كاتب الموضوع :
هدى 2008
المنتدى :
الارشيف
_9_
بالخارج
كان الجميع تقريبا يجلس بالصالة ما عدا عمر
الذي اختار الجلوس وحده بالحديقة
وقد ساد نوع من الوجوم بعد المرح الذي سادهم من قبل
فما حدث قبل قليل قد آثر عليهم
وجه أمجد الكلام للجميع
_ ما بكم لماذا هذا الصمت؟
لم تجاوبه غير بعض الهمهمة الغير مفهومه
عاود أمجد الحديث: أتمنى أن ننسى جميعا ما حدث ، ولا تنسوا الهدف من اجتماعنا هنا
ليلى بتردد : مالذي حدث لياسمين؟
نظرت إسراء بحيرة إليها وأرادت الرد إلا أن يوسف سبقها
_ ليلى ، ياسمين تعاني من بعض المشاكل والاضطرابات النفسية التي تنعكس على سلوكها، وتصرفها ممكن أن يحدث مع أي شخص بمثل حالتها
كل شخص فيكم هنا يعاني أمرا ما ونحن جميعا نحاول المساعدة، أليس كذلك؟
فلا تشغلوا بالكم أكثر واتركوا كل هذه الأمور لنا، اتفقنا
هز الجميع رأسهم بالموافقة
يوسف وقد أراد إشعال روح الحماسة بالجميع
_ سأخرج الآن لتفقد الشاطئ واختيار المكان المناسب للغداء ، من منكم يود الخروج برفقتي؟
نهضت إسراء وبحماس جذبت يد ليلى وهي تقول : طبعا أنا فلن ادعك تختار المكان وحدك فأنا أعلم ذوقك الردئ ، وليلى معي أيضا
ضحك يوسف وخرج الثلاثة إلى الشاطئ معا
بالحديقة جلس عمر وحيدا
إلا أن قاطع محمد خلوته
محمد وقد وضع كفيه على كتفي عمر
_ ما بك؟ هل توترت لما حدث لياسمين
عمر: طبعا ، حزنت عليها
محمد وقد اتخذ مقعده بجانبه: يقول الأطباء بأنه امر وارد الحدوث لها
عمر : ربما
محمد وقد بدا عليه بعض التعب : أحس بصداع عنيف
رد عليه عمر : لماذا لا تأخذ بعض الحبوب المسكنة ، بإمكاني إحضارها لك ، فقد جلبت بعضها معي
محمد وقد جفل من هذا الاقتراح: لا لا
ثم انتبه لردة فعله العنيفة بعض الشئ فأردف بتوتر: سأشرب بعض الشاي ربما يفيدني
ثم نهض بسرعه وتوجه إلى الداخل
بعد انصرافه ، بقي عمر محدقا بكرسيه الفارغ وقد استغرب جدا من تصرفه
وفكر بينه وبين نفسه
مالذي تخفيه يا محمد؟؟
ثم وبمرارة فكر ، كلنا يخفي شيئا
وتنهد بعمق وهو يفكر بصديق العمر الذي تركه ورحل
ثم رجع للفكرة الرئيسية التي أثارت ضيقه ومخاوفه وهي الخروج إلى البحر
......
