الجزء السادس و العشرون :
*
*
*
بعض البشر متمرسين في توقع الأسوأ
و البحث عن مواضع الخلل فن قبيح يجيده المتشائم منهم
و أكثرهم حظا من يتوكل على رب العباد و يقدم ..
*
*
*
ملاك المفردات و أصحاب الأقلام و كل الشعار لا يمكن أن يسعفوا من وجد توأم روحه من بعد ما فصلهم الموت و عادت بهم الحياة !
لعنان السماء وصلت ضحكاتي لأعود معاتبا ما ترجل من دموعي ,
ليس للأحزان دعوة و ليس هناك من مرحب و لا مستأنس بها عند تلاقي الأحبة , جامحا بأمنياتي انطلقت إليه هذا الصباح أردد مع نبضاتي اشتقت لك يا صديقي , لأتعثر في أول خطواتي له بنظراته التائهة و أسقط على بعد خطوات لأكتفي بتأمله !
لم يعرنا انتباهه و عاد لمرآته كأنه يعود لشخص حي يجاذبه أطراف الحديث !
*
*
*
ألتزم مكانه و توقف الزمن تاركا لكل منهما تأمل الآخر لتنتهي اللحظة بخطوة للوراء أتخذها علي نحو مرآته ..
لم يكن هذا ما رسمته في خيالي لهذا اللقاء الذي طال انتظاره , فا هذا الصباح كان يشع با الأمل و كل مشاعر يترجمها الفرح , سارعت أنا و أصيل نحو المزرعة لنلتقي علي من دون أنا نثير بلبلة أو نتقاذف الاتهامات أو نكثر العتب لردينة فا سعادتنا بمعرفة مكانه و حقيقة أنه حي و بخير كانت تكفي لتحميلنا عرفانا با جميل لا يمكن قياسه , لكن هذا الجمود و التباعد من علي جعلنا متوجسين و في حيرة من أمرنا , هل فشل علاجه ؟!! .. و هل من ظننا أنه عاد للحياة ما زال مكبلا خلف أسوار الجنون ؟!!
*
*
*
استحضر عقلي كل ما فات كأني كنت في سبات عميق و أفقت بلحظة اختصرت فيها كل الأزمنة !
صور متعددة تتداخل في عقلي كأنها تعد لمعركة , منها ما هو ممزق لألف ألف قطعة , و منها ما هو شديد الوضوح لدرجة مرعبة !
وها أنا أقف أمام مرآة بلورية تعكس الزمن الحقيقي كاشفه عن ما غيرته الأعوام التي مضت , أبدو كا شخص ترك جسده و مضى في آلة الزمن حيث المستقبل ليعود و يجد جسده مل الانتظار و انتحر !
*
*
*
أصيل بنبرة اختلطت بها العبرة يهمس لوالده : ما عرفنا ..
أبو عذبي هامسا بنبرة مواسية : بنتعرف عليه من جديد ..
علي مقاطعا بابتسامة مرهقة : شصار لي يا عمي , كلي متغير ؟!
*
*
*
لم يجاوب والدي با كلمة فقد أندفع نحو علي محتضنا له مرددا انه آسف و انه يحمل أثقالا من الذنوب و كل ما يرجوه العفو , أما أنا فقد جلست بمكاني أجهش ببكاء مر غلف استيعابي لما يدور حولي , كأنني لتو استوعبت حجم المفقود و طول الفقد , خائف من الاقتراب و اكتشاف أن ما كنت أبحث عنه مجرد طيف لروح أبت المغادرة !
*
*
*
علي الذي ما زال عمه محتضنا له أطل برأسه مناديا أصيل : أصيل يا أخوي لا تهدر دموعك ترى الوجع عني خف ...
*
*
*
ضحكت و عدت للبكاء فقد اختلط ما أدركت و ما تمنيت حصوله , ها هو علي بروحه الحساسة و سماحة خلقه و حنيته المتدفقة يسامح و يعفو و يطلب أن ننسى الماضي ! .. هاهو علي صديقي عاد بهيئة جديدة و روح مناضلة تحارب ما علق بها من تعب تطلب منا المؤازرة في رحلته الجديدة ..
