الـــــفــــــــــــصــــــــل الــــثــــالــــــث
- كان كورد فى غرفة مكتبه عندما وصلت ايلين فى الصباح الباكر الى المؤسسه . انها تستمتع دائما بالقدوم سيرا على الاقدام الى العمل خاصة على طريق المدينه النظيفة , المشرقه تحت أشعة الشمس قبل أن يتحول الطقس الى جو حار بشده مزعج للحركه , كانت معظم الابنيه , منازل سكنيه , والبيوت الصغيره محاطه بحدائق جميله كبيره , والبساتين الصغيره الغنيه بالثمار منتشره هنا وهناك.
- كانت ترتدى ملابس محتشمه بقدر ما يسمح الطقس الحار بذلك : بلوزه قطنيه , عالية القبه , قصيرة الكمين , وتنوره طويله جدا تصل الى كاحليها , فكرت وهى متجهمه بأنها لا تريد أن تمنحه أية فرصه ليشعر بأنها تتباهى أمامه . صففت شعرها على شكل ضفائر على الطريقه الفرنسيه وحتى تخفى نفسها تجنبت استعمال مساحيق التجميل . لم تكن تدرك ان بشرتها الشاحبه البراقه وعينيها الواسعتين المشرقتين الكثيفتى الاهداب , ذواتا جمال ونضاره لا يمكن اخفاءهما
- م م م .....محتشمه جدا ....نظر اليها ساخرا عندما دلفت داخل المكتب حيث كان جالسا خلف طاولة المكتب , كان ضوء الشمس ينعكس فوق شعره الاسود, ولون القميص الابيض الذى يرتديه يتضارب مع لون بشرته الداكن , بدا أجنبيا وخطيرا , شعرت بقلبها يقفز الى حنجرتها , لكن بعد ذلك التعليق بدا منهمكا بالعمل وهكذا أصبح ذلك الصباح مليئا بالنشاط
- لدهشتها , وجدت أنها فى نهاية ذلك اليوم , قد استمتعت بالعمل . فقد كان شيئا مرضيا أن ينظم كل شىء خلال الاسبوعين المنصرمين وكذلك أن تتمكن من تخطى كل العقبات الصغيره التى اعترضت سير العمل , ولكن لا سبيل لأن يقارن ذلك مع عالم الصراع الداخلى الذى قادها اليه كورد بالاكراه . كان يوزع أعباء العمل مما جعل الجميع يبقون على أهبة الاستعداد والعمل بجديه
- هل هو هكذا دائما ؟...سألت سايمون أحد أعضاء الفريق الذى أحضره كورد من انجلترا
- دائما ...كان وجه سايمون الوسيم ينم عن الاسى و أضاف : لهذا الامر حسناته , فأنت لا تشعرين بالملل , فأعماله مسليه جدا وهو دائما يقوم بمجازفات جديده . وانا سوف أكره العمل مع شخص أخر
- لم تقل ايلين شيئا , ولكن نظراتها كانت تحمل الكثير من المعانى
- سوف تعتادين على ذلك : ضحك سايمون من عبوسها الذى عبر عن عدم تصديقها لما سمعت : ان كل اعضاء فريق العمل الانكليزى سوف ينزلون فى المبنى نفسه معكم , هل ترغبين فى الانضمام الينا للذهاب سيرا على الاقدام الى المبنى ؟ سوف نبدل ملابسنا ثم نقصد مكانا ما لتناول الطعام . لقد سمعت عن وجود مطعم صغير رائع بالجوار و أنت على الرحب والسعه اذا أحببت الانضمام الينا , نحن .....
- أنا أسف جدا يا سايمون ...الصوت العميق الصادر من خلفهما جعل ايلين تجفل بتوتر ثم أضاف : سوف أكون فى حاجه الى الانسه مارسيل وقتا أكثر من الجميع , وسوف أوصلها الى المنزل عندما ننجز العمل ...تكلم كورد بهدوء ورقه وكان وجهه لطيفا وهو ينظر الى الموظف , لكن استعمال اسمها الثانى أضاف تحذيرا الى كلماته التى لم يفهمها الموظف
- حسنا , حسنا , فى وقت اخر اذا ....نظر سايمون الى ايلين باضطراب وهو يسير مسرعا , لقد كانت تعلم انه يقول ذلك مراعاة للادب ولم يقدم أى اقتراحات اخرى , لقد جعل كورد الامر واضحا , انها املاكه الخاصه وفى صباح الغد سوف يكون الجميع قد علموا ذلك
- انتظرت حتى خرج الجميع وأصبحت المكاتب خاليه , فطرقت باب مكتب كورد الخاص بشده : نعم ؟ كان يجلس على حافة مكتبه , يقرأ تقريرا ولاحظت وهى تلتقط أنفاسها أنه قد حل ربطة عنقه وفك زر القميص الاعلى حيث برز لون بشرته القاتم . كان جسده الضخم هادئا ومسترخيا , ونظر اليها متسائلا عندما لم تتفوه بكلمه : هل تريدين أن تقولى لى شيئا ؟
- هل كان ذلك ضروريا ؟ كان وجهه هادئا ولطيفا ولكنها لم تخدع بذلك . انه يعلم بالضبط ما كانت تعنى
- أن يبعد سايمون بتلك الطريقه , الطريقه التى عبرت بها ....أنت تعلم بالضبط ماذا سيعتقدون . سوف يدعوننى و أنت .... وتوقفت عن الكلام.
- نعم ؟ وأيضا لم يكن هناك أى تعبير فى صوته
- أنت تعلم ما أريد أن أقول . هل كان هذا جزءا من العقاب ؟ أن لا يسمح لى بالاختلاط مع أحد ولا أن يكون عندى ....
- لا تكونى طفله ...قاطعها بصوت بارد : لقد صادف وجود عمل كثير ذى طابع سرى ويحتاج الى انجاز الليله , أنت وافقت على العمل كمساعده خاصه لى , اذا استطعت ان تتذكرى , وذلك يعنى الا تراقبى مرور الوقت , والان اذا انتهيت من هذيانك , سوف نبدء العمل
- نظرت اليه مطمئنه وتنهدت بصمت , فلا فائده من محاربته لأنه كان دائما متقدما خطوه عليها . ان سيف ديموقليس لا يزال مسلطا فوق عنق تيم . جاهزا لقطع عنقه عند أول ميل الى العصيان من جهتها . لم , اه , لم سمحت له بتقبيلها تلك الليله ؟ لابد وانها مجنونه ! ماذا ألم بها ؟
- مهما يكن الامر , فقد عاودها الالم بكل قوته فى تلك الليله . بعد أن انهمكت فى العمل فى تقرير فرنسى معقد ملىء بالمرادفات التقني وبذلت الجهد لترجمة الملاحظات الضروريه , وكتابتها بخط يدها , اتكأت الى الخلف متعبه وأغمضت عينيها . لقد كانت تعبه جدا , وحتى الجو الحار القاسى كان جافا بشكل لا يحتمل
- هل انتهى كل شىء ؟ كان يقف بقرب الباب وهو يراقبها عندا فتحت عينيها بسرعه وتابع قائلا : أحضرى حقيبتك , سوف نذهب للبحث عن طعام نتناوله
منتديات ليلاس
- لا ...كان رفضها عفويا وقد احمرت وجنتاها عندما لاحظت أن عينيه الرماديتين القاسيتين قد ضاقتا : أعنى و لا شكرا , هذا لطف منك , ولكن حقيقة لا ضروره لذلك , فأنا متعبه و ....
