الجزء الثلاثون :
*
*
*
وحدهم من غمرتهم الذنوب بضيق متخمون
و
وحدهم المستغفرون براحة يتمتعون ( جعلنا الله منهم ) ...
*
*
*
لم يغمض لي جفن طوال الليل , تتآكلني المخاوف التي أمطرت بها خيالاتي عن ما سوف يحدث ..
لا .. إنها ليست تنبؤات و العياذ با الله و لا حتى تطير و تشاؤم بما يحمله الغد ..
هي فقط تحليلاتي لشخوصهم المعتوهة و ردود أفعالهم المجنونة ...
فا هم لا يتغيرون و يعيدون المشهد بنفس الحوار حول نفس الموضوع دوما .. هي فقط الأماكن من يسمح لها أن تتغير , كأنهم يراهنون على ما حولهم لإثبات وجهة نظرهم , و من يفشل منهم يصر على تغيير المكان و البدء من جديد !
*
*
*
أنفال على سريرها غائبة في لجة أفكارها لتتنبه لنظرات هند المتسائلة : خير علامج تأمليني ؟
هند : ودي افهم ليش لما تصحين الصبح لازم تقعدين عشر دقايق على السرير أطالعين في السقف ..
أنفال : الجواب بسيط .. أبي أشوف خبالج لحد وين وصل ..
هند : أنا خبله ؟!!
أنفال: اللي مخليها أبو بنتها يفز من نومها بنص الليل و يجيبها لأهلها من دون سبب مقنع أكيد تكون خبله و هبله و
هند تقاطعها : كلامج منبعه قلب خالي من الهموم ..
أنفال بغضب : هموم !!! .. أنتش حسبالج بس انتش اللي عندج هموم و مشاكل .. كل الناس عندها اللي يشغل تفكيرها بس مو كل الناس تخلي اللي حوالينها يعانون معها ... و تصير لهم هم ..
هند : يعني أنا اللحين صرت هم عليكم يا أهلي .. سبحان الله الدنيا شلون تغير .. انا بحياتي ما اعتقدت أن بيجي اليوم اللي احس فسه أني ثقيله على أهلي ..
أنفال : أي لأنج كنتِ تستثقلين أهلج و تعدين الأيام عشان تهجين منهم ...
هند تخنقها العبرة : أنفال خفي علي و لا تصيرين قاسيه .. تراني مو ناقصة ...
أنفال : صج ؟ ... شايفتني قاسية .. أجل خليني أقسى عليج أكثر .. ترى ساري ما راح يرحب فيج مثل المره اللي فاتت ..
هند ك ليش ان شاء الله .. لا يكون أنا في بيته ؟
انفال : أي بيته .. مو هو اللي فاتحه من كده ليل و نهار ..
هند بقلق : شنو يعني بيقطني على خالد ..
انفال : قط وصايف قبلج ..
هند تحاول أن تتسلح با الشجاعة : موضوعي يختلف .و بعدين هو ما يحب خالد ..
انفال : مو مهم يحبه أو ما يحبه .. المهم هو مو ناقص مسؤولية جديدة ..
هند بخوف بان في نبرتها : و الحل ؟
أنفال تقوم عن سريرها : ردي لخالد قبل ما يكبر الموضوع و تخسرين كل شي ...
*
*
*
تركتها تجمع و تطرح لعلها تطلع بنتيجة منطقية تساعدها على العودة لزوجها عن قناعة لتحاول حل مشاكلها بعيدا عنا ...
نعم هي أختي التي أحبها جدا و هذا ما يجعلني ادفعها نحو هذا الحل
فا ليس هناك ما يمكن أن تعود له , كل شيء تغير منذ أن أصبحت أم لدانة , المسالة لم تعد تتعلق بها وحدها و هذا المنزل ليس البيئة المناسبة لتتربى به ابنة أختي الصغيرة و خالد أب صالح حتى لو أثبت فشله كا زوج , نعم هو رجل بارد عواطفه معلبة و تستعمل عند الحاجة و لا يرى من الضرورة تناولها في كل وجبة .. لكن لا يهم مدام قادر على إعالتها !
............................................................ ..............