*
*
*
علي الجالس بين عمه و أصيل : آخر ما أتذكر لما أكلنا من مرقوقة أم ديمة اللي وصتنا نوصلها لأم عذبي بعدها كل ذكرياتي مشوشة
أصيل غير مستوعب : اللحين بتفهمني أن من كان عمرنا 11و أنت عقلك مغيب .. شلون أجل كملت حياتك طبيعي .. درست و كونت اصدقاء و ..
علي يبتسم مكملا : و حبيت .. و خطبت ..
أصيل بخجل : و حبيت و خطبت ..
علي : ما كنت طول الوقت غايب و لا كنت طول الوقت حاضر .. المشكلة لما أحضر أحتار وين كنت غايب !!
*
*
*
لكنك الآن طاغي حضور و في وجودك يبدوا العالم في منتهى الاختلاف ... أشعر باني أصبحت بخير و أن العالم أصبح أجمل .. حتى الخوف المبهم الذي كنت أحمله بين أضلعي .. بحضورك لم يعد له وجود !
............................................................ ................
*
*
*
منذ أن علمت بقصة علي و هي محنطة !
جسدها موجود و روحها هاربة ..
تعمل بكل آلية , تطبخ و تنظف و تحمل علي الصغير لكل الأمكنة التي تقصدها و أنا هناك في الزاوية مهمل , لا أعرف لما تعاقبني على الرغم من أنني أقسمت أمامها بأني كنت آخر من يعلم ..
لكن هذا الصباح اختلف الوضع و كنت مع أوائل من علموا و لها سارعت با الخبر حتى أحضا با الصفح عن ذنب لم أقترفه !
*
*
*
ساري بذهول : أقولج لقوا علي و هو بخير و فوق جذيه تعالج ورد له عقله ..
وضوح : و أنا أقولك .. بشارك بنات خالي في مشروعهم .
ساري بخوف و توجس يمسك بوجه وضوح بين كفيه : وضوح علي حي .. علي رد ..
وضوح تنفر منها دمعه لتسقط على كف ساري : حرام عليكم تعبتوني .. علي مات .. خلاص .. خلاص ماااات .. و انا حية و بعيش .. أبي أشتغل و أكون اسرة و أطلع من ها البيت التعيس ..
*
*
*
توقفت عن سرد أمنياتها و ارتمت على صدري جاهشة ببكاء مر
لم يتوقف إلا عند إغفائها من التعب ..
............................................................ ...................
*
*
*
شملان يغلق حقيبته : هذا اللي فهمته من أصيل .. علي ما يتذكر منو أنتِ ..
وداد الواقفة بجانب أخيها في منتصف غرفة المستشفى الذي ينوي ساري مغادرته الليلة : وأنت تصدق أصيل الجذاب ..
شملان مستهزأ باتهامها : جذاب !! .. شنو مصلحته ؟!! .. وليش من الأساس يجذب بشي راح ينكشف .. على العموم أنا بنفسي رايح لعلي اللحين و راح أعرف منه كل شي ..
وداد برجاء : أخذني معاك له .. أكيد لما يشوفني بيتذكر ..
شملان يستعد للمغادرة : الأفضل اللحين يكون حوالينه الناس اللي كانو معاه با الفترة الأولى من حياته .. اللي فهمته من أصيل أن علي حاليا تنحصر ذاكرته في الزمن اللي سبق حريق بيتنا .. بس هذا مو معناه أنه ما راح يتذكر شي من الفترة اللي قضاها معاج ..
وداد تتصارع مع أحزانها و ترد الدمع : و أنا شنو مصيري لين يتذكر ..
شملان قبل أن يتركها ورائه : أنسيه و راح أعوضج عشان تبدين حياة جديدة ..
*
*
*
حياة جديدة من دون علي لا تغريني ..
علي هو كل الحياة التي أتمنى أن أعيشها , هو مجمل الأمنيات و سقف الاكتفاء , و ممارسة حياتي من دونه عبث أراوغ به قلبي الذي ثقب مع أول ابتسامة خصني بها ..
يا لك من قاسي متجبر اخترت أن تنهي مهمتي التي لم أختر بعد أن كسر قلبي و أصبح ملكه .. كيف أبدا من جديد و أنا منذ أن تاه لم أعد أعرف من أنا .. كان الكل يبحث عنه و أنا أبحث عني أنا ..
