قبل أن أنزل الجزء.. حابه أقول شيئين..
أولا: أعتذر وبشدة على تأخري.. لأسباب قاهرة منعتني..
وثانيا: حابة أشكر صديقة لي .. لولا الله .. ثم هي لما رأى هذا القيد النور.. فشكرا لك صديقة دربي من القلب
هذا هو القيد .. أرجو بأن يعجبك..
* ( القيد التاسع ) *
لا اصدق إني فعلتها ,ولا اعرف هل فعلت الصواب أم العكس؟!!
يا ترى هل سوف اندم؟!!
ما مصري معه في الغربة ؟
وابنتي فاطمة هل تسامحني على خذلاني لها؟؟
سؤال بعد سؤال ينسف بعقلها الصارخ بالآهات
فالحمل ثقيل على كاهله
مسحت دموعها المرافقة لها
مرة أخرى وهي متيقنة عودتهن إلى جفنيها المحمرين
كيف يهجرنها وخناجر الذكريات تغرس في خلدها في كل ثانية
فأبها لم يكن راضي على زواجها بحميد بسب صغر سنه ولأنه ترك خطيبته فجأة دون مبرر
وأيضا من في هذا الزمن الأغبر يعمل خيرا بدون مقابل ؟!
تذكر ساعة تحديد المصير كأنها حدثت منذ بضع دقائق ..
أبي أنا آسفة لأني تركتُ لك أبنائي تتحمل دور الأب لهم في نفس الوقت
سامحني أرجوك على الذي حصل..
قال أبومحمد ووجهه احتقن بالدم:
- شمسة وش تقولي ؟ بتعرسين بحميد هذا الياهل وأنتي اكبر منه وعندج عيال وهو ما عرس وش تبين ناس تقول ولا بتسافرين سيده بدون عرس بعد أنا مب موافق ع هالعرس.
قالت شمسه والدمع يتربص بعيناها :
- أبوي الله يخليك وافق مب ع عشاني عشان مريم بنتي تريدها تموت وهي صغيرة أنا ما وافقت ع حميد جي من دون سبب ألا عشان مريم بنتي ما أريدها تموت الله يخليك وافق أبوي وحميد هو يريد يأخذني مشان مريم مب عشاني يريدها يساعدني يعرف ما أحد يقدر يسافر عندي غيره .
أخذ يحدق بها, وإلى تلك ألآلئ الغالية على قلبه تنسكب من مقلتيها, وبعد طول تفكير, هز رأسه بأسى وهو ينفث كلمة آآآآآآآآآآه, قبل أن يركد صوته الحاد:
- خلاص أنتي روووحي يا بنتي بس أنا مب موافق عليه عشان مريم عرسي به بس عقب ما تردون يطلقج ما أريد مشاكل مع أهله أعرف ما يريدون يأخذوج وأنتي أرملة وعندج عيال وأكبر منه وهو أمكن يرجع لحرمته عقب السفر شو ذنبها.
ليكشف وجهه عن ملامح عدم الرضا
قالت شمسة وقد برق وجهها المغتم ببصيص الفرحة:
- خلاص ماب مشكلة الأهم بنتي وخلاف يسوي اللي يريده يردها ولا ما يريدها
مالي خص فيه وأصلن هو مطلقها قبل لا يعرض علي العرس عنده سببه الخاص مب أنا السبب ولا مريم وأنا مستحيل أهدم بيت حرمة وأخذ ريلها .
___
لأعرف لماذا شمسه تأخرت في الحمام, هل تبكي على مريم؟!! أم تبكي على أطفالها؟!! هل تشعر بخجل مني كزوج لها وأنا أصغر منها؟!! أم تشتاق لزوجها الراحل
سيف؟ أعرف كم كانت تحبه واضح من رفضها لي كزوج , لكن أنا لا أريد منها إلا الاحترام فقط, وأريد أن تعيش مريم , لا أريد الحياة هذه, أريدها لهذه الطفلة الصغيرة البريئة, أمي كرهتني وتبرأت مني عندما علمت بزواجي من شمسة الأرملة, الأم لأربع أطفال, و التي تكبرني في السن.