*
*
*
أرغفة الخبز الحارة بردت و أنا هنا أصر على حملها حتى تأتي لتأخذها مني كا عادتها كل صباح , أصبح هذا الموعد هو محور تفكيري كل يوم , فا في كل مره اخطط لأبعد من دور الفتى الموكل له مهمة التوصيل و في كل مره حضورها الرقيق ينسيني ما خططت له فتلك الدقائق تمر بسرعة قبل حتى أن أشكل جملة , و وضوح دوما كانت متلصصة من الخلف, تستعجلها و تصرفني لحيث الخيبة ..
و ها أنا بعد أن قررت و عزمت أمري أن استقل الفرصة لأقترب أكثر حتى أباغت بالإهمال .. فا لي أكثر من ساعة منذ عدت من صلاة الفجر قابع ها هنا في المطبخ أنتظرها مع إحساسي أنها تتهرب مني
و لا تنوي أن تدخل هذا المطبخ حتى تتأكد من أني غادرت المنزل بأكمله و ليس فقط المطبخ ..
و الحل ؟ ... لابد أن هنالك حل , فا قبول انزوائها و تركها للعزلة غير وارد .. و إعداد الإفطار و دعوتها إليه مناسب !
و هكذا شمرت عن ذراعي و عزمت أمري , لكن توقفت للحظة عندما لم أعرف ما هي الخطوة الأولى , فا أنا لم أقم بأي عمل منزلي منذ عرفت ماهية الحياة , لكن ما مدى الصعوبة في إعداد وجبة خفيفة كا الإفطار ؟ ..
*
*
*
شملان الذي دخل المطبخ و تفاجأ با الفوضى ليصرخ بعلي : أنت شقاعد تسوي ؟!!
علي الذي أوقع البيض على الأرض : الناس تصبح مو أدرعم بصراخ ..
شملان سارع للممسحة حتى ينظف المكان : زين جذيه عفست الدنيا ..
علي : هذا جزاتي بسوي لكم ريوق فندقي ..
شملان بتهكم : أي واضح .. روح بدل ملابسك اللي وصختهم و انا بسوي الريوق ..
*
*
*
لم أجادله بل وجدت في عرضه باب للهرب , فا أنا عندما قررت أن أقوم ببادرة جميلة لم أعلم أن الأمور ستنتهي با فوضى .. و عندما عدت بعد دقائق كان الفطور جاهز ! .. و المطبخ بهيئته قبل أن أشرع باغتياله, أذهلني شملان فا أنا لا أذكر عنه معرفته بشؤون المطبخ , يبدوا أن شملان تغير منذ زمن طويل و لم ألحظ تغيره لغياب عقلي , إذا هكذا دبر أموره و أتقن دور العازب الغير محتاج لأنثى لتدير بيته !
*
*
*
علي : بروح أقعد سالم ..
شملان : سالم توه طلع لمدرسته ..
علي : و .. وداد ؟
شملان يحتسي قهوته على مهل و يرد ببطئ .. و .. وداد ؟!
علي بتذمر : لا تستعبط علي ها الصبح ..
شملان يبتسم لأخيه : الظاهر نايمه ..
علي معقبا : أو حابسة نفسها و ما تبي تشوفني .
شملان يضع فنجان قهوته أمامه و يتأمله ليحادث أخيه بهدوء : تعتقد وداد تشبه وضوح و فينوس ؟
علي بتوجس : قصدك أني خذلتها .. و حبي ما يكفي عذر ..
شملان يتجاهل سؤاله و يقرر مشاركة أخيه بما قرر : تدري يا علي أن موت عمي الله يرحمه خلاني أستعجل قرار مأجله ..
علي : اللي هو ؟
شملان يتمهل ليمهد أكثر : لو مت اليوم أنت يمكن أتضيع و تصير بدون هوية ..
علي بتوجس : و حضرتك قررت ترفع قضية على نفسك ..
شملان : مو با الضبط .. أنت اللي راح ترفعها ..
علي : ما فهمت ؟
شملان : أفهمك ...
*
*
*
"إثبات نسب" .. هذه القضية التي يريدني شملان رفعها عليه !
جادلته بان هذه الخطوة ستقود لتحقيقات مطولة ستنتهي بإتهامه و با تزوير الكثير من الأوراق الرسمية لإخفاء تواجد أبو سالم في بيته ليلة الحريق و تدنيس الأدلة التي تثبت أن الجثة المحترقة عائدة لأبو سالم .. إعدام .. نعم قد يحكم عليه با الإعدام ...
*
*
*
شملان : لا تهول من الموضوع ... و سو اللي قلت لك عليه ..
