المنتدى :
القصص المكتمله
لن أتأخر بعد اليوم للكاتبة بيران
قصة قصيرة من مجموعة قصصية للكاتبة بيران
لـــن أتــأخر بـعــد الــيــوم
أعلم أن سهره ليلة كاملة دون أن ينام إلى غاية مطلع الفجر لحل معادلة فقط لم يكن بالأمر الهين عليه ، بعدها يستسلم للنوم ساعة ثم يستيقظ راكضا .. إنها الثامنة ؛ حركاته مضطربة و فكره مشتت ماذا حدث له إنه لم يتأخر أبدا عن مدرسته و لكن هذه المرة قد يتأخر و قد يمنع أيضا من الدخول و يضيع منه أهم امتحان في الرياضيات .
كم هو غبي لماذا استسلم للنوم بعد صلاة الفجر . يخرج راكضا و عند منتصف الطريق يحس أن يديه فارغتان ؛ ترى ماذا ينقصه ؟
الطالب : كم أنا غبي أين أقلامي ؟
و يعود ثانية إلى البيت يأخذ أقلامه و يخرج .
عادة كان يقطع المسافة التي تفصله عن بيتهم و الثانوية بخطى سريعة في ظرف عشرين دقيقة و اليوم قطعها في ظرف عشر دقائق .
إن قلبه يخفق بشدة و يكاد يتوقف و هو يحاول عند باب المدرسة إقناع الحارس بالدخول لكن دون جدوى ، مصير حياته يتعلق بهذا الامتحان ، هو الطالب المجد بل و الأفضل على مستوى الولاية كلها يضيع امتحانه كيف ؟
الطالب : لا لا هذا مستحيل يجب أن أدخل و لو بالقوة .
الحارس : تأخرت كثيرا و لست أنا المسؤول هذا هو القانون فالتأخر عن الامتحان بأكثر من نصف ساعة مرفوض .. أنا آسف يا بني ..
الطالب : و على ماذا تتأسف فمستقبلي أنا هو الذي سيضيع إن لم أدخل ...يجب أن أدخل يا الهي قضيت ثلاث سنوات و أنا أحضر ليل نهار حتى ليلة الامتحان ، ثم يضيع كل هذا ..لا ..لا هذا غير معقول ...هناك خلل أجل خلل .
يحاول أن يلمح نفسه بعد الرسوب فيصاب بدوار :
الطالب : غير معقول ...غير معقول ...
الأستاذة : ماذا هناك ؟ ما الذي يحدث ؟
الأستاذة : أرجوك ...أرجوك يا أستاذة ، أنت تعرفينني جيدا فأنا لم أتغيب و لم أتأخر يوما بل ساعة بل لحظة ، كنت دائما أنا أول من يخطو باب المدرسة و اليوم ...اليوم فقط تأخرت نصف ساعة لا أكثر و أمنع عن الدخول ؛ عن تقرير مصيري . أرجوك حياتي بين يديك .
الأستاذة : اسمح له بالدخول و أنا سأتصرف
الحارس : إذن أنت من سيتحمل المسؤولية ؟
الأستاذة : أجل
الطالب : شكرا إنك رائعة .. رائعة
و يركض اتجاه القسم فتناديه :
الأستاذة : انتظر فأنا أريدك
الطالب : ماذا ؟! الوقت يمر و قد ضاعت مني ساعة بأكملها
ـــ لا تهتم فيمكنني أن أعوضك عن هذه الساعة
ـــ كيف ؟
ـــ أنت لا تعرف قدرتي الكبيرة في هذه المدرسة ، المستحيل أنا أفعله دون أدنى تعب
ـــ حقيقة ؟
ـــ أجل اتبعني .
