الــــــفـــصـــــــــــــل الـــخـــامـــــــــــــس
- تناولت ايلين الطعام من دون شهيه ولكنه هدأ من حدة توتر أعصابها وأبعد عنها التشويش الذى أحدثه الشراب , وبرغم ذلك كانت تعانى من وعيها لوجود الشكل الكبير والقاتم , الجالس فى مواجهتها عبر الطاوله , لقد فضلت أن تأكل فى المطبخ الفسيح , معتقدة أن الجو لن يكون حميما كما فى بقية الغرف ولكن بعد أن انتهيا من تناول الطعام وقف وأمسك بذراعها ليساعدها على الوقوف
- اذهبى واجلسى فى غرفة الجلوس. لقد أشعلت النار وسوف نرتشف القهوة فى جو أكثر راحه . لا بأس بهذه الكراسى العاليه لوقت قصير ولكنك بحاجه الى جلد الكركدن ليحتمل الجلوس عليها لأكثر من عدة دقائق
- لم يكن هناك شىء لتقول ولذلك وقفت متردده أمام الباب بينما أخذ كورد يحضر القهوة بحركات كالعادة , واثقه تنم عن رباطة جأشه . عضت ايلين على شفتيها وهى تراقبه , فقد كان رجلا ضخما يملك الرشاقه التى تقوى الانطباع العام لحيوان برى شرس
- تعالى , انت حتما لست فى حاجة الى أن أرشدك إلى الطريق ؟ أخذ بيدها مرة ثانية بينما تركت إيلين نظرها منخفضا إلى الأرض . كانت نبرة صوته تنم عن الاستفزاز بطريقه مرحه , ولكنها لم تستطيع أن تقوم بمثل تصرفاته فيما هو يقودها إلى غرفة الجلوس , اتجهت بنظرها الى المقعد المزدوج الموجود فى مواجهة قطع الحطب المشتعله , ولم تع وجود هذا المقعد باكرا , اختلست نظره الى وجهه فلمحت السخريه الخبيثة تطفح منه , لقد أدرك بما كانت تفكر , تماما.
- إيلين ألن تجلسى ؟ سألها برقه , ولما لم تجب ضحك وأردف : أتعلمين , انك تجعليننى أشعر وكأننى , نوعا ما , مثل انسان الكهوف فى العصور الحجريه , وكأنك تتوقعين أن أنقض عليك فى أى لحظه وأمسك بك بالقوة , والآن , لم تعتقدين ذلك؟
- لست أدرى , أنا لست مسئوله عن نزواتك الحسيه أجابت بسرعه بينما كان قلبها يدق بقوة بين أضلاعها
- أنت تعلمين أنك كذلك رفع يده ولمس خدها الملتهب برقه ملاطفا , وتحولت أنامله لترسم على شفتيها , لكنها أجبرت نفسها على أن تقف ثابته , مع أن كل عصب وكل شريان فى جسدها المرتجف كان يصرخ طلبا للراحه : انك واحده من أجمل ما رأيت من النساء
- هل أنا كذلك ؟ أصبحت بعيده جدا عن اى تفكير منطقى . أمسك بها الذعر بقبضة مرعبه
- أنت تعلمين أنك كذلك , حتى من دون استعمال مساحيق التجميل وبشعرك معقوصا إلى الخلف على تلك الصوره السخيفه , تبدين رائعه , ولكن عندما يكون منسدلا كما هو الان ....رفع خصلة حريريه كانت قد التفت على نفسها بشكل حلقة واسعه : أنت حساسه ...ضمها أكثر اليه وتابع : هل تستسلمين يا إيلين ؟ أم أن كل هذا لعبة؟
- لا أعلم ما تعنى قالت وهى تتلعثم عندما ملأت أنفاسها الرائحه الذكيه الدافئه التى تفوح منه , انها مزيج من الشمس والبحر والعطر الثمين الذى يستعمله بعد الحلاقه , وتحركت يداه برقة على ظهرها فى حركات ملاطفة لم تكن تهددها ولكنها شعرت أن قدميها لا تقويان على حملها
- اعتقدت انك تحضر القهوة ؟ حاولت أن تجعل كلامها يبدو طبيعيا ومعبرا عن رباطة جأشها ولكنها تفوهت بها وهى ترتجف , وكأنها تتوسل.
- رماها بنظرة عميقة متفحصة ثم اطلق سراحها وقال بمرح :السيدة تريد القهوة , سوف تحصل السيده على القهوة , فقط لا تختفى قبل عودتى ..بعد أن رحل غاصت فى المقعد وهى تشعر بالفرح للدفء المنبعث من الحطب المشتعل , يجب ألا تسمح له بالتأثير عليها كما الان ....انه جنون , يجب عليها أن تسيطر على حبها له قبل أن يسيطر هذا الحب عليها .
