لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روائع من عبق الرومانسية > عبير الاحلام > روايات عبير الاحلام المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير الاحلام المكتمله روايات عبير الاحلام المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-07-11, 02:04 PM   المشاركة رقم: 161
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2009
العضوية: 151688
المشاركات: 1,057
الجنس أنثى
معدل التقييم: لولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 677

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لولو ليلاس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وردة دجلة المنتدى : روايات عبير الاحلام المكتمله
افتراضي

 

الحلقة الثانية

تموز.. وكر ألم الحنين
تموز .. مستنقع جرح ٍ دفين


أنحنى كول رويدا ً رويدا واضعا ً جسد جورجي بعناية على المقعد الأمامي لسيارته اللومينا وقال لها باهتمام فغرت له نبرات صوته ومسامات عقله فمها دهشة ..
_ هل أنت ِمرتاحة ؟
أكمل وهو يغلق باب السيارة الرمادية اللون ويتفحص وجهها الشاحب بعض الشيء من خلال النافذة النصف مفتوحة مخرساً الصوت المألوف المتمتم من وراء قضبان بشرته السمراء ..ذاك الصوت الذي طالما لملم عصارة اهتمامه وكبته في صندوق الذكريات الضيق داخل أحضان الحنين للعينين التمريتين ..
_ هل تريدين شيئا لتشربيه او..
هزت جورجي رأسها نفياً و أحساسان يتقافزان متعاركين على حلبة مشاعرها...الهاجس الأول اصطدم بحبال الظنون ..أهذا هو كول بيروتو؟! المخرج المتعجرف الذي وشم كلمة الطلاق على كل كلمة مجاملة او تصرف مراعي هل هذا هو من قالوا أن ثورة الحروب بدمائها التي تخضب التاريخ والتي يجسدها في أفلامه المنبثقة من بين أشلاء ضحايا المعارك تجري في السائل الأحمر في شرايينه التي لا تعرف الصبر...
سكت الهاجس الأول والإحساس الثاني ينساب منتصراً برقته على الأول وأسترسل كقطعة قماش من الساتان الأملس ملامساً قلبها برقصة انتصار رقيقة خفية وهي تسمع نبضات الاهتمام تطل برأسها الشغوف من خلال نسيج حروفه المقتضبة بعد أن سابق اللحظات بقامته الفارعة و طفق يلتف حول السيارة ليجلس وراء مقود السيارة الأسود ..
_ لنذهب بك الى المستشفى ..
أتسع بؤبؤ عينيها ذعراً لجزء من الثانية ولكنه ما لبث أن عاد يسترخي مع استرخاء الظلام داخل السيارة وقالت له بصوتها الناعم ..
_ لا داع لذلك مِستر بيروتو صدقني...
أبتلع كول كتلة متضخمة أحس بها تـُخلق ثم تقف موصدة ًحنجرته و مانعة إياه من التنفس لعدة ثواني وهو يراقب أصابعها النحيلة تمسد رجلها وركبتها دون وعي وكأنها تحاول تفتيت الوجع الذي تشعر به نتيجة سقوطها من فوق السلالم وهي تضيف ضاحكةً بعفوية أطاحت لأول مرة منذ سنين طويلة صندوق الذكريات ملقية إياه نحو قبو بعيد لا تصل إليه أحاسيسه..
_ لحسن الحظ ما زلتُ قطعة واحدة ..و سأكون ممتنة إذا أوصلتني الى فندق قصر لينا.
إبتسم كول هارباً من صندوق الذكريات المتخبط الذي يريد سلب ابتسامته وحبسها داخله من جديد ونظر إليها وعيناه التركوازيتان يرشفان البريق من جمال عينيها الزرقاوين بلون سماء شمال فنلندا وقال وهو يدير محرك السيارة ونسمات الليل تداعب جانب وجهه لتُراقص بضع شعرات على جبهته ..
_ سأوصلكِ إذا توقفتِ عن مناداتي بمِستر بيروتو..ناديني كول يا جورجي .
نظرت جورجي الى كول والضيف اللطيف الذي دلف من النافذة يداعب خصلات شعر كول على صفحة جبهته وللحظة طويلة شعرت أنها اُقُتلعت من الواقع ومن الأفكار القابعة بتروي في عقلها ومن كل شيء إلا وجهه الناطق بلغات الرجولة ..شربت عيناها من ملامحه ولكن لدهشتها لم تشبع !استفاقت من تحديقها المفضي بعناوين الإعجاب على صوته الذي زرعت فيه بذور المكر وهو يعيد سؤاله عليها فعلى ما يبدو أنها نسيت نافذةً مفتوحة في جدران عقلها فأنساب منها كل التعقل! وعلم كول أنها كانت منغمسة في شراب إعجابها به ..
_ لا أعتقد أن أسمي صعب الى هذه الدرجة !
ضحكت ضحكة ناعمة مكتومة وهي تقول له بينما أضواء ضفتي الطريق تلقي بظلالها على وجهها الذي استفاق من شحوبه..
_ لا أريد أن أطرد من عملي يا سيدي ..
ضحك كول بقوة ومال إليها فجأة ووضع يده على كفها المسترخي وقال لها بصوت دافئ حَرّمه على غير صاحبة العينين التمريتين ..
_ وهل سمعتي كرئيس عمل سيئة لهذه الدرجة ؟! هيا لا يمكن أن أكون بهذا السوء !
أضاف مبتسماً ابتسامة خبيثة :
_ بعد التفكير قولي أسمي أولاً وسأقرر بعدها مصيرك ِ ..
قالت جورجي بصوت دافئ وناعم وهي تنظر في عينيه المنجذبتين إليها قبل أن تراجع دفتر ملاحظات أفكارها في اللحظة التي توقفت السيارة أمام أشارة المرور الحمراء المضيئة ..
_ كول .
أضافت وعيناها تلمعان بشقاوة :
_ فقط حتى لا تطردني لا لشيء آخر..
أبتسم كول ابتسامة جذابة فذابت خطوط التجهم من وجهه حتى تلاشت وقال لها بصوت رجولي ، أجش بعض الشيء وهو يحدق في عينيها المحدقتين فيه بأنوثة وفي فمها العنبي البسام ..
_ وإذا قلت أنــــ....
توقفت الحروف عند شفتيه وصدحت شهقة جورجي لتملأ الهواء مع صرير سيارة حمراء مسرعة يعقبها صوت صفير سيارة الشرطة الملاحقة لها وبلحظات كانت السيارة الحمراء تحتك بالشارع الداكن بعنف لتنزلق أمام أعينهم كحيوانات الأيل و الرنة التي تقتحم شوارع هلسنكي وترتطم بالرصيف أمام عينيهما ..تعالت أصوات رجال الشرطة وهم يحيطون بالسيارة الحمراء شاهرين أسلحتهم في وجه الشبان المترنحين ..فيما انكمشت أصابع كول حول المقود الأسود حتى ناحت مفاصل أصابعه لهذه القسوة..نظر الى السيارة المتهشمة والدم النازف من رأس احد الشبان فأحس أن فوهة الجحيم فتحت فأحترق ، وأن الخيوط التي تمسك الجراح انقطعت فنزف ، وان البسمة الوليدة دفنت فبكي بصمت،نظر الى السيارة الحمراء المحطمة ولكنه رأى بدلا منها من خلال نسيج السنين الأليمة تلك الحافلة الصفراء التابعة لجامعة توركو والتي سرقها من والده فاختنقت أنفاسه و اشتبكت أفكاره ونسي الحاضر ومن فيه وقُذف بمنتهى الألم الى تلك اللحظة بعد أن كُسر قفل صندوق الذكريات وتبعثرت اللحظات التي كانت وزحف الحنين على بطنه يتوسل العينين التمريتين أن تعود ويتوسل كارلو أن يعود ..عادت السنين القهقرى الى سنوات المراهقة والطيش الذي لم تغفره سنين السجن التي شربها ! ، في جزء من الثانية رأى يديه اللعينتين المذنبتين تعودان بالزمن ، اليمنى تترك مقود الحافلة والأخرى تُسقط زجاجة المشروب لتتهشم تحت قدميه وهو يتلفت بذعر ليقفز من مقعده مفزوعاً وهو يرى الدماء تغطي وجهها الأبيض فصرخ بأعلى صوته ..
