الـــــفــــــصــــــل الــتـــاســـع والأخــيــر
- لم تع ايلين أبدا كيف وصلت الى شقتها ؛ وبقيت رحلة العودة صفحة بيضاء و الى الابد فى ذاكرتها . لقد كانت ترتجف بشدة لدرجة أنها استغرقت عمرها كله كى تضع المفتاح فى القفل , ودخلت الى الغرفة الهادئة , المضاءة بأشعة الشمس عندما فتح الباب . نظرت حولها فى صمت مذهل . الصور المقولبة نفسها كانت معلقة على الجدران, صحون طعام الافطار كانت منتظرة حتى تغسل ...كل شىء كان كما تركته هذا الصباح . لقد تمزق عالمها الى ملايين الأجزاء الصغيرة ومع ذلك لم يكن هناك شىء يشير الى ذلك.
- اتصلت بالمطار قبل ان تنزع معطفها " نعم آنسة مارسيل, يمكننا حجز تذكرة " الصوت الذى أتاها كان مساعدا بشكل هادىء " يجب أن تكونى فى المطار من أجل تأكيد الحجز عند الساعة العاشرة . موافقة ؟ حسنا . رحلة ممتعة"
- بقيت جالسة فى شبه غيبوبة لمدة ساعتين على الكرسى فيما فترة ما بعد الظهر تتحول الى الغسق وظلال المساء الزرقاء تزحف الى الغرفة . ايقظها من استغراقها فى التفكير طرق حاد على الباب . فتحت الباب وهى ماتزال فى حالة ذهول , لتجد هيئة كورد الضخمة تسد الباب .
- " لا أريد التحدث إليك " كان صوتها ضعيفا ولم تفتح الباب أكثر .
- " مع ذلك سوف نتحدث " قال عابسا , وعيناه تجولان فوق وجهها الشاحب بتمعن :" نستطيع التحدث هنا فى الممر أو فى شقتك "
- ترددت للحظة فدفع الباب جانبا وتجاوزها , واستدار لمواجهتها عندما وصل الى منتصف الغرفة , ذراعاه متشابكتان وقدماه الطويلتان القويتان متباعدتان :" هل ستكونين واعية أم مازلنا نلعب مسرحية هواة ؟".
- " إذا كنت بذلك تسأل إن كنت سأعود إلى العمل معك , فالجواب هو لا " كانت مسرورة للامبالاة المنحدرة التى غلفت عقلها ؛ واكتشفت انها لم تتأثر بنظراته الغاضبة.
- " لا أعتقد أنك فى أى وضع يسمح لك بإتخاذ القرار فى ذلك الشأن " قال ببرود , وقد رق صوته بالتهديد :" هناك أمور أبعد من مصلحتك فقط فى الرهان , بالتأكيد ؟ "
- " أنت تعنى تيم ؟" نظرت اليه بعينين صافيتين متسعتين . " أنا لست مسئولة عن أخى بعد الآن , يا سيد لاشونى" بعدما نطقت اسمه تجهم وجهه ولكن عينيه الرماديتين بلون الفولاذ لم تتحركا " سبب وجودى فى هذا المأزق هو لأجل تيم , ولأول مرة أستطيع أن أرى الأمر بوضوح منذ بداية كل هذا , أنا لا أقدم له أية مساعدة بلفه بنسيج صوفى . حان الوقت ليواجه عواقب أعماله ".
- " وأعمالك ؟ هل أنت مستعدة لمواجهة المحاكمة و الاعتراف بدورك فى هذا الأمر ؟"
- " أول مرة علمت شيئا عن الاختلاس كان عندما تحدثت إلى فى المكتب تلك الليلة " حملقت به غاضبة " جينى و زوجها سددا الأموال التى أخذتها جينى منذ سنوات وأنا استخدمت تلك الأموال لأجل رحلتى . لا أخشى مواجهة أى محاكمة لأنه عند حدوث ذلك سأكون قادرة على الاتصال بجينى والطلب منها تاكيد كلامى . أنا لم أر قرشا من أموالك , صدق أو لا تصدق , أنا حقا لا أهتم "
- " تريديننى أن أصدقك بأنك تقيدين نفسك لى لمدة سنة ليبقى شقيقك حرا ؟ وأنك لا تخشين على نفسك ؟"
- " أنا لا أسألك أن تصدق شيئا " قالت ببرود " لقد انتهيت من كل ذلك . أستطيع اثبات ما قلت وهذا كل ما يهم الآن "
- سأل بهدوء :" وهذه المصيبة الأخيرة ؟ ألا تعتقدين أنك بهروبك تعترفين بذنبك ؟"
- " لست مذنبة " رفعت رأسها بفخر :" أنا أعلم ذلك , وليذهب الباقون الى الجحيم ".
- " هذه المرة الثانية اليوم تقولين لى أين أستطيع أن أذهب, وأى من المرتين لم يكن مكانا أنا قد أختاره " قال وهو شارد الذهن ولهجته معلنة بشكل أعلى من المعتاد :"ما الذى يجعلك تعتقدين أننى أوافق كلوديا على اتهاماتها؟"
- قالت ببرود :" لا اهتم إذا كنت توافقها أم لا , فأنت حتما لم تعارض . لقد تركتها تتهمنى من دون أن توجه كلمة دفاع".
- " ذلك ليس صحيحا "
- " فى كل الاحوال , سوف أغادر غدا , لقد حجزت تذكرة سفر وسأكون فى بيتى فى انكلترا خلال المساء " تهدج صوتها قليلا فيما هى تتكلم . فقد تملكها فجأة حنين غريب قوى لرؤية تيم وعمها و أن تكون على تراب الوطن .
- " لن أسمح لك بذلك ".
- " أنت لن تسمح بذلك ! ليس لك كلام فى هذا الموضوع. أنت لاشىء بالنسبة لى ." أحنت نظرتها وقد وعت كذبتها
- قال عابسا :" لقد أوضحت ذلك فى الماضى . كونى حذرة, يا ايلين , لن اتراجع عن كلامى . سوف أراك انت وتيم فى المحكمة أولا ."
- " ليكن الأمر كذلك "
- " اسمعى , توقفى عن ذلك " مشى خطوة باتجاهها , وعيناه أصبحتا فجأة عينى كورد أصغر سنا :" لا تذهبى بتلك الطريقة لا تجعلينى أحاربك ".
