كاتب الموضوع :
زاهــــــــــــره
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل التاسع
بئر الأسرار
خرجت مشيرة مع سها التي قالت لها " إن كنت تكرهين ماله لهذه الدرجة يجب أن تصرفيها و بسرعة" فما كان من مشيرة إلاً أن إبتسمت، كانتا في أحد المتاجر عندما تنهدت مشيرة بغضب فقالت سها:
- أمازلت غاضبة من مشاجرتكما؟ لا أعرف لما لم تأخذي منه المال في صمت؟ لما جادلته؟
- سها... أنا التي تسببت في كسر يده لذلك أرى أنه من واجبي أن أساعده في الرواية... لم يكن الأمر يستحق أن يعطيني أجر... يكفي أنني موجودة في منزله منذ ثلاثة أشهر دون أن أدفع قرش.
ضحكت سها:
- عزيزة النفس... عزيزة النفس.
- ماذا قلتِ؟
- لابد أن هذا سبب غضب أخي... لقد أربكتيه فأنتِ نوع جديد لم يسبق له التعامل معه... نفسك عزيزة يا أختاه.
قالت بإعتراض:
- بلا سخرية سها...
قاطعتها:
- لا أنا لا أسخر... مر على أخي الكثير من الأنواع... في بداية حياته كان كأي شاب يملك من سلامة النيه ما يكفي قبيلة كاملة لكنه جُرح كثيراً و نال من الصفعات ما يكفي لذلك بنى جداره الواقي و الذي من أعمدته الأساسية عدم الوثوق بإمرأة...مؤكد أنه رآى عدم قبولك للمال تصرف غير مألوف لم يستطع التعامل معه إلاّ بالغضب و الصياح .... الآن دعينا من كل هذا و هيا لنتسوق أريد أن نتأنق.
- و ما المناسبة؟
- غير ضروري وجود مناسبة...
صمتت قليلاً ثم قالت:
- إسمعي الآن يوسف في أجازة قد أجبره على إصطحابنا إلى السينما أو المسرح... أو... أو أي شئ قد يخطر في بالنا و بعدها نتناول العشاء خارجا.
بعد أن أنتهت جولة التسوق إصطحبت سها مشيرة إلى المزين (لتعتنيا بجمالهما) على حد قول سها ، ما أن عادتا للمنزل حتى توجهت مشيرة إلى غرفتها و أمسكت القلم " فقد ثقته بالنساء بعد التعرض للكثير من خيبات الأمل...." توقفت تفكر ما عساها تضيف لكنها إكتفت بهذه الجملة للآن فلابد أن هناك المزيد فلا داعي لكتابة الكثير من الكلام الذي لا أهمية له إلاّ الحشو.
إرتدت مشيرة فستان كان من إختيار سها... كانت تجلس أمام المرآه عندما دخلت سها في أبهى صورة:
- مشيرة ... هل إنتهيتِ؟
- لا ... أمامي عشرة دقائق.
جلست سها على السرير:
- حسناً لكن أسرعي لأن يوسف و محمد في إنتظارنا.... لن تصدقي... لقد أقنعت يوسف أن يأخذنا للسينما و بعدها سوف نتعشى.... إحزري أين؟
- أين؟
- في بيتزا هت.
ضحكت مشيرة فقالت سها:
- أعلم... أنا نفسي لا أتصور أخي إلا في أرقى المطاعم التى يرتادها كبار السن لا الشباب .... لكنني تحديت نفسي بأن أقنعه.
قالت مشيرة بهدوء:
- لا يدهشني الأمر.
سألتها سها بدهشة:
- حقاً؟؟!!
- نعم... فبالرغم من عناد أخيكِ الكبير و تمسكه برأيه إلاً أنه أمامك... لا أعرف ما أقول... بإمكانك أن تديريه حول إصبعك.
ضحكت سها:
- ما أجمله من تعبير.... لا تدعي يوسف يسمعك.
تصنعت مشيرة الرهبة:
- لا سمح الله.
- هيا أسرعي.