أفكاره مشتتة بل زادت تشتتا . ماذا تريد منه في وقت كهذا ؟ إنها هادئة ؛ جد هادئة و هو يكاد يغمى عليه ، يمشي شارد الذهن لا يعلم هل هو حزين أم غاضب أم ماذا ... كل ما يحيره الآن هو كيف ستعوضه و أي قدرة هذه التي كانت تتحدث عنها ؟! غريب أمرها .. يحدث نفسه :
ـــ درست عندها سنة كاملة و لم أرها بهذا الهدوء . أحيانا تخيفني و أحيانا تحيرني
ـــ ها قد وصلنا أدخل و أغلق الباب
ـــ أدخل ؟! و أغلق الباب ؟! و وصلنا ؟! أستاذة إن الوقت يمر و أنت تعلمين ...
ـــ أجل أعلم ، اجلس
ـــ و هل هو ضروري ؟
ـــ جدا . والآن لا تفكر في أي شيء
ـــ هذا طلب صعب لأنني لست أستطيع نسيان امتحاني أحس أن حياتي ستنتهي هنا ..
ـــ بل ستبدأ هنا
ـــ كيف ؟ أنا لست أفهم لماذا طلبت مني ...
تقاطعه :
ـــ ستفهم كل شيء حين يحين الأوان
ـــ أو لم يحن بعد الأوان ؟ ماذا تفعلين ؟
يقف جامدا بعينين جاحظتين ثم سرعان ما يدير وجهه ، تزداد خفقات قلبه يحس بالدوار و يصعب عليه التنفس .
ـــ استدر إلي
ـــ لا..لا..س ..س ...يجب أن أخرج
يركض سريعا إلى الباب دون الالتفات إليها لفتة واحدة :
ـــ يا الهي إنه مغلق بالمفتاح ...امتحاني ... يجب أن أحضر الامتحان ..
ـــ قلت لك أنني سأعوضك
ـــ أجل و أنك ستفعلين المستحيل و حينها تعجبت عن أي مستحيل تتحدث هذه المرأة لكن أظن أنني الآن وجدت الإجابة و أرجو من الله أن أكون مخطئا ...
تمسكه من يده فيصرخ مبتعدا :
ـــ لا....ابتعدي عني ابتعدي عني
حينها تظهر علامات الدهشة على وجهها :
ـــ ماذا دهاك ماذا بك لماذا تصرخ !! عادة المرأة هي التي يكون رد فعلها كرد فعلك هذا ...ظننتك رجلا أم أنني أخطأت ؟
ـــ أجل - دون أن يجرأ على النظر إليها - لقد أخطأت أخطأت فأنا لست رجلا إنني امرأة بل طفلة بل رضيعا أنا لا أفقه شيئا في الحياة .
ـــ و أنا سأعلمك
ـــ و من قال أنني أريد أن أتعلم ، أنا هكذا أفضل ؛ حياتي كلها كانت و ستظل في طلب العلم ليس إلا ، أمورا أخرى لا أريد .
ـــ بل يجب ما دمت أنا أردت ، قلت لك سابقا أن لي قدرة كبيرة
ـــ هذا صحيح و أنا هزيل و يلزمك رجلا قويا كقوتك أو أشد ، هذه عادتنا نحن العرب فالرجال قوامون على النساء و لست قواما عليك
ـــ إنك جبان
ـــ أجل ..أجل ..أنا جبان ...أنا غبي ...أنا ضعيف ...أنا أحمق أنني قبلت الاختلاء مع امرأة بحجة قضاء مصلحة ؛ أنا أحمق غبي .
يسمع خطاها تقترب منه فيصرخ ثانية و يتجه إلى ركن آخر دون أن يلتفت إليها :
ـــ يا إلهي سأموت .. سأموت أنقذوني ... أنقذوني ستهجم علي
ـــ اصمت و إلا ستندم طول حياتك
ـــ أولم أندم بعد ؟؟ ندمت و ندمت وقت ما تأخرت و ندمت وقت ما اختليت بك و كانت أول خطوة خاطئة
ـــ أنت ..أنت !! خطوت خطوة خاطئة متى ؟ منذ دخولك و لم تنظر إلي نظرة مشتهي لحظة و لم تلمسني و لو محاولة و أنا أركض وراءك و أنت تفر مني كفرار الفأر من القط و تقول خطوت خطوة خاطئة ؟ عجبا !!
