السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم خير ياهل الخير كله وملفاه
تدرون أني مواصلة ما نمت.. مع أني والله ما أحب هذي الطريقة أبد ولا أشجعها
بس كنت أبي الجزء ينزل بأحسن صورة
وأنا بصراحة من النوع اللي يحاتي جدا اللي بينزله.. أحترم جدا عقول الناس اللي تقرأ
كل ما أشوف الردود.. صديقاتي الدائمات اللي ما يخذلوني.. وتزايد عدد المشتركات عشان الرواية
أقول هالقلوب تستحق الأفضل.. والافضل من الأفضل بعد
أول شيء أنا عوضتكم وزود مثل ما وعدتكم.. يعني بارت اليوم طوله عن خمس بارتات.. يعني عوضتكم عن الأسبوعين اللي فاتت
لكن رجائي الحار أنكم تقرونه على مهلكم.. على أقل من مهلكم
لأني تعبت فيه فوق ما تتخيلون
.
نجي لشوية فتاوي على السريع.. ودي أحط نص الفتوى بس ما أبي أطول
إذا بغيتوا حطيتها لكم المرة الجاية
أولا: طلاق الحامل يقع.. بل هو طلاق شرعي وسني تام وسليم..
ثانيا: طلاق عبدالله لجوزا طلاق بائن بينونة صغرى.. يعني على فرض امهاب طلقها حتى لو مادخل بها
عبدالله يقدر يرجعها بمهر جديد وعقد جديد.. حتى لو كانت ما تزوجت امهاب اساسا.. يقدر عبدالله يرجعها.. هذا لو كان بيرجعها!!
ثالثا: أب الزوج محرم.. حتى لو كان الابن طلقها وهو مادخل بها.. فالأب يظل محرم لها..
.
أخر شيء على قد ما تعبت في هذا البارت وعلى قد ماهو طويل
على الظروف اللي الله وحده يعلم بها
أبي لي على الأقل يومين أرتاح وعقبه أرجع أكتب..
على كذا موعدنا إن شاء الله الأسبوع الجاي يوم الثلاثاء لأني فعلا منتهية من التعب.. أرجوكم سامحوني..والسموحة من الوجيه السمحة
هالبارت استنزفني فوق ما تتخيلون
وأنا بعد أبيكم تقرونه كم مرة لأنه كأنه رواية داخل الرواية...
يعني تسلوا فيه لين أرجع لكم بالبارت الجديد
ومثل ما وعدتكم.. ما أغيب إلا وأعوضكم إن شاء الله باللي يرضيكم ويسمح خاطركم الغالي الله لا يخليني من قلوبكم الطاهرة
وقبل أنسى: قلت قبل اللي تبي تطبع البارت لاستخدامها الشخصي وموب للنشر في المنتديات مرخوصة .
إليكم البارت الثلاثون
رقم مميز لبارت استثنائي انكتب بطريقة خاصة
أتمنى أنها تعجبكم لانه انكتب خليط من الذكريات اللي كانت تشوف الحدث الواحد من رؤيتين مختلفة
اليوم بيتضح لكم ليه أخرت الكشف عن عبدالله
ليه كنت مخلية شخصية جوزاء فيها غموض والتباس
بارت أتمنى تستمتعون فيه فعلا
.
قراءة ممتعة مقدما يا نبضات القلب
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء الثلاثون
مضت أكثر من نصف ساعة وهو يجلس على مقعد أمام غرفة عبدالله
المندوب احترم رغبة صالح في البقاء وحيدا وتركه على أن يعود له فيما بعد
وصالح بقدر لهفته لرؤية شقيقه بقدر توجسه الجارح من رؤيته
فما سمعه عن حالته كان مؤلما.. مؤلما لأقصى حد
يريد له وقتا للاستعداد للمواجهة!!
مازال جالسا رأسه مدفون بين كفيه
غارق في الهم والتفكير .... والذكريات!!
.
.
.
قبل حوالي 5 سنوات و ثلاثة أشهر
" أنت ياعبدالله.. أنت.. ؟؟
هذي آخرتها.. ماهقيتها منك..
لو فهيدان أقبلها منه.. بس أنت يالعاقل تسويها!! وقد لك ثلاث شهور بعد حتى أنا داس علي"
عبدالله يتنهد بعمق في مقابل ثورة صالح المتزايدة ويهتف بعمق وهو يشد صالحا ليجلسه جواره:
اقعد يابو خالد الله يهداك.. اقعد جعلني فداك.. خلني أشرح لك
أنا أبيك تصير لي عوين مهوب فرعون
صالح يلطم يد عبدالله بحدة ويقف وهو مستمر في غضبه: وأنت خليت فيها عقل وإلا تفاهم..
يوم لك خاطر في العرس.. وإلا تبي لك مرة تحصنك في الغربة
كان قلت لنا وزوجناك شيخة النسوان تروح معك
مهوب تأخذ كافرة مالها أصل ولا دين..
عبدالله بضيق عميق: أنا داري إني غلطان إني تزوجت بذا الطريقة
وأدري إني ضعفت قدامها
بس صدقني أنا مقتنع فيها
راكيل فيها بذرة خير ما تتخيل أشلون.. وخاطرها تسلم...
صالح مستمر في غضبه: كنك يعني ما تسمع البلاوي اللي تسير مع المساكين اللي خبالهم حدهم على أجنبيات مثلك...
وبعدين ابيك مستحيل يوافق.. مستحيل.. وأنت أكثر واحد عارف ابيك
حرام عليك ياعبدالله... أنت عارف غلاك عند ابي.. تسوي فيه كذا..
عبدالله بضيقه المتزايد: تكفى صالح أبيك تساعدني عليه... أنا بعد ست شهور تقريبا راجع
وأبي أرجع فيها معي..
صالح غاضب فعلا ولكن ما باليد حيلة.. فالمرأة أصبحت زوجته لذا سأل عبدالله بذات نبرة الغضب: عبدالله صارحني... مرتك ذي أنت مقتنع فيها؟؟
وعندك إنها تقدر تعيش في مجتمعنا وتتبع عوايدنا..
حينها أشرق وجه عبدالله بشبح ابتسامة: مقتنع فيها وواثق منها... راكيل تموت في طبايع العرب.. وأمنية حياتها تعيش في مجتمع عربي
صالح حينها هتف بعزم: تدري.. لا تقول لأبي شيء.. والمرة الجاية إذا جيت جيبها معك.. ونحطه أمام الأمر الواقع
وقتها مايقدر يطردها عقب ماجبتها..
ثم أردف بنبرة ذات مغزى: ولو أني باقعد أدعي في كل صلاة إن ربي يفكك من شرها..
عبدالله بابتسامة: راكيل شر!! راكيل ملاك نازل من السما !!
***********************************
قبل حوالي 4 سنوات وثمانية أشهر
يجلسان في زوية المجلس الكبير بعد انتهاء عشاء عبدالله وعودته بشهادة الماجستير
صالح يهمس في أذن عبدالله باهتمام: أنا قاعد على أعصابي من يوم دريت إنك بتجي
خايف من صدمة هلي بمرتك..
ويوم شفتك جاي بروحك يأنا أنبسطت.. بس قلت عقبها ليتك جبتها معك
دامك فيها وش أنت تتنيها
ليه ما جبتها معك.. وخلصتنا من ذا السالفة الغثيثة... وخصوصا إن ابيك وأمك يخططون يزوجونك وملزمين بعد؟؟
حينها عبدالله همس بغموض: أنا وراكيل انفصلنا خلاص
صالح بصدمة مغلفة بفرحته العارمة: صدق؟؟ الله يبشرك بالخير
ثم أردف باستغراب: بس غريبة لين آخر مرة كلمتك وأنت تمدح فيها مدح العباير..
عبدالله بتهكم موجوع بل بما يتجاوز كل معاني التهكم لألم صاف مجروح:
ممثلة درجة أولى.. خلاص ياصالح تكفى ماعاد تجيب سيرتها عندي
المرة ذي لطخة سودا في حياتي.. وأبي أمسحها من حياتي وذاكرتي
الله يقدرني بس..
صالح بحذر: ليه ما تقدر؟؟ تحبها لذا الدرجة؟؟
عبدالله ببغض شديد: أحبها؟؟ أنا عمري ماكرهت حد في حياتي كثر ماكرهت ذا المخلوقة
لكن اللي هي سوته فيني.. شيء صعب أنساه وياخوفي يظل مرافقني في حياتي..
صالح بحذر اكبر: ليه هي وش سوت؟؟
عبدالله يريد اغلاق الموضوع تماما: تكفى صالح انسى السالفة خلاص
حينها لمعت عينا صالح: تبي أنسى وتنسى.. خلنا نزوجك شيخة من بنات العرب الأجواد تطيب كبدك من الحرشاء الغبراء
عبدالله بجزع: لا تكفى وش عرسه.. ماني بمستعد أرتبط بوحدة وأنا مجروح بذا الطريقة من علاقتي بمرتي الأولية
حينها غمز صالح بعينه: ما يفل الحديد الا الحديد وانا اخيك..
*********************************
بعد ذلك بأربع أشهر
"ريقي نشف معك ..
من متى وأنت تعصاني كذا"
انتفض بجزع: أعصاك؟! جعله يومي كني عصيتك
آمر على رقبتي يأبو صالح
بس أنا رجّال.. تبي تغصبني على العرس؟؟
أبو صالح بحزم: ماحد يغصب على العرس يأبيك
غير أنا أبغيك تعقل وتعرف صلاحك
وش عاد مقعدك دون عرس.. وضعك وشغلك كلها زينة
وسنانينك قد عندهم عيال
ثم أردف برجاء شفاف أخفاه خلف حزم صوته العميق: يأبيك خاطري أشوف عيالك..
مهوب كفاية صالح أبطى لين جاله صيب..
ريح بالي يأبيك..
لو علي كان مزوجك من زمان.. مهوب كفاية روحتك للدراسة ذي
أول شيء اقنعتني أخلي عالية تروح مع خالها وعقبها أنت تروح على طول
كنك مرتبها
لأنك داري إني مستحيل أرخص لعالية وأنت بعد رايح
وتراني بلعتها بمزاجي.. وما بغيت أخرب عليك ولا على أختك
حقي عليك الحين تريح بالي وتستقر مثل باقي رياجيل خلق الله
وأنا ما أحدك إلا على خير يأبيك.. بنت عربن أجواد ترادك الصوت وتجيب لك الولد..
عبدالله يشعر بصداع فعلي من هذا الموال اليومي الضاغط.. تعب بالفعل.. كيف يتزوج وهو مازال لم يحل مشاكله العالقة مع زوجته الأمريكية
التي ترفض توقيع أوراق الطلاق.. وإن كان عبدالله قد قال لها على طريقة المسلمين (أنتي طالق) وهو ينويها فعلا
لكنها في الأوراق الرسمية هناك مازالت زوجته
وخصوصا أنها تطارده بالاتصالات بشكل لحوح.. وبات يخشى أن تصاب بحالة جنون ويراها أمامه هنا في قطر
وهي تهدد بشكل صريح أنها لن تتركه أبدا
ومع كل ذلك يكره أن يجعل والده يترجاه كل يوم بهذه الطريقة.. يؤلمه قلبه من رجاءاته وهو الذي اعتاد أن والده لا يكرر الأمر له مرتين لأنه ينفذ من المرة الأولى
لذا هتف بحزم: خلاص يبه تم.. قوم نخطب اللي تبون
*******************************
الــيــوم
"من أنت؟؟"
صالح يرفع رأسه استجابة ليد صاحب السؤال تربت على كتفه وتعيده من دوامة أفكاره
صالح ينظر للطبيب أمامه ويجيب بهدوء: أنا شقيق عبدالله..
الطبيب بمهنية: جيد أنك حضرت...عبدالله بالفعل محتاج لأسرته..
صالح يشعر بألم عميق: وأنا أريد أن أعود به معي لبلدنا وأهلنا..
ثم أردف بألم أعمق أعمق: كيف حاله الآن يادكتور؟؟
الطبيب بهدوء مهني: نحقنه بالمهدئات على الدوام
أنا شخصيا لو كنت مررت بما مر به.. كنت فقدت عقلي تماما
ولكن هو محتفظ بشكل كامل بعقله وذكرياته.. لذا ألمه لا حدود له..
فالتجربة التي مر بها قاسية جدا..
في البداية عانى انهيارا عصبيا حادا.. ثم بعد ذلك تحول الانهيار لثورة حادة..
صالح وقف وهو يقول بتردد: أقدر أشوفه ؟؟
الطبيب بهدوءه المهني: بالتأكيد تستطيع
هو الآن مخدر.. لكن مفعول المخدر سيزول بعد ساعتين أو ثلاث
وأنا أفضل ألا نحقنه مرة أخرى.. فهو لابد أن يواجه الواقع
فلو كنت تستطيع تهدئته إذا صحا.. ستكون ذا منفعة هائلة لنا
فهو ما أن يصحو حتى يبدأ بالثورة والصراخ .. ولا نستطيع السيطرة عليه إلا بمساعدة اثنين من رجال الأمن حتى نعود لحقنه
صالح بثقة: إن شاء الله أقدر..
صالح توجه لباب الغرفة وهو يفتحه بتردد.. خطوات مترددة نقلته حتى السرير الأبيض
شعر أنه سينهار... لذا جذب مقعدا وجلس قبل أن ينظر لوجه عبدالله..
تنهد بعمق.. فتح عينيه وأغلقهما.. سمى بسم الله.. ثم رفع عينيه لمحيا عبدالله
ألم عميق اجتاح روحه.. ألم لا حدود له..
كان أول ما صافح عينيه شعيرات بيضاء غزت سواد عارضي عبدالله
يبدو كما لو كان كبر كثيرا في العمر
سابقا كان من يرى عبدالله مع فهد يظن ان فهدا هو الأكبر في السن.. رغم أن عبدالله أكبر من فهد بأربع سنوات
ولكن من يراه الآن سيشك أنه أكبر من صالح حتى!!
صالح يمسح ملامح عبدالله وتفاصيل وجهه بحنين عميق
من كان يظن أنه سيراه مرة أخرى وأنه سيعود من خلف غياهب الموت
صالح نهض ليطبع على جبين عبدالله قبلة عميقة
ودون أن يشعر خرت من عينه دمعة لم يشعر بها إلا حينما رأى التماعتها على خد عبدالله
مسح خد عبدالله قبل أن يمسح عينيه
ثم همس في أذن عبدالله بخفوت مختنق: الله يواجرك يأخيك.. أدري مصابك كبير.. بس تدري إن الله مع الصابرين..
عاد ليجلس جوار عبدالله وهو يضع يده على عضده ويدعو..
دعا الله كثيرا أن يفرج هم أخيه ويشرح صدره ويمنحه الصبر والسلوان من عنده
ولشدة استغراقه في الدعاء لم يشعر بالخطوات الهادئة التي دخلت الغرفة
حتى شعر بالظل الواقف جواره
وقـــف
كان شابا بدت ملامحه المرهقة الحزينة عربية
فور وقوف صالح سلّم عليه الشاب ورحب به حرارة دافئة بقدر ماسمح له حزنه وإرهاقه
ثم هتف له بصوته المبحوح:
أنا فيصل صديق عبدالله.. وأكيد إنك صالح أخ عبدالله.. السفارة بلغوني بوصولك
بس أنا توني واصل من بورتلاند.. رجعت هناك عشان .. عشان.. عشان
اختنقت الكلمات في حنجرته حزنا... بصقه حشرجات موجعة: عشان أدفن خالد الصغير
سامحني ياخوك أني تصرفت من نفسي
بس أنا كنت أبي أدفنه أول ماخلصوا تشريح وتحقيقات.. ماكنت أبي عبدالله يشوفه
أو يلزم إنه ياخذه يندفن في الدوحة.. مابغيت جروحه تقعد مفتوحة
أدري إن عبدالله ماراح يسامحني على اللي سويته.. بس أنا سويته عشان مصلحته
صالح شعر باختناق عميق وهو يتذكر ابنيه خالد وعبدالعزيز..
لو حدث لأحدهما ما حدث لابن عبدالله.. نفض رأسه جزعا مرعبا من الفكرة ومن مجرد تخيل ما رآه أخوه وهو يهتف باختناق:
جزاك الله خير يافيصل.. ونعم ما سويت.. نعم ما سويت
أردف صالح باختناق عظيم: قالوا لي أنك أنت اللي بلغت عن الحادث... وأنت اللي طلبت من السفارة تطلب حد من أهله..
فيصل بحزن عميق: اللي شفته شيء عمري ما تخيلت أنه ممكن يصير لبشر
خالد كان ولدي.. أنا ربيته مع عبدالله
كان عمره شهور أول ما عرفت عبدالله.. أول ماشفته ماهضمته قلت هذا مافيه دمنا.. أشقر وعيونه زرق.. بس سبحان الله اللي زرع حبه في قلبي
كنت استحقر إن عبدالله يرضعه ويبدل له.. تعرف أفكارنا المتغلغلة فينا
عقبها صرت أنا أبدل له وأرضعه إذا صار عبدالله مشغول..
شهق فيصل غصبا عنه: حسبي الله ونعم الوكيل
أقول لك ولدي.. يمكن لو أنا جبت ولد ما يكون غلاه مثله..
ابتلع عبرته التي سدت حلقه ثم أكمل: بالعادة كان عبدالله يوديه للنيرسري وهو رايح شغله.. وأنا أجيبه..
كنت أقعد عندهم في بيتهم أكثر من قعدتي في السكن..ولولا أني أبي قرب الجامعة أو كان سكنت معهم..
هذاك اليوم.. رحت النيرسري قالوا لي ماجا.. استغربت..