_ مارياااااااا ؟!!!
ولكنها لم تجيبه ..جفناها اللذان يضمان عينيها الشقيتين التمريتين لم يفتحا ونظرة الحب في عينيها لم تظهر ونبضها لم يعلم كيف يصل إليه! مد يديه المرتجفتين يبعد شعرها التمري الملطخ بالدم بعيدا عن وجهها وقاطع صرخاته الصامتة المذهولة صوت جوزيف المختنق من خلفه فألتفت إليه بذعر تضاعف ألف ألف مرة وهو يرى ذراعي جوزيف الملطختين بالدماء تهزان جسد كارلو مناديا ً باسمه دون أن ينبس الأخير بحرف!
_ كارلو ؟!! استيقظ كارلو رد عليّ ؟!
تردد في عقل كول صوت جوزيف الفتي وهو ينقل عينيه المغرورقتين بالدموع الخائفة المتألمة بين كارلو الذي يهزه بيديه وماريا التي يحتضنها كول و جوزيف يصيح ناظراً إليه ..
_ يا إلهي كول !! يا إلهي ما الذي فعلناه ... ما الذي فعلناه !!!
اندفعت الدموع الى عيني كول وهو يعود الى الواقع وصوت امرأة تنادي أسمه! ،للحظة بدا أن عقله لا يرى سوى وجه ماريا الحبيب ولا يذكر إلا أسم ماريا ولا يسمع إلا صوت ماريا..وما إن تلاشى الغمام وانسحبت الدموع خائبة الى وكرها أشرق وجه جورجي أمامه وهي تقول:
_ كول الشرطي يشير لك أن تشغل السيارة !
نظر كول الى جورجي وألف غصة وغصة تخترق حنجرته وكل ذرة منه تُصَرِحْ .. لا مكان لجورجي ! لا مكان في القلب لأمراه أخرى ..لا مكان إلا لحبه الأول ..صرخ قلبه وهو يتقلب على مقلاة الحنين ..لا أريد نسيانك يا حبي لا أريد نسيانك يا قتيلتي ..صرخ قلبه مطالباً قدميه أن يحملاه لمدينة توركو مدينته ومدينة قبر ماريا .. فبعد غد عيد ميلاده وعيد ميلاد قبر ماريا وعيد لحد فؤاده ..لكن حتى لو ذهب الى أرضهم التي ضمت حبهم الفتي البريء فماريا لن تعود وكارلو لن يعود !
قال لجورجي وهو ينظر إليها للحظة:
_ هل أنت بخير؟
أومأت جورجي وهي تنظر الى عيني كول اللتين عادتا الى ما كانتا عليه في أول لحظة رأته فيها ينزل تلك السلالم ..اقشعر بدنها وأحست أنها ترتجف وهي تواجه نظراته البعيدة ووجهه الذي قد من غرانيت لا يتفتت،الاهتمام الذي رقصت أحاسيسها لرؤيته في وقت سابق تبخر في الهواء ليمطر صوته الجاف على بدنها مصيباَ إياها بخيبة أمل وهو يستدير بالسيارة مزيحا عينيه عنها وكأنها .. لا شيء !
_ ما أسم الفندق ؟
حاولت جورجي أن تبتسم رغم أنها أحست بشفتيها يكادان يتشققان لفرط جفافهما..
_ قصر لينا .. لم أأُجر شقة حتى الآن لذا نزلت في هذا الفندق فهذه أول مرة أنزل في.. ابتلعت ريقها وهي تراقب ملامحه اللامباليه.. هلــ..سـ..نكي .
جمعت جورجي يديها في حضنها وهي تسمع صوت دقات قلبها المرعوبــــــة وهي تفكر أن كل شيء سبق و فكــ...
قُطعت سلسلة أفكارها على صوت كول الغاضب وهو يضغط بقوة على بوق السيارة و الشتائم تكاد تنهال من بين شفتيه على صاحب السيارة البطيئة التي تتهادى أمام سيارته اللومينا ..
كانت الدقائق تمضي ببطء قاتل كلما أرادت أن تملأها بكلمة او نظرة وجدت جدران وجهه أمامها ولم تعلم ما الذي حدث ..أهو غرورها الذي صور لها أنه أعجب بها وأن عينيها جذبته .. ما العبارة او الفعل الذي جعله يغير رأيه فيها .. أدارت رأسها نحو نافذة السيارة وهي تفكر أنها فرحت بانتصارها الأولي وجهلت أن فرحها هذا كبوة غرورها ولكنها عادت و ابتسمت فالتمع المكر الأنثوي في أفق عينيها كلمعان الشفق القطبي في شمال فنلندا وهي تفكر أن حلبة المصارعة لم تنتهي كل جولاتها وهي مصممة على الفوز بما ترغب ..تنهدت برضا وهي تتأمل هلسنكي القابعة تحت ضوء القمر تتأمله وكأنها تعوض عن الأيام والليالي التي تبزغ الشمس فيها في السماء في شمال فنلندا بشكل متواصل لمدة ثلاثة وسبعين يوما ً.
لم تستدر إليه إلا عندما وقفت السيارة أمام فندق قصر لينا الذي تدلت المصابيح الصفراء من جدرانه الذهبية الشبيهة بالأبنية الرومانية ولكن بلمسة حديثة أضفت المزيد من الرونق على نوافذه الكبيرة الشامخة وقبته الخضراء الصغيرة التي تتوج المدخل ،قالت له وهي تحدق فيه من تحت رموشها السوداء الكثيفة ..
_ ما رأيك بفنجان قهوة ؟
ابتسمت فلمعت أسنانها البيضاء الصغيرة وهي تكمل :
_ على الأقل حتى تطرح صورة الحادث من مخيلتك فأنت تبدو مشغول البال؟
_ أي حادث؟!
جفل للحظة مجنونة و ما لبث أن عاد عقله للعمل وهو يدرك أنها عنت الحادث الذي حدث أمامهم قبل قليل ..
_كنت أفكر بالفيلم الجديد .
ضحكت بفتنة وهي تقول :
_ أعني بالطبع حادث هؤلاء الأغبياء المخمورين..
أضافت وهي تسمع تفسيره:
_إذا َ صحيح ما يقولونه عنك دائما تفكر بالعمل ؟
قال لها بجفاء ..
_ نعم فقط عمل .
وأضاف وهو يراقبها تخرج من السيارة مجددة دعوته لها..
_ ألن تدخل كول.. لنشرب القهوة؟
_ لا الوقت تأخر.
أغلقت الباب ثم مدت رأسها من النافذة فتهدل شعرها كقطعة قماش من الحرير الأسود وهي تقول له بصوتها الناعم ..
_ شكرا لك كول وآسفة لأني أتعبتك معي .
_ لم أفعل شيئا ً.
نظرت جورجي إليه وهي تتمنى فقط لو تستطيع ولوج غموض عينيه لاستطاعت انتقاء الكلمات المناسبة لكن وجهه صعب القراءة كأنه تلك الرموز المطبوعة على أهرامات مصر !
غرزت أظافرها في يدها وهو يضيف لها قبل أن ينطلق بالسيارة..
_ عندما نكون في العمل أنا مِستر بيروتو واضح ؟الى اللقاء جورجي.
قال لنفسه ولن نلتقي إلا في العمل .. أحس بأضلاعه تنكمش معتصرة قلبه
والمرارة تجري في عروقه ..فقط لو يرى وجه ماريا لو فقط يسمع صوتها لو فقط يَروي حنينه إليها وينهل من نهر حبها ولو لمرة واحدة ولكنها هناك تحت الثرى في توركو..هناك في قبرها قتليته حبيبته ليته مات ليته دفن قبل أن يحرق قلوب الجميع قلبه وقلب والده رحمه الله وقلب والدتهِ ..آهــ!!