سرح بخياله وهو في معمعة أفكاره ليوم طردته أمه من المنزل وهي تبكي بحرقة, لكن بتأكيد لن تتغلب على الحرقة المعششة في صدره.
آه يا أمي كم أشتاق لحضنك الدافئ وحنانك سامحيني
رفع بصره لأعلى .. وهو خاشع يناجي ربه ..
يارب تسامحني لا أعلم هل سوف أعيش لأرها مرة أخرى.
ليمسح دمعة سقطت من دون علمه بها, وهو يبتسم لمريم النائمة بالقرب منه, والتي لا تعلم عن مصيرها القادم شيئا.
في حين أنه تلقفته تلك الذكرى الموجعة.. ذكرى الوداع...
قالت أم حميد ومحياه مكبل بسلاسل عدم التصديق:
- لا مستحيل ولدي حميد العاقل الكبير يعرس من دون علمي ولا بوحدة كبير وأرملة وعندها عيال وأكبر أولادها بنتها عمرها 15.
ليقول بصوت خافت, وقد طأطأ رأسه كأنه قد ارتكب جرما:
- أنا خلاص اخترت شمسة لي زوجة وعيالها بيكون مثل عيالي وبكون لهم الأب, الله يخليج وافقي عليها ولا تحرميني من الأجر.
أم حميد وقد جهر صوتها النافض لكيان حميد:
- أنت مب ولدي ليش تطلق بنت الناس اللي الكل يردها ويتمنى يناسب عايلتها وأنت تطلقها عشان وحدة عيوز قوم طلق ها العيوز ورد بنت عمك وإلا لا أنت ولدي ولا أنا أمك
ليقول حميد وقد تغضنت جبهة بالحزن:
- سامحيني يا أمي ما أقدر أتراجع, أنا خلاص قررت وخلاص ريم مب لي الله بيب لها نصيب أحسن مني, وأنا شمسة مستحيل أتركها هي وعيالها, وبشل بنتها مريم الصغيرة برا تتعالج وخلاص باجر السفر وأتمنى تسامحيني.
لتقوم كموج هائج من مقعدها, وتصفعه بنبرة صوتها الصارخة, وقد مدت سبابها جهة الباب الرئيسي:
- قوم أطلع من بيتي ولا ترد ما أريد أشوفك في بيتي وأنسى أني أمك.
فيشعر حميد بجمرات تحرق جفنيه, ويقول بصوت يشوبه رجفة الألم:
- الله يسامحني يا أمي, أمكن الله ما يكتب لنا نجتمع مرة ثاني, مع سلامة يالغالية.
قام حميد ليطبع قبلة بشفتيه المنكمشتان من أثر سيول الدمع المنسكبة في قلبه على رأس أمه, وخرج من البيت وهو يرى أخواته الثلاث يذرفن الدمع عليه فودعهن من بعيد, فطاقة تحمله وصلت للحظيظ, ورحل على عجل إلى مصير لا يعلمه إلا خالقه عز وجل.
أما أمه التي تسلحت بقناع القوة, انهارت حصونها المنيعة, ورضخت للغة الدمع.
___
دخل منزل والديه كثور هائج
ونفث غضبه في كلماته الحادة (محمد):
- ليش يا بووي تعرس شمسة من حميد ومن دون شوري ولا كأني ولدكم ولا أخوها ؟
ليرد بومحمد وقد تغضن وجهه بالضيق:
- لا تعال أضربني, بعد هذا الناقص,( وهو يمد خده الأيسر نحو ابنه الواقف أمامه مباشرة, ومن ثم أردف قائلا) أسمع شمسة مالك خص بها أنا عرستها لريال صالح, وبعدين لا أنت ومشاكلك بتقدر تسفرها هي وبنتها البنت بتموت وبنتي بلا سند لها , الله يعنها ويشفي بنتها وأنت لا تتدخل .
قال محمد وقد تخدر وجهه بالخجل:
- الله يسامحك تعرف أنا لو أقدر سفرتها بس الظروف منعتني.