فكل ما كنت أراه بمرآتي ملامحه .. و كل صوت يحمل كلماتي كان يحمل نبرته .. حتى مفرداتي العادية أصبحت أزينها لتشبه ما كان ينسج .. لعلي أحتاج لأعود لتلك التي أغدق عليها حنانه !!!
............................................................ .............
*
*
*
.......... بعد شهر من عودة علي لحياتهم ...........
*
*
*
كان عتبة في حياتي تركت عليها السعادة بكل سذاجة لأمضي مرغمة في طريق مجهول , لم يكن حقا مضيا إلا بما يقاس من الزمن فا أنا لم أتعلم و لم امضي بروح مناضلة نحو ما هو قادم بل تركت لهم مهمة دفعي للإمام بينما أنا أنظر للخلف متسائلة !
.. وضع غريب جعلني بموقف ضعف فقدت به إرادتي للأبد و أنا الملامة الوحيدة لما آلت إليه حياتي ...
*
*
*
ديمة تقتحم خلوة فينوس : أنتِ للحين ما لبستي !
فينوس تترك مرآتها لتلغي بجسدها على فراشها المثخن بأحزانها : أنا تعبانة و ابي أنام لو سمحتي طفي اللمبة و سكري الباب وراج .
ديمة باهتمام تقترب : أنتِ صار لج مدة ما أنتِ طبيعية , إذا يعورج شي لا تهملين نفسج راجعي الطبيب .
*
*
*
حل بسيط يتناسب مع تفكير ديمة العقيم , لكن هذا لا يمنع أن اعترف أن ديمة تجيد ممارسة حياتها ! ..
أختي الصغيرة محظوظة بعقل لا يعقد المشاعر و يأسرها تحت مسمى يرهقها , فها هي عندما لم تعجبها الحياة مع والدتها لم تجبر نفسها على التكيف و ترديد مقولة الوقت خير معالج بل اختارت الحل الأسهل و عادت تحت ظل والدتي التي عادت لها الحياة بهزيمة أم ديمة إلى الأبد !
و ها هي ديمة المشتعلة النشاط و المحلقة في أفق السعادة تضجرني بأحلامها من جديد ..
*
*
*
ديمة بحالمية و هي تتجه للباب: علي اليوم كشخته كشخة معرس , على العموم طبيعي يكشخ مو وليمة الغداء على سلامته ...
فينوس تقفز من فراشها لتسبق ديمة نحو الباب و تغلقه: لا تعلقين فيه لأنج بتتعبين , علي للحين يحبها و ماراح يفكر يتزوجج أو يتزوج غيرج , هذا هو تخلى عن الوحيدة اللي تحملت جنونه .
ديمة مهاجمة : أنتِ اللي أصحي و لا تعممين تجربتج الفاشلة , علي حب وصايف حب مراهقة و هو مو بكامل عقله و نسى الثانية لأنها ما احتلت جزء من قلبه عشان تستحضرها الذاكرة , أما أنا راح يشوف فيني مستقبله اللي يتقدم له بكامل عقله .
*
*
*
ألجمت كلماتي و صغرت الفكرة التي انطلقت منها بهدف حمايتها , طرحت ديمة قضيتها و ترافعت بها أمامي بكل ثقة , فا هي لم تردد أسبابا وردية على شاكلة أنها معجبة أو وقعت في حبه من أول نظرة , و لم تتمادى و تتحدى بأنها سوف تجعله يقع في حبها , ديمة جردت الحقيقة بكل بساطة حيث وضعتها في حزمة مصالح متبادلة ... علي يريد أن يمضي نحو مستقبل لا يضلله طيف أنثى غدرت به ونبذت مشاعره أمام الكل , و لا هو في حاجة لأنثى تمثل فيها الضعف بكل صوره ليكون كل ما يعرف عنها أنها كانت ممرضه بثمن باهظ رافقته في حقبة يرفض أن تستعيدها الذاكرة .
*
*
*
ديمة تنتشل فينوس من شرودها : شملان قاعد تحت وماكل الجو يضحك ويسولف وينكت بعد , و ابشرج زايد وزنه و صابغ شيباته و لا درى عنج يا المسكينة ...
