المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
آله حاسبه ودبدوب
أهلاً بكل أعضاء ليلاس الكرام
أتشرف بأن أعرض عليكم روايات قصيرة بعنوان
آلة حاسبة و دبدوب
" اتفضل يا أكرم "
قالتها زوجة أكرم و هي تناوله ورقة مطوية ثم أردفت قائلة :
الورقة دي فيها الحاجات اللي احنا محتاجنها ، يا ريت متنساش تشتريها و انت راجع من شغلك .
قال أكرم و هو يضع الورقة في جيبه : متخافيش مش هنسى.
قالها ثم أسرع خارج المنزل و كأنما يود الهرب من أي طلبات أخرى .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كان أكرم في طريقه إلى خارج مقر عمله عندما استوقفه زميله رمزي قائلاً : استنى يا أكرم اخدك معايا في سكتي لبيتك .
قال أكرم مبتسماً : شكرا يا رمزي بس لسه هشتري شوية حاجات قبل ما أروح .
قال رمزي : و ايه المانع ؟! اخدك معايا برضو
قاوم أكرم رغبته الشديدة في الموافقة و قال : لا ، مش عاوز اعطلك ، اتكل انت على الله .
و استمر محاولات الاقناع من رمزي و لكن استمر أكرم في العناد ، حتى لم يجد رمزي بداً من الإذعان لرغبته أمام تصميمه ذاك .
خرج أكرم من عمله و قد كان في شدة السخط و قال لنفسه غاصباً : يا سلام على غبائي ، كان لازم البس ثوب المروءة دلوقتي ، ده انا استاهل اللي يجرالي في المواصلات .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
وصل أكرم بعد عناء شديد و متوقع في الحافلات العامة إلى تلك السوق الكبيرة في تلك المنطقة النشطة في القاهرة و طالما ما كان يصيبه الذهول من كم ما تحتويه تلك السوق من سلع و منتجات مختلفة ، كل شيء كان يُمكن أن يتواجد هناك ، كل شيء ( ربما باستثناء الطائرات و السفن و مركبات الفضاء و القنابل النووية )
أخرج أكرم الورقة التي تحوي بين طياتها قائمة المشتريات ثم وقعت عيناه على أول طلب و قد كان " آلة حاسبة لحل المعادلات "
طوى أكرم الورقة قائلاً : فين أيام لما كنا بنشغل دماغنا في الحسابات ، هي الرفاهية الزيادة دي هي اللي خربت عقولنا .
توجه أكرم إلى أقرب المتاجر التي تبيع المستلزمات الدراسية من أقلام و دفاتر و غيرها و هناك وجد أعداداً و أنواعاً لم يتصور وجودها قبلاً قط !
و كذلك أسعاراً متباينة تبدأ من شبه الصفر إلى شبه المليون !
و تمنى لو كان كُتب بجوار كلمة آلة حاسبة كلمة " بأرخص سعر ممكن " لكان الان في أفضل حال ، و لكنه لم يجد مفراً من أن يطلب من البائع ذلك النوع الذي حُدِدَ له .
و لكن فُوجئ بالبائع يُبسط أمامه أكواماً من العُلب التي تحوي بداخله الآلات الحاسبة فقال له مندهشاً : ايه كل ده ؟! أنا طلبت آلة واحدة بس مش كل ده !
قال له البائع : في أكتر من موديل من النوع اللي حضرتك طلبته ، و دي معظم الموديلات من النوع ده ، حضرتك اختار اللي يعجبك .
قال أكرم بدون أن يتلاشى ذهوله : حتى الآلات الحاسبة بقى فيها موديلات !
ثم أخذ يفتش وسطها قائلاً : بس أنا عارف أنا هجيب ايه .
و آخذ أكرم يتناول كل واحدةً على حدى فيفحصها من جميع الجوانب من الداخل و من الخارج و ربما ساعده على ذلك البحث انشغال البائع بتعاقب الزبائن على المتجر .