- " لا أستطيع البقاء " وسألته فى سرها : كيف أستطيع وأنا أحبك بهذه الطريقة ؟.
- " أرجوك , ايلين ". تكون لديها انطباع بأن الرجاء كان غريبا عن شفتيه , ولكن على الرغم من كل شىء فقد ومض بريق الأمل بسرعة .
- سألت ببطء :" لم تريدنى أن أبقى ؟"
منتديات ليلاس
- حملق بها بصمت لدقيقة كاملة وعيناه محجوزتان فى معركة ما تضطرم بعنف فى داخله , وظهرت على الفم القاسى والفك المربع المشدود . ثم هز رأسه بيأس : "ألا يكفى أننى سألتك ؟".
- " كلا , لا يكفى " كان صوتها صرخة ليتفهمها .
- " لا أستطيع أن أتغير " قال وفى صوته لمسة من العجرفة مما شدد من عزمها ." أنا كما أنا . آخذ ما أريد حتى أمل منه ؛ كل الرجال يفعلون ذلك , فقد أنا أكثر صدقا من معظمهم ".
- " أنت لم تأخذنى " لم تكن تعنى أن تتفوه بتلك الكلمات التى صدرت رغما عنها , ولكن بدا الأمر وكأنها قد أهانته , وذكرته بضعف يحاول أن ينساه .
- قال برقة :" ربما كان ذلك غلطة , ربما كان يجب أن أنالك تلك الليلة , بغض النظر عن براءتك . ما كان يهم لو أنك كرهتنى فى الصباح ؟ فأنت تكرهيننى على كل حال "
- " أنا لا أكرهك ".
- جذبها نحوه بشكل مفاجىء " لقد سئمت من الكلمات . أنت فقط مثل أية أمرأة ؛ ولا تفهمين غير أمر واحد " . وعانقها قائلا :" لن أسمح لك أن تتركينى ؛ أنت لى حتى أقول خلاف ذلك ". كان عناقه قويا :" إذا لم أستطع شيئا اخر , أستطيع أن أجعلك تريدننى , أليس كذلك ؟ قولى أنك لى ...قوليها".
- اضطرارها للتفكير دفع عقلها قليلا إلى الواقع , فحاولت التحرك " كورد..."
- تركها وأخذ ينظر اليها وفى وجهه لون قاتم غريب معذب , " هنالك المزيد , فقط لو تتصرفين بحرية معى , أنا أريدك , يا ايلين , إنك طعامى ونومى وأنفاسى . هذا الأمر يكاد أن يقودنى إلى الجنون , بامكاننا أن نكون جيدين معا و أنت تعلمين أنه بامكاننا ذلك "
- لم تستطع فى البداية أن تجيب , ولكن عندما هدأت أنفاسها وبدأت دقات قلبها المجنونة بالسكون نظرت الى وجه المنتظر بعينين حزينتين :" لم أشك للحظة بأننا سنكون جيدين معا " عندما لاح أمل فوق وجهه لوحت بيد محذرة:" ولكن ذلك لا يكفى , هل يكفى؟ ليس لى أنا .كم من الوقت سيدوم ؟ سنة , ربما سنتين . أنا شىء جديد بالنسبة إليك الآن , لعبة جديدة " كاد أن يجيب لكنها أوقفته بهزة من رأسها :" هذا صحيح , يا كورد , أنظر إلى قلبك".
- " أنا أعرف ماذا فى قلبى ". كان صوته خشنا .
- " وأنا أعرف ماذا فى قلبى . لا أستطيع أن أكون كما تريدنى أن أكون . يوجد مئات الفتيات فى الخارج قد يقفزن لاغتنام هذه الفرصة وإقامة علاقة معك , ولكننى لست واحدة منهن".
- " ماذا لو قلت أننى سوف أتزوج منك , ما سيكون رأيك عندئذ ؟ " كانت عيناه تتخللان عينيها .
- " حتى لو فعلت , فذلك لن يغير شيئا . أنت لا تفهم , هل تفهم؟ أنت حقا لا تدرك , إننا لا نحب بعضنا بعضا , والعلاقات ليست كافية بالنسبة لى ؛ وفى النهاية لن تكون كافية بالنسبة لك ".
- " أنت تطاردين قوس قزح , يا ايلين " مشى عبر الغرفة بعيدا عنها فيما هو يتكلم , وكان وجهه مزيجا من الألوان" تطاردين نوعا من المشاعر الخداعة فيما الشىء الحقيقى يبرز أمامك بشكل واضح . الحب هو الانسجام الحسى بين أى شخصين , إنه يبدأ وينتهى بذلك . قد يرسم الشعراء والكتاب صورا خيالية , ولكن الانسجام الحسى هو ما يؤخذ بعين الاعتبار . نحن نملك ذلك , أنا أعرف هذا ".
- " هل هذا ما كان بينك أنت وميغان؟" كان لزاما عليها أن تسأل . كان من الجنون أن تشعر بالغيرة من أمر انتهى منذ سنوات , ولكنها تشعر بذلك . لقد كانت المرأة الوحيدة التى تزوج منها .
- " لم تجعل الأرض تهتز . إذا كانت تمتلك ما تعنين " كانت نظراته مريرة :" لدى إحساس بأنك تستطيعين . ولكننا لن نعرف أبدا , هل سنعرف ؟ لم يجب أن تكون الأمور معك دائما , إلى الأبد ؟ لم لا تعيشين ليومك فقط ؟".
- قالت بسرعة :" لأن أيام الغد كثيرة ".
- " هل أنت مصممة على المغادرة ؟".
- واجهته بقوة :" نعم , يجب على ذلك ".
- " كيف ستذهبين إلى المطار غدا ؟".
- " ماذا ؟" حملقت به مندهشة . تغيير الحديث ضيعها للحظة. "آه , فى سيارة الأجرة , لقد حجزت واحدة منذ قليل".
- قال بفظاظة :" الغى ذلك ".
- " أنظر , أعتقد اننا اتفقنا ..."
- " لم نتفق على شىء , ولكن هذا لا يعنى أنه يجب ألا تذهبى. إذا أصررت على انتحار مهين وأخذ تيم معك فهذا شأنك , ولكننى لن أدع أيا من الموظفين لدى يكابد فى الوصول الى المطار فى بلد غريب ودفع ثمن هذا الامتياز".