لأن عبدالله حتى لو كان خالد مريض يوديه ويقول لهم انه مريض ويعطيهم أدويته.. شيسوي لازم يروح شغله
اتصلت في عبدالله مارد علي
رحت لبيته أنا معي مفتاح.. فتحت.. وليتني مافتحت.. ليتني ماشفت ذا الشوفة
حينها لم يحتمل انهار جالسا وهو ينتحب بخفوت..: حسبي الله ونعم الوكيل
حسبي الله ونعم الوكيل.. جعلها تشوفه في نفسها وفي أهلها
ذبحته قدامه.. ذبحته قدامه.. وعبدالله يشوف.. تخيل..
تخيل فيه إجرام كذا
دخلت لقيت عبدالله مربوط ومكمم.. والولد الولد......
عجز عن الإكمال وصوت نحيبه يرتفع شيئا فشيئا.. صالح اختنق حلقه بالعبرات وغامت عيناه تماما ربت على كتف فيصل: خلاص لا تكمل لا تكمل..
ولكن فيصل أكمل حديثه بين موجات نحيبه الخافت: كانت سكرانة وجايبة معها اثنين بودي جاردز
عبدالله من يوم هي دلت طريقه وهو متوتر منها.. طول السنين اللي فاتت وهو مرتاح منها.. ما أدري أشلون دلته..
أنا كنت موجود أول مرة جات... سألت خالد وش الأشياء اللي هو حافظها؟؟
خالد بكل براءة سمّع لها السور القصار ... عبدالله كان محفظه كل السور القصيرة
ليتك شفتها.. صارت كنها ثور هايج.. وهي تهدد عبدالله إنها تأخذ الولد لانه خربه بأفكار دينه المتخلف
لكنها بدل ما تأخذه خذت روحه... تخيل خنقته قدام عبدالله اللي ربطوه البودي جاردز في العمود وكمموه..
الولد كانت أرجيله ترجف وترجف لين همدت وقعدت عينه شاغرة
يوم شافت الولد مات في يدها قطته قدامه وهربت..
تخيل طول الليل ولين ثاني يوم وهو مرمي قدام أبوه وعينه مفتوحة في عينه
تخيل ذا المنظر.. تخيل
زين إن عبدالله ما أستخف..
قاطع صالح عبرات فيصل المسفوحة وهو يصرخ بغضب: الحيوانة اللي مالها ذمة ولا دين.. والله يادم ولدنا ما يروح هدر..
حينها تماسك فيصل من انهياره وهتف لصالح بهدوء منطقي بصوته المبحوح تماما:
اسمعني ياصالح
طليقة عبدالله أهلها ناس واصلين فوق ما تتخيل
هي الحين اعترفت بجريمتها.. والمحاكمة بتتم على أساس إنها بين أطراف أمريكين
لكن لو أنت يا للي جاي من برا ومسلم وعربي صعّدت السالفة.. بيقلبون السالفة ومهوب بعيد تطلع هي براءة
ويطلع إن عبدالله كان يعذبها وهو اللي جاب لها عقدة نفسية خلتها تذبح ولدها
ما تعرف أنت أشلون الامور هنا تصير.. والإعلام أشلون يضغط..
وهم لحد الحين ما دققوا في سالفة إن عبدالله عربي.. انتظر عليهم لين ينتبهون.. بينقلب الوضع 180 درجة.. والإعلام اللي ضدها الحين بيصير معها
أنت اطلع بعبدالله من ذا الديرة في أسرع وقت.. عبدالله محتاجكم
أنا ما أدري وش سبب القطيعة اللي كانت بينكم .. بس هذا لحمكم ودمكم
****************************
" ياكثر ما تسبحين!!
كم مرة تسبحين في اليوم أنتي؟؟ خمس مرات؟؟ "
جوزاء تنظر لناحية الصوت المرح حيث تتمدد شعاع على سرير جوزا بجوار حسن النائم..
تبتسم جوزا وهي تشد روبها على جسدها: وإذا سبحت خمس مرات.. شيء من حلالش..
وبعدين تراني ماسبحت إلا مرتين مرة الصبح والحين.. ياختي حر حر..
شعاع تعتدل جالسة وهي تنزع يدها برفق من تحت رأس حسن وتبتسم: يأختي خايفة عليش تسيحين..
وبعدين وش عليش.. أنتي طقيتي للحمام ونقعتي فيه.. وخلتيني أبتلش في ولدش
أكل أبو مخي بحنته...
جوزاء تقف أمام المرآة وتجفف شعرها بالمنشفة وتهمس وهي تبتسم: أنتي صاحبة اقتراح حرمانه من صور أبيه..
أول كان يقلب في الصور لين ينام بروحه.. الحين ما ينام إلا عقب محايل وحنة..
شعاع تضحك: بس حنه على مستوى.. ما يسكر حلقه..
شعاع تعقد حاجبيها: الله أكبر.. قولي ماشاء الله..
شعاع تبتسم: وش بأنظل ياحسرة.. حنت ولدش.. خليني أنظله يسكر حلقه شوي..
جوزاء تتجه للسرير وتميل على ولدها وهي تقبل كفيه وقدميه بحنان مصفى: الله يخليه لي ويحن على كيفه
شعاع بعفوية: تدرين جوزا يوم رحت مع أمي لعالية عشان تودي هداياهم
أنا وعالية رحنا لغرفتها.. فرجتني صورهم القديمة
ياربي ما صدقت.. عبدالله وهو صغير نسخة من حسون.. شيء غير طبيعي..
جوزاء بشبح ابتسامة باهتة: وش قلنا ؟؟ مهوب قلنا بلاها سيرة عبدالله..
شعاع تنهدت وهي تمسح على شعر جوزا المبلول: تدرين جوزا
أحيانا أقول لازم تنسين سيرة عبدالله
وأحيان أقول دامش تحسسين من سيرته.. باقي في خاطرش شيء
خلي عبدالله موضوع طبيعي.. حتى لو سمعتي سيرته.. المفروض ما يهز فيش إلا مشاعر الترحم عليه
لأنه مهما كان عمر سيرته ماراح تنتهي.. هذا ابو ولدش.. وبيظل اسم ولدش دايم يذكرش فيه..
جوزا هزت رأسها بألم: الله يرحمه.. أنا بايحة منه على شين اللي هو سوا فيني.. الله يبيح منه ويغفر له..
شعاع بتردد: ما أدري جوزا ليه أحس دايم فيه حلقة مفقودة في حياتش مع عبدالله أنتي تعمدتي ما تقولينها لي..
يعني كون إن عبدالله كان يتجاهلش أو ما يكلمش.. ما يستدعي العقدة الكبيرة اللي عندش
جوزا أنتي عقب حياتش القصيرة مع عبدالله تغيرتي كثير... حتى هذا الهوس بالنظافة ماطلع إلا عقب مارجعتي علينا من بيت أبو صالح
جوزا تغتصب ابتسامة: يا شينش لا شغلتي مخش المصدي... خليه مطفى أحسن
وش باخبي عليش يعني؟؟
شعاع بنبرة مقصودة: أنتي أدرى...
جوزاء تدفع شعاع برفق لتنهي هذا الحوار : يالله خلاص روحي خليني أنام... بكرة الصبح عندي بروفة فستاني..
شعاع تبتسم: ياي حتى أنا متشوقة أشوف البروفة.. البروفة اللي فاتت كانت خيال عليش..
ولو أني مثل العجايز كان ودي أقول لها توسعها شوي.. خايفة عليش من عيون المشفح... وأنتي بعد طالبة الفستان ضيق لين تحت..
فيه عروس ما تلبس شوي جيبون تحت ينفخ الفستان.. ويخبي شوي من تفاصيل جسمها
جوزا بألم: خلاص لبست الجيبون تيك المرة.. هالمرة أبي أكون غير في كل شيء..
تدرين لولا إن امهاب من حقه يشوف عروسه في فستان عرس.. وإلا يمكن كان مالبست فستان
تعقدت من الثوب الأبيض...
شعاع تبتسم: وأنتي ماسويتيه أبيض.. سويتيه ذهبي..
جوزاء تتنهد.. تعبت من كل هذا الحديث الذي يلامس أطراف الروح ولا يجرؤ على اختراقها: خلاص يا الله روحي أبي أنام..
شعاع خرجت وأغلقت الباب خلفها.. بينما شعاع تمددت جوار حسن
قبلت وجنتيه وجبينه وكفيه وهي تحصنه بالأذكار..
ثم سالت دموعها بصمت وهي تتذكر رغما عنها.. مهما حاولت التناسي
ليلة زواجها القاتمة قبل حوالي أربع سنوات... وما تلاها من أيام سوداء..
*******************************
قبل أربع سنوات وشهرين
مضت ثلاث ساعات منذ دخولهما لجناحهما
والصمت هو المسيطر بينهما
هو حينما دخلا ألقى بغترته وببشته الأسود على طرف الأريكة ثم اعتصم بمقعده
بينما هي تشعر أنها أصبحت عاجزة عن التنفس من جلستها الطويلة بالفستان والألم ينتشر على طول ظهرها
ستموت تريد الدخول للحمام.. ولكنها تكاد تذوب خجلا وهذا الحائط الجالس أمامها لا يبذل أي جهد لمساعدتها
توقعت أنه سيحاول أن يحادثها.. يهدئ روعها.. كما يتوقع من أي عريس ليلة عرسه..
توقعت أي شيء إلا هذا الصمت غير الطبيعي إطلاقا
أ يعقل أنه يشعر بالحرج أو ربما الخجل مثلها؟!!
كانت تسترق النظرات له بينما هو ينظر لا تعلم أين
لا تنكر أنها شعرت بارتباك ما من وسامته الطاغية
كان هذا الارتباك ليتحول لشعور دافئ شفاف لو أنه أشعرها باهتمام ما
لكن تجاهله غير الطبيعي لها جعل إحساسا بالضآلة يتسرب إلى روحها
"أ يعقل أنني لم أحرك فيه أي شيء
ولا حتى مجرد الرغبة بالحديث كبشر
حُكم عليهما ان يكونا وحيدين في مكان مغلق
قد يكون وسيما جدا
لكن أنا أيضا جميلة
أ لستُ جميلة ؟! "
" وما يدريني قد يكون لا يراني جميلة إطلاقا"
عادت لاستراق النظر لبهائها المكتمل في تلك الليلة الاستثنائية في إحدى المرايا الكثيرة المنتشرة على امتداد الجناح..
"لستُ سيئة
لستُ قبيحة
أ لستُ كذلك؟! "
شعور بالتوتر والحرج والمرارة يتصاعد في روحها بغزارة مهينة
بعد مرور ساعة أخرى شعرت أنها ستبكي من حاجتها للذهاب للحمام
شعرت أن كل أحاسيسها تتأخر أمام نداء الطبيعة الغير قابل للتأجيل
وشعرت حينها بالفعل أنها ستبكي وهي تضطر أن تكون أول من تتكلم
همست بصوت مبحوح مختنق من الخجل: لو سمحت..
بدا لها أنه لم يسمعها
رفعت صوتها باختناق أكبر: لو سمحت..
حينها ألتفت إليها هتف بهدوء عميق: نعم..
جوزاء باختناق عظيم: أبي أروح للحمام لو سمحت..
حينها انتفض وهو يهتف بأدب يشبه أدب موظف مع زميلته في العمل:
سامحيني.. المفروض سألتش من أول مادخلنا تبين شيء
تفضلي الحمام من هنا
تبين مساعدة؟؟
جوزاء لاحظت بألم أنه يخاطبها دون أن ينظر إليها بشكل مباشر.. همست له بصوت بدأت العبرات تخنقه: لا شكرا ما أبي مساعدة
توجهت للحمام وهي تكاد تنكفئ على وجهها من انعدام الرؤية أمامها لامتلاء عينيها بالدموع
خلعت فستانها بعد معاناة.. واستحمت بدموعها قبل أن تستحم بالماء
كانت تدعك وجهها بحدة وهي تزيل بقايا تزينها
جرح أنوثتها بشدة تجاهله لها في الليلة الأهم في حياتها
بكت مطولا في الحمام.. ولم يفتقدها مطلقا.. ولم يسأل عن سبب تأخرها في الحمام
"ربما لو متت في الحمام
لن يفتقدني!!"
قررت ختاما أن تخرج فهي تريد أن تصلي
كانت والدتها من رتبت أغراضها في الجناح.. تركت لها قميص نوم في الحمام
كان قميصا ملكيا يليق فعلا بعروس ليلة زفافها..
ولكنها لم تشعر بأدنى رغبة لارتدائه
ولكن لأنها لم تجد سواه.. ارتدته بعد أن جففت شعرها
نظرت بتوتر لنفسها في المرأة
إن كانت لم تلفت انتباهه وهي بكامل زينتها.. فكيف الآن بوجهها الخالي تماما من المساحيق
تنهدت في داخلها بوجع: هي ليلة وكسة من أولها.. وش بيضر تاليها يعني!!
حين خرجت وجدته يصلي قيامه..
تناولت سجادتها وصلت هي أيضا قيامها..
أنهت صلاتها وهو مازال يصلي.. بقيت جالسة على سجادتها تنتظر انتهاءه
حينما أنهى صلاته عاد ليجلس على مقعده..
حينها همست له جوزاء باختناق: ماحنا بمصلين سوا ركعتين؟؟
مهما بدت لها بداية حياتها معه ملتبسة وغير سعيدة.. فهي لا يمكن أن تنسى هذه السنة إن كان هو قد نساها أو تناساها..
تمنت بالفعل أن تكون الصلاة فاتحة خير في حياة لا توحي بالخير
غام وجهه لدقيقة ثم هتف بهدوء دون أن ينظر ناحيتها: قومي نصلي
صلت خلفه.. وكل منهما دعا لوحده.. بشيء خاص به..
دعت هي بعمق أن تكون هذه الليلة مجرد كابوس لليلة واحدة.. وألا تكون حياتها معه على هذا الموال
ولكن لله حكمة فيما يفعل ويريد!!
انهى صلاته وعاد لمكانه...
بينما هي خلعت جلال الصلاة.. رتبت شكلها بارتباك.. وعادت لتجلس أمامه
شعرت أن تجاهله لها ازداد.. كما لو كان يقصد فعلا إشعارها بهذا التجاهل
بقيا على هذه الحال حتى صليا الفجر..
حينها قررت جوزاء ألا تنتظر أي بادرة منه
بدا لها غاية في الألم أن تتجاهل خجلها وكل تخيلاتها البريئة لهذه الليلة.. وتبادر للتصرف كما يخطر ببالها
فهذه الليلة لم تكن أكثر من مذبحة لثقتها بنفسها وأنوثتها وحتى فرحتها البريئة..
تركته معتصما بصمته وأريكته..
توجهت للسرير تمددت غطت جسدها كاملا حتى رأسها
ثم انخرطت في بكاء صامت أغرقت بدموعه الغزيرة مخدتها
************************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر
" حاولتُ جاهدة تجاوز مرارة ليلة زفافي رغم أن طعم مراراتها بقي كالعلقم في حلقي
أن تكوني محملة بعشرات الأمنيات الوردية لحياتك الزوجية
ثم تجدين كل هذه الأماني تُنسف بلا رحمة.. بلا سبب.. بلا تفسير
تمنيت فقط أن أفهم لماذا يعاملني بهذه الطريقة!!
خلال الشهر الماضي كنت أتجاوز خيباتي المتكررة وأحاول من جديد
كنت كل يوم أبالغ في التأنق والتجمل والتعطر وأحاول أن افتح معه أي حوار
ولكني لا أجابه سوى بردود مبتورة وهو يتجاهل حتى النظر إلى
أنا متيقنة أنه يعاني من ضعف جنسي..
ولكن هذا الأمر لا يهمني.. أعلم أنني لن أكون الزوجة الأولى أو الأخيرة التي تجابه مشكلة من هذا النوع..
ولكن هل الحياة الزوجية تتوقف على هذا الجانب فقط؟!
أريده فقط أن يحادثني.. يشعرني أنني بالفعل زوجته.. شريكة حياته
لا أطلب المزيد...
عالية سافرت قبل يومين.. عادت لدراستها
كان وجودها يخفف عني كثيرا
بمرحها ومقالبها.. كانت تأخذني من عالمي الصامت وكآبتي..
لكن الآن البيت يغرق في الصمت فعلا.. أشعر بالوحشة بعد ذهابها..
نجلا زوجة صالح لا تقصر مطلقا.. لم أرَ مطلقا من هي في طيبة قلبها أو رقتها
ولكن لديها طفلان صغيران ليس بينهما سوى عام.. وهي مشغولة على الدوام بهما
والدة عبدالله حنونة جدا.. أم فعلا..
لكن .. لكن..
خالاته أشبه بأفاعي فعلا.. بالأحرى اثنتين منهما : نورة وسلطانة
كانت عالية من تسكتهما حين يبدأن بتلميحاتهما القميئة..
لكن الآن من سيدافع عني... يبدو أنني يجب أن أتجنبهما قدر المستطاع
فخجلي وترددي يمنعاني من الرد على سيدات أكبر مني.. ومهما يكن يبقين خالات زوجي
ربما لو كنت أحيا حياة زوجية طبيعية .. لم أكن مطلقا لأهتم لما يقلن
فالحياة مليئة بهواة الكلام والتجريح!!
ولكن كلامهن كالملح الذي يذر على جروحي..
لقد جعلن علاقتي تتوتر بابنة خالي بعد أن كانت علاقتي رائعة بها..
كلما رأينها .. أخذن يعقدن مقارنة مبطنة بيني وبينها!!
أن مثلها هي من يجب أن تتزوج من هو مثل عبدالله
أ حقا لأني لست بجمال يرقى إلى وسامة عبدالله.. هو عاجز حتى عن النظر إلى أو حتى التواصل بالكلام معي؟!!
.
.
