السلام عليكم
الفصل الثالث عشر .. ذلك الآخر
تململ (قدرى) فى مكانه متوتراً، مع تلك القيود القوية، التى تربط معصميه خلف ظهره، مما يرهقه، ويثقل على أنفاسه، وغمغم فى سخط :
- ياللأوغاد !
تمتمت (منى)، وهى تحاول عبثاً التخلًَّص من قيودها :
- أظنهم يستخدموننا الآن، للسيطرة على (أدهم) .
قال فى حزم عجيب:
- (أدهم) سينقذنا .
حمل صوتها مرارة، وهى تقول :
- إننى أشاركك ثقتك هذه فى (أدهم)، ولكننى أظن أننا قد وضعناه الآن، فى موقف أسوأ من موقفنا .
أجابها فى ثقة شديدة :
- ولكنه سينقذنا .
حاولت أن تلتفت إليه فى دهشة، ولكن كل منهما كلن مقيداً إلى ظهر الآخر، مما جعل كل ما يمكنها هو ان تدير رأسها قليلاً إلى الجانب، وهى تقول :
- ألديك شئ لا أعرفه ؟!
أجابها فى حسم :
- بالتأكيد .
أرادت أن تسأله عما يعنيه هذا، إلا أن (فرناندو) دخل إلى الحجرة، فى هذه اللحظة، وقال فى صرامة، موجهًَّاً حديثه إلى (قدرى) :
- البارون يطلبك .
قال (قدرى) فى دهشة :
- أنا ؟!
لم يجبه (فرناندو)، وإنما أشار إلى أحد رجاله، فتقًَّدم ليفصل قيود (قدرى) عن (منى)، وهو يقول فى خشونة :
- انهض .
اجابه (قدرى) فى توتر :
- هل تعتقد أن هذا الجسد، يمكنه أن ينهض وحده، بقيود كهذه ؟!
أشار (فرناندو) إلى رجلين آخرين، بذلا جهداً حقيقياً؛ لدفع (قدرى) بجسده الضخم، إلى وضع الوقوف، ثم دفعاه أمامهما فى قسوة، وهو يهتف :
- و(منى) ... ماذا عن (منى) ؟!
كان يتحدث بالانجليزية، التى من الواضح أن أحداً بخلاف (فرناندو) لا يفهمها، بالإضافة إلى ان أحداً لم يتحًَّدث معه بحرف واحد، وهم يواصلون دفعه أمامهم، حتى بلغوا حجرة المكتب ...
وقبل ان يدخلها (قدرى)، رأى (أدهم) يقف فى منتصفها، إلى جوار البارون، على نحو يوحى بالود، فتساءل فى قلق بالعربية :
هل اتفقتما ؟!
آتاه صوت (أدهم) من ركن آخر، وهو يقول فى صرامة :
- هذا الوغد لا يفهم العربية .
ارتفع حاجبا (قدرى) بكل دهشته، وهو يلتفت إلى مصدر الصوت، ثم تحوًَّلت إلى ذهول، عندما وقع بصره على (أدهم)، المقًَّيد إلى الركن، فعاد ببصره مرة أخرى، إلى الواقف مع البارون، وصاح ذاهلاً :
- مستحيل !
أطلق البارون ضحكة ظافرة عالية، قبل ان يقول :
- هل رأيت يا سنيور (صاندو) ؟!... حتى صديقك الصدوق، لم يمكنه التمييز بينك، وبين شبيهك .
نقل (قدرى) بصره فى ذهول، بين (أدهم) وشبيهه، الذى كان نسخة طبق الأصل منه، فى ملامحه وهيئته، فأضاف البارون برنة انتصار واضحة :
- هذا ما يفعله المال أيها المصرى ... رجل يماثلك قامة، مع فريق أكبر وأشهر جراحى التجميل فى العالم، وبعدها يصبح لديك نسخة متقنة، من أشهر رجل مخابرات فى العالم .
لم يستطع (قدرى) النطق، من شدة ذهوله، فى حين قال (أدهم) فى صرامة :
- تحتاج إلى أكثر من مجًَّرد الشكل للفوز يا هذا .
ابتسم البارون، قائلاً فى ثقة :
- اترك لى هذه المشكلة .
ثم التفت إلى (قدرى)، قائلاً :
- هل أنت مستعد لتناول وجبتك الدسمة، يا سيًَّد (قدرى) ؟!