- اذا السبب الرئيسى للأكل ف الخارج هو توفير وقت تحضير الطعام فى المنزل ...لاحظت ايلين نغمة حادة فى صوته , وحتى الان علمت الكثير عنه لتعرف أنه شىء واحد سواء كان طلبه دعوه مهذبه أم أمر , وكانت اللكنه الغريبه فى صوته أقوى من أى وقت , مما جعلها تدرك أنه منزعج
- هل تصل دائما الى ما تريد ؟ نطقت تلك الكلمات قبل ان تستطيع ان تمنع نفسها عن الكلام وقد لاحظت ان حدقتيه قد اتسعتا لشدة دهشته
- دائما ..وابتسم وهو يقول : واقول معترفا أن ذلك يشعرنى بالبهجه فى أكثر الاحيان . أنا لا أحب أن يعارضنى أحد . يمكنك أن تلومى دمائى التى تعود الى أصل كورسيكى
- أنت كورسيكى ؟ لم تستطع أن تمنع وميض البهجه الضعيف من تلوين صوتها , وقد تمنت لو أنه لم يلاحظ ذلك
- جزئيا ...قال وهو يبعد شعره الاسود عن جبهته ثم تابع دون أن يبعد نظره عنها : كانت أمى معلمة مدرسه, شابة وخجوله تزور كورسيكا فى اجازة عندما قابلت والدى ...ضحك ساخرا و أردف : تبدو مثل وضعك , أليس كذلك ؟ وشعرت بوجهها يلتهب لتلك الملاحظه الساخره لكنها لم تقل شيئا
- كان ذلك حبا من النظره الاولى , لو كنت تؤمنين بهذا الشىء النادر , وبعد ذلك لم تعد الى وطنها الام , لقد فهمت أن عائلتها عارضت كثيرا هذا الامر , ولكن فى النهاية حضروا الزفاف , مضطرين , فوالدى ما كان أبدا ليسمح أن تبتعد عنه
- الطريقه التى نطق بها كلماته الاخيره بعثت قشعريره فى عمودها الفقرى , سواء من الخوف او الفرح
- أما يزالان يعيشان حتى الان فى كورسيكا ؟
- لقد قتلا فى حادث سياره عندما كنت فى الثامنه من عمرى , وكنت طفلهما الوحيد...لم تستطع أن تبعد نظرها عن وجهه الداكن الاسمر , وأصبحت المزايا الموروثه عن العروق الكورسيكيه مسيطره على محياه , قالت برقه : انا اسفه . لابد وان ذلك كان محزنا بالنسبه لك..
- هز كتفيه غير مبال وقال : كل شىء ذهب الان ...وشعرت انه لم يكن يقول الحقيقه : جدى وجدتى فى انجلترا حضرا ليأخذانى للأقامه معهما , وطبعا لم يكن ذلك سهلا ولكن فى النهايه عقد اتفاقا مع أقاربى الكورسيكين , على أن أقضى معظم أيام السنه فى انكلترا وأقضى شهرين من فصل الصيف كل سنه فى كورسيكا عند والدى أبى
- لابد من أن ذلك لم يكن حسنا بالنسبه لولد صغير ...نظرت اليه وهو مازال واقفا قرب الباب وسألت : هل وجدت الامر قاسيا ؟
- الحياه صعبه , ولا يمكن أن تتعلمى ذلك باكرا ...بدا فى نظراته شىء عميق جعل دمائها تتجمد
- ألم يزل أحد أجدادك على قيد الحياه ؟
- لا ...أنهى الحديث بحركه سريعه فيما هو يستدير فجأهوكأنه يكره أن يقول المزيد, شعرت انه لم يكن معتادا على التحدث عن نفسه أمام أحد وانتابها شعور بالفرح لأنه سمح لها أن تعرف شيئا قليلا مما جعله اشخص الذى هو عليه اليوم
- تبعته الى الرواق ووجدته ينتظرها داخل المصعد : هل تحبين الطعام الفرنسى ؟ وهكذا وصل حديثهما ...من القلب الى القلب ...الى نهايته
- فى السياره...وقد اختار هذه المره سياره رياضيه فخمه عوضا عن سياره البنتلى ...قاد كورد عبر الشوارع المظلمه المضاءه بالمصابيح وأضواء المقاهى والملاهى . راقب الطريق بوجهه المتجهم , دون أن يتكلم
- كان الفندق الصغير مميزا عن الفنادق الاخرى بالحدائقالغناء التى تحيط به من كل الجهات .سرت ايلين عندما وجدت أن بعض الطاولات الصغيره قد وضعت تحت أشجار النخيل الضخمه , حيث جلس معظم الزبائن فى الهواء الطلق يستمتعون بأوقات راحتهم فى ذلك الجو العبق , عندما مشيا الى حيث الضوء كان النادل يقف بجانبهما بمهاره يبدو معها وكأنه فنان . بناء ا على طلب كورد قادهما الى مائده لشخصين قريبه جدا من أغصان مزهره ذات رائحه فواحه وكانت تلك الازهار على شكل نجوم صغيره تتماوج بين اللون الاحمر القرمزى واللون الزهرى الشاحب الشفاف
- انه رائع ...قالت بتاثر وعيناها تجولان باعجاب فى كل مكان
- لقد اعتقدت أن هذا المكان سيعجبك
- هل أتيت الى هنا من قبل ؟
- مرارا ...قال باختصار , فأنهت الموضوع ولكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من التساؤل عمن قد أحضر معه فى المرات السابقه , ثم رفضت ان تفكر فى هذا الامر , وما الفائده من ذلك ؟ فهو اخر رجل يجب أن تهتم لامره
- عندما كانا بانتظار تلبية طلبهما , أحضر النادل زجاجه من شراب الورد المنزلى . الذى أكد لها كورد أنه ممتاز , بالفعل كان كذلك , ان المزيج المكون من النسيم الناعم الدافىء والثرثره باللغات المختلفه التى تصل اليهما بصعوبه من الطاولات الاخرى المنتشره فى أرجاء المكان , والعطر الساحر الذى يفوح من مئات الازهار المتنوعه , بالاضافه الى الشراب الرائع , جعلت ايلين تشعر وكأنها فى كوكب اخر وليس فى فرنسا
- مد كورد قدميه بتكاسل ولامست احدى ساقيه الطويلتين ركبتها فقال : اسف وعندما شعر أنها سحبت قدمها قال لها هازئا : أنت هنا بأمان ...لوح بيده وهو يقول ذلك وكانت نظراته خبيثه
- أعرف ذلك ...توهجت وجنتاها وحاولت أن تغير الموضوع فنظرت الى المائده وسألت : لم يوجد غطاءان فوق المائده ؟
- ملأ كأسها مرة ثانية قبل أن يجيب ونظراته الساخره تتجول ببطء وامعان فوق خديها المتوردتين وعينيها اللامعتين : ألم تزورى فرنسا من قبل ؟
- لا ...حسنا , نعم... ترددت وحاولت تنظيم أفكارها , ان اختيار هذه المائده المخصصه لشخصين فى هذا الجو الحميم لم يساعد فى تهدئة أعصابها البته .: لقد أتيت فى رحلة استرخاء بعد الامتحانات , ولكن العائله التى أقمت معها لم تكن تخرج قط وكنا دائما نتناول الطعام فى المنزل . لقد بقيت هنا لمدة شهر
- ان هذا محزن ...كانت عيناه داكنتين وهو ينظر اليها بكسل : يجب أن أقوم معك بجوله خلال وجودك هنا ...لم تقل شيئا فتابع بعد لحظه : معظم المطاعم فى فرنسا تفرش الموائد بغطاء من ورق , يبدل فى كل مره يجلس اليها احد الزبائن , وغالبا ما تفرش فوق الاغطيه القماشيه كما هى الحال الليله , هذه الاغطيه الورقيه لنا , أتعرفين ؟ ونظرت اليه مندهشه : انظرى الى بعض الموائد الاخرى..