طوال الشهر الماضي كنت أسهر دائما في انتظاره مهما أطال السهر
مثل الليلة التي أعلم أنها ستكون تماما مثل الليالي الماضية واللاحقة "
كانت جوزاء تتأكد للمرة الألف من شكلها في المرآة
كانت تبالغ في التأنق للحد الأقصى
وباتت تتجنب أن ترتدي قمصانا للنوم.. حتى لا تضايقه أو تبدو كما لو كانت ترسل له رسالة هو عاجز عن الاستجابة لها
فهي الآن متأكدة أنه لابد يعاني ضعفا جنسيا من نوع ما..
ولكن كل ما كانت تريده هو تواصله الروحي والإنساني لا الجسدي..
عدلت خصلات شعرها.. زينتها.. فستانها
كانت ترتدي فستانا حريريا أسود ضيقا تصل أطرافه السفلية لتحت ركبتيها
(هاي نك) بدون أكمام..
خال من أي تفاصيل عدا حزام فضي مشدود على خصرها ليكشف عن تفاصيل بالغة المثالية في انحناءاتها
دخل..سلَم دون أن ينظر ناحيتها كما يحدث كل ليلة..
وككل ليلة أجابته بخفوت: وعليكم السلام
ثم أردفت: تبي عشا؟؟
وككل ليلة أيضا أجابها بهدوء: متعشي في المجلس
ثم دخل للحمام توضأ وصلى قيامه وقرأ ورده.. ثم تمدد على الأريكة ... ونام
دون أن يوجه لها كلمة واحدة
وككل ليلة أيضا زالت بعض زينتها من دموعها التي سالت على خديها قبل أن تزيلها فعليا
ورغم كثرة ما كانت تبكي إلا أنها لم تسمح له أن يرى دموعها ولا لمرة واحدة
استحمت وارتدت لها بيجامة حريرية بأكمام طويلة
أنهت صلاتها ووردها.. ثم توجهت للسرير وهي تندس فيه.. ترويه بعض دموعها الليلية المعتادة!!
***********************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر ونصف
الليلة تنتظره كعادتها
وحدث كما يحدث كل ليلة تماما.. ذات السيناريو دون تغيير
لكن هي قررت أن تبادر بتصرف
إذا كان هو مطلقا لن يبادر بشيء.. فلتحاول هي
كان قد تمدد على أريكته لينام.. لولا صوتها المختنق الذي أوقفه: عبدالله
جلس معتدلا وهتف لها باحترام: نعم..
جوزاء همست باختناق: عبدالله فيه شيء مضايقك مني؟؟
عبدالله أغتصب ابتسامة : ومن قال لش أني متضايق منش..
جوزاء تحاول منع عبراتها من القفز لبلعومها وكلماتها تنهمر بوجيعتها : ما يحتاج حد يقول.. تصرفاتك تقول وزود..
عبدالله أنا والله ما أبي منك شيء.. أبي منك بس تحسسني إني إنسانة عايشة معك
ترا تجاهلك لي بذا الطريقة يعذبني
أنا ماني بحجر ما يحس.. وخلاص ماعاد فيني طاقة أستحمل أكثر من كذا
ما تبيني يا ابن الناس.. فالله عز وجل قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
مافيه شيء يحدنا على ذا الحياة..
عبدالله هتف لها بهدوء حان: شكلش أعصابش تعبانة.. تبين تروحين عند أهلش أسبوع وعقب أرجعش.. ماعندي مانع
جوزاء بصدمة: وهذا هو الحل عندك؟؟ زين ورحت أسبوع ورجعت.. نرجع لنفس موال حياتنا هذا
عبدالله احنا ما بيننا أي تواصل.. حتى الكلام ما تكلمني.. ليش أقعد عندك..
أنا لو رحت لهلي.. ما ابي أرجع هنا خلاص..
عبدالله تنهد: يا بنت الحلال روحي أسبوع لهلش ريحي أعصابش.. وما يصير إلا خير..
وبالفعل عبدالله ذهب بها لأهلها اليوم التالي..
ورغم أنها كانت تزور أهلها بشكل متكرر..لكن رؤيتها بحقيبتها أثار مخاوف والدتها: فيه شيء بينش وبين عبدالله؟؟
جوزاء بإدعاء للهدوء: لا يمة مافيه شيء.. عبدالله بنفسه اللي جايبني.. بس اشتقت أقعد عندكم شوي..
حينها أشرق وجه أم عبدالرحمن: لا تكونين توحمين.. ومقروفة من بيتش..
جوزاء كحت بحرج: لا يمة الله يهداش .. وش وحامه؟؟
جوزا قضت تلك الليلة ليلة هادئة بعيدا عن الضغط النفسي والتوتر والدموع الليلية التي لا تنتهي
وهي تدعوا الله أن ينسى عبدالله مدة الأسبوع.. وتطول لأسبوعين أو ثلاثة
فهو على كل الأحوال ينساها وهي معه في ذات الغرفة.. فكيف وهي بعيدة عنه؟!
ولكن ما صدمها فعلا اليوم التالي أنها وهي تستعد للنوم رن هاتفها
كان عبدالله هو المتصل.. توترت.. ماذا يريد؟؟
ردت بتوتر: هلا عبدالله
رد عليها بهدوء: هلا بش زود
جوزاء بذات التوتر: فيه شيء عبدالله؟؟
عبدالله بذات الهدوء: أنزلي أنا أتناش تحت في السيارة
جوزاء بجزع: بس احنا متفقين أقعد أسبوع.. توني ما قعدت حتى ليلة..
عبدالله بحزم: جوزا خلاص .. قلت أنزلي.. انزلي.. لا تناقشيني..
جوزاء كانت بالفعل تريد أن ترفض.. لكنه رأته تصرفا لا يليق بتربيتها ولا بالاحترام المفترض لزوجها..
أبدلت ملابسها.. ولم تحمل معها حقيبة.. فلديها هناك من الملابس التي لا أهمية لها ما يكفي وزيادة..
كادت تنكفئ حرجا وهي ترى والدها ووالدتها في الأسفل..
أبو عبدالرحمن قفز حين رآها: وين بتروحين؟؟
جوزاء بخجل عميق: عبدالله ينتظرني برا
أبو عبدالرحمن يتناول هاتفه غاضبا: باكلمه.. هذا وقت ياتي ياخذش فيه..
خله يرجع بكرة
جوزاء بجزع: لا يبه فديتك خلاص.. ما يصير هذا هو في الحوش..
أبو عبدالرحمن بغضب: إلا اللي ما يصير طلعتش ذا الحزة..
تناول هاتفه وأتصل بعبدالله..
عبدالله حينما رأى اسم عمه على الشاشة.. رد باحترام جزيل وهو يسبقه بالكلام:
حيا الله أبو عبدالرحمن.. ما دريت إنك عادك ذاهن وإلا كان حولت أسلم عليك جعلني فداك
أبو عبدالرحمن بنبرة محايدة: جعلك سالم.. يا أبيك ماذي بحزة تاخذ مرتك.. روح وتعال بكرة..
عبدالله بذات الاحترام: والله إني داري جعلني فداك.. بس أنا عاد البيت بيتي
وأنا كان عندي شغل توني خلصته وماهقيت إن دخلتي لبيتي ذا الحزة بتضايقك
السموحة يبه..
خلاص تبيني أروح بأروح... وجوزا بأخذها بكرة
أبو عبدالرحمن شعر بالحرج من عبدالله.. فلو قال له أن يذهب.. معناها أنه يأكد له أن البيت ليس ببيته.. لذا هتف بهدوء:
لا خلاص أخذ مرتك...والبيت بيتك يا أبيك.. بس دايما السنع سنع..
عبدالله بنبرة انتصار: جعلك ذخر دوم.. وتعلمنا السنع..
أبو عبدالرحمن أشار لجوزاء أن تذهب.. جوزاء شعرت باختناق حقيقي وهي تقبل جبينه وجبين والدتها وتسحب نفسها للخارج
فهي تمنت بالفعل أن يقتنع عبدالله بالذهاب وتركها هنا
ركبت جواره صامتة.. دون سلام حتى.. لأنها شعرت أنها إن سلمت فستنخرط في البكاء..
هو أيضا لم يكلمها.. بقيا صامتين حتى وصلا لغرفتهما.. وأكملا رحلة الصمت المعتادة
جوزاء كانت في حالة صدمة حقيقية.. فهو حينما أعادها الليلة.. رغم كل الألم الذي شعرت به إلا أنها شعرت بأمل ما.. أن يكون أعادها اليوم لأنه قرر أن يغير طريقة تعامله معها
ولكن لا شيء تغير.. لا شيء تغير
لا تلك الليلة ولا الليالي التي تلتها حتى...
***********************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهرين وقبل سفره بثلاثة أيام
الليلة قررت ألا تنتظره.. الأمر بات جارحا لها أكثر من المحتمل.. أن تقضي ساعات تتأنق له.. ثم لا تجد ردا ولو حتى مجرد ابتسامة
قررت أن تنام قبل أن يأتي.. لا تريد أن تراه حتى
تعبت من كل هذا.. باتت كل أمنيتها أن يطلقها ويتركها تعود لأهلها.. ولكنها تخجل أن تطلب منه طلبا كهذا
فهي استنفذت كل طاقتها.. ولا سبيل مطلقا لصلاح الحال بينهما..
فلماذا الاستمرار في حياة فاشلة كهذه؟!!
شابة صغيرة مازالت في الحادية والعشرين.. كانت تنظر للحياة بمنظار وردي.. أصبحت نظرتها للحياة سوداوية.. وكأنه تضاف سنوات وسنوات فوق عمرها
كان ذهنها مرهقا بأفكارها المؤلمة وهي تتمدد على وسادتها.. حتى نامت..
في وقت ما من الليل صحت على حركة غريبة قريبا من عنقها
شعرت أنها تتخيل ربما.. لكن الحركة تكررت وكأن أحدهم يحرك شعرها ويزيحه عن عنقها ووجهها
فتحت عينيها كانت الإضاءة خافتة.. استدارت لتصدم بجزع بوجه عبدالله قريبا جدا منها
كانت تريد أن تجلس ولكنه لم يسمح لها وهو يشدها قريبا منه
همست جوزاء بصوت مختنق: فيه شيء عبدالله؟؟
ولكنه لم يجبها وهو يتمعن النظر في تفاصيل وجهها وفي عينيه نظرة غريبة عجزت عن فهمها
بدأ الخوف يتسرب إلى قلبها وهي تشعر بأنفاسه الدافئة تلفح وجهها من قرب
حاولت أن تبتعد عنه.. ولكنه منعها للمرة الثانية وهو يمرر أنامله على وجهها ويهمس لها بحنان عميق: لا تخافين .. ماني بجابرش على شيء
كان الأمر بمجمله صدمة حقيقية لها.. إذا لم يكن يعاني من ضعف.. فما الذي كان يحدث طوال الشهرين الماضين؟؟
لتتكشف لها حقيقة مزقتها تماما وهو يصرخ فيها بغضب هادر: قومي اسبحي الحين..
جوزاء بجزع ضمت أطراف روبها عليها وهمست بحرج عميق: أكيد بأسبح الحين بدون ما تقول
ولكنه استمر بالصراخ الغاضب: مهوب بس تسبحين.. تفركي عدل.. قطعي جلدش تفريك.. طلعي جلد جديد لو تقدرين..
جوزاء بحركة لا شعورية أخذت تتشمم جسدها وشعرها وهي تهمس باختناق تكاد تموت فيه حرجا: عبدالله والله ريحتي مافيها شيء
توني تسبحت قبل أنام وتعطرت وتبخرت.. والله ريحتي مافيها شيء.. مافيها شيء.. عشان تنقرف مني بذا الطريقة
حرام عليك تقول لي كذا...
ثم انخرطت في بكاء حاد.. وهي تقفز للحمام.. ربما قضت ساعات وهي تستحم وتبكي..
والحقيقة في ذهنها تبدو واضحة تماما.. لم يكن يقترب منها ليس لأنه يعاني من ضعف ما.. بل لأنه يشعر بالقرف منها..
قادته غريزته إليها.. ولكن حينما نال مراده.. وعاد له عقله.. عاد له قرفه منها..
كانت كلما فكرت هذا التفكير زاد بكائها عنفا..
شعرت أنها لا يمكن أن تتمزق أو تُجرح أكثر من هذا.. لا يمكن أن يكون هناك ألما أكثر من كذلك..
وصل الألم والجرح والتمزق عندها لحدوده القصوى.. ماعاد هناك مجال لأي مزيد
حين خرجت من الحمام .. كانت عيناها مشتعلتين احمرارا ككرتين من الدم.. لطول مابكت واستحمت..
تمنت ألا تراه حينما تخرج.. ولكنه كان جالسا.. شعرت أنه يريد أن يقول شيئا..
ولكنها لم تسمح له وهي تتناول سجادتها وتخرج لغرفة عالية الخالية وتقضي ليلتها هناك
سمعت طرقات على الباب بعد صلاة الفجر.. ثم همسه المكتوم الحازم: جوزا بلا فضايح.. تعالي خلينا نتفاهم..
ولكنها لم ترد عليه.. لا تريد أن تسمع شيئا منه.. أبدا.. أبدا..
اليوم التالي
حاولت أن تتحاشاه قدر الإمكان.. بقدر ماكان يبدو أنه هو يريد أن يحادثها
في ذلك اليوم على غير العادة لم يخرج مطلقا من البيت إلا للصلاة ويعود
وكأنه يتصيد فرصة لمحادثتها
ولكن جوزاء ليست مستعدة لمزيد من التجريح.. وأي محاولة للتبرير منه ستزيد الوضع سوءا
لذا بقيت معتصمة بغرفة أولاد نجلا مع نجلا.. لأنه المكان الوحيد الذي تعلم أنه لا يستطيع اقتحامه.. وأغلقت هاتفها حتى لا يتصل بها
مضى اليوم كله على هذا الموال.. حتى جاء الليل.. كانت مرهقة تماما جسديا ونفسيا..
انتظرت حتى توجه الجميع لغرفهم ثم توجهت هي لغرفة عالية
أغلقت الباب عليها..
لتتفاجأ بالصوت الحازم البارد: هذا السنع يا بنت الأصول.. طول اليوم وأنتي طاقة من رجالش
كان يجلس على الأريكة شابكا يديه أمامه.. جوزا ما عادت تريد أن تكون مهذبة أو رقيقة لذا ردت عليه بحدة:
رجالي له شهرين طاق مني.. حليت في عينه الحين
عبدالله وقف وهو يقول لها بحزم: امشي لغرفتنا نتفاهم هناك..
جوزاء بتصميم: آسفة الغرفة تيك ما عاد أدخلها وأنت فيها..
حينها هتف لها عبدالله بحزم بالغ: تروحين معي وإلا أشلش غصب..
جوزا بعناد وألم: قلت لك آسفة.. وما بيننا كلام.. الحياة بيننا مستحيلة.. طلقني خلني أروح لهلي..
عبدالله حينها انفجر بغضب: أطلقش هذا في أحلامش..
وإذا قلت كلمة.. لا تراديني..
قالها وهو يقترب منها ويحملها فعلا.. جوزا حاولت التخلص منه وهي تفرغ كل طاقة غضبها بلكم صدره بعنف..
بدا أنه لم يهتم لا من صراخها المكتوم ولا من لكماتها وهو يتجه بها ناحية الباب بثبات..
حين رأت جوزا أنه فتح الباب فعلا.. همست بحرج وغضب: خلاص نزلني بأروح معك بروحي.. لا تفضحني.. حد يشوفنا وأنت شايلني كذا
حين وصلا لغرفتهما.. همست له جوزاء بألم: عبدالله تكفى أنا ما أبي أسمع منك شيء
أي شيء بتقوله بيزود علي.. ماراح يحل شيء بيننا
عبدالله شدها وأجلسها ثم جلس جواره.. تناول يدها ليحتضنها بين كفيه.. ولكنها شدتها منه بعنف
شبك يديه وهو يهمس لها بهدوء عميق: وانا ماني بقايل لش شيء.. بس أبي أطلب منش تصبرين علي شوي.. بس شوي
أدري إني غريب وتصرفاتي غريبة.. وادري إني جرحتش واجد.. بس صدقيني كل شيء غصبا عني
حينها شهقت جوزاء بألم: جرحتني؟؟ تسمي اللي سويته فيني جرح بس؟؟
أنت ذبحتني يا عبدالله
عبدالله تكفى.. اعتقني الله يرحم والديك.. والله ما فيني أصبر أكثر من كذا
مد ذراعه واحتضن كتفيها.. حاولت أن تنهض ولكنه منعها وهو يهمس في أذنها بشجن عميق:
جوزا والله العظيم أني أبيش..
جوزاء بعدم تصديق: واللي يبي حد يسوي فيه كذا.. عبدالله إذا أنت خايف من كلام الناس إنك تطلقني واحنا مالنا شهرين متزوجين
خلني أرجع لأهلي.. وعقب شهرين ثلاثة طلقني..
عبدالله شدها ليسند رأسها لصدره ويحتضنها بكل قوته.. شعرت أن دقات قلبه تحت أذنها أشبه بمطارق تمزق رأسها ألما
بديا كلاهما كمخبولين في لوحة غير مفسرة
هي تريد أن تبتعد عنه وهو لا يسمح لها
وهو يشعر بالقرف منها ومع ذلك لا يريد إفلاتها
مضت دقائق وهما على هذا الحال.. ولم تبدو على عبدالله أي بادرة أنه سيفلتها حتى شعر ببلل ما بدأ يغرق صدره
انتفض بجزع وهو يفلتها لينظر لوجهها .. حاولت أن تشيح بوجهها..
ولكنه منعها وهو يمسك وجهها بين كفيه ويهمس بألم عميق: تبكين..؟؟
جوزاء همست بتهكم باك من بين دموعها: لا وش أبكي هذي.. وأنت سويت شيء يخليني أبكي؟؟
تدري عبدالله قد ما جرحتني الشهرين اللي فاتو بتجاهلك لي
كان ودي تكمل تجاهلك لي.. ولا تعبرني.. دام أخرتها كذا.. وجيعتك يوم تذكرتني ألف مرة وجيعتك يومك متجاهلني..
