السلام عليكم جميعا
عذرا على تأخري وتقصيري في حقكم
ها هو الجزء أرجو بأن يعجبكم
وإن شاء الله خلال هالأسبوع بيكون فيه قيد آخر أضافي :)
بس قولوا يا رب
قراءة ممتعة
وعذرا على قصر القيد :(
* ( القيد الحادي عشر) *
كانت تنهال على خديها الذين باتا كصفيح ساخن بالصفعات ..
وهي تقول والعبرات تسابق كلماتها المؤنبة لنفسها:
- وش سويت ؟!! وش ها الغباء الذي عملته ؟!! أعشان أنتقم من فطوم بنتي أعمل ها العملة الس...
لتبتر جملتها بعض شفتيها وتعصر عيناها التين باتتا مجمرتان
ولا تكل من عقاب وجنتيها بوابل من الصفعات المتسلسلة ..
كانت سوف تكمل عقاب النفس اللائمة بدون توقف
لولا أن أخترق مسمعها صوت سعال يفزع القلب
والذي بعث برعشة في عامودها الفقري
الذي جعلها تنتفض وتقوم من على السرير
وتهب مسرعة بدون وعي فالجزع أعمى بصيرتها نحو الحمام حيث يصدر السعال القوي
الذي لا ينبأ بالخير أبدا
صرخت ما إن باتت أمام باب الحمام قائلة .. وقلبها مقبوض:
- حميد .. وش فيك ؟!! .. وش صار؟!!
كأنها في هذه اللحظة نست كل أحداث لليلة البارحة ..
والنقطة السوداء التي تشوه صفحة حياتها حسب ضنها ...
لم يجئها جواب يشفي ظمأ روحها القلقة ...
بل عادت سكاكين السعال الذي يصم أذنيها تقطع طبلتيها..
فوجهت الضربات الصارخة على الباب
وهي تناديه بجزع ينحت وجهها فيشوهه:
- حميد الله يخليك جاوبني وش فيك ؟!!
ما هي إلا دقائق مضت كانت كالدهر في صفحات حياتها
حين بدأ ذلك الباب الشامخ بصمت ياهتز ...
فيعلن عن نهاية جمرات الخوف في قلبها
ليخرج حميد
وابتسامة مهزوزة تكبل شفتيه
ويقول كأن شيئا لم يحدث.. بصوت جاهد لأجل أن يكون طبيعيا:
- لا تخافين مجرد كحه بسيطة ... وراحة ..
أخذت تتفحصه بنظرات غير مصدقة لكلامه
فذلك الصوت الذي هز الغرفة .. مستحيل بأن يكون موجة عابرة ...
لكن مع استمرار تلك الابتسامة الباهتة على شفاهه ...
بدأت تشعر ببعض الطمأنينة الزائفة في داخلها ...
لتنقلب تعابير وجهه بجزء من ثانية إلى استغراب .. تسلل إليه بعض خيوط القلق ..وهو يقول:
- وش فيه ويهك أحمر ..
وبدون أن يعي العقل ما أقدم الجسد على فعله .. رفع يده .. لكي يلامس وجهها المتورم والمشتعل بالحمرة
فلمحت شمسة على أطراف أنامله حمرة دامية .. جعلت حدقت عيناها تتسع
وهي تقول:
- وش هذا إلي في صبوعك ... دم !!!
ليوقف يده الممتدة ..ويمنعها عن إكمال طريقها المخطط له ... فتنكمش قبضة يده ..
وتتراجع إلى الخلف بسرعة البرق ...
لتختبئ وراء ظهره ..
وهو يهرب بوجهه بعيدا عن مرآها .. قائلا بتلعثم واضح:
- لا دم .. مو دم ... هو ... هو صبغة .. نعم صبغة ..
لكن ما لبثت تلك الكحة الفاتكة برئتيه تنسف بحنجرتها ..
فيجهر بها فمه ..
فتتطاير تلك القطارة الدامية
فتكشف سره الدفين
لكنه لآخر رمق جاهد بأن يحمي سره
بوضع حفه على فمه
وهو يندس في الحمام مبتعدا عن عيناها المشرعتان بصدمة تجمد محياها
مد يده لكي يغلق الباب
حين استوقفت يدها طريق الباب المنذر بالانغلاق ..
وهي تسأل بنبرة علت طبقتها.. والصدمة تمدد مقلتيها:
- وش هذا يا حميد ..؟!! أنت وش فيك ؟!!
