المنتدى :
القصص المكتمله
الموت الجديد للكاتبة قماشة العليان
بسم الله الرحمن الرحيم
الموت الجديد
للكاتبة قماشة العليان
جفاف في حلقي...صعوبة في الابتلاع...وسعال شديد لدرجة أنني أشعر بقلبي يكاد يخرج من فمي..وأتقيأه كما تقيأت سابقاً كل أنواع المهانة والإذلال...
دكتورة هل..........؟
تقاطعني وهي تتهيأ لكتابة الوصفة..:لا شي ذا بال..التهاب بسيط في الحنجرة..قرص كل ثماني ساعات ومحلول للغرغرة و....وتاهت نظراتي عن المكان وأحسست بما يشبه الغيبوبة وأنا أتأمل داخلي بصمت..ترى أليس لهذا العذاب نهاية.؟؟!.ألن يقف عن التدفق هذا السيل الجارف من الهوان والانكسار؟؟
أحمله في بطني تسعة أشهر وأطعمه من ذاتي..ترعاه خطواتي الواهنة..أترقبه يوماً بعد يوم..ساعة بساعه..صور الأطفال في الصحف والمجلات تغذي خيالي عن طفلي القادم..ملامحه..ابتسامته..لكن كل شي يذهب أدراج الرياح..ولا أقبض سوى السراب..فبعد أيام من ولادتي..سبعة أيام على وجه الدقة والمولود في كامل الصحة والحيوية يبكي فجأة...ثم يرتفع صوت بكائه..ويزداد..ويزداد..ويتعاظم حتى يطغى على أي صوت عداه..أفشل وزوجي في تهدئته..دقائق..ساعات..ثم يذوي ويفقد الوعي..ويموت..نعم..هكذا فجأة..هذا هو السيناريو المحكم التدبير الذي رافقني على مدى أربع ولادات متتالية..سوى تغير طفيف في آخر ولادة..إذا ما أن بدأ المولود صراخه على ذلك النحو المخيف وقلبي تعلو دقاته ولساني يكرر آيات قرآنية معينة..حتى خرج زوجي عن صمته وصرخ بقوة.........
..........أنـــــــــت طــــــــــالــــــــــق.......وخرج وتركني مع أربعة جدران صامتة تسخر مني..ومولود يموت أمام عيني بلا سبب..!.
ملابس الطفل تملأ الأدراج..وأثمن أنواع الهدايا والألعاب وقناني الحليب..لكن لمن..؟.هل أعطي العذر لزوجي..؟..فرغم كل ما بذلناه من طواف على المستشفيات والتحاليل والفحوصات والأدوية لم نصل إلى نتيجة .. بل ذات النهاية الموجعة بكل تفاصيلها المؤلمة الحزينة..هل أراد أن يهرب من هذه المأساة.؟..أم أراد الاختباء عن أعين الناس وألسنتهم وفضولهم الذي لا ينتهي.؟..أم انصاع أخيراً لآراء أمه وأخواته اللائي لم يتورعن عن اتهامي بأنني المتسببة بكل ذلك..؟
السعال يعاودني بقوة..أضع المنديل على فمي وأنفي لأفاجأ ببقع من الدم الأحمر القاني تلونه..تلمحه الطيبة ثم تسحبه مني بحذر لتحولني إلى قسم الأشعة..لم أجزع أو أقلق وأنا أرى الأمور تتعاظم من حولي..الطبيبة وهي تهرول لرئيس القسم..ثم اجتماع للأطباء وإعادة الفحص مرة أخرى..مع إنهمار سيل من الأسئلة على رأسي..سبحان الله...لم يعد أي شيء يثير خوفي أو يهز سكينتي أو اطمئناني..فماذا سيحدث لي أكثر مما حدث.؟؟
ماذا سيرعبني أكثر مما أرعبني..؟؟ صراخ أطفالي في نفس اليوم والساعة وهم يموتون بلا سبب وبلا خيار؟؟..ماذا سيرعبني أكثر من تخلي زوجي عني ونبذه لكل اللحظات السعيدة من أجل أمر لاذنب لي فيه؟؟..لقد تساوت الأمور في نظري..وغذا كل شي لا يساوي شيئاً..حتى زواج زوجي بأخرى وحملها منه..لم يشعرني بأكثر من وخزة ألم في قلبي ثم تلاشى كل شيء..
بعد مقدمة طويلة عن الإيمان بالله والصبر على الشدائد وانتظار الفرج..همس لي كبير الأطباء بحقيقة مرضي الخبيث في الرئة..وأنني لن أنجو غالباً..
لم أحزن ..ولم أبكِ..فقط تنهدت بقوة وأنا أوكل لله أمري...بعدها بأيام فقط وقد استعادت الحياة دورتها معي أخبروني بإنجاب زوجي لطفل ذكر فرح به فرحة عظيمة...ثم دعتني شقيقات زوجي لحضور "اسبوع" الطفل الجديد لإغاظتي وقهري..رغم ألمي ومرضي وعذابي لاحت أما عيني تفاصيل حياتي السابقة مع زوجي..إنه لم يغضبني يوماً ولم يقهرني وحاول جهده إسعادي..لكن ما حدث كان فوق طاقة كل إنسان على الاحتمال..
حملت هديتي وذهبت..نظرات الجميع توحي بالشفقة المرة والشماتة المبطنة بأسى..ابتلعت أحزاني داخلي وأنا أرى المولود..لحظات ثم...
....بكى الصغير....علا صوته أكثر....نبضات قلبي تتسارع بجنون....صورة من الماضي القريب تختلط بالمرئيات أمامي....صرخ أكثر وأكثر..
فشل الجميع في تهدئته...ألم شديد في صدري...والمـأساة تتجسم في ناظري مخيفة بشعة قاسية...غادرت المكان ولأول مرة منذ سنوات خلت...
......بكيت بمرارة.........!!!..
تــمــت
|