ارتدت كارولين البنطلون والقميص الأسودين اللذين ارتدتهما فى أول ليلة لها فى هذا البيت , ومعهما قميص من الدانتيل عاجي اللون . كان هذا الطقم بسيطا جميلا ولكنها تعرف انه عليها ان تكون الليلة واثقة من نفسها .
كان الثلاثة فى انتظارها فى غرفة المكتبة . بدت لورا مهتمة برأى كاورلين بمظهرها ,كانت ترتدي تنورة مزركشة طويلة فضفاضة وتعقد شعرها فوق أذنيها فبدت ناضجة نحيفة طويلة القامة .
هتفت الفتاة ضاحكة : " هل أبدو أكبر سنا ؟ إنه حذائى , انظري "
اغتصبت كارولين ابتسامة لها ولديبوراه , بينما سارع جايمس إليها يسألها بادب عما تريد ان تشرب .
فقالت بسرعة متجنبة عينيه : " آه , أي شئ بارد . لا بأس بعصير الليمون "
لم يناقشها جايمس , وتابعته هي بنظراتها وهو يجتاز الغرفة . لم يكن يرتدي بذلة العشاء هذا المساء , ولكن بذلته البرونزية كانت رائعة الأناقة مبرزة عرض كتفيه وعضلات ساقيه القوية .
عندما شعرت بأن ديبوراه تراقبها , أسرعت تقول :
- كان اليوم جميلا, أليس كذلك ؟
فقالت لورا : " أمضيت الوقت انا وتريفور فى البحيرة "
- أخبرتنى أمك انك كنت وابيك تمتعان نفسيكما .
وقطبت لورا حاجبيها :
- لم يكن أبى معنا
قالت ديبوراه ببرودة : " لابد أنك أسأت الفهم يا آنسة دوغلاس "
وإذ رأت كارولين نظرات جايمس الرزينة لها , لم تشأ ان تكذبها .قدم جايمس لها العصير , فشكرته بلهجة آلية وهي تتساءل عما يجعل ديبوراه تبتهج بمضايقة الاخرين .
شعرت بالراحة عندما جاءت جيني تخبرهم بأن العشاء جاهز , إذ سيكون بإمكانهم الانشغال بتناول الطعام . ولكن أثناء تناولهم الروستو , قررت ديبوراه تبديد هذا الهدوء الهش فقالت بعفوية :
- أخبرتنى الانسة دوغلاس بأنها تريد ان ترحل آخر الأسبوع .
هتفت لورا منزعجة : " ماذا ؟ " التفتت الفتاة إليها بعدم تصديق :
- أمي تمزح , أليس كذلك ؟ أنت لا تريدين حقا ان تتركينا , أليس كذلك ؟
- أنا ...
وقبل أن تتمكن كارولين من قول أى شئ , عادت ديبوراه تقول : " أنا لا أمزح يا لورا , فقد اخبرتنى الانسة دوغلاس هذا بنفسها بعد الظهر
ادركت كارولين انها اصبحت فى مأزق , وكانت تأمل ان تخبر لورا بالامر بنفسها وليس بهذه القسوة . قالت : " حسنا , نعم , ولكن .. "
عادت لورا تقول : " لماذا ؟ كنت أظنك مسرورة هنا . ظننت اننا منسجمتان معا واننا صديقتان ؟ "
- ونحن كذلك يا لورا .
قالت ديبوراه بقسوة : " لا اظن كارولين صديقة لك يا لورا , كما انها ليست صديقة لي"
ونظرت الى كارولين بتحد ثم تابعت تقول : " اتخذناها مربية ومرافقة لك ... لكي تساعدك فى نسيان افتنانك بذلك الرجل موني . وبدلا من ذلك , شجعت الانسة دوغلاس الرجل على القدوم الى هنا وتحدثت معه تليفونيا , والاكثر من ذلك خرجت معه بنفسها "
تجاهلت ملامح لورا الذاهلة وتابعت تقول : "لقد سألت نفسى كيف يمكنها أن تنشئ مثل هذه العلاقة معه فى مثل هذه الفترة القصيرة . وكان الجواب واضحا .. فقد عرفته قبل مجيئها الى هنا "
قالت كارولين بذعر : " لا ! هذا غير صحيح "
نظرت الى جايمس بعجز وطمأنتها النظرة التى بدت فى عينيه وهو يقول بهدوء : "ليس لديك برهان على ذلك يا ديبوراه "
قالت لورا : " لم تتحدث الانسة دوغلاس الى جون إلا لأننى انا طلبت منها ذلك , وهي لم تخرج معه "
وضعت ديبوراه الشوكة والسكين ثم انحنت لتلتقط حقيبة يدها من الارض ثم اخرجت منها رسالة لم ترها كارولين قط من قبل وعرضتها وقد بان على وجهها الانتصار .