- حسناً حسناً...سها أخبريني لماذا إنفجر غضب أخيكِ و هو يأمر البستاني أن يقطع تلك الشجرة الغريبة؟
- شجرة سوسن؟
- شجرة من؟
- لقد أمرت سوسن بزراعة تلك الشجرة و كانت على عكس الكل معجبة بمنظرها ... لكنني لم أحبها أبداً و يوسف أيضاً كرهها فلها منظر شيطاني بأغصانها المتشابكة و أشواكها.... كان يوسف يقول أن سوسن تحبها لأنها لا ترى بشاعتها فهي تشبهها.
كتمت مشيرة شهقة دهشة كادت تخرج منها... أمضت معظم السهرة صامته... تُرى ماذا ستكتشف بعد عن حياة يوسف عياش التي يبدو أنها مليئة بالأسرار... هوه نفسه يبدو كبئر من الأسرار، قطع أفكارها صوت يوسف الذي مال ناحيتها هامساً:
- أريد أن أعتذر عن إنفجاري بكِ صباحاً.
إستدارت تنظر له:
- لا عليك لقد نسيت الأمر.
- إذن لما الشرود؟ إنك بالكاد شاركت بالحديث كما أنك لم تمسي طعامك.
رسمت إبتسامة على وجهها:
- يبدو أن معدتي تعودت على طعام توحه العالي الجودة فلم يعد يرضيني ما تقدمه المطاعم.
كوفئت على جملتها بإبتسامة رائعة حملت قلبها على التخبط بين ضلوعها:
- يجب أن تخبريها بما قلته فهذا سيسعدها.
تدخلت سها:
- بماذا تتهامسان؟
إحمر وجه مشيرة... لقد كانا يتحدثان همساً بالفعل... ما هذا الإحراج، قال يوسف:
- كنت أعتذر لها عن ثورتي الرهيبة... كما أنني أطري ذوقكم الرائع .
نظر لزوج اخته:
- أليس كذلك يا محمد... على طاولتنا فاتنتان.
أومأ محمد برأسه مبتسماً و هو ينظر لزوجته بمحبة، بينما أكمل يوسف:
- هيا لنعيدهما للمنزل قبل أن تخطفان منا.
قالت سها بإعتراض:
- أيها الماكر... هذا التملق لتعيدنا إلى المنزل... هيا لنتمشى على البحر قليلاً.
و كان لسها ما أرادت.... تأبطت ذراع زوجها و أسرعا الخطى و هذا ما ترك مشيرة وحيدة مع يوسف نظرت إلى ظهر سها بنجدة فابتسم يوسف:
- أظن أنها لن تسمع نجداتك الصامتة.
نظرت له بتساؤل فقال:
- سها... إنها الآن في عالم آخر و لن تفكر للحظة أنها تركتنا وحيدان.
إحمر وجه مشيرة:
- لا... إن الأمر...
صمتت وقد إزداد إرتباكها فقال:
- لا عليكِ... إسترخي و الآن حدثيني عنك.
في البداية دهشت مشيرة من سؤاله الذي يتناقض مع طبيعته المنطوية.... يبدو أنها أحرزت تقدماً رهيباً و دون أن تشعر... قد تحصل على المعلومات التي تحتاجها من يوسف نفسه لا من اخته لكنها عادت و إستبعدت الأمر.
قال يوسف:
- إذا كان يضايقك أن تتحدثي...
قاطعته مسرعة:
- لا... أبداً... أبداً.
فكرت مشيرة أن الكذب لن ينفعها لذلك ستخبره بالحقيقة شرط أن يبتعدا عن موضوع عملها:
- حياتي خالية من الأحداث المثيرة باستثناء الحادث العظيم الذي وقع لي في الفترة الأخيرة.
ابتسم يوسف:
- ذلك الحادث الذي صدمك فيه رجل مجنون كان مسرعاً بسيارته؟؟!!
ضحكت مشيرة... إذن فهو يملك حس دعابة كاخته!!! قالت من بين ضحكاتها:
- أظن ذلك لكن لا أعتقد أنه يمكن وصفه بالمجنون.