- أخبرته مندهشة , أنها لا تستطيع أن تفهمه , إنه لغز كبير. " سوف اصل الى أعماق هذه المهزلة حول الوثيقة , يا ايلين ". ولم تستطع التأكد من الصوت البارد إذا كان وعدا أم تهديدا " وسوف أكون على اتصال بك . أعتقد بأنك تقومين بخطأ فظيع إذ تغادرين قبل الانتهاء من هذا الموضوع , ولكن إذا كنت مصممة ...؟" هزت رأسها ببطء. نظر إليها نظرة أخيرة طويلة ثم غادر بهدوء , وتركها حائرة ومحطمة القلب أكثر من أى وقت مضى .
- حضر فى اليوم التالى كما وعدها . توقف قلبها ثم أخذت نبضاتها تتسابق بسرعة غريبة وهى تهرع لترد على خبطاته القوية على الباب . وجدته يتكأ بكسل الى الجدار الخارجى , وجهه بارد وهادىء وعيناه مبهمتان :" جاهزة؟" كان صوته عاديا وحتى غير مكترث ؛ لقد بدا واضحا أنه قد سيطر على عاطفته نحوها وكان مستعدا لمواجهة الأمر المحتوم من دون البؤس الملازم , الذى سيطر على إيلين وأبقاها مستيقظة معظم الليل الفائت.
منتديات ليلاس
- أرادت أن تروى نظرها من رؤيته وتتفرس بكل جزء من وجهه القاسى القاتم . هذه حتما المرة الأخيرة التى ستراه فيها , إلا إذا حضر شخصيا اجراءات المحاكمة التى هدد باقامتها . لكنه مر أمامها , حمل حقيبتها وعاد الى الرصيف الخارجى :" مفتاحك ؟" سلمته المفتاح بصمت , اقفل الباب ثم دس المفتاح فى جيبه .
- " كنت سأسلمه إلى البواب عند مغادرتى ".
- نظر اليها بعينين يصعب سبر أغوارها :" ذلك ليس ضروريا ؛ سوف أتولى الأمر "
- عندما غادرا المبنى كان الجو ممطرا قليلا , والهواء منعشا ونظيفا , برودته مفعمة برائحة الخريف :" لن يكون هناك أوراق على الأشجار عندما أصل إلى البيت " كانت تفكر بصوت عال عندما حملقت حولها لآخر مرة الى الشارع الذى ألفته .
- " لا أعتقد ذلك " نظراته القاسية آلمتها .
- جلست داخل السيارة فيما كان كورد يضع الحقيبتين فى الصندوق . كانت مستعدة للتضحية بأى شىء من أجل الشعور المخدر الذى ألم بها فى اليوم السابق وسيطر على كل أحاسيسها , ولكن لن تكون هناك راحة مماثلة فى هذا اليوم . كل شىء كان مشعا , واضحا كالبلور , بحدة آلمتها.
- عندما دخلا موقف السيارات الكبير فى المطار مات فى صدرها آخر أمل ضئيل بمهلة تؤجل الأمر المحتوم , لقد أدركت فى تلك اللحظة أنها كانت تأمل فى سرها أن يراودها بغباء , غير قادرة على التصديق بأنه سيتركها ترحل الى الأبد , تنتظر أن تسمعه يقول إن كل ذلك كان خطأ مع كلوديا وأنه يحبها , ايلين , انه لا يستطيع أن يحيا بدونها ...ابتسمت ساخرة من نفسها بمرارة .
- " من الأفضل أن تضعى هذه فى حقيبتك " كان قد نادى حمالا ليهتم بالحقيبتين وكان يقف هادئا بجانب السيارة عندما نظرت إليه بعينين خاليتين من التعبير .
- " ما هذا؟ " نظرت الى المغلف الذى كان يحمله .
- " ثمن تذكرة السفر , مع ما يكفى حتى تعثرى على عمل آخر ".
- استدارت إيلين فجأة وحملقت فى الوجه القاتم :" هذا ليس ضروريا . أرجوك , لا أريده ".
- " لا تكونى عنيدة . لقد استحققت كل قرش . إنه من ضمن اتفاقنا أن أدفع لك ثمن تذكرة السفر ذهابا والقليل الذى يحتويه هذا المغلف هو أقل شىء يمكن أن يفيك حقك ".
- " لا أستطيع أبدا أن أفهمك ". وضعت يدا صغيرة على صدره العريض ونظر الى رقتها , وتقلص وجهه فجأة .
- " هذا شىء متبادل , يا ايلين , الوداع " لم يحاول معانقتها. انزلق بسرعة داخل السيارة وانطلق فى الحال مع صرير قوى للاطارات الملتهبة . لقد ذهب ! تركها , هكذا بكل بساطة , من دون كلمات لطيفة لتهدئة الجو . شعرت أنها ثملة من الألم , وترنحت قليلا فى الهواء البارد فيما هى تحملق الى مؤخرة السيارة حتى توارت فى رذاذ المطر الضبابى.
- " إيلين ! هنا ! " عندما خرجت من الجمارك من حقيبتيها دهشت لدى رؤية عمها وتيم يقفان الى جهة مع الحشود المنتظرة .
- " ماذا تفعلان هنا؟" لقد كانت تعلم أنها على وشك أن تنفجر بالبكاء ؛ لقد كانت دموعها تتجمع فى داخلها مثل سد يكاد أن ينهار.
- " لقد اتصل كورد بى الليلة الماضية " أخذ عمها حقيبة وانتشل تيم الثانية , عندما قاداها من الممر الخاص بالمسافرين العائدين قبل أن يتوقفا ويعانقاها بحرارة. "قال إن هناك بعض الأمور المزعجة وإنك يائسة جدا . لم يشأ أن تصلى المطار من دون وجود أحد لملاقاتك ".
- كانت القشة التى قصمت ظهر البعير !انهار السد وتدفقت دموعها غزيرة , اجهشت بالبكاء , وارتمت بينهما:" ايلين عزيزتى..." لم تكن تدرك أنهم يمشون ولكن فى خلال دقائق وجدت نفسها تجلس على مقعد فى المقهى الصغير والرجلان يربتان على يديها بالطريقة التى يتصرف بها الرجال عادة عندما يكونون فى ضياع تام إزاء كيفية التعامل مع دموع المرأة.