قالت : " احقأ ؟ إذن فهل هناك من يخبرني لماذا يراسلها ؟ "
شهقت كارولين : " ولكنه لم يفعل ... "
قاطعتها ديبوراه وهي تمد يدها لابنتها بالرسالة :
- هل هذا خط موني ام لا يا لورا ؟
طرفت لورا بعينيها وهي تنظر الى اسم كارولين مكتوبا بخط واضح مستعجل . ثم ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تقول متلعثمة : "يبدو مثل خطه "
قال جايمس وهو يختطف الرسالة من يد زوجته :
- دعينى أراها .
وأخذ يقرأ ما كتب على الغلاف , نظرت إليه زوجته وشبه ابتسامة تتلاعب على شفتيها ثم قالت برقة : " لماذا لا تقرأها يا جايمس ؟ فقد قرأتها أنا "
تقبضت يدا كارولين على حافة المائدة وهي تنظر الى وجه جايمس المتجهم , وقالت :
- نعم , اقرأها . لماذا لا تقرأها لنا جميعا لاننى لم ارها قط .
- أحقا لم تريها ؟
سألتها لورا هذا بحزن .
قالت ديبوراه بقسوة : " اسألى الانسة دوغلاس الى اين ذهبت مساء الجمعة "
نظرت لورا الى امها بمرارة قبل ان تعود فتنظر الى كارولين التى هتفت وهي تشعر بالضياع بسبب ما ارتسم على وجه لورا عندما سمعت هذه الكلمات .
هتفت تقول : "آه , يا لورا . خرجت مع جون موني ليلة الجمعة حقا , انما ليس للسبب الذى تريد أن تظهره أمك . كان غرضي بريئا .. "
سأل جايمس بصوت خشن : " من أين حصلت على هذه الرسالة يا ديبوراه ؟ هل كنت تفتشين فى امتعة كارولين ؟
رأت كارولين كيف اتسعت عينا لورا وهي تسمع أباها يقول اسمها الاول بعفوية , وكانت ستقول شيئا لو لم تختر ديبوراه هذه اللحظة لكي تنفجر قنبلتها الاخيرة .
قالت بتحد : " ولم لا ؟ آه , مسكينة لورا ومسكين جايمس . أخشى ان تكونا أنتما الاثنين مخدوعين "
بدا العذاب فى عيني لورا :
- نحن الاثنان ؟ ما الذى تقولينه الأن يا أمي ؟
- لورا , حان الوقت لكي تعلمي الحقيقة , ان الانسة دوغلاس أو كارولين كما يقول أبوك , كانت عشيقة أبوك منذ سنوات ...
صرخت لورا بصوت مثير للشفقة : " لا "
- .... ولاشك انه يتألم لأجلها كما تتألمين أنت بسبب موني .
دفعت كارولين كرسيها الى الخلف وهبت واقفة وهي تحدق بيأس اليهم جميعا .
قالت : " هذا غير صحيح . لم أكن عشيقته قط , ومهما كانت محتويات الرسالة فلا شأن لي بها .. لم أر قط هذه الرسالة وانت تعلمين ذلك "
عادت ديبوراه تقول لزوجها : " لماذا لا تقرأها , يا جايمس ؟ "
فى هذا الوقت كانت كارولين تعتصر يديها , ثم صرخت وهي ترى المرأة تجلس فى كرسيها بهدوء مستمتعة بما أحدثته من فوضي وبلبلة , صرخت تقول : "يا لك من شريرة .. شريرة , فأنت تعلمين انك لا تقولين الحقيقة "
- أبى .. هل كنتما انت والانسة دوغلاس عشيقين ؟
تضمن سؤال لورا المذهول اليأس والتضرع ولكن مزاج جايمس لم يكن يسمح له بلومها فتمتم يقول بعنف وهو يقلب الغلاف فى يده : " وماذا لو كنا ؟ وما هو نوع الحياة التى تظنيننى أعيشها هنا ؟"
- آه يا أبى .