و بعد فترة ليست بالقصيرة ، فحص خلالها أكرم كل ما أمامه تقريباً توجه برأسه و الذي تصبب عرقاً للبائع قائلاً : طلبي مش موجود في دول ؟
قال له البائع في استنكار و كأنما انتبه إليه أخيراً : و هو ايه طلب سيادتك ؟!!
قال له أكرم طلبه ، فقال له البائع : و ليه سيادتك مقلتش طلبك من الاول ، لا معندناش و معتقدش انه عند أي حد تاني .
لم ينبس أكرم ببنت شفة و خرج من المتجر في صمت !
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
توجه أكرم إلى ذلك المتجر الكبير آملاً أن يجد رغبته فيه ، و هناك تكرر نفس الموقف السابق ، دخل أكرم المتجر و طلب ذلك النوع من الآلات منه ثم بسط البائع أمامه موديلات مختلفة فأخذ أكرم يفحصها كلها بنفس الصورة العجيبة تلك ، و لم يلبث أن أنتهى من فحصه ذاك بدون نتيجة إيجابية ، و تكرر سؤال البائع عما يريده أكرم ، و تكررت الاجابة ، و تكرر النفي من البائع !
و تكرر ذلك الموقف مرات عدة ، قبل أن يتسلل اليأس أخيراً إلى قلب أكرم فقال في إحباط : نأجل موضوع الالة الحاسبة دي شوية و ننقل على اللي بعده .
فأخرج الورقة المطوية من جيبه ثم فضها و نظر إلى الطلب الثاني في القائمة و الذي كان " ساعة يد ( عقارب ) " للمدام
و بالنسبة له كان من السهل جداً أن يجد متجراً لابتياع تلك الساعة المطلوبة و لكن مادياً لم يكن الأمر بتلك السهولة قط .
و لكنه لم يجد مفراً من التنفيذ .
و في حيرة شديدة أخذ ينظر لواجهات المتاجر في انبهار ، كانت الساعات ذات أشكالا ً و ألواناً تسيل اللعاب بحق ، و لكن انبهاره هذا لم يكن بسبب جمالها فحسب ، بل كان بسبب سعرها أيضاً .
و بعد فترة من التحديق في واجهات المتاجر المختلفة استقر أخيراً على متجر اعتبره الارخص نسبياً .
و بخطوات مرتعشة ، دخل أكرم المحل
ابتسم له البائع قائلاً : أهلاً و سهلاً يا أستاذ ، آمر
رد أكرم : عاوز ساعة حريمي عقارب و احم .. سعرها يكون معقول .
و بسرعة عجيبة و كأنما يعرف طلب أكرم مسبقاً دس البائع يده في كومة من أكوام الساعات الهائلة و أخرج له ساعة ذات لون فيروزي هادئ و لامع .
أنبهر أكرم أشد الانبهار بتلك الساعة فقال للبائع : تسمحلي اشوفها ؟
ناوله البائع الساعة قائلاً : ده أكيد اتفضل
أخذ أكرم يفحص الساعة بنفس طريقة فحصه للآلات الحاسبة .
و بعد أن أنتهى من فحصها التفت إلى البائع مبتسماً :
حلوة أوي الساعة دي ، زي ما أنا عاوز بالظبط ، قولي بقى بكام ؟
رد البائع بابتسامة أكبر : ب XXXX جنيه .
تلاشت ابتسامة أكرم و قال سريعاً : وحشة اوي الساعة دي ، لونها مش ظريف و مش بنفس المواصفات .
صمت ثم أردف : شوفلي أرخص حاجة عندك .
قال البائع في دهشة : زي ما حضرتك عاوز !
أخذ البائع يبحث وسط أكوام الساعات الموجودة و أخيراً أخرج له ساعة تبدو أقل بهجة و ناولها لأكرم قائلاً : اتفضل دي أرخص ساعة في المحل .