- " أنا آسفة ..." كان ذلك بعد خمس دقائق عندما أصبحت قادرة على السيطرة على تنهداتها ونحيبها الذى كان يهز جسدها , ولكن هذا النحيب المؤلم حررها و أشعرها بالراحة والاطمئنان .
- سردت إيلين أثناء تناولهم القهوة أحداث الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة والتى بلغت ذروتها فى مغادرتها فرنسا . نظر اليها عمها حائرا عندما أنهت كلامها :" لكن ما الذى يجعلك تعتقدين أن كورد يشك بك ؟ فهو لم يلمح الى ذلك بأى شىء عندما اتصل " نظر اليها بغرابة :" هنالك أمر لم تخبرينى به , يا طفلتى , ومن التعابير الظاهرة على وجه تيم يبدو أنه يعى كل ما يجرى".
- اختلس تيم نظرة اليها ثم استدار الى عمه , تعبير من الخجل جعل عينيه البنيتين حزينتين :" فى الحقيقة كل شىء بسببى يا عمى رون , فالسيد لاشونى اعتقد دائما أن إيلين متورطة فى عملية الاختلاس ".
- " ماذا؟ " استدار عمها إليها بوجه عابس بشدة :" ألم تقولى له إن لا علاقة لك بالأمر؟".
- " بالطبع فعلت ". حركت ايلين يدها فوق وجهها الرطب الحار بقلق :" ذلك لم يغير شيئا فى الموضوع ؛ لقد صمم على رأيه منذ البداية وهذه هى المسألة برمتها . لا أعتقد أنك تستطيع أن تلومه حقا ؛ و إن..."
- " بالطبع أستطيع أن ألومه!" كان عمها شاحب اللون , وجهه المجعد يتحول الى ظلال قاتمة من اللون الأحمر:"اعتقدت ان كورد أكثر عقلانية ! إذا ..." توقف وعقد حاجبيه وأدركت ايلين ما سيعقب :" العمل ؟ لم منحك عملا جيدا كهذا؟ لا أستطيع ان افهم شيئا من هذا ".
- " العمل كان نوعا من العقاب " كان صوت تيم حادا:"أنت تعرف عقابى , حسنا , لقد كانت ايلين التى نالت العقاب الأسوأ حقا . كان يجب عليها أن تذهب وتعمل لديه لمدة سنة تقريبا من دون أجر والعمل فى أى ساعة يشاء, و..."
- " لم يكن الأمر بهذا السوء " قالت ايلين بسرعة , لم تعجبها الصورة التى كان شقيقها يرسمها لكورد:" لقد عاملنى بطريقة حسنه جدا , كما حدث .استلمت شقة رائعة وكان العمل ممتعا . إنها كلوديا التى جعلت الأمور صعبة".
- قال عمها بشرود :" أتذكر الآنسة أسفانا فى الماضى. لقد كان بينهما نوع من العلاقة منذ وقت طويل , ولكن بعدما انتهت الى الفشل طاردت كورد لعدة أشهر ؛ لقد كان الأمر بكامله مربكا , كان ذلك تصرفا معيبا فهو يحترم والدها ويقدره جدا".
منتديات ليلاس
- قالت ايلين بثبات :" حسنا ,أعتقد أنه مهما كان من أمر علاقتهما , فقد انبعثت من جديد".
- " ماذا ؟" نظر اليها عمها بعنف حتى أدارت وجهها فيما اجتاحت وجنتيها حمرة دافئة , واضاف بصوت رقيق متفهم:" آه , ايلين . الآن فهمت ".
- " ماذا فهمت؟" نظر تيم بين أحدهما والآخر , وهو يشعر أن هنالك أمرا جوهريا لم يفهمه :" ماذا فى الأمر...؟"وتلاشى صوته عندما نظر فى اعماق عينى شقيقته التوأم :" آه , ايتها المغفلة الكبيرة". كان صوته حادا ولكنه متعاطف:" لتقعى فى حبه من دون الناس أجمعين , لابد أنك قد أصبت بالجنون ".
- " اخرس , يا تيم " قد يكونان متفهمين , ولكن ايلين شعرت فجأة انها لا تستطيع تحمل الشفقة :" لا أريد التحدث فى هذا الموضوع . سوف أستريح فى مكان ما لعدة أيام كى ألملم شتات نفسى , أتوافق ؟" نظرت إلى عمها.
- هز رأسه ببطء :" بالطبع ؛ أنت امرأة راشدة تعودت على اتخاذ القرارات , ماهو وضعك بالنسبة للمال ؟".
- " حسن " لم تستطع أن توقف العلامات الحمراء التى اعتلت وجنتيها من جديد :" اشترى كورد لى تذكرة العودة ودفع علاوة ؛ ولكننى لم أعرف المبلغ الا بعدما أصبحت فى الطائرة . سوف أعيد له أمواله عندما أجد عملا ".
- هز عمها رأسه ببطء:" حسنا , حسنا ,هذا ليس أبدا كورد الذى أعرفه , لقد أدهشنى كل ما فى الأمر " نظر الى عينى ابنة اخيه البنيتين القاتمتين الرقيقتين وشعرها الأشقر الحريرى , وضاقت عيناه وهو مستغرق فى التفكير :"لكن ربما ما كان يجب أن أندهش , كل شخص قوى يواجه هزيمة حاسمة فى مرحلة ما".
- " ماذا؟ " شردت ايلين عن موضوع الحديث , وابتسم لوجهها الخالى من التعبير.
- " لا شىء , يا طفلتى, لا شىء " ربت على يدها :" لنذهب الى البيت . سوف تبقين معنا الليلة ثم نبحث فى موضوع الإجازة ".
- سمعت ايلين فى وقت باكر من صباح اليوم التالى رنين جرس الهاتف فى القاعة الصغيرة فى منزل عمها . لم تنم بشكل حسن , بل كانت تغرق وتطفو فى دوامة من الكوابيس المرعبة وعقلها يبحث عن الراحة فى عالم اللاوعى المظلل .
- " ايلين " سمعت صوت عمها من وراء الباب بعدما طرق برقة عليه .
- " نعم ؟" جلست بسرعة فوق السرير الضيق الصغير.
- " كورد على الهاتف , انه يريد التحدث إليك , لقد أخبرته انك قد لا ترغبين فى التحدث إليه!" .
