الجزء الثامن و العشرون :
*
*
*
غريزة البقاء مدهشة ...
نشطب المستحيل و نقبل على ما هو ممكن .. لنبقى !
*
*
*
ما إن انتهينا من أداء صلاة الفجر في المسجد حتى سارعت لسالم متبرعا أن أقوم بدوره لهذا اليوم و هكذا سارعت الخطى نحو المخبز لأكون أنا من يسلم الخبز حارا لوداد ...
لكن ما إن وقفت في آخر الطابور حتى عصفت الأفكار في ذهني و أوهنت عزمي حتى إنني فكرت با الانسحاب قبل أن يقف أحد ورائي ! ..
نعم أريد أن أتزوج وداد و ليس عندي أدنى شك باني سوف أكون سعيدا معها , لكن أريد أن أبدأ حياتي الجديدة معها من دون قضايا معلقة أهمها وجودي ! ..
أنا غير موجود فا كيف لي أن أتزوج و أنجب أطفال ينسبون لي و تكون لهم أوراق رسمية تثبت ذلك .. حتى أنني لا املك شيئا باسمي لأطمئن أني سوف أترك ميراثا لها يحميها من تقلبات الزمن , نعم شملان يردد على مسامعي انه سوف يحل الأمر لكن أعرف يقينا انه غير متأكد في كيفية إثبات وجودي من دون أن يجر على نفسه متاعب أكبر لا يمكن حلها , و أنا لا أريد أن أحل قضيتي بإدخال أخي في متاهة لا يمكن له الخروج منها سالما ...
و هكذا ليكون لي وجود يجب أن تتعقد الأمور و يتأذى من أحب !
*
*
*
كنت لتو أقف في طابور المخبز و أفكاري تنحصر بأنفال و أسئلة ارددها على نفسي منذ ليلة الأمس .. ( هل ما فعلته صحيح أم خطا فادح لا يغتفر ... هل هو أخلاقي أو دليل على دنو أخلاقي .. هل هناك فرصة أم قتلت بحماقتي أصغر فرصة ) .. لتبتر أفكاري من الرجل الطويل الواقف أمامي .
*
*
*
علي الواقف بطابور يؤشر على سيارة سند : هذي سيارتك ؟
سند بتوجس : أي نعم .. في شي .
علي يبتسم : تبيعها ؟
سند الذي لا يبدو أنه بمزاج جيد : لأ ..
علي يستمر في رسم ابتسامته : لا تستعجل برد قبل ما تسمع عرضي .. يمكن أشتريها منك با سعر وحده جديدة .
سند بتهكم : خلاص أجل أشتري وحده جديدة .
علي : مو المشكلة أني أبي اشتري سيارة هدية لشخص عزيز محتاجها بس أنا متأكد انه ما راح يقبلها إذا كانت جديدة ..
سند و كأن الفكرة راقت له : و بكم ناوي تشتريها مني ؟
علي : بكم أنت تبيها ؟
*
*
*
على الرغم من تعلقي بسيارتي و با الأخص أن دانة ولدت فيها إلا أن الواقع يفرض علي بيعها , فا صيانتها مكلفة و أنا انوي الادخار فا تكاليف الزواج باهظة ..
و يبدو أن أنفال تجدها قبيحة , هكذا شعرت من عدة تعليقات وصلتني منها .. و ما دخل أنفال با الموضوع ...
من أخدع .. لها كل دخل .. أريد أن تعجب سيارتي أنفال !!
......................................................
*
*
*
كآبة مزاجي هذا الصباح ملاحظة , فا كل ما يحيط فيني يدعو للحزن ! ..
لم أنم الليلة الماضية و أنا أتخيل والدتي تبكي خسارة منزلها الذي في زواياه شيدت الحب و أرّخت على جدرانه ذاكرة تضم كل من تحب , لتغادره منفية للأبد ! ..
أتمنى لو كان بإمكاني أن أمد يد المساعدة لها بدل الحزن عليها ... لكن ما با اليد حيلة و كل ما أقدر عليه هو اقتحام مطبخ ردينة و إعداد طعام يليق بملوك خسروا ميراثهم بغفلة , على الرغم من أني متأكدة أن الحزن اتخمهم حتى فقدوا شهيتهم لما هو آت .
