرة، فى نفس الوقت الذى صرخ فيه الجنرال فى رجاله ...
ولكن (أكرم) أطلق رصاصاته، كما لو أن تلك الأطباق فى مركز التدريب، هى التى تنقض عليه الآن ...
وصرخ الجنرال مرة أخرى، وهو يرى مقاتليه يتساقطون ...
صرخ ...
وصرخ ...
وصرخ ...
وامتزج صراخه بدوى رصاصات (أكرم)، وانفجارات تلك الفقاقيع العجيبة ...
وانفجرت فقاعة إلى جوار (سلوى) و(نشوى)، وألقتهما أرضاً، ولكن (رمزى) قفز نحو سلاح أحد المقاتلين، الذين أسقطهم (أكرم)، والتقطه؛ لينضم إلى القتال ...
وشعر (نور) بشظايا الثلج تخترق جسده، فى حين بدا صدر (أكرم) مغرقاً بالدماء، واندفع (رمزى) إلى الخلف، إثر فقاعة متفجّرة، كادت تودى به ...
ثم فجأة، توًَّقف القتال ...
هذا لأنه لم يتبقى مقاتل واحد من الغزاة ...
كلهم سقطوا، مع تلك المبادرة المباغتة ...
وكل من تبقى هو الجنرال، مع الفريق العلمى، الذى يشرف على إطلاق (آتوترون) ...
وفى دهشة، غمغم (نور):
- هل انتصرنا حقاً؟!..
نهض (أكرم) فى دهشة مماثلة، وهو يصوًَّب سلاحه إلى الجنرال، مغمغماً فى عصبية:
- يبدو هذا يا صديقى ... لقد أطلقت رصاصاتى على كل من كان يحمل سلاحاً .
حاول (رمزى) النهوض بدوره، وهو يقول فى توتر:
- لم يكن هناك العديد منهم .
بدا الجنرال شديد الغضب، وهو يقول:
- هل تصوًَّرتم أنكم بهذا قد ربحتم المعركة؟!
أجابه (نور) فى حزم:
- ألك رأى آخر أيها الغازى؟!
أشار الجنرال إلى جهاز (أتوترون)، وهو يقول :
- بل جهازكم هذا له ذلك الرأى الآخر أيها البشرى .
تساءلت (سلوى) فى قلق:
- مالذى يعنيه هذا ؟!...
غمغمت (نشوى) فى توتر:
– أظننى أعلم ما الذى يعنيه يا أمى.
تابع الجنرال بنفس الغضب، وكأنه لم يسمعهما:
لقد صنعتم هذا الجهاز منيعاً أيها البشر ... حتى أسلحتنا لم تكن لتوقفه ... وذلك المؤشر، الذى أصبتموه، ليس سوى واجهة خارجية فحسب، تماماً مثل الشاشة، التى حطمتها رصاصاتكم البدائية.
واشتعلت عيناه الثلجيتين على نحو عجيب، وهو يضيف:
- ولكن الجهاز يواصل عمله فعلياً.
مع قوله، ظهرت دائرة شفًَّافة فى سقف الكهف، فوق جهاز (آتوترون) تماماً، وراحت تتسع فى سرعة، قبل أن تختفى، وتصنع ممراً واسعاً، يصعد إلى السطح، حتى لقد بدت السماء فى نهايته واضحة ...
وبصوت أشبه بضحكة عصبية، أكمل الجنرال فى شراسة:
- بعد ثمانين ثانية فحسب، سيطلق (آتوترون) أشعته السلبية الجبّارة، عبر ذلك النفق مباشرة، نحو شمسكم مباشرة.
وتألقت عيناه فى شدة، وهو يضيف:
- وبرنامجه غير قابل للإلغاء ...
بدا توتر شديد على وجوه الجميع، والجنرال يهتف، فى ظفر وحشى :
- الآن يمكنكم أن تقولوا وداعاً لعالمكم، فأنتم تشهدون لحظاته الأخيرة.
قالها، وراح يضحك على نحو هستيرى ...
وردًَّدت جدران الكهف الثلجى ضحكاته، التى بدت أشبه بضحكات ألف شيطان ...
ألف شيطان من ثلج ...
وحشى.
* * *
الفصل القادم هو الفصل الأخير
|