منتديات ليلاس
- عاد خلال دقائق وهو يحمل صينية كبيره : هل تضيفين سكرا وكريما الى القهوة ؟ هزت ايلين رأسها موافقه فابتسم وتابع كلامه : هذا ما ظننته ناولها بعناية كوبا من سائل يتصاعد البخار منه ثم سكب لنفسه كوبا من القهوة السوداء , وقال محدثا وهو يضع الصينيه فى جهة واحدة : يمكنك الحصول على كوب من القهوة الممتازة فى كورسيكا , انها تقدم فى كؤوس رفيعه وهى كثيفة كالدبس ولكن لها طعم لا يضاهى
- انتظرت وهى تحبس أنفاسها أن يجلس بجانبها ولكن بدلا من ذلك , جلس فوق السجاده بجانب قدميها , رأسه الاسود محاذ لساقيها , فكان لذلك تأثير مثل صدمة كهربائيه عليها , جلسا بهدوء , وصمت , حيث أخذت النيران تتأرجح فى رقصة خيالية ملقية ظلالا متحركة على الغرفة المظلمة التى لم يكن ينيرها إلا اللهب الأحمر الراقص
- أدركت أنه قد أعد هذا الجو الدافىء الحميم ولكن ذلك لم يطرد القلق المروع الذى امسكها بقبضته , لما فرغت من ارتشاف قهوتها جهزت نفسها بإرادة فولاذيه كى تطلب منه العودة بها الى منزلها
- لديك أساليبك الخاصة آنسه مارسيل ...جعلها صوته تجفل وأملت أن لا يكون قد لاحظ ذلك ..ويمكنها أن تزحف فوق أى رجل فى ساعة غفلة
- نظرت الى مؤخرة رأسه السود وحاولت جاهده أن تجعل صوتها رقيقا وهادئا : لا أعتقد أن شيئا أو شخصا ما يستطيع أن يأخذك على حين غرة
- استدار عندما تكلمت ايلين وكان فى عينيه الرماديتين القاسيتين وميض من المرح وتعبير يعكس الندم على شفتيه القاسيتين : أنت تريننى وكأننى السوبر مان ضحك برقه وتابع : حسنا , حسنا
- اعترضت ايلين وقد ادهشتها سخريته : لا ليس السوبر مان , فقط ...ولكنها توقفت فجأة , فقد كان من الصواب أن لا تتابع
- فقط ؟ ...تلاشت ابتسامته ليحل محلها الاستفسار الهادىء : لنبين ذلك
- كورد أرجوك , لقد حل الظلام , قدمت لى وجبة طعام رائعه ولكنى حقا يجب أن أعود الآن ...تقلصت ملامح وجهه وظهر عليه ذلك التعبير الذى يدل على تصميم , عرفته ايلين جيدا , وبعد أن عملت معه فى الاسابيع القليله الماضيه أدركت أن المراوغة لا تنفع
- قال بصوت ينم عن السخريه : لقد أحسنت الكلام وأنا افصح عن رأيى بك , إنه دورك الآن
- أفضل ان اترك هذا الأمر , فبعض الامور من الأفضل أن لا تقال ...لقد كرهت نفسها لمحاولتها تهدئته ولكنها أدركت بشعورها الفطرى أن الحال سيكون أسوأ لو دخلت فى مناورة كلاميه معه
- حقا ..تحرك فجأة حتى أصبح راكعا أمامها , حيث أضحى وجهه محاذيا لوجهها وكانت عيناه الضيقتان تلمعان بوهن : إذا لنتجنب الكلمات ونجرب الطريقة القديمة جدا فى تبادل الآراء , فتلك الطريقة لا تفشل أبدا
- قبل أن تتمكن من الاجابة كان قد سحبها إلى السجادة بجانبه , وبحركة سريعه واحدة كان جسده القاسى يضعف قوتها , حتى انها لم تستطع المقاومه , لأن وزنه الثقيل وقوته جعلاها ترقد بلا حول ولا قوة, كان وجهه القاسى يبعد ما يقارب مسافة صغيرة عن وجهها , وبقى ثابتا فيما كانت عيناه معلقتين فى عينيها وكان شريان صغير ينبض على خده الأسمر.
- هل أنت مستعدة للكلام ؟ أى رد كانت سوف تجيب به كان ليضيع عندما عانقها , لقد توقعت منه أن يكون وحشيا , ولكن تلك الرقه الغير متوقعه افقدتها حواسها , ارتفعت ذراعاها لا شعوريا وطوقت عنقه فى استسلام صامت , وشعرت بمزيج من الخوف والانتظار , إنه يريدها بقوة , على الاقل ذلك كان شيئا أكيدا
- أنا أريدك ايلين ...قال وكأنه يجيب على أفكارها : أنا لم أرد أحدا بتلك القوة منذ زمن بعيد ...إبقى معى هنا الليله , دعينى أقيم علاقة معك
- لقد كانت تلك الجملة ( أقيم علاقة معك ) هى التى انتزعتها عن حافة الاستسلام التام , فهو لم يقل أحبك ..لم يكن يدعى أنها تعنى له شيئا أكثر من قضاء ليلة معها ...لم يقضها
- وثبت مثل أحد آلهة الحقول والقطعان عند الرومان مذعورة , فأخذته الدهشه : إيلين ؟ وجلس على قدميه عندما قاومت لتقف على قدميها مذعورة مصدومة للقوة المخيفة التى تسيطر على هذا الرجل , يجب عليها أن توقف هذا , إنه خطأ , خطأ فظيع ..: ايلين ماذا فى الأمر ؟ وحاول أن يلمسها لكنها ابتعدت وكأنه سوف يحرقها
- لا تلمسنى ...!لقد بدا الخوف والذعر فى صوتها أصبحت عيناها كبيرتين فى وجهها الشاحب : فقط ابق بعيدا