أتعثر بذكرياتي فأنزف الحنين
أُخفي جروحا ً لم تقطبها السنين
موانئ الأطلال وشمتني بالأنين
وبهجة الحب استحالت "أورجاً" حزين
صوتك الشقي يخترق عظامي
ويفتفت حطام كياني
ويذكرني بوردة ٍ سَحقتُها بيديّ هاتين
وسحقت قلبي بعدها بوجعٍ لا يستكين
ماريا
يا لوحة الطفولة الجميلة
ماريا يا شغف السنين
ليتني أرى للحظة عينيك التمريتين
لأدخل جنة عشقي
و أتوقف عن الموت كل مساء
مدركا ً أن لوحة الحياة سوداء!
ماريا يا حبيبتي الحسناء
يا تمرتي
يا قتيلتي
أرأيت ما فعل فارسك المغوار!
أرأيت الأنفاس التي جعلها تنهار!
القلوب التي جعلها
تنفطر .. تنكسر ..
تحتضر
تحت مآسي كعصف أمطار
ماريا
حنيني ليس مجرد حنين
أجهضته مطرقة الفراغ
حنيني فؤادٌ مخلص لعينيك
حنيني ختم ٌ بالشمع الأحمر
"سوا حبك ِ"
" لا أريد أن أختار"

