كاتب الموضوع :
هناء الوكيلي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الإحتراق السابع
مساء نور يضيئ عتمة قلبك يا رفيقة،
روح، تحاصرنا أخطاؤنا دوما، وكأنها شبح يطاردنا ليل نهار، نحاول أن نجملها قدر الإمكان، لكننا نعجز في آخر المطاف، علينا التعامل معها بصبر، من يقول أن المحيط الذي يحيط بنا ينسى، فليعش في قريتي الصغيرة، حيث ينتشر الخبر كما ينتشر البخور ليلة القدر، عودة خالد إلى القرية،إلى البيت،إلى العائلة، وإلى حياتي، تكاد تخنقني، أكاد أشم عطره في كل نسمة هواء صباحية، وفي ظل كل نجمة مسائية، حتى صورته يعكسها لي القمر بغباء كل ليلة، صدري أصبح ساحة حرب لا يلبث ينعم بالهدوء، أسمع قذائف الشوق تعلن الحرب من جديد، لا يهدأ الحنين فيه أبدا، تهتز عروق قلبي كلما سمعت صوته، وهو يتعمد الحديث بصوت عال، ولا يهدأ حتى يتأكد أنه قد فجر بركانا بمكان ما في قلبي،
قبل قليل يا روح، التقيت به في ردهة المنزل، كان حليق الوجه، فعطر ما بعد الحلاقة، أثملني ابتسمت وبخطوات سريعة تجاوزته، وقد صفعه قب جلبابي الأسود،إلى متى سأقاوم عطره،حبه،عينيه،لمسته؟؟؟
هل أستطيع أن أؤجر رجلا؟؟
لا تضحكي أعرف أنك الآن تضحكين,,
سبق وأن طرح علي هذا السؤال قبل ثلاث سنوات، من رفيقة فرنسية كانت تدرس معي،
اسمها مريا، ذات شعر أشقر ناعم، قصير، يداعب أذنيها في غنج أنثوي فريد،هي مثلك تكره حصة الفلسفة، وتشعر أنها مادة قد خصصت للحديث النسائي، وأن الفلاسفة، فيهم ميزة نسائية، وهي الثرثرة، لذلك وجدت الفلسفة، لست هنا لأناقش ذلك، لكن ذات صباح لم أنعم بنوم جيد في ليله، اختارت مريا وبدون سابق إنذار أن تجلس قربي، وكنت لم أتحدث إليها قبل ذلك أبدا، اللهم إلا تحايا الصباح والمساء:
-أهلا جميلة
باقتضاب رددت:
-مرحبا مريا
التفتت إلي وسألت:
-هل نستطيع أن نؤجر رجلا؟؟
استغربت من سؤالها وقد بدا ذلك جليا على وجهي، فابتسمت ابتسامة أظهرت لؤلؤ أسنانها، وجمال شفتيها الرقيقتين، ثم أعقبتها بدموع ساخنة، وكأن السماء اكفهرت فجأة بعدما كانت الشمس تمرح في ساحتها
-لا يعقل أن يمرح غيرنا في الدنيا، فقط لأننا وفيون؟؟
لا أريد حبا، لكني أريد رجلا لا يطالبني بمشاعري أبدا، أريد صورة تشاركني جمود حياتي، لا أريد أن أكون وحيدة، أسيرة دموع غبية ترفض أن تجف، ترفض أن تصدق أنه رحل، جمع حقائبه ومضى، يبحث عن حياة أخرى، ليدع صاحبتها في العدم، تحيا بنصف قلب، يكاد يصمت في أي لحظة، وياليته يفعل، فسكونه أهون من تخبطه كما من أصابه مس،
هل نستطيع أن نؤجر رجلا، قلبه قد تعطل ذات مساء، ولن يعمل مرة أخرى؟؟
-لا لا نستطيع..
كانت تلك إجابتي العقيمة، لها وتابعت دون أن ترمش لي عين، على مصاب مريا، اتهمتها بالصبيانية، بالجنون، وبالتفاهة..