- " لا , لا بأس " كان قلبها ينبض بقوة لدرجة آلمت صدرها. "قد يكون أمرا مهما ؛ أفضل أن أتحدث اليه".
- أرتدت مئزرها ودست قدميها فى خف دافىء , ربتت فوق وجه عمها المهتم عندما مرت من امامه على ردهة الدرج, ونزلت الدرجات المغطاة بالسجاد على قدمين مرتجفتين. التقطت سماعة الهاتف بتوتر :" ألو ؟".
- " إيلين ؟ كيف حالك ؟" تناهى الى مسامعها ذلك الصوت العميق المألوف عبر الأسلاك وشعرت بركبتيها ترتجفان وجلست بسرعة فوق السجادة .
- " أنا , بخير " انتظرته حتى تكلم , راحتاها رطبتان وفمها جاف .
- قال بهدوء :" أنا آسف لأننى اتصلت فى هذا الوقت المبكر, ولكن هناك شىء أريد أن أخبرك به " الصوت الغامض لم يكن يلمح بأى شىء ؛ لم تستطع أن تتكهن بحقيقة مشاعره.
- " نعم ؟".
- " أخشى أنها , اخبار غير سارة جدا ".
- تقلصت معدتها وانتظرت وهى ترتعش . ماذا الآن ؟.
- " أصيب بيار أسفانا بنوبة قلبية حادة خلال الليل ومن غير المتوقع أن يعيش ".
- " آه , لا " حملقت غير مستوعبة فى الجهاز البلاستيكى الذى تحمله " ياله من رجل مسكين ".
- " تماما " كان صوته خاليا من أى انفعال تقريبا وكأنه يجهد نفسه فى سيطرة حديدية " من الواضح أن السبب كان القلق الذى عانى منه فى الأيام القليلة الماضية . لقد تحدثت إلى كلوديا فى المستشفى . إنها مضطربة كثيرا , إذا كان لديها القدرة على حب أى انسان فأعتقد أن والدها هو هذا الانسان". انتظرت . إنه يوجه الحديث تدريجيا نحو أمر ما ؛ إنها تعلم الاشارات.
- " لقد أكدت كلوديا ما كنت أشك به , أنها كانت المسؤولة عن تسريب المستندات , وهكذا ".
- " كلوديا ؟" كان صوت ايلين صرخة ضعيفة تنم عن عدم التصديق لكنه سمعها , وتناهى صوته الهادىء المتغير عبر الهاتف .
- " بالطبع . لقد كان ذلك واضحا , أليس كذلك ؟ أعلم أننى لم أفعل ذلك ومن الواضح أيضا أن بيار لم يفعل ؛ لايبقى إلا كلوديا ".
- " و أنا كنت موجودة فى الصورة ". كان صوتها منخفضا.
- " لا تكونى سخيفة ". حمل فى صوته تلك النبرة من العجرفة التى أزعجتها فى الأيام الماضية :" ذلك لم يكن احتمالا طالما أنا معنى فى الموضوع ".
- " ألم يكن ؟" شعرت برأسها يدور فى دوامة .
- " طبعا لا , أنا أعهدك أفضل من ذلك ". ثم خيم صمت لم تستطع أن تحطمه . لقد كانت ترتجف لدرجة اعتقدت انها ستصاب بالاعياء فى أى لحظة .
- " إذا ..." توقف وكأنه من الصعب عليه أن يتابع :"يمكنك العودة . اقضى عدة أيام مع رونالد وتيم ...".
- " لن أعود إلى فرنسا , يا كورد ". لم تعد تشعر بالدوار واتكأت الى الحائط وهى ممتنة .
منتديات ليلاس
- " بالطبع ستعودين ". بدا من صوته وكأنه يراعيها , وللحظة تقريبا ابتسمت فيما هى تتخيل وجهه القاسى المتجهم على الجهة الاخرى من الهاتف و أردف بصوت جاف :" لقد أخبرتك , كلوديا اعترفت بذنبها . يبدو أن هدفها كان إبعادك , ولم تأخذ خسارة آلاف الجنيهات بعين الاعتبار . سوف أشرح لك الأمر كله عندما تعودين ؛ اننى بحاجة لرؤيتك وجها لوجه ".
- " إننى أعى ما تقول " حاولت أن تبقى الرجفة التى كانت تهزها بعيدة ولا تصل إلى صوتها :" لكننى لست عائدة .لا أستطيع ".
- قال بغضب :" بالطبع تستطيعين . لا يوجد سبب ...".
- " بلى , هنالك سبب . و أنا لن أعود ".أخذت نفسا عميقا:"افعل أسوأ ما تستطيع عليه , يا كورد , لكننى لست عائدة " تفوهت بالكلمات ببطء ولا مجال للشك فى التصميم القوى فى صوتها .
- خيم هدوء مطبق وثم أتى صوته مجددا , مختلفا :" أحتاج إليك هنا , يا ايلين , العمل وما إلى ذلك ..." توقف لحظة وتنحنح ثم تابع :" سوف تعودين , سوف أجعلك تعودين ".
- " ليس باستطاعتك إظهار قوتك على بعد الآن , يا كورد "كانت تجهد للإمساك بدموعها ولكن , يبدو أن ذلك ظهر فى رنة صوتها . لأن صوته أصبح فجأة أجش :" لا تبكى! أنت تبكين . أليس كذلك ؟ اسمعى..."
- " لا أستطيع أن أعود ولا أريد أن أراك مرة ثانية أبدا . إنك تقتلنى ببرودتك وثورتك وكلوديا وكل شىء ..." كانت نغمات صوتها تعلو :" لا أستطيع مواصلة العمل معك كل يوم , وأنا أشعر بهذا الشعور . لا أستطيع أن أكون امرأة من النوع الذى تريده , وقد أوضحت كيفية مشاعرك تجاهى".
- " إيلين ..".
- " لا , لاأريد أن أسمع كل هذا من جديد !" كان صوتها عاصفا والدموع تنهمر فوق وجهها :" إنها كلمات خاوية. كما أنت خاو فى داخلك . أتمنى لو أننى لم أقابلك أبدا ! أحبك , ولكن أتمنى لو أننى لم أقابلك !" أقفلت الخط على صوته واستدارت نحو عمها الذى كان قد نزل الدرجات ووقف متجهما بجانبها .
- " يجب على أن أبتعد , يا عمى ". حملقت به يائسة وهز رأسه ببطء .