فتحت عينيها ببطء
استغرق الأمر بضع ثواني لتدرك أنها ليست بفراشها ، نهضت بقوة فأحست بألم حارق بيدها اليمنى فصرخت بحده
أسرعت إليها الممرضة المرافقة لها وأعادتها إلى الفراش
ياسمين بخوف وهي تمسك بيد الممرضة : مالذي حدث؟
لم تجبها ، مما زاد من توترها وهي تعيد السؤال
فسارعت الممرضة إلى الخارج تنادي الدكتور عمار والدكتور أمجد
في هذه الأثناء كانت ياسمين تنظر برعب إلى يدها وقد بدأت تتذكر بشكل مشوش ثياب البحر والمرآة المكسورة
دخل أمجد يتبعه الدكتور عمار مع الممرضة إلى الغرفة
أمجد بصوت هادئ: كيف تشعرين الآن؟
بينما أمسك الدكتور عمار بيدها الجريحة ليطمئن عليها فوجد الجرح ينزف من جديد
ياسمين : مالذي حدث؟
أجابها أمجد بهدوء وهو ينظر إلى عينيها : لا تشغلي نفسك بالأمر كثيرا ، لقد انتابتك نوبة انفعال وجرحت يدك بغير قصد
ياسمين عضت شفتيها بألم ، وبدأت تبكي بغير صوت
اقترب منها أمجد وجلس على حافة السرير : ياسمين انظري إلي
أشاحت بوجهها عنه وقد ازداد بكائها
تنفس أمجد بهدوء وقد وقف الدكتور عمار بجانبه ينتظر الخطوة التالية فهو من وجهة نظره الطبية تحتاج إلى خياطه الجرح بسرعة
لكن أمجد طلب منه الخروج قليلا مع الممرضة وتركه مع ياسمين وحدهما
أجابه عمار إلى طلبه
بعد خروجهما من الغرفة ، انتظر أمجد إلى انتهت نوبة البكاء التي انتابتها
ثم تكلم أخيرا: ياسمين ، هل من الممكن أن تصارحيني بما حدث ؟
لم ترد عليه ولم تنظر إليه ، كانت نظرتها موجهة إلى يديها
أمجد: أود سؤالك أمرا؟
أجابته بصوت خافت وما زالت محدقة بيديها: وما هو؟
أمجد : لماذا أنتي هنا؟
ياسمين وقد فاجأها السؤال وعجزت عن الإجابة لكنها نظرت له
أمجد وببعض القسوة المفتعلة : أجيبي ، لماذا أنتي هنا؟
أجابته بتردد : لأني أريد الشفاء
أمجد وقد أسعده الرد لكنه لم يبين ذلك واستمر بطريقه كلامه الجافة معها : ومن يريد الشفاء أفلا يسعى إلى ذلك ، أنا أحاول مساعدتك ، لكنك لا تثقين بي
أنا طبيبك المعالج ، وإن كنتي تريدين الشفاء حقا ، يجب أن تكون الصراحة والثقة هما أساس علاقتنا
ثم أردف : هل تخافين مني؟
ياسمين وقد فاجأها السؤال للمرة الثانية
وبحثت عن الإجابة في داخلها بينما ما زال ينظر لها
هل تخاف أمجد ؟؟؟
هل تخافه كونه رجلا؟؟ وقد تم إيذائها من قبلهم
لكنها لم تفكر فيه كرجل أبدا
ولم تفكر فيه كطبيب
كانت تعجز عن تحديد مشاعرها تجاهه
لكنه مختلف
مختلف عن كل الرجال الذين قابلتهم
هي لا تخافه ، بل واعتراها الخجل كطفله صغيرة لفكرة أنها تحس بالأمان لوجوده كما تحس بالأمان لوجود إسراء
وبعد طول تفكير أجابته: لا
أمجد : لا ماذا؟؟
ياسمين ببعض الحدة : لا أخافك
أمجد وقد تنهد بارتياح بداخله فقد كان يخشى من كونها تخافه
ولانت قسمات وجهه وهو يقول لها: إذن سنبدأ بالثقة ببعضنا البعض أليس كذلك؟
لم ترد عليه
فأعاد عليها كلامه إلا أن أجابته بالموافقة
أمجد : لن أعيد سؤالك مجددا عما حدث لأني أثق بأنك ستخبرينني بنفسك ، لكن ألان يجب أن نذهب إلى العيادة الطبية بالخارج الدكتور عمار يريد أن يقوم بخياطه جرح يدك ، ألا ترين أنه بدأ ينزف مجددا
انتبهت ياسمين إلى يدها مجددا وأحست بالالم
قام أمجد متوجها نحو الباب
إذا أردتي يمكنك إحضار ملابسك واستبدالها هنا
ياسمين باستغراب: لماذا هنا؟
أمجد وقد التفت اليها مازحا : لان باب غرفتك قد أزعجني فأردت تلقينه درسا
أحمرت ياسمين خجلا وقد عرفت انه قد قام بكسر الباب
أمجد بابتسامه واسعة : لا عليك ، سنصلحه لاحقا ، ألان أبدلي ملابسك وأنا سأنتظرك بالأسفل
ثم خرج ، لكنه لم ينسى أن ينادي الممرضة بطريقه للذهاب لمساعدتها
......