علي : لا ما راح أسوي اللي قلت عليه و إذا رحت برجلينك لهم لا توقع أنك بتشوفني ثاني مره .. بهج من ها الدنيا كلها ..
شملان : حتى من وداد ..
علي بحسرة : حتى من وداد ..
شملان : تكون غبي و قررت الهروب من دون ما تعطيها سبب مقنع ... يعني قررت تكرر أكبر أخطائي و أنا لا يمكن اسمح لك ..
علي بإصرار : و أنا لا يمكن أسمح لك تضيع حياتك ..
شملان : أنت فعلا تبالغ .. أنا ما ذبحت أحد .. و الله لا يمكن يظلمني
علي يذكره بذنوبه : بس زورت و جذبت و تلاعبت بحياة يتامى ..
شملان : با الضبط .. و أنا استغفرت و تبت و مستعد أواجه أخطائي .. فا لا تصير عقبة .. و تذكر كلامك اللي قلته لي قبل ما تروح تعلم وداد با الحقيقة ... " تبيني أجذب و أزور مثلك ؟!! .. تبيني أتلفت وراي و اشك في الكل و أتمادى با الجذب و أخطي في اليوم ألف ألف مره على من أحبهم و اسمي الحقيقة ضياع .. ضياااع يا شملان ؟!!"
علي بتردد : زين .. و أختنا .. وعمليتها .. و حياتها ...
شملان يطأطئ برأسه مفكرا ليعاود تقويم نظره باتجاه علي : لا تقول لها .. و أنا من ها الليلة مسافر لمدة طويلة لكل من سأل عني .
علي : مسافر ! .. أنت مو رجل أعمال عشان تنط من ديره لديره و الكل بيشوف أنه أمر عادي ..
شملان : لأ .. أنا مسافر على حسب أوامر الطبيب النفسي .. و إلا نسيت أني مريت بانهيار عصبي و تعبت نفسيا لمدة طويلة ..
علي : ولو .. وضوح على الأخص بتلزم تتبعك ..
شملان : أنا أبي أبتعد بروحي فا سمحوا لي أتنفس .. هذا الجواب بيكفيها ...
*
*
*
لم أقتنع لكن وافقت على مضض و للأمانة ليس حب وداد و إصلاح الوضع هو دافعي الأول , بل يدفعني خوفي على روح شملان للقبول بأصعب الحلول .. فا أنا أريد له أن يصلح مساره و يطهر ضميره الذي يأن تحت آثام تنامت من قضايا أصر على كسبها بشتى الطرق ...
............................................................ ............
*
*
*
كل منا يملك مجس يتصل بإدراكه مهمته توصيل ذبذبات الآخر ....
و لقد وصلني منها شحنة سلبية هائلة لا يستهان فيها , فقد تركتني بعد تأنيبها لي أنقع في الخجل حتى فجر هذا اليوم و لم يتلاشى إحساسي مع بزوغ الشمس بكامل هيئتها لتتسلل لغرفتها الباردة
التي سلبتني القدرة على النوم , و ها أنا أعنف نفسي سرا على ما عرضت نفسي له , فا لم يكن هذا هدفي من المبيت هنا و لا مقياس لنبل نواياي , فا قراري البقاء بجانبها نابع من اهتمامي و عظيم استشعاري بشروخ الحزن في حوائط قلبها , فقد تذوقت إحساسها من قبل عندما فقدت والديّ و أخي الذي ظننت أني فقدت ..
ذاك الشعور الثقيل المثخن بلا شيء .. لا شكل و لون يميز به .. يحس فقط من دون أن يفسر بدلالة تعريفية .. فراغ ! .. أشبه با الفراغ المترامي بصحراء .. ذاك الجماد الملقى كا نفاية على ارض قاحلة .. كا هذا الجماد من يفقد شعوره ليسكن في مكانه و تصفر الريح باذنيه و يصيبه الخرس .. فراغ !
و ها هي لأول مرة تخالف طبيعتها و تعاملني بلؤم , عرضت علي فجرا أن أعود لمنزلي و أن ليس علي أن أتصل على احد من أخوتي فا سائقها الخاص برفقة من أختار من الخادمات سيكونون بخدمتي !
و ليس علي أن أستعجل لدي حتى توسط الشمس لسماء !