*
*
لم تستطع ديمة استفزازي فما ألقت على مسامعي رأيته بأم عيني قبل ساعة عبر نافذتي المطلة على الخيمة التي نصبها والدي للاحتفال با عودة علي ..
بدى شملان جدا متألق و وسامته التي محورها ابتسامته كانت محور حديثي الداخلي , كنت في صراع بين عشقي له و مقتي الشديد لشخصه الذي لم أكتشفه إلا باعترافه الذي آذى به روحي إلى الأبد .
............................................................ ......
*
*
*
تفرق الجمع من مأدبة الغداء التي كان نجمها علي بامتياز , ليبقى أفراد العائلة يحيطونه باهتمامهم و حبهم , وهو كان أكثر من سعيد بكل هذا الاهتمام , ابتسامته لم تفارق محياه طوال الوقت حتى عندما أتى عمي بنساء العائلة لسلام عليه و من ضمنهم وصايف , بل بدا مسرورا و غير مهتم بأحد معين , يوزع ابتساماته و سلاماته للكل من دون استثناء , أما تلك التي تأسر تفكيري لم تحضر من ضمن من حضر و أنا من كنت التصق بعلي حتى أسمع صوتها بوضوح و هي تلقي عليه السلام , فا أنا كنت أجلس هنا في حالة مزرية أصطنع ابتسامات متعبة و أراقب النوافذ خلسة لعلي ألمح لها طيف لتخذلني الستائر المنسدلة بقسوة , لم تحضر و الجواب واضح لم تغفر لي و لن تغفر لي أبدا .. لكن أليس هذا ما رددت أني أتمناه لها .. أن تكرهني و تمضي نحو حياة أسعد تظلل بحنانها أطفال يشبهونها ليكون هذا العالم أجمل ..
و الآن كل ما أريد أن أعرف إلى أي مدى وصل بها الكره لي و لأي مدى هي مستعدة للمضي قدما , فأنا غير قادر على الابتعاد و يجب أن تتخذ هي الخطوة الأهم لإنهاء قصتنا.
*
*
*
أجر أنفاسي و عضلاتي تصرخ تحت وطأة الحركات المصطنعة من أجل المجاملة , فا خداي تؤلماني من شد الابتسامة و الإصرار على المحافظة عليها لأطول وقت ممكن , ويداي اللتان أود أن أحطم بها كل ما حولي تأن من شدي لأعصابها ...
هي السبب .. فا حضورها باغتني و صوتها الهامس بسلام متباطئ أشعل النيران في قلبي ..
كيف لم تبلغني بحضورها لسلام على علي , بل كيف تجرأت على السلام عليه و هي تعرف أن كل ما يحفظ في ذاكرته بكل دقة هو تفاصيل حسنها و كل أمنياته بقربها !
كيف لها أن تضعني في هذا الموقف الذي يكاد أن يزهق روحي و يفقدني عقلي الذي يموج بأفكار شريرة تتمحور حول إنهاء تواجد علي الذي باغتني .
*
*
*
لا أعرف حقا أين كنت أعيش طوال الأعوام التي تركت آثارها على هيئتي فا ذاكرتي مشوشة , فمنذ أن أفقت و أنا في حالة ذهول تختلط بحالة سعادة مصدرها إدراكي لكيفية عمل عقلي على الدوام فا لا يوجد زمن مستقصى مليئا با العتمة , فلم يعد عقلي مضطربا و لا متحفزا لأي هجوم من قوى ظالمة ...
و ها هو سير الأحداث و كل الشخوص في حياتي يا تعاقبون بترتيب و نظام حيث لا يوجد ما يشوش أو ينقص من ما تختزله الذاكرة .
لكن أكثر ما أدهشني هو القفزة الزمنية التي سلبت مني إدراك التغيرات التي مر بها كل من حولي و با الأخص الظاهرية منها ..
الكل من حولي تغيرت ملامحه , لم أرى حتى الآن معالم السعادة الحقيقية و لا الاكتفاء و الرضا الذي ينعكس راحة تعم ملامح البشر الذين يعيشون بسلام , و قد تكون وضوح هي أكثر من أخافتني بملامحها الميتة , فا يبدو أن حروقها النفسية كانت مضاعفة و لم يتم ترميمها , و تواجد علي الصغير لم يزد الأمر إلا سوءا كما لخص شملان الوضع , فا ذاك الذي عشقت بحث عن أخرى في قمة محنتها و تخلى عنها ليرمي بأحضانها النتيجة و يجعلها تتجرع الألم يوميا و هي صامتة تحت مسمى أمومة مهداة إليها !