عبدالله همس لها بعمق: سامحيني.. ما أقدر أفسر لش شيء.. بس والله أني حاولت أمنع نفسي.. بس خلاص ماعاد فيني صبر..
جوزاء حينها بدأت تشهق بصوت عال: مافيك صبر عن جسد أنت قرفان منه.. تأخذ منه حاجتك ثم ترميه في الزبالة..
عبدالله بألم: جوزا تكفين لا تعذبيني بكلامش ذا.. ليتش بس تدرين.... والله أني شايفش فوق ما أستاهل بواجد..
حينها انتفضت بغضب وهي تقف وتصرخ ببكاء غاضب: حرام عليك تمسخر علي بذا الطريقة... خلاص ما أبي أسمع شيء
قلت لك أي محاولة للتفسير بتضر وماراح تفيد
توجهت للحمام لتتوضأ وتفرغ مزيدا من دموعها.. حينما أنهت صلاتها
دعت الله مطولا أن يفرجها عليها. . كل يوم تقول ماعاد بها طاقة لاحتمال المزيد
فيأتي المزيد والمزيد والمزيد
كان هو أيضا يصلي.. انتهت قبله.. ثم توجهت للسرير لتندس فيه.. بعد لحظات شعرت بحركته على الطرف الآخر من السرير
جلست بشكل حاد وهي تصرخ بألم: لا تنام جنبي.. سريرك اللي كان شالك الشهرين اللي فاتوا مهوب عاجز منك..
عبدالله تمدد وهو يهتف بهدوء: خلاص أنا كل ليلة بأنام هنا.. تعودي على كذا
حينها همست وهي تستعد للوقوف: خلاص اشبع بالسرير بروحك..
ولكنه أمسكها بحركة سريعة قبل أن تقف فعلا وشدها إلى أحضانه.. حينها همست جوزاء بضعف متألم: تكفى ياعبدالله لا تقهرني
تدرني أني ما أقدر أمنعك.. فلا تقهرني..
عبدالله أسند رأسها لعضده وهمس لها من قرب بعمق دافئ: والله ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضني..
كان رأسها مختبئ في صدره.. وهو يشد عليها بكل قوته.. وكأنه يخشى أن تهرب
كانت جوزاء تتنفس رائحة عطره الفاخر الذي يبدو كما لو كان تغلغل في جسده
وفي الوقت نفسه أيضا كانت تشعر بألم عظيم أن تكون رائحتها هي غير مستحبة بعد الذي قاله لها البارحة.. رغم أنها بالغت في الاستحمام والتعطر والبخور
ولكنها بالفعل بدا لها أن رائحتها غير مستحبة.. بعد أن تسربت هذه الفكرة لعقلها الباطن..
كانت تحاول أن تبتعد عنه قبل أن يبعدها هو قرفا منها ومن رائحتها.. ولكنه لم يفلتها أبدا
بعد ذلك همس لها بهدوء ناعس: جوزا اهدي.. أبي أنام.. اهدي.. ولا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماني بفاكش حتى لو نمت..
بدا الأمر لها أشبه بتعذيب نفسي.. لأنها شعرت أنها بدأت تعرق من الحرج والحرارة.. خشيت أن رائحتها تزداد سوءا
والمشكلة أنه يبدو نام فعلا وصوت تنفسه ينتظم..
بعد أن يئست جوزاء أنه قد يفلتها بدأت تذهب في دوامات تفكير بما أن النوم بدا حلما بعيد المنال
" يا ترى ليش يعاملني كذا؟؟
حاسة إنه هذا هو المرحلة الثانية من التعذيب
أكيد هذا واحد متعقد من النسوان
أو يمكن العقدة فيني أنا ؟؟
أولها يتجاهلني لين ظنيت إنه ناسي وجودي
وعقبها يخنقني بذا الطريقة بقربه وأنا عارفة إنه مهوب طايق ريحتي
يا الله يا كريم فرّجها من عندك
ماعاد فيني صبر.. قربت انهار من ذا الحال
ليتني قعدت عند هلي ولا وافقت على ذا العرس
الحين ماعاد باقي لي إلا مادتين.. فصل واحد من دراستي
يا ترى أشلون بأكمل ذا الفصل وأنا نفسيتي زفت كذا
ليتني على الأقل أجلت الموافقة على موعد العرس لين أخلص دراستي
لا حول ولا قوة إلا بالله... قدر الله وماشاء فعل"
بقيت الأفكار كأمواج تتلاطم جوزا بين تيارات غضبها وهي تشعر أن عظامها بدأت تؤلمها من وضعية النوم غير المريحة الخانقة التي حكم بها عليها هذا المجنون
تستغرب كيف استطاع هو أن ينام على هذا الحال
هزته برفق وهي تهمس بصوت مبحوح : عبدالله تكفى فكني شوي انخنقت..
أفلتها دون أن يفتح عينيه.. تأخرت بعيدا عنه.. ولكنها فوجئت به يمسك بكفها
ثم يطبع في باطنها قبلة عميقة جدا
ثم يضعها تحت خده ويهمس دون أن يفتح عينيه: ما أعتقد اني خانقش بذا الطريقة..
جوزاء شعرت بدقات قلبها تتصاعد بعنف.. بدت له حركته العفوية هذه مؤلمة إلى أقصى حدود التعذيب والعذوبة..
حينها سمح لها وضعها أن تراقب تفاصيل وجهه الوسيم المسترخي وهو يتوسد كفها
تعبت من محاولة إيجاد التفسيرات والتبريرات
تعبت من جفاءه ثم تعبت أكثر من قربه
أي رجل محير هو هذا الرجل؟؟
أو ربما هو ببساطة رجل معقد؟؟
أو ربما كانت هي المعقدة الفاشلة في فهم عوالم الرجال؟؟
أي هذه الأسباب هو السبب..
بقيت ساهرة لم تنم حتى أذان الفجر.. حينها همست بإرهاق عميق وهي تهز كتفه بيدها الحرة : عبدالله .. عبدالله.. خلاص قوم صل الفجر..
فتح عينيه.. وكان أول ما فعله أن عاود تناول كفها من تحت خده وقبلها هو يهمس بنعاس:
تدرين إني غبي اللي فوتت على نفسي ذا الأيام كلها أني أصحى على نغمات صوتش
جوزاء همست بألم عميق: بس عبدالله تكفى.. حرام عليك.. ليش تسوي فيني كذا؟؟
عبدالله يجلس وهو يهمس بعمق: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو يضايقها؟!!
جوزا اعتدلت أيضا جالسة وهي ترد عليه بألم: إذا كان ما يقصده.. لكن يقصد شيء عكسه.. يكون الجرح مرتين..
عبدالله بعمق: زين عطيني فرصة.. خليني أثبت لش إني صادق
جوزاء بخوف مترسب: ما تشجع أبد على أن الواحد يعطيك فرصة..
عبدالله بنبرة إقناع: زين أنتي ماراح تخسرين شيء لو عطتيني فرصة
أدري أني تصرفت بشكل غير مفهوم ولا معقول.. بس والله العظيم عندي أسبابي
الأسباب هذي بعدها موجودة.. لكن اللي تغير أنا..
ثم أردف بنبرة ولع غريبة : جوزا أنا مفتون فيش من قلب.. ومن ليلة عرسنا
سبحان الله شيء مثل السحر
حاولت أقاوم واجد لأسباب تخصني.. بس ما قدرت.. والله ما قدرت..
شهرين وأنا أتعذب لين انهارت مقاومتي.. والحين مهوب هاين عليش تعطيني فرصة وحدة؟!
صمتت جوزاء.. بداخلها تتمنى أن تصدقه.. هذا القلب البريء الذي لا يعرف الزيف أو التدليس بوده أن يصدقه
فهذا الرجل هو شريك حياتها الذي ربطها الله به لحكمة
رغما عنها وجدت نفسها تهز رأسها بخجل.. وليتها ما فعلت!! ليتها مافعلت!!
فهي لم تكن سوى حمقاء كبيرة لتصدقه..
"أ بعد كل ما فعله بكِ تصدقينه أيتها الحمقاء؟؟
أتنتظرين أن يقطع لحمك لقطع صغيرة بعد أن طعنك في عمق قلبك وإنسانيتك وكينونتك؟؟"
" أصمت.. أصمت.. لا أريد أن أسمعك
أنا أريد أن أمنحه فرصة..
فكما جرح قلبي.. لن يداوي جرح قلبي سواه
أنظر إليه كم يبدو صادقا"
" هذا لأنك طفلة بلهاء لا تفهمين
حينما يرميك كقمامة المرة القادمة لا تأتي إلى طالبة المعونة"
" وإذا لم أستعن بك يا عقلي بمن سأستعين؟؟"
"بقلبك الأبلة الذي فضلته علي
والذي سيقودك هو للهاوية
حينها لا أريد أن أرى لكِ دمعة واحدة
لأن كل ما سيحدث لكِ هو قرارك أنتِ
أمامك ألف دليل مادي على أن هذا الرجل لم يفعل سوى طعنك المرة تلو الأخرى
ولكنك تتركين كل هذه الأدلة وتركضين خلف وعده الكاذب"
جوزاء هزت رأسها بإصرار وهي ترفض تصديق هواجسها
عبدالله قفز جوارها وهو يضمها لصدره بقوة ثم يغمر وجهها بقبلاته ويهمس لها بعمق: والله ما أخليش تندميش إن شاء ربي
صلت الفجر وهي تشعر بانشراح عميق.. دعت الله ألا يخيبها.. فقلبها الطري بالكاد قرر أن يشعر بالسعادة
كثير كل هذا الحزن على قلب غض كقلبها
فهل هذا الوعد بالسعادة كثير عليها؟!
حينما عاد عبدالله من صلاة الفجر .. كانت تشعر بارتباك كبير وخجل عميق شفاف .. كانت تجلس على طرف السرير..
جلس جوارها ليطيل النظر إليها بنظراته الآسرة المجهولة .. ثم يشدها إليه..
خليط من سعادة مبتورة وخجل رقيق.. لأول مرة تشعر بإحساس عروس فعلا
إحساس لم يستمر حتى لساعات
لينتزع منها بأبشع طريقة.. أبشع حتى من طريقة الليلة قبل الماضية
إن كان تلك الليلة صرخ بها.. فهو الآن يهمس لها ووجهها مدفون بين كفيه:
جوزا نظفي جسمش.. تكفين.. تكفين
حينها شهقت جوزا.. عاجزة عن التنفس فعلا.. قد يكون طعنها في عمق قلبها كثيرا..
ولكنه هذه المرة تأكد من تمزيقه تماما.. ماعاد هناك شيء ليطعنه..
ماعاد هناك قلب يستطيع استقبال طعنته القادمة.. مجرد أشلاء قلب متناثر
همست بحقد وهي تقف: حسبي الله ونعم الوكيل فيك..
حسبي الله ونعم الوكيل
أكرهك.. أنا أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك..
دخلت للحمام وانهارت تماما في داخل المسبح
لم يهمها إن كان يسمع صوت نحيبها العالي
ماعاد يهمها أي شيء.. تتمنى فقط لو تستطيع أن تشعره ببعض الألم الذي تشعر به
فقط بعضه.. هذا البعض تعلم أنه كفيل ببعث ألم لا حدود له في روحه
ولكن بدا لها مخلوق مجرد من الإحساس.. شيطان ربما!!
أي قلب يحتويه هذا الرجل؟!!
يستحيل أن يكون لديه قلب حتى!!
هل كان سيضره أن يطلق سراحها قبل أن يتسبب بكل هذا الأذى النفسي لها؟!!
هل كان سيضره ان يطلق سراحها وهي لديها بقية من قلب وروح؟؟
لماذا حرص على أن يدمر كل شيء فيها؟؟
أي ذنب أذنبته استحقت من أجله كل هذا التعذيب؟؟
هل كونها غير جميلة أو رائحتها لا تعجبه سبب يستحق أن يدمرها بهذه الصورة؟!!
بكت مطولا في الحمام والماء ينسكب على جسدها الذي بالغت في فركه وتنظيفه
وكأنها تريد أن تزيل بقايا لمساته المريضة التي أشعرتها بالقرف من نفسها تماما كما يشعر هو بالقرف منها
خرجت من الحمام وقد قررت تماما أن ألا تبقى ولو يوما واحدا مع هذا المريض المخبول..
يستحيل أن تبقى في هذا المكان الذي بات يذكرها بالكثير من الآلام والمرارة
حين خرجت سمعته يتكلم في الهاتف
كان يتحدث بالانجليزية وفي صوته غضب هادر مرعب
لم تلتقط مما يقول سوى قوله : أنا قادم على الفور
حينما أنهى اتصاله كانت تقف تنظر إليه بكراهية شديدة
بينما كان هو ينظر لها بنظرة عجزت عن تفسيرها
استمرا يتبادلان النظرات لثوان.. انحنى بعدها تحت السرير ليستخرج حقيبته
ويضع ملابسه على عجالة فيها
همست له بنبرة ميتة: لا تروح مكان.. أنا اللي بأرجع لهلي.. مستحيل أقعد هنا
همس بنبرة ميتة مشابهة: أنا مسافر..
بنبرة أقرب للتهكم وهي تقترب منه حتى أصبحت قريبة منه: وين وعساها رحلة طويلة؟؟
لم يرد عليها.. نظر إليها فقط.. لسبب لا تعرفه بعثت نظرته في أوصالها رعشة عميقة لم تعرف لها تفسيرا...
أغلق حقيبته.. واستعد للمغادرة.. بينما جوزاء تصرخ خلفه: يارب تروح ما ترجع..
يارب تروح ما ترجع..
أغلق الباب خلفه.. وآخر ماسمعه هو نحيبها ودعواتها عليه..
بعدها جوزاء بالفعل عادت لبيت أهلها.. علمت من أهله أنه سافر في رحلة عمل لأمريكا ستستغرق أسبوعا واحدا ..
قررت أن تنتظر حتى يعود لتطلب الطلاق منه.. يستحيل أن تكمل حياتها معه.. ولا حتى مع سواه.. فهي تشك إن كانت ستتجاوز ما فعله بها..
حينما مر الأسبوع وهو لم يعد ولم يتصل.. بدأ قلق رقيق يتسرب إلى روحها
هل من المعقول أن الله استجاب دعائها عليه؟؟
هي بالفعل لا تريده... ولكن لا تريده أن يموت.. له أهل يحبونه وهي أحبتهم.. لا تريد مطلقا أن يُفجعوا فيه
بعد أسبوع آخر نضجت فيه من القلق..
فاجأها اتصاله الليلي بها.. كانت نائمة حين أيقضها رنين الهاتف
وحين رأت الرقم الطويل شعرت بريقها يجف ودقات قلبها تتصاعد..
شعور ملتبس خليط من الكراهية والقلق والرغبة في الانعتاق..
ردت بصوت مبحوح متوتر: ألو..
ولكن لا إجابة.. عاودت الهمس: ألو..
وأيضا لا إجابة... حينها همست بتساؤل مرهق: عبدالله؟؟
شعرت بصدمة كاسحة في عمق قلبها حين أجابها بلهفة موجوعة : لـبـيـه..
أصابها الخرس..لم تعرف ماذا تقول.. أفكارها تبعثرت تماما.. من كلمة واحدة فقط!!
كلمة كانت أشبه بطعنة لا حدود لعذوبتها الخالصة حتى وإن كان لا يعنيها!!
استمر الصمت بين الطرفين لدقيقة وكل منهما يستمع لصوت أنفاس الآخر المرتفعة بوضوح.. في إيحاء شفاف بعمق انفعال كل منهما
بعد ذلك همس عبدالله بنبرة مموهة: أشلون أمي؟؟
أجابت جوزاء بصوت مختنق: أمك في بيتها وطيبة وبخير.. أنا في بيت هلي..
صمت لدقيقة أخرى ثم همس بصوت مرهق تماما: خلاص سلمي لي عليها..
جوزاء تشعر باستغراب عميق لهذا الاتصال الغريب: الله يسلمك.. يوصل..
ثم انتهى الاتصال.. وسط استغراب متعمق من جوزاء
ومازالت حتى الآن كلما تذكرت طريقته وهو يقول لها (لــبـــيـــه)
رغما عنها تشعر بذات الألم العذب الشفاف في عمق قلبها
**************************************
بعد سفر عبدالله بشهر
رغم تأخر موعد دورتها الشهرية لأكثر من أسبوعين إلا أنها كانت تحاول إلغاء فكرة الحمل المرعبة من بالها
تدعو الله بعمق ألا يعاقبها بحمل ناتج عن كل هذه الكراهية والتعقيد..
تريد أن تتخلص من عبدالله فكيف ترتبط بولد منه سيبقى يذكرها دائما بما فعله والده بها؟!!
كانت صلت العصر للتو حين جاءتها أمها لتخبرها أن عمها يريدها في الأسفل
شهقت جوزاء: عمي أبو صالح؟؟
أم عبدالرحمن بطبيعية: إيه يأمش.. تحت في مجلس الحريم وابيش معه..
جوزاء التفت بجلال واسع ونزلت.. فور أن دخلت شعرت أن هناك شيء غير طبيعي حدث
فأبو صالح ووالدها كلاهما وجهه مسود .. اقتربت وقبلت أنف عمها وسلمت عليه السلامات المعتادة
وبعد ذلك هتف لها: يأبيش أبغيش تروحين معي لبيتش..
جوزاء حينها همست باختناق: بس عبدالله مابعد رجع..
أجابها أبو صالح بحزم: البيت بيتش مهوب بيت عبدالله.. امشي معي يأبيش أنا ملزم..