تناول أكرم الســـــــاعة من البائع قائلاً : و دي بكام ؟
رد البائع : ب XX
قال أكرم مبتسماً : كويس
قالها ثم بدأ فحصه المعتاد ، بدأ من واجهة الساعة ، ثم أخذ يفحص جانبيها في عناية بالغة ثم إلى غطائها ، و فجأة تكرر ما يحدث في كل مرة ، تلاشت ابتسامة أكرم و حل محلها عبوس و غضب و أعطى الساعة للبائع في حنق قائلاً : ده كتير ، كتيـــــــــــــــــــر أوي
أخذ البائع الساعة من أكرم في عناية قائلاً في تعجب : فيه ايه يا استاذ مالك ؟ هي الساعة معجبتكش و لا ايه ؟
و لكنه سؤاله هذا تردد بلا جواب .
و ذلك لأن أكرم كان قد غادر المتجر.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تكرر ذلك السيناريو مجدداً في ما بقي من قائمة المشتريات
فقد كاد أكرم أن يكسر خلاطاً كهربائياً في محل الادوات المنزلية بعد أن أجرى عليه ذلك الفحص الروتيني ، و الذي آثار غضبه كذلك .
و دخل أبضاً في معركة شرسة مع دمية في محل ألعاب الاطفال ، بعد أن لمح في القائمة كلمة " دبدوب " بعد أن تكرر نفس الفحص العجيب .
و في النهاية وجد أكرم نفسه عائداً للمنزل متأخراً بعدة ساعات ، و الأسوأ من ذلك أنه عاد خالي اليدين ! بدون شراء شيء واحد من تلك القائمة !!!
و خطا إلى داخل المنزل بهدوء و هو يقدم قدم و يؤخر أخرى .
و أخيراً أصبح أكرم داخل المنزل و لكن لم يكد يدخل حتى فوجئ بزوجته أمامه كما لو كانت تتربص به ، لاحظت هي تلك الصدمة المرتسمة على وجهه فقالت : ايه اللي آخرك كده يا باشا .
قال أكرم في توتر : كــــ ... كنت فيـــ ، في الشغل ، و بعدين رحت عشان اشتري الحاجات .
قالت له في دهشة : بس أنا مش شايفاك شايل حاجة يعني .
قال لها و قد تضاعف توتره مرات و مرات : اصلي .... اصلي
قالت له في غضب : اصل ايه ؟
قال أكرم : اصلي مشتريتش حاجة .
قالت في ثورة : افندم ، امال كنت بتهبب ايه كل ده ؟!
رد أكرم : كنت بدور بس ملقيتش حاجة من اللي انتوا عاوزينها .
قالت : انت هتستعبط يعني ايه ملقيتش ، الحاجات دي تلاقيها في اي حتة .
فسر لها مع حدث ، و لكن يبدو أن التفسير لم يرُق لها كثيراً و لذلك نشبت المعركة المرتقبة في المنزل
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
في اليوم التالي و برغم ما حدث معه من مشاكل في ليلته الماضية ، ذهب أكرم إلى عمله مبتسماً لسبب ما .
و بعدما أنهى عمله بدا عليه الارهاق ، و لكنه تناسى كل ذلك و أتجه إلى مديرة مكتب المدير و سألها قائلاً : اقدر ادخل ؟ عندي ليه موضوع مهم .
ردت قائلةً : ثواني ، ادخل ابلغه , قالتها ثم وقفت و اتجهت إلى باب المكتب فطرقته ثم دلفت إلى الداخل ، و بعد لحظات خرجت إليه قائلةً : اتفضل ادخل .
تهللت أسارير أكرم ، و توجه بسرعة إلى باب المكتب فطرقه و انتظر حتى أُذن له بالدخول ثم فتح الباب ، و دلف إلى الداخل .
و في الداخل كان المدير جالساً على كرسيه المعتاد ، و أمامه شخص طويل أسود الشعر و العينين ، أخذ يرمق أكرم بنظراتٍ فاحصةٍ ، توجه أكرم إلى المدير و صافحه و فقال له المدير : أهلاً بأكرم الموظف المجتهد ، سلم على أستاذ حلمي ، المدير الجديد لمركز التصميم .
صافحه حلمي قائلاً : أهلاً بيك يا أكرم .
قال أكرم : أهلاً بسيادتك يشرفني التعرف عليك ، و خصوصاً في الوقت ده .