نظر لها و هي تضحك و حبس أنفاسه... لابد أن صدى هذه الضحكة لن يتركه لأيام:
- حسناً هل لكِ أن تخبري ذلك الرجل الذي لا يمكنك وصفه بالمجنون عن حياتك الخالية من الأحداث؟
- حسناً... من أين سأبدأ؟... توفى والدي و والدتي إثر حادث سيارة و ذلك ما تركني أنا و نشوى فقط... أنا أكبرها بثمان سنوات كنت في سنتي الدراسية الأخيرة عندما حدث ذلك الحادث المروع لوالدي و هكذا عملت و إعتنيت باختي و بالطبع ساعدني في ذلك بعض المدخرات التي كان والدي أودعها بإسمي لكنني لم أستطع إستخدامها إلا بعد أن بلغت الواحدة و العشرين.
- منذ فترة قصيرة؟
رفعت إحدى حاجباها:
- أعتقد أن هذا السؤال الملتوي يا أستاذ يوسف هدفه أن تستعلم عن عمري أليس كذلك؟
- فتاة ذكية.
ابتسمت:
- بإمكانك أن تقول لي مباشرةً كم عمرك بدلاً من أن تجاملني و أنت تحاول أن تقول لي أنني أبدو أصغر سناً.
- برأيي أنت لا تتجاوزين العشرين.
ابتسمت:
- لقد كنت في العشرين منذ ست سنوات يا أستاذ يوسف.
- لابد أنك تمزحين آنستي الصغيرة.
نظرت له... آنسته الصغيرة؟، إحمر وجهها خجلاً يجب أن أتحدث لأبدد هذا الإحراج:
- آنستك الصغيرة؟ لا أعتقد أستاذ يوسف أن كلمة الصغيرة تنطبق علي.
- أريد أن أخبرك أمران الأول أنك فعلا تبدين ليس لي فقط بل لكل من يراكِ صغيرة السن... قد لا يكون سن السادسة و العشرون سن كبيرة لكنها تبدو كبيرة عليكِ أما الأمر الثاني هو مناداتك لي بذلك الإسم (إستاذ يوسف) لا أرى داعياً له... إنه يشعرني بأنني صرت كهلاً.
ضحكت:
- لقد كنت أظنك كذلك حقاً.
نظر لها بإمعان:
- ماذا؟
صمتت... يا إلهي ما الذي قلته لكنها أسرعت تقول بحنكة:
- قد تظن أنك غير مشهور لكنك مشهور حتى في الأوساط النسائية فرواياتك في كل المكتبات... عندما سمعت عنك و قرأت إحدى رواياتك تخيلتك رجل عجوز قد دب الشيب في شعره...
صمتت فقال لها و قد بانت التسلية في عينيه:
- أكملي لماذا توقفتي؟ و هي تخيلتني أمشي مستنداً على عصا و قد إنحنى ظهري.
قالت و هي تكبت ضحكة:
- في الحقيقة لا لقد تصورتك على كرسي متحرك.
رمى رأسك إلى الوراء و إنفجر ضاحكاً.... توقفت سها و إلتفتت إلى أخيها ثم تابعت سيرها و هي تقول لزوجها:
- أرأيت يا محمد.... إنها المرة الأولى منذ سنوات التي أرى فيها يوسف خالي البال بهذه الصورة لقد كنت قد نسيت صوت ضحكته الرنانة تلك.
- لكل شئ نهاية يا عزيزتي و أعتقد أن نهاية الكآبة و الحزن اللذين أحاطهما يوسف بنفسه قد حانت...
- نعم و على يدي مشيرة.
ابتسم محمد:
- يبدو أنكِ صرت متبصرة يا حبيبتي.... لقد سعيتِ منذ البداية أن تقربيهما و كأنك كنت تعلمين أن مفتاح قلب يوسف مع مشيرة.
قالت و هي تتصنع الغرور:
- بإمكانك قول هذا.