- تبدد كل الاهتمام ليحل محله الاحتقار وقال بصوت كالجليد : أرجوك , من دون تصرفات دراميه , ما كنت أريد أن أمسك بك ضد ارادتك , أليس كذلك ؟ ...وحدقت به وهى تشعر بالأهانه والأعياء , ولحظتئذ أخذ الغضب يغلى فى عروقها المرتجفه , ليثبت قدميها المرتجفتين ويبعث القوة فى صوتها : أنت وغد حقا , ألست وغدا من الصنف الأول ؟ انفجرت غاضبة وتلاشى اللون من وجهها
- تمهلى الآن فحسب للحظة ملعونه ..وقف امامها فى حركة واحدة بحجمه الضخم حيث حول الغضب وجهه القاتم إلى وجه شيطان : الآن أنا لا أعلم ماهى لعبتك ولكن لا تحاولى أن تخبرينى أنك لم تستمتعى بتلك اللحظات القصيرة , فلا فائدة من ذلك , فقد كنت بالقرب منك وكل شىء كان يدل على انسجام تام بيننا
- أنت تشعرنى بالشمئزاز ...رمت بالكلمات فى وجهه تعبيرا عن استهجانها فيما هى تحاول سحق احتقارها لنفسها وجعلتها الصدمه تبحث عن طريق لتؤلمه كما كان يؤلمها : الرجال أمثالك يجعلوننى أشعر بالمرض , أنت تريد شيئا واحدا , شيئا واحدا فقط
- وأنا لا أشك للحظة واحدة فى أنك خبيرة فى الرجال من كل الأشكال والأحجام , انك تلعبين لعبتك مهما كلفك المر , أليس كذلك أنت دائما تجعليننى أعتقد .....آه , ما الفائدة ؟ قال ذلك بألم ومرارة وكان شاحب اللون منحدة غضبه عندما حدق بها
- لقد كان ذلك جزءا من عقابى , أليس كذلك ؟ أشارت بيدها بإتجاه السجادة وتابعت : كيف يمكنك أن تقوم بشىء كهذا فى برودة أعصاب ؟
- لا أستطيع تصديق ذلك ...كان فى صوته مزيج من الشك المرعب والغضب الاسود , جعل كل ما يقال بعد ذلك أكثر من همس : لقد سمعت عن علاقاتى توصف بعبارات متنوعه, ولكن ابدا لم توصف بأنها عقاب ماذا تعتقدين أننى بالضبط ؟ سادى منحرف ؟ خطت الى الوراء عندما تحرك باتجاهها : وعلى أية حال من تعتقدين نفسك ؟ كنت آخذ ماهو معروض , ماهو معروض منذ أسابيع , لا تلوميننى إذا دعوتك لتنفيذ تهديدى , لقد أخبرتك مسبقا بأننى كبير بما يكفى للعب الأعاب , وفرى هذه الى الأغبياء الصغار أمثال سايمون ولكن لا تجربى هذه الألاعيب معى
- هذا ليس صحيحا و أنت تعلم ذلك ! صرخت فى وجهه ثم أضافت : لا شىء مما تقول صحيح , أنت تقلب الأمور كلها من جديد
منتديات ليلاس
- من جديد ؟ كان صوته مايزال منخفضا وبدا هادئا مسيطرا على نفسه بطريقة غريبة أوقدت المزيد من غضبها, ضاقت عيناه وهو ينظر لها بطريقة مهينة : هاقد وصلت الى حيث تخبريننى أنك لم تحلمى فى اخذ فلس واحد ليس من حقك , أليس كذلك ؟ انك فقط فتاة مسكينه عاملة سىء فهمها وأنك طاهرة كالثلج ! حسنا , وفرى ذلك الى المساكين الآخرين الذين تتعاملين معهم , أنت غاضبة منى لأننى أستطيع قراءة افكارك مثل كتاب مفتوح , لايعجبنى ما كتب فوق صفحاته , لا أدرى كم من الرجال عرفت ولا يهمنى ذلك , ولكننى سوف أعدك بشىء واحد : لن ألمسك حتى بعصا مكنسة.
- مط شفتيه بعيدا عن أسنانه ليحدث صوتا ساخرا لاذعا وحدقت به من دون أن تتفوه بكلمة , وتبخر غضبها وهى تواجه هذا الحقد , تساءلت عما قالت أو فعلت حتى تثير مثل هذه الكراهيه؟
- خطت الى الوراء وهى تجهش بصوت مخنوق دون ان تبعد نظرها عن وجهه وبما أنه بقى واقفا وكأنه منحوت من حجر , استدارت وركضت نحو النوافذ وفتحتها ورمت بنفسها إلى الحديقة فيما أخذت الدموع تنهمر فوق وجهها الشاحب , لقد كان وحشا , وحشا ضاريا .
- كانت تتعثر وهى تركض عبر الممر الى الشاطىء المهجور. ظلت تجرى حتى غابت الأنوار الآتية من المنزل والصوت الوحيد الذى كان يسمع هو صوت وقع اقدامها وصوت تلاطم الامواج الخفيف وهى تقوم برحلتها الايقاعيه على الرمل الأبيض
- كانت السماء السوداء مرصعة بمئات النجوم المتلألئة مثل حبات ماس صغيرة فوق مخمل اسود , ولكنها كانت صماء وعمياء عن ذلك الجمال الطبيعى من حولها , وأفكارها تهتز فيما كلماته تطن بوضوح تام , تكرارا فى رأسها المتعب , بدا وكأنه يكن لها كراهية لا تمت بصلة إلى خسارته المالية .
- انهارت فوق الرمال الدافئة الناعمة عندما لم تعد تقوى قدماها على حملها . آلمتها أفكارها وتساءلت إلى اين يمكن أن تذهب ؟ لايوجد أى مكان لتلجأ إليه , وحتى لو وجدت وسيلة ما للهرب , فهى لا تستطيع أن تختبىء من نفسها ومن واقع حبها له , أنت وانطوت على نفسها مثل كرة صغيرة علها تجد الراحة التى لم تكن موجودة
- آه , يا أماه ....لأول مرة منذ سنوات شعرت بخسارة أمها , تماما كما شعرت فى تلك اللحظات الرهيبة الأولى عندما علمت بموت والديها , لقد شعرت أنها فى مكتب المدير مجددا شاحبة مرتجفة وتيم بجانبها , وأصبح الألم فظيعا وحيا تماما كما فى الماضى.