- فعلت كما طلب منها , واختلست نظره الى الموائد المجاوره , استطاعت أن ترى فى الضوء المنبعث من المصابيح أن معظم الزبائن الفرنسيين كانوا يرسمون على الاغطيه الورقيه أمامهم , مختلف الاشياء وغالبا بكثير من المرح : انها عاده جميله , طبعا اذا كنت تستطيع أن ترسم ...قالت وهى تبتسم برقه
- لست بحاجه لأن تكونى بيكاسو ...قال مستهزئا , ثم تابع : لقد قيل لى أن بعض أفضل رسائل الحب و أغرب طلبات الزواج شعرا , قد كتبت على هذه الاغطية
- حقا ؟ شعرت بالارتياح لان الطعام حضر وقد أصر كورد على أن تتذوق حساء السمك الذى طلبه لنفسه , فوجدته لذيذا . كان الوعاء الذى يسكب منه الحساء مقدما مع طبق من الخبز المحمص . مع بعض الجبن المبشور وصحن من الصلصه الحاره , وجدتها قويه حادة , فعلت مثلما فعل كورد , نشرت قطعتين من الخبز المحمص مع الصلصه ووضعتهما فى قعر الوعاء ثم أضافت الحساء فوقهما , نثرت القليل من الجبن فوقها وكانت النتيجه طبقا شهيا , وكذلك شرائح اللحم مع التوابل التى تلت . رفضت تناول الحلوى مما أزعج كورد , ان شرائح اللحم المبهره كانت دسمه جدا وطازجه مما جعلها تأكل بشهيه الى اخر لقمه ولم يعد هناك متسع لأى شىء اخر
منتديات ليلاس
- راقبته ايلين باندهاش وهو يلتهم كميه كبيره من حلوى الفريز والايس كريم , ثم طبقا اخر من جبنة الركفور المفضله لديه , مع الخبز الطازج : أنت تعرفين أنك لا تستطيعين الحصول على هذه الجبنه فى العديد من الامكنه الاخرى ؟ قال فيما ينادى النادل من أجل طبق اخر : وأقول رأيي بتواضع , انه أفضل جبن فى العالم
- أنت حتما تستمتع بطعامك ...قالت وهى تبتسم عندما عاد وجلس على مقعده . كانا متخمين وهما يرتشفان القهوه وقد لفهما نسيم الليل البارد
- أنا أحاول أن أستمتع فى كل شىء أقوم به ...قال بصوت أجش ولكنه غير صوته وهو يقول كلمة كل شىء مما جعلها تبدى استمتاعا بمشاهدة المائده التى تبعد مسافه قصيره عنهما . حاولت أن تتجاهل ضحكته الخافته التى تبعت كلامه ولكنها شعرت بخديها يتوهجان
- كانت الوجبة لذيذة شكرا جزيلا لك ...قالت بعد بضع لحظات , وهى ترفع نظرها اليه , كان لون شعرها الفضى يلمع بشكل يبرز لون أعماق عينيها الداكن
- كان ذلك من دواعى سرورى...لكنه أفسد عبارته المؤدبه عندما اردف : مع أن أى شىء كان سيبدو أفضل من طعام الارانب الذى بدا وكأنك مصممه على تناوله . الانكليز فقط يستطيعون تحضير وجبة طعام من أوراق الخس !..نظرت اليه بحده لكنه تجاهل نظرتها وتابع : لقد خسرت بعضا من وزنك منذ قدومك الى هنا , أليس كذلك ؟ وسوف تذوبين قريبا
- نظرت اليه مصدومه من المفاجأه , غير قادره على اخفاء لون اللهب الذى أحرق خديها وجعل عينيها تبرقان : أنت وقح يا سيد لاشونى , أنت وقح حقا
- لا أشك فى ذلك ولا للحظه , ولكن لم تذكرين ذلك الان ؟ جلس مسترخيا ومتكاسلا فى موجهتها , لكنها لاحظت أن عينيه الرماديتين كانتا حادتين كعينى قط أسود كبير
- اه , أنت ... أخذ صوتها يرتجف وتوقفت عن الكلام . أخذت نفسا عميقا ثم حدقت به مجددا , كان يجب عليها أن تدرك أن هذا السحر لم يكن الا مظهرا خادعا , فالنمر لايستطيع أن يغير جلده المرقط بين ليله وضحاها : لديك الجرأه لتنتقد هيئتى , بينما افتقارك التام للاحساس هو الذى جعلنى اعمل منذ انبلاج الفجر وحتى وقت متأخر من الليل لعدة أسابيع ! ربما لم اكل كما يجب , ولكن لا يمكن أن يكون الامر مفاجئا , أليس كذلك ؟ اننى أتساءل كيف أجد الوقت لأتناول الطعام , مع كل ما لدى من عمل ..كان صوتها وكأنه همس
- ارتسمت على فمه ابتسامه برغم أن الدفء لم يظهر فى نظراته الثاقبه المثبته على وجهها , وانحنى فوق المائده وأخذ بين يديه احدى يديها الشاحبتين , أى شخص صدف انه يراقبهما , يعتقد أن الباعث على تلك الحركه هو الحب .كان صوته رقيقا وهو ينظر الى عينيها ويقول : أعتقد أننى ضربت وترا حساسا, هذا اذا أردنا أن نقول الحقيقه .أنت لا تتحملين ذلك لأننى لم أركع أمامك و أعبدك , أليس كذلك؟ هل تجرأت وقلت ان نحولك ليس حسنا ؟ واه , واه ...أبعد نظره عن وجهها ثم عاد ونظر مجددا الى عينيها : أنا لم أكن أقول ذلك , فى الواقع , وأنا واثق من أنك تعلمين أنك رائعة القد ...انحنى أكثر الى الامام : دعينا نوضح شيئا واحدا يا ايلين , أنت واخوك قد خرجتما من الورطه بسهوله ...كان صوته ما يزال رقيقا , بينما كانت نظراته جامده كالمعدن : أنا أكره اللصوص , اكره الغش والنساء المتامرات . وأنت تدفعين الدين عنكما الاثنين ولا تحاولى خداعى ولو للحظه . لا تعتقدى انه بامكانك ان تجعلينى خاتما فى اصبعك , كما أنا متأكد من أنك فعلتى مع أشخاص كثيرين فى حياتك , فأنت يجب ان تبقى حذره فى التعامل معى أيتها المعلمة الانكليزيه الشابه والا سوف تندمين كثيرا
- حدقت به وهى تشعر وكأنها فاقدة الحس . ان حقيقة كونه قاسيا تكمن فى قوة وعيده
- هناك أمر اخر , لا أريد أن تسببى المتاعب بين بقية الموظفين عندى , هل هذا واضح ؟ وهذا يعنى انه عليك أن تبقى براثنك الصغيره بعيدا عن الشبان الساذجين أمثال سايمون , اذا اردت فعلا ابقاء حقيقتك خافيه , انه فتى حسن , ولن يعلم ما يصيبه.