بالاسفل جلس أمجد مع عمار وحدهما بانتظار ياسمين وقد ساد السكون الفيلا فقد كان الجميع على الشاطئ إالا هم حيث كانوا بانتظار استيقاظها
نزلت ياسمين تتبعها الممرضة ، كانت ترتدي ثوبا بلون الفيروز ، بدون أكمام مع ياقه دائريه ضيق عند الصدر ثم ينسدل طويلا ، مع صندل خفيف بنفس اللون
ياسمين : هل خرج الجميع إلى الشاطئ
عمار : نعم ، وسنلحق بهم وإلا فاتنا الغداء
ذهبوا إلى العيادة ، وقام عمار بخياطه الجرح لها تحت تأثير مخدر موضعي
أما ياسمين فقد تحملت ألمها بشجاعة مع أن الدموع كادت تطفح من عينيها من شده الألم
بعد الانتهاء
خرجوا من العيادة متوجهين إلى حيث الجميع
ياسمين قالت بصوت هامس لأمجد الذي كان بجانبها: أفضل عدم الذهاب ، لا أستطيع مواجهة الباقين
أمجد والذي أبطأ بخطواته حتى يتيح لها الحديث بحرية أكثر
_ تحلي بالشجاعة ، يجب أن تواجهي خوفك ، ثم إن ما حدث يمكن أن يحدث لأي فرد فيهم،
كوني واثقة أن الجميع هنا يحبك ويرغب بمساعدتك
لا تدعي ما حدث يشكل حاجزا بينك والآخرين
ياسمين استمرت بالسير بجانبه وهي مطرقة برأسها وقد اعتراها الخوف من مواجهتهم
احترم أمجد صمتها ، إلى أن وصلوا حيث كان البقية مجتمعين
على الشاطئ ، استقبلتهم صيحة ترحيب كبيره من يوسف الذي كان منشغلا بالشواء هو وعمر
الذي وجد مساعدته له فرصه مناسبة لإشغال تفكيره بدلا من الاستسلام لمخاوفه
كان المكان مبهجا بحق
فقد تم ترتيب الكراسي والمظلات بمواجهه الشاطئ وتم وضع طاوله طعام كبيره مع مظله ضخمه
وبجانبها موقد الشواء
كانت فاتنه جالسه على كرسيها وبيدها كتاب لكنها لم تكن تقرأ فيه لان سما جلست بجانبها تتحدث معها
فقد ارتأت سما عدم تركها بمفردها حتى لاتظن أن لا أحد يهتم بها
فمن وجهة نظرها كمرشده اجتماعيه أن فاتنه عانت بطفولتها من سوء تكيف اجتماعي وشك بمحبه الآخرين لها
وذلك ناتج بطبيعة الحال عن تصرف أهلها معها ، بإهمالها والمبالغة بالاهتمام بأختها
فتعمق بداخلها الإحساس بأنها غير مرغوبة ، وعزت ذلك إلى شكلها وعدم تمتعها بالجمال المبهر
وللأسف فقد كان بالإمكان معالجه هذا الأمر بطفولتها إلا انه لم يتم
فكبرت وشعور بالنقص يعتريها
وأصبح أسلوبها عدائيا مع الجميع ، وأصبح الشك يسيطر على تفكيرها وقناعتها الداخلية
مع ميل لإيذاء مشاعر الآخرين سواء بالكلمات أو التصرفات
وكأنها أصبحت تجد لذة في إحساس الآخرين بالألم خاصة لو كانت هي مسببته
كل هذه الأمور وأكثر استطاعت سما استنتاجها بشخصيه فاتنه
ففكرت أن إعطاء المزيد من الاهتمام لفاتنه أكثر من البقية وإشعارها بأهميتها بالنسبة لها قد يكون له أثر ايجابي بتحسنها
لنرجع للبقية
ليلى وإسراء كانتا تلهوان على الشاطئ وتصنعان قلعه كبيره من الرمال وقد تعالت أصوات ضحكاتهما
أما محمد والدكتور يحيى والدكتور عبد الرحيم ، فقد أغرتهم مياه البحر بلونها الأزرق الصافي بالسباحة
جلس عمار على أحد الكراسي المتناثرة بينما فضلت الممرضة جيني الذهاب مع كريستين لجمع الأصداف
وقفت ياسمين مترددة ، فدعاها أمجد إلى الجلوس بجانبه ، فجلست وقد بدأت تحس بتوترها يتصاعد
نظرت إليها سما مرحبة وأرادت سؤالها عن يدها لكنها فضلت عدم ذلك حتى لا تتسبب بإحراجها