*
*
*
طلعت الشمس و حل الموعد و تأهبت للمغادرة ... على الرغم من ترددي إلا أنني عزمت أمري ... فا أنا أحتاج للخروج لحيث ملاذي و لو كان في هذا مغامرة , فا أنا متعبة و كل ما يحيط بي يبكيني , صوته القريب و ملامحه الحبيبة و رائحته التي تعبق بها الزوايا تغمرني بشوق عامر لأحضانه الدافئة ...
و أمي هناك تنتظرني لتعوضني حنانه إن أمكن ! ...
لكن أنا جدا خائفة من أن أخسر حق العودة و أكون بطلة لأحد المشاهد المكررة , التي تبدأ بمفاجأة تتلخص بإدراك عقم مفتاح البيت و انه لم يعد صالح لتفقد إلى الأبد مكانها في البيت الذي كانت تسكنه ..... كأن انتماءاتنا و حقوقنا تفقد بفقد شيء كا قطعة حديد لصدأ معرض أو ورقة قد تبلى بأي ثانية , وليتها كانت بهذه البساطة و يمكن لنا أن نقيس كل ما نملك و كل ما فقدنا بشيء !
*
*
*
وضوح : وداد ! .. شتسوين هني ؟
وداد : أنفال جايه مع ساري عشان ياخذوني ازور أمي ..
وضوح : و أنفال تدري اني نايمه هني ؟
وداد : أنا قلت لها .. ليش فيها شي ؟
وضوح : لأ .. بس لقيت رقم ساري ها الصبح و ما فهمت السبب إلا اللحين ..
*
*
*
عاودت الاتصال به و أنا التي كنت تعهدت لنفسي بقطع كل خطوط الاتصال بيني و بينه لكن هذه المره وجدت من الحكمة أخذ زمام المبادرة ! ..
*
*
*
وضوح بعد أن رد ساري السلام : أنا في بيت عمي ممكن تمر تاخذني قبل ما تروح دوامك ..
ساري : واضح أنج عرفتي سبب أتصالي عليج الفجر ..
وضوح ببراءة مصطنعة: ما فهمت ؟!
ساري بتردد : أنتِ فعلا مو عارفة أني جاي مع أنفال ناخذ ديمة ؟
وضوح : زييين أجل ما عنيتك .. بس فعلا ليش متصل علي الفجر .. علي فيه شي ؟
ساري يخفي غضبه : وضوح أنا و أنتِ نعرف بعض .. وداد عندج ؟
وضوح تزفر بضيق : أي هذا هي تنتظركم ..
ساري : ترى رسالة قصيرة تعطيني فيها خبر أنج بتنامين في بيت عمي ما كان راح تضر ..
وضوح : معاك حق ..
ساري المستغرب من خضوعها أستقل الفرصة : على العموم حصل خير و هذا حنا لقينا الوقت عشان نبتدي بحل وضعنا ..
وضوح : فعلا .. أنا طول الليل أفكر أن وضعنا شاذ و العمر قصير و عمي و أم ديمة مثال ..
ساري بتوجس : و القصد ؟
وضوح : بطلع معاك للمحكمة و ننهي موضوعنا ..
ساري : و السبب ؟ .. لأن بيسألونج عن السبب و لازم تعطين سبب قوي ما يحرجج ويخلي القاضي يتعاطف معاج ..
وضوح : ما عدت أحبك .. أحلف لك .. ما عدت أحبك .. ما يكفي هذا سبب ..
ساري الذي جرح كبريائه : و أنتِ تسوين عيوني بس مدامج عايفتني يا بنت خالي تراج مرخوصة .. و أنتِ طالق ..
*
*
*
كأنه أطلق علي رصاصة الرحمة .. لم أعرف هل أبكي أم أطلق الزغاريد إعلانا ببدء موسم فرح .. تحررت منه و انتقمت لقلبي الذي لم يحسن معاملته , لا .. لا أساوي عيونه أنا فقط أساوي مقدار الألم الذي سببه نبذي له .. هم هكذا لا يروننا و نحن كا ظلهم و عندما نتلاشى يبحثون عنا ! ..
آآآآه فينوس ليتك لم تنبذيني لأشاطرك نصري و أبارك لكِ أنتصارك .. هذه السويعات كانت لنا عظيمة !
*
*
*
لا أعرف ما الذي قاله ساري لوضوح ليتغير حالها و تصبح كا فراشة في موسم الربيع , لم تبالي أنني هنا أمامها حزينة و لبست ابتسامتها العريضة التي لم أراها منذ سنوات , لتهرول مسرعة نحو سيارة السائق و أنا ورائها متسائلة ما خطبها . . لم ترد علي و لم تأبه لنداءاتي .. غادرت بكل بساطة !