بدا لها أن والدها غير راض.. وأن ذهابها مع أبي صالح لا يرضيه.. ولكن مادام لم يتكلم وجدت نفسها مجبرة على التنفيذ
لم تستطع رد عمها وهو من أتى لها بنفسه.. احترامها له منعها..
ارتدت عباءاتها وحملت معها بعض أغراضها على عجالة.. وركبت معه.. كانت تشعر بحرج عميق أن تركب جواره ويكون هو من يسوق السيارة
ولكنها بلعت حرجها طوال الطريق حتى وصلا لبيته..
حينها همس لها عمها بحنان موجوع: انزلي يأبيش..
همست جوزاء باختناق: عمي تكفى أنا ما أبي عبدالله.. تكفى طلقني منه..
عدني مثل عالية بنتك.. أنا وعبدالله العشرة بيننا مستحيلة..
بدا كما لو أنه يغالب عبرات سدت حلقه ومع ذلك أجابها بحزم: ربي خلصش منه يأبيش
عبدالله يطلبش البيحة.. وأنا أبيش تحادين هنا في بيتش..
حينها شهقت جوزاء بعنف.. شعرت كما لو كان مبنى هائلا انهار فوق رأسها
شعرت كما لو كانت هي من قتلته.. وأن عمها يعلم ذلك
وإلا لماذا يقول أن ربها خلصها منه.. إلا إن كان يعلم أنها دعت عليه
وخصوصا أنها أخبرته الآن أنها لا تريد ابنه
أي مسلسل للعذاب لا ينتهي هذا.. أما لعذابها من نهاية!!
مرت أيام العزاء عذاب لا يوصف على جوزاء
كان يكفيها أن ترى حال أم صالح حتى تنهمر دموعها سيلا لا يتوقف..
شعرت أنها هي من حرمتها منه
أنها وجه النحس عليه كما يطعنها خالاته باتهاماتهن المبطنة..
كانت حالة أم صالح مزرية تماما.. لا تجهد حتى على الوقوف.. وكانت هي ونجلا من يتبادلن المبيت والبقاء ملاصقتين لها
وخصوصا أن الجميع اتفقوا على عدم إخبار عالية بشيء..
بعد ذلك جوزاء باتت ترفض أن تبقى نجلا مع أم صالح لأن نجلاء مشغولة بطفلين وليست حملا للمزيد
لذا تولت جوزاء مسؤولية أم صالح بالكامل..
ولم تخبر أحدا بحملها الذي تأكدت منه...
ولكن حتى رعايتها المتفانية لأم صالح رغم كل جروح قلبها النازف لم تسلم من تعليقات خالات عبدالله
ورغم كل ذلك فإن أكثر ماكان يؤلمها هو نظرات أبي صالح حينما يدخل عليها ويجدها بجوار أم صالح ..
أ كانت نظرات عتب أم لوم أم اتهام ؟!!
حينما تحسنت صحة أم صالح.. رجت جوزاء عمها طويلا أن يسمح لها بالعودة لبيت أهلها.. ولكنه رفض
أ كان يريد أن يتأكد من تعذيبها وتقييدها في هذا البيت الذي يذكرها بأبشع ذكرياتها؟!!
لم تعلم مطلقا أن هذا الشيخ كان يظن أنه ببقائها أمام عينيه يريد أن يعوضها عما فعله ابنه بها
أراد أن يتأكد أنه لن يلحقها ضيم أو ضيق حتى تنتهي من عدتها التي طالت طويلا مع الحمل..
خبر حملها بعث في قلب أم صالح سعادة عميقة.. وغمغمة غامضة من أبي صالح..
جوزاء ظنت أنه لا يريدها أن تنجب ابنا من ابنه بينما هي وجه النحس عليه..
شعور جارح جديد اُضيف إلى عشرات المشاعر التي امتلئت بها روحها صديدا مرا
تمنت جوزاء بعمق ألا تنجب ولدا.. لم تكن تريد ولدا حتى لا يُسمى باسم عبدالله كما هي العادة
مرت أشهر الحمل ثقيلة طويلة متطاولة مثقلة بالمرارة.. كل شيء في بيت أبي صالح كان يجرحها ويؤلمها ويثير أسوأ ذكرياتها..
كانت تخشى بشدة ألا تحب مولودها لأنه ابن عبدالله.. ولكن هذا الظن انهار تماما حين حملته للمرة الأولى بعد الولادة مباشرة
حينما نظرت ليديه الصغيرتين لبشرته المزرقة المتغضنة..بكت بشفافية حزينة.. شعرت أنها خُلقت لتكون أما لهذا المخلوق الضئيل
بكت لأنها ظنت مجرد ظن أنها قد تكرهه.. كيف تكره هذه الروح العذبة.. كيف تكره عصارة روحها ونبض أيامها وكل مستقبلها؟!!
سعدت كثيرا حين سماه عمها باسم حسن.. رغم أنها بعد أنجبته لم تكن لترفض أن يسمى بأي اسم حتى لو كان عبدالله.. يكفيها أن يبقى في حضنها
أما كان من أكثر ما جرحها بالفعل خلال الفترة الماضية أنها اضطرت أن تعتذر عن دراستها..
وكما هو القانون في جامعة قطر يحق لها الاعتذار عن ثلاثة فصول دراسية
وخلال حدادها الطويل اعتذرت إجباريا عن فصلين...
ومن أجل ابنها الذي انجبته للتو اعتذرت عن الفصل الثالث..بعدها لم تستطع العودة..
صديقاتها تخرجن.. وهي أصبحت مثقلة بالمرارة عدا عن اهتمامها الشديد بولدها وكونها لا تريد تركه ولا لدقيقة واحدة
لتضيع كل فرصها في إكمال دراستها..
احتسبت كل ذلك عند ربها.. وهي تعود لبيت أهلها..
ولكن الفتاة البريئة الشفافة التي خرجت من البيت قبل حوالي عام
غير الأنثى المعقدة المليئة بالأفكار الملتبسة وانعدام الثقة التي تعود اليوم..
أصبحت حادة.. ولسانها حاد ومتحفز.. حتى خالات عبدالله نورة وسلطانة حينما كن يأتين لزيارتها أيام نفاسها
كانت تعرف دائما كيف تجرحهن أو تحرجهن في انتقام متأخر ما عاد له نكهة..
ولكنها أصبحت ممن يؤمنون (أن الانتقام وجبة يُفضل تناولها باردة)..
بعدها توقفن عن زيارتها واكتفين برؤية حسن الصغير حينما يأتي في زيارات لجدته..
مضى منذ ذلك الحين ثلاث سنوات وثلاثة أشهر هي عمر حسن..
حسن الذي بات هو رقم واحد في كل شيء في حياتها
**************************************
هناك على الجبهة الآخرى.. جبهة عبدالله
فيصل غادر صالحا لينجز بعض الإجراءات..
وصالح بقي جالسا ينتظر استيقاظ عبدالله الذي اقترب موعده..
حينما بدأت الأجهزة الحيوية تعطي إشارات عن انتهاء مفعول المخدر وعودته لوعيه
أعطى الطبيب إشارة لصالح.. ثم تأخر للزاوية وجلس وجهاز استدعاء الأمن في يده..
عبدالله فتح عينيه ببطء..
ثم كانت ردته التالية المفاجئة غير المتوقعة مع تأثيرات المخدر أنه قفز واقفا وهو يصرخ بالانجليزية: أين القذرة؟؟ أين هي؟؟
ثم توجه ركضا للباب لولا اليد القوية التي شدته بقوة وثبتته على الحائط..
كان عبدالله على وشك توجيه لكماته لمن ثبته لولا الصوت الذي لم يتوقع سماعه ولا حتى في أعذب أحلامه
صوت صالح يصرخ به في حزم: اذكر الله يارجال.. اذكر الله
قول لا إله إلا الله..
كانت يدا صالح الاثنتين تثبتان كتفي عبدالله للحائط وحينها وقعت العين في ألم العين
الشوق بارتدادات الشوق ..
الوجيعة بنداءات الوجيعة..
عاصفة من الخدر اجتاجت عظام عبدالله الذي كان ثائرا لأبعد حد.. شهق رغما عنه وهو يرى صالح هنا
لم يخطر في باله ولو لثانية واحدة أنه قد يرى أحدا من أهله بعد مرور هذه السنين
حينها ارتمى في حضن صالح وانتحب.. انتحب . وانتحب رغم أنه منذ الفاجعة التي مر بها لم تهطل من عينه دمعة واحدة
انهار جالسا وهو يشد صالح معه.. الطبيب كان يشير لصالح بعلامة النصر
لأن تعبير المريض في عرفه عن ألمه هو أول الطريق لتقبل الحقيقة
ولكن صالح لم ينتبه مطلقا لإشارات الطبيب فعقله وقلبه مع هذا المنتحب بين ذراعيه الذي بدأ يئن كأنين المذبوح: ذبحته قدامي يا صالح..
قدامي يا صالح.. شفت الروح تُسحب منه شوي شوي...
قدامي مر شريط حياته في لحظة.. أول سن طلع له وأول خطوة خطاها وأول كلمة قالها..
كل شيء خذته مني في لحظة... ما كفاها أني عشت حياتي السنين اللي فاتت أتعذب بعيد عن هلي من سبتها
كرست حياتي كلها لذا الولد.. وعقبه أشوفه يذبح قدامي ولا أقدر أسوي شيء..
وطول الليل هو قدامي.. عينه فيني.. أبي أسكر عينه بس.. ماقدرت ماقدرت..
ربطوني الكلاب مثل كلب ما منه فايدة..
وبالفعل انتبه صالح حينها لأثار الحبال الغائرة في جسد عبدالله ..التي تكشفت من عدة نواحي من روب المستشفى
ولأنه كان يحاول باستماتة تخليص نفسه أخذت الحبال تحز في جسده أكثر مع كل محاولة..
ومع ذلك استمر في المحاولة حتى بدأ جسده ينزف من كل ناحية من شدة إحكام ربط الحبال ومن قوة محاولته تمزيقها أو إرخائها دون فائدة..
صالح همس لعبدالله والعبرات تخنقه: اذكر الله.. قل إنا لله راجعون.. اللي تسويه في روحك مهوب راده..
حينها انتفض عبدالله بغضب: أدري مافيه شيء بيرده... بس أبي أخذ روح اللي خذت روحه..
صالح شده وأعاده للسرير وهو يهتف له بمنطقية: الكلبة مسجونة.. وأنت عارف إنك منت بقادر توصل لها..
خلنا نرجع لديرتنا ونطلع من ذا الديرة سالمين... كفاية اللي صار لك..
حينها انتفض عبدالله كما لو كان ينهض من غيبوبة..كأنه يكلم نفسه: أرجع الدوحة.. الدوحة.. أرجع لهلي؟؟
ثم أردف بألم ممزق من قلبه المثقل بالحزن والفجيعة: أنا ما أدري من اللي منك استلم رسالتي.. وعارف أن اللي استلمها منكم ماراح يقول للباقيين عن أني مت منتحر
لكن لو كان ابي.. أنت عارف إنه مستحيل يسامحني.. مستحيل
صالح تنهد: وهو ابي.. وابي قال لنا كلنا أنك مت في حادث سيارة..
بس الحين ماحد يدري إنك حي إلا أنا... امش معي للدوحة
بأخلي فهد يفرش مجلسي وغرفتين في البيت على السريع
وباقعد أنا وأنت هناك.. لين نمهد لابي الموضوع..
*******************************
بعد يومين
صالح أنجز إجراءات العودة.. واتصل فعلا بفهد وطلب منه أن يحاول بأقصى سرعة انهاء تشطيبات البيت على الأقل مجلس الرجال الخارجي وغرفتين من البيت
حتى لو واصل الليل بالنهار لانجاز المهمة
ثم يقوم بفرشه دون اهتمام بالمبلغ.. المهم أن يكون المكان جاهزا قبل وصوله..
وها هو الآن مع عبدالله في شقتهما المستأجرة.. بعد أن استقر وضع عبدالله.. وكان لوجود صالح معه تأثير أشبه بتأثير السحر على اطمئنان روحه..
لم يصدق أن رائحة أهله معه وتحتويه بعد جوع كل هذه السنوات وغربتها وبرودتها القاسية..
عبدالله كان ينظر عبر النافذة الكبيرة التي تطل على ميدان واشنطن سكوير.. يخطر بباله سؤال يحاول قمع نفسه عنه فلا يستطيع
فصالح طوال اليومين الماضيين أخبره أخبار أسرته بالتفصيل الممل حتى عقد قران عبدالرحمن من عالية..
ولكنه لم يخبره بوجود ابن له.. أراد أن يتمهل قليلا في اخباره
ولكن منذ معرفته أن عبدالرحمن شقيقها تزوج شقيقته والسؤال يلح عليه بإصرار.. إنها النفس البشرية العصية على التفسير!!
تنحنح عبدالله وهتف لصالح الذي أنهى لتوه اتصالا مع فهد يتأكد من سير ترتيب البيت بنبرة اجتهد لتخرج طبيعية:
صالح.. مرتي اللي كنت متزوجها.. وش صار عليها؟؟
صالح بطبيعية: أم حـ....
لكنه بتر عبارته وهو يهتف بنبرة حاول أن تكون طبيعية أيضا: تزوجت..
لم يستطع منع نفسه من الإحساس بالألم..بل بما يتجاوز الألم.. فذكراها لأسباب عميقة جدا لم تفارقه مطلقا طيلة السنوات الماضية
ومع ذلك ذلك هتف باصطناع بارع: الله يوفقها
حينه هتف له صالح: تعال اقعد جنبي وعلمني الحين بالتفصيل كل اللي صار عليك.. ووش اللي حدك على ذا كله
أظني خليتك ترتاح واجد..صار لي يومين أنا أتكلم وأنت تسمع... الحين حقي عليك أعرف كل شيء..
عبدالله جلس جواره تنهد ثم بدأ يحكي:
تذكر أكيد زواجي براكيل الله يقطع سيرتها... كنت توني مالي شهرين في أمريكا
وهي عرفت فعلا أشلون تصيدني.. كانت أكبر مني في السن.. هي كانت في الدكتوراه وأنا في الماجستير..
اقنعتني بطريقة الحيايا أنها مهتمة بالإسلام وتبي تسلم وما لقت اللي يمسك بيدها..
وفعلا تزوجتها.. كانت من شدة تمثيلها تلبس طويل وواسع وتغطي شعرها لما تكون معي
كنت كل ليلة أدرسها الإسلام.. واحاول اقنعها تعلن إسلامها.. لكنها كانت تقول تمهل علي.. أبي أسلم عن اقتناع كامل..
بعدها بالفعل حسيت إني ماني بمرتاح معها.. فيها شيء بدأ ينغز قلبي منها.. وفعلا قلب المسلم دليله..
اتفقت معها إنه مانبي عيال الحين.. لين نستقر في الدوحة..
عقبها بدأت ألاحظ عليها كلام مايعجبني عن الحوار بين الأديان والحضارات
وأن اليهود أكثر ناس انظلموا في التاريخ.. تعرضوا للظلم والمذابح ومالقوا حد يدافع عنهم.. والعالم كله مهوب قادرين يفهمونهم
كانت تحاول تجذبني لذا الأفكار بالتدريج.. مخطط طويل المدى.. لكن أنا كان يزداد نفوري منها شوي شوي.. وكل يوم كان النقاش يصير حاد بيننا على سبت ذا الموضوع
وأقول لها لو هي تبينا نستمر سوا لازم تشيل الكلام السخيف هذا من رأسها..
لحد اليوم اللي خلصت دراستي خلاص وأنا لحد الحين مهوب مستقر معها.. وندمان على تهوري في الزواج منها.. وبديت أفكر جديا في الانفصال عنها
رجعت البيت ما لقيتها.. بعدين لقيت على الطاولة أوراق لشغلها.. كنت أعرف إنها تشتغل أعمال تطوعية
لكني اكتشفت أن الاعمال التطوعية وين...
كانت في المجلس الصهيوني الإعلامي
المدام كانت من كبار المسؤولين هناك وتلعب علي..
شوي اتصالات سريعة اكتشفت إنها من أكبر أسرة يهودية لها نفوذ في أمريكا..
واسمها اليهودي طبعا راحيل..
صالح بصدمة كاسحة كان يهز رأسها رفضا: مرتك كانت يهودية..؟؟
عبدالله بألم: تخيل يا صالح ومهوب يهودية بس.. لكن صهيونية.. وتشتغل في دعم صورة الصهاينة..
حسيت صالح أني أقذر مخلوق على وجه الأرض.. حسيت أن قذارة جسمها لصقت فيني..
طلعت من البيت.. اتصلت بها وقلت لها أنتي طالق.. ووقعت أوراق الطلاق وتركتها عند المحامي ورجعت للدوحة
لكنها رفضت توقع.. وظلت تطاردني بالمكالمات.. وتقول إنها تحبني ومستحيل تخليني..
غيرت تلفوني مرتين ومع كذا كل مرة تجيبه..
المرة الثالثة تذكر.. طلعت رقم باسمك أنت... تخيل اتصلت في فهد وخذت الرقم منه.. قالت له إنها تبيني في شغل..
يعني قدرت تطلع رقم فهد.. ماكان فيه شيء يردها من اللي هي تبيه..
تذكر إلحاح إبي علي أني أتزوج وكنت رافض.. كنت خايف أتزوج ألاقيها ناطة عندي في الدوحة..
بس عقبها قلت إن شاء الله ربي ما يخيبني.. وافقت وتزوجت.. انقطعت اتصالاتها عني فترة.. وحمدت ربي
لكن عقب عرسي بشهرين اتصلت بي.. قالت لي إنها ولدت.. جابت ولد مني.. انصدمت لأنها ماقالت لي إنها أبدا أنها حامل
قالت لي لو ماجيت الحين: أنا بجي لك..
طبعا سافرت لها بسرعة.. تخيلها جاية الدوحة وتقول عبدالله آل ليث عنده ولد من يهودية..