سأله (قدرى) فى عصبية :
- مقابل ماذا ؟!... انك لم تحضرنى إلى هنا، لتناول وجبة دسمة فحسب .
وضع البارون عقود المزرعة على سطح مكتبه، وهو يقول :
- أنت على حق أيها البدين .
قال (قدرى) فى حدة :
- من الذى تصفه بالبدين ؟!
أجابه فى صرامة :
- أنت أيها الدب ... هيا ...استخدم أصابعك الذهبية؛ لتضع توقيع السيد (أدهم)، بمنتهى الإتقان على هذه الأوراق .
تبادل (قدرى) نظرة متوترة مع (أدهم)، ثم قال فى صرامة :
- إننى أفضل الموت جوعاً .
بدا البارون ساخراً، وهو يقول :
- لا تتعجًَّل الأمر يا صاحب الأصابع الذهبية ... ثم أننى لا أعرض عليك الوجبة فحسب .
وقسا صوته مع ملامحه، وهو يضيف :
- إننى أعرض عليك رأس زميلتك الرقيقة أيضاً .
تضاعف توتر (قدرى)، وتبادل نظرة أخرى مع (أدهم)، الذى قال فى صرامة :
- وهل ستبقى على رأسيهما، بعد أن تحصل على ما تبتغيه يا هذا ؟1
هزًَّ البارون رأسه، وقال فى برود :
- لا يمكنك أن تضمن هذا، ولكننى بالتأكيد سأنسف رأس محبوبتك، أمام عينى هذا الدب، إن لم ينفذ أوامرى .
راح (قدرى) ينقل بصره، فى توتر كبير، بين (أدهم)، وشبيهه، والبارون، وبدأ عرق عجيب يتصبًَّب على وجهه، على الرغم من مكًَّيف الهواء القوى، فقال (أدهم)، فى كلمات بطيئة موزونة :
- نفذ ما يطلبه يا (قدرى) .
تطلع إليه (قدرى) بنظرة متشككة قلقة، ولكنه أومأ برأسه مضيفاً :
- إنه لن يتوًَّرع عن تنفيذ تهديده القذر .
تردًَّد (قدرى) لحظات، ثم قال فى حذر :
- لست أدرى كيف يوًَّقع (أدهم) اوراقه هناك .
ابتسم البارون فى سخرية، وهو يجذب ورقة، ويضعها أما عينى (قدرى)، قائلاً :
- لا عليك ... لقد أحضرت لك نموذجاً لتوقيعه .
تطلع (قدرى) إلى صورة التوقيع على الورقة، ثم عاد يلتفت إلى (أدهم)، الذى اومأ برأسه إيجاباً، فبدا الضيق على (قدرى)، وهو يقول :
- حلوا قيودى .
أشار البارون إلى (فرناندو)، فتقًَّدم يحل قيود (قدرى)، الذى فرك كفيه فى ألم، فى نفس الوقت الذى ناوله فيه البارون قلماً، وهو يشير إلى العقود، قائلاً :
- هيا ... ولاحظ أن لدى هنا خبير تزوير محًَّنك، يمكنه أن يكشف أى تلاعب، وعندئذ ...
لم يتم عبارته، ولكن مضمونها كان واضحاً، فتناول (قدرى) القلم، وصورة التوقيع، ثم اتجه ليجلس خلف مكتب البارون، وجذب العقود إليه، ثم راح يفحص التوقيع فى اهتمام، قبل أن يضع البارون أمامه عدسة مكًَّبرة، قائلاً :
- ستحتاج إليها .
أزاحها (قدرى) بعيداً، وهو يقول فى حزم، واضعاً يده على فمه :
- كًَّلا ..
استغرق دقيقة أخرى، فى فحص صورة التوقيع، ثم أمسك الاوراق بمنتهى الثقة، ووقًَّعها فى سرعة وبساطة، جعلت البارون يقول فى دهشة :
- هكذا ؟!
بدا الشك على وجه البارون، وهو يقول فى صرامة :
- أحضروا الخبير .
لم تمض ثوان على قوله، حتى دخل رجل أصلع قصير إلى الحجرة، وهو ينقل بصره بين الجميع فى توتر، فناوله البارون العقود، مع صورة التوقيع، واخرج الرجل عدسة كبيرة من جيبه، وراح يقارن بين صورة التوقيع، وذلك التوقيع على العقود، قبل ان يقول، فى انبهار شديد :
- مدهش !!...