ومن ثم أضاف, وقد ارتدى جلد الذئب:
أنزين كم مهرها؟
قال بومحمد وقد ثنى حاجبيه للأعلى:
- ووش خصك بمهرها؟!لايكون تريد تأخذه مثل ما لهفت مهرها زمان وأنا ساكت لأنها المسكينة حلفت علي ما أسوي بك شي.
وليكمل وقد هز أصبعه السبابة متوعدا:
- والله إن سمعت إنك قربت صوبها مرة ثانية لحرمك من ورثي.
ومن فوره أخذ ينفض عنه دائرة الاتهام:
- خلاص ما بقرب منها بس أن أخوها الوحيد ويحق لي من مهرها بس ماعليه تستاهل أم حمدان ( ليخط ابتسامة ماكرة على شفاههه, وينفذ بجلده قائلا ) الله يوفقها, يلا أنا رايح ورايه مشاغل, مع السلامة.
قال بومحمد بنبرة توعد وقد ضيق من حجم عيناه:
- مع سلامة, ولا تقرب من أختك شمسة سامعني.
ليجيبه محمد من فوره:
- انزين خلاص, مع السلامة.
وهب في المسير
لقول أم محمد بنبرة تقطر أسى:
- لا حول ولا قوة إلا, بالله شو هالولد ما بيتغير, عنبووه خته مسكينة وهي وعيالها وهمه الفلوس وش هالولد يا بومحمد ؟!
ليفجر بومحمد غضبه من أبنه على زوحته:
- سكتي هذي تربيتج , كم مرة قلت لج لا تدلعينه بيخترب وشوف النتيجة.
لترد عليه, وقد قوس حاجبيها إلى أعلى بحركة تنم عن التعجب:
- ولدي وحيدي تريدني ما أدلعه, كيف؟
ومن ثم ما لبثت أن تبدلت تعابير وجهها لضيق, وهي تصر جفنيها:
- خلاص هالسالفة دوم تعيدها علي,
المهم العووق من حرمته هالعقرب ذي حصووه, الله لا يسامحها , شي مسوي له ساحرتنه همها الفلوس وبس, حتى العيال حليله ولدي ما يابت له ولا شي .
قال أبومحمد ولقد لا زال الغضب يتربع على قسمات وجهه الذي نحتت السنين تضاريسها عليه:
- أتركي عنك هالسالفة, و روحي شوفي عيال بنتج قاموا للمدرسة وألا لا, وفطووم خليها تسطلب أمها ما راحت شهر عسل المسكينة, راحت تعالج بنتها , وقولي لها ما بعرسها ولد صالح لو انطبقت السماء على الأرض.
هزت رأسها بأسى يقطر من محياها, لتقول بعد ذلك أم محمد :
- بشوفهم,و الله يعين بس عليها ها البنت.
__
ليوشوش شيطانها الذي بات رفيقها الدائم لنفسها اللائمة لأمها:
( والله أني بانتقام من أمي, خلاص بتصل لي صالح وبقوله أني موافقة ع ولده,
وبقول لي يدي أني بجتل عمري لو ما عرسني ولد صالح أحمد, خلاص وبتشوفين يا أمي, أني بنتقم لبووية منك بأي طريقة.
لتشرع من فورها لتنفيذ سموم شيطانها المتفشية في عقله, وتضغط بسرعة البرق على أزرار الهاتف, ليجيئها بعد بضع رنات صوته ثقيلو الطينة:
- ألو.
لترد بعد أن ازدردت ريقها:
- مرحبا عمي أنا فاطمة بنت سيف اتصلت أخبرك أني موافقة ع أحمد وأن كنت تريدني لي ولدك تعال باجر العصر بيت يدي, وعندك شهود والمطوع وخلاص يدي هو ولي أمري, وهو موافق ومب لازم أمي تكون موجدة هي مسافرة الحين.
صالح تهللت أساريره بالفرح:
- والله فرحتني يابنتي, خلاص باجر العصر بنكون في بيتكم إن شاء الله, صح جهزي عمرج بنشيلج عقب الملجة, ما نريد عرس وخساير يوم ترد أمج بنسوي لج عزيمة كبيرة تكفيك.