- ماذا تعتقد اننى اكون ؟
- قال شيئا ما بلهجته الكورسيكيه المحليه وبدت كلماته وكأنها تحمل معنى سيئا . حاولت أن تبعد يدها لكنه شد قبضته عليها حتى شعرت وكأن أصابعها تكاد تسحق : لقد أخبرتك من قبل يا ايلين , ان كلا منا يعلم ما أنت , فلا تدفعينى الى ان أظهر لك الجانب السيىء من شخصيتى
- هل تعنى أن كل ما رأيته حتى الان هو الجانب الحسن ؟ منعها القليل مما تبقى من كبرياء من الاذعان له كليا
- أنت لا تعلمين النصف . ففى بلدى أنت سوف تكونين ... توقف عن الكلام فجأه : على اى حال هذا ليس بلدى , ولكن سوف تفعلين كما أخبرتك , لقد حذرتك فى لقاءنا الثانى من أنك سوف تكونين طوع يدى قبل أن يصل اتفاقنا الى نهايته , الان , هذا يمكن أن ينجز بكثير من الالم أو ....تراخت قبضته الحديديه وأدار يدها بين يديه وطبع قبلة على النبض السريع فى معصمها : ...أستطيع أن أكون سيدا لطيفا , الاختيار لك يا عزيزتى , واى أختيار سوف يكون تسليه ممتعه لى , ويكون تعويضا لى عن خيانتك
- تأثير قبلته على معصمها جعلها ترفع رأسها بقوه وكأن لمسته قد جعلت عظامها تنصهر مع بعضها بعضا . فنظرت مباشرة الى نظراته البارده والمحتقره ولاحظت القساوة فى عينيه وهو يراقبها باهتمام : وأنا أخبرتك أننى أكرهك , لن تستطيع أن تهزمنى ...لن أسمح لك , حتى مع كل هذا الجيش الذى يخضع لسيطرتك
- اه , أنا لا أحتاج الى جيش ...اتسعت حدقتاه ببراءه ساخره ولاحظت انه كان يستمتع بهذه المشاده : اذا هى حرب ,ولكن كان يجب أن أعترف أن جزءا ما فى داخلى كان يأمل الا تختارى الطريق السهل , الشابات الطائعات الهادئات لهن فوائد , ولكن ....توقف للحظه ثم أردف : ...السيئات منهن أكثر تسليه
- كانت تدرك حتى فيما هو يتكلم أنه أراد تأنيبها بملاحظات ساخره ومستفزه فى أعماق صوته , ولكن رأيه بها كان يؤلمها مثل طعنة سكين , يجب عليها مواجهة الامر , لقد انجذبت اليه بشكل يختلف عن أى رجل قابلته , من بين كل الرجال ,الرجل الذى قدر لها أن تحب كان رجلا يمسك بها وهو يتفوه بعبارات الاحتقار
- جعلتها تلك الافكار , تخفض راسها حتى تخفى عينيها عن ذلك العقل الثاقب والحاد , وتساءلت بأسى , لقد وقعت فى حبه . أليس كذلك ؟ أخذ قلبها ينبض بسرعه وشعرت بدوار لشدة خوفها , قالت لنفسها بصمت : ابقى كل دفاعاتك على اهبة الاستعداد , لو علم أنك منجذبه اليه فسوف تضيعين
- نظرت اليه عندما استوى فى مقعده , فكانت نظراته ما تزال بارده ومتفحصه : اذا اردت قتالا فسوف يكون لك ذلك , يا سيد لاشونى . كان جامدا , عيناه فقط كانتا تلمعان تحت الضوء وتابعت : ولكنك لن تربح , فى نهاية الاشهر الاحد عشر , أستطيع أن أرحل وذلك ما سوف يحدث , وينتهى امساكك بى الى الابد
- سوف نرى ...تغير ثانية , كانت تعابيره لطيفه وطبع لثمه صغيره على زاوية فمها وهو يقف : بالمناسبه يمكنك أن تنسى ذلك السيد لاشونى , لأن ذلك بدء يزعجنى , أنا لست مدير المدرسه , اسمى هو كورد
- ألقت نظره عليه وهو يقف أمامها , صورته الكبيره القويه مخيفه بالملابس التى يحسن ارتداءها , ووجهه القاتم القاسى كان هادئا وراضيا , لا . يجب عليها أن تعترف , لم يكن كاى مدير مدرسه رأته من قبل , وخطرت على بالها فكره أزعجتها , تخيلت أنه تلاعب بها ثانية لأهدافه الخاصه , وتلك الفكره جعلتها تزم فمها الصغير
- حسنا لتبدء المعركه , قد تكون خسرت عدة نقاط حتى الان , ولكنها ستصلى حتى تستطيع أن تواصل المعركه حتى النهايه
منتديات ليلاس
- أمسك بذراعها وهما يغادران المطعم وكانت تدرك أن أكثرية النساء تراقبهما , اه لو يعلمن , وعضت على شفتها حتى تمنع ابتسامه ساخره من أن ترتسم فوق شفتيها , اولئك الغبيات , الجالسات وراءها لابد وانهن يحسدنها , وهن لا يعرفن أنها وبكل رضى , توافق على ان تبدل مكانها بمكان احداهن فى هذه اللحظه
- عندما استيقظت باكرا فى الصباح التالى قبل طلوع النهار بعد ليله مزعجه مقلقه , سمعت أصواتا غير مألوفه , انها تمطر ! قفزت الى النافذه ونظرت وهى تشعر بالامتنان الى قطرات الماء المتساقط على الزجاج , الان أصبح الطقس باردا وانخفضت الحراره عدة درجات . وخفت الحراره البغيضه الشديدة الرطوبه التى كانت تسبب لها الوهن , لم تكن يوما فى حياتها مسروره هكذا لرؤية المطر , جلست الى جوار النافذه قرابة الساعه بعد ان حضرت القهوه , فيما زحف لون الفجر الرمادى الشاحب عبر السماء القاتمه ليبدء يوم جديد , ان شدة كراهية كورد لها أصابتها بصدمه الليله الماضيه , ولكنها تغلبت على ذلك , هذا ما قالته لنفسها , لا تقولى ابدا هاهى النهاية , كما كانت أمها دائما مؤهله لقول ذلك
- كانت هناك صدمه ثانيه تنتظرها فى العمل عندما وصلت الى المكتب قبل الساعه التاسعه : أين طاولة مكتبى ؟ وقفت فى المكتب الخارجى الكبير لتخلع معطفها الخفيف وتضع مظلتها قبل أن تذهب لتعلم كورد فى مكتبه الخاص عن وصولها , ووقفت وهى تنظر حائره الى المكان الخالى حيث كانت طاولة مكتبها .