ثم رفع عينيه إلى (قدرى)، مستطرداً بانبهار يتزايد :
- أنت فعلت هذا ؟!
مطًَّ (قدرى) شفتيه، دون أن يجيب، فى حين غمغم البارون غى حذر :
- وبمنتهى السرعة والبساطة .
ارتفع حاجبا الأصلع، فى دهشة مبهورة، ثم اندفع يمد يده إلى (قدرى)، هاتفاً :
- لى كل الشرف أن اصافحك يا رجل ... أنا خبير فى هذا المضمار، منذ أكثر من عقدين من الزمن، ولم أشاهد عملاً بهذا الاتقان قط !!
غمغم (قدرى)، والضيق مازال يملأ صوته، وهو يشيح بوجهه، عن اليد الممدودة نحوه :
- إنه مجًَّرد توقيع .
خفض الأصلع يده فى حرج، ولكنه واصل بنفس الانبهار :
- أستطيع أن أضمن لك ثروة طائلة، لو عملنا معاً لعام واحد .
قال (قدرى) فى حدة :
- دخلى من عملى يكفينى .
شعر البارون بالظفر والرتياح، وهو يقول :
- وماذا عن عرض بخمسة ملايين دولار، فى العام الواحد ؟!
رفع (قدرى) عينيه إليه فى دهشة، فمال البارون نحوه، وأضاف :
- وحياة زميلتك أيضاً .
انعقد حاجبا (قدرى) فى شدة، وهو يغمغم :
- وماذا عن (أدهم) ؟!
تألقت نظرة وحشية فى عينى البارون لحظة، ثم خبت فى سرعة، وهو يجيب :
- سيبقى هنا فى أرضه...وهذا وعد .
أدار (قدرى) عينيه إلى (أدهم)، الذى ظلًَّ جامداً، ولم تحمل نظراته أية دلالة، فى عينى البارون المتفحصتين، ولكن (قدرى) قرأ فيهما شئ ما ...
شئ جعله يبدو متردًَّداً، وهو يغمغم :
- هذا العرض يحتاج إلى تفكير .
أشار البارون بسبًَّابته، قائلاً فى صرامة :
- سامنحك ثلاث ساعات، وهى اطول مهلة منحتها لأية صفقة .
ثم أشار إلى (فرناندو)، فتحًَّرك رجاله ليعيدوا تقييد (قدرى)، ويدفعونه أمامهم إلى خارج الحجرة، وألقى هو نظرة اخيرة على (أدهم)، وهو يغمغم فى أسف :
- إنه عرض مغر للغاية .
وما ان غادر الرجال مع (قدرى) الحجرة، وخلت إلا من (أدهم) والبارون، تفحًَّص هذا الاخير العقود كلها، ثم عاد بها إلى ذلك المقعد المواجه لرجل المستحيل، وهو يقول :
- هكذا سحر المال، تكشف يوماً أن الأصدقاء المخلصين، ليسوا بالإخلاص الذى تتصوًَّره .
اجابه (أدهم) فى هدوء :
- هذا يتوًَّقف على مفهوم (الأكثر قوة) .
أطلق البارون ضحكة ظافرة، قبل أن يقول :
- القوة هى التى جعلتك تخسر أخر معاركك يا سنيور... سقطت أمامى فاقد الوعى، فى حين بقيت أنا واقفاً على قدمىًَّ فى النهاية؛ بسبب المصل المضاد لغاز (ماينهايم)، الذى استنشقناه جميعاً ... القوة هى التى أغرت صديقك بالتفكير فى عرضى ... أما عن الوعد الذى وعدته إياه، فسأكرًًَّره وأؤكًَّده لك أيضاً ...لو قبل العرض، فسأبقى بالفعل على حياة زميلتك الحسناء، التى ربما أقدًَّم لها عرض أكثر إغراءاً ... أما أنت، فقد اتخذت ما يلزم، لتبقى فى أرضك بالفعل .
ثم انعقد حاجباه، وحمل صوته قسوة وشراسة الدنيا، وهو يضيف :
وإلى الأبد .
* * *
" مدفعك مازال يعمل ... أليس كذلك ؟!.."..
ألقت (كاترين) السؤال على (ألنزو)، فى اهتمام بالغ، فأومأ برأسه إيجاباً فى عصبية، وهو يقول :
- وحروق جسدى مازالت تؤلمنى بشدة .