*
*
*
علي يهمس لشملان : أتصل في وضوح و خلنا نمشي ..
شملان بتوجس : فيك شي ؟
علي بنبرة ممازحة : أن قلت لك تعبان و فيني نوم بيكون فيني شي غير سلطان النوم ؟
شملان يبتسم بارتياح : اجل خلنا نتوكل على الله ..
*
*
*
أنفال مبتعدة با وضوح عن الجلسة العائلية التي تضم نساء العائلة باستثناء أم ديمة : طلبتج وضوح سامحي عمتي , اليوم كانت بتطلع من البيت لشارع لو ما حلف لها أبوي أن راح يأجر بيت ثاني ..
وضوح الغير متعاطفة : عمتج ما تهمني قعدت و إلا طلعت , شملان لو يبي يطردها طردها من زمان ..
أنفال : بس أنتِ طلعتي من البيت و رافضة تردين لساري و خليتي عمتي تشيل فوق ذنبها ذنب ..
وضوح : بكل بساطة ما عدت قادرة أعيش في مكان هي فيه , و لا أنا قادرة اطردها و لا أقدر أقول لشملان أطردها و ساري يدل مكاني .. يبيني يتبعني ..
أنفال : يعني تبين أمي و ابوي ينقهرون بطلعة ساري من البيت ؟
وضوح : و عادي أنا أنقهر ؟!!
*
*
*
لم تكن هناك فائدة من محاولة أقناع وضوح با العودة فا وضوح بدأت حياة جديدة لا تريد أيا منا أن يكون له دور فيها , حتى أني أشك أنها تهتم إن تبعها ساري أو عنها تخلى ! ..
*
*
*
أنفال قبل أن تتحرك بسيارته تنتبه لطارق على نافذتها : نعم خير شتبين ..
ديمة : بسم الله .. شفيج أكلتيني ..
أنفال : آسفين حضرت جنابج بس انا مستعجله و أنتِ معطلتني ..
ديمة : زين أفتحي الباب بروح معاج لأمي ..
أنفال تفتح قفل الباب : زين تذكرتي أن عندج أم ..
ديمة تستوي على مقعدها و تربط حزام الأمان : الحمد الله و الشكر في أحد ينسى أمه ..
أنفال : أجل شنو تسمين ها الشهر اللي شلتي فيه غشج ورحتي لبيت عدوة أمج .
ديمة : أففففف .. مشكلتج ما طالعين لأبعد من خشمج ..
أنفال بقهر : أنا ما ..
ديمة تقاطعها : تعوذي من الشيطان و خليني أشرح لج ..
انفال تحرك سيارتها : أعوذ باالله من الشيطان ..
*
*
*
تبريرات ديمة كانت مبررة مبتدئة با حقيقة أن والدتها مذنبة و أم عذبي منتصرة , و الوقوف ضد التيار متعب و غير مجدي , و التقرب من علي طريقه أصيل أبن تلك المتحكمة ...
*
*
*
انفال : أنا اللي محيرني و مخلي ملايين من علامات الاستفهام تحوم فوق راسي أنتِ شلج في علي ؟!!
ديمة : لي فيه أنه ولد عمي و مفتاحي لتواجد مهم في العائلة أبوي و أصيل يحبونه و حتى يمكن يبدونه علي , وله بيت و متعلم و يقدر يعتني فيني و في أمي .
أنفال : مو هذي هي أمج .. تعتقدين علي بينسى حقيقة أن أمج هي اللي سحرته ..
ديمة : أمي ما كانت تقصده و هو يعرف ها الشي ..
أنفال مقاطعة : أستغفر الله , كانت تقصده أو ما كانت تقصده اللي سوته حرام و كفر ..
ديمة : بس امي تااااابت .. لمتى يعني بيعاقبها الكل ؟!!
أنفال : تدرين بكيفج سوي اللي بتسوينه أنا مو مهتمة ..
ديمة ك أي أحسن لا تهتمين و تعفسيني ..
أنفال كأنها تحدث نفسها : لا هذا مو من صجه .. أكيد أنجن ..
