21-06-09, 05:51 PM
|
المشاركة رقم: 1
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
نور ليلاس |
|
البيانات |
التسجيل: |
Nov 2006 |
العضوية: |
15929 |
المشاركات: |
1,707 |
الجنس |
ذكر |
معدل التقييم: |
|
نقاط التقييم: |
21 |
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
عبد القادر الشاوي , الكتابة و الوجود _ السيرة الذاتية في المغرب , افريقيا الشرق ,2000
الكتابة و الوجود
السيرة الذاتية في المغرب
افريقيا الشرق _ 2000
********************
لقاء صحفي
عبد القادر الشاوي: السجن علمني أن أجعل من ذاتي عنوان تجربتي وخبرتي في الحياة
حـاورته: لطيفـة لبصـير
عبد القادر الشاوي باحث وروائي مغربي، له عدة مؤلفات في مجالات فكرية، سياسية وأدبية مختلفة. معتقل سياسي سابق، جسدت كتاباته العديد من تناقضات المجتمع المغربي وأحلام جيله. صدر له في الرواية كان وأخواتها1986 ،دليل العنفوان 1989 ،باب تازة 1994 ، الساحة الشرفية 1999 التي حصلت على جائزة المغرب للأدب، دليل المدى 2003 ،من قال أنا؟ تخييل ذاتي 2006 . كما أنجز العديد من الأبحاث والدراسات الأدبية نذكر منها الذات والسيرة 1996 ، التخلف والنهضة 1998 ، الكتابة والوجود،السيرة الذاتية في المغرب 2000 ...إلخ. يعد عبد القادر الشاوي من المهتمين بالسيرة الذاتية وقد هيمن هذا المدى على مسار كتابته الإبداعية، فالذات بالنسبة له تخييل وواقع في نفس الآن، تعمل الكتابة على السؤال في قضاياها. هنا حوار مع الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي:
لطيفة لبصير: تجسد كتاباتك الكثير من القلق والارتباك والحنق، إذ نشعر في كثير من الأحيان سخطك على واقع الذات المتكلمة التي يمثلها راويك، وسخطك على واقع كبير. ألا يمكن القول إنك تهدد بسقوط العديد من القيم والمبادىء التي آمنت بها ســابقا؟
عبد القادر الشاوي: يمكن اعتبار الكتابة الأدبية لحظة تمرين قصوى للسيطرة على اللغة وعلى العالم المروي وعلى القارئ نفسه، وكذا على عملية التفاعل (مع المجال العام) التي ينشدها كل كاتب استوفى شروط الكتابة الأدبية التي لا تستقيم هذه بدونها. ومن الطبيعي أن نستنتج أن في ثنايا هذه العملية هناك أيضا عملية أخرى موازية للسيطرة على المواقف العامة المراد التعبير عنها بصورة واعية أو غير واعية.
ويخيل إلى أن الانخراط في هذه العملية الصعبة، عندما تتاح جميع الظروف المناسبة للقيام بذلك على الوجه التام، يحتاج إلى تركيز ذهني كبير، مثلما يحتاج إلى استعداد نفسي وعقلي يسهل الانصهار المطلوب في الأجواء التي تقتضيها المناسبة، مناسبة الكتابة الأدبية.
مرادي من ذلك أن أقول إن وعينا بالكتابة "الصافية" (الذي قد يكون وعيا قصديا نتوخى منه التعبير عن أفكارنا العقلية المنظمة) لا يتطابق باستمرار، من جهة، مع ما قد تمليه هذه الكتابة من اشتراطات وتأثيرات لغوية وذهنية ونفسية بحكم طبيعة الكتابة نفسها من حيث هي نظام لغوي، وكذا مع المواقف المدركة التي نود التعبير عنها لأنها تتأثر أيضا بالمناخات (من حيث هي سياقات للتعبير الأدبي والفني) التي نعبر عنها أو نتفاعل معها قصد التعبير عنها.
ومن هذه الزاوية لا أجد في الروايات التي نشرتها لحد الآن أي نمط من التعبير الصريح والواعي عن القضايا الخاصة، سياسية وإيديولوجية، التي انشغلت بها في فترات الكتابة، بل ولقد عشت في أتون ذلك باستمرار على نوع من التناقض المدمر بين تصوراتي السياسية (التي أحسبها يسارية) وبين "التناول" الذاتي الذي غالبا ما ألقى بي في سياقات متعارضة إلى هذا الحد أو ذاك مع بعض الاعتقادات التقليدية البديهية المترسبة في وجداني. هذا مع علمي، وتلك خصيصة نفسية ما انفكت تلازمني منذ سنوات، أنني أميل ما أكون إلى حالات السلب منه إلى حالات الإيجاب، وأشد ميلا إلى السخرية ذات الطبيعة السوداء التي لا تبقي (من حيث المعنى) على أي شيء كما على الذات أيضا ولا تضر.