- ارتعش جسدها من المعاناة وخبطت على الرمل الناعم بكلتا قبضتيها , وغطت وجهها الرطب عندئذ شل تفكيرها من الارهاق.
- بدأت تسترخى شيئا فشيئا عندما خدر هدير الامواج الثابت الرقيق روحها المجروحة ورفعها إلى كوكب آخر حيث لا شىء حقيقيا إلا المادة الناعمة الباردة تحت وجهها ولمسات النسيم الرقيقة تداعب شعرها فى ملاطفة رقيقة , وآخر شىء تذكرته قبل أن تغفو أنه كان يتوجب عليها أن تحضر حقيبتها قبل أن تغادر , مما يعنى أنه عليها رؤيته ....وذلك كان شيئا لا تريد القيام به مرة ثانية , أبدا
- أين كنت بحق الجحيم ؟ لقد بحثت عنك الشاطىء بأكمله ؟ ألم تخبرك أمك أبدا انه لا يتوجب عليك أن تبقى بمفردك فى الظلام ؟ انتزعها ذلك الصوت الساخر الحاد فجأة من نوم عميق خال من الأحلام ولكن للحظه لم تقوى على ان ترفع رأسها أو أن تجيب. وفى اللحظه التالية جثا كورد على الرمال بجانبها وقد فر اللون من وجهه : ايلين ؟ كلمينى ...هل أنت بخير ؟ ماذا حصل ؟
- رأسى يؤلمنى ...حاولت أن تجلس ووضع ذراعيه حولها ورفعها الى صدره الصلب
- قال بحدة : لقد أصبتنى بالهلع , هل تدركين أنك غادرت المنزل منذ ساعتين ؟ هل آذيت نفسك ؟
- لا , لا أعتقد أننى قد غفوت ...ورفعت نظرها الى وجهه القلق , أنا آسفه يا كورد , لم أكن أعنى أن .....
- أنت أبدا لا تعنين ! قاطع صوتها المتلعثم فجأة وتمتم بشتيمه فيما أصابعه تمسح الدموع الجافة على وجهها : تبدين وكأنك حورية ضائعه قذفت بها الأمواج الى الشاطىء ...كان صوته خاليا من التعبير وحاولت أن تتبين تعابير وجهه عندما مرت سحابة وحجبت نور القمر الساطع للحظة . وقف ببطء : تعالى فأنت ترتجفين حتى الموت .
- بعدما ساعدها على النهوض ترنحت قليلا على قدميها الواهنتين والمجلدتين , وقبل أن تدرك ماهو بصدده رفعها بذراعيه بخفة وكأنها طفلة صغيرة : لا أرجوك , لا تفعل ..كان صوتها ضعيفا وكادت تذرف الدموع من جديد عندما رماها بنظرة غاضبة .
- إخرسى يا ايلين , إخرسى...بدا فى أوج غضبه فمالت الى صدره العريض بينما أخذ يشق طريقه باتجاه المنزل , لقد كانت تعبة جدا لا تقوى على الجدال , فشعرت بالراحة لكونها قريبة منه وكانت دقات قلبه على خدها الرطب محسوسة , تعيد إليها الطمأنينه .
- لم تكن مدركة للمسافة التى قطعتها بعيدا عن المنزل , وفى رحلة العودة الى المنزل بمحاذاة الشاطىء الرملى تملكها شعور بالفزع لإدراكها بإن المسافة تبلغ على الأقل نصف ميل : أستطيع أن أمشى الآن ...أصبح المنزل على بعد مئات الياردات وبدأت تشعر بالارتباك لما تسببت به.
- قال من دون أن يخفف سيره : لن أنزلك حتى نصل إلى داخل المنزل . إذا هربت مرة ثانية لن أتحمل مسؤولية تصرفاتى عندما أجدك فى المرة التالية ...واختلس نظرة إلى عينيها الواسعتين الدامعتين وإلى شعرها المنثور فوق ذراعه مثل حرير مغزول . شتم برقة فى لهجته المحليه , وأردف : ومن أجل التذمر , توقفى عن النظر إلى بتلك الطريقة , فهذا كل ما أستطيع تحمله يا ايلين وأعتقد أن صبرى قد بلغ ذروته منذ ساعة .
- لم تقل شيئا , بل خفضت رأسها و أغمضت عينيها ومالت برأسها إلى صدره الدافىء . شعرت بعضلاته القوية تقسو ثم تنهد بعمق وبدا النعاس فى عينيه الرماديتين : بنظرة ثانية الى الامر , قد تكونين فى أمان أكثر وأنت تمشين ...كان صوته مليئا بالسخرية اللاذعه من نفسه وهو ينزلها عند أسفل المنحدر المؤدى إلى المنزل : لا أعتقد أن سيطرتى على نفسى هى مئة بالمئة فى هذه اللحظات .
- ماذا ؟ بلعت ريقها بتوتر عندما تكلمت وتساءلت . ما الخطأ الذى اقترفته الآن ؟ وعندما وقفت نظر إليها بإمعان نحيلة تبدو كطفلة شاردة فهز رأسه الأسمر فى حركة تنم عن عدم التصديق : لا يمكن أن تكونى حقيقية , حقا لا يمكن أن تكونى , ألا تعلمين ماذا تفعلين بأى رجل ؟ أنا فقط انسان مهما أعتقدت خلاف ذلك , وفى هذه اللحظات أتمنى أن اضمك فوق هذه الرمال حتى الصباح ...ونظر عابسا الى عينيها الواسعتين .