ديمة تذهب بنظرها لحيث المكان الذي تنظر له أنفال : شفيج وقفتي فجأة بغيتي تعدمينا .. من شفتي ؟!!
انفال : مو هذاك سند شايل دانة ..
ديمة تتفحص الواقف في طابور الخباز : إلا هو ... المجنون ماخذها معاه الخباز !!
أنفال تقرر التوجه له : أنا أوريج فيه ها المتخلف .. مو كافي أخوه منع هند تجي للغدا جاي هو بعد ياخذها منها و يدوج فيها بشوارع ..
ديمة بخوف : و أنتِ و شدراج أن هند ما سمحت له ياخذ بنتها معاه .. تكفين أنفال فكينا منه و عندج اعتراض و شكوى كلمي أختج فيها ..
*
*
*
كنت أقف في الطابور أحتضن الصغيرة التي ملأت عالمنا الرجولي بلون الوردي , لتقفز من حيث لا أعلم خالتها المعتوهة تأمرني بتسليمها الصغيرة , لم أرد عليها و اكتفيت با الخروج من الطابور الذي شاهد كل من كان فيه مدى وقاحتها ..
*
*
*
سند : أنتِ ما تستحين , تقول اللي قدامج صبي عند أهلج ... و لا بعد جايه أطالبين و تهاوشين قدام الناس لا حيا و لا مخافة من الله ..
أنفال المشتعلة غضب : بعد ما باقي إلا تكفرني .. أقول بس عطني بنت أختي ..
سند بغضب : أن ما أختفيتي من قدامي اللحين عطيتج كف قدام الناس و خليتج مسخره ..
أنفال بذهول لم يمنعها أن تتمادى : ما باقي إلا هذي .. تجرأ تمد أيدك و شوف شنو يصير ...
*
*
*
كنت على وشك أن أجعل من نفسي أضحوكة لكن تداركت الوضع و قررت أن أجعلها هي الأضحوكة ...
*
*
*
باغتني و اتجه للباب الخلفي لسيارتي ليركب بكل هدوء و الصغيرة في أحضانه ...
*
*
*
أنفال بحرج : أنت هيه .. خل دانة و أنزل ..
*
*
ديمة التي كانت تلتزم الصمت لم تجد بدا من النطق عندما تجاهل سند ما أمرت به أنفال : أنفال فضحتونا قدام العالم .. خلينا نمشي ..
أنفال تؤشر على سند : تبينا نمشي و ها المتخلف معانا ..
سند أنزل الصغيرة على المقعد الخلفي و ترجل من السيارة : أنا ها المرة بطوفها بس يا ليت ما تعلمين بنت أخوي على الوقاحة و قلة الحيا ..
*
*
*
لم أعرف كيف أرد , كنت أتمنى لو أن بمقدوري تحطيم وجهه و معاقبته برميه خلف أسوار السجن, لكن ابتلعت الإهانة و أنا خجلة من نفسي ..
*
*
ديمة : ما ينلام فيج .. تناطحينه قدام العالم .. ناقصين حنا فضايح ..
أنفال بغضب : أنتِ اللي فضحتينا و خليتيه يتجرأ علي .. حنا طايحين من عينه من زمان ما وقفت على اليوم ..
ديمة : هذا اللي أنتِ شاطره فيه المعاير , روحي سوي شي مفيد بدال ملاحق سند ..
أنفال توقف السيارة مره أخرى : أنتِ شتقولين .. انا ألاحق ها التعبان ..
ديمة بخبث : مو اللي أنا شايفته أن ما عندج سالفة إلا سند كل ما كلمتي هند .. " شنو شرى سند لها بذوقه التعيس " , و " قولي لسند الغثيث لا يكثر عطره و يخنق البنيه " .. " و دزي لي كل صورها حتى لو كانت مع واحد من عمانها أقص صورته و أحتفظ بصورتها " .. و ..
أنفال بحرج : بس .. بس .. ويييين راح تفكيرج ..
ديمة تواصل أبتسامتها الخبيثه : لا يا ماما تفكيري سليم بس أنتِ اللي مو بسليم ..
............................................................ .......