تبي الصراحة يوم شفت خالد يجعله من عصافير الجنة... شكيت يكون ولدي.. مافيه أي شيء مني.. يشبهها بالكامل..
خليت وحدة من الممرضات تسحب لي عينة من دمه ووزعتها على ثلاث مستشفيات عشان فحص الحمض النووي
وفعلا أكدوا لي أنه ولدي...
وقتها صارت الصدمة عندي.. مثل منت عارف في الدين اليهودي مايصير يهودي إلا اللي أمه يهودية..
خفت على ولدي وقررت أهرب به منها.. واعتبرت إن هذا هو جهادي في الدنيا.. لكل إنسان في الدنيا جهاد..
أول شي قلت بأرجع به للدوحة... بس لأني عارف عنادها وخبثها.. كنت متأكد إنها بترفع قضية علي هناك... تخيل الفضيحة اللي بتلحقكم كلكم
يوم يقولون الناس ولد آل ليث مرته يهودية
قلت الحل الوحيد أني أختفي أنا وولدي.. لكن صارت المشكلة عندي أشلون اختفي.. حاولت أألف عشرات السيناريوات لحكاية موتي أنا وولدي
كان كل سيناريو فيه ثغرة إلا سيناريو الانتحار.. أدري إنه كان أمر صعب بس مالقيت غيره.. والوقت عندي ضيق
درست حالات الانتحار فوق جسر بروكلين بالذات.. كثير من الجثث مايلقونها
لأن بروكلين على إيست ريفر.. وذا النهر يصب في المحيط الأطلسي
وين الواحد بيلقى جثة سحبها المحيط وكلتها أسماك القرش
وفعلا خطفت الولد من المستشفى وخليت مع ثيابي رسالة لكم وجوزاي القطري
وخليت مع ثيابه رسالة لها: أني أفضل ولدي يموت معي ولا إنها تربيه على دينها..
والله العظيم فكرت وقتها أقول لها هي اني انتحرت.. وانتوا أبلغكم موتي بطريقة ثانية.. بس الطريقة هذي كان فيها ثغرة كبيرة بتكشفني
لأنها أكيد أول شيء بتسويه بتسأل في السفارة..
فما لقيت لي حل غير الانتحار... يظنوني الناس مت منتحر أهون علي من إن ولدي تربيه يهودية.. وإلا تفضحني بين ربعي وجماعتي
كانت الخطوة الثانية اللي حست فعلا أنها من رحمة ربي بي إن ماحد انتبه لها.. كانت جنسيتي الأمريكية
راكيل كانت قدمت لي على القرين كارد اللي يأهل للجنسية الأمريكية.. بس أنا ما اهتميت بالموضوع.. ولما كنت في الدوحة بعثوا لي إيميل إن إجراءات الجنسية انتهت
جيت واستلمتها.. ثم رتبت لي سكن في بورتلاند بعيد جدا عن مكان راكيل
وأضفت الولد لي
وبديت حياتي هناك... حياتي كلها كانت خالد ماعندي شيء غيره
كنت أقول أبي أربيه مثل ما ربانا أبي...
بس جات هي مثل حيه ما أدري أشلون دلت طريقي..
ما كفاها أني من سبتها عشت أتعذب بعيد عن ديرتي وهلي..
صالح أنت ما تخيل السنين اللي طافت أشلون عذاب بالنسبة لي..
ماشربت فنجال قهوة إلا وأتذكر أمي وأحس مرارة الفنجال وقفت في حلقي..
ما أشوف شايب يتعكز على عصاه إلا أقهر نفسي لأقوم أحب كتفه وإيديه
ما أشوف بزران صغار إلا ويطرون علي عيالك..وأموت أبي أضمهم أقول يمكن أشم ريحتك فيهم..
ما أشوف حد مسرع في سيارته إلا ويطري علي فهد.. وما أشوف شاب صغير إلا ويطري علي هزاع..
لا شفت حد يضحك.. طرت علي عالية ومقالبها.. كل شيء مهما كان تافه وبسيط يذكرني بكل واحد منكم..
وأنا أشرب حسرتي كل يوم ألف مرة
تدري يا صالح إني في كل عيد كنت أتصل في البيت.. أبي أسمع صوت أي حد منكم..
احترق من أقصاي لين أقصاي يوم أسمع صوت أمي ترد ولا أقدر أرد عليها
وعقب ذا كله تدل الحية طريقي.. ذا اللي سويته كله في النهاية ما جاب نتيجة
استغربت إنها ما بلغت الشرطة علي.. كل يوم كانت تنط عندي.. وقالت للولد أنها أمه.. ويوم درت أنه حافظ قرآن عصبت وهددتني تأخذه مني
كنت خايف تنفذ تهديدها.. والقانون معها وأنا بانسجن وهي بتأخذ خالد مني..
كل يوم كنت عايش في رعب من ذا السالفة
لين.. لين................
صمت عبدالله.. ماعاد قادرا على الاكمال..سدت العبرات حلقه.. شد صالح على كفه : بس يأخيك بس
خلاص يكفي يكفي...
قوم معي نروح للسفارة عندي كم شغلة هناك..
عبدالله شعر أنه مستنزف من الحديث تمدد على الأريكة وهمس لصالح روح أنت.. أنا تعبان.. أبي أنام شوي
تمدد عبدالله وعقله يطوف به إلى ذكريات أشعرته بكثير من الألم.. والشجن.. والندم...
*****************************************
قبل أربع سنوات وشهرين.. ليلة زفاف عبدالله وجوزاء
" لماذا أبدو أبلها و(غشيما) رغم أني لست واحدا منهما
فلست بالأبله ولا الغشيم
وليست هذه بالتأكيد هي تجربتي الأولى في الزواج
ولكن لم أتوقع مطلقا أنها قد تبدو طاهرة ونقية إلى هذه الدرجة الموجعة
أشعر بطهارتها تحيط بها كهالة..
أ مثل هذا الجسد الطاهر يقذر ببقايا نجاسة راكيل التي لم أكن حتى الرجل الأول في حياتها؟!
ألا أخاف الله في مثل هذه الروح النقية أن أطبعها بسواد روحي
يا الله ألهمني الصواب
ألهمني الصواب "
يحاول ألا ينظر إليها.. يشعر أن حتى مجرد النظر لها ليس حقا له..
ولكن نظراته رغما عنه كانت تتجه ناحيتها وتترصدها كبوصلة لا تستطيع تغيير اتجاهها عن الشمال
كان ينظر بشغف غريب لارتباكها.. توترها.. خجلها الرقيق.. ارتعاش فكها.. فركها لأناملها
لكن ما أن يشعر أنها تكاد ترفع بصرها حتى يوجه بصره إلى أي مكان عداها
وحين تعود للنظر ليديها المشبوكتين في حضنها يعود لترصدها
يشعر كما لو كان يعود مراهقا ..وهذه الطفلة تعبث به بطريقة غير معقولة ولا مفسرة
لم يظن ولا حتى للحظات أن هذه المشاعر الغريبة ستغزوه..
كان يظن أنه وافق والده وسيتزوج كما يتزوجون الآلاف.. بينهما الاحترام.. ينشئان أسرة.. ويربيان الأولاد..
لم يخطر له ولو لثانية أن هذه الأفكار الغريبة في مشاعرها.. في مثاليتها.. ستغزوه بهذا العنفوان... ومن مجرد النظرة الأولى..
بينه وبينها سبع سنوات.. يشعر بها كطفلة.. فليس بينها وبين صغيرته عالية سوى عام واحد..
يشعر أن بين جوانحها قلب طفلة طاهر لم يمس..
كره أن يؤذيها أو يجرحها.. أو ينجس طهارتها بأي صورة
شعر أنه مقارنة بها مخلوق مدنس.. قذر.. لا يستحق شرف ملامسة جسدها ولا حتى مشاعرها
قرر أن الطريقة الأسلم هي في التمترس خلف بروده.. ألا يتواصل معها بأي صورة
حتى تصفو الرؤية أمامه ويرى ماهو فاعل..
وهو غارق في أفكاره.. سمع همسها الرقيق: لو سمحت..
لم يستوعب حتى سمع ذات الهمس يتكرر بارتجاف مختنق: لو سمحت
انتفض دون أن تظهر انتفاضته للسطح.. (أ تتكلم هذه أم تغرد؟!!)
رد عليها بهدوء ظاهري عميق يختلف عما يمور داخله: نعم؟؟
ردت عليه باختناق عظيم آلمه لأبعد حد: أبي أروح للحمام لو سمحت..
تأثر بشدة إلى أنه أضطرها إلى إحراج نفسها بهذه الصورة.. هتف لها بأقصى نبرة احترام استطاعه عله يعوضها عن إحساس الحرج:
سامحيني.. المفروض سألتش من أول مادخلنا تبين شيء
تفضلي الحمام من هنا
تبين مساعدة؟؟
همست له باختناق شعر أنه يذيب قلبه بصورة غير معقولة: لا شكرا ما أبي مساعدة..
كان فعلا يحاول ألا ينظر لها.. لا يعلم متى أصبح بارعا بالتمثيل هكذا.. في الوقت الذي كان يبدو لا ينظر لناحيتها كان يقتنص غضها لبصرها بعيدا ليلتهمها هو بنظراته..
كأنه يكتشف عالم النساء لأول مرة.. فأي سحر تحتويه هذه الصغيرة؟؟ أي سحر غير متصور وعصي على كل تفكير؟!!
تابعها بنظراته وهي تتعثر في خطواتها لناحية الحمام...
حالما دخلت سمح لنفسه بإطلاق تنهيدة طويلة.. وهو يقفز ناحية شرفة الجناح ويخرج للهواء الطلق
رغم أن الجو كان حارا حينها ومثقلا بالرطوبة.. إلا أنه كان بالفعل بحاجة لهواء طبيعي..
شعر مهما كانت الحرارة لاهبة.. فهي لا تقارن بالحرارة التي شوت جسده ومشاعره في الداخل..
استند على حاجز الشرفة وهو ينظر للبحر..
" ما هذا الذي يحدث لك يا عبدالله؟؟
ماذا يسمون ما يحدث لك؟؟
تبدو كما لو كنت مراهقا يرى امرأة للمرة الأولى في حياته
أي سحر في هذه الجوزاء؟؟
سوى كونها الجوزاء نفسها؟؟
لها من أسمها كل النصيب... نجمة عالية في السماء
ارتفعت عن أدناس الأرض وقذارتها.. ولأنها شيء سماوي رفيع
فما شعرتُ به هو على مقدار سماويتها وارتفاعها
أ مثل هذه تقارن براكيل أو سواها؟؟
أ مثل هذه تكون الزوجة الثانية في حياة رجل بينما يجب أن تكون الأولى والوحيدة"
عبدالله بعد أن شعر أن عرقه تصبب غزيرا من كل أنواع الحرارات التي اغتالت جسده في هذه الليلة
قرر أن يستحم.. توجه للحمام الآخر.. استحم.. وقرر أن يصلي قيامه..رغم قلقه من تأخرها.. ولكنه كان محرجا من اقتحام خصوصيتها
لذا قرر تركها كيفما تشاء..
سمع صوت الباب يُفتح وهو مازال يصلي.. استمر في صلاته..
وحينما انتهى كانت تجلس على سجادتها.. شعر بحنان عميق يغمر قلبه ناحيتها
كانت تبدو مرهقة محرجة.. وعذبة لأقصى أقصى درجات العذوبة..
تنهد في داخله تنهيدة بحجم الكون ربما.. وهو يتجه ليجلس على الأريكة
حينها سمع همسها الرقيق: ماحنا بمصلين سوا ركعتين؟؟
آلمه قلبه بشدة أنها لم تنسَ.. أنها تحلم بالفعل بحياة طبيعية مع مخلوق ماعاد طبيعيا.. غام وجهه حزنا وهو يهتف لها بنبرة محايدة: قومي نصلي
حينما انتهيا من الصلاة.. دعا عبدالله بعمق أن يلهمه الله الصواب.. ألا يؤذيها أو يجرحها بأي صورها..
حينما نهضا عن سجادتيهما.. كان عبدالله يراقب حركاتها المتوترة الخجولة.. وهي تخلع جلال الصلاة وتطويه بدقة.. كأنها تفرغ ارتباكها فيه
تعدل شعرها بارتباك..ثم تعود لتجلس أمامه..
عبدالله زفر بداخله (أوف وش ذا التعذيب؟؟)
كان شكلها الحالم تعذيبا حقيقيا له ولرجولته.. بدت في عينيه أكثر من موجعة في رداءها الملكي الأبيض الذي كان يكشف بدقة راقية عن تفاصيل جسد بالغ المثالية..
هذه المرة لم ترفع عينيها مطلقا.. طوال جلوسها أمامه وهي تدعك كفيها بارتباك وعقلها يطوف بها لا يعلم إلى أين..
بينما كانت عيناه تترصدها بدقة.. بدءا من صندلها الحريري الأبيض في قدميها الناعمتين وصولا لعناق شعرها مع نحرها في صورة بدت له غاية في الإبهار
وهي تحرص بين الفينة والأخرى على شد جيب روبها لتتأكد من سترها لصدرها وحركتها الخجولة تصيبه بما يشبه الحمى..
بقيا على هذه الحال حتى صليا الفجر... حينها توجهت هي لتنام على السرير..
بينما بقي هو على أريكته عاجز عن النوم.. عاجز عن الفهم.. عاجز عن السيطرة على دقات قلبه التي أعلنت العصيان عليه
وكأنها تتنتقم منه على خطيئته في زواجه من راكيل..
*******************************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر
أنا متيم بها... هكذا ببساطة..
ومنذ اللحظة الأولى التي عانقت عيناي محياها الخجول
لا أعلم كيف حدث هذا ولا بأي صورة
في أحيان كثيرة أشعر أن هذه هي عقوبة من الله عز وجل أنني خالفت عقلي وفطرتي اللذين كانا ينهياني عن راكيل
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس..)
كان يجب أن أعلم أن زواجي من راكيل هو أثم.. لأني خشيت أن يعرفه الناس
لو أنه كان صوابا لم أكن لأخشى أحدا
وأعلم الآن أن الله عز وجل غاضب علي لأنه لم يبتليني بحب جوزا فقط ولكن منعني أن أمد يدي إليها
وجعل منعي لنفسي ينبع من نفسي ليزداد عذابي أكثر..
أكاد أجن من رغبتي فقط في وضع عيني في عينيها .. أريد فقط أن أضمها لصدري
أشعر بأنفاسها في حناياي.. أتلمس خصلات شعرها.. حرير خديها..
ولكن كل هذا يبدو بعيد المنال...
يستحيل أن أرتكب هذه الجريمة في حقها.. كل يوم يمر يثبت لي مقدار طهارتها وبراءاتها التي لم أتوقع لها نظيرا على سطح الأرض
منذ زواجنا وهي تستميت في لفت انتباهي..
أريد أن أصرخ فيها.. لا تحاولي لفت انتباهي.. لأنكِ أشعلته اشتعالا
بت ألاحظ تغييرها لنوعية لباسها.. ولست جاهلا لأعرف سبب هذا التغيير
فهذه الطفلة العذبة تشك في رجولتي.. وحرصا على مشاعري لا تريد أن تضايقني بلباس قد يبدو كدعوة ما..
ألم أقل أن عذوبتها وبراءتها لا حدود لها؟!!
بعد هذا الشهر الذي كان عذابا متواصلا وأنا أمثل التجاهل والبرود بينما أنا أشتعل بكل معنى الكلمة
قررت أن هذه الطريقة في تجاهلي لها هي الأسلم حتى تمل وتعود إلى أهلها دون أن أدنس جسدها أو روحها
أن ننفصل بطريقة ودية تحفظ احترامها لنفسها واحترامي لها
فكرت أن أكون قاسيا حتى أضايقها تعجيلا بذهابها لأهلها
ولكني لم استطع لم أستطع..
لا أستطيع أن أقسو عليها بأي صورة..
من يستطيع أن يقسو على ملاك مثلها..؟؟
أصبحت الآن كل أمنيتي هي أن تذهب لأهلها قبل أن أفقد ما تبقى من عقلي
أعلم أن ذهابها سيكون صعبا علي.. ولكن مهما كان صعبا سيكون أهون كثيرا من وجودها أمامي (شوف وحر جوف)
مثل هذه الليلة تماما التي تمثل حالنا طيلة الليالي الماضية
.
.
وقفت أمام باب الغرفة لعدة دقائق وأنا أدعو الله أن يلهمني الصبر
وأحاول أن أتلبس وجه الجدية واللا مبالاة الذي أرسمه بمهارة كل ليلة
سلّمت
فردت.. ثم همست لي بسؤالها الليلي الذي لا أعرف ماذا تقصد به حقا.. فربما كان يجب أخر ما تهتم به هو هل تعشيت؟؟
وأجبتها إجابتي الليلية المعتادة: متعشي في المجلس
واهتمامها بي تجاوز مجرد سؤالي عن هل تعشيت أو تغديت.. كالشيء الوحيد الذي تستطيع أن تسألني عنه بغير حرج
فهي تهتم اهتماما بالغا بكل ما يخصني.. ملابسي.. متعلقاتي الشخصية.. وحتى أحذيتي..
تتفانى في كل ذلك لأبعد حد.. وأجدني عاجزا حتى عن قول كلمة شكرا لها
أو حتى أرجوك توقفي عن ذلك.. فأنا لا أستحق اهتمامكِ
الليلة كانت مبهرة تماما.. أنثى حقيقية تتدثر بالغموض الأسود المثير المسبب للهلوسات
فهل هناك من هي مثلها جمعت الطفولة والأنوثة من أقصى طرفيها؟!
أجبرت نفسي على غض البصر
وهل هناك مصيبة أعظم أن يغض الرجل عينيه عن حلاله؟!