هل نستطيع أن نؤجر رجلا يا روح؟؟
يكون لنا معطفا يدثرنا من برد غيابهم، من جنون شوقنا إليهم لنسارع لاحتضانهم، لم ألمك يارفيقة، فأن تحبي خير من ألا تفعلي، خير من أن يظل حب البعيد، مجرد ورق، لم تلمسيه، وتعظميه في حكاياتك، وكأنه الرجل المثالي التي تحلم به كل النساء، وعليهن أن يتهافتن عليه، كما تتهافت المراهقات على نجوم السينما,,
جميل أن تعريه، وبعدها تقرئيه، ستجدينه مختلفا، ناقصا، وذلك النقص سيولد رغبة في داخلك كي تنسيه، علمت أنه لم تنته حكايتكما عند الرسالة الأخيرة، ستستغربين من أين علمت ذلك، هل أدعك لحيرتك؟؟
لا، لا تغضبي علمت من خاطرتك التي أرسلت للجروب مؤخرا، كانت عنكما، وشممت رائحة عودتكما فيها، هل أنا مخطئة؟ هل أسبق الأحداث؟؟ حسنا لا عليك يا رفيقة
سأتابع لأعرف هل كانت تلك هي الرسالة الأخيرة أو لا؟
هذا الأسبوع شعرت وكأنه لن يمر بسلام أبدا، خصوصا حينما كنت بعد ظهيرة الجمعة أدرس بعض النساء، واللواتي قد اصبح عددهن الآن خمسة نساء، وشابة في العشرين من عمرها، حينما سمعت طرقات قوية وسريعة على الباب، ارتديت حجابي وأسرعت لفتحه، ففوجئت برجل يدفعني، وهو يصرخ بصوت غليظ:
-أين هي ؟؟
تساءلت بعنف شديد:
-عمن تبحث؟ ليس لديك الحق في الدخول إلى هنا بهذه الطريقة.
دفعني بقوة وهو يقول:
-لقد خربت عقل نسائنا ولن أسمح لان تفعلي هذا بأختي..
حينها خرجت تلك الفتاة بخطوات ثقيلة، وقد بدا الخوف يسيطر على ملامحها، وتكاد تسقط في أي لحظة، حاولت أن أحميها، وأنا أرد عليه بقوة أعلم أني أفتقر إليها:
-أنت لست وصيا عليها، وهي ليست قاصرا، لديها كل الحق للتصرف..
قاطعتني في خفوت، وكأنها تستجدي الصمت مني:
-لا عليك يا أستاذة..أعتذر، سأذهب..
حاولت أن أثنيها عن تصرفها، لكنها خضعت لجبروت أخ ظالم، سيطر على حقها في الميراث، بعدما توفي والدها، ورفض تزويجها لأي من الذين تقدموا إليها، حتى لا يذهب مالهم للغريب، وهاهو الآن يستخسر فيها تنوير عقلها، بالعلم.
شعرت بجفاف في حلقي حينما رأيته يحكم قبضته على شعرها المحجب، ويشده بقوة، حتى يزرق وجهها الصافي، وتتصلب شفتيها الرقيقتين، وتخرج من صمتها آهة، يتيمة تعزيها دمعة حارقة.
هل سأنجح يا روح؟؟
هل أنا قوية بما فيه الكفاية حتى أقف في وجههم وحدي؟
لم أسكت ولم أهدأ خصوصا حينما علمت أنه حبسها في البيت، ومنعها من الخروج، أجريت اتصالا بصديق لي كان يدرس معي، والدته هي عضوة في جمعية، لا للعنف ضد النساء بالمغرب، حقيقة لم تقصر السيدة أبدا، بسرعة حضرت وحضر معها طاقم كبير،ما بين دكاترة نفسيين، ومستشارين اجتماعيين، ودكاترة حقوقيين، تكلفوا بملفها خصيصا، ووكلوا لها محاميا، رفع قضية ضد أخوها، لممارسته العنف ضدها، واستيلائه لحقوقها،
حينما أخذ الموضوع منحى قانوني، تراجع الأخ، ومنحها حقها الإرثي، وتعهد بعدم مسها مرة أخرى.