ـــ أول خطوة أنني أغلقت الباب ... أغلقت الباب و أنا ضعيف
يبكي ثم يترجاها لفتح الباب و أنه لا يريد امتحانا أو تعويضا و لا غيره كل ما يريده هو أن يخرج :
ـــ أريد أن أخرج فقط أعطيك كل ما أملك فقط أخرج
ـــ ألا تفهم قلت لك سأعوضك و أنا لا يرفضني أحد و لا يفعل بي أحد ما تفعله أنت
ـــ أنا أحمق أتريدين أن يلمسك أحمقا يا للعار ..
ـــ سأجن ألست جميلة ؟
ـــ كيف و أجمل منك لم أر
ـــ إذن لماذا ؟
ـــ لماذا ماذا ؟
ـــ لماذا تفزع مني هكذا ؟
ـــ لأنني غبي أحمق جبان ألا تفهمين ، أريد العودة إلى أمي و لن أخرج بعد اليوم متأخرا أو لا متقدما لن أخرج .
ـــ و لن تمتحن ؟ لن تكمل طلب علمك ؟
ـــ سأطلبه في بيتنا مع أمي لن أخرج بعد اليوم أبدا
ـــ ألم تقل سابقا عندما شكرتني أنني رائعة
ـــ بلى و إنني عليها لنادم و ما عدت أقولها ثانية قلتها و أنا لا أعني شيئا فقط أن أشكرك لا أكثر .
ـــ أنا أعطيك أغلى ما لدي كي أعوضك عن امتحانك الذي ضاع و أنت ترفسه بل و تفزع منه غريب أمرك ، رجل غيرك ...
يقاطعها :
ـــ قلت لك أنني لست رجلا أنا امرأة ؛ امرأة ألا ترين جيدا . و يحاول ترقيق صوته كالنساء دون التوقف عن البكاء كأنه رضيعا يتلوى جوعا
ـــ حتى و إن كنت امرأة فأنا أريدك تعجبني ؛ و قد أعجبتني عندما كنت غاضبا و أنت تتحدث إلى الحارس لفتَّ انتباهي
ـــ كنت غاضبا ؟ لا أنا مبسوط الآن و لن أغضب بعد اليوم أمام امرأة بل أمام أي إنسان ؛ ثكلتك أمك أيها الغضب فأنت إذن من أوقعني في هذا المأزق بل في هذه النار
ـــ عندما رأيتك غاضبا شممت فيك رائحة الرجولة
ـــ أنا امرأة ...أنا امرأة ...
و ظل يرددها و كلما حاولت أن تقترب منه يفر مفزوعا دون أن يلتفت إليها فمنظرها كان مخيفا بالنسبة إليه .
لم تكن بالمرأة القبيحة الوجه أو الجسد و لا المليحة الوجه أيضا بل كانت جد جميلة و فاتنة ؛ كل ما فيها من صفة شكلية كان جميلا لكن الطالب لم يكن طالب شهوة و لا طالب لذة بل طالب علم ليس إلا ، و إن اشتهى فبالحلال و بغيره فلا و كان نظره يعاكسها في كل اتجاه لأنه يعلم أنه ليس من حقه أن ينظر إلى ما ليس له فيه حق و ما حرمه عليه الله أو حتى أن يلتفت إليه لأن نظره لم يكن ملكه و لا شيء في جسده ملكا له فهو كله لله و لا لأحد غيره لا لشهوة و لا لامرأة لا تعرف العفة و الشرف أو امرأة علمتها الحياة أن كل ما تشتهيه تأخذه حلالا أو حراما حقا كان أو سلبا .