أدخلت جورجي البطاقة في الباب ودلفت الى الغرفة ..كان هناك ظرف على الطاولة ولكنها لم تقترب منه لأنها أدركت ما يحويه وابتعدت عنه وكأنه قنبلة ستنفجر في وجهها ..مشت وأعصابها غارقة في بحور من الغضب وخيبة الأمل رفست حذائها الأسود بعيدا عنها فأصطدم بالأريكة النفطية اللون أمامها وأنقلب على الأرض ..دلفت الى الغرفة الصغيرة وهي تكور قبضتيها الرشيقتين القويتين قبل أن تتوجه بكل ما يعتمل في صدرها من غضب نحو كيس الملاكمة الأسطواني الأسود المتدلي من السقف لتلكمه مرة تلو مرة حتى شعرت بأن أفكارها إضافة الى عضلاتها قد لاقت كفايتها ولم تعد قادرة على التحرك او التفكير عندها رمت نفسها على السرير منهكة منزوعة القوى !!
♦ ♦ ♦

أغلقت سول غطاء محرك سيارة البي إم دبليو الزرقاء التي تسللت إليها أشعة الشمس المحتضرة في سماء المغيب ومسحت يديها المتسختين بقطعة قماش رطبة وهي تتوجه الى المغسلة الصغيرة الموجودة في آخر المرآب ..حثت قدميها على الإسراع فاليوم هو يوم الخميس ويجب أن تسرع لبيت دييغو ككل أسبوع ..ألتفتت الى ثيو الذي كان يوزع نظراته بين الملاحظات المكتوبة التي أعطتها له وبين محرك السيارة المفككة أمامه وقالت له بصوتها الآمر وهي تخرج من المرآب :
_ سأخرج ثيو ، لا تتصل بي وإن استعصى عليك أمر فاتركه للغد.
التفت ثيو إليها وهو يومئ برأسه الذي اخذ الفضول يزحف إليه ، شهران مضيا منذ أن بدأ بأخذ دروس الميكانيك على يدها ويوم الخميس هو اليوم الوحيد الذي تخرج فيه مبكراً !يا تُرى إلى أين تذهب ؟دائما تطلب منه عدم الاتصال بها في هذا اليوم ..هل يا ترى تواعد رجلا ً ما ؟ نظر إلى قامتها المبتعدة وهو يفكر أنها جوهر الغموض بنفسه! صحيح أنها ترتدي ملابس كجده لا بل جده أأنق منها ! ولكن مشيتها مشية امرأة ووجهها كذلك .. لم يعرف أي شيء عنها طوال هذه المدة ..لا شيء !
حررت سول دراجتها الهوائية من القفل وما لبثت أن ركبتها ليداعب الهواء وجهها والشعيرات الهاربة من ضفيرتها القصيرة و التي أضفت عليها شمس تموز اللون الخمري،ستستغرق ساعتين او ثلاث في بيت دييغو لتعود أخيرا ً الى وحدة شقتها عند هذه الفكرة ارتسمت على فمها الناعم ابتسامة مسترخية راضية واستنشقت من الهواء ملئ رئتيها وهي تتخيل رائحة خبز الشاودار الفنلندي و طبق "جـريفـي بيـف مكسيكـان" الذي ستأكله وهي تشاهد ناشينل جيوغرافيك جنل ، أوقفت الدراجة الهوائية ما إن أطلت العمارة التي تقع شقة دييغو فيها ..صعدت المصعد ثم أخرجت المفتاح من جيبها وفتحت باب شقته وشعور بالمرارة يطعن كبدها طعنات لا تنتهي !