- السيد لاشونى أمر بنقل المكتب الى مكتبه الخاص ..أجابتها ويندى التى تعمل على الاله الكاتبه , ونظرت باستغراب الى ايلين ثم قالت : ألا تعلمين ذلك ؟
- كان يجب أن يذكر شيئا عن هذا ...حاولت أن تتكلم بصوت خال من الاتهام , لابد وأنه كان يحاول أن يمنعها من أن تؤثر على بقية الموظفين , حاولت أن تهدىء من غضبها , فهو لن يستطيع أن ينتصر عليها!
- ايلين , هل باستطاعتك أن تسلميه لائحة المصاريف هذه ليتحقق منها قبل أى شىء ؟ ناولتها ويندى ورقه مطبوعه على الاله الكاتبه : سوف يكون مشغولا بعض الشىء لاحقا ..وابتسمت ويندى الى سايمون ابتسامه ذات مغزى , وغمزها بعينه اشاره الى أنه فهم ما ترمى اليه
- هل فاتنى شىء ؟ ونظرت الى وجه ويندى المشرق بوضوح
- احمرت وجنتا الفتا الثانيه وخفضت نظرها , وهزت كتفيها قائله : ليس تماما . كل ما فى الامر أن كلوديا سوف تصل اليوم برفقة والدها
- كلوديا ؟ ...كانت تدرك أن كل فريق العمل الانكليزى يراقبها وهى تتكلم , مع انهم بدوا وكأنهم منهمكين بالعمل
- ألا تعرفين من هى كلوديا ؟ كانت ويندى مندهشه وقد تلونت وجنتاها بلون أحمر
- ليس لدى أية فكرة , أنا اسفه , هل كان يجب أن أعلم ؟
- حسنا , أعتقدت , أنه بسبب علاقتك بالسيد لاشونى .....وتوقفت ويندى بعدما أدركت ما يعنيه كلامها : أنا أعنى ....
- اعتقد اننى أخذت فكره حسنه عما تعنين ....واختلست عيناها الجليديتان نظره الى وجه سايمون الذى بدا عليه الاحساس بالذب , ثم رقت نظرتها عندما نظرت الى ويندى . انها غلطتهم على اى حال . لقد تسرعوا بالاستنتاج الذى كان كورد يريده :هل أستطيع أن أوضح شيئا واحدا لأول واخر مره ؟ انصب اهتمام الجميع عليها , ومع انها كانت تتكلم بصوت خافت الا ان الموظفين الفرنسيين كانوا يرفعون رؤوسهم ليشاهدوا ما يجرى : أنا هنا موظفه مثلى مثل أى شخص منكم ولا شىء أكثر ولا شىء أقل . أستطيع أن أفهم , لم أخذتم انطباعا خاطئا ولكن هذا هو الامر ....انطباع خاطىء . أنا أعمل عند السيد لاشونى , وضعوا نقطه على نهاية السطر.
- اه لقد فهمت ...قالت ويندى ذلك بسرعه ونظرت منزعجه الى سايمون الذى كان يحنى رأسه : أنا اسفه يا ايلين , لم أكن أعنى أن ...
- لا بأس ...قاطعت اعتذار الفتاه الاخرى وهى تبتسم ابتسامه دافئه ثم قالت : والان , من هى كلوديا هذه ؟
- عندما ترينها مره واحده لن تنسيها أبدا ! ...انضم سايمون الى المحادثه مره ثانيه بعد أن اختلس النظر الى باب مكتب كورد ليتأكد من أنه ما يزال موصدا : انها صديقة السيد لاشونى , واكلة رجال حقيقيه ...ثم نفخ على اصابعه وكأنها تحترق : والدها هو شريك السيد لاشونى فى اعماله فى هذا المشروع الفرنسى , انها أمرأه مميزة
- حسنا , انها ليست حقا فتاته , أليس كذلك ؟ أضافت ويندى ببطء : فهى لم تظهر فى الساحه منذ شهور لقد اعتقدنا أن كل شىء قد انتهى , لقد جاء وقت , منذ سنتين عندما كانت تتصل به باستمرار عبر الهاتف وقد وصل به الامر , الى حد انه طلب من سكرتيرته عدم تحويل مخابراتها اليه ... واستنتجت ايلين أن السكرتيره لم تكن كتومه كما يفترض بها .