نظر إليه حلمي بتساؤل : قصدك ايه ؟
قال أكرم بحماس : أنا عندي اقتراح حلو جداً لتطوير الانتاج في المصنع .
قال له المدير : طيب اتفضل اقعد و قول اقتراحك يا سيدي .
جلس أكرم على الكرسي المجاور لكرسي حلمي ثم قال : أنا أقترح أننا بدل ما نكتفي باستيراد المنتجات و نجمعها و بس ، اننا ننتج احنا المنتجات دي ، نستورد المواد الخام المتوافرة بكثرة ، و بخبرات العاملين في المصنع ، نقدر نصنع منتجات أكثر جودة ، و الربح هيكون أكبر .
رمقه حلمي بنظرة ساخرة ....
.... و قال له المدير : الموضوع مش سهل يا أكرم ، و هيعملنا مشاكل و وجع دماغ على الفاضي ، خلينا كده كويسين .
قال أكرم : لكن يا سيادة المدير ....
قاطعه حلمي ساخراً : انت بتشتغل ايه في المصنع يا أكرم ؟!
رد أكرم وقد أدهشه السؤال : بشتغل في قسم الواردات في المصنع .
قال حلمي بسخرية أكبر : طيب يعني مفيش علاقة بينك و بين المواضيع ، المفروض انك تسعى لتطوير الواردات مش العكس !
قال أكرم في محاولة للتماسك : انا بقترح اللي في مصلحة المصنع يا افندم
قال حلمي في غضب : بقولك ايه الموضوع ده في اختصاصي أنا ، بلاش تتدخل فيه ، انت مش هتعرف مصلحتنا أكتر مننا .
قال أكرم و قد شحب وجهه في شدة : بس أنا ...
قاطعه المدير هذه المرة قائلاً : كفاية يا أكرم كفاية .
التفت إليه أكرم ، فتابع : انت تشيل الموضوع ده من دماغك خالص .
قال أكرم : لكن يا افندم ..
قاطعه المدير مجدداً قائلاً في حزم : مع السلامة يا أكرم ، مع السلامة .
أحس أكرم بوخزة في صدره ، عندما أدرك أكرم أنه لا جدوى من النقاش ، و شعر بأنه حلمه قد تلاشى .....
..... و للابد
و خرج من باب المكتب و قد وصل مقدار ما يشعر به من يأس و إحباط و مرارة إلى الذروة
و عندما خرج من باب المكتب ، اخرج من جيبه ورقة مطوية ، تلك الورقة التي كانت تحوي قائمة المشتريات التي أبى أن يشتري منها شيئاً أمس .
و لكن في ذلك اليوم ، قرر الذهاب إلى ذاك السوق مجدداًُ
لشراء كل ما في تلك القائمة
و سواء وجد ما يرغب به أم لا
فسوف يشتريها ..
... كلها
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" الأكل جاهز يا أكرم "
اخترقت تلك الجملة أذنيه و بدت له كدوي ألف رصاصة في وسط حاجز الصمت الناتج على جريان بحر الذكريات في رأسه .
أعادته تلك الجملة إلى عالم الواقع
فوقف على قدميه بصعوبة بالغة و توجه نحو باب الغرفة للخروج .
و في طريقه رأى تلك الاشياء التي كان قد اشتراها منذ قليل
آلة حاسبة ، و ساعة يد ، و خلاط كهربائي ، و دمية .
و في أسى أخذ ينظر إلى تلك الاشياء ، و رأى تلك الجملة التي لم يكن يرغب برؤيتها قط ،
تلك الجملة التي بدت له الان و كأنما تتعمد إغاظته و التي كانت تستثيره كلما رآها
تلك الجملة التي غزت كل شيء نراه الان حتى كادت أن تغزو البشر أنفسهم و لذلك لم يتحمل رؤيتها طويلاً فخرج سريعاً للهرب من رؤيتها
... تلك الجملة التي كان تتكون من ثلاث كلمات فحسب و لكن قصتها تُحكى في ثلاث مجلدات
... تلك الجملة التي كانت :
" Made in China "
|