- الآن , قد لا يكون ذلك ما تودين سماعه فى ضوء هذه الظروف , ولكن هذه هى الحقيقة , فإذا ....إذا كانت ردة فعلك كما أظن أنها ستكون , هلا تفضلت وبدأت بالسير ؟
- فتحت فمها لتتكلم ونظرت الى وجهه وهو يحدق اليها بصمت , أغلقت فمها وبدأت تسير على قدمين ما تكادان تحملانها.
- اشربى هذا ...كانت تجلس فى سريرها فى غرفة نومها بعدما أخذت حماما حارا وشعرت بالدفء من رأسها حتى أخمص قدميها , وارتدت ثوبا خفيفا وجدته ملقيا على الوسادة بعدما خرجت من الحمام , نظرت بدهشة الى وجه كورد القاسى , وهو يقرب كوب الحليب الدافىء الممزوج بقليل من الشراب من يدها .
- لا أريده , لا أحب الشراب
منتديات ليلاس
- أغمض عينيه بسرعه ثم شتم بهدوء : قد تختبرين مدى صبر قديس يا يمامتى الصغيرة ؟ , وكما نعرف نحن الاثنتان أنا لست قديسا . أنا لا أطلب منك أن تشربيه , أنا آمرك , لقد كنت شبه مجمدة عندما وجدتك على ذلك الشاطىء فى هذه الساعة من الليل , لا أريدك أن تصابى بالرشح أو أى شىء أسوأ من ذلك . والآن أرجوك لأجلنا معا , افعلى ما يطلب منك ولو لمرة واحدة واشربى هذا الشراب .
- حسنا , أنا آسفة يا كورد شربت الكوب وهو يراقبها
- تأوه وهو ينظر اليها بوجنتيها المتوردتين وبشعرها المنسدل فوق كتفيها فى خصلات شقراء ملتفة , وبعينيها العسليتين المليئتين بالاعتذار
ايتها الغبية الملعونة ...وطبع قبلة صغيرة فوق شفتيها , ولكن عندما لاحظ اضطرابها قال : اعتقد انه من الافضل أن اخرج من الغرفة فورا
- غادر الغرفة قبل ان تتمكن من الاجابة , وأغلق الباب بخبطة حازمة كشفت عن عذابه الداخلى , فقط لو كان ما يجذبه أكثر من الرغبة الحسية . فقط لو .... وسدت الطريق الذى كانت أفكارها تسلكه , فليس بالأمر الحسن التفكير بتلك الطريقة , لأن فكرته عنها لا يمكن أن تكون أدنى مما بينه بوضوح هذه الليلة , وذلك أبعد ما يكون عن الحب , سوف تتخطى هذه المحنة , فكثيرون غيرها , تخطوا ما هو أسوأ.
- غاصت تحت الغطاء وتنهدت تنهيدة صغيرة متوقعة أن تستلقى مستيقظة لساعات وهى تستعيد الفشل الذريع لتلك الأمسية , ولكن عندما فتحت عينيها مرة ثانية كان الصباح الباكر مشرقا وضوء الشمس الذهبى اللامع يشع فوق وجهها الذى يغلبه النعاس .
- استدارت بكسل وللحظة شعرت بالضياع , لا تعرف اين هى , ما أن استعادت ذاكرتها فى فيضان حار ومذل , جلست فجأة وهى تتأوه من الخوف , ليكن كل ذلك حلما , حلما مربكا مرعبا ! ولكن غرفة النوم الفخمة جعلتها تدرك أن الأمر ليس حلما . كيف أمكنها أن تخدع نفسها بتلك الطريقة , كان بإمكانها أن تنتزع نفسها من هذا الوضع من دون أى متاعب , أنه معتاد على النساء الناضجات الضليعات اللواتى هن على استعداد لأن يحولهن الرفض إلى رضى , وكانت متأكده أنه ليس عليه أن يتأقلم مع ذلك الاحتمال فى الغالب , اذا كانت كل الشائعات من حوله صحيحة . تأوهت برقة , لقد تصرفت مثل فتاة مدرسة فى موعدها الأول , بأى شىء يفكر بها هذا الصباح ؟ لم أحضرتنى الى هنا فى الليلة السابقة يا كورد لاشونى ؟ همست يائسة فى الغرفة الصامتة : اذا أردت أن تثبت أننى لست نظيرة لك , فأنت حتما قد حققت نجاحا اكبر من كل توقعاتك.
- اختلست نظرة الى ساعتها ووجدت أن الوجه الذهبى الصغير يشير إلى السادسة , فنهضت من سريرها وخطت الى الباب الكبير الذى يؤدى الى شرفة طويلة ضيقة تحاذى الغرفة , وسحبت الستائر المخملية فرأت طاولة وكراسى تستدفىء فى الشمس , وعندما خطت الى الارض المكسوة بالقرميد أحست بحرارة السطح اللامع تحت قدميها العاريتين
- سوف يكون يوما اخر مشرقا , فقد تألقت السماء الصافية بتموجات اللون الأزرق , وهب الهواء نقيا نظيفا فوق وجهها , وفى أسفل الحديقة النائمة ظهر الرمل مثل سجادة ذهبية احتضنتها مياه البحر بشوق , شعرت للحظة بالرغبة فى السباحة ولكنها تذكرت العينين الرماديتين القاسيتين , وأبعدت الفكرة بإشمئزاز . على أى حال هذا يوم عمل ومن الأفضل أن تستعد
- بعد حمام دافىء ارتدت ملابسها بسرعة ونزلت بهدوء إلى الطابق السفلى , اتجهت الى المطبخ . لأن كوبا من القهوة قد يزودها بالشجاعه التى تحتاجها للنظر إلى ذلك الوجه الداكن الساخر , بإمكانها أن تتصور أنه لن يتركها تنسى الليلة الفائته بسرعه.