- ولكن ذلك لا يعنى أنه انهى علاقته بها , أليس كذلك ؟ قال سايمون وتابع : السيد لاشونى فعل ذلك لأنه كما تعلمين يحب أن يفصل بين العمل واللعب
- حسنا , أنا أعتقد أنه أدرك أى نوع من النساء هى , انه ليس غبيا
- أى نوع من النساء هى ؟ حاولت ايلين ان تتجاهل انقباض عضلات معدتها وتسارع نبضات قلبها , واصبح من الممكن سماعها
- قطة حقيقيه ...هزت ويندى رأسها بحركة تنم عن الاشمئزاز
- اه ويندى , كونى عادله , يجب عليك بأن تعترفى بأن لديها الكثير مما يجعلها متميزه ...قال سايمون وهو يوبخها بمرح
- أنت تعنى أنه بالاضافه لجمالها , وثرائها وابتذالها ,فأنا لا أستطيع أن أفكر فى شىء اخر
- تركتهما ايلين وهما يتناقشان بحده , ومشت عبر الغرفه , وفتحت الباب المؤدى الى مملكة كورد . الغرفه التى دخلتها كانت غرفة استقبال خارجيه , مجهزة بعدة مقاعد مريحه , وطاوله للقهوة منخفضة الارتفاع , وسجادة مترفه حتى تكاد شعيراتها أن تصل الى علو ركبتيها . رأت مجلات عديده متنوعه على أحد الرفوف وتنهدت بارتياح عندما رأت أن طاولة مكتبها قد نقلت الى احدى زوايا تلك الغرفه , فهو لم يتوقع أن تعمل معه فى الغرفه نفسها , هذا شىء حسن
- يتفرع من هذه الغرفه بابان , الاول يقود الى غرفة جلوس صغيره مجهزه بمقاعد مريحه وخزانه صغيره مليئه بانواع المشروبات , وفى الغرفه حمام خاص , أما الباب الثانى فكان يؤدى الى مكتب كورد وكان صوره مصغره عن المكتب الموجود فى انجلترا , يصل بين الغرفتين الداخليتين باب اخر , يضفى عليهما تكاملا ذاتيا
- نظر اليها كورد نظره خاطفه عندما دخلت الى مكتبه بعدما طرقت على الباب وقال : صباح الخير يا ايلين , لقد لاحظت اننى أمرت بنقل طاولتك الى الغرفه المجاوره لغرفة مكتبى , هذا بسبب الاعمال الكثيره التى تقومين بها والتى سوف تتسم بطابع السريه , فضلت أن تكون الامور على هذه الصوره , لانك سوف تقومين بمكالمات هاتفيه وبترجمة الوثائق دون أن تقلقى من الاذان المسترقه السمع والنظرات الفضوليه , أيوافقك الأمر ؟ ان ترتيب الامور على هذا النحو يبدو منطقيا , فهزت رأسها موافقه ومشككه , لو أنه لاحظ شكوكها بالنسبه لاهدافه من وراء هذا التصرف , فهو حتما سيتجاهل ذلك . بدا اليوم وكأنه زعيم قوى وكأن الليله اماضيه لم تحصل أبدا . عمل الجميع بسرعة متناهيه طيلة الصباح مما زادها اعجابا بمهارته وحدة ذكائه , فهو لم يسمح لنفسه بأن يفقد أعصابه , وبدا هادئا وقادرا على تولى زمام الامور , والتعامل مع عدة أشياء دفعة واحدة .
منتديات ليلاس
- رن جرس الهاتف , قبل حلول وقت الغداء , فيما كانت تجلس الى طاولتها . كان كورد قد قرر أن تحول جميع المخابرات الهاتفيه الوارده له الى ايلين أولا , وجاءها الصوت النسائى على الطرف لاخر من الخط بنبره تدل على الانزعاج من التأخر بالتقاط السماعه , وقالت بلهجة امره : السيد لاشونى من فضلك ...
- حالا ! من يتكلم ؟
- صلينى به فقط , هلا فعلت ذلك ؟انه يتوقع اتصلا منى ..
- أنا اسفه . ولكن يجب ان أسأل عن أسمك أولا ..ودهشت ايلين من ذلك الصوت الهادىء الحازم
- بعد صمت طويل قالت : الانسه اسفانا , كلوديا اسفانا , هل أنت راضيه ؟
- لحظه من فضلك ...شعرت ايلين بمعدتها تدور عندما اتصلت بكورد الذى استغرق عدة لحظات ليجيب . لقد كان صوت كلوديا بشعا : الانسه اسفانا موجوده على الخط , وأنا أخشى أنها غير مسروره منى ..شعرت ايلين أنه سيكون أمرا ثقيلا لو تكلمت عن نفسها أولا . وشعرت أن كلوديا لن تختار كلماتها عندما تصف تصرف ايلين
- كلوديا ؟ ماخطبها ؟ ماذا فعلت الان ؟ كان صوته منخفضا وينم عن الغضب وحاولت ايلين أن تسيطر على أعصابها بصعوبه : لم أفعل أى شىء . لقد طلبت أن أصلها مباشرة بمكتبك , وأنا أخبرتها أنه يجب على أن أسأل عن اسمها أولا , أنت أخبرتنى ...
- نعم , نعم , أنا أعرف ماذا طلبت منك ...قاطعها بنفاذ صبر : مهما يكن , فى حالة كلوديا يمكنك أن تصليها مباشرة , انها ليست من نوع النساء الذى ينتظر ..
- اه , لقد فهمت ...لقد علمت ايلين أنها سوف تندم على الكلام الذى سوف تقوله , ولكن لا يوجد قوة على وجه الارض تستطيع أن تمنعها من الكلام
- حسنا , ربما لو أحببت أن تترك لى لائحه بأسماء صديقاتك , مرتبه حسب الأولويه مع تسجيل لأصواتهن , عندها أستطيع أن أتبين من هن دون أن اسأل عن أسمائهن , ولن اقوم بالخطأ نفسه مره ثانيه...
- خيم هدوء مطبق للحظه ثم سمعت ايلين صوتا ينتج عن وضع الهاتف فوق طاولة مكتب كورد , وفى اللحظه نفسها فتح الباب بسرعه , ووقف فى المدخل يحدق بها . رفعت ايلين رأسها فى تحد وحدقت فى وجهه مباشرة , وأجبرت نفسها على الابتسام بطريقه عذبة وقالت : هل أنت مستعد لأخذ مخابرتها الآن ؟
- تشابكت نظراتهما لدقيقه كامله دون أن يتفوها بأى كلمه , وأجبرت نفسها على أن لا تشيح ببصرها عنه , لقد كانت محقه فى هذا الموضوع , لن يرهبها أو يطبق عليها أحكاما قاسية. كانت تستعد لهجومه , عندما سبقها وأطلق ضحكه عاليه , وقد أشرق وجهه تعبيرا عن مفاجأة مبهجه
- أتى صوته دافئا وينم عن الاعتذار عندما قال : هذا حسن يا فتاة , لقد كان صباحا طويلا وأنا كنت مخطئا , وأنك محقه فى رفض تحويل المكالمه مباشرة الى مكتبى , أعطنى دقيقه وبعدها سوف ازيل هذا الاشكال ...أغلق باب مكتبه من جديد , وبعد عدة لحظات التقط سماعة الهاتف , استطاعت ان تتصور كلوديا وهى تعتقد أنها تدبرت أمر هذا التأخير ولم تحاول أن تكلمها ثانية , بل حولت المخابره وهى تتنهد تنهيدة صغيرة حمدا وشكرا.