أراد بأن يبعث الطمأنينة في أنفاسها المرتاعة
لكن تلك الكحة اللعينة سدت الطريق أمام الكلمات لكي ترى نور الحياة
ولشدة نوبة السعال التي تملكته .. بدأ جسده ينهار
ويفقد توازنه
والرؤية باتت له ضبابية
بسبب تكدس الدمع في عيناه
لاحظت ترنحه غير الطبيعي
فهرعت صوبه بدون تفكير مسبق
وانتشلته من السقوط المحتوم
لتتناثر خصلات شعرها الطويلة على وجهه الذي بات شاحب اللون
لضعف بنيتها مقارنة بجسده الفارع
لحقت به نحو الأرض
لكن تمكنت من أن تقع وهي جالسة
وهي تبذل قصار جهدها لكي تنقذ رأسه من الالتطام بأرضية الحمام الباردة
بضمه إلى صدرها بدون أدنا وعي منها
وهي مغمضة العينان
وأنفاسها تتقافز بعيدا عن صدرها
المضطرب الحركة
فتحت عيناها على وقع أنفاسه الخاملة
والتي طمستها في مستنقع الخوف من أن يكون قد أصابه مكروه
أخذت تحدق بها بنظرات هسترية تتقافز على وجهه الخاوي من الحياة
لتجد رموشه قد أسدلت الستار
فينبض قلبها بطبول الروع
فتخرج من حنجرتها نداء ينبع من نفسها المنتفضة من الجزع:
- حميدددددددددد .. قوم يا حميددددددددددددد ...
___
لقد باتت آلة مسيرة من أثر تلك الصدمة التي هزت كيانها
وجعلت كبرياءها المريض
يضوي
أمام سياط الفاجعة
بما آلت لها حالها الكسيفة
لقد دخل عليها كالإعصار في صباحية زواجها المشئوم
وألقى عليها أوامره
بالتنظيف وتحضير الطعام
كأنها خادمة في بيته
وليست فرد من أفراد العائلة
حتى أنه لم يجل لها مجالا للرد عليه
فقد خرج إلى الصالة
جاعلا إياها تنغمس أكثر في دوامة الصدمة
وتربع كالملك على السجادة التي بهت لونها من كثرة السنون التي مرت عليها
وشمخ وهو منفوخ الصدر
على الصيدة الثمينة التي حصل عليها وبأبخس الأثمان...
لقد دخلت المطبخ بجسدها لا بروحها الهائمة في بحر الندم
وهمت بطبخ
رغم أنها لم تقلي بيضة من قبل
فقد كانت تعيش كالملكة في بيتها
لقد تجرعت طعم المذلة لأول مرة في حياتها
وكذلك حنظل الندم المر
وضعت له الطعام أمام سيدها الذي ربع نفسه بدون أرادتها
وهي كسيرة الجسد
خاضعة لجبروته
فلقد قطعت روابط أهلها بسكين كبرياءها العنيد
ما إن رأى الطبق الذي أستقر أمامه
حتى زمجر وقد جحظت عيناه:
- بل بل بل .. وش هذا كله .. تشوفينا شيوخ عشان تحطين بيضتين .. ولا بعد محروقتين ؟!!
ما قلت لك البارحة إياك وتبذير
حن ناس على قد حالا
وبعدين البارحة يوم سخنتي العيش وأحترق نصه ما قلت شيء
قلت وحليلها عروس تعبانه
لكن اليوم ما عندك عذر, راقد ومنخمده علين الساعة ست الفير
وريلك وحليله من النيمه رايح الدكان يفتحه
يلا أباك تكون حرمه أزينه ولا تلعبين بفلوسنا
فهذا فلوس مو ماي.
وأمسك بأحد البيضتان المقليتان والتي أسود لونها من لهيب النار
ومده صوبها وقال آمرا:
- خذي وديه للمطبخ, روحي صبي ماي في طاسه, ودخليها هذه في كوب, ودخلي الكوب في الماي إلي بالطاسة, ما نبا نخسر فلوس على الفاظي على الثلاجة, يوم جونا والحمد للها بارد.
حدق به غير مصدقة لما وصل أذنها.. وقالت بينها وبين نفسها :
( لهدرجة أنت بخيل؟!! كيف عايش ؟!! )
ما لبث أن على صوته وهو مقطب حاجبيه الكثيفين:
- وش قاعدة واقفة علين الحين, خذي البيض للمطبخ بسرعة.
لترد عليه قائلة:
- مو مشكله أنا بآكله, ما بيظيع.
أخذ ينظر بها , كأن صاعقة وقعت على رأسه, ومن ثم قال:
- وش قلتِ؟ بتأكلينه! ليش عاد .. شوفي عمرك كيف متينه.. قللي أكل أحسن لك .. ترانه الريايل ما يحبون الحرمة المتينه.
و لوى شفته بابتسامة طرفية تدل على السخرية...
أما هي فعملت حملت استطلاع على جسدها
الذي يتزين بتموج رشيق تتمناه كل أنثى في سنها
لتطلق تنهيدة طويلة .. تتبعها بحديث النفس:
( لا حول ولا قوة إلا بالله .. بخيل .. )
ولم تكمل حديثها حتى شعرت بعيناها تلهبان جفنيها
منذرتان بقدوم العبرات ..