- وجدت المطبخ الكبير الحديث مهجورا , أعدت القهوة وملأت كوبا لها ثم جلست على مقعد كبير بالقرب من النافذة , وأخذت تستمتع بدفء نور الشمس وبروعة المنظر الهادىء , ورائحة الصيف تعبر إلى الداخل من النافذة المفتوحة .
- إنها طريقة حسنة لبدء يوم جديد ...أجفلت عندما سمعت الصوت المألوف العميق فى أذنيها مباشرة وشعرت بالشكر لأنها كانت قد فرغت من ارتشاف قهوتها , لقد كان كورد واقفا خلفها يحدق فى شعرها الأشقر بنظرات مدققة متفحصة .
- صباح الخير حاولت أن تبقى صوتها ثابتا ولكن زحفت رجفة ضعيفة إلى نبرة صوتها وتدفق لون حار الى خديها . إنه يبدو ....رائعا , شعره الأسود الفاحم مازال رطبا من الحمام وقد أبعد عن جبينه , كان يحمل سترته فوق ذراعه , وقميصه الأبيض الناصع مشرعا عند العنق وربطة العنق معلقة حول عنقه جاهزة لربطها قبل أن يغادرا , كيف يكون الأمر لو تستيقظ بقربه كل صباح و ....؟وأجبرت عقلها على التفكير فى قنوات أقل تأثيرا .
- هل تريدنى أن أحضر طعام الفطور ؟ ابتسم بقلق وهى تسأله ونظر إليها بإمعان بوجه كئيب قبل أن يجيب .
- سوف أحب ذلك ...الرجفة فى صوته جعلت لون وجنتيها يزداد احمرارا : سوف تجدين فى الثلاجة قليلا من كل شىء .
- تمنت أن يختفى خلف صحيفة أو أى شىء آخر وهى تحضر الطعام , لكنه جلس الى طاولة المطبخ ومد قدميه الطويلتين فى كسل واسترخى على كرسيه ووضع يديه خلف رأسه وراح يراقب كل حركة من حركاتها .
- سألت بانزعاج بعد عدة دقائق وفيما كانت تقلى البيضة الثانية : هل يجب عليك أن تفعل ذلك ؟
- ماذا ؟ نظر اليها مندهشا .
- تراقبنى كل الوقت . إن ذلك شىء مزعج .
- آسف ...بدت ابتسامه رقيقة على فمه القاسى وتابع : كل ما فى الأمر أننى فكرت مرارا فى الأسابيع القليلة الماضية , كيف سيبدو الأمر لو كنت هنا , تقومين بتحضير الفطور , لا ضرورة للقول إننى كنت أتوقع أن تنتهى الليلة الماضية بطريقة مختلفة .
- لا أشك فى ذلك تراجعت بطريقة جافة وهى مسرورة لأن الموضوع يناقش الان بوضوح وصراحه : آسفة , لم يكن باستطاعتى التجاوب
- ليس بأقل من أسفى والمدهش أنه لم يكن فى صوته ما ينم عن السخرية أوالاستهزاء وكانت نظراته رقيقة بشكل مدهش وهو ينظر اليها : أنت الفتاة الأكثر لذة .
- حسنا , إليك الفطور الأكثر لذة .
- مفسدة للمتعة , أنت دائما تحولين الموضوع عندما يصبح شيقا ...ابتسم مجددا عندما أخذ الطبق من يدها , وحولت اهتمامها إلى طبقها وكان وجهها حازما , وتملكها شعور من الذعر كاد يقضى على شهيتها للطعام , فهذا الجو كان شيئا حميما وهى تحبه كثيرا , والأفضل أن يغادرا المنزل فى أقرب فرصة .
منتديات ليلاس
- أخيرا , غادرا المنزل عندما كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة , بعد أن تلقى كورد مكالمتين هاتفيتين دوليتين , الأولى من مكاتبه فى أمريكا والثانية من انكلترا , لقد كانت تعرف انه لم يخطط لهذا التأخير ولكنها كانت تختبر ولأول مرة شعورا من القلق لفكرة دخولها إلى المكتبمتأخرة برفقة كورد , وخطر على بالها فجأة أن معظم الناس سوف يجمعون اثنين مع اثنين ليحصلوا على خمسة . اختلست نظرة الى جانب وجهه عندما أخرج السيارة الطويلة من الممر لكن وجهه القاسى كان خاليا من التعبير وهو يركز اهتمامه على الطريق أمامه .
- إذا لقد أحببت المنزل ؟ قطع صوته العميق الحاد مجرى أفكارها واستدارت اليه فى حيرة : عفوا ؟
- سأل بصبر : البيت , هل يعجبك ؟
- إنه جميل حتما , لا أحد يمكنه انكار ذلك
- لدى فرصة لشرائه إذا رغبت بذلك , لقد تلقيت اتصالا من ميتش منذ يومين ليقول إن ساندى لا ترحب بفكرة العودة مجددا إلى هنا . ذكريات غير سعيدة وشىء من هذا . اعطانى حق الشفعة فى الشراء قبل أن يعرض المنزل للبيع .
- ماذا ستفعل ؟ نظرت اليه بفضول : هل تستطيع دفع ثمنه ؟
- ابتسم بمرح : أعتقد أننى أستطيع أن أجمع المال اللازم من هنا وهناك وأدركت بعدما تكلم أن سؤالها كان سخيفا . وبما أنها تعمل لديه فهى على علم ببعض موجوداته وادخاراته وباستطاعته أن يدفع ثمن البيت وربما ثمن عدة بيوت مثله .