- اتكأت على مقعدها متعبه وهى تفكر أى رجل غريب هو ! لن تستطيع أبدا أن تفهمه , وردة فعله لتحديها كانت آخر ما تتوقعه , ولكنها تظهر قوة شخصيه هى ترفض ان تعترف بها لنفسها , كان والدها دائما يقول , ان الرجال العظماء هم الذين يستطيعون أن يعترفوا بأنهم على خطأ , وهى لا تريد ان تفكر فى كورد بتلك الطريقه لأنها تريد أن تكرهه , انها الطريقه الوحيده التى تعرفها ايلين لتحمى نفسها .
- بحلول المساء كان المطر قد توقف , وكانت الشمس الذهبيه تختلس النظر من خلف الغيوم الورديه الشفافه , بقى كورد كامل فترة بعد الظهر منغلقا على نفسه فى غرفة مكتبه وهذا ما جعلها تشعر بالامتنان لأن ذلك يعطيها الفرصه لتستجمع قواها من جديد
- كانت تنظم مكتبها قبل أن يعلم أنها مغادره , عندما فتح الباب من دون أن يطرق عليه , وحدقت مندهشه فى المرأه الواقفه أمام الباب , جامدة لا تتحرك وكأنها صورة
- قالت امرأه : لا شك أنك ايلين
- ميزت ايلين الصوت فورا : نعم هذا صحيح ..ابتسمت بأدب ولكن لم يكن هناك رد على الوجه البارد الوسيم الذى كان يراقب ايلين بامعان , أدركت ايلين أمرين فى وقت واحد عندما تقدمت المرأه لتقف أمام مكتب ايلين , الأمر الأول هو أن كلوديا ...لأن تلك المرأه كانت هى دون شك ...كانت ملفته للنظر , جمالها غير عادى وحسب تقديرها يمكن أن يجده ارجال جمالا لا يقاوم , أما الأمر الثانى , لو لم يكن شيئا سخيفا لكانت أقسمت على أن الحقد هو الذى يشع من العينين الزرقاوين القاتمتين المركزتين على وجه ايلين.
- كانت كلوديا أسفانا طويلة القامه , يبلغ طولها حوالى ست أقدام , نحيفه , رشيقة القوام , كانت اناقتها بارزه من قمة راسها حتى أخمص قدميها المنتعلتين حذاء جميلا . غمرت عيناها ذواتا الحور الكبيرتان محياها , لا بسبب اتساعهما أو أهدابهما الكثيفه , بل لأنهما تفتقران الى لون محدد , كان لونهما يتراوح بين الأزرق أو الرمادى وان كانتا تبدوان وكأنهما لؤلؤتان ملونتان , براقتان .
- عندما أتصل فى المره المقبلة , عليك بتحويل المخابرة مباشرة , فأنا لست موظفة مكتب صغيره حتى تدعينى أنتظر
- وللحظه لم تكن ايلين واثقه من أنها سمعت بشكل صحيح , لأن الكلمات انبثقت من بين تلك الفتين المطبقتين.
- أنا آسفة يا آنسه أسفانا , أنا كنت أتبع تعليمات السيد لاشونى فقط ...قالت ايلين ردا على ذلك العداء غير العادل, ولكنها أجبرت نفسها على التكلم بهدوء ورويه ثم نظرت بعيدا , بعدما انهت كلامها , تظاهرت وكأنها تقوم بترتيب بعض الاوراق الموجوده على طاولتها , فقد كانت نظرات المرأه الأكبر سنا تصيبها بالدوار .
- سوف تأسفين لو عاندتنى ! تذكرى انك تعملين هنا .,أستطيع أن أصرفك من العمل هكذا !..وسحبت كلوديا أنامل طويله بيضاء , فأحدثت عدة أصوات رنانه ثم تابعت : ابقى ذلك فى ذاكرتك عندما تفكرين فى مركزك فى المره المقبله
منتديات ليلاس
- اختلست ايلين نظره خاطفه الى اعلى , لقد كان فى ذلك الصوت الحاد تلميح خبيث جعلها تدرك أنهما كانتا تناقشان قضيه أكبر من قضية الاتصال الهاتفى , ولسبب ما كانت كلوديا أسفانا قلقه بشأن علاقتها مع كورد . ياللسخريه ! فلو كانت ايلين آخر امرأة موجوده على وجه الارض فهو لن يريدها .
- قد ترغبين بمناقشة الموضوع مع السيد لاشونى ؟ حافظت ايلين على صوتها هادئا ووجهها لطيفا وقد لاحظ كورد كلا منهما عندما فتح الباب وسمع كلمات ايلين الأخيره
- تناقش ماذا مع السيد لاشونى ؟ وتنقلت نظراته بينهما ثم خيم الصمت للحظات ولكن بعد ذلك ابتسمت كلوديا ابتسامه عذبه وفتحت ذراعيها وهى تتقدم الى الامام
- عزيزى ...لقد مضى وقت طويل , لم أستطع ان أقاوم حضورى الى هنا لأرى أين يعمل صديقى القديم , السيىء الطباع
- عندما وصلت الى كورد الذى لم يحرك ساكنا , وضعت ذراعها حول ذراعه واستدارت ووجهت ابتسامه مشرقه الى ايلين : كنت أشرح لسكرتيرتك الصغيره أنها ليست مضطره الى التعامل معى بشكل رسمى . نحن صديقان منذ زمن بعيد , ألسنا كذلك ؟
- أبعد كورد ذراع كلوديا برقه وقادها الى مكتبه وهز رأسه باتجاه ايلين وهو يتبع كلوديا وقال : ايلين ليست سكرتيرتى كما وصفتها يا كلوديا , أعتقد اننى شرحت لك عن مركزها هنا هذا الصباح . انها مساعدتى الخاصه تهتم بشكل رئيسى بـــ.....ولكن باغلاق الباب اختفى صوته الاجش , عندها تنهدت ايلين من أعماقها ووقفت على قدميها لتكتشف أنهما ترتجفان , لقد تأكدت فى اليام المنصرمه من قناعتها فى أن تيم نال الجزء الأفضل من الاتفاق
- شكرا لك يا تيم , سيكون عملك مناسبا أكثر بعد أن تحول كل هذا الى ...تمتمت ووقفت , وبحركه لا مباليه هزت كتفيها لترتدى المعطف الذى ما زال رطبا بسبب الأمطار الغزيرة التى تساقطت عند مجيئها فى الصباح . شعرت بالوحدة القاتله والحنين الغريب الى الوطن . حتى هذا الوقت كان من الممكن أن تكون منهمكه بالعمل فى مهنة التدريس فى انكلترا , العمل الذى انتظرته لفتره طويله , انها تحب العمل مع الاطفال , ولكان ذلك أفضل من المصارعه مع أكوام من المستندات , ومقابلة وجوه جديده غريبة وطباعة الرسائل الغريبه التى كانت تتسم بطابع السريه لدرجة أنه يصعب على الموظف العادى أن يعالجها , باصبعين فقط فوق الآله الكاتبه التى كانت شيئا غريبا ليديها غير الخبيرتين بمثل هذا العمل . محت دموع الشفقه على نفسها التى كانت تحرق جفنيها . فهى لا تستطيع أن تبكى هنا , يجب عليها أن تنتظر حتى تعود الى شقتها .