أما فاتنه فقد نظرت إليها بشئ من السخرية وركزت نظراتها على يدها المضمدة ، مما حدا بياسمين إلى وضع يدها بحضنها وكأنها تريد إخفاءها ولم تفت تلك الحركة على أمجد الذي لاحظها
وأراد صرف تفكيرها عن الموضوع فتوجه بسؤال إلى سما
_ أين أحمد ؟؟
ردت فاتنه بسرعة : أنه يتنزه على الشاطئ مع الدكتورة ميرفت وشيرين
ثم لم تضيع الفرصة فقالت بلؤم : لقد فاتكم الكثير من المرح ، ألا تريدون السباحة بالبحر
ثم ضمت شفتيها واصطنعت نظره شفقه موجهه لياسمين : آووه ، اعتقد أنك لن تستطيعي السباحة بيدك الجريحة
مسكينة يبدو الجرح مؤلما
أحس أمجد بغضبه يتصاعد بسبب فاتنه إلا أنه أيضا كان مقدرا لوضعها النفسي ، لكن من وجهة نظره لا يحق لها إيذاء الآخرين ، أو التسبب لهم بمضاعفه معاناتهم النفسية لكن قبل أن يتكلم سبقه عمار الذي
لاحظ تكهرب الجو ومع أنه لم يكن طبيبا نفسيا ، إلا أن إنسانيته وشخصيته القريبة من القلب والمتعاطفة مع الآخرين والتي أهلته للمشاركة بهذه المجموعة ، فأراد تلطيف الأجواء ووضع حد لهذا الموقف الذي بدا له سخيفا
_ أنه جرح بسيط وسيلتئم خلال أيام ، لكني اعتقد ان ماء البحر سيحرقها قليلا ثم وجه كلامه إلى ياسمين وسألها إن كانت تحب الذهاب بنزهة معه على الشاطئ
نظرت ياسمين بتردد إلى أمجد الذي لا حظ الدموع بعينيها فشجعتها نظراته على الذهاب مع عمار
فنهضت وبدون أي كلمه أخرى رافقته
بعد ابتعادهما قليلا
تكلمت سما التي راقبت الموقف بصمت
_ فاتنه ، لماذا هذه القسوة يا حبيبتي؟
فاتنه وقد اصطنعت الدهشه فرفعت حاجبيها استغرابا: أنا ، كيف لم أفهمك
أمجد وقد تسلح بالهدوء : فاتنه ألم اطلب منكم عدم الاشارة للموضوع مع ياسمين
ردت عليه فاتنه بحده وقد أثارها اهتمام أمجد بياسمين ، هذا الاهتمام الذي أحسته بغريزتها كأنثى
_ أنا فقد كنت أريد الاطمئنان عليها ، ولم اتكلم عن صراخها ،وحركاتها الهستيريه التي لا تصدر عن انسانه طبيعيه
سما وقد أرادت السيطرة على الموقف قبل أن يشتعل أكثر
_ فاتنه حبيتي إهدأي ، أمجد كان يذكرك فقط
فاتنه وقد نهضت من كرسيها ورمت بكتابها إلى الأرض وردت بانفعال أكثر : لا ، انتي ايضا تدافعين عنها
الا ترين هجومه علي بسببها
كنت فقط أطمئن عيها فقلبتم المائده على رأسي بسببها
ثم وبسخريه شديده ومراره عميقه وجهت نظراتها إلى أمجد قائله : أهذا ما تستطيع تقديمه لي يا دكتور؟؟؟
أهذا ما تفعلونه لمصلحتي
؟؟؟
أم أنني لا أهميه لي ، وأرفت بصوت قد ارتعش من البكاء : نعم هذه الحقيقه
أنا لا أهميه لي عند أي شخص منكم، فأنا بذيل القائمه كما كان مكاني دائما
أرادت سما الكلام لكن فاتنه استمرت بصراخها الباكي والذي وصل إلى سمع يوسف وعمر
الذين تابعا الموقف بدهشة
أما أمجد فلم يتكلم لأنه أراد منها أن تخرج كل ما بداخلها ولو كان ذلك عن طريق مهاجمته شخصيا
فالمهم عنده أن تفرغ غضبها بدون أن تمس أوجاع المرضى الآخرين
وأتت إسراء وليلى اللتين وصلهما صوت فاتنه
ولكن قبل أن يتكلم أحد دفعت فاتنه بكرسيها فأوقعته أرضا وانطلقت تركض باكيه باتجاه الفيلا
وهي تردد : أنا لا أريدكم ، أكرهكم جميعا
جميعا
|