*
*
*
عاد الوضع لمساره الطبيعي في منزلي , عذبي و عائلته الصغيرة في كنفي من جديد و أصيل لا ينفك عن ترديد كم هو مقدر و شاكر لي مساعدتي في عودة علي و انفكاك السحر عنه , و أبو عذبي عادت له ديمة و تخلى عن أم ديمة و أهدى لي ورقة طلاقها كا عربون شكر , أما أبنتي الوحيدة و خيبتي الكبيرة لم يتغير وضعها و إن بدا لي انه أزداد سوءا , تتذرع با التعب و أحيانا المرض و آخر ما صرحت به حاجتها لسفر ! ..
*
*
*
ردينة : اللحين منخشة بغرفتج طول اليوم و محرجتني مع العالم اللي متجمعين على الغدا عشان تجيني آخر الليل و تقولين بسافر أدرس !
فينوس : أبي أكمل تعليمي .. مو هذا اللي أنتِ تبينه .. أتعلم و أوقف معاج بشغلج ..
ردينة : التعليم با الممارسة أفضل , أنزلي معاي باجر لشغل و أنا أعلمج كل شي يخص شركاتنا و شغلنا من إلى ..
فينوس : أنا أفضل أتعلم أكاديميا با الأول بعدين أتدرب , على الأقل ما أسمع أحد من وراي يقول ما وصلها إلا انها بنت أمها ..
ردينة : هذي سوالف أصيل مو سوالفج ..
فينوس : تلومينه .. أصيل الكل يكرهه في الشركة و ماله صاحب و منبوذ بسبب انه جاسوسج .. لو خليتيه يشتغل بعيد عنج و في المجال اللي يبدع فيه كان اللحين هو إنسان ناجح و واثق من نفسه و له أصدقاء و عالم يخصه , مو بس مجرد تابع في عالم يخصج أنتِ ..
ردينة تنهي هجوم فينوس: و ين تبين تسافرين ؟
*
*
*
يمكن لي أن أرى الأدخنة تتصاعد من أنفاسه , منذ أن دخل جناحنا الخاص و نهر أطفالنا و أنا أحاول أن أتجنب المرور من أمامه , لابد أنه غاضب من قدومي لسلام على علي , لكن كنت مضطرة فقد دعاني عمي مع من دعا لسلام عليه و لم أجد عذر منطقي يجعلني ارفض .
*
*
*
لم استطع أن أصل إليها بغضبي , هناك ما جعلني أتجرع غضبي و أحاول أن أتصرف بطبيعية , نعم صرخت بأبنائي عندما حلقوا حولي مطالبين بنزهة , و نعم صرخت با الخادمة من دون سبب , و نعم لم أناديها أو أبحث عنها و تمنيت أن لا تقف أمامي و أنا في قمة الغضب ..
*
*
*
وصايف تقترب : إذا ما راح أطلع العيال الحديقة باخذهم معاي لسوق ..
عذبي يرد بسؤال : ليش ما عطيتيني خبر , ليش خليتيني اتفاجأ بدخولج علينا ..
وصايف : اللي يسمعك يقول داخله بروحي , و بعدين عمي أحرجني و قال أمشوا كلكم سلموا على علي و لا أحد يقعد ..
عذبي يلجم غضبه بنبرة متحكمة : و أبوي ما كان راح يمانع لو قلتي له أستأذن من عذبي با الأول , بس شكلج كنتِ أدورين عذر .
*
*
*
لم أجاوبه و لم أهتم لأتهامه و ناديت على أبنائي ليرافقوني إلى السوق , فليس هناك من داعي لشرح و التبرير و هو من أعلن أني مذنبة قبل أن أنطق بأي تبرير .
*
*
*
هذي وصايف الجديدة أكثر هدوءا و لا يمكن لأي شيء أن يستفزها , تركتني مشتعلا ورائها و مضت لتسفه ردة فعلي و تجعلني أعيد التفكير بحجم خطئي ..
*
*
*
عذبي يسارع للحاق بهم : وصايف .. أول نوديج السوق بعدين نطلع العيال للملاهي ..
وصايف تبتسم بصدق : لا خلنا نوديهم الملاهي و نعشيهم و السوق لاحقين عليه في يوم ثاني ..
عذبي يبتسم با المقابل : على ها الخشم أنا كم وصايف عندي ..