- الى اين أنت ذاهبه ؟ جعلها الصوت الحاد تستدير بسرعه : لقد أخبرتك من قبل أننى سوف أوصلك الى المنزل عندما أطلب منك أن تتأخرى فى العمل
- وقفت كلوديا خلف كورد وقد بدا واضحا فوق وجهها الحانق كل ما كانت تعتقد أن وراء الأكمة ما وراءها فى هذا التدبير بينهما , وتقدمت أمامه ثم توقفت لتلمس ذراعه مودعه : سوف أراك فيما بعد , فى المنزل , أبى يريد أن يجهز العشاء فى الساعه الثامنه لذلك يمكنك الحضور قبل ذلك الوقت من أجل تناول الشراب الذى قال انه أتى به من الكروم الايطاليه ونستطيع ان نقارنه مع الشراب الفرنسى
- وجهت نظره تنم عن الحقد الى ايلين قبل أن تغادر مخلفه وراءها موجه من العطر الغالى الثمن وصوتا عاليا من أثر ملامسة كعبى الحذاء فوق الارض
- نظرت ايلين الى كورد وهى تشعر بالأسف وقالت : أنا لا أعجبها ..
- قال وهو يوجه اليها نظرات حادة : لا تكونى سخيفه , لا يوجد شىء يدعى اعجاب أو غير اعجاب
- فكرت ايلين بامتعاض , حسنا ذلك يعطيها حقها بينما كانت منتظره حتى يغلق المكاتب ويدير جهاز الانذار ولم يتكلم ثانيه الى أن أصبحا داخل السياره فاستدار اليها دون أن يدير محرك السياره وسألها : لم تبدين بائسه هكذا فى هذه اللحظات ؟
- لم تكن تتوقع سؤاله , فحدقت به بصمت لا تعرف ما تقول : هل أنا كذلك ؟
- هاتان العينان قاتلتان ...لمس خدها الملتهب بأصبعه وسأل : حسنا ؟
- أعتقد أننى أشعر بالحنين الى الوطن ..لكنها كانت تراوغ وأبعدت عينيها عن نظراته المحدقه : لقد تلقيت رساله مطوله من العم رون فلا الأمس ومع شىء اخر ....
- أيتها الطفله المسكينه ....كان فى صوته نغمه مما جعل جسدها يذوب ولكن فى الوقت نفسها كان عقلها يصرخ , انه يتلاعب بها من جديد , فيما هى تجلس بجواره , أدركت كم يؤثر عليها جسده القوى الكبير بكتفيه العريضتين وهيئته القويه , وشعرت برائحته تملأ أنفها وبذلك الانقباض فى معدتها الذى طالما كان قربه منها يوقظه.
- أنا بخير ...لقد حاولت أن تبدو واقعيه , ولكن الرجفه الخفيفه فى صوتها فضحت الدموع التى ظهرت فى أسفل عينيها
- ما هذا ؟ رفع ذقنها باحدى يديه لينظر مباشرة الى أعماق عينيها القاتمتين , وللحظه رأت تعبيرا غامضا لطف الوجه القاسى وجعل قلبها يقفز خارج صدرها , لقد ذهب كل ذلك فى لحظه ولم تستطع أن تفسر ذلك التعبير , ومرت غمامه فوق العينين الرماديتين
- ألاعيب جديده ؟ كان الصوت المتحجر متشككا , ولكن ايلين شعرت بالتعب الشديد وبالأم يعصر قلبها , لقد آلمها ذلك أكثر مما اعتقدت أن وجوده مع كلوديا أسفانا سيؤلمها . فى هذه الليله كانت أضعف من أن ترد بسرعة بديهه , والتقت نظراتهما وكانا وكأنهما مجمدان يلتقطان أنفاسهما بصعوبه , بينما كان الهواء من حولها يبدو مثقلا بسبب الانتظار
- ايلين ... من أنت ؟ ...كان صوته رقيقا ولكنه لم يتحرك بل كانت نظراته تدخل الى اعماق عينيها وكأنه ينظر الى روحها ثم سأل بصوت أجش يحمل فى أعماقه غصه ألم : من أنت ؟ من انت حقا ؟ ان قلبى يقول لى شيئا واحدا ولكن عقلى يقول شيئا اخر , اعتقدت أنه بعد سبعه وثلاثين عاما على وجه هذه الارض أن كل جنس النساء قد روض ولكن لست أدرى .... وهز رأسه ببطء ثم تابع : اما انك ممثله بارعه أو ... وتوقف فجأة
- همست وهى ترتجف وكانت الدموع تتلألأ كالبلور فوق أهدابها السوداء : أنا لم أشأ أن يحصل شىء من هذا , أرجوك ان تفهم ...
- كانت عيناه قاتمتين تلمعان فى الغسق الرمادى الذى حول العالم خارج السياره الى كتلة من الظلال التى لا حدود لها , لقد بدا وكأنه يحارب معركه داخليه صعبه عندما مال براسه الى الخلف ببطء و أبعد يده عن وجهها .
- أنا لا أفهمك يا ايلين , تلك هى المشكله ...كان وجهه حازما ومتجهما : ولكننى سوف افعل , أعدك بذلك , قبل أن ينتهى الاتفاق بيننا سوف أعرف ماهو بالتحديد الشىء الذى يجعلك مميزة ...تضمنت كلماته تهديدا , فارتجفت قليلا , فيما الحزن يسيطر عليها مثل كفن ثقيل .
- أدار المحرك بسرعه دون أن يضيف شيئا بل كان وجهه قاسيا وهو ينطلق بالسياره من الموقف الى الطريق الرئيسى
- لم يلاحظ أى منهما السيارة البيضاء التى انطلقت خلفهما من حيث كانت مختبئه , وهى تتبعهما من مسافه بعيده طيلة الطريق الى المبنى حيث تقع شقة ايلين , كان وجه كلوديا عابسا وقاسيا وهى تجلس خلف عجلة القيادة ونظرها مثبت باحكام على السياره امامها , ولا أحد فى تلك اللحظه يمكن أن يقول أنها حسناء.