هبت لورا واقفة ثم اندفعت هاربة من الغرفة . ولكن عندما تحركت كارولين وكأنها تريد اللحاق بها , أمسكت اصابع ديبوراه النحيلة بمعصمها وامرتها ببرودة : " دعيها وحدها . ألا تظنين انك سببت ما فيه الكفاية من الدمار هنا ؟ لم نعد بحاجة الى خدماتك ويمكنك ان تحزمي امتعتك وتغادي هذا المنزل بأسرع ما يمكنك , وكلما كان ذلك أسرع , كان أفضل "
سحبت كارولين معمصها من قبضة ديبوراه وهي تشعر بالغثيان , وكان جايمس ما يزال فى كرسيه يقلب الرسالة بمرارة ولكنه لم يحاول النظر اليها وهذا ما جعلها تتكهن بأن ديبوراه نجحت فى خطتها , فقد أقنعت موني بشكل ما أن يكتب تلك الرسالة , واستطاعت مخيلة كارولين ان تتكهن الكلمات والجمل اللعينة التى احتوتها , وجايمس سيقرأها لأن ديبوراه ستصر عليها بهذا . وبعد ذلك ... لا شك ان كل شئ سيستمر كما كان من قبل , ستشعر بالرضا وهي تعلم انها قتلت عصفورين بحجر واحد , فقد خاب أمل لورا بجون موني , وستجد التعزية دون شك مع تريفور فروبيشر , هذا بينما جايمس .. جايمس لن يحن بعد الان الى امرأة يحتقرها .
شهقت شهقة ملؤها الاختناق وارتدت على عقبيها ثم أخذت تصعد الدرج ركضا وكأن الشيطان يلاحقها . ولم يستغرق منها حزم امتعتها وقتا طويلا , لانها اخذت تكوم حاجيتها فى الحقائب كيفما اتفق. بل لم تزعج نفسها بتغيير ملابسها , وبعد نظرة أخيرة الى ما حولها عادت فنزلت الى الطابق الاسفل .
دهشت وهي ترى غروم بإنتظارها فى الردهة . قال لها : "طلب مني السيد بوث أن أقلك الى المكان الذى تريدينه "
أرادت كارولين ان ترفض , ولكن فكرة السير وحقيبتان فى يديها هزمتها . فتبعت غروم الى السيارة ثم طلبت منه ان يقلها الى محطة ريدنغ .
* * *
بعد ذلك بثلاثة أيام , قرأت كارولين فى الصحيفة أن ديبوراه أصيبت بانهيار ادخلت على أثره المستشفى .كانت فقرة صغيرة جدا وكان يمكن ألا تلحظها على الاطلاق لو لم تكن تمشط الصحيفة بحثا عن عمل .
منذ تركت منزل ميتلاندس مساء الاحد , رفض عقلها التفكير , فقد كانت تشعر بالخدر وهي تتوجه الى شقة تيم وكانها حيوان مصاب بقصد مكانا يلعق فيه جراحه , وكان تيم رائعا , فقد رحب بها دون أن يسألها كم سيطول مكوثها عنده , فقد فهم حالتها العقلية من مظهرها المحزن .
كان خبر انهيار ديبوراه مفزعا , اعاد الى ذهنها التفكير المؤلم بمستقبلها غير المؤكد . ما الذى عجل هذا الحدث ولماذا حدث ؟ وزاد هذا فى حدة وتألم مشاعرها على جايمس . وعندما عاد تيم إلى بيته ذلك المساء وجدها تبكى . دخل الشقة وهو يصفر ولكن ما ان رأى شهقاتها على الأريكة حتى جاء اليها يحملها بين ذراعيه ويهدهدها كأنها طفلة .
كم شعرت بالراحة وهي تخبره أخيرا بصوت صادق متلعثم كل شئ , منذ تطور حبها لجايمس وصولا الى اتهامات ديبوراه القاسية فطردها , ولم تحاول ان تختلق لنفسها المعاذير .
وعندما سكتت , سألها بهدوء : " ولكنك ما زلت تحبينه , اليس كذلك؟"
انتصبت كارولين فى جلستها واشاحت بوجهها عنه وهي تمسح دموعها بمنديل ناولها إياه , ثم سألته بصوت يكشف تظاهرها الكاذب برباطة الجأش : " لا فائدة , أليس كذلك؟ "
- ولكنك تحبينه .