تحسًَّست الجزء السليم من وجهه، وهى تقول، فى نعومة أفعى :
- ما سنحصل عليه، سيتيح لك أن تستعيد كل شئ، على يد أكبر جراحى التجميل فى العالم .
زمجر، قائلاً :
- المهم ان انتقم، ممن فعل بى هذا .
مالت نحوه، قائلة فى حزم :
- اسمع خطتى جيداً...إننى مازلت أمتلك شفرة الدخول، إلى نظام الأمن الأليكترونى ... سأصعد الآن إلى الوحدة الرئيسية، وسأضيف كوداً جديداً، لكل يتم التعًَّرف فى المدافع الأليكترونية، فيما عدا مدفعك، ومدفع (فرناندو) .
قال فى حدة :
- ولماذا مدفع (فرناندو) ؟!
أجابته فى خبث :
- لأننى سأستبدل كود بصمته، بالكود الخاص بى .
انعقد حاجباه، على نحو يوحى بعدم الفهم، فأضافت موضًَّحة :
- عندئذ سأعرف أى مدفع، ينبغى لى الحصول عليه، عندما تتوقف كل المدافع عن العمل، ومع امتلاكنا للمدفعين الوحيدين، الصالحين لعمل، سنحصد باقى الرجال هنا حصداً، فى دقائق قليلة، وبعدها سنصبح سادة المكان .
سألها بنفس العصبية :
- وماذا عن البارون ؟!
بدت شديدة الإغراء، وهى تقول :
- بكم تتصوًَّر أنه سيشترى حياته ؟!
حملت أساريره علامات الفهم لأوًَّل مرة، وهو يقول فى شراهة :
- بمليارات .
داعبت أنفه بسبًَّابتها، قائلة :
- بالضبط .
ثم اعتدلت، مضيفة فى حزم :
- انتظرنى هنا، فى
مطبخ المزرعة، وعندما انتهى من عملى، سنبدأ خطتنا على الفور ... كن مستعداً .
تركته فى مطبخ المزرعة، وتسللت بسرعة إلى الطابق الثانى، الذى اتخدوا من إحدى حجراته مركزاً للوحدة الامنية الأليكترونية الخاصة، وفتحت بابها فى هدوء، و ...
" لماذا تأخرت يا عزيزتى (كاترين) ؟!.."..
نطق (فرناندو) السؤال، وهو يبتسم فى سخرية، مصوًَّباً إليه فوهة مدفعه، ومن خلفه ثلاثة من رجاله، يصوبون إليها مدافعهم بدورهم ...
وعلى الرغم من المفاجأة، نجحت (كاترين) فى التماسك، وهى تقول فى صرامة :
- ماذا تفعل هنا يا (فرناندو)؟!... المفترض أننى المسئول الوحيد عن هذه الوحدة .
تجاهل (فرناندو) عبارتها، وهو يقول، عبر جهاز الاتصال :
- إنها هنا يا سيًَّدى البارون .
آتاه صوت البارون، يقول فى صرامة :
- أحضرها .
قالت فى عصبية، وهم يدفعونها امامهم :
- ستدفعون ثمن هذا .
ابتسم (فرناندو) فى سخرية، ثم التفت إلى بعض رجاله، قائلاً بلهجة آمرة:
- (ألنزو) ينتظرها فى مطبخ المزرعة ... ولديكم أوامر لتنفيذها .
شعرت بمزيج من الدهشة والقلق مع عبارته ...
كيف علم ان (ألنزو) ينتظرها فى مطبخ المزرعة ؟!..
وما هى أوامر الرجال ؟!..
بلغت حجرة المكتب، قبل ان تصل إلى جواب السؤالين، ولم تدلف إليها، حتى سمعت صوتها عبر جهاز صوتى، وهى تقول :
- بكم تتصوًَّر أن يشترى حياته ؟!
انهى البارون الجهاز الصوتى، بعد هذه العبارة، وشحب وجهها فى شدة، وهو ينظر إليها ، قائلاً :
- كمسئولة أمن، كنت تعلمين أن المكان الوحيد بالمزرعة، الذى لم نزودًَّه بأجهزة تنصًَّت، هو المطبخ، وهذه هى لعبتى المفضلة يا عزيزتى (كاترين) ... أن أعلم دوماً مالا يعلمه الجميع ...
قالت فى عصبية :
- سيًَّدى البارون ... إننى ...