لتقول والضيق ينهش بجسدها من بخله, لكنها لم تبينه في صوتها:
- خلاص باجر الموعد,مع السلامة.
لتبتلع الهواء دفعة واحدة بعد أن أغلقت الخط .
____
كان يمشي في المطار المكتظ بشتا الجنسيات والأعراق والأعمار
كان بمثابة خلية نحل لا تركد أبدا..
بينما كان ينظر لمن حوله..
جاءه عبر الأثير صوت صاحبه..
حميد : الو خالد تسمعني نحن وصلن أمريكا ونحن بخير.
خالد: الحمدلله ع سلامة, وأخبار مريم ؟!
ليبتسم وقد وقعت عيناه على مريم المنبهرة من المكان, ويقول:
- مريم بخير وبنوصلها الدختر ع طول .
ليصل إليه صوت صاحبه وقد تغيرت موجته إلى الحزن :
- وأنتي يا حميد لازم تتعالج.
لتذوب تلك الابتسامة الندية, أمام لهيب الضيق:
- الله يخليك أسكت .
ليعلو صوت خالد الهائج:
- حميد أنت اتفقت معي ع العلاج, وألا نسيت شو قلت؟
لنأتيه عبر أسلاك الهاتف نبرة حميد الساخرة :
- وأنت من صدقك صدقت ها الكلام.
لتبتلع الذهول قسماته, وهو يقول :
- عيل شوو؟!! لا يكون تسكتني, أنا ما وافقت إنك تأخذ شمسة وتسافر معها وتعالج بنتها من دون ما تعالج عمرك بعد.
ليتحول في جزء من الثانية وجهه إلى لون أحمر قاني:
- والله يا حميد لو ما تعالجت, والله لأخبر شمسة على مرضك, وترني حالفت.
ليرد عليه حميد بهدوء رهيب:
- خلاص بفكر, بشوف أول مريم أن شاء الله تتعالج وتصح وعقب أنا, الأهم هي الحين .
وبصوت مضرج بالوجع قال خالد:
- أنا ما قلت لشمسة عليك, لأنك وعدتني بها الشيء, أرجوك حميد لا تخلف بوعدك.
ليقول له حميد على عجالة, كأنه يريد أن ينهي هذا الحديث الذي أثقل صدره:
- خلاص يا دكتور بأتعالج وعد, بس لا تقول لشمسة شيء عني,
مع سلامة الحين بنطلع من المطار .
وبخنوع أجبر عليه قال خالد :
مع السلامة, وسلم ع شسمة ومريم .
حميد: يبلغ إشاء الله, مع السلامة.
ليردف قائلا, والرجاء لوجهه عنوان:
- بس أرجوك دكتور لا تنسى تطمني على أهلي.
خالد:
لا تحاتي, بزورهم , وبطمنك عليهم.
ليقول وابتسامة صفراء تقيد شفاهه:
- مشكور خالد ما أعرف كيف أجازيك, يلا مع السلامة.
____
في واشنطن العصر
المدينة التي لا تنام
وخيط الأمل الأخير
بأن تنجو مريم من براثم هذا المرض الخبيث..
لقد تم تنويم مريم في المستشفى فور وصولها له, ولم يسمحوا لشمسة بأن ترافقها لهذه الليلة, متحججين بالقوانين.
والتي لم ترق لشمسة أبدا
فكيف تسمح لابنتها الصغير بأن تنام بدون أن تكون في كنفها
وفي أرض الغربة
صعب
بتأكيد كان الأمر صعبا على قلبها المحب
والذي طوال الطريق الذي سلكوه نحو الفندق الذي حجزته لهم السفارة ريثما يتم توفير سكن دائم لهم , كان مقبوضا, خوفا على صغيرتها التي أصبحت تحت يدين الأغراب.