صليت قيامي وأنهيت وردي.. وهي جالسة في مكانها.. صامتة.. شاردة.. ساحرة.. موجعة..
ابتلعت تنهداتي.. حتى تصبحين على خير لم أستطع قولها وأنا أندس في أريكتي التعيسة وأوليها ظهري وأنا أعلم أن النوم هو حلم صعب المنال...
*****************************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر ونصف
الليلة يحدث شيء غير طبيعي
فلأول مرة منذ زواجنا تقاطع جوزا تمثيلية النوم التي أمثلها كل يوم
كنت قد تمددت حين سمعت اسمي الذي يذيب عظامي حين أسمعه منغما بين شفتيها: عبدالله
جلست معتدلا وأنا أهتف لها باحترام أجدني مجبرا عليه تجاهها: نعم..
شعرت أنها طعنتني في عمق قلبي وهي تهمس باختناق: عبدالله فيه شيء مضايقك مني؟؟
حينها حاولت أن أبتسم رغم أني شعرت أن قلبي يُعصر : ومن قال لش أني متضايق منش..؟؟
هل حقا تحاول منع نفسها من البكاء أم يخيل لي ذلك : ما يحتاج حد يقول.. تصرفاتك تقول وزود..
عبدالله أنا والله ما أبي منك شيء.. أبي منك بس تحسسني إني إنسانة عايشة معك
ترا تجاهلك لي بذا الطريقة يعذبني
أنا ماني بحجر ما يحس.. وخلاص ماعاد فيني طاقة أستحمل أكثر من كذا
ما تبيني يا ابن الناس.. فالله عز وجل قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
مافيه شيء يحدنا على ذا الحياة..
كلماتها كانت كحراب مسنونة رشقت في أعماق روحي.. لم أتخيل أنها تحمل في داخلها كل هذا الألم
ولكن أ ليس هذا ما أردته .. أن أضايقها حتى تعود لأهلها.. لذا وجدتها فرصة أن أقترح عليها ذلك.. لأريحها وأرتاح:
شكلش أعصابش تعبانة.. تبين تروحين عند أهلش أسبوع وعقب أرجعش.. ماعندي مانع
آلمتني صدمتها البريئة: وهذا هو الحل عندك؟؟ زين ورحت أسبوع ورجعت.. نرجع لنفس موال حياتنا هذا
عبدالله احنا ما بيننا أي تواصل.. حتى الكلام ما تكلمني.. ليش أقعد عندك..
أنا لو رحت لهلي.. ما ابي أرجع هنا خلاص..
تنهدت وجعي.. (ليس لدي حلا سواه يا أميرتي) : يا بنت الحلال روحي أسبوع لهلش ريحي أعصابش.. وما يصير إلا خير..
بدا لي أن كل شيء انتهى... وحياتي القصيرة معها التي كانت كحلم عذب مرير أوشكت على النهاية
شعرت بألم لا حدود له وأنا أخذها إلى بيت أهلها وأقرر أنني لن أعود لأخذها مرة أخرى
سأنتظر شهر أو شهران قبل أن أطلقها..
كنت أرى وهي تدلف لبيت أهلها وكأنها تنتزع روحي معها وتذهب بها معها..
طوال ذلك اليوم كنت في غير وعيي.. أشعر كما لو كنت مخدرا.. يسير متخبطا
أشعر بصداع مؤلم.. وأشعر كما لو أن هوة لا قرار لها سكنت يسار قفصي الصدري..
حتى صالح وفهد كلاهما لاحظا شرودي وحالتي غير الطبيعية
يسألاني مابي.. فأجيبهما: لا شيء.. مرهق قليلا في العمل
ماذا أقول لهما.. هل أقول لهما أخوكما عاشق أبله.. حُكم عليه بالهوى ليتعذب عذابا مُستحقا؟!!
تلك الليلة كرهت أن أعود لغرفتي.. قضيت الليل ساهرا.. في المجلس.. ثم بعد ذلك خرجت مع فهد ودرنا قليلا في الشوارع..
ولكن حرارة الجو.. أجبرتنا على العودة.. صليت الفجر.. ثم وجدت نفسي مجبرا على العودة..
فجسدي وعقلي كلاهما كانا يئنان من الإرهاق..
حين دخلت الغرفة.. كنت أحاول أن أغض بصري عن كل شيء يثير ذكراها
وإذا بغض البصر نفسه يذكرني بها وبحالي معها
أغراضها مازالت منثورة في المكان.. كل شيء هنا بات يحمل رائحتها وبصمتها
كل شيء هنا يحز في عروقي لتنثر دمي اشتياقا لها
قلت لا بأس.. سأعاني لعدة أيام وبعد ذلك سأعتاد غيابها..
فإذا بي أتفاجأ بنفسي في الليلة التالية أقف في باحة بيت أهلها أنتظرها وأطلب منها أن تنزل لي
أي جنون أرتكبه في حق نفسي وحقها؟؟
أ بعد أن خطوت الخطوة الأولى في سبيل تحريرها مني.. أعاود تقييدها لأسري مرة أخرى؟؟
كانت المسألة ستتعقد وبدا أن والدها يرفض مغادرتها في هذا الوقت المتأخر
بينما أنا شعرت أنني سأموت فعليا إن لم أراها الليلة
آلمني حزنها الشفاف الذي شعرت به يتسرب من حناياها وهي تركب جواري صامتة لأعيدها إلى سجنها بقربي أنا الكاذب الصامت المحترق
عدنا إلى غرفتنا صامتين
اكتفيت فقط بوجودها معي في نفس المكان.. لا أريد المزيد أبدا
كوني معي فقط .. أرجوكِ
*********************************************
بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهرين وقبل سفر عبدالله بثلاثة أيام
كعادته كل ليلة وقف أمام الباب يدعو الله أن يقوي عزمه
ولكنه حينما دخل فوجئ أنه لا حاجة لتقوية العزم
لأن مشتتات العزم المعتادة كانت نائمة
استغراب عبدالله قفز للذروة.. وحزن شفاف خالج روحه وأنفاسه
(خلاص مليتي ياجوزا..؟؟ خلاص رفعتي الراية البيضاء؟؟
خلاص شفتي مافيني رجا؟؟!!)
شعر بألم أقرب للاختناق الذي جعل أضلعه تطبق على رئتيه..
دخل للغرفة
كانت الأضواء مطفئة عدا ضوء خافت بقرب الأريكة..مكانه المعتاد.. وكأنه تريده أن يتعرف على مكانه وسط الظلام
تقدم للداخل.. نظر ناحيتها.. كانت تغطي جسدها كاملا.. عدا عن الظلمة التي تحيط بالسرير
توضأ.. صلى.. وقرأ ورده المعتاد.. حاول أن يتمدد على أريكته.. ولكنه لم يستطع.. كيف ينام وهو لم يراها حتى؟؟
قرر أن يجلس في المجلس حتى صلاة الفجر..
نزل.. ولكنه ما أن وصل إلى أسفل الدرج حتى عاد مرة أخرى
وكأن قوة قاهرة تجبره على العودة
قوة تفوق قوته على الاحتمال والصبر..
عاد لغرفته..
(أريد أن أراها فقط.. فقط أراها!!)
توجه إلى السرير ليندس جوارها بهدوء.. وهو يشعل الضوء الخافت بجوار السرير
كانت توليه ظهرها.. وشعرها ينسدل على وجهها..
مد يده.. ثم عاد ليكفها..
يشعر أن هذه اليد النجسة لا يحق لها ملامسة هذا المحيا الطاهر..
ومضت له عدة دقائق وهو على هذا الحال. يمد يده.. ليعاني ألما مبرحا وهو يقهر نفسه ليكفها..
حينها تمدد جوارها وهو يستند على كفه..
تنفس عطرها الرقيق العذب من قريب.. كان كلما شدَّ له نفسا كلما شعر بألم فعلي يتصاعد بين طيات قلبه
نغزات قوية كانت تخترق قلبه معلنة احتلالا من نوع جديد.. ماعاد له طاقة على دفعه..
يشعر بما يشبه الدوار..وقربها يسكره بطوفان مشاعر لا يعلم أ رحمة هي أم عذاب..
قرب أنفه من عنقها وهو يرتجف كالمحموم.. ثم عاد للتأخر حين رأى انها تحركت بخفة..
عاد ليمد يده ليزيل شعرها عن وجهها وعنقها لكي يراها بوضوح
حينها شعر بارتجافها وهي تفتح عينيها برعب ثم تلتفت ناحيته وتهمس باختناق:
فيه شيء عبدالله؟؟
"بماذا أجيبها؟؟ ماذا أقول لها؟؟
هل أقول لها أنكِ أصبتني بالجنون؟؟
هل أقول لها أنني معكِ ومن أجلكِ تعلمت الحب كيف يكون؟؟
هل أقول لها أنني لم أؤمن بوجود أسطورة الحب حتى رأيتكِ؟؟
هل أقول لها أن ما يحدث بيننا ليس عادلا ولا منصفا؟؟
ولكن متى كان الحب يعرف العدل أو الإنصاف؟؟
هو هكذا ينتزع الإنسان بلا هوادة بلا رحمة بلا تفسير
.
وفي الختام لم أقل لها شيئا
أكتفيت بالنظر لعينيها اللتين أرهقني الاشتياق للثم رموشهما
اكتفيت أن أشدها لصدري المحترق ألما
اكتفيت أن أشعر بارتعاش جسدها الغض بين ضلوعي
وأنا أذوب لها حنانا هامسا : لا تخافين.. ماني بجابرش على شيء
.
ولكن أ حقا لم أجبرها
قد يبدو ظاهرا أني لم أجبرها.. وكل شيء تم برضاها
ولكنها لم تكن سوى قلب طاهر لا يعرف التلون استجاب لنداء عواطفي
أنا ضغطت عليها بدون أن تشعر
كان يجب أن أمنع نفسي.. فمثلي لا يستحق مثلها
لذا حينما ذهبت السكرة وحلت الفكرة وجدتني أصرخ بها غاضبا من نفسي ومن حقارتي: قومي اسبحي الحين..
كم آلمني رؤية جزعها الطفولي وهي تضم أطراف رداءها وتهمس بحرج عميق: أكيد بأسبح الحين بدون ما تقول
ولكني كنت لا أرى من الغضب.. شعرت أنها يجب أن تسرع بتنظيف جسدها من قذارتي..
يجب أن تسرع قبل أن ينطبع سواد روحي على بياض روحها
لذا استمريت بالصراخ الغاضب: مهوب بس تسبحين.. تفركي عدل.. قطعي جلدش تفريك.. طلعي جلد جديد لو تقدرين..
حينها شعرت أنها نحرتني حين رأيتها كقطة مبللة أخذت تتشمم جسدها وشعرها وهي تهمس باختناق تكاد تموت فيه حرجا: عبدالله والله ريحتي مافيها شيء
توني تسبحت قبل أنام وتعطرت وتبخرت.. والله ريحتي مافيها شيء.. مافيها شيء.. عشان تنقرف مني بذا الطريقة
حرام عليك تقول لي كذا...
صمتت مفجوعا.. بينما قفزت هي تبكي للحمام.. كيف خطرت ببالها هذه الفكرة المريعة..
سأظل حتى أموت اقول أنها كتلة مجردة من البراءة
وإلا من يخطر بباله فكرة مريعة كهذه..
أ تنسب كل شيء لنفسها.. حتى قذارة الآخرين؟!!
أ يكون أول ما يخطر ببالها أن تعيب نفسها بينما هي مبرأة من العيوب والعيب كله عيب سواها "
عبدالله انتظرها مطولا حتى تخرج.. ربما قضت ساعات في الحمام
وحين خرجت صدمه منظرها.. احمرار وجهها وعينيها
شعر فعلا أنه يتمزق من الألم من أجلها..
حاول أن يكلمها رغم أن كل الكلمات تموت على شفتيه
ولكنها لم تمنحه الفرصة حتى للكلمات الميتة
تناولت سجادتها وخرجت لغرفة عالية
وتركته خلفها مثقلا بالجراح..
قرر تركها تهدأ قليلا.. ولكن يستحيل أن يتركها مجروحة أو متألمة هكذا
بعد صلاة الفجر.. توجه لغرفة عالية
ولكنها رفضت أن تفتح له
قرر أن يتركها ترتاح مزيدا من الوقت على أن يكلمها في الصباح
ولكنها طوال ذلك اليوم ظلت تتحاشاه
رغم أنه لم يغادر البيت محاولا اقتناصها
كل ساعة تمر وهو يعلم أنها مجروحة منه.. كانت تزيد في ألمه..
لم يكن مطلقا هشا هكذا.. بل كان دائما أقرب لصلابة الشخصية الشديدة المغلفة بالدبلوماسية
لكن هذه الصبية قلبت كيانه تماما.. جعلت قلبه يذوب كذوب الماء من أجلها
اتصل لها عدة مرات ولكن هاتفها كان مغلقا
ولأنها بريئة وتفكير الأبرياء دائما يسير في طريق مستقيم
فهو عرف تماما ماذا ستفعل.. علم أنها ستنتظر نوم الجميع لتذهب لغرفة عالية
لذا قرر أن ينتظرها هناك..
ليباغتها هناك يقلب أوراقها ويجبرها أن يذهبا لغرفتهما ليتناقشا..
حين وصلا لغرفتهما.. همست له جوزاء بألم مزق حناياه الذائبة لأجلها : عبدالله تكفى أنا ما أبي أسمع منك شيء
أي شيء بتقوله بيزود علي.. ماراح يحل شيء بيننا
عبدالله حينها شدها وأجلسها ثم جلس جواره.. تناول يدها ليحتضنها بين كفيه.. ولكنها شدتها منه بعنف
يعلم أن الحق معها.. وهو يعلم أن الوضع معقد بينهما.. والتفسيرات قد تجرح أكثر مما تداوي
شبك يديه وهو يهمس لها بهدوء عميق: وانا ماني بقايل لش شيء.. بس أبي أطلب منش تصبرين علي شوي.. بس شوي
أدري إني غريب وتصرفاتي غريبة.. وادري إني جرحتش واجد.. بس صدقيني كل شيء غصبا عني
حينها شهقت جوزاء بألم: جرحتني؟؟ تسمي اللي سويته فيني جرح بس؟؟
أنت ذبحتني يا عبدالله
عبدالله تكفى.. اعتقني الله يرحم والديك.. والله ما فيني أصبر أكثر من كذا
شعر أنه مخنوق.. مخنوق.. أتقول أنه ذبحها.. بينما هو مستعد لنحر روحه.. ولا تسيل من أطراف أصابعها قطرة دم
أ تقول أنه ذبحها.. بينما هو من ذبح نفسه ببعدها ثم قربها ألف مرة
يريدها.. يريدها .. يعلم ذلك.. والآن هو متيقن من ذلك تماما
جنون عودتها لمنزل أهلها ماعاد واردا إطلاقا
كل ما يريده الآن قليل من الصبر منها.. قليل من الصبر حتى يتجاوز أثار علاقته براكيل التي أثرت فيه بعمق
فهو مازال يشعر أن علاقته براكيل لوثت روحه وجسده..
يحتاج وقتا حتى يتجاوز هذا الإحساس..
تمنى لو استطاع مصارحتها بكل هذا
ولكنه يخشى ما أن يصارحها حتى تجد ذلك سببا وجيها للهرب منه..
مد ذراعه واحتضن كتفيها.. حاولت أن تنهض ولكنه منعها.. يريدها قربه.. وأقرب من ذلك لو أستطاع.. همس في أذنها بشجن عميق:
جوزا والله العظيم أني أبيش..
يعلم أنها لا تصدقه.. بدا ذلك واضحا في نبرة صوتها: واللي يبي حد يسوي فيه كذا.. عبدالله إذا أنت خايف من كلام الناس إنك تطلقني واحنا مالنا شهرين متزوجين
خلني أرجع لأهلي.. وعقب شهرين ثلاثة طلقني..
عبدالله شدها ليسند رأسها لصدره ويحتضنها بكل قوته.. تمنى لو أستطاع أن يدخلها بين ضلوعه..
أن يهرب بها من هذا العالم الذي ظلمه وظلمها..
كان يشعر برغبتها للتفلت من أحضانه ولكنه لم يسمح لها وهو يلصق أذنها بدقات قلبه
وكأنه يقول لها اسمعي هذا الخافق الذي يناديكِ وأصابه الجنون ولعا بك!!
ولم يكن يريد مطلقا إفلاتها حتى شعر ببلل ما بدأ يغرق صدره
انتفض بجزع وهو يشعر كما لو أن هذا البلل نار أحرقت جسده.. أفلتها لينظر لوجهها .. حاولت أن تشيح بوجهها..
ولكنه منعها وهو يمسك وجهها الأثير بين كفيه ويهمس بألم عميق وتأثر أعمق: تبكين..؟؟
جوزاء همست بتهكم باك من بين دموعها: لا وش أبكي هذي.. وأنت سويت شيء يخليني أبكي؟؟
تدري عبدالله قد ما جرحتني الشهرين اللي فاتو بتجاهلك لي
كان ودي تكمل تجاهلك لي.. ولا تعبرني.. دام أخرتها كذا.. وجيعتك يوم تذكرتني ألف مرة وجيعتك يومك متجاهلني..
عبدالله همس لها بعمق مجروح مثقل بالصدق والأسى: سامحيني.. ما أقدر أفسر لش شيء.. بس والله أني حاولت أمنع نفسي.. بس خلاص ماعاد فيني صبر..
جوزاء حينها بدأت تشهق بصوت عال: مافيك صبر عن جسد أنت قرفان منه.. تأخذ منه حاجتك ثم ترميه في الزبالة..
عبدالله أنتفض جزعا... (ليتكِ تعلمين.. أرجوكِ لا تبكي.. لا تمزقيني ببكائكِ) هتف لها بألم حقيقي.. أسمى صور الألم وأقساه: جوزا تكفين لا تعذبيني بكلامش ذا.. ليتش بس تدرين.... والله أني شايفش فوق ما أستاهل بواجد..
