كاتب الموضوع :
هناء الوكيلي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الإحتراق الخامس
مساء الرضى بما أنعم الله علينا،
روح كيف حالك يا رفيقة، اشتقت إليك واشتقت إلى حروفك، آسفة لأني تأخرت عليك في الرد، فقد أصبحت أتسول الوقت للكتابة، تابعتك بنفس منقطع وانا أسافر معك في رحلة مجانية أهدتني إياها ذاكرتك، استغربت إلى تلك التفاصيل الصغيرة، التي لا تزالين تحتفظين بها، فما أعرفه عن ذاكرتك أنها معطوبة، تسير بقدم واحدة، لكنك تغزلين لي من الشوق معطفا أتدثر به، لا تزالين كأنت، كما عرفتك منذ تسع سنوات يا رفيقة، تجيدين فن الاخفاء، وتحبين أن تبعثي الشوق فينا، وكأنك كنت بحاجة لحجة صغيرة، يهديها لك كرم السماء، حتى تزرعين البعيد، شجرة وارفة الظلال بصحراء، قاحلة، فتصلين لها حتى تنعم عليك بزخات مطرية، تشبع الأرض الجافة.
اليوم ذهبت مع أخي الصغير إلى المدينة، لأسحب مبلغا كنت قد ادخرته للسفر، لكني قررت أن أفتح البيت الصغير، الذي ورثته من جدتي رحمها الله، وأجعله مدرسة صغيرة، أدرس فيها النساء، في البداية لم يوافق والدي:
-يالله رحماك، سوف تفقدني صوابي بعدما تفقدني هيبتي هذه الفتاة
-الهيبة يا والدي نحن من نصنعها، لا تمنح إلينا..وأنا لست بآثمة أسعى للعلم وهو أول ما جاء به الإسلام..
يبدو أن ردي أخرسه، إذ أنه فتح فمه ثم عاد ليطبقه عدة مرات قبل أن يجيب:
-حسنا يا جميلة..يمكنك أن تفتحي ذلك المنزل..
طفت نظرة النصر بعيني، وأنا أمسك ذيل جلبابي، وأحكم خماري استعدادا للخروج، ناديت أخي محمد والذي سعد لتلك الفكرة، وركبت السيارة بجانبه، طوال الطريق وهو يحدثني عن طفولتنا كيف كانت، وعن السعادة التي كنا نعيش فيها..
- أي سعادة تتحدث عنها يا محمد؟
-تلك السعادة التي عرفنها يا جميلة تقاسمناها طوال السنين الفائتة..
قطبت حاجبي وقد بدت ملا محي كئيبة جدا وأنا أجيبه:
-لا أتذكر من الماضي سوى أما أنهكتها الأيام الخاوية، وشلتها ذكريات الماضي حيث كانت تنعم بالحب والأمان والفكر النقي في بيتها، لكنها أشقت نفسها وأشقتنا معها بسبب الحب..
-جميلة لا تتحدثي عن والدتنا هكذا..الأموات يسمعوننا..
نهرته بقوة:
-كف عن هذه الغباوة التي تصبغ عقلك، أي أموات يسمعوننا؟ ونحن نتخبط في قلة الوعي، وكثرة الأطماع..
-بت أخاف منك يا جميلة..بل أعتقد أني أخاف عليك..
لم أجبه فقد كان بي من الألم ما سيجعلني أتقيأ على وجهه، بكلمات لن تمحوها الأيام أبدا..
وربما نخسر هذه الرابطة، التي تجمعنا..ابتلعت غضبي، واتكأت على زجاج النافذة، حتى وصلنا..إلى البنك، سحبت المال وبعدها رحنا إلى المدينة حيث سوقها الشعبي الكبير، تصادفك بباب مدخله الواسع امرأة تفرش الورق، وترى الطالع، اقتربت منها من باب الفضول، لكن أخي نهرني وهو يقول:
-هيا سيرانا أحد ويخبر والدي,,
-دعك مني أريد أن أعرف ما تخبئه لي الأيام,,
في تلك الأثناء أخذت العجوز تناديني وهي تسمي بأسماء الجن، أعتقد قالت لا لة عيشة،
وميمون وهكذا بعض الأسماء وهي تدعونا لتقرأ لنا "الكارطة" ضحكت وأنا أشجع أخي على الاقتراب . فرشت الأرض وأنا أخبرها عن اسمي حتى تبدأ لي القراءة، أما أخي فاكتفى بالنظر إلي بعينين غير مصدقتين، وتارة تبحث عينيه عمن يرانا، كان يشعر بخوف شديد لكني لم أكن خائفة، أردت بعض المرح الجنوني وأنا أسألها :
-أخبريني ماذا تخبئ لي الأيام؟
تأملت الأوراق بعدما صفتها واحدة تلو الأخرى، ثم قالت:
-أنت لست كما النساء، نصف لك ونصف لها، وكلك له..