نظر جوزيف الى ستيف جوبز الذي أخذ يتكلم عن علاقته بـ بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت وعن علاقته بشريكه الأول ستيف وزنياك:
_ كان صديقي وزنياك في البداية يشك بنجاح فكرتنا لكنني أخبرته أننا إن فشلنا سنستطيع أن نخبر أحفادنا أننا استطعنا بناء شركتنا الخاصة على الأقل لذا بعت سيارتي الفولكس فاجن وباع وزنياك حاسبته العلمية الأج بي وابتدأنا بمحاولاتنا،صنعنا النموذج الأول في غرفة نومي ولكن المحاولة الناجحة كانت في مرآبي ..
أبتسم جوزيف ابتسامة طفيفة وهو يسأله سؤالا عن الفيلم الكارتوني توي ستوري والذي أنتجته شركة بيكسار التابعة له فيما سافرت أفكار جوزيف بعيدا ما إن ذكر جوبز كلمة " مرآب " فنسي كل شيء عن ضيفه والجمهور المصغي للحوار المشوق و عادت ذاكرته الفوتوغرافية القهقرى الى تلك الميكانيكية ذات العينين الأوباليتين الساحرتين والقامة القصيرة في ملابسها المنطادية..لم يقابل في حياته امرأة مثلها .. سول أوبال ..كم هو أسم يناسبها روح الاوبال كأن الحجارة التي تضم الاوبال هي نظرتها والأوبال الموشى باللونين الأزرق والأخضر هو لون مقلتيها المحروستين بالرموز السرية !
تذكر كيف قطعت بطاقة الدعوة الى قطع صغيرة ومشت فوقها خارجة من المرآب وكأنه غير مرئي !! دهش لتصرفها غير المسبوق من قبل النساء ولكنه لم يستطع نزع عينيه عنها فرغم أن جسدها يختفي تحت هذا المنطاد المسمى بنطلون والدبابتين الحربيتين المسميتين حذاء ! ولكن طريقة سيرها تنطق بالأنوثة وكأنها قضت طوال عمرها تسير بالكعب العالي على السجاد الأحمر في هوليود !أعطته ظهرها جاذبة دراجة هوائية سوداء اللون وما لبثت أن أغلقت المرآب و ركبت دراجتها ومضت لتداعب نسائم ليل هلسنكي ضفيرتها التمرية المحمرة القصيرة ..راقب هيأتها المحببة وهي تبتعد بدراجتها و ابتسم فشعت أسنانه البيضاء في وجهه وهو يخبرها بصمت أنه رجل يعشق التحدي و لا يعرف الاستسلام ! ، تمتم عقله مندهشا ً وهو يعود الى الواقع على صوت كول الذي اخترق أذنه عن طريق السماعة المحشورة في أذنه ..هذه المرة الأولى التي يفقد تركيزه فيها خلال البرنامج والسبب فراشة وردية تحمل أحجار الاوبال على جناحيها !فكر لابد أن أراها من جديد تلك المرأة الفاتنة الغامضة فإن كان هناك شيء يعشقه فهو الطلاسم الغامضة والتحديات.
إبتسم ابتسامته المشهورة للكاميرا وشكر ستيف جوبز على وجوده ومد يده الضخمة ليصافحه قبل أن ينتهي البث المباشر وتدب الحركة في الجمهور ..
مد كول يده الى السماعة والمايكروفون اللذان كانا قرب أذنه وفمه ونزعهما بنزق وهو يتجاهل نظرات جورجي التي تقف قرب آشتون ومصطفى وزفر بقوة محاولاً احتواء الغضب الذي يبرق ويرعد في جوفه منذ البارحة .. متى ينتهي هذا الشهر اللعين..غدا عيد ميلاده وتاريخ موت ماريا وكارلو وكل لحظة تحمل الأنفاس إليه تحمل الوجع معها ..وجع لعين لا ينتهي !تنفس بعمق وهو يرى جوزيف متوجها ً إليه فقال له كول وهو يرمقه بحدة:
_ لقد شردت خلال اللقاء ما الذي حدث لك هل جننت ؟!
ظهرت الدهشة في عيني جوزيف هل انقطع عن الواقع لهذه الدرجة ؟!
فقال لكول محاولاً أن يستشف حالته التي كان عليها دون علمه:
_ لا أعتقد أن جوبز او غيره أنتبه للأمر ؟
زفر كول وهو يشعر أنه سيختنق ..إن لم يخرج الآن سيصب جام غضبه على كل من في الأستوديو دون استثناء..
_ أنا انتبهت..كن حذرا في المرة القادمة .
أضاف وهو يحمل حقيبته ويطلق قدميه للريح:
_ اليوم سهرتنا عند أمي لا تنسى ..تريد أن تشاهد معنا تسجيل الحلقة ككل أسبوع .
نظر جوزيف الى الخطوط المتعبة التي تغطي وجه كول و أعتصر قلبه لتلك الذكريات التي ينزف منها تموز .. تلك الحقائق المؤلمة التي كالظلال لا يمكن الهروب منها فقال له بصوت مساند يعلم أن كول لن يسمح له بأكثر منه:
_ طبعاً لن أنسى .
وأضاف وهو يمسك كتفه حينما هم بالرحيل:
_ كول .. هل أنت بخير؟
_ نعم ..لا تتأخر أفهمت .
خرج كول من الأستوديو وملامحه كالمعتاد لا تشف عن النار التي تتأجج في جوفه..لم يكن غافلاً عن نظرات النساء التي تتبعه بوله ولكنه ببساطة غير مهتم !.شق طريقه نحو سيارته اللومينا متوخيا أن لا يصطدم بأي صحفي أبله سينهال عليه بالأسئلة ولكن يده الممسكة بالمفاتيح جمدت في الهواء وصوت جورجي الناعم ينساب مع الهواء ليصل إليه..أراد تجاهلها والرحيل ولكنه عاد والتفتت إليها وكأن هناك شخصا يدفعه دفعا لذلك..
_ كول ...أعني مِستر بيروتو هل لي بدقيقة من وقتك ؟
نظر كول الى خطوات جورجي الرشيقة وهي تتهادى ببطء في مشيتها ..أبتلع ريقه بخفية وهو يراها تصل إليه .. و أعصابه تتذكر دفء تأثيرها عليه بعد أن سقطت فوق جذعه و صدره..لا يعلم لماذا ولكنه لم يستطع إلا أن يتأمل جمال وجهها وقامتها الهيفاء ،أخبرته أعصاب مقلتيه ..لم تستطع تجاهلها كما تفعل مع النساء الأخريات! نظر الى شفتيها وهي تقول له:
_ أنا آسفة لتأخيرك مِستر بيروتو ولكني ..في الحقيقة أريد ..أريد ..
قال كول بصوته الآمر الرجولي يشوبه نفاذ الصبر:
_ ماذا تريدين؟
نظرت جورجي الى عيني كول التركوازيتين اللتين تحدقان بشفتيها وأحست أن فمها جف ولكنها استطاعت أن تذكر نفسها بمساعدة صوته الجاف بما كانت ستقوله فقالت له بصوتها الناعم:
_ أعلم أني مصورة مبتدئة ولكني أردت أن أحدثك عن إمكانية انضمامي الى
طاقم التصوير في فيلمك الجديد ..
_ لدي ما يكفي بالإضافة الى أنك تعملين في هذا البرنامج ،.هل تريدين الانسحاب وأنت لم تبدئي إلا منذ وقت قصير كما أخبرتني؟
تجاهلت جورجي نبرته الجافة التي لم تكن البارحة واقتربت منه خطوة ورفعت عينيها لتنظر جيدا ً في عينيه وهي تقول بصوت رقيق
محاولة إقناعه ..يجب أن ترى كول أكثر بعد اليوم ..
_ عملي فقط كل يوم خميس عند التصوير المباشر وباقي أيام الأسبوع ليس لدي عمل .
أضافت وهي تلتقط تلك النظرة في عينيه نظرة رجل لامرأة فوضعت أصابعها النحيلة في شعرها عسى أن ترسل الرياح رائحة عطرها إليه ..
_ الرجل العربي " مستفى" أليس يعمل في البرنامج وفي فيلمك الجديد؟
أغمض كول عينيه وفتحهما بسرعة ليطرح تلك الأفكار التي هاجمته وهو يرى أصابعها داخل شعرها ...تبا له كم هو رجل نذل ذكرى موت ماريا وهو يفكر بامرأة أخرى .. فتح باب سيارته الرمادية وقال لها :
_ " مستفى" عراقي وأنا أحتاجه لأن الفلم يتحدث عن العراقيين المغتربين بعد الحرب الأخيرة .
قالت جورجي بسرعة وهي تحدق قي جانب وجهه الرجولي وتاقت الى أن تقترب منه ..تنهدت بدون صوت وقالت له :
_ حسنا ما رأيك أن نلتقي غدا على الغداء او العشاء لو أحببت وبإمكاني أن أتي لك بمجموعة من الصور التي التقطتها كاميرتي وأحكم بنفسك ؟
شغل كول السيارة وكأن صوت المحرك سيجعل جمال صوت جورجي يضمحل وقال لها بلهجته المتغطرسة و هو يجعل عيني ماريا التمريتين نصب عينيه وأفكاره:
_ أنا مشغول .. الى اللقاء جورجي أعتني بنفسك.
وقفت جورجي على الرصيف وشباك خيبة الأمل تلفها من رأسها الى أخمص قدميها .. حسناً لابد من طريقة معينة للتعامل مع الرجال الغرانيتيين!