لاحظ خوفها
وانكماشها
فأراد بأن يهدأ من روعها
فنظر إلى يمينه حيث تجلس هي في سيارة الأجرة, وقال وقد زين شفاهه بابتسامة طمأنينة:
- لا تخافين, مريم بتكون بخير, وحن من النجمة بروح للمستشفى, فلا تخافي, وبعدين أهم ما يقدرون يعملوا لها شيء, هذه مسؤولية, وأنت تعرفين الأجانب, ما يقدرون يخربون سمعت مستشفاهم, ويعملوا حركة غبية يندموا عليها.
لم تكرمه بصوتها
فقد أكتفت بهز رأسها المنكس بمعنى نعم
زاد تقوقعها, وتضخم ارتباكها عندما علما بأن سقف غرفة واحدة سوف يجمعهما, بتأكيد بصفتهما زوجين, قامت السفارة بحجز غرفة واحدة للأسف..
كان الجو مشحونا بتوتر في تلك الغرفة ذات الأربع جدران
والتي أغلق بابها
لتعلن ولأول مرة وجودهما معا
بدون طرف آخر
ليعم الصمت المزحوم بخواطر الذات من حميد و شمسه
نظر من تحت جفنيه شبه مغلقين من الحياء الداب في محياه, وهو يمسح عنقه بكفه, وهي الحركة التي تصاحب ارتباكه, وقال وهو يحاول كسر حاجز الصمت, وينهي هذا الغبار الخانق المشبع بالخجل:
- مريم أنا بطلع أيب لنا عشاء تبين شيء معين.
لتجيبه وقد دست ما تقدر عليه من هواء في رئتيه, وهي مسمرة بصرها على الأرضية: - لا مشكور, حميد لا تتعب نفسك, أنا بأنام بعد الصلاة
شبكت أناملها مع بعضهما, وأخذت تراقصهما مع بعضهما, لأجل أن تمتص خجلها الممزوج بالارتباك, وهي تقول بصوت خفت طبقته:
- و... وأنته... وين بتنام ..
لتبلل فمها الذي جف بريقها تكمل كلامها, وقد زاد انحناء رأسها للأسفل:
- ما فيه إلا غرفة وحدة.
فهم رسالتها المبطنة, وقال وهو يملئ رئتيه المتعطشتان للهواء النقي, الخاوي من سموم الحياء:
- أنا بنام في الكنبة, إذا ما عليك أمر, ممكن تحطي لي مخدة ولحالف عليها.
أزداد اشتعال وجهها بالحمرة, من تصرفاته المهذبة, التي لا تعلم كيف تجازيه عليها, فلم يجود عليها عقلها, سوى بكلمات الشكر والامتنان, التي لا تملك سواها:
- حميد سامحني, تعبتك معايه, ما أعرف كيف أجازيك, ما عندي إلا كلمة شكرا, وإلا أنا عارفه أنها ما تكفي.
لينتفض لسانه قائلا:
- أفع يا أم حمدان, ما شيء تعب مريم بنتي, وأنتِ أختي, شو ها الكلام؟ بس ترى والله أزعل منج أن قلتي ها الكلام مرة ثانية.
شعرت بأن ماء بارد أنسكب على سائر جسدها, فأطفأ نار الخوف,ونشر الطمأنينة في خلاياه, وهي تذوق طعم ابتسامة السكينة الداخلية لأول مرة منذ اقتران اسمها باسمه, لتقول له: الله يوفقك, لو ما أنت معنا ما كنت عرفت شو صار فينا.
ليبتسم هو الآخر لا إراديا, ويتحرر رأسه من أثقال الارتباك الخجول, فيشمخ للأعلى, ويقول وهو يخصها بنظراته المتحررة من أية قيود:
- آمين, أجمعين إن شاء الله, الأهم الحين مريم, يلاه بطلع الحين, عندج رقمي الدولي, وبيب لج رقم من هني, مشان تكلمين أهلك وعيالج.
لترفع هي الأخرى رأسها جزئيا, وتقول وعلامات الامتنان تتجلى على قسمات وجهها:
- الله يخليك, مشكوور ما تقصر.
ليبتسم ضاحكا, ويردف قائلا, ويحرر تلك الرقبة المسكينة من كفه التي حرقتها من كثرة احتكاكها بها:
- خلاص إذا بغيتي شيء, كلميني, يلا عن أذنك.