- " نعم , أستطيع أن أفهم ذلك ". بدأ الهاتف بالرنين مجددا لكنها تعلقت بذراعه راجية .
- " لا ترد , أرجوك أن لا ترد ".
- " لم أنو ذلك ". وضع ذراعيه حول كتفيها وعانقها برقة. "الآن اذهبى واستحمى وارتدى ملابسك بينما أحضر القهوة. سوف نكلم عمتك لنرى إذا كان بإمكانك استعارة سيارتها لعدة أيام . موافقة ؟" هزت رأسها بوهن وتابع بصوت رقيق :" سوف تجتازين هذه المحنة , يا صغيرتى. لقد كنت على علاقة حب مشؤومة منذ سنين ماضية قبل أن أقابل عمتك واعتقدت ان عالمى قد شارف على نهايته . لكن بعدها تحسنت الأمور ببطء و..." هز كتفيه :" الحياة تستمر ".
- كان يحاول أن يكون لطيفا , ولكنه لم يفهم . إنها تدرك الآن أنها لن تتزوج ولن تنجب أطفالا ولن تحصل على شريك خاص بها . إذا لم يكن باستطاعتها أن تنال كورد , فهى لا تريد أحدا .
- استعادت فى الأيام القليلة التى تلت ماحدث وكأنها حزام زمنى . انطلقت فى صباح اليوم نفسه بسيارة عمتها البيضاء الصغيرة , لا تعرف الى اين هى ذاهبة أو لأى فترة لكن مع رغبة مؤلمة فى البقاء وحيدة , من دون الحاجة للحديث أو التفكير .
- قادت السيارة لأميال فى هواء تشرين الثانى البارد . توقفت لتناول الغداء فى حانة صغيرة على حافة الطريق ثم تابعت رحلتها فيما استرخى عقلها المتعب فى هدوء و أمان الريف المحيط بها .
- كان الوقت متأخرا عند المساء حين وصلت قرية صغيرة فى قلب يورك شاير , محفوفة بالتلال المنخفضة والغيوم المتدافعة , حيث الهواء يعبق برائحة الحطب المشتعل وحيث مسار الحياة بطىء بشكل غير معقول .
- استأجرت غرفة فى نزل صغير , وسرت لأنها وجدت أنها الزبون الوحيد المستضاف فى هذا الوقت المتأخر من الفصل, وبعد عشاء شهى من شرائح اللحم المطهوة على الطريقة المنزلية ونوع من الفطيرة وكأسين من الشراب ذهبت إلى غرفتها الصغيرة ونامت بعمق وبشكل جيد حتى الصباح .
- كان الطقس باردا ولكن جاف فأخذت تتنزه فى كل يوم , وهى تحمل الحقيبة الجلدية التى قدمتها لها صاحبة النزل اللطيفة , تضع فيها غداءها وكتابا , وتقضى ساعات فى الريف المزدان باللون الأخضر حيث مياه الجداول تبدو بصفاء البلور وتتدفق فوق الصخور الأزلية وشلالات المياه الصغيرة الرشيقة خلف كل زاوية . كانت تعود كل مساء فيما رائحة الغابات الذكية تنتشر فى الهواء البارد والغسق يخيم بظلاله الرمادية فوق القرية , وتأكل الطعام الذى تقدمه لها صاحبة النزل بنهم ثم تستلقى على السرير الصغير متعبة جسديا لا تقوى حتى على تنظيف أسنانها .
- فى فترة بعد ظهر اليوم السابع , فيما كانت واقفة تصغى إلى تغريد طائر السمان الراضى على رابية عالية تشرف على القرية , أصبحت مدركة أن أحدا قد مشى من النزل عن بعد مسافة ووقف قريبا يراقبها . استدارت ببطء وشعرت بذعر حيوان أعمى عندما ثبتت عينيها الواسعتين على كورد الذى كان يتكىء بكسل الى جزع شجرة سنديان ضخمة وقديمة.
- " لا !" مهما كانت توقعاته , فهو لم يتوقع تلك الثائرة الغاضبة , التى ابتعدت عنه وكأنه الشيطان , ثم اختفت خلف التلة فى قفزة سريعة .
- " إيلين !" كانت صماء لا تسمع صوته وهى تركض الى معبر الغابة عند أسفل التل , وعندما أمسك ذراعها وأدارها فقط رجحا أن شيئا من الحكمة قد عاد بينهما .
- " أرجوك , إيلين , اصغى إلى " كان يلهث وهو يستلقى فوق رابية صغيرة الأعشاب على جانب المعبر , كورت نفسها وجلست الى جانبه ويداها حول ركبتيها .
- " كيف عثرت علىّ ؟"
- نظر اليها بحذر , متوقعا بشكل واضح أن تهرب مجددا فى أى لحظة :" لقد رشوت تيم ". قال من دون خجل.
- " رشوته ؟".
- " وعدته اذا أخبرنى بمكان وجودك فسوف اعتبر مسألة السرقة انتهت . أعتقد انه قد تعلم درسه على كل حال , لم أنو أبدا أن ألزمه بتنفيذ الاتفاق طيلة السنوات الأربع ".
- لقد شعرت بأنها ارتبكت خطأ عندما أسّرت إلى أحد بمكان وجودها , ولكن عمها أمر بأن تبقى على اتصال دائم معهم, والآن , وهى تنظر إلى وجه كورد القاتم , عرفت السبب:"ماذا تريد ؟".
- " أنت " كان صوته غليظا , ونظراته حادة مرعبة .
- " إبق بعيدا عنى ". ابتعدت عنه مسافة أكبر لكنه لم يتحرك, بل بقى مستلقيا فوق العشب الأخضر يتأملها بعينين ضاقت حدقتاهما .
- " لا تستطيعين أن تبتعدى عنى . لن أسمح لك بذلك " كان صوته هادئا الآن ولكنه بعيد عن أن يكون مطمئنا .
- " لم أتيت ؟" كان صوتها حذرا وحادا :" لم لا تستطيع تركى وشأنى ؟".
- تحرك بإضطراب :" هذا السؤال توجب على أن أسأله لنفسى , وهل تعرفين النتيجة ؟"
- هزت إيلين رأسها بصمت , والدموع تلمع فوق أهدابها الطويلة .
- " لأننى لا أستطيع العيش من دونك ".