هو الطالب الذي لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة يعف و يفزع من غضب الله و هي الأستاذة المرشدة المعلمة الواعية و أي وعي تبيع بأرخص الأثمان بل بدون ثمن تدنس شرفها و ترميه لرائحة رجولة شمتها في مؤمن و كأن هذه الرجولة لا وجود لها في غير المؤمن في ذكر آخر و لا أقول رجل عادي الذي دون أن تعرض عليه يطلب أو يأخذ بالقوة و الغصب في أغلب الأحيان . لم تهب نفسها و لم ترغب إلا في مؤمن ، غريبة هي النفس البشرية ترغب في كل ما ينفر منها . نفسها المدنسة لم ترغب إلا في مؤمن تقي يعرف الله حق المعرفة ، مؤمن بريء يركض من بيته لطلب العلم و معرفة الحق و عظمة الله فيما خلق فيعترض طريقه وحشا آدميا يدعي أنه سيعلمه ما يجهله في هذه الحياة ؛ يعلمه ماذا ؟ كيف يحب الله و يعبده عبادة صحيحة أم كيف يخوض الحياة دون اضطراب و بنفس قوية بعد أن يكون قد تعلم تقوية إيمانه و عدم الاستغناء عنه لأنه بدونه لا شيء ؟ أم يعلمه علما جديدا ظهر حديثا عندنا عند المتخلفون الرجعيون علم الجنس و كيف يكون ؟ ربما هذا هو .
ـــ لو كنت امرأة لوجدت تصرفك طبيعي لأنك لا تريد فقدان شرفك لكنك حتى و إن حاولت نفي ذلك فستظل رجلا .
ـــ الشرف عند المرأة أو الرجل سواء ، أن تفقد المرأة شرفها أو أن يفقد الرجل فالأمر سيان و لا يفهم هذا من فقد البصيرة و كان قلبه خاويا ... لا يفهم هذا من لا يعرف الله و أنا أعرفه .
ـــ أتكفرني ؟ لكوني طلبت شيئا تافها ؟
ـــ ها قد نطقت بها شيئا تافها فلماذا تصرين على طلبه ؟
ـــ لأنه بالنسبة لي مهم لكن بالنسبة لك أنت كرجل فتافه
ـــ و أنا لا أريد سفاسف الأمور أنا رجل جاد ... عفوا امرأة جادة و نفسي دائمة السمو عن التفاهات .
ـــ لا تحاول أن تلهيني بكلامك الفارغ هذا فليس لدي الوقت الكافي لا أريد كلاما بل فعلا.
تقترب فيصرخ فتتراجع :
ـــ إنك فظ لا تطاق قتلت في الشهوة و الرغبة الملحة لست أريدك لست أريدك أغرب عن وجهي .
ـــ الله الله ..إنك رائع...لا لست رائعة بل لا يهم
ـــ كائن غريب من أي معدن أنت .. آدمي أنت أم ماذا ؟؟ إنك بارد الإحساس بليد .
يفر راكضا بعد أن يلتقط المفتاح الذي رمته أرضا . يركض في الشارع و هو يصرخ إنني حر حر ، طليق أنا حر و يبكي بعدها من شدة الفرح و النجاح الذي أحرزه ، يصل إلى البيت :
الأب : هل وفقت في هذا الامتحان أم ماذا بك ؟
الطالب: أجل نجحت يا أبي نجحت و رب الكعبة نجحت في أصعب امتحان و خرجت ظافرا ظفرا كاملا ، لم أنظر إليها بل لم ألتفت لم ألمسها بل لم أقترب هي القوية و أنا الضعيف لكنني ظفرت أجل ظفرت .
الأب : ماذا بك ؟ عن من تتحدث ألم تجتز الامتحان ؟
الطالب: بلى اجتزته و بنجاح باهر كنت الوحيد الذي فاز و هم خسروا
الأب : من هم ؟
الطالب: هي و شياطينها
الأب : هي ؟! من هي ؟
الطالب: تلك المرأة
الأب : المرأة ؟!
يصفعه الأب :
الأب : أكنت مع امرأة بدلا من أن تمتحن ؟
الطالب: لا امتحنت و أنا معها و نجحت ...نجحت فقط علي أن أعيد السنة و هذا أمر بسيط فإعادة السنة سهل لكن الامتحان الذي اجتزته كان أصعب و لا يهم سأعيد السنة و لن
أتأخر بعد اليوم ....
|