*
*
*
تنبهت على صوت سيارة مغادرة وسارعت لنافذتي لأستطلع , ليقع نظري على كتلة صغيرة تقف عند البوابة كأنها تودع السيارة الهاربة ! ... أنها ديمة ! ..
تدفقت الدماء الحارة لرأسي و لم أعرف على أي جانب علي أن أفسر ما رأيت , هل أحسن الظن .. فا هي و إن كانت موبوءة بأخلاق رثه لا يمكن أن تتناسى حزنها على أبيها بهذه السرعة ! ..
أم أسيئه و لي كل الحق ! .. نعم .. كل المعطيات تشير ببطلان براءتها .. وحيدة تقف عند البوابة في الصباح الباكر و أهل البيت نيام ! .. مذنبة ...
*
*
*
أصيل يلهث بغضب : مو مصدق طل و شوفها عند الباب قاعدة ..
عذبي الذي صادف أصيل با الممر و استمع لحكايته المختلقة : في مية سبب غير السبب الحقير اللي خلقه خيالك المريض ..
أصيل ك أنا مريض ؟! .. و أختك البواقة هي الصاحية ..
عذبي: وداد أختك و أختي .. و مفروض حنا نكون لها ستر و غطى .. و مو نقعد نعايرها ..
أصيل باستهزاء : لا بعد شرايك ننزل لها اللحين و نطبطب عليها و نقول أدخلي عن البرد يا صغيرة ...
*
*
*
ما كان مني إلا التجاهل , فا أصيل قرر منذ أمد بعيد كره ديمة إلى الأبد و لم يكن بمقدوري تغيير معتقداته في لحظة , لذا توجهت لحيث تقف ديمة و هو خلفي قد حضر ....
*
*
*
عذبي بنبرة لينه : بيدشج البرد هني ..
ديمة التي فزعت من وجود أخواها بررت موقفها عندما لمحت عيناي أصيل : أنا أنتظر ساري و أنفال بيجون ياخذوني لأمي ...
أصيل قبل أن يتكلم عذبي : و السيارة اللي توها مشت و أنتي واقفة تودعين صاحبها ..
عذبي ينهره : أصيل .. روح ناد أمي تريق معانا و أنا ثواني وجاي وراك مع ديمة ..
ديمة التي تلاحقت دموعها على خديها : فج عيونك و بتعرف أن اللي توه مشى سايق فينوس مودي وضوح لبيتها و إذا مو مصدق اتصل على السايق ...
عذبي ليهون من حدة الوضع : أصيل خايف عليج مو أكثر ..
أصيل مقاطعا عذبي : لأ مو صحيح أنا مو خايف عليها إلا خايف منها علينا .. هذي عقوبة علينا كلنا .. و أكيد بتأكد من السايق و حتى لو تأكدت من كلامج ما راح أنسى أنج جذابه و حراميه ..
*
*
*
لم احتمل كلامه الجارح الذي أمطرني به و تركته خلفي يتجادل مع عذبي لأتوجه لغرفتي و أغلقها علي متمنية اللحاق بأبي , لكن .. من لأمي من بعدي ؟ .. أأتركها وحيدة في هذه الدنيا التي نبذها فيها الكل .. ألا يكفي أن أبي تركها باختياره قبل أن يترك الحياة فجأة و يخلفني وراءه ؟ ..
هي فقط الدموع من واستني عندما أدركت أن لا حلول لي ..
فا أنا لا أعرف حقا ما الذي يتداعى حتى أعيد إسناده.. فا الجدران حولي لم تعرفني يوما و كنت دوما خجولة منها و آثرت الابتعاد عن المحاولة .. فا فينوس أفضل مثال , فا هي دوما كانت تمد يدها لي في محاولة توطيد علاقتنا كأختين لكني كنت أرفض هذه الرابطة بل كنت أتمادى في تهميشها و قطع كل ما يمكن أن يقربنا ..
و حتى عذبي و أصيل القاسي كان يمكن لي أن أكسبهما لو لم أتمادى في عصياني و ترديد كم أكره والدتهما ..
أنا الملامة الوحيدة لما آل إليه حالي ...
*
*
*
عذبي لساري : أنا بجيبها تزور أمها بكره ..
ساري بتوجس : و ليش مو اللحين ؟!! .. هذا أنا جيت مع أنفال ناخذها , مو معقول تبينا نرد بتعب الطريج لعمتي من دون بنتها ..