- وقفت على قدميها فجأة , وهذه المرة فاجاته كما فاجأت نفسها . " لا تفعل " هزت رأسها بيأس :" لا تفعل هذا بى. لن أكون لعبة أى رجل ".
- " من قال أى شىء عن لعبة ؟" نهض ببطء وهو يتكلم , وجهه قاس ولكنه ما زال لا يبدى أى محاولة للمسها .
- " حسنا , مهما أردت تسمية ذلك " أبعدت التمزق الذى تعانيه عن صوتها :" أنت سوف تتزوج من كلوديا ...".
- " كالجحيم أنا !" هاهو كورد المألوف الذى يتكلم الآن , وجهه عنيد وعيناه فولاذيتان .
- " ولكنك قلت ..."
- " لم أقل شيئا أبدا ؛ إنك انت من أخبرنى , إذا كنت تذكرين. انت لم تصدقى حقا ذلك الهراء , هل فعلت , ليس عندما كان لديك الوقت لتفكرى حول ذلك الموضوع ؟ ماذا بحق السماء تعتقدين , أننى غبى؟".
- " ليست لدى فكرة عما أنت " قالت بصدق عندما شعرت أن استيعابها للموضوع بدأ يتقلص بسرعة .
- " انظرى إلى .." قال برقة , فيما حلت ملامح لينة مكان القساوة على وجهه :" ماذا ترين ؟".
- " لا أعلم ..." كان صوتها واهنا ومرر يده خلال شعره الأسود .
منتديات ليلاس
- " سوف أصرخ عاليا , يا امرأة " قال برقة " أنت لا تسهلين الأمور . اسمعى , اجلسى " لوح بيده فوق العشب وعندما لم تتحرك صرخ بصوت أعلى :" إجلسى !" جلست على الأرض وجلس بحذر إلى جانبها , ونظره مركزا الى الأمام :" أريدك أن تصغى الى من دون حراك أو كلام حتى أنتهى . هل تفعلين ذلك ؟" أدهشتها نبرة الرجاء فى صوته والتى لم تسمعها من قبل وجعلتها تطأطىء رأسها فى صمت.
- " أعتقد أننى أدركت منذ لحظة وصولنا إلى فرنسا أنك غير قادرة على سرقة تلك الأموال .." اتسعت حدقتاها من الصدمة واختلس نظرة اليها قبل أن ينظر أمامه مجددا:"أعلم , أعلم , أننى وغد من الطراز الأول , ولكنك جذبتنى , أنت ترين , أعجبنى الغلاف فأردت مزيدا من محتوياته . قدرت أن تيم هو االمدين لى ونويت أن أتأكد من أنك لن تخسرى من عملك معى ...حين تحصلين فى نهاية السنة على مبلغ مقطوع وكبير , لقد خططت لكل شىء.." توقف قليلا :" ثم عرفتك أكثر ".
- وقف وسار الى المقعد الصغير القائم إلى الجهة الثانية من المعبر ينظر إلى القعر الكثيف وظهره فى مواجهتها :" لقد جعلتنى أعتقد بأن أفكارى المسبقة عنك كانت خطأ . لم أستطع أن أصدق ذلك عندما علمت أنك فتاة بريئة ؛ نوع النساء اللواتى تعودت عليهن ..." أصبح صوته قاسيا:"حسنا لقد رأيت مثالا لهن فى كلوديا . إنها ليست فاضلة , أليس كذلك ؟" تنهد بألم :" كل شىء كان حسنا ليكون حقيقيا ثم يأتى الألم فى النهاية . لقد اكتشفت ذلك مع أننى أردتك معى ...احتجت إليك , كان علىّ أن أبقيك بعيدة عنى , لأول مرة فى حياتى أهرب من شىء و أنا لا أحب ذلك . لقد جعلنى ذلك متوترا ".
- دس يديه فى جيبيه :" عندما اعتقدت أنك وسايمون.." هز رأسه ببطء :" أردت قتله , أعنى حقا قتله " كان فى الصوت القاسى رنه فجائية :" لقد أظهرت لى أن المشاعر التى كنت أحملها لميغان لم تكن حبا , لقد آذت كبريائى فى ذلك الوقت , ولكن الشعور الأساسى الذى انتابنى بعد أن طردتها كان نوعا من الراحة , اندمج مع استنتاجى بأن لا أسمح لأى امرأة أن تفعل ذلك بى مرة ثانية , لقد أقسمت على حب لا يموت منذ الليلة الأولى التى تقابلنا فيها , بينما كل الوقت ..." لوح بيده ببطء :" على كل حال , كل ذلك أصبح من الماضى , وسوف تبقى من الآن فصاعدا ". ثم توقف :" أخذك إلى المطار كان أقسى شىء أفعله فى حياتى" استدار عندما تفوه بتلك الكلمات ورأت الألم يرتسم على فمه :" اعرف أننى أحببتك ولكن لم أستطع الإعتراف بذلك . لا , ذلك ليس صحيحا , لم أجرؤ على الإعتراف بذلك".
- " لا " هزت رأسها غير مصدقة عندما همست بإنكارها وابتسم بشكل هزلى :" تريدين أن تعلمى الحالة التى حولتنى اليها ؟ لقد احتفظت بمفتاح شقتك كى أستطيع أن أذهب واجلس هناك قريبا من حيث كنت , اتنشق رائحة العطر الذى تستعملينه , وأشعر بك موجوده معى , جلست هناك لساعات , أفكر ...مجنون , أيه؟" لوى فمه :" كورد لاشونى الذى لا يقهر , يقع فى الحب مع معلمة مدرسة انكليزية صغيرة لن تمنحه وقت يومه ".
- همست :" لم يكن الأمر كذلك ".
- " لقد بدا الأمر كذلك . لكنت دفعت كل ما فى العالم لأجلك كى تحبينى مثلما وصفت الحب , ومع ذلك جزء ما فى داخلى كان سعيدا لأنك لم تفعلى . إنها مسئولية كبيرة واحتمال جرح القلب قوى جدا ". ابتسم بمرارة :" كنت ما زلت أستطيع التفكير على هذا النحو عندما كنت معى , ولكن حينذاك كنت قد ذهبت , كان يجب على أن أواجه الحقيقة بأننى فقدتك , بأن شخصا آخر يملك حق ضمك , وجعلك تحبينه ". توقف قليلا :" لا اتمنى لألد أعدائى أن يمر بما مر بى . كنت تمرحين فى هذا العالم تتنفسين وتعيشين حياة لست جزءا منها ".