-ماذا تعنين؟
لم تجبني وهي تتابع:
-تنتظرين حلما يأتيك من الماضي، لكنك أنت من ستسافر له,,
-لم أفهم؟
-ستفرغين الكأس في رمل، ثم تركبين البحر، لكن الطير يا ابنتي أحيانا لا يهاجر..
ومدت يدها المطلية بنقش صحراوي، كاشفة على أسنانها والتي بعضها معدني، قائلة:
-هاتي"الفتوح"
مددت لها بعضا من المال وأنا أنظر لأخي في استغراب، فهي لم توضح لي ما عنته، نصف لي ونصف لها وكلي له,,
وعن أي حلم تتحدث، وأي طير هذا الذي لا يهاجر أحيانا,,
لم أعرها انتباهي، وأنا أحاول أن أستمتع بهذا الصباح الجميل، اشتريت معدات المدرسة،
وسأحاول أن أبدأ الأسبوع القادم بحول الله.
أه يا رفيقة تمر الأيام ببطء كبير، يتعبني الفراغ، فأجد نفسي أحاول ملأه بمناوشاتي أنا وأخي أو حتى زوجة أخي الكبير، والتي اشتكتني أمس لوالدي، وقد نعتتني بالعانس، لا تستغربي يا روح، هنا حينما تكمل الفتاة عشرين سنة تعتبر عانسا، فما بالك وأنا قد وصلت للسابعة والعشرين من عمري، البنات هنا يزوجن في سن مبكرة،حضرت نهاية الأسبوع الماضي عرسا لفتاة تبلغ الثالثة عشر من عمرها، دفع والدها رشوة لكاتب العدل فعقد لهم
لأن القانون الآن أصبح صارما في تزويج القاصرات، لكنه من الصعب جدا أن يطبق وإلا سترينهم يزوجون أولادهم بالفاتحة فقط، والزوج في السابعة عشر من عمره، مهزلة يحضرها كبار القرية، لذلك قررت أن أدرس النساء هنا، أن أبعث فيهن روح الوعي، حتى يدركن أي خطأ فادح يرتكبن في فلذات كبدهن، نفس الخطأ الذي ارتكبه أباءهم فيهن، أتعلمين ياروح الكثير من النساء هنا لا يعرفن، أن يحسبن لدورة الحيض، أو الترتبات النفسية التي تعانيها المرأة في هذه الفترة، سمعت إحداهن تقول أن زوجها لا ينام بجانبها ولا يكلمها أو يمس جسدها في هذه الفترة، وعللت ذلك أنه حرام، لأنه قد ذكر بالقرآن عدم مس المرأة وهي حائض،استنكرت لهذا الجهل وأخبرتها أنه حرمت المعاشرة، ومادون ذلك فهو جائز، ضحكت وهي تتغامز مع رفيقتها :
-أنت يادكتورة تعلمت علما أجنبيا، لن تفهمي أكثر من الفقيه..
وهل تعلمين يا روح أن هذا الفقيه لم يسبق له أن كتب حرفا واحدا، هو رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب,
تتعبني الحياة هنا كثيرا، وكأني أجد نفسي قد عدت لأيام الجاهلية،
لكن الحياة هنا صاخبة جدا، تجبرك على التفكير، وإتعاب للأعصاب، وحينما أصل لذروة الغضب تجدينني، لبست جلبابي وخماري، وأركب حمارا قد اشتراه والدي حتى يحمل عليه الحطب،وأخرج لأصافح الطبيعة، حيث المساحات الخضراء الهادئة،أراقب سكون مياه النهر المجاور، أتصفح وجهي في مرآته، الصادقة، ولآ أخفيك سرا إن أخبرتك أني وقتها أستعيد رسائلك لي فأعيد قراءتها مرة أخرى، هل أنت نادمة ياروح؟ على هذا الحب الذي أهديته للبعيد،لو التقيت به الآن ما ستخبرينه؟ هل ستكتبين عنه مرة أخرى؟ روادتني نفسي المتشيطنة على أن أطلب منك أن تكتبي قصتك معه، احكي فيها عن هذا الجنون أخبري العالم بأسره أنك أحببت حبا صادقا، في حين أن العالم كله لم يصدقك حتى من أحببت,
لو أحبك يا روح ما كان تخلى عنك، لست أدري يا رفيقة، لكنهم يقولون أن الحب الذي لا ينتهي بزواج هو مجرد مزحة من القدر، أو جرعة ألم منه أيضا.
أتمنى أن تتابعي لي باقي الفصول فالانتظار يحرقني,,
صديقتك دائما
جميلة
|