فاجأها انتفاضتها الغاضبة غير المتوقعة وهي تقف وتصرخ ببكاء غاضب: حرام عليك تمسخر علي بذا الطريقة... خلاص ما أبي أسمع شيء
قلت لك أي محاولة للتفسير بتضر وماراح تفيد
تركته لتركض للحمام.. بينما بقي هو خلفها يتنهد بعمق ووجيعة على هذا الحال غير الإنساني في ألمه بينهما
قرر أن يتوجه لمولاه يدعوه بالتفريج من عنده.. أن يشرح صدره.. وأن يصلح بينهما..
خرجت من الحمام وهو مازال يصلي.. لتصلي وتنتهي وقبله
ثم تندس في السرير حتى لا تسمع منه كلمة
حينما انتهى.. نظر لها بغضب.. يبدو أنه يجب أن يتصرف معها بطريقة أخرى.. لابد أن يجبرها على تقبل وجوده..
حتى وإن كان أخطأ.. فهو اعتذر.. ومن حقه أن تمنحه فرصة أخرى..
هل فرصة أخرى أمر صعب عليها؟؟
توجه إلى طرف السرير الآخر وتمدد عليه فهو قرر ألا يتركها تبتعد عنه بعد اليوم.. ليتفاجأ بها تقفز لتجلس بشكل حاد وهي تصرخ بألم:
لا تنام جنبي.. سريرك اللي كان شالك الشهرين اللي فاتوا مهوب عاجز منك..
عبدالله تمدد وهو يهتف بهدوء: خلاص أنا كل ليلة بأنام هنا.. تعودي على كذا
حينها همست وهي تستعد للوقوف: خلاص اشبع بالسرير بروحك..
ولكنه أمسكها بحركة سريعة قبل أن تقف فعلا وشدها إلى أحضانه.. ليدفنها فيها بكل شوقه الذي لا ينطفئ لها
حينها هزه بعنف همسها المتألم: تكفى ياعبدالله لا تقهرني
تدرني أني ما أقدر أمنعك.. فلا تقهرني..
(أتشك أنني قد أقهرها.. أقهر نفسي ولا أقهرها
أريد قربكِ فقط يا صغيرتي
أشعر بلين جسدك بين ذراعي..
رائحة أنفاسكِ في صدري
سكينتك تهدئ روحي الملتاعة
هل ما أطلبه كثير؟؟
لا تكوني قاسية هكذا)
أسند رأسها لعضده وهو يشدها ليدفنها بكل قوته بين أضلاعه ويهمس لها من قرب بعمق دافئ: والله ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضني..
حينها شعر بطمأنينة عميقة تحل على روحه.. ورغم أنه كان يشعر بضيقها ورغبتها للتفلت ولكنه كان يستحيل أن يتخلى عن هذا الإحساس السماوي براحة نفسية لم يشعر بمثيل لها
لذا همس لها بصوت ناعس فعلا: جوزا اهدي.. أبي أنام.. اهدي.. ولا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماني بفاكش حتى لو نمت..
وبالفعل نام ورائحتها العذبة تدفئ حواسه وتريح أعصابه بصورة غير معقولة..
ليصحو بعد ذلك على يدها الرقيقة تهز كتفه وهي تهمس : عبدالله تكفى فكني شوي انخنقت..
أفلتها دون أن يفتح عينيه.. تأخرت بعيدا عنه.. ولكن أمسك بكفها
ثم طبع في باطنها قبلة عميقة جدا وكأنه يبث في قبلته شكره وامتنانه لها
ثم وضع كفها تحت خده وهمس دون أن يفتح عينيه: ما أعتقد اني خانقش بذا الطريقة..
وعاد لينام.. نومة مازال يتذكرها حتى الآن كالحلم.. مازال حتى الآن يحلم برائحتها تلك الليلة تخدر حواسه ومشاعره بصورة بالغة الشفافية
لم يصحو إلا على صوت تغريدها العذب المرهق وهي تهزه برفق : عبدالله .. عبدالله.. خلاص قوم صل الفجر..
فتح عينيه.. شعر أنه يحلم الحلم الأجمل في كل الكون وهو يصحو على محياها القريب منه.. يصحو على نغمات صوتها العذب
تناول كفها من تحت خده وقبلها هو يهمس بنعاس: تدرين إني غبي اللي فوتت على نفسي ذا الأيام كلها أني أصحى على نغمات صوتش
لا يعلم لماذا أشعرها هذا الكلام بالألم: بس عبدالله تكفى.. حرام عليك.. ليش تسوي فيني كذا؟؟
حينها جلس وهو يهمس بعمق غريب صادق: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو يضايقها؟!!
جوزا اعتدلت أيضا جالسة وهي ترد عليه بألم: إذا كان ما يقصده.. لكن يقصد شيء عكسه.. يكون الجرح مرتين..
عبدالله مثقل بالأمل .. يريدها بكل مافيه.. ماعاد في القلب احتمال على بعدها أو بقائها بعيدا عنه
همس لها بكل عمق الكون وأمله: زين عطيني فرصة.. خليني أثبت لش إني صادق
للمرة الألف ربما يشعر بالألم من ردة فعلها وهي ترد بخوف مترسب: ما تشجع أبد على أن الواحد يعطيك فرصة..
يحاول أن يقنعها.. أن يحشد كل قدراته في الإقناع.. فهو بين حدي الحياة والموت: زين أنتي ماراح تخسرين شيء لو عطتيني فرصة
أدري أني تصرفت بشكل غير مفهوم ولا معقول.. بس والله العظيم عندي أسبابي
الأسباب هذي بعدها موجودة.. لكن اللي تغير أنا..
ثم أردف بنبرة ولع مفرطة علها توصل ولو جزءا بسيطا من ولعه المتزايد فيها :
جوزا أنا مفتون فيش من قلب.. ومن ليلة عرسنا
سبحان الله شيء مثل السحر
حاولت أقاوم واجد لأسباب تخصني.. بس ما قدرت.. والله ما قدرت..
شهرين وأنا أتعذب لين انهارت مقاومتي.. والحين مهوب هاين عليش تعطيني فرصة وحدة؟!
جوزاء هزت رأسها بخجل.. لتتفجر السعادة أسرابا أسرابا في روح عبدالله المرهقة
عبدالله قفز جوارها وهو يضمها لصدره بقوة ثم يغمر وجهها بقبلاته ويهمس لها بعمق صادق: والله ما أخليش تندميش إن شاء ربي
هكذا كان يظن.. تمنى ألا يجعلها تندم.. تمنى أن يكون هو السكن لروحها.. كما بات يتيقن أنها هي السكن لروحه
دعا الله في صلاة الفجر أن يعينه على ذلك.. ألا يخيبه أو يخيبها
ولكن لله دائما حكمة فيما يفعل أو يريد
عاد من صلاة الفجر.. كأنه يطير من الشوق لها.. قلبه كان يحلق.. ومشاعره مثقلة بالدفء لها ومن أجلها
شعر أنه يتنفس أنفاسا جديدة عامرة براحة نفسية مختلفة.. لا يريد أن يضغط عليها بشيء.. يريدها جواره فقط
يشعر أن الشهرين الماضين كانت فوق احتمال كل بشر.. كان يعاقب نفسه ويعاقبها على ذنب لم يرتكباه..
صعد الدرج ربما ثلاث درجات معا حتى يصلها..
حين وقعت عيناه في عينيها.. ابتسم لا شعوريا.. لأنها ما أن رأته حتى أنزلت وجهها واشتعل خديها احمرارا
كانت تجلس على طرف السرير حين دخل.. جلس جوارها وهو يريد أن يشيع نظرا لها فلا يشبع
كان يشعر أن كفيه يرتعشان.. لمس طرف خدها بأنامله المرتعشة
كانت أنامله ترتعش لفرط انفعاله الذي يحاول السيطرة عليه فلا يستطيع
شدها بحنو ليدفنها بين أضلاعه.. عل هذا الوجيب المتزايد في قلبه يرتاح حين يراها ملتصقة به..
كان يحلق بها ومعها.. ساعات مسروقة من عمر زمن ضن عليهما بالسعادة
ثم لا يعلم أي جنون أصابه.. وراكيل تقفز أمامه بكل بشاعتها وقذارتها وهو يشعر أن قذاراتها تلتصق بجسد جوزاء الطاهر
وهو كان الوسيط الذي نقل هذه القذارة .. كان يتمزق وهو يهمس لها ووجهه مدفون بين كفيه:
جوزا نظفي جسمش.. تكفين.. تكفين
حطم كل ما بينهما بكلمة.. ماعاد هناك مجال للتراجع وهو يسمعها تصر بين أسنانها بحقد أرعبه وهي تقف: حسبي الله ونعم الوكيل فيك..
حسبي الله ونعم الوكيل
أكرهك.. أنا أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك..
تركته جالسا على السرير.. مازال يخفي وجهه بين كفيه.. قفز برعب حين سمع صوت نحيبها العالي يصدر من الحمام
كان على وشك تحطيم باب الحمام عليها.. ولكنه توقف في اللحظة الأخيرة بأسى
( حس ياخي حس على دمك
حتى حقها في البكا من فعايلك تبي تحرمها منه
وش عاد باقي لها إلا البكا
وأنت وش باقي لك إلا الحسرة على بكاها)
شعر أنه مشوش تماما.. عاجز عن التصرف.. لم يعرف أبدا كيف هي الخطوة التالية.. وكيف تكون حتى
لا يتخيل حياته خالية منها... ولكنه أيضا لا يتخيل نفسه يطلب منه فرصة مرة أخرى..
أ يطلب منها الفرصة ليخذلها؟؟ ليجرحها؟؟
هو مطلقا لا يستحقها حتى يستحق الفرصة الثانية..
هذا هو الكلام الذي كان يهذي به لنفسه
ولكنه بدا له أمرا عصيا على التنفيذ
" إذن ماذا أفعل..
سأحاول مرة ومرتين وألف..
لن أسمح لها أن تتركني أو أن تنبذبني..
أ بعد أن وجدتها تحصل كل هذه التعقيدات ؟؟
لماذا يارب .. لماذا؟؟؟ "
وماكان ينقصه فعلا هو اتصال راكيل به في هذا الوقت تماما..
زفر بضيق وهو يكتم الاتصال..
ليصله رسالة " لو لم تجبني ستجدني غدا في بلدك ومع ابنك"
اتسعت عينا عبدالله صدمة.. وهو يعاود الاتصال بها بجزع (أي جنون تهذي به هذه المخبولة)
مفجوع تماما... آخر ما كان ينقصه مع كل مشاكله.. هو طفل من راكيل..
ولكن لابد أن يذهب للتأكد بنفسه
فمثل هذا الأمر لا يُترك معلقا...
حينما أنهى اتصاله فوجئ بجوزاء تقف خلفه.. شعر أنه وصل منتهاه من الوجع وهو يرى نظرة الكراهية في عينيها
العينان التي تمنى بكل الألم والأمل أن يرى الحب فيهما..
ولكن كم بات هذا الحلم مستحيلا..
نظر لها بولعه الذي اُغتيل في مهده.. نظر لها بحب عميق لم يستطع أن يغرقها فيه كما تمنى..
أكتفى من نظرة كراهيتها حتى شرق بها..
أشاح بوجعه.. وهو ينحني تحت السرير ليستخرج حقيبته...ويضع ملابسه على عجالة فيها
حتى الوجع الشفاف وهو ينظر لمحياها ماعاد هناك وقت له
ماعاد للتمزق معنى وهو يسمع نبرته الميتة: لا تروح مكان.. أنا اللي بأرجع لهلي.. مستحيل أقعد هنا
رد عليها بنبرة ميتة مشابهة.. فكلاهما ميت.. ميت: أنا مسافر..
بنبرة أقرب للتهكم وهي تقترب منه حتى أصبحت قريبة منه: وين وعساها رحلة طويلة؟؟
لم يرد عليها.. نظر إليها فقط بعمق شفاف عل نظرة عينيه توصل لها ماجُبن عن قوله.. عل نظرة عينيه تتسلل لروحها التي عجز عن الوصول لها
أغلق حقيبته.. واستعد للمغادرة.. بينما جوزاء تصرخ خلفه: يارب تروح ما ترجع..
يارب تروح ما ترجع..
أغلق الباب خلفه.. وآخر ماسمعه وعلق بذاكرته هو نحيبها ودعواتها عليه..
وكأن دعواتها تُستجاب.. هاهو لم يعد.. لم يعد
حينما وصل لأمريكا صُدم بما حدث...
حينها وجد نفسه مضطرا أن يطلقها.. فهو لا يستطيع تركها تحاد عليه بينما هو حي..
مازال حتى اليوم يذكر ذلك اليوم في السفارة بحذافيره
بقيت يده متخشبة على القلم.. عاجز عن التوقيع
حتى شعر بحرج موقفه.. والشهود ينتظرون توقيعه ليوقعوا..
حينها أستأذنهم لدقيقة
أراد أن يسمع صوتها لمرة واحدة قبل أن تصبح محرمة عليه
كان يعرف أن الوقت متاخر في الدوحة ولكنها فرصته الأخيرة
حين سمع همسها الناعم المرهق.. شعر أنه اختنق.. عجز أن يرد عليها
فقط كانت أنفاسه تتصاعد بألم ماهو مقدم عليه
وحين سمعها تهمس باسمه .. تناديه (عبدالله)
تفجرت مشاعره وهو يرد عليها لا شعوريا (لـــبــــيـــه)
تبادلا الصمت والأنفاس الثائرة.. كل ما بقي له هو ثوان يستمتع فيه بصوت أنفاسها قبل أن ينسحب من حياتها
لم يعرف ماذا يقول لها.. أنهى الاتصال بسرعة.. وهو يشعر أن هذا الاتصال بدلا من أن يبرد بعض ناره
أشعل كل نيرانه حتى الترمد
عاد ليوقع على الطلاق وهو يشعر كما لو كان يوقع على ورقة إعدامه
كأنه يوقع على ورقة يقول فيها انتزعوا قلبي من مكانه واتركوه ينزف حتى تجف عروقه
طوال السنوات الماضية لم تغب جوزاء مطلقا عن باله.. كان يقول لنفسه في أحلامه
" لو كُتب الله لي يوما أن أعود في حلم مستحيل
سأقول لها لقد تطهرت يا ملاكي.. يا طفلتي البريئة
لقد مر على روحي من الآلام ما طهرها
ها أنا أعود روح أنهكها الوجع
أنهكها الاشتياق للثم روحك
أقسم أني تطهرت..
فهل أستحقكِ الآن؟؟ "
طوال السنوات الماضية كانت جوزاء حمامة بيضاء تحلق في أحلامه.. حلم عذب يقصر لياليه الطويلة
كل ذكرى لها انغرزت في روحه
طُبعت كوشم ماكن
كان يشعر بشعور غامض أنها مثله .. لم تتزوج.. لا يعلم أي شعور غبي هذا ولكنه كان مؤمنا به إيمان اليقين
يستحيل أن تكون لرجل آخر بعده..
لذا كان آلمه عميقا حين علم من صالح أنها تزوجت... رغما عنه شعر أنها خانته
" أ هكذا يفعل الطاهرون ياجوزائي؟!!
أ هكذا تفعلين بي
ألا يكفي كل الألم الذي أشعر به لفقد ابني
حتى أفقدكِ أنتِ
أفقد حقي في مجرد التفكير بكِ
فأنتِ أصبحتِ لسواي
ماعاد يحق لي مجرد التفكير في حلال غيري"
شعر أن كلمة "حلال غيري" تخنقه.. كان يحرر جيب عنقه وهو غارق في أفكاره التي انتزعه منها صوت صالح القلق:
عبدالله وشك فيك؟؟
عبدالله فتح عينيه بإرهاق وهمس بمودة: مافيني شيء جعلني فداك
صالح يجلس جواره وهو يضع يده على فخذه ويهتف بحزم: تجهز إن شاء الله بعد بكرة راجعين للدوحة
عبدالله هتف بحزم مشابه: لا جعلني فدا خشمك.. عطني يومين ثلاثة لين أرجع بورتلاند وأخذ لولدي تصريح يندفن في الدوحة وناخذه معنا
صالح تنهد بعمق ثم هتف بأشد حزم استطاعه: أنت اللي مالك لوا.. خالد الصغير اندفن من ثلاث أيام
والأرض كلها أرض ربك.. وكرامة الميت دفنه..
حينها صرخ عبدالله بصوت مرعب وهو يقفز واقفا: وأشلون تسوون كذا من وراي.. أشلون تجرأون تسوون كذا.. أنا إبيه.. وأنا اللي أقرر
أنا مستحيل أطلع من هنا بدون ولدي.. أشلون أقعد في ديرة هو مهوب مدفون فيها تقر عيني بشوفت قبره..
حينها هتف له صالح بغضب حازم: يعني وش تبي تسوي؟؟ تنبش قبره؟؟
وبعدين هذا أنت فجعت أبيك فيه.. حتى جثة تقر عينه فيها مالقاها لك
مثل مافكرت في ولدك.. ليش ما فكرت في إبيك؟!!
عبدالله مستمر في غضبه: لا لا تقارن.. إبي أنتو كلكم عنده تردون قلبه
لكن أنا ماعندي غير ذا الولد
وخلاص ما أظن عمري بأقدر أبدأ حياة جديدة ولا أتزوج.. ولا أجيب عيال
ماعندي غيره.. افهمني..
حينها نظر له صالح نظرة مباشرة وهو يهتف له بنبرة مقصودة:
ومن قال ماعندك غيره؟؟ ربك يأخذ ويعوض.. ولكلن غلاه
وأنت عندك ولد يأخذ معاليق القلب يابو حسن..
#أنفاس_قطر#
.
.
.