فحجارة الغرانيت قد لا تؤثر بها ضربة قوية لكن قطرات المطر التي لا تمل من ملامستها تحفرها وهي ستصل الى كول بيروتو مهما حصل .
تذكرت شعره الأسود وبشرته السمراء التي زاد من جاذبيتها قميصه الأسود
وعيناه التركوازيتان الفاتحتان ، أخرجت نفسا ً حارا ً وهي تفكر بإصرار.. نعم لابد أن تصل إلى هذا الرجل الذي لم تستطع امرأة أنت تنال اهتمامه الكامل ..ستصل إلى هذا الرجل الذي أحب وتزوج عمله !
أزاح كول العينين الزرقاوين بلون سماء شمال فنلندا من أفكاره و احتلت العينين التمريتين قلبه كما كانت طوال حياتها وبعد مماتها .. زاد السرعة حتى أخذت السيارة تنهب الأرض نهباً وسأله صوت صغير في عقله إن كان يتمنى الموت ليلحق بماريا وليلحق بكارلو ! وأجاب الصوت.. المرارة التي تحتل كل بوصة فيه أن نعم أتمنى أن الحق بهم ! ولكن صوتاً أخر تصاعد في عقله ليخبره أنه أعقل من هذا التمني في الوقت الحاضر فالآن أمه تحتاجه وسيحطمها أن يحصل شيء له او لجوزيف وسيبقى حريصا على فعل أي شيء تحتاجه أمه.
وصل إلى البيت الغارق في أضواء المصابيح الفضية التي ألقت سحرا خاصا على البيت وكأن كل لبنة من البناء جبلت بنور القمر..فتح البواب له البوابة فأنارت مصابيح السيارة الصفراء الحديقة المحاطة بنبات الآس الجميل ذو الأوراق الصغيرة المتراصة وشجرة الصنوبر الضخمة فيما بقيت بعض الشجيرات الصغيرة و أصص الزهور في الظل..
دخل كول الى البيت من بابه الشمالي الذي ألقت عليه الشرفة المصغرة الظلال ومشى نحو غرفة المعيشة فلابد أن أمه تنتظرهم هناك.. دلف الى الغرفة البيضاء اللون فرأى والدته تجلس على الأريكة الكحلية وتمد قدميها على بساط زغبي من نفس اللون فيما كانت عيناها الفيروزيتان معلقتان على رف الموقد وشعرها الأبيض القصير الذي تخالطه بعض الخصل الشقراء المسلوبة اللمعان تحيط وجهها وكأنها تطبطب عليه ..لم يكن بحاجة لينظر الى الصور ليرى الملامح التي تقفز من الصورة الجماعية ..هو ووالداه وجوزيف وكارلو و .....ماريا حبيبته التي قتلها بطيشه وحطم قلبه وقلب والدته عليها وعلى كارلو .
إلتفتت فيث نحو إبنها ما إن أحست بوجوده فرسمت ابتسامة حنونة على وجهها وهي تحييه:
_ مرحبا يا بني كيف حالك ؟ وأين جوزيف؟
إختنق صوت كول وهو يرى أمه تمسح دموعها بسرعة حتى لا يراها ويصاب بالحزن وعادت الى ذاكرة قلبه كل الدموع التي كان سببا في ذرفها فشعر بصدره يضيق وكأنه سيصاب بذبحة صدرية مفاجئة ..
أضافت وهي تحاول إجبار شفتيها على الابتسام وهي ترى كول واقفا كالتمثال :
_ الكرة الأرضية تنادي كول !؟
نظر كول إلى أمه وأحس أن حنجرته تتقطع من الألم فاندفع إليها ورمى نفسه على ركبتيه أمام قدميها كما يفعل دائما ..أمسك يديها وانحنى إليهما يقبلهما والصمت إلتهم كلماته ..بعد لحظات قال لها بصوت يقطر ألما في حين تجمهرت الدموع في عينيه ومازالت شفاهه فوق يدها ..
_ سامحيني يا أمي سامحيني أرجوكِ !
تساقطت الدموع من عيني فيث وهي ترى عذاب كول وقلبها يصيح وكيف أستطيع أن لا أسامحك وأنت ولدي..قطعة مني ؟!حررت يديها من بين يديه بلطف ورفعت رأسه إليها فتقطع قلبها إلى مئة قطعة وهي ترى العذاب الذي يغرق فيه،وتلك الدمعة التي سكنت رموشه السوداء طعنتها مئة مرة ..مدت أصابعها الى وجهه تمسحه وكأنه وجه طفل صغير و نظرت إلى عينيه التركوازيتين المعذبتين وجاهدت لتجعل ثغرها يبتسم فارتجف فمها المحاط بالتجاعيد وقبلت رأسه مواسية إياه وقالت له كما تقول له دائما بصوت مخنوق بالدموع :
_ سامحتك منذ الأزل ياولدي فقلبي لا يقدر و لا يريد أن يفعل غير هذا.
اختنقت الأنفاس في صدر كول وهو يشعر بوالدته تقبل رأسه..فقال لها وهي ينظر في وجهها الأبيض الذي ملأته التجاعيد..
_ كيف تستطيعين مسامحتي وأنا حرمتك من إبنك وحرمتك من ماريا ؟!
أضاف وصوته ينزف ألماً وهو يقف ليلقي نفسه على الأريكة قرب والدته:
_ حرمت قلبي من بهجة عينيها آهــ كم أشتاق إليها .
_ كلنا نشتاق إليها..تــــ...
ابتلعت تلك الشفرة التي تقطع حنجرتها وقالت له وهي تراقب وجهه البائس:
_ يجب أن تتوقف عن تعذيب نفسك كول ..لن يعودا حتى لو نزفت دمك كله وجعاً.. أنا لا أقول لك أنسهما فلا أنا ولا أنت ولا جوزيف سننساهم..ولكن أبحث عن من يقطب قلبك .
مسحت دمعة ترقرقت من عينيها الفيروزيتين اللتين أبهت الزمن لونهما وهي تنظر الى عيني ماريا الشقيتين ببراءة في الصورة وأضافت:
_ماريا ماتت وكنوز الدنيا لن تعيدها من تحت الثرى ..يكفيك عذابا بني أنسى حبها الذي تتمسك به بكل ذرة منك ..أنا متأكدة أنها لا تريد أن تعيش حياتك كلها محروما من الحب..
أضافت برقة:
_ ألا تريد طفلا.. ولدا ً يحمل إسمك ..بنتاً تـ..
قاطعها بغضب:
_ بنتاً ستعلم أن والدها قتل عمها و وما ...أختنق صوته وهو يهز رأسه بعناد:
_ لا أستطيع نسيانها ..حبي لن يكون إلا لها وإخلاصي لن يكون إلا لعينيها لن تأخذ ..
قاطعته فيث وهي تسمع صوت الباب يفتح لابد أنه جوزيف:
_ هل خطر ببالك أنك تحن إليها فقط لأنك كنت السبب في الحادثة التي أودت بحياتها ولو بقيت على قيد الحياة فربما ما كنتما لـ..
صاح كول :
_ ما الذي تقولينه بحق الله ..صحيح أني كنت صغير في السن لكنني أحببتها وهي أحبتني ..
أكمل وهو يضع رأسه بين يديه :
_دائما أحبتني حتى عندما كنت كالحقير انتقل من فتاة الى أخرى..لو لم تحبني لما كانت الآن تحت التراب لو لم ابتزها بقولي الغبي أنها إن كانت تحبني فستأتي معي في الرحلة المتهورة لأنه عيد ميلادي اللعين لما سايرتني وتركتني أجرجر أخوتي الصغار معي في غبائي!
قالت فيث وهي تتنهد بألم:
_ أنا لم أشكك بحبكما !!! كما قلت كنتما صغارا لكن الأعمى وحده هو من لا يرى الرابط الذي جمعكما منذ أن دخلت ماريا بيتنا صغيرة باكية،ما أقواله هو ...
تنفست تحاول اختيار كلماتها:
_ صدقني ماريا كانت لتريدك أن تكون سعيدا كانت لـتريدك أن تحب من جديد و تبني عائلة تحبك وتحبها.
_ أحببت مرة وانتهى حبٌ استطيع أن أعطيه..كلنا سنموت يوما ما وأنا سأبقى مخلصا لها حتى ألقاها .
نظر جوزيف الى أمه وأخيه وخنقته الأنفاس..أنفاس الذكرى التي تقتحم صدورهم ..أنفاس الألم وهو يرى أحب الناس إليه يتجرعون المر وهو لا يملك فعل شيء ..هربت قدماه الى المطبخ ريثما تهدأ هجمات الألم التي خضبت وجهه ..وضع جبهته على بدن الثلاجة وكأنه بهذه الطريقة سيوقف دفق الذكريات.. لكن الذكريات أبت إلا أن تهاجمه فتذكر جسد كارلو المتهاوي في حضنه على مقعد الحافلة وخيط الدم الذي سال من فمه فغصت حنجرته وهو يتذكر وجه كارلو الصغير بشعره الأسود ككول ووالدهم ..اشتدت قبضتاه حتى أحس أن الدماء توقفت في رسغه.. تنفس بعمق محاولاً تهدئة نفسه ..
يرحل من نحب فيأخذون قطعةً من القلب
ويُملئ الفراغُ بخليط الحنين والعذاب
وتنوح ثُكلى أرواحنا
من ثقل مرساة الغياب
بعض الوجوه لا تغيب إن غاب الجسد
بعض الذكرى لا تموت
حتى لو غاب أصحابها للأبد
رابط الدم الذي يجمع العروق
يشدنا حتى بعد الفراق
يشدنا
حتى بعد الفـــــــــــراق