قاطعها بإشارة صارمة من يده، قبل أن يواصل :
- لقد زوًَّدت المطبخ بنظام تنصًَّت، دون علم الجميع؛ لأننى كنت أدرك أن كل تآمر سيبدأ هناك.
هتفت، محاولة إنقاذ نفسها :
- لقد كنت ...
قاطعها مرة أخرى، فى صرامة اكثر، وهو يقول :
- والجميع هنا يعلم، أن اكثر ما أبغضه الخيانة .
راقبها (ادهم) ترتجف فى شدة، ورأى الدموع تسيل من عينيها، وهى تقول منهارة :
- الرحمة .
مًَّط البارون شتيه، وقال :
- الرحمة الوحيدة، التى يمكن أن تحصلين عليها هنا، هى ميتة سريعة غير مؤلمة .
انهارت على ركبتيها أمامه، قائلة :
- ابق على حياتى، وسأظل أكفًَّر عن هذا الخطأ ما حييت .
تنهًَّد، قائلاً :
- المشكلة اننى لو تجاوزت عن هذا، فسيتبعك آخرون، وهذا يتعارض مع مخططاتى الرئيسية .
هتفت فى انهيار تام :
- الرحمة .
قال (أدهم) فى صرامة :
- لا تتوسلى لهذا الوحش؛ فهو يعشق ما يفعله، وسيقتلك فى كل الاحوال.
اتسعت عيناها، وهى تلتفت إليه، فى حين ابتسم البارون كوحش مفترس، وهو يقول :
- سنيور (صاندو) على حق ... الرحمة الوحيدة هنا، هى ميتة سريعة .
ثم بدا شديد الوحشية، وهو يضيف :
- والمشكلة اننى لا أتميًَّز بهذه الرحمة .
صرخت فى ثورة، ووثبت تنقض عليه، صارخة :
- أيها الوغد الحقير .
وثب رجال (فرناندو) نحوها، ومنعوها من الوصول إلى البارون، وراحوا يكبلونها بأغلال قوية، وهى تصرخ :
- سيفعل هذا بكم جميعاً ... أنا مجًَّرد بداية .
مع آخر كلماتها، وضع الرجال على فمها شريطاً لاصقاً قوياً، فاحتقن وجهها بشدة، والبارون يقول فى ظفر :
- هل تعلمين كيف يقتل المكسيكيون الفئران، التى تلتهم محاصيلهم، فى هذه الناحية؟!...إنهم يضعونهم فى وعاء كبير، ممتلئ بالماء، وله جدران عالية ملساء، فيظلون يقاومون بعض الوقت، حتى تنهار مقاومتهم، ويغرقون فى قاع الوعاء .
وانحنى يواجهها مباشرة، وهو يضيف :
- وأنت بالنسبة لى فأر خائن يا عزيزتى .
اتسعت عيناها فى ارتياع، وراحت تحاول المقاومة فى استماتة، فى حين قال (أدهم) فى ازدراء:
- لم لا تقتلها فحسب ؟!
أشار بيده، قائلاً بأسلوب مسرحى :
- لن يكون هذا درامياً بما يكفى .
ثم أشار بيده إلى (فرناندو)، قائلاً :
- أخبرنى عندما ينتهى الامر؛ لنعد لها دفناً لائقاً .
بدأ الرجال يسحبونها خارجاً، وهى تواصل مقاومتها فى استماتة، فى نفس الوقت الذى وصل فيه الرجال، الذين أرسلهم (فرناندو) خلف (ألنزو)، وقال أحدهم فى توتر :
- لم نعثر عليه .
وعلى الرغم من وضوح العبارة، سأله البارون فى غضب :
- لم تعثروا على من ؟!
أجابه الرجل، وتوتره يتزايد :
- (ألنزو) يا سيًَّدى البارون ... لم نجده فى المطبخ، ولم نعثر عليه، فى اى مكان آخر فى المزرعة .
انعقد حاجبا البارون فى شدة، وأسرع إلى جهازه الخاص، ورفع صوته ، وهو يعيده بعض الوقت إلى الخلف ...
وعبر ما سجله جهاز التنصًَّت منذ قليل، سمع البارون مفاجئة فى المطبخ، مع وقع أقدام عديدة، وصرخة عصبية من (ألنزو)، وبعدها أصوات توحى بقتال عنيف ...
ثم صمت ...
صمت تام ...
وتفجًَّر غضب البارون ...
إلى أقصى حد .
* * *