عذبي سارع في اختلاق عذر : أي بس حنا نبي ديمة تكون موجودة لأن محامي أبوي بيزورنا اليوم عشان حصر الورث ..
ساري بتفهم : مدام السالفة جذيه .. معذور ..
*
*
*
أنفال :... غريبة ما قالت لي !
ساري : يمكن توهم معلمينها ...
أنفال : زين تكفى ساري .. خلني أنزل عندها نتسلى مع بعض ..
ساري : اللحين أقولج بيجيهم محامي خالي و عندهم شغل و أنتِ تبين تجين فوق راسهم .. استريحي بس ..
أنفال بعد صمت قصير : زين .. بتقول لأمي أنك طلقت وضوح ..
ساري بمزاجه المتعكر يتأفف : وهذا شي ينخش يا آنسه أنفال ..
أنفال : أنا أقول لا تستعجل .. و أمي فيها اللي مكفيها ...
ساري : احسن تعرف مني قبل ما تعرف من غيري ...
أنفال : و منو عاد بيقول لها .. تكفى ساري أمي مو ناقصة حزن .. و بعدين أنت و وضوح مالكم إلا بعض و أكيد هذي فترة و بتعدي و تردون لبعض ...
ساري يوقف السيارة فجأة و يصب غضبه المكتوم على أنفال : ان سمعت أسم وضوح ينذكر قدامي حتى لو في عابر حديث ما تلومين إلا نفسج ...
*
*
*
لم أنطق بنصف كلمة فا كلماتي دوما تجلب المتاعب لي , و لا يهم مدى صدق نواياي فا أنا المستضعفة التي ينهال عليها الغاضبين بسياطهم بدل أن يوجهونها لظهور من أغضبهم ...
*
*
*
ندمت .. على كل شيء ...
ندمت على اتصالي بها فجرا ..
و ندمت على توجهي صباحا لمنزل خالي ..
و ندمت على استقبال مكالمتها ..
و ندمت على إنهاء ما بيننا ..
و ندمت على تقريع أنفال و تحميلها قهري ..
أنا نادم أني تخليت عنها و تزوجت بأخرى ... وحتى على إنجاب علي ! ...
أنا نادم لاستيقاظي قبل 10أعوام و تقرير مصيرنا لنرتبط با الزواج و أنا على علم أنها تسبقني بمراحل بما يتعلق با العاطفة ...
أنا نادم أنني في سنوات قحطها قررت الإنسحاب ...
و نادم أكثر على قرار العودة !!
أنا نادم و مقهور من نفسي أني جعلتها تخرج سالمة و تتركني خلفها أنزف ! ...
*
*
*
ترجلت من السيارة حالما توقفنا أمام منزلنا لكن إحساس لا يمكن لي رصد مصدره حثني على الألتفاف خلفي لتأكد من أنه غادر بسلام ..
لكن رأسه الذي أنحنى للأمام و يديه اللتان ألتفت محتضنة مقود السيارة كانت كفيله بإثارة تعاطفي و مسامحته ...
*
*
*
انفال أنطلقت مجددا لسيارة ساري و فتحت الباب المجاور له : ساري ..
ساري الذي تفاجأ بعودة أنفال : خير ؟
أنفال : أنا آسفة و حقك علي ...
ساري المتعب : أنتِ ما غلطتي أنا اللي آسف ..
أنفال : زين ممكن أطلبك طلب صغير ..
ساري : آمري ..
أنفال بتردد واضح : أبي أروح لوضوح ..
ساري مستغرب الفكرة : و ليش ؟
أنفال بعفوية : لأنها وعدتني بشغل و أنا كنت مترددة بس اللحين غيرت رايي و بروح لها بسرعة قبل ما تغير رايها ..
ساري بضيق : اجليها وقت ثاني ..
أنفال ك صدقني يا ساري ما في أحسن من ها الوقت .. ودني و أسامحك ..
*
*
*
وافقت على مضض و قد يكون دافعي نابع من خبث , فا أنفال نافذتي التي سوف تطل على حال وضوح بعد سويعات من طلاقنا
, و قد تأتي لي بأخبار تثلج صدري و تجعلني أتوسد الشماتة و أتشفى و أشفى .. قد تحمل لي أنباء عن انهيارها ناتج ندمها .. أو هكذا أتمنى !