شمسه:
- مع السلامة.
___
خرج حميد بسرعة الصاروخ فالجو رغم انخفاض درجة الارتباك فيه, فلا يزال مشحونا..
ليقول بينه وبين نفسه, وهو يلتقط أنفاسه الفارة من صدره:
( ما دام أول مرة نكون مع بعض وحالتي كذيه, الله يستر من تاليها)
جذب أكبر قدر من الأكسجين إلى رئتيه, قبل أن يسرع الخطى نحو سوبر ماركت لمحه يوم قدومه إلى الفندق, الذي لا يبعد عن مكان إقامتهم الحالي سوى بضع مترات.
تعمد التأخر في سوبر ماركت, فهو لا يقوى على ذاك الطقس الكاتم للأنفاس, عندما شعر بأنه أخذ وقت كافي للهرب, عاد للفندق, وأول ما فتح الباب, وقعت عيناه بدون تخطيط مسبق على ذلك الكائن, الغارق في نوم عميق, لقد كان باب الشرفة مفتوحا, فسمح لخيوط ضوء القمر لكي تتسلل, وتلامس صفحت وجهها الساكنة, وتلمع تحت ضوئه خصلات شعرها السوداء, التي تخللتها بعض الخيوط البيضاء, والتي تراقصت على معزوفة نسيم الهواء العليل, الذي خصها بلحنه العذب.
شعر بعينيه تلتهبان كالجمر
كأنه رأى الفاكهة المحرمة
فأشاح ببصره من فوره
وزجر نفسه:
( أهي لا تمت لي بصله, هي علاقة بس مصلحة, ولا شيء ثاني, تسمع حميد, تسمع)
فطلق العنان لقدميه للمضي صوب الحمام دون أن يلتفت لذلك الكائن النائم بهدوء يشخص لها الأبصار, لكي يتوضأ ويؤدي فرضه.
___
قامت قبل صلاة الفجر بقليل
وذهبت لتتوضأ
حين تذكرت بأن حميد نائم على الكنبة, شعرت برجفة تنتشر في جسدها, فهرعت جهة مصلاها, وغطت شعرها به, فهو لا يزال غريبا بنسبة لها, رغم أنه زوجها, لكن ظروف زواجهما ترغمها على الإحساس بوجود خطوط حمراء بينها وبينه.
ثم شرعت بأداء صلاة الفجر, ومن ثم عطرت فمها بتلاوة كتاب الله, والذي هدأ من روعها على صغيرتها البعيدة عن مرآها, قمت بكل ذلك في هدوء, حتى لا تزعج ذلك الرجل ضخم الجثة المستسلم للنوم, حتى أنها حاولت أن تخفض من إضاءة الأبجورة, حتى تفسد مضجعه, وعندما انتهت من واجبها أمام ربها, جلست على طرف السرير, وهي لا تعلم هي الخطوة التالية الواجبة عليها فعلها, ضلت على هذه الحال, حتى هجمت أشعت الشمس على الغرفة, فأحست بأنه من واجبها إيقاظه لأداء الصلاة, ففي هذه لا يوجد مكان اللخجل, ومن ثم خوفها على ابنتها فاق حد تحملها.
فبتلعت ريقها بصعوبة, وهي تحث قدميها بخطى صغيرة صوبه, عندما غدت بالقرب منه, أردت بأن تنطق بكلمات المنبه للقيام, لكن لسانها الجامد خذلها, فجاهدت بأن تشحنه بقواها الكامنة بداخلها, حين وجددت نفسها تسلط عليه مجهر عينيه, المنتفضة رمشها, لتجد وجه يشع بالشباب, مطوق بلحية طال ذقنها, وشنب سمك حجمه, وأنف كحد السيف يشمخ فوقه, وعينان تتزينان بأهداب طويلة, تنسدل كأنها لحاف يقيها من برد الشتاء, وشعر ذو خصلات قصيرة تتربع على قمة رأسهم.
لكنه هالها تلك العظام التي برزت على خديه, والشحوب الذي صبغ وجه.