- آه , نعم , نعم . أظننى سأحبه على الدوام .
- حتى ولو كان يصدق ديبوراه , مع انه يعرف ما هي عليه من سوء ؟
سحبت كارولين نفسا مرتجفا : " لدي ديبوراه قوة إقناع كبيرة , هذا إلى ان هناك ... الرسالة "
نهض تيم عن الاريكة وهو يقول : " آه , نعم , الرسالة . يبدو انها دفعت له مبلغا سخيا "
- جون موني ؟
- ومن غيره ؟
اومأ قائلا : " حسنا , انا مسرور لأنك اخبرتنى . تعلمين اننى اقوم بكل ما استطيعه لكي .. حسنا , لاجعلك سعيدة "
اومأت كارولين برأسها : " نسيت .. فى الصحيفة خبر عن تعرض ديبوراه لانهيار عصبي ادخلت على اثره الى المستشفى "
اخذ تيم الصحيفة التى ناولته اياها : " ماذا ؟ وماذا يعنى هذا ؟"
هزت كارولين كتفيها : " لا ادرى , ولكنها لم تكن بصحة جيدة . لديها مشكلات فى العمود الفقري "
- وهذا طبعا بسبب الحادث , فالعمود الفقري حساس كثيرا .. كنت أفكر .. اتظنين انها رتبت كل تلك الامور ؟ ذهابك الى منزلهم وما تبعه .. قلت بنفسك انك لم تتوقعى الفوز بالوظيفة لانك رايت هناك اخريات أكثر منك خبرة
رفعت كارولين بصرها اليه فاغرة الفم :
- هذا صحيح .. آه يا تيم , اتراها نظمت كل شئ ؟
- حسنا , ليس جوني حتما .
- ولم لا ؟ بإمكانها ذلك , ولكن ... ان تستغل لورا بهذا الشكل ؟ وهل يمكنها ان تقوم بعمل على هذه الدرجة من السفالة ؟
هز تيم رأسه : "يبدو انها عديمة الضمير كليا "
- ولكن إلى أى حد ؟ لكي تثير حولي الشكوك ؟
- هذا من جهة ثم لتعذب زوجها .
هبت كارولين واقفة : " آه , رباه .. لا استطيع تصديق هذا "
- ولماذا لا ؟
- ولكنها لا تحبه ؟
- لا ... ولكن من الواضح انها امرأة تحب التملك وثمة أناس يقتلون لأقل من هذا .
- آه , يا تيم , إذا كان هذا صحيحا .
- كانت خطة مدروسة , يبدو انها عرفت بامر عودتك الى الوطن فحركت مشروعها .
- هذا ... هذا مروع .
سار تيم الى المطبخ ثم أخذ يملأ ابريق الشاي بالماء : " عزيزتى , لو كنت مكانك لحاولت أن أنسى كل ذلك , لانك لن تحققى شيئا غير إطالة عذابك "
- بإمكانى ان اخبر جايمس بالحقيقة ...
- وهل سيصدقك ؟ ولماذا يصدقك ؟ وافرضي أنه صدقك هذه المرة , فسيبدأ عاجلا أم آجلا بالتساؤل عن ذلك .
- آه , يا تيم ... هذا ظلم .
قال تيم متفلسفا : " الحياة كذلك غالبا , انظرى إلى , فأنا اخلص لأمرأة لا تكاد تشعر حتي بوجودي "
فى الأسبوع التالى , قامت كارولين بثلاث مقابلات لوظائف جديدة , اثنتان منها فى مدرسة ثانوية فى منطقة لندن , والثالثة كانت العمل مربية لتوأمين فى الثالثة عشرة من عمرها كان والديهما سيمضيان عاما فى أفريقيا . اعجبها العمل الاخير لأنه سيبعدها عن انكلترا .. وعن جايمس , ولكن تيم لم يكن متحمسا له .