*
*
*
عندما وصلت للمنزل و الفرح يسري بكل مساماتي وجدت علي يلغي علي كل ما يمكن أن يسدها حتى تختنق ...
*
*
*
وضوح تبكي بألم : ليش ؟ .. ليش يحول أفراحي أحزان .. ليش يغيب لما أنتصرت .. ليش ...
علي الذي وجد غرابة بردة فعل وضوح : تعوذي من الشيطان و استهدي با الله ... علامج قلبتيها مناحة و حرب و ضرب ..
وضوح تتجه للمقعد لترتمي عليه باكيه لتهذي " تطلقت من ساري .. تطلقت منه و تحررت و أجي أبي شملان يبارك لي ألقاه منحاش ... يعني إذا فينوس صارت تكره يكرهنا كلنا و ينحاش ..
علي المصدوم : تطلقتي !! .. ردي علي .. متى و ليش ؟
*
*
*
لم ترد عليه وضوح و خرجت أنا لأنقذها من أسألته و إصراره على أخذ جواب فوري لها , و ابتعدت بها لحيث غرفتها أردت لها أن تستريح لكنها طلبت مني البقاء فا هي لا تقوى على البقاء وحيده هكذا أخبرتني ! ...
*
*
*
فضلت ترك الأمور حيث هي و با الأخص أن حالة وضوح أخافتني و ما رأيته في عيني وداد كان اشد إخافة ...
و توجهت للمطبخ أريد أن اخلق فوضى لأعاقب كليهما .. لكن تراجعت عندما تذكرت أن شملان ليس هنا لينظف من بعدي !
أنا المسئول الآن و أنا من عليه أن يكون أكثر تعقلا ..
و هكذا توجهت لمكتب شملان أبحث عن ورقة و قلم لأدون مهماتي القادمة و أرسم خطتي المستقبلية ...
انهمكت بما بين يدي حتى سمعت جرس الباب ....
*
*
*
أنفال بخجل ألقت السلام و سألت : وضوح موجودة ؟
علي الذي أربكه حضور شبه أنفال بوصايف : أي .. تفضلي ..
أنفال عندما وقفت بمنتصف الصالة و جفلت من خلو المكان : أكيد وضوح با المطبخ ..
علي الذي لم يكن أقل منها خجلا : لأ .. وضوح في غرفتها متضايقه لأن شملان اليوم سافر ..
أنفال بعفوية : سافر ! ... وين ؟
علي الذي لم يجد غير الابتسام في وجه فضولها : بتفرق معاج ؟
أنفال و كساها الخجل : لأ .. أنا بس ..
علي الذي شعر بإحراجها أراد أن ينقذها و يطرح سؤاله الأهم : تدرين أن ساري طلق وضوح ؟
أنفال و في جوابها دفاع : هي اللي أطلبت الطلاق ..
علي : بس هو اللي بيده القرار .. معقول تقول له طلقني يطلقها حتى من دون ما يجي لبيتنا و يبين الأسباب .. و يخلي لنا مجال نفهم و نستوعب يمكن نتوسط و نحل الموضوع ..
أنفال لم يعجبها هجومه على أخيها : هذي هي صارلها مدة عندكم ما اشوفكم سألتوا او أتصلتوا بساري ..
*
*
*
ردها كان مفحم فقد كان الصمت جوابه ...
و كان التدخل اختياري , تقدمت منهم و رحبت بأنفال و بنظرة حانقة مررتها لعلي غادر , فا أنا جدا منه غاضبه , كنت هناك أواسي أخته و هو هنا في حديث مسهب مع شبيهة محبوبته !
*
*
*
لم أهرب خوفا بل لأنقذها من الإحراج لأني كنت على وشك الانفجار ضاحكا على شكل حاجبيها المقوسان بغضب , كم بدت جميلة و هي تبدوا كا المهرج الذي يضحك من أمامه و ملامحه تحت الألوان تتموج بضلال الحزن !
*
*
*
وضعت نفسي في موقف محرج من جديد , نعم ليس علي التذمر فا من الطبيعي أن أكون الآن قد وصلت لمرحلة البلادة و أصبحت كل المواقف مهما كانت محرجة اعتيادية ...
و ها هي وداد الودودة تحاول أن تقوم بواجب الضيافة على الرغم من أني استشعرت نظرات غيرة كادت أن تقتلني بها عندما كان علي هنا ! .. معقول ؟ .. تغار مني أنا ؟ .. لا .. من غير المعقول !!