رفع جوزيف رأسه وهو يسمع صوت مدبرة المنزل ..
_ هل تحتاج الى شيء مِستر يوسـ... مِستر بيروتو
ابتسم جوزيف في وجه مِسز فاستافيو التي لا تنطق سوى لغتها الفنلندية الأم وكلمات قليلة من اللغة السويدية وحتى الآن لا تقدر على لفظ اسمه الانكليزي بصورة صحيحة وتعجز عن لفظ حرف الــj
فتح الثلاجة وحمل دورق عصير الجزر والبرتقال و قال لها وهو يلتقط بيده الأخرى ثلاث كؤوس ..
_ جئت لأخذ هذا ..
_ إذا لم تحتج إلي فسأذهب للنوم .
سبقها خارجا من المطبخ وهو يقول لها:
_ لا شكرا لك تصبحين على خير.
رسم جوزيف ابتسامة على وجهه مجبرا نفسه على طرح وجع الذكريات جانبا ودخل الى الغرفة ..
التفت كول و فيث الى جوزيف ما إن دخل وقالت له أمه بسرعة وكأنها سعيدة بدخوله في هذه اللحظة بالذات..
_ وأخيرا ً جئت لقد كنا ننتظرك .
وضع جوزيف الدورق على المنضدة و وصل إلى رأس أمه وطبع قبلة على جبينها ثم قال وهو ينظر الى وجهها:
_ ما السر تزدادين جمالا كل يوم ؟
ضحكت من كل قلبها ومدت يدها للرموت كنترول تضرب كتفه به:
_ كاذب !
جلس جوزيف على الأريكة بتعب وقال لها ضاحكاً وهو ينظر الى بداية الحلقة بعد أن شغلت أمه الدي في دي..
_ أنا!!
_ حسننا أسكت دعنا نشاهد الحلقة.
تثاءب جوزيف وهو يعيد رأسه للوراء وهو يقول بصوت متعب:
_ شاهديها أما أنا فأريد خ خ خ خ أن أنام الى الصباح .
قال كول بلهجة المخرج الصارم ولكنه رمى الوسادة بخبث لترتطم بوجه جوزيف المغمض العينين :
_ أستيقظ أيها النائم حتى ترى كيف سهوت في المقابلة لعدة دقائق !
قالت فيث وهي ترفع صوت التلفاز:
_ أستيقظ جوزيف تعلم أني أحب أن أتابع البرنامج معكما .
فتح جوزيف عينيه نصف المغمضتين بصعوبة وقال لها :
_ ها أنا أشاهد نفسي من أجلك هل أنت سعيدة الآن ؟
ابتسمت فيث وقلبها يكبر الى حد آلمها ..لقد حُرمت من كارلو ومن ماريا ومن زوجها بعدهم بسنين لكن الله منحها كول وجوزيف ، قالت بصوت حنون فخور:
_ نعم.
قال جوزيف بصدق وهو يتثاءب مرة أخرى:
_ جيد إذا أنا سعيد .
انفجر كول و فيث ضاحكين وقالت الأخيرة مقلدة صوته المتعب:
_ جيد إذا أنا سعيد هههههه استيقظ أيها النعسان .
قال كول مغيظا إياه :
_ هل تريد أن أذهب وأجلب لك ملاكا ً ما ..أنا متأكد أن عينيك ستطرد النوم ما إن تشتم رائحة امرأة وستصـــ............
ضحك جوزيف معيدا رأسه للوراء وهو يفكر بمن يريدها أن تيقظه وقال لكول وهو يرفع حاجبه الأيمن بطريقة خبيثة:
_ لا أريد ملاكا بالضبط أفضل أن..
ترك جملته معلقة في الهواء و بينت ابتسامته الماكرة مايقصده فانفجر كول ضاحكاً مع جوزيف وأمهما تتصنع الغضب وهي تصرخ بوجه كل واحد منهما:
_ تأدب يا ولد !!!