بل وأصارحك أنني لا أجد في الكتابة الأدبية التي أكتبها أي مبرر عقلي ولا منطقي لممارسة خلاف ذلك.
لو تكلمت، مرة أخرى، عن تجربتي الشخصية أنطلاقا من الأعمال الأدبية التي نشرتها لحد الآن لقلت بعبارة صريحة: إن العالم الذاتي الذي تترجمه مختلف تلك الأعمال هو زاوية نظر وطريقة اشتغال ومجال كتابة. وأضيف إلى ذلك أنني أعتبر تجربتي الشخصية، من خلال جميع المعاناة التي كابدتها وخبرت أطوارها، سياقا للكتابة الأدبية المتحللة من جميع القيود المعنوية، مثلما أجد فيها ما يؤكد لي باستمرار بأن الذات، ذاتي، هي، على نحو من الأنحاء، مظهر آخر لوجودي المادي في المجتمع الذي تتقاطع فيه ، بعيدا عن كل هندسة محكمة أو كيمياء مضبوطة، جميع العلاقات والأوضاع والمؤثرات الفاعلة وغير الفاعلة... ويبدو أن السجن في تجربتي الشخصية، مرة ثالثة، وربما في تجارب غيري من الأفراد، ساهم بدور معين في تكوين النظرة العامة التي تسيطر على وعيي الكتابي في هذا المجال، مجال الكتابة الأدبية. أتكلم هنا، على وجه الاحتمال، عن الإكراهات العميقة التي قد يكون تشربها وجداني وترسبت في تكويني ثم سخرها قلمي، لست أدري.
نعم ، السجن كعالم آخر يمكن أن يعمل على توجه نمط الكتابة اتجاه سرد الذات، وتجليها لغة أخرى كما ذكرت، ربما يكون اختيارك للبحث في السيرة الذاتية نابعا من نفس الهاجس، وهو الإيمان العميق بالذات وانكساراتها وخيباتها، أو أحلامها أيضا، ولكن دعني أقف قليلا عند عنوان الرواية الأخيرة " من قال أنا"، فقد كان عنوانا مثيرا جدا، إذ يمكن أن يقرأ قراءات متعددة، فإذا صغناه بالدارجة المغربية يصبح له معنى آخر، ولكن إذا قرأناه باللغة العربية الفصحى ففيه جدل كبير لأنا المتكلم الذي ينفي وجوده. في بعض الأحيان نقف كثيرا عند العنوان، ونتساءل لماذا هذا العنوان بالذات؟
إن توجهي إلى البحث الأكاديمي في السيرة الذاتية كما إلى الكتابة فيها قبل ذلك أراه في تجربتي، ولست في ذلك إلا حادسا لا متيقنا، وليد أمرين متداخلين: أولهما ذاتي صرف نابع من خصوصية بعض المعاناة الفكرية التي خبرتها أثناء فترة السجن، وأغلبها كان من وحي اهتمام عميق وأليم يوجبه الوجود في مكان مغلق وجودا قمعيا لا بديل فيه لأي اختيار ولا موجب فيه لأية حرية ولا قدرة فيه للقيام بأي تصرف... إلخ، فكان أن بذلت في سبيل تذليل الصعاب التي واجهتني على الصعيد الذاتي ما لا قبل لأي كان من غير السجناء على بذله طوعا (غالبا ما يُكْرَه السجناء على التكيف مع الأوضاع الاستثنائية المفروضة عليهم قياسا إلى تجاربهم السابقة في الحياة لا بحكم قساوة التجربة التي يكابدون ويلاتها فقط بل وكذلك بحكم قانون المعاناة الذي يكرسه السجن). ومن المفهوم أن تجربتي في السجن، وهو أمر يدعوني باستمرار إلى ما يشبه الافتخار النرجسي، علمتني أن أجعل من ذاتي عنوان تجربتي وخبرتي في الحياة، أي أن أفهم تماما أنني في مجال مغلق، وفي تجاور حياتي مع الذوات الأخرى، وأن الطابع العام لجميع مظاهر الاحتكاك التي لا تقاوم بين الأفراد مردها إلى الأحكام المطلقة المبنية على أقيسة إيديولوجية (موضوعية؟) التي اعتادوا عليها في التعامل مع الآخرين.