لم أذهب بعيدا با الفكرة لأني طلبت منها أن تتأكد إن كانت وضوح لا تقدر على استقبالي لتؤكد لي ان وضوح نقط بنوم عميق فقد أخبرتها أنها لم تنم أكثر من سويعات منذ وفاة خالي , وهكذا استأذنت منها لأقوم با الاتصال بهند لتأتي و تعيدنا لمنزلنا ...
*
*
*
تركتها تقوم بإتصالها و توجهت لعلي في المجلس الخارجي أنوي أعاتبه فا أنا لا أطيق تأجيل الأمور فا الصبر ليس من صفاتي ..
*
*
*
علي بنبرة غزل: عيون و قلب و روح علي .. آمري ..
وداد الذي نجح علي بإطفاء غضبها ردت بنبرة مبحوحة : ما يامر عليك عدو بس بقيتك تروح تيجب سالم ما أبيه يرد مشي .. شكلها بتمطر ...
علي : صار .. بس شوفي انفال إذا تبيني أوصلها على دربي ..
وداد أستشاطت غضبا مره أخرى : أنت شسالفتك .. تلكك .. و غلا تستعبط .. حرام عليك تغثني جذيه ..
علي يقفز ليقابلها و ضحكاته ترن في أرجاء المكان : و الله أمزح .. خلاص عاد لا تصيرين زعول ..
وداد الطيبة تناست كل غضبها حالما أمسك يدها : و الحل معاك ؟
علي : الحل الكبير ببدي أول خطوة له اليوم ..
*
*
*
اخبرني بما خطط له مع شملان و شاطرني بمخاوفه و شاطرته بمشاعري التي كانت تتأرجح بين الفرح و الخوف .. لا أريد أن يتأذى شملان لكن أيضا لا أريد أن تستمر حياتي هكذا من دون أمل بمستقبل واضح ..
*
*
*
هند : أقولج أنا في بيتي ..
أنفال بدهشة : بسم الله , متى رديتي ؟ .. و شلون ؟
هند : اول ما طلعتي مع ساري أتصلت بخالد و قلت له بنتك مريضة تعال ودها الطبيب ...
انفال مقاطعة : اسم الله عليها .. شفيها .. متى مرضت ..
هند : الحمد الله و الشكر .. أنا قلت مرضت ؟!! .. انا قلت لج اتصلت على خالد عضان يجي بعذر من دون ما أقط نفسي.. فهمتي ..
انفال براحة : أيييييه فهمت .. بس تكفين لا عاد تفاولين على بنتج .. إلا تعالي معقول طافت عليه ...
هند : أي طافت عليه لدرجة كسر خاطري جى ما يشوف بس يبي يطير في بنته ... المهم رحنا لطبيب اللي ما كلف نفسه يفحصها عدل و صرف لنا أدول !
أنفال : أي عادي .. مو شي جديد .. المهم دبريني برد البيت و ساري يمديه وصل دوامه مو معقول بيطلع منه عشاني ..
هند : خلاص أشوف منو من حماني فاضي و أجي آخذج ..
انفال بحرج : خبله أنتِ .. حمانج مره وحده ..
هند : شفيج أنفال .. تراهم حبيبين و حسبة أخواني .. خليني بس أشوف من موجود و اجي آخذج تغدين عندي .. انتِ ما عمرج شفتي شقتي في بيت أهل خالد ...
انفال بإصرار : لا تحرجيني و تحرجين احد من حمانج .. لاني ما راح أركب معاهم ..
هند : اووووف ياغثج .. خلاص أجيج مع سايق جارتنا ام وليد
انفال : مو فشلة ؟
هند : لا مو فشلة .. لان هني الجار للجار مو مثلنا حنا وبيت خوالي الكل منزوي على نفسه و ما يبي يمون على أحد أو احد يمون عليه
*
*
*
لم أعارضها لرغبة جامحة أحاطت كل حواسي مصدرها فضولي .. فا أنا أريد أن أرى بيته و أتحسس أشياءه و أتعرف على كل ما يحيطه و أقترب أكثر لعلي أكون هناك يوما ما بصفة شرعية و ليس كا ضيفة !
............................................................ ........
*
*
*
*
تغلق الأبواب بأقفال من حديد خلف من هرب
و تفتح فقط لمن عاد بنصر !
*
*
*
من دون موعد ها المرة بس بأذن الله من دون تأخير ...