- " لم لم تخبرنى بكل ذلك عندما اتصلت بى , لو كان ذلك صحيحا ؟ " تجرأت على عدم تصديق كلامه , لم تستطع أن تمنح نفسها الأمل .
- " لأننى جبان " كانت عيناه غاضبتين :" إنه أمر لا يسرنى مواجهته أيضا . كنت أريد أن أعيدك على طريقتى , أجعلك تعودين وتعملين معى ثم أستقبلك بحفاوة , أتوسل إليك , استعمل كل الخدع التى اضطر اليها , ولكن إعادتك هى ما كنت أنوى فعله ". تأوه برقة واقترب ليواجهها :" ثم أخبرتنى أنك تحبيننى , كانت لديك قوة فى أصبعك أكثر من القوة التى أحملها فى كامل جسدى . لقد كانت مفاجأة كبيرة لى , ثم قطع الخط ".
- " لكن كلوديا " عليها ان تسأل الآن فى هذه اللحظات من الصراحة :" لقد قضيت معها وقتا طويلا ".
- " هل فعلت ؟" بدا مندهشا ثم أصبحت تعابير وجهه واضحة:" ليس تماما ؛ لقد قضيت وقتا طويلا مع بيار وكانت هى موجودة , هذا كل ما فى الأمر , الشعلة الصغيرة التى كانت بيننا انتهت منذ وقت طويل , منذ وقت طويل وهى تعلم الموضوع . الحقد الذى صدر عنها وجعلها تسرب الأوراق كان سببه لأننى أرسلتها مع حقائبها ليلا خلال الحفلة عندما سمعت ما أخبرتك به . كانت أقل من شخص لائق ".
- مد يده ليرفعها وترددت للحظة طويلة :" ايلين ...أرجوك " كان هناك ألم فى عينيه احسته فى قلبها :" لو أردت الانتقام فقد انتقمت بشكل تام خلال هذا الأسبوع . عندما عدت الى هنا ووجدت أنك رحلت ... شعرت بأن دهرا قد مر قبل أن أجبر رونالد وتيم على التكلم ؛ لقد كدت أصاب بالجنون ".
- وضعت يدها البيضاء الصغيرة فى يده السمراء الكبيرة رفعها برقة لتقف على قدميها , وسألت بثبات:"بيار؟".
- " اللعنة على بيار !" هز رأسه :" أنا آسف , انه بخير, سوف يتخطى الأزمة . ايلين ..." أدناها منه بحذر وكأنها مصنوعة من زجاج :" لا أهتم بشأن بيار , لا أهتم بشأن تيم أو عمك ؛ كل العالم لم يعد له وجود , تكلمى إلى , باسم الشفقة , حدثينى عن مشاعرك . إذا كان هناك أمل لنا " كانت مجمدة بين ذراعيه , مذعورة من أن تستسلم للمشاعر التى تنمو فى داخلها . تجمد وهو ينظر اليها :"لن أستسلم , أنت تعرفين, إذا كنت قد قتلت حبك لى سوف أجعله يزهر من جديد , أنا أريدك ولن أدعك ترحلين".كانت لهجته واضحة وعيناه قاتمتين بفعل انفعالاته .
- همست بوهن :" مثل والدك ".
- وافق برقة :" تماما مثل والدى , لأول مرة فى حياتى عرفت كيف شعر عندما نظر الى فتاته معلمة المدرسة الانكليزية الصغيرة " ربت على خدها بيده .
- " هل تتزوجين منى , يا يمامتى الصغيرة ؟ ابقى معى , وانجبى اطفالى واستمرى بحبى حتى عندما أكون مستحيلا , هذا يعنى معظم الوقت ؟ أريدك أن تكونى لى , لى تماما , كما سأكون لك , لا أستطيع أن أعيش من دونك , يا ايلين. أنا أحبك , وأنا أعرف الآن اننى لم أحب من قبل " لقد قالها أخيرا, عندما ذبل الأمل , وفى أعماقها تفجر شىء كله قوة وكله نشاط , يمحو كل آلآمها .
- لمست وجهه القاسى الأسمر بتعجب " نعم , سوف أتزوج منك , يا كورد ".
- عانقها ودهشت من قوته الحديدية , تعلقت به غير مصدقة أن هذا الرجل القوى القاسى أصبح لها وأنه يريدها زوجة له . أبعدها عنه إلى مسافة ذراع بيدين لم تكونا ثابتتين:"لم أجرب قيودا كهذه ولا أحب ذلك " قال برقة وعيناه تلمعان فوق بشرته الداكنة .
- " لست مضطرا لذلك " قالت برقة وهى تحبه وتريده.
- " آه , لكننى مضطر " كان وجهه ينم عن االجدية الآن , واعترتها حيرة خفيفة . " هذا يجب أن يتم بطريقة صحيحة, أنت سوف تأتين إلى لأول مرة فى كورسيكا , كعروس كورسيكية , فى ثوب أبيض وفوق شعرك زهور جميلة , سيكون هناك احتفال فى الشوارع يدوم لأيام وسوف يقودونك إلىّ فى الكنيسة فى قريتى".
- أصغت مبتهجة عندما جلسا ثانية على العشب . ضمها إليه وربت فوق شعرها الأشقر فيما هو يتكلم .
- " سوف نجلس فى ساحة القرية بعد الاحتفال حيث المرح والكثير من الشراب , وسوف نرقص بمفردنا الرقصة الأولى فيما كل الرجال يفكرون كم أنا سعيد الحظ " كانت عيناه قاتمتين ومتملكتين .
- " ثم بعد ذلك , بعد ذلك بوقت طويل , عندما يكون الهواء مفعما بالموسيقى والحب ثقيلا فى الهواء , سوف أحملك إلى بيتى وثم ..." توقف برهه .
- " وثم ؟" لم تستطع أن تقاوم إغاظته قليلا :" ماذا يحدث؟"
- " ستكونين لى , حتى تذوب الأرض والشىء الوحيد الذى يهمك هو أنا , هكذا سيكون الأمر , يا يمامتى الانكليزية الصغيرة ".
تـــــــــــمـــــــــــــــت
قــراءة مــمـــتــــــــــعــــــــــــــــــــة