أما الأمر الثاني فيعود إلى عنايتي الخاصة منذ فترة مبكرة من تجربتي الأدبية بالنقد الأدبي، وأعتبرني الآن، بعد أن لم أفلح لظروف شخصية من السهل إدراكها في أواخر السبعينيات من القرن الماضي في مواكبة التطورات الأدبية التي استجدت في ميدان نقد الرواية والقصة القصيرة ربما، قد انصرفت تلقائيا، في ارتباط مع بعض القراءات المؤثرة في تكويني ومعرفتي، إلى الاقتراب من السيرة الذاتية والاهتمام التدريجي بالعوالم التي بدأت تفتحها في وجهي (قراءة نصوص واستيعاب نظرية وتطبيق مفاهيم)، هذا فضلا عن أن الاهتمام بالسيرة الذاتية لم يكن مذكورا في الجامعة المغربية، على الأقل من خلال الأطاريح المسجلة أو المنجزة، إلا على نحو جزئي... علما بأن الاهتمام بالسيرة الذاتية كجنس أدبي كان "محقرا" وليس لقراء العربية حوله إلا النزر اليسير من الأفكار المبهمة التي لا تنير المعاني ولا المواقف، بالإضافة إلى أن كثيرا من المنظومات الفكرية والإيديولوجية الغربية نفسها أشاعت من حولها كثيرا من الأحكام السلبية... هذا مع العلم بأن الذين رفضوا السيرة الذاتية انتهوا إلى كتابتها أسرى طائعين بمعنى من المعاني (أشير بذلك إلى "بيير بورديو" آخرهم على سبيل المثال الذي يحضرني الآن فقط).
وتنويعا على هذا كله أريد أن أقول للجواب عن الشق الثاني من سؤالك: لو وقفت قليلا عند عنوان النص الذي نشرته قبل سنة تقريبا (من قال أنا) لوجدت فيه بوضوح شيئا كثيرا مما أتيت على ذكره، أو هكذا يبدو لي الأمر. يمكن لي، إذن، أن أقرأه على ثلاثة وجوه ممكنة: أولها بإضافة الاستفهام الاستنكاري يصبح تأكيدا ندركه بالتأويل: أنا الذي أقول أنا رغم استنكار المستنكرين؟. وأعقله ( حرف مَنْ) أيضا، وهذا ثانيها، كتأكيد للقائل الذي يقول أنا بطبيعة الحال، إذ فيه تصريح يعود على القائل الغائب. أما الوجه الثالث المضمر فهو أن في العنوان ما لا يخفى من الإحالات الضمنية على الاعتقاد "الديني" الراجح لدى كثير من الأفراد بأن الأنا مرادف آخر للشيطان الذي يرجم، وهي في جميع الأحوال والأوضاع، قولا وسلوكا، محقرة مذمومة غير مستساغة عندما ينطق بها الناطق، وله أن يستعيد بالله تعالى من قولها وسردها (تكاد أن تكون الأنا مسرود بدون سارد، أو ملفوظ بدون لافظ). ويظهر لي أن الاعتقادات الرائجة حول الأنا إن هي، في الواقع، إلا اعتقادات ثقافية تقليدية ترتبط ببنيات معينة على صعيد المجتمع، ولها في التاريخ العربي الإسلامي كثيرا من التصورات والأسانيد التي لا يستقيم فهمها إلا من خلال مفهوم الجماعة (أو البنية المماثلة) الانتربلوجي.
لقد أردت القول، من خلال العنوان المشار إليه، إن جلال الذات لا يكون إلا على قدر الحكاية التي تسردها في التجربة والحياة. وأن الأنا غير محايدة بطبيعة الحال، بل إنها محاذية لجميع المعاني التي ننتجها عن وجودنا الاجتماعي في الحياة والكتابة... وصدق بذلك شاهدا ما لا يحصى من النصوص القوية التي كُتبت على هديها الأسطوري منذ القرون الوسطى على الأقل، لأنها أرخت تأريخا نصيا موازيا للقلق والحيرة والسؤال الذي "ماكر" الأفراد ولاعبهم منذ أن كانوا أفرادا في العلاقة بذاتهم الشاكة (التهامي الوزاني) وبالكون الملغز (غوته) وبالخالق الجبار (القديس أغوستين).
*****************
للتحميل من هنا
|
|
|