- لو كانت لدى الفرصة لشراء بيت كهذا , لا أتردد ثم أضافت بحنان : إنه بيت كالحلم.
- آه , ولكننى لست أنت , لو أنك ترددتى قليلا قبل أن تورطى نفسك فى بعض المواقف , لما كنت الآن فى هذا الضباب , أليس كذلك ؟ و أنا كنت سوف أملك خمسين ألف جنيه أكثر أرادت أن ترد على نبرته المتعالية ولكن بنتيجة الخبرة أدركت أنها لن تربح , ولذلك أرضت نفسها بتوجيه نظرة قاسية اليه ثم استدارت فى مكانها , أدارت له ظهرها وراحت تنظر خارج النافذة.
- لم تتمكن فى الليلة السابقة من رؤية معالم الريف بسبب الظلام , ولكنها الآن اكتشفت سحره , مرا بعدة قرى صغيرة , وحتى أصغر قرية كانت تضم كنيسة متهدمة من القرون الوسطى تقع على ضفة النهر الهادر , حيث شجر الحور يسيج الطريق مثل جنود فى استعراض , وعلى بعد مسافة استطاعت أن تلتقط نظرة الى البيت الريفى الكبير القديم محاطا بجدران عالية وبوابة حديدية كبيرة تلمع بشكل ساحر تحت شمس الخريف .
- إن فرنسا بلد المتناقضات, حيث توجد البيوت الريفية الضخمة إلى جانب بيوت المزارع المبنية من الحجر على مسافة غير بعيدة , حيث الخيول تجوب الحقول والنساء المشرقات الوجوه يحلبن الأبقار على حافة الطريق والفراخ تنتشر بمرح فى الجوار . وكانت أغصان الأعشاب مرصعة بكثافة بأنواع متعددة من الأزهار البرية , وشعرت أنها حتما قد عادت بالزمان إلى الوراء عندما رأت نبات الخس والملفوف ينمو بين الترمس والأعشاب فى حديقة كوخ صغير رائع .
- هاهو الريف الفرنسى فى أوجه , وتاقت ايلين لأن تتوغل أكثر فيه بدلا من مواجهة النظرات الفضوليه والتعليقات الهامسة التى حتما ستكون بانتظارها فى المكتب .
- بعد عشرين دقيقة وعندما دخلت السيارة إلى موقف كورد الخاص , استطاعت أن ترى بعض الوجوه الفضولية على النوافذ , وعضت على شفتها السفلى عندما فتح كورد لها باب السيارة .
- ربما كان من الحكمة أن أحضر متأخرة عنك نطقت ايلين بما يجول فى خاطرها بصوت مسموع ولكنه كان يلتقط مجموعة ملفات من السيارة ولم يسمعها .
- هلا أخذت حقيبتى يا ايلين ؟ اتجه الى مقدمة السيارة مجددا وأشار إلى الحقيبة الجلدية السوداء الملقاة على المقعد الخلفى : انها ليست ثقيلة الوزن .
- أحضرت الحقيبة من مكانها ثم أوصدت باب السيارة بالمفتاح الذى تركه فى الباب . رائع , حقا رائع ! يجب عليها أن تدخل وهى تحمل حقيبته ايضا , وكأنها وضعت علامة فوق جبينها تقول : لقد قضيت الليله مع هذا الرجل لا يمكن أن يكون الأمر أكثر وضوحا .
- تعالى , حسبك هذا التلكؤ بدا منزعجا , الرجل الهادىء المسترخى الذى عرفته منذ ساعة قد اختفى وحل مكانه رجل الأعمال القاسى الرابط الجأش الذى تعرفه بشكل جيد , الذى يتوقع أن يقفز الجميع فور أن يشير باصبعه , تبعته إلى المكتب وقلبها يغوص بين أضلاعها , ليس باستطاعتها أن تفعل شيئا. فقط عليها أن تواجه الأمور بشجاعة , كان يجب عليها أن تتمتع بالبصيرة لمنع حدوث مثل هذا الموقف , حتى أنها ترتدى الملابس نفسها التى كانت ترتديها البارحة !
- مارك ...هل الصورة التى طلبتها بالأمس موجودة فوق مكتبى ؟ توقف كورد وهو فى طريقه الى مكتبه ليتحدث إلى أحد المحاسبين , مما أجبرها على أن تقف خلفه , وأبقت نظرها فوق كتفيه العريضتين .
- سوزان , هل وصلنا التقرير من ليونيكاردس فى البريد كما وعدوا ؟ توقفا مجددا , كورد يحمل الملفات وايلين تحمل حقيبته فيما استمع كورد الى جواب الفتاة , وقد كانت ايلين متأكدة من أنه تعمد أن يفعل ذلك ! ولاحظت أن أحدا لم يرفع رأسه لتحيتها كما جرت العادة متمنيا صباحا سعيدا لها , وقد شكت أن يكون السبب حيرتهم وعدم ثقتهم بردة فعلها , لم لا يدخل مباشرة الى غرفته كالعادة ؟ تساءلت ايلين عن ذلك وهى غاضبة وتلونت وجنتاها اكثر واكثر بلون وردى , رغبتها فى أن تضربه بالحقيبة على رأسه تزايدت فى تلك اللحظة .
- كورد , عزيزى ...عندما فتحت ايلين الباب المؤدى الى غرفتيهما ووقفت بانتظار كورد أن يسبقها بالملفات , شعرت بقلبها يغوص أكثر و أكثر , كانت كلوديا تجلس برشاقة فوق أحد المقاعد الكبيرة , وكانت نظراتها الحادة تتنقل بينهما , فيما أجبرت فمها على ابتسامة صغيرة : أين كنت بحق السماء ؟ لقد حاول والدى الاتصال بك فى وقت متأخر الليلة الماضية ولم يجدك ..كان صوت كلوديا الحاد يصل واضحا الى المكتب الخارجى ،وبعض الرؤوس المنحنية بانشغال فوق المكاتب جازفت باختلاس نظرة جانبية سريعه .