تنفست بقوة، وأنا أحقق أول نجاح طمحت إليه، رغم المضايقات التي عشتها، ولازلت أعيشها إلا أنني لم أهتم، لا زلت أواصل المشوار الطويل، ولا زلت أسأل:
هل سأنجح يا روح؟؟
هل أنا قوية بما فيه الكفاية حتى أقف في وجههم وحدي؟
إجابة هذين السؤالين متعلقة بقدم المستقبل، قد يركلها ناحيتي ذات يوم، فأنعم بجواب يريح عقلي، وقد تظل معلقة إلى الأبد..
سأتفائل يا رفيقة، فالإرادة هي أقوى سلاح، قد يقهر أي سلاح آخر..
هل تذكرين يا روح، رسائلنا القديمة، حينما تعرفت عليك في تلك الجريدة التي كنت تكتبين فيها، وكيف كنت أول فتاة تراسلك، وقد استغربت من ذلك، فقد كانت تصلك عشرات الرسائل من المعجبين كل صباح، تغذي غرورك وهي تتأنق في اختيار حروف تناسبك لعلهم يحظون برد من كاتبتهم المفضلة، فهناك من عنون رسالته إلى ذات العيون الجميلة، أتذكرينه؟
ذلك الشاب الثلاثيني الذي كان من مدينة الراشدية، والذي أخبرك أنه يشعر أن لك عينين جميلتين، وقد كتب فيهما قصيدة، وهو الذي لم يكن يعرف حتى إن كنت أنثى صدقا، أم لا؟
وهل تذكرين ذلك الذي كان من طنجة، أجل هو البحار بعينيه، الذي يملك يختا، والذي صادف جريدة ذلك الأسبوع وبقدرة قادر، معلقة على طرف خشبة، فقرأ لك وراسلك على العنوان المدون وقد كان عنوان منزلك، أخبرك بهذه الحدوثة وأختم رسالته، بطلب رقم هاتفك، وكيفية التعرف عليك، بل وتجرأ لدعوتك إلى يخته،هل تذكرين ياروح؟ أكثر من ألف رسالة وصلتك في تلك الفترة، وأنا لا أبالغ بهذا، فقد طلبت من ساعي البريد أن يحرق الرسائل القادمة لأنك اكتفيت منهم جميعا،ثم ما لبثت أن تخليت عن فكرة الكتابة هناك كليا،
كنت شغوفة بحرفك، وكنت أحرم نفسي من الفطور حتى أشتري جريدة ذلك الأسبوع،
وكنت ألمح اسمك وهو ماكان يهمني، فأقرأ لك، لا زلت أتذكر مقالة لك، عن بنات الهوى
كانت جد راقية، وكأنك صحفية متمكنة،عنونتها ب سلامي لبنات هوى يرقصن نهارا
حيث تحدثت عن بعض السلوكات التي تمارسنها بنات الهوى، فنشمئز منها نحن النساء، بينما قد نمارسها نهارا ودون خجل مع اختلاف المكان والزمان والغرض، وتطرقت إلى كيف تستعرض التلميذة جمالها وجسدها بلباس ضيق أقل ما يقال عنه انه لباس فتاة هوى، فقط لتحصل على معدل يمنحها جواز الإنتقال من ذلك المستوى الذي هي فيه، وتحدثت عن المرشحات للوظائف، وعن المدراء الذين يصرون على مقياس جسد معين ووجه جميل في سكرتيرتهم الخاصة، وألا تكون متزوجة وعن الكثير من النقاط الجميلة جدا، أين كتاباتك الآن؟؟
هل تعلمين لم ذكرتك بتلك السنوات الماضية؟ لأخبرك أن بعض الناس قد يسعون للتعرف عليك، فقط ليشبعوا غرورهم، وفقط ليضيفوا رقمك إلى أجندتهم، ومن أجل ذلك قد يخترعون لك لغة لم تخلق إلا لك,هم قادرون على تحقيق أمنياتك كمارد مسحت عنه الغبار، فكل الأماني هي أوامر بالنسبة لهم، إلا أن يعودوا إلى القمقم مرة أخرى، إلا أن يكونوا واقعا بين يديك، تلمسينه وتشعرين به.
في انتظار رسالتك لك كل الخير يا رفيقة..
صديقتك دوما
جميلة
]
|