عنفها ممازحاً:
- أيتها المتعجرفة المغرورة.
سألته بدلال:
- متعجرفة و مغرورة لكنك تحبني أليس كذلك؟
- و هل أنتِ بحاجة للسؤال؟ بالطبع أحبك.
تعلقت بذراع زوجها و أسرعت الخطى تاركة خلفها يوسف و مشيرة اللذين لم يتوقفا عن الحديث.
قال يوسف بإعتراض:
- لقد كنتِ تتحدثين عن نفسك و كيف إنتهى بنا الأمر و نحن نتحدث عني.
قالت و هي تتصنع البراءة:
- لا أعلم.... يبدو لي يا أستاذ يوسف....
قاطعها:
- يوسف.... ألم نتفق.
- حسناً... يبدو لي أنك...
قاطعها مرة أخرى:
- لقد تجاوزت إسمي... هيا قوليها.
صمتت ثم قالت:
- يو...سـ...ف
شاكسها:
- إنك ممتازة في التهجئة.
إنه يسخر منها... نظرت له بدهشة إنه مختلف تماماً هذه الليلة و يبدو لها أنها سيندم لاحقاً على هذا الحديث قطع أفكارها:
- هيا أخبريني ماذا يبدو لكِ.
- أتصدقني إن قلت لكِ أنني نسيت؟
ضحك ثم قال ممازحاً:
- بل أصدقك... إنه سحري.
كادت تقول له فعلاً ... معك حق لكنها عضت على لسانها بينما قال:
- كنت أتساءل عن كيفية إنتهاء الأمر إلى أن أتكلم أنا عن نفسي و أنت تستمعين.
قالت:
- اهاااا تذكرت... يبدو لي يا يوسف أنني من الأشخاص الذي يرتاح المرء في وجودهم لذلك تراك تحدثت عن نفسك.
ابتسم:
- مغرورة لكن مرحى لك.
- مرحى لي؟
- نعم لقد قلت إسمي بكل براعة يبدو أن تمارين التهجئة أفادتك.
إرتبكت مشيرة هل نادته بإسمه مجرداً... نظر إلى وجهها المعبر لابد أنها لم تنتبه إلى فعلتها قالت بسرعة:
- هيا.... هيا بنا لنلحق بسها و محمد.
سبقته بسرعة بينما إستمر في المشي بهدوء و هو يتساءل على سر هذه الفتاة ليشعر معها بتلك الراحة... الراحة التي لم يذق طعمها منذ أمد... الراحة و الشعور بالأمان و عدم توقع الغدر.
حثت مشيرة خطاها و هي غاضبة من نفسها... طالما كنت متحكمة في نفسي و مسيطرة على إنفعالاتي... ماذا في هذا الرجل يدفعني إلى الأرتباك كتلميذة مدرسة ساذجة... و تعليقاته... لماذا أحمرت خجلاً عند سماعها؟
************************
عندما أصبحت مشيرة في غرفتها أخرجت أوراقها و أخذت تكتب كل ما عرفته اليوم.... اليوم هو يوم الأسرار العالمي و كأن البئر قد فاض بكل ما فيه لكنها متأكدة أنه مازال هناك المزيد، بعد أن إنتهت إندست تحت الأغطية محاولةً النوم بلا فائدة ... جلست في فراشها تسترجع ذكرى تلك التمشية الساحرة و عاد لها ذلك الشعور بالذنب لما تفعله فيوسف لا يستحق أبداً ما ستفعله به.
إستلقى يوسف في فراشه و قد تصارع شعورين في صدره... شعور بالسعادة لذلك الحديث مع تلك الفتاة الساحرة و شعور بالغضب لسماحه لنفسه بأن ينفتح بتلك الصورة، كما قالت إنها فتاة يسهل الحديث معها فهي تبعث على الراحة.... لكنه عاد و قرر أن يغلق الأبواب على أسرار حياته التي لم تكن تحمل إلاّ الألم فإنكشافها لن يجلب إلاً المزيد و المزيد من الألم.
|