قال لها بهدوء : "لايمكنك الهروب يا كارولين بل عليك أن تصلي إلى قناعة مع نفسك "
فهتفت كارولين : " أعلم هذا ولهذا أسافر "
قال لها بثبات : " لا , فانت سترحلين لانك خائفة من رؤيته مرة أخرى . اعترفى بذلك يا كارولين وابقى فى انكلترا , واجهي الأمر وتزوجيني فانا أحبك وإن منحتني الفرصة فقد أسعدك "
هزت كارولين رأسها , علمت انها تؤلمه ولكنها لم تستطع منع ذلك : " تيم , لا فائدة من ذلك , أعلم ان ما تقوله صحيح ولكنني جبانة . لا استطيع ان احتمل فكرة .. عدم رؤيته مرة أخرى أبدا , ألا تفهم هذا؟"
اومأ تيم الذى احنى كتفه : " لا بأس يا كارولين فلن أقول شيئا اخر . ليست السنة زمنا طويلا وقد تغيرين رأيك "
ابتسمت كارولين بحزن , لم يكن ثمة أمل فى ذلك بعد كل تلك السنوات .
وكان الأسبوع التالى مفعما بالنشاط , التسوق لأجواء حارة والتلقيح وترتيبات السفر مع مخدومها الجديد . وكانت كارولين مسرورة لأن لديها عمل يشغلها عن التفكير فى جايمس , وعصر ذات يوم عادت من السوق فوجدت تيم فى الشقة مضطربا وعندما سألته عما هناك أنكر ان ثمة شيئا ما .
كان موعد الطائرة المسافرة إلى نيروبي فى الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة . بعد ظهر الخميس , وجدت كارولين نفسها فى محطة " إمبانكمنت " التى كانت تبعد يارادت قليلة عن مبنى شركة بوث . ولكن دافعا جنونيا احضرها الى هنا فرغم كل ما قالته لتيم , تلهفت لرؤية جايمس ولو من بعيد .
وما إن أقتربت من المبني , حتى برزت سيارة ليموزين سوداء من شارع جانبي ووقفت أمام المبنى ثم خرج منها رجلان يرتديان الأسود كذلك . أدركت كارولين وهي ترتجف أن واحدا منهما هو جايمس . صعد الرجلان درجات المبنى أما السيارة فابتعدت .
وقف بعد قليل جايمس فى الخلف ليسمح للرجل الاخر بالدخول فى الباب الدوار أولا , واثناء انتظاره , نظر حوله وعبر ساحة المحطة تقابلت عيناه بعيني كارولين .
مضت لحظة تسمرت فيها فى مكانها وراحت تحدق إليه ثم أشاحت بوجهها وهي تشهق وحثت الخطي فى الطريق الذى أقبلت منه .سمعته يناديها باسمها , فتجاهلته وهي تركض , ولكن كانت لديه ساقان أطول كما رأت , لانه وصل إليها بسهولة وأمسك بذراعها يوقفها . حدق إليها وكأنه لا يصدق عينيه وإذ بادلته النظرات رأت مبلغ ما هو عليه من شحوب وإنهاك .
تمتم وهو يلهث : " كارولين , يا إلهى , اخبرنى انك فى كينيا "
حركت كارولين شفتيها بصمت : " من هو ؟ "
- فرانكلاند , صديقك تيم فرانكلاند , يا إلهى , سأقتله .
حركت كارولين رأسها باضطراب , ولم تكد تشعر بالألم الذى يسببه ضغط اصابعه على ذراعها , ثم سألته متلعثمة : " ت .. تيم ؟ هل رأيت تيم ؟ "
حملق جايمس فيها ثم هز رأسه بعدم تصديق :
- ألم يخبرك ؟ آه , لا يمكننا التحدث هنا .
عادت إليها احاسيسها جزيئا : " ليس هناك ما نتحدث عنه "
- تبا لك , أليس بيننا شئ ؟ .. حسنا , أما أنا فأقول العكس , تعالى معي .
اجتاز الشارع بخطوات واسعة وكان يجرها خلفة :
- جايمس , دعنى أذهب
- لا .. بل ستأتين معي , علينا ان نصل الى حل نهائى لكل أمورنا.
- ولكن ... ديبوراه .
وقف فجأة وهو يحملق فيها : " ديبوراه ؟ اتعنين انك لا تعلمين ؟"
- لا اعلم ماذا ؟
- ماتت ديبوراه يا كارولين , وقد دفنت أمس .
هتفت وهي تشعر بدوار مفاجئ : " ما .. ماذا ؟ أنا لم أعلم .."
عاد جايمس يحدق إليها عدة لحظات أخرى وكأنه لا يستطيع ان يبعد نظراته عنها , ثم عاد يتابع سيره جارا إياها معه .