- لقد كنت فى المنزل طيلة المساء ...وبدا واضحا أن كورد يكره أن يطلب أحد منه تقريرا عن تحركاته وكان
عابسا وهو يتقدم الى غرفته .
- ولكن , يا عزيزى كورد , لقد قال ابى .... ولم تسمع ايلين ماذا قال والدها , لأن كورد صفق الباب بقدمه بعد أن تبعته كلوديا .
- علقت ايلين سترتها بيد مرتجفة , لقد كانت النظرة التى رمتها بها كلوديا عندما دخلت خلف كورد مليئة بالشر , ولم تستطع أن تسمع ماذا يدور بينهما ولكن بعد دقائق قليلة خرجت كلوديا من الغرفة الداخلية وكان وجهها الجميل أرجوانى اللون بسبب الغضب , وشفتاها مزمومتين فى خط حاد غير جذاب , مشت بجانب ايلين دون ان تلتفت الى اليمين أو اليسار وفتحت الباب المؤدى الى المكتب الرئيسى , وكان وقع قدميها فوق الأرض المرصوفة يطرق بما ينم عن الحقد وهى فى طريقها الى خارج المبنى .
منتديات ليلاس
- رائع ! أغمضت ايلين عينيها للحظة . ان هذا اليوم سيكون يوما رائعا, فهى تشعر أن أعصابها تصرخ وهى مازالت فى بدايته , لقد أملت أن لا يكون كورد قد ذكر اسمها فى أى شىء قال لكلوديا , ولكن ذلك الامل مات بعد عدة دقائق عندما ناداها كورد من مكتبه .
- نعم ؟...نظرت من الباب المفتوح وسألت بتوتر
- ادخلى واغلقى الباب ذلك الصوت القاسى لا ينذر بشىء حسن فى شأن التوافق فى المكتب , ذلك ال....وأشار بيده بتوتر الى الباب الذى غادرت منه كلوديا : ...أنت تجاهلت ذلك , صحيح ؟
- صحيح ..ونظرت اليه بقلق
- حولى إلى أى متاعب تعترضك بهذا الشأن
- متاعب ؟ وحاولت ايلين أن تبقى صوتها طبيعيا : يجب ألا توجد أى متاعب ؟
- ألقى نظرة خاطفة على وجهها : ذلك لا يهم , يكفى أن أقول , إننى أنا وكلوديا كنا صديقين منذ سنوات ولكن كل ذلك انتهى منذ وقت بعيد , مهما يكن , هى , على ما يبدو , تعتقد أن لديها الحق فى بعض الامتيازات وأنا قد توجب على أن ...أقنعها خلاف ذلك , هل فهمت ما أعنى ؟
- آه , لقد فهمت بشكل حسن جدا ...ونظرت إليه بغضب : أعتقد أنك أخبرتها بأننى قد قضيت الليله معك فى بيتك ؟
- لم أضطر لذلك , ولكنك أنت فعلت , أليس كذلك ؟ كان صوته قاسيا .
- ليس بالطريقة التى هى تفكر بها ...بدأت تشعر بصوتها يرتفع فأخفضته فورا : أنت تعلم ماذا ستعتقد الآن
- أنا لست مسؤولا عما تعتقده كلوديا , وأشفق على اى رجل يفعل ذلك كان صوته حادا ونظراته موجهه اليها بشكل مباشر : أحاول تسيير الآعمال هنا , فهلا عدت الى مكتبك وقمت بعمل ما ؟
- اسمع ....
- أنا مشغول يا ايلين , لدى الكثير مما يجب أن أقوم به ولا وقت للأمور السخيفة
- أمور سخيفة ! رددت كلماته من بين أسنانها : آه , أنت , أنت ...لكنه تجاهلها تماما بعدما أخفض نظره وراح يحدق بالأوراق الموجوده فوق مكتبه وبدأ بكتابة بعض الملاحظات على حاشية احد التقارير , وبعد لحظات عادت الى غرفتها وصفقت الباب خلفها بقوة جعلت السقف يهتز .
- فى الحال رن جهاز الاتصال الداخلى , وعندما ضغطت الزر سمعت صوته يعلو بحدة فى الغرفة : أى تصرف آخر كهذا سوف أضعك فوق ركبتى واعاملك مثل طفل صغير لأنك على ما يبدو قد تحولت الى ذلك ..فأغلقت الجهاز دون أن تجيب ولكنه عاد وتكلم من جديد : هل تفهميننى , يا ايلين ؟
- نعم ..ونظرت بتجهم الى الآله بعدما أجابت
- لا أدرى ما حصل لك هذا الصباح ولكننى لن أحتما ذلك , أنت هنا بالتحديد لتأدية عمل وأنت سوف تقومين بذلك بشكل حسن فى كل الأوقات إلا عليك مواجهة العواقب , والآن عودى الى العمل .
- ذلك هو الأمر إذا . لقد عادا الى المشهد الأول من الحرب وكأن ليلة الأمس لم تمر أبدا .
- حسنا , يا كورد لاشونى همست برقة وهى ترتب مكتبها وقد جلست لترجمة وثيقة مستعجلة : إذا كان ذلك ما تريد, فذلك حسن بالنسبة لى , سوف يكون لى يوم ولو كان ذلك آخر شىء أقوم به.