*
*
*
سأعتبره اعتذار و أقبله بحب , نعم مازلت أتمنى و لم أتنازل عن حلمي با الاستغلال في بيت لا تحكمه والدته لكن لن افرض هذا الحل عليه و أتعس نفسي في محاولة اللحاق بركب السعادة و سأترك له رؤية الاستقرار الذي يحيطنا عندما لا تتدخل والدته في حياتنا ..
............................................................ ..
*
*
*
علي قبل أن يغط با النوم نادى على شملان : أقول شملان .. وصايف كم عندها عيال ..
شملان أعاده السؤال للغرفة : ثلاث .. ليش تسأل ..
علي : فضول .
شملان يقترب للجلوس على حافة سرير علي : خلنا من وصايف أم العيال وركز معاي بوداد زوجتك ..
علي : قصدك الممرضة اللي زوجتني لها و أنا مجنون ..
شملان بضجر : أيه .. أخلص علي شتبي تسوي ...
علي يدس رأسه تحت الوسادة : يصير خير ..
شملان يمد يده ليسحب الوساده من على رأس علي : بجيبها هي و اخوها هني .. أنا خايف عليهم في الخرابة اللي ساكنين فيها ..
علي يطلق ضحكة تردد صداها في أرجاء الغرفة : يا حنين ...
شملان : تمسخر ؟!!
علي يباغته بجواب ينتهي بعلامة استفهام : أنت تعتقد أني فعلا نسيت من تكون وداد ؟
شملان و علامات التعجب تقفز لعينيه : مدري عنك !
علي يعتدل لوضعية الجلوس : وداد شافتني بأسوء لحظاتي , شافتني بقمة ضعفي .. و هربت مني في الأخير .. حتى لو ما نسيتها الأفضل لها و لي أنساها و ابتدي من جديد .. أنا ما أحتاج وحدة ثانية تخيب رجاي ..
شملان بشرود : زين .. أرتاح اللحين و نام و بكره نشوف شراح نسوي ...
*
*
*
في الواقع عندما يحل الصباح سأنطلق نحو منزل وداد و أجعلها تحزم حقائبها و حقائب سالم على عجل لأعود بها هنا زوجة لعلي , فا بعودته عاد على أثره أصيل لحياتنا من جديد , و لن يلجم نفوذ أصيل في حياة علي إلا وجود وداد ..
نعم أنا أرى في أصيل مشكلة, فا على الرغم من إدراكي لمشاعره الصادقة اتجاه علي إلا أنني أتخوف من تأثيره السام , أصيل آفة و مخلوق في أصله الشر و حسنته الوحيدة صداقته مع علي ..
............................................................ ......
*
*
*
جافاني النوم و ها هو الليل بثقله يرفض الرحيل و أنا أتقلب على فراشي محموم كا مريض , أنا مستاء جدا من نفسي و اشعر بذنب لجرحي لها , نعم هي وقحة و ما فعلته ينتقد في أي عرف لكن لم أحب الشعور الذي داهمني عندما رأيت الدموع تلمع في عينيها , لو أنها ردت و وبختني لكن شعوري أفضل ! ..
*
*
*
كم أحتاج هذه الليلة لمن يواسيني و يهون علي الخطأ الذي ارتكبته في حق نفسي , أشعر با الخجل الشديد و ليس عندي أي تفسير لتصرفي الأرعن ...
*
*
*
قفزت لموقعي الذي يؤمه كل من أراد ان ينفض حزنه , لأجد تلك التي كانت من أنشط أعضائه حاضرة بخاطرة أزعجتني ! ..
( حاولت من دون وعي مني أن ألفت انتباهه و لجهلي في عالم المحبين شوهت ملامحي في عينيه التي كلما خجلت من نظرتها القاسية أطلقت صوتي بأقبح جمل لم أعرف من قبل أن لي المقدرة على صياغتها , حتى عندما اتفق قلبينا على حب دانة و تجدد في داخلي الأمل وجدت نفسي أعيد نفس الخطأ .. و أنا الآن متورطة با حب من دون سند ! )
............................................................ ...
*
*
*
*
لنجرد رؤيتنا من تعملق السلبية ..
لنرى الخسائر جوائز .. وفي مجمل الفشل نجاحات و أمل !
*
*
*
ألتقي معكم بأذن الله الخميس المقبل .