*
*
*
لا يبدوا لي أنها بمزاج جيد و أنا فاشل في إيصال المعنى الصحيح لقراراتي , فا أنا أعلم يقينا أنها سوف تحور رغبتي بسفر مع أبي و فينوس لمعنى آخر لا أقصده , فا أنا أريد أن أطمئن أن والدي و فينوس استقروا في مكانهم الجديد قبل أن أتركهم , قد يحتاج الأمر لأكثر من شهر أو لأقل من يومين , لا أعرف على وجه الدقة و هنا المعضلة , هل أذهب بوعد العودة بعد يومين أو أجعل المدة غير محددة !
*
*
عذبي الذي انتهى من ارتداء ملابسه : اذا تحبين بعد تقعدين يومين عندهم أنا ما عندي مانع ..
وصايف مستغربة : أنام يومين أنا و عيالي ؟!! ..
عذبي : العيال يحبون علي و بيستانسون معاه .. و أنتِ بعد بتونسين أمج و عمتج .. أكيد يبي لهم وقت على ما يتأقلمون في بيتهم الجديد
وصايف بتوجس : و أنت ؟
عذبي بكل بساطة : أنا بسافر مع أبوي و فينوس .. يومين وراد ..
وصايف بصدمة : تسافر !! .. بها السرعة مليت و رديت لطبعك ..
عذبي الذي توقع هجومها : طبعي !! ..
وصايف تسارع با الهجوم : طبعا لما رديت و حطيتني بجيك و تأكدت ان منافسك بيعرس و ما عاد يمثل لك خطر قلت يله أروح أكافئ نفسي بسفرة ..
عذبي ينطلق نحوها بغضب : فعلا عقلج صغير و الشرها علي اللي أعطيج خبر و أشرح لج أسبابي ..
وصايف تختنق بدموعها : لا بعد .. تبي تسافر و أنا آخر من يعلم .. شرايك أروح أنا و عيالي لأهلي للأبد ..
عذبي يحاول أن يكتم غيضه و يستعيد هدوئه : بلاها ها التهديدات الفاضية .. و أهلج فيهم اللي مكفيهم و أنا بروح مع أبوي و فينوس لأني أبي أتطمن عليهم مو لاني بنحاش منج ..
المسالة كلها أن ابوي ما عمره سافر لأوروبا و لا يعرف يصرف نفسه و فينوس مهما سافرت و راحت و جت إلا أنها بنت و أخاف عليها .. . أرتب أمورهم بيومين و أرجع .. لا تكبرين الموضوع ..
وصايف المستشيطه غضب : روح يا أبو عبد الله .. روح و أحذفنا وراك و أمش ورى من يهمونك أكثر ..
عذبي بملل : و بعدين عاد ... بتعددين لي منو المهم لي و منو الأهم .. أنتم مهمين و أهلي مهمين و الموضوع ما فيه تفضيل ..
وصايف : و أنا زوجتك و من حقي عليك تشاورني و أدور رضاي .. انا مو راضيه تروح و تخليني أنا و عيالي وراك و خالي و فينوس مو أطفال و لا بحاجة لرعايتك ..
عذبي يلين نبرته و يقترب منها في محاولة لتهدئتها : انتِ تامرين على قلبي و روحي .. بس يرضيج أقعد هني و بالي مشغول عليهم .. كلها يومين أروح معاهم أتأكد من وضعهم و أرد .
وصايف المقهورة :.. ما يهمني قعدت يومين أو أكثر .. روح علك ما ترد أو ترد و ما تلقاني حية ...
*
*
*
أرعبتني الفكرة ...
أن أعود و لا أجد وصايف حية .. أرفض حتى تخيل الفكرة ...
لم أتعود من وصايف أثناء خلافاتنا و نزاعاتنا أن ترفع الدعاء علي أو على نفسها , فا أقصى ما كانت تهددني به هو الرحيل و تركي للأبد و هو ما كنت أضحك منه سرا مرددا عن يقين أنه من المستحيل , و حتى عندما كنت أخبرها بنواياي المتكررة على السفر لتطلق أحد تهديداتها التي تختتمها بأنها سوف تكرهني إلى الأبد كنت أيضا أضحك سرا منها لمعرفتي أنها تهذي , لكن أن تدعوا على نفسها با الموت و تتمناه فا هذه هي الفكرة التي لا يمكن أن اضحك منها , بل هذه الفكرة التي لتو زرعت فيني الخوف , أن أعود و لا أجد لها أثر إلى الأبد يعني فنائي !