___
بدأ يفتح جفنيه الثقيلين
لتحتشد جموع الضوء
فتعمي بصره لثواني
حيث أنه استعان بيده الواهنة
وغطى بها على عيناه
ومن ثم أخذ يدعكهما بنفس اليد
ليعاود الكرة بفتح عيناه
لتنج هذه المحاولة
وتعاود عيناه إلى عملهما الطبيعي
وما إن حدث هذا
حتى سقطت بصره
على شخص يكتسي بالسواد
من قمة رأسه إلى أخمص قدميه
يقف أمام الشباك
وموليه ظهره
أستنتج بأنها شمسه
فهذا الجسد الهزيل
لا يصلح إلا لامرأة
أراد بأن يناديها
لكن صوته الذابل
لم يسعفه
بعد جهد جهيد
خرج أخيرا من فمه
باهت النبرة.. ضعيف الطبقة:
- شمسه .. وين أنا؟!
التقطت أذناه صوت نفس قوي يسحب .. ومن ثم يخرج بزفرة أقوى من سابقتها
صادرا منها
قبل أن تلتفت صوبه
وتصهره بنظرتها المشعة بغضب غير عادي... وقد تشكلت تعابير الضيق على صفحة وجهها:
- ليش .. ليش ما قلت لي أنه فيك السرطان .. ليش ؟؟!!
لتعلو مع كل كلمة تنطق بها طبقة صوتها ...
شل فكره قبل جسده
فلا يجد الكلمات التي تتماشى مع هذا الموقف الصعب
فرضخ لصمت أستفز نفسها الثائرة
فتقدمت جهته بخطى متسارعة
وكررت سؤالها بحدة أكثر من قبل:
- ليش ما قلت لي بأنه فيك السرطان من يوم كنا في الإمارات ؟!!
فهوت بقبضة كلتا يديها على طرف الفراش المتزين بلون البياض الناصع .. والذي سكنه جسده الجامد
وهي تردف قائلة بنفس الحدة الغاضبة:
- ليش أنت ساكت تكلم قل شيء؟!! أنت قاعد تضحك علينا وألا وش قصتك ؟!!
هنا أستطاع أن يذب الصمت الذي غلف لسانه.. وقال.. بصوت مهزوز من هول الصدمة:
- من قال لك ؟!!
صرت أسنانها قبل أن تجيبه قائلة:
- وش همك من قال لي.. بس على العموم بقولك.. يوم أغمى عليك في الحمام .. ارتبكت ما عرفت وش أسوي .. فأنا ما أعرف أتكلم انجليزي .. وما أعرف أتواصل مع العاملين إلي في الفندق... فما لقيت حل إلا إن أتصل بالدكتور خالد ... وإلي خبرني على كل شيء ..
قطعت جملتها وهي تلتقط أنفاسها الفارة منها .. وتضع كفها على رأسها الذي يكاد ينفجر من الصداع الذي باغته فجأة ...
حين قال وهو يطلق تنهيده نابعة من داخله :
- كان لازم ما يقول لك ...
لتثور هائجتا من جديد وهي تزأر في وجهه من جديد:
- ليش ما تريده يخبرني؟ .. أنت قاعد تضحك عليه أنا وبنت .. أنا الغلطانة يوم وافقت على ها الزواج بسرعة .. الغلط غلطي يوم سلمت نفسي وبنتي في يد رجل غريب ...
وأخذت تضرب صدرها بهسترية..
أغلق عيناه وهو يجاهد من أجل أن يكبت ذلك الوجع المتراكم في صدره ..
حين أنفجر بها قائلا:
- توقفي .. توقفي.. أنا ما أريد لك ولمريم إلا كل خير...
لترد عليها بصوت أعلى من صرخته.. وقد تمدد جفنيها:
- أي خير تتكلم عنه؟!! أنت حتى ما تريد تعالج نفسك.. كأنه بفعل هذا تقول بأنه مريم بتموت.. أنت في داخلك مقتنع بأن بأن ..
وغصت بدموعها التي تكدست في عيناها...
قبل أن تكمل قائلة.. برنة حزن تقطع فؤاد سامعيها:
- بأنها بتموت ...
ووضعت يدها المرتعشة على فاها المنتفض هو الآخر ببرودة الدمع ..
هنا خرجت مقلتيه من محجريهما .. وهو يحدق بها وقد نسفت به سكين الذهول من
قولها...
مشت أنفها بظهر يدها .. وهي تستنشق نشيجها .. والذي قطع كلماتها النابسة بها:
- أنا .. أنا ما أريد .. أريد شخص ... في داخله مقتنع .. مقتنع بأن كل مرضى السرطان محكوم عليهم بال بال ( كم صعبت عليها هذه الكلمة .. لم تقوى بقاي قواها على دفعها إلي طبلة أذنيه ..إلا بعد مجهود جبار منها ) بالموت ..
ودفعت ببدنها المهتز بصفعات الألم نحو باب الغرفة التي توحد لون زواياها .. وقد
شكلت دموعها خيوطا تلاحقها في الهواء...
وليلجم هو لسانه بالصمت مجبرا ..
### يتبع ###