بدون أن تنتبه
وجدت جفنيه ينفتحان
لتصطدم عيناهما ببعض
بدون موعد مسبق
فتتسمر مكانها من هول الصدمة
ونفسها الخائفة, تبث كلماتها الجزعة في عقلها:
( الله, وش بيقول الحين عني, يا رب سترك)
علت عيناه نظرت تعجب, وهو يسألها:
- خير شمسه, هناك شيء؟!
لترد عليه كالبلهاء:
-هااااااااااااااااا
فسؤاله كان مباغتا, وهي لا تزال في فوضى الصدمة تائهة
ومن ثم ما لبثت أن تداركت الأمر, وللملمة بعض شتات أوراقها, وقالت, في صوت جاهدت بأن يكون طبيعيا:
- صلات الفير, ييت أقومك على صلات الفير.
وازدرت ريقها الناضب من فورها
نظر إلى ساعته المطوقة معصمه الأيمن, وقال والدهشة تنحت محياه:
- أفففففففف, كل هالوقت رقت, ما حسيت بالدنيا, استغفر الله ابليس نساني أضبط المنبه.
ليرفع رأسه بعد ذلك إليها, ويقول وقد رسم ابتسامة على شفتيه:
- مشكوره شمسه.
طأطأت رأسها من فورها, هربا من تشابك عينيها بعينيه مرة أخرى, وهزت رأسها للأعلى و الأسفل, وقد تورد خديها, لتهرب إلى سريرها, وتتلهى بترتيبه.
أما هو فلم يكن أحسن حالا منها, كان الحياء يأكل جسده, لكن لم يظهره لها, حتى لا تشعر بالضيق, فقام وتوضئ, وصلى.
عندما رأته انتهى من صلاته, كانت تريد أن تطلب منه الذهاب للفلذة كبدها فلم تعد تتحمل بعدها عنها, لكن قيود الخجل تثقل لسانها.
فاجأها وهو يقترب منها, ليقشعر بدنها,مع كل خطوة يدنو بها منها.
مد يده صوبها, فسرت رعشة في عامودها الفقري, صلبت جسده, فأفكارها الفوضوية,تصور لها دائما الأسوء, ومن ثم فتحها, ليكشف عن بطاقة هاتف وورقة صغيرة بيضاء مطوية, ويقول صاحبا كلماته كالعادة بابتسامة ساحرة:
- شمسة هذه بطاقتج والرقم في الورقة, اتصلي لي أهلك وعيالج, وطمني عليهم.
لتتحر من قيود الخوف والخجل, أمام حشد الذهول من أفعاله الطيبة التي يغدق عليها بها, وهو الشخص الذي لم يعرفها إلا من بضعت أيام, وبدون مقابل أيضا, ضلت تهطل عليه بنظراتها المذهولة, حين تبسم ضاحك, وهو يقول:
- وش فيك شمسه؟ شكلك ما تريدين تكلمين أهلك وعيالك.
لتعي لحمقها, ومن ثم نفضت من فورها نظرت الذهول, وقالت, وهي تعود لوضعية التنكيس:
- مشكووور, والله يطول في عمرك.
مدت يدها لتأخذ ما في جوف كفه الممتد أمامها, لتلامس أناملها كفه بدون قصد, فتشعر بلسعة تصيب أناملها, فتجذب البطاقة والورقة بسرعة البرق.
ليشعر هو الأخر ببعض الحمرة تلهب وجنتيه, فيحك رقبته كردة فعل طبيعية لتشرب حمرة الخجل, وهو يقول, وهو يتحنحن لكي يقوي من نبرة صوته التي أحس بأنها سوف تخذله:
العفوو, يلا أنا بتسبح علين تكلمين أهلك, وبعدين بنروح لمريم.
هزت رأسا بالإيجاب, وهي خافتة الرأس.
ليهجم هو على الحمام, ويغلق الباب وراءه بسرعة تفوق سرعة الصوت, ويفتح من فوره صنبور الماء, ويضع رأسه تحته, لعله يطفأ لهيب الخجل الناهش بوجهه[/SIZE].[/COLOR]
+++ يتبع +++