*
*
*
لم افعلها من قبل .. لم أقوى و لا حتى لمرة على أن أطلب من الله أن يختفي عذبي من على وجه الأرض للأبد , حتى و أنا في قمة غضبي و خيبتي منه لم أتجرأ حتى على تكوين الفكرة ..
لكن هذه المرة أطلقت دعائي راجية الرحمة من عذابات لا أحتمل تذوقها مجددا .. فا عودة عذبي لممارسة هوايته تعني موت قلبي و كل ما يحمل من مشاعر له , إن أراد الرحيل فليرحل للأبد من دون أن يتركني عند المحطة أودعه في كل مرة يمل من تواجده معي و استقبله في كل مره لي يشتاق !
............................................................ ....
*
*
*
متعبة و منهكة و لا أقوى على رفع رأسي من الوسادة , ورائحة هذه الغرفة تثير بي الغثيان .. اعتقد أنني مريضة .. بل أنا مريضة و لا أحتاج لتشخيص طبيب .. أريد أن أعود لنوم لأستيقظ بحواس أقوى و رؤية أوضح يمكن لي بها أن أكون متأكدة أنني مازلت في غرفتي و مازالت النافذة عن يميني و بعد بضع دقائق سأسمع سائق حافلة المدرسة يطلق بوقه المزعج لجلب انتباه ابنة الجيران التي لن تخرج إلا بعد أن تتأكد أن أعصاب السائق احترقت و أذناي صمت ..
*
*
*
ديمة تقتحم غرفة أنفال : قومي يا كسولة وصايف مسوية ريوق ملوك .. يله انفال قومي ... شفيكم كلكم كسلانين اليوم ..
أنفال تسحب غطائها على رأسها و بصوت يدل على التعب : ديمة تكفين خليني أنام ... أنا مريضة ..
ديمة تقفز لسرير أنفال و تزيل الغطاء عنها : عارفه انج تبين تصرفيني عشان ما نروح لردينة ..
أنفال تعتدل جلوسا على سريرها : ما حزرتي ..
ديمة التي شعرت با القلق عندما لاحظت ذبول عيني أنفال : أنفال شفيج .. شكلج فعلا مريضة ..
أنفال تخفي وجهها بين كفيها : أنا غبيه .. غبيه .. غبيه ..
ديمة بمزاح : مو شي جديد .. و كنت أعرف ها الشي من زمااان .. بس انتِ شلون عرفتي ..
أنفال تنظر لها بغيظ : ترى الموضوع ما يحتمل مزح .. أنا بورطة
ديمة وبان الذعر على محياها لتهمس : بورطة ؟!! ..
أنفال تبتلع ترددها لتسرد لها كل ما حصل لتنتهي ب ..:... ومن سكرت الكمبيوتر و نطيت بفراشي و أنا مره بردانه و مره حرانه و مره أهذري و أسولف على نفسي ومره أخبي راسي تحت الوسادة من أفكاري ..
ديمة التي كانت مصغية من دون مقاطعة انفجرت ضاحكة : هذي حوبتي يوم قلت لج أنج تحبينه و انتِ تهدين علي و ترددين أنتِ خبلهو كل ما نصحتج أكلتيني ..
أنفال بغيض : أكلج القرش قولي آمين ..
ديمة تمسك برقبة أنفال : استغفري .. استغفري اللحين ..
أنفال تبعد يدا ديمة لتسعل : يا ثقل أدينج .. قطعتي نفسي .. أستغفر الله .. أرتحتي اللحين ...
ديمة بنشاط : أي الحمد الله ... يله قومي أنتريق ..
أنفال بدهشة : اللحين أقولج السالفة اللي أعفستني و مسهرتني طول الليل و أنتِ بكل برود تقولين يله نتريق ..
ديمة : انا وحده ما أعرف أفكر إلا لما آكل .. و بعدين و حنا بطريق لزيارة وضوح نتكلم عن الموضوع و يمكن نطلع بفكرة تريحج ..
أنفال ترفع حاجبها استغرابا : نزور وضوح ؟!! ..
ديمة : مو أنتِ ما تبين تشتغلين عند ردينة ... خلاص لقينا لج سيدة أعمال ثانيه ..
أنفال لم تفهم : وضوح ما عندها أعمال يا آنسة ديمة ..
ديمة : شفتي انج ما تدرين عن شي .. وضوح مشاركة براس المال في شركة التجهيزات الغذائية الي أسسوها بنات خالها و يشتغلون فيها و هذا هم مكسرين السوق بشغلهم ..
أنفال : أي الله يرزقهم بس ما فهمت أنا شدخلني ..
ديمة : الله يسلمج عرفت من وضوح أنهم موسعين شغلهم و يبون موظفين ..
انفال : أي و تبيني أروح و أقط وجهي عند وضوح اللي منحاشة منا.
ديمة بجدية : اسمعي يا أنفال . .تبين تصيرين حساسه معناه ما راح تعيشين , وضوح بنت خالج و إذا زرتيها معاي عادي .. هذي هي استقبلتني و هي تكره أمي .
أنفال : ادري وضوح راح تستقبلني أحسن استقبال, بس أنا عارفه أنها ما تبي أي شي من صوبنا و متأكده أنها تفضل ما تشوفنا مره ثانيه , و انتِ بذات تلقينها مو متحمله تزورينها .. و أنا وحده كرامتي فوق كل شي و ما أتحمل أقعد مع ناس مو متقبلين وجودي .
ديمة تزفر بضيق : ها البنت شلون أفهمها .. أنفاااااالووووووه وصمخ أسمعي عدل ... أصيل يبي يتزوج و أبوي حط أسمج في أول القائمة و عذبي مصوت لج , و مالج إلا وضوح وتأثيرها على ساري لصار ما صار ..
أنفال التي ألجمتها الصدمة : أنا آخذ أصيل ! .. لاااا يمكن ...
ديمة تنفجر ضاحكة : مو أصيل اللي كنتِ مخططه عليه و إلا لما عطاج سند وجه نسيتي كل شي ..
أنفال تضرب ديمة بوسادتها : قومي أطفحي عشان نروح لوضوح .
............................................................ .....
*
*
*
عندما أعلنت فينوس رغبتها با السفر بدت أمي جدا مساندة للموضوع لكن عندما تبرع أبي بمرافقتها تغير مزاج والدتي و أصبحت عصبية في كل الأوقات , والدي لم يهتم لتغير مزاجها بل بدا متحمسا لسفر أكثر من فينوس التي بدا عليها التردد مؤخرا , فا مره تردد أنها تتمنى لو أن وداد ترافقهم لتتسلى و مره تلمح أنها قد لا تعود من السفر بفائدة ! ..
أما أنا فا موضوعي ركن بزاوية , ظننت أنه حالما أعلن عن رغبتي بزواج سيطير الكل فرحا لكن هذا ما لم يحصل , و عندما أعلنت امتعاضي خلص والدي نفسه با اقتراح أنفال زوجة لي بينما عذبي أيد الاقتراح بشدة , أما والدتي و هي العنصر الأهم في الموضوع رددت دعني أفكر , و لقلة حيلتي أدخلت أخواتي في الموضوع و أنا من كنت أرى أن لا شان لهن في اختيار شريكة حياتي ..
*
*
........... ليلة الأمس .............
*
*
ديمة التي استدعاها أصيل على عجل تقف أمامه خائفة : احلف لك على القرآن ما سويت شي ..
أصيل يرفع حاجبه مستغربا : ما سويتي شنو ؟!!
ديمة بخوف : مدري ..
أصيل بتململ : صج غبيه تخافين من شي ما تدرين عنه ! .. المهم رفيجتج أنفال تصلح زوجة لي و إلا بيطلع فيها مية عله مثلج ..
ديمة تلاشى خوفها لتدافع عن أنفال : أنفال أحسن مني و منك ..
أصيل يبتسم : زين .. شكلها غاليه عليج و بتأقلمين مع وجودها في البيت .. و يحبها الكل و تشبه وصايف بشكل .. كل هذا بصالحها ..
ديمة الخائفة على أنفال : طبعا غاليه علي .. بس ما أعتقد أنها تصلح لك .. أنت كبير حيل عليها و هي صغيره و دلوعة .. ما راح تحملون بعض ..
أصيل يقف أمام ديمة محتار : لأ عاد أن ما أتحمل الدلع .. زين منو اللي تصلح لي ..
ديمة تطلق ضحكتها من دون إدراك : أنت تشاورني ؟!!
أصيل يخفي خجله : لا طبعا .. يله فارجي ..
*
*
*
كان موقف سخيف دافعه اليأس , فا كيف ألجأ لديمة السارقة لترشح لي عروس .. و حتى أختي التي أحب ستكون مرشحتها مرفوضة
فا كيف ستختار لي إن كانت من قبلي فشلت با الاختيار لنفسها !
*
*
*
علي الذي تلقى اتصال أصيل الصباحي بمزاح : يعني لازم أكون أول واحد تصبح عليه ..
أصيل : مو كأنك صاير مغرور ..
علي المازح : مو ذنبي .. الكل محسسني أني اهم واحد في حياته ..
أصيل بتأفف: ما عليه تحملنا فترة و تعدي ..
علي يطلق ضحكته الرنانة : زين تعال تريق معانا ..
أصيل: سبقتك .. انا متصل بشوف شنو جدول أعمال حضرتكم لهذا اليوم .
علي : يا طويل العمر نويت أشتري سيارة مستعمله من واحد طلع معرفة .. تعرف خالد زوج هند اللي أكمخك على راسك .. بشتري من أخوه سيارته .
أصيل : ما شاء الله ... علومي كلها عندك .. زين يا أخ علي و ليش تبي تشتري سياره مستعمله و تفيد ناس ما ابلعهم و أنت تقدر تشتري جديدة ؟!!
علي : لأنها صفقة حلوة .. و السيارة ماراح تكون لي و لا بفلوسي .. و لا حتى بأسمي ..
أصيل : مالي خلق أحل الغاز ؟
علي مبتسما : وضوح تبي تشتري سيارة لأنفال بدال اللي باعها أبوها و قالت لي أدور مستعملة و تبي أختك ديمة تقدمها لها هدية من دون ما تقول لها أن اللي شرتها وضوح .
أصيل : شكل الكل يحب ها الأنفال اللي ما وراها مصلحة ..
علي : لكل واحد على ها الأرض أحد يحبه من دون سبب أو مصلحة ..
*
*
*
و هذا ما أبحث عنه , من هي التي تقبل بي عن حب و من دون مصلحة , احتاج تلك المرأة التي فشلت بإيجادها في رحلة بحث امتدت لأعوام طويلة و التي في رحلة بحثي عنها أسأت لنفسي و لمن أحب ! ..
............................................................ .......
*
*
*
قبل أن نصل ندمت , لم يكن علي أن أرضخ لتهديد ديمة , و لم يكن علي توقع الأسوأ , أن خطبني أصيل يمكن لي أن أرفض بكل سهولة حتى أن رأى كل من حولي أنني مجنونة .... لكن لما المخاطرة و ما يمكن أن أجنيه من الاقتراب من وضوح أكثر مما يمكن لي خسارته ؟!
*
*
*
ما إن وصلنا و التفت على أنفال حتى تبينت ندمها , لكن إن حاولت أن تتراجع فا أنا لها با المرصاد , وضوح مفتاح هذا المنزل و أنا سأملك مفتاحه و أنفال قضيتها تساند قضيتي و عليها أن تؤازرني حتى لو جهلت تفاصيل المخطط و هدفه الرئيسي لتفوز كلانا ..
و هكذا ترجل كلانا من السيارة , أنا على عجل و هي ورائي تؤخر خطوتها كأنها تحاول الهرب من دون أن ألحظها , وصلنا لتستقبلنا المربية السابقة التي توسطت هذا البيت لتكون أحد ملاكه !
*
*
*
وداد بنبرة ترحيب : و ردونة شلونها .. أشتقت لها .. ياليتج جايبتها معاج ..
ديمة التي لم تعد تطيق وداد منذ أن جعلت علي هدفها : يووه يا وداد ردونه طفلة و تلقينها نستج ...
وضوح التي لم يعجبها رد ديمة : الأطفال لما يحبون يحبون بصدق و ما ينسون اللي حبهم ..
أنفال التي هي الأخرى لم يعجبها رد وضوح : و أنا بعد أقول جذيه لديمة ..
ديمة التي استغربت من وقوف أنفال ضدها : قلتي لي ؟!!
أنفال : أي لما قلت لج أن علي ولد ساري لا يمكن ينسى وضوح و حبها له قلتي لي الأطفال ينسون بسرعة .
وضوح عرفت أن أنفال ردت عليها بالقاضية : خلينا من الأطفال و قلوبهم و خلينا نركز مع الكبار و عقولهم ..
أنفال شعرت بأن وضوح تعد لها وجبة دسمة من التقريع : شكلكم مشغولين و حنا جيناكم ها الصبح من دون موعد ..
وضوح تسارع برد على أنفال التي همت با الوقوف : أقعدي يا أنفال للحين ما خلصنا موضوعنا ..
أنفال ليست متأكدة مما أقحمت نفسها به : أي موضوع ؟!!
وداد قبل أن تجيب وضوح استأذنت لشعورها بان الموضوع شخصي : أعذروني أنا عندي موعد و لازم أطلع اللحين ..
ديمة التي فرحت بنية وداد على المغادرة : أذنج معاج ...
*
*
*
منذ أن أنهيت فطوري و أن أنتظر مغادرة شملان لعمله و مغادرة سالم لمدرسته لأتوجه لوداد و اقضي معها ساعة قبل وصول أصيل لكن صدمت بتوقف سيارة ديمة و برفقتها أنفال لزيارة صباحية غير متوقعة , غضبت و أنا ليس من طبعي الغضب لوجود ضيف في منزلنا ... لكن بعد مرور دقائق سمعت طرقا خفيفا على باب مجلس الرجال لتدخل وداد على استحياء , وددت أن أرحب بها بشكل خاص و استقل الفرصة التي أتيحت لي لكن وجدت نفسي مثبت في الأرض كا مسمار في لوح لا يقوى الحراك ...
*
*
*
وداد تقترب من علي الجالس على الأرض أمام القهوة : أبي أزور أم سعيد جارتي .. لم اتصلت عليها قالت لي بنتها أنها مريضة .
علي الذي شعر بثقل لسانه : أي حق و واجب ..
وداد بخجل : بس ما عندي أحد يوديني ..
علي كأنه لتو يستوعب طلبها ليرد من غير ترتيب : أي أنا أوديج .. و لا يهمج .. حنا كم أم سعيد عندنا ..
وداد تطلق ضحكتها الرقيقة بعفوية : اللحين أم سعيد لها عندك خاطر و أنت حتى ما تعرفها ؟!!
علي بابتسامة خجولة : يكفي أنج تحبينها عشان يكون لها خاطر عندي .
وداد لم تعرف كيف ترد : أحس الوقت مبجر و يمدينا نتقهوى ...
علي الذي عذر لها تهربها : ما تقهويتي مع ضيوفج ؟
وداد تمد فنجان القهوة له : الضيوف جايين لوضوح مو لي و حسيت أن عندهم سالفة خاصة قلت أسحب نفسي و أستقل الوقت بزيارة أم سعيد .
علي يمسك با الفنجان و يتعمد أن يلامس أناملها : أبي منج وعد ..
وداد التي شعرت بان خديها تشتعلان : بشنو تبيني أوعدك ؟
علي يغمز لها و أبتسامته تشع في وجهه : أنج كل صبح تجين هني و تقهوين معاي ..
وداد تتهرب من الوعد لتباغته بسؤال : ليش ما جيت تسلم على البنات ... وحده بنت عمك و الثانية بنت عمتك .. يعني مو أغراب بتستحي منهم ..
علي لم يعجبه السؤال : شنو الإجابة اللي تتمنين تسمعينها ؟
وداد تلاشت شجاعتها : ما سألت و أنا في بالي إجابة أتمناها ..
علي يباغتها بإجابة قاتله : أي ما أحب أشوف أنفال لأنها طبق الأصل من وصايف لما كانت بعمرها , و تبين تعرفين ردة فعلي لما جت وصايف تسلم علي في غدا عمي .. أنصدمت ... حيل تغيرت و صارت ملامحها أكبر لدرجة أني لما شفت أنفال قبلها كنت منصدم شلون تتغير اشكالنا كلنا إلا هي ! .. بس لما حضرت تأكدت أن الكل تغير و طلع له شبيه !
وداد التي أدخلت نفسها بزوبعة شكوك و تزعزعت ثقتها بنفسها اختصرت الألم : شبيه ؟!!
علي : بجيب لي صورة و أنا صغير عند أصيل .. بتنصدمين من الشبه بيني و بين علي ولد ساري ..يشبهني حيل !
و عبود ولد عذبي يشبه أصيل و حتى حركاته و صوته طبق الأصل .. أما فطوم تشبه فينوس حلوة و مو حلوة ! .. أما الأمورة ما شاء الله ردونة .. سبحان الله طبق الأصل من وصايف لما كانت صغيره و اللي يضحك أن أنفال الجميلة طبق الأصل منها بأول شبابها ... يعني طلع لها شبيهين !!
*
*
*
خص ردينة الصغيرة بوصف " الأمورة " و أنفال با الشابة الجميلة !! .. أنا لست أكبر من أنفال بأعوام كثيرة بل أنا و هي من نفس الجيل لكن هي تشبه و صايف الجميلة و أنا .. أنا من اشبه في خيالاته ! .. هل أشبه تلك الأنثى التي ظن أنه وقع في غرامها أم أشبه زوجته التي وجد نفسه مرتبطا بها لتكفير عن ذنب ظن أنه أرتكبه ! .. كيف يراني علي .. هل يراني كما أرى نفسي عندما أكون معه أم يراني بصورة لا أطابقها في المرآة ..
هل يعقل أنه يراني على هيئة الأنثى التي سكنت مخيلته على الدوام لينسخها في أول أنثى تقبل تحويلها صورة لأمنياته ؟!!
*
*
*
علي بنبرة لم تخفي ندمه : وين رايحة ..
وداد قبل أن تغادر المجلس : تذكرت أن وضوح تبي تتعرف على أم سعيد , راح أنتظر لين البنات يروحون و أروح أنا وياها ...
علي يسارع لها قبل أن تخرج : إذا كل ما تكلمت بشي ما يعجبج بيتغير مزاجج فا هذي مشكلة يبي لها حل ...
وداد التي خنقتها العبرة : و الحل برايك ؟
علي بجدية : تكونين أكثر ثقة بنفسج .. أنا أحب المرأة تثق بنفسها قبل ما تثق بمشاعر اللي يحبها ..
وداد تجيب بما تفكر به و بكل صراحة : المشكلة يا علي صرت واثقة انك تعدد أشباها ... و أنا صرت أفكر أن الشبه متوفر حتى لو الأصل مو ممكن ..
*
*
*
لا أعرف لما ختمت حديثي معه بأقتراح غبي , هل أقترح عليه أن يفكر با أنفال كا بديل ؟!! ... تأكدت اليوم أن علي لم يحب وصايف بل فتن بجمالها , و ها هو باعترافه يجد أنفال تقتسم معها الملامح و تأخذ عنها الشبه , مشكلة علي تعلقه بهيئة معينة تميز فتاة أحلامه , نعم علي يريد الزواج مني و له عدة أسباب منها انشراح قلبه لي و اقتناعه بنجاح زواجنا لكن صورتي لا تغريه و هذا ما نبشته من الذاكرة و قارنته مع شبيهة محبوبته ....
*
*
*
....................... من ذاكرة وداد في سجن علي .....................
*
*
علي يراقب وداد التي لتو دخلت بصينية الغداء : شعرج فيه شقار خاصة تحت ضوء الشمس ..
وداد بخجل : أبوي يقول أمي كانت شقره .. طبعا مو مثل الأنجليزيات بس شعرها ما كان أسود .. يعني ..
علي مقاطعا حديثها : فهمت قصدج .. بس أنا أعتقد لو تصبغينه أسود بيكون أحلى عليج ..
وداد تمسك بأطراف شعرها لتتأمله : أصبغه أسود ؟.. مدري .. أحس اللون حيل بيصير علي قوي ..
علي يصمت لدقيقة : فعلا بيصير عليج قوي .. انتِ ملامحج حيل ناعمة و بريئة و الأسود يحتاج لوحده حادة ملامح و عيونها با الفتنة قاتلة ...
*
*
*
كانت هذه المرة الأولى التي أغار من خيال أنثى صورها علي أمامي بدقة لدرجة أني في أول لقاء مع وصايف طابقت الوصف من دون أن اعلم أنها المقصودة ...
و المضحك أنني حاولت أن أقارب الصورة و صبغت شعري با اللون الذي أقترح و أكثرت الكحل الأسود حول عيني البنيتان و حتى أني صبغت شفتاي بلون الدم القاني ....
*
*
...................... من ذاكرة وداد .........................
*
*
سالم : يمه تخرعين .. جنج فامباير ..
وداد : شنو هذا .. الفا ..
سالم موضحا : أقصد تشبهين مصاصة الدماء ..
وداد تتأكد من مظهرها أمام المرآة : أي .. فهمت .. قول مصاصة دماء إلا يعني تفلسف علي بها الكلمة الجديدة اللي لاقطها من التلفزيون ..
سالم يتأملها و يكتم ضحكته : زين أنتِ بتدخلين على علي بها الشكل ؟
وداد بتردد : أي شفيها .. و إلا تبيني ألبس قناع عشان حضرت جنابه ..
سالم بمزاح : أقول وداد ترى علي مجنون ما له داعي نروعه ..
وداد بغضب : سالم فكني من شرك .. و يله قدامي نودي لأكل لعلي ..
*
*
*
لا حاجة بي أن أسرد الذكرى التي حاولت أن أنساها , يومها علي آذاني و آذى سالم الذي حاول أن يحميني .. فقد أنطلق نحوي ثائرا محاولة تمزيق شعري و هو يردد أكرهك !
هذه الحادثة التي جعلتني اهرب بأخي من جنونه و هي نفس الحادثة التي جدا تأخرت في تلقيني الدرس !
كل شيء الآن يبدوا أكثر وضوحا .. علي يخاف ما يريده و يبتعد عنه لنقيضه و لما لم يفكر به من قبل !
............................................................ ...
*
*
*
أصيل في السيارة مع علي : شنو اللي قالب مزاجك ؟
علي المتوتر: شكلي زعلت وداد ..
أصيل : يا ها الوداد اللي تحكم بمزاجك ..
علي : نشوف باجر يا أصيل لما المدام تزعل شراح يصير بمزاجك
أصيل : وينها ها المدام .. شوي و أحط إعلان با الجريدة ..
علي : معقول ما رشحت لك الوالدة وحده صاروخ ؟!!
أصيل يغرق بضحك : لأ .. و ما أعتقد أمي تفضل تزوجني وحده جمالها طاغي .. تعرف في بيتنا نتحسس من اللي جمالها مو عادي .. و الوالدة من نوى أبو عذبي السفر مع فينوس و عقلها مو معانا ..
علي : و خواتك ؟
أصيل : في ها السالفة أفضل ما أدخل خواتي , فينوس ما تعرف تحكم على الناس و ديمة صغيرة ما أقدر آخذ برايها ..
علي : تبيني أكلم لك وضوح ترشح أحد من معارفها ..
أصيل أستحسن الفكرة : أي ليش لأ .. أنا متأكد وضوح راح أدور لي على الزين ..
............................................................ ........
*
*
*
ما زال الوقت مبكرا على العودة للمنزل .. لن أعود الآن و أجد نفسي مضطرة لتوديعه .. , إن كان يريد أن يسافر فليسافر من دون أن أبين له كم سأشتاق له , فا أنا اعرف نفسي وأن دموعي ستفضحني عندما أراه يودع أطفالنا من دون أن يطبع قبلة وداع على خدي .. و أنا لن أكتفي بتلويح .. قد أنطلق نحوه لأتعلق برغبته و ارجوه أن لا يسافر و يتركني خلفه ! ..
*
*
لم تعود و قد تكون بذلك قررت معاقبتي قبل أن أرتبك الذنب الذي صنعته بمخيلتها , و أي كان خيارها فا أنا لا أراها تستحق مني هذه المعاملة , لا .. لن أذهب من دون رضاها ..
*
*
عذبي : استخرت و قررت ما أسافر معاكم ..بس أن شاء الله أني بزوركم مع وصايف و عيالي عن قريب ..
أبو عذبي بممازحة : مو قلنا من الأول خلك في أرضك لا يطير شعبك ..
عذبي يضحك من تلميح والده : شعبي قاسي يا أبوي و ينخاف منه .. أقعد و أراضيه لا أفقد الحكم كله ..
أبو عذبي الذي لمح فينوس متوجة لسيارة عذبي : تعالي يا فينوس بنروح مع السايق ..
عذبي : مالك لوا أنا اللي بوصلكم للمطار ..
فينوس : ما راح تروح معانا ..
أبو عذبي يجاوب قبل عذبي : لأ أنا أبيه يقعد عند أمج .. ما ينفع نخليها كلنا ..
عذبي : يله توكلنا على الله ..
*
*
*
لم نصل للمطار فقد أختل توازن سيارتنا و كان الموت لأحدنا أقرب .. لتنتهي الحكاية بفراق أبدي سيحطم قلوب بروح المغادرة متعلقة .
............................................................ .........
*
*
*
عندما يغيب فصل جميل من حياتنا .. هل نموت ؟
هل ينتهي الحلم عندما يضيع منا أحد مفاتيحه ؟
أيا كان الجواب . .الحياة تستحق أن نعاود المحاولة من جديد !
............................................................ ..............
*
*
*
نلتقي في العام الجديد بأذن الله ..