نهاية الحلقة الثانية

 
 

 

عرض البوم صور لولو ليلاس   رد مع اقتباس
قديم 11-07-11, 02:15 PM   المشاركة رقم: 162
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2009
العضوية: 151688
المشاركات: 1,057
الجنس أنثى
معدل التقييم: لولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 677

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لولو ليلاس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وردة دجلة المنتدى : روايات عبير الاحلام المكتمله
افتراضي

 

 
 

 

عرض البوم صور لولو ليلاس   رد مع اقتباس
قديم 11-07-11, 02:16 PM   المشاركة رقم: 163
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2009
العضوية: 151688
المشاركات: 1,057
الجنس أنثى
معدل التقييم: لولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 677

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لولو ليلاس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وردة دجلة المنتدى : روايات عبير الاحلام المكتمله
افتراضي

 

 
 

 

عرض البوم صور لولو ليلاس   رد مع اقتباس
قديم 11-07-11, 02:17 PM   المشاركة رقم: 164
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2009
العضوية: 151688
المشاركات: 1,057
الجنس أنثى
معدل التقييم: لولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 677

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لولو ليلاس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وردة دجلة المنتدى : روايات عبير الاحلام المكتمله
افتراضي

 

 
 

 

عرض البوم صور لولو ليلاس   رد مع اقتباس
قديم 11-07-11, 02:18 PM   المشاركة رقم: 165
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2009
العضوية: 151688
المشاركات: 1,057
الجنس أنثى
معدل التقييم: لولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدالولو ليلاس عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 677

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لولو ليلاس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وردة دجلة المنتدى : روايات عبير الاحلام المكتمله
افتراضي

 

 
 

 

عرض البوم صور لولو ليلاس   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
..قريباً, 30-رواية, ليلاس, أسير, أسير فراشة, أوان..وردة, مكتملة, الاوبال, بقلم, حيلة, رواية مكتملة, عبير الأحلام, عبق الروانسية, فراشة, وردة دجلة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير الاحلام المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t160808.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-11-14 12:08 AM
Untitled document This thread Refback 23-07-14 01:29 AM


الساعة الآن 11:18 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية