كاتب الموضوع :
dali2000
المنتدى :
القصص المكتمله
________________________________________
كما قلبت لك ، الأمور تتغير وعلينا أن نتغير معها وننظر الى الأمور بواقعية ولو انه كان من المناسب ان تتزوج ابنة ابراهيم منصور الموظف البسيط بشركة النقل البحري من طبيب شاب حديث التخرج الا أن ابنة ابراهيم منصور رجل الأعمال الطموح لا تناسبها هذه الزيجة
.
.
قال نبيل في سخرية تشوبها المرارة :
وهل جعلت ابنتك المشروع الأول الذي تقتحم به عالم الأعمال ؟؟ أأصبحت جزءا من صفقاتك؟
احتقن وجه الأب وهو يقول في غضب:
أظن الأمور اصبحت واضحة بيننا الأن ولقد انتهت المقابلة
ولكن نبيل لم يتحرك من مكانه وهو يسأله :
أتوافق غادة على هذا الأ ختيار ؟
أجابه انها ابنتي وأنا اعرف صالحها ثم ان اختياري هو اختيارها.
ولكن غادة اندفعت من حجرتها بغته وهي تقول في تصميم:
لا يا أبي .. لن أرتبط سوى بنبيل الذي أعطيته كلمتك والذي ظل وفيا امينا على ارتباطنا والذي كان دوما موضع اعجابك وثقتك
احتقن وجه الأب وهو ينهرها في غضب قائلا:
كيف تتصرفين على هذا النحو؟.. عودي الى حجرتك .
ولكنها ظلت متشبت بموقفها وهي تقول في عناد:
لو أنك لست مستعدا للحفاظ على ارتباطك مع نبيل فأنا متمسكة به ، ومن حقي اختيار الرجل الذي أتزوجه.د
فاجأها والدها بصفعة قوية علي وجهها وهو يقول في حدة:
قلت لك عودي الى حجرتك.
ولكن الصفعة لم تحطم عزيمتها وهي تقول من خلال دموعها:
يمكنك أن تظربني ، وأن تفعل بي ما يحلو لك، ولكن ذلك لن يجعلني أحيد عن أختيار الأنسان الذي أحببته.
هم الأب بصفعها مرة أخرى ، ولكن نبيل أمسك يده، قائلا بهدوء:
أطيعي أباك يا غادة ، وادخلي حجرتك.
ثم التفت الى الأب مستطردا بمرارة:
لم أكن أتصور أن النقود يمكنها أن تغير البشر على هذا النحو.
وغادر المنزل ، دون ان يضيف حرفا واحدا..
وبعد يوميت من هذا الموقف ذهبت الى نبيل في المستشفى وقالت له:
لن أتزوج سواك يا نبيل .. لن تقف أطماع أبي في طريق أحلامنا وسعادتنا.
أجابها والمرارة لم تفارق صوته بعد :
وما السبيل ال ذلك ؟.. لقد اختلف والدك تماما وأصبح ينظر الى كل الأمور من منظور شخصي مادي ولم تعد لغة العواطف والمشاعر تجدي معه
قالت في تصميم وعزم:
فلندافع اذن عن حبنا وحياتنا.
ماذا تعنين؟
أما زلت ترغب في الزواج مني
أهذا سؤال ؟؟ أنه حلم حياتي بالطبع.
فلنتزوج اذن اليوم قبل الغد.
أتعنين أن نتزوج ضد رغبته ؟
انه لم يمنحنا سوى هذا الأختيار.
لا ياغادة .. هذا يتعارض مع أخلاقي ومبادئي
اننا لانرتكب ذنبا عندما نتمسك بحقوقنا
لا يا غادة ... لست أوافق عل ذلك، على الرغم من اختلافي مع والدك ، فلقد نشأت أول ما نشئت ان الحق الشرعي لا يؤخذ باغصب والا انه يفقد شرعيته ويصبح أشبه بجريمة.
ليس من حقك أن تصف شرعا حلله الله بأنه جريمة فالوضعان يتعارضان الا اذا أردت أن تضحي بحبنا وارتباطنا من أجل قيم بالية ، ليس من المنطقي أن تحملها عقليته طبيب متفتح.
بدا التردد على نبيل وهو يقول :
هناك نقطة أخرى حجبتها عنا أحلامنا يا غادة فالفارق شاسع بين الحلم والواقع ولم أتبن ذلك الا عندما تحدث والدك عنه .. فأنا مازلت طبيبا حديث التخرج امكاناتي محدودة في أول الطريق لاتكفي لتوفير حياة كريمة لزوجتي ثم انني لست مستعدا للا عتماد على ثروة والدك
تطلعت اليه مستنكرة وهي تقول:
أنت شخص آخر بخلاف نبيل الذي عرفته والذي كان يمتلىء بالثقة والأيمان بان الحب يهزم كل العقبات .. لقد ناقشنا تلك الأمور من قبل ، ولم يهمنا الثراء ... كل ما ربطنا هو الحب والحلم بمسكن متواضع ينمو مع الأيامو...
قاطعها قائلا :
كنا نتصور أن أحلامنا وعواطفنا ستذلل لنا كل العقبات ولكن الواقع هو أنها ستتحطم على صخرة الواقع فحتى هذا المنزل المتواضع لست أملك الأمكانات لتحقيقه على الرغم من أنني ألهث وراء عواطفي .. لقد كان والدك محقا عندما قال أن كل شىء يتغير مع الوقت حتى الأحلام
قالت وملامحها تحمل خيبة الأمل:
لم تعد تختلف عنه كثيرا .. كلاكما تخلى عن مشاعره بحجة الواقعية وان اختلفت المبررات فهي بالنسبة له القوة وبالنسبة لك الضعف كلاكما ةجد حجة لعدم مواجهة ارتباطاته
حاول أن يغمغن :
هتفت بازدراء :
كفى .. أنت تعلم أنه من أجلك أنت.
ثم اندفعت مغادرة المكان وهو يهتف مناديا اياها دون أن تجيبه ، با دون أن تلتفت لتلقي عليه نظرة واحدة
لقد شعرت أنها قد فقدته ... فقدته الى الأ بد ..
سافر نبيل الى لندن بعد ان احتار العلم بديلا عن عواطفه ومشاعره وقد رسخ لديه أنهما اختياران متعارضان تماما وأصبح لديه طموحه أيضا يختلف.
أما غادة فقد رضخت لمشيئة والدها وقبلت خطبة سامي ابن شريكه ولكن أربعة شهور فقط من الخطبة كانت تكفي لت}كد استحالة زواجهما ، بعد أن ثبت لها ولوالدها أنه من أسوأ أنواع الرجال .. سكير .. مقامر ..أناني .. لايقيم وزنا للمبادىء أو المشاعر..
ولم يكن هناك بد من فسخ الخطبة ، خاصة أن الأب لم يعد يعتمد على شريكه ، بعد ان اكتسب خبرته اللازمة للعمل ، وأن ظل الحزن في عيون ابنته يؤنب ضميره كلما تطلع اليها ورأى فيها نتاج مقامرته الخاسرة وطموح فاشل
ولم تحاول هي معاتبته يوما على ما فعل ؛ اذ كانت ترى أن نبيل يشاركه جزءا من هذا لافشل وكذلك هي عندما وافقت على الأرتباط بشخص تبغضه ولا تحمل له في نفسها سوى الأشمئزاز والأحتقار
ولكن ظل الأب يعد نفسه مسؤلا عن الأمر فبذل أقصى مايملك ليستطيع تحقيق كل ما تصبو اليه ابنته ماديا وأقسم ألا يتدخل في حياتها أو يفرض عليها أمرا قط
ثم ظهر عادل في حياتها..
لا تظلميني يا غادة انما أفعل هذا من أجلك
.
.
كان والده ذلك القاول الأشهر جمال الغانم، ولقد تعارف مه والدها في النادي عندما دار بينهما عمل بالمصادفة واعجب الأب بها منذ اللقاء الأول وفاتح والدها برغبته في تزويجها لأبنه في اللقاء الثاني.
اخبره والدها أن الموافقة تعود اليها وأنه لايسطيع اتخاذ قرار بشأن حياتها وحده.
فأتفق الوالدان على تدبير لقاء يجمع بينهما ليتم تعارفهما ، على رغم من ميلها الدائم الى الوحدة والى قراءة الروايات الرومانسية وعدم اختلاطها بزملاء وزميلات النادي بحكم طبيعتها الهادئة الساكنة الحالمة التي اتخذت من الروايات الرومانسية وسيلة للتحليق في عالم الخيال والسباحة في نهر الأمل الوردي.
وذات يوم فاجأها عادل بوسلمته وشعره الكستنائي بعد أن عرفها والدها اياه بيوم واحد وجذب مقعدا ليجلس الى جوارها وهو يجمل على شفتيه تلك الأبتسامة الجذابة قائلا:
أوجدت فارس أحلامك في تلك الروايةز
غمغمت في حرج: ألديك موعد مع أبي؟
أجابها ببساطة:
لا الواقع أنني جئت لقضاء بعض الوقت في النادي، وعندما رأيتك وحدك، فكرت أن نجلس معا.. أيضايقك هذا؟
بدا الضيق على وجهها بالفعل وهي تغمغم:
لست أجلس وحدي في الحقيقة ... فهذه الرواية صديقتي ، وأكره أن يشغلني أحد عنها.
اتسعت ابتسامته ، وقال دون أدنى حرج:
انني أحسدها على صداقتك ، وأتمنى لو كنت رواية تنال اهتمامك وبعض اعجابك.
انفرجت أساريرها ، على الرغم منها ، وهي تقول:
أستاذ عادل .. انك تثير دهشتي فمن يراك صامتا طيلة الوقت أمس ، لايتصور حديثك المنمق اليوم !! أكان هذا بسبب والدك؟
أجابها في مرح:
ربما .. ولكنه لم يمنعني من أن أختلس النظر أليك ، ولقد كانت تلك النظرات المختلسة كافية لأنجذابي أليك ، ولحضوري اليوم مصطنعا أكذوبة كبيرة ، لقضاء بعض الوقت معك في النادي ، ولكن لو أن هذا يسببب لك الضيق .. ولو أنك تجديني رفيقا ثقيا الظل ، فلن يسعني سوى الأنسحاب ، وتركك برفقة روايتك.
قالها وهم بالنهوض ، مورثا اياها شعورا بالخجل ، وانبهارا بلباقته ، مما جعلها تعتذر قائلة:
لم أقصد هذا قطعا ، ولكننا تعارفنا أمس وهأنتذا اليوم...
عاد يجلس في سرعة ، قائلا بنفس المرح:
اذن هناك مكان لي.. شكرا لك ، لأنك ام نحرميني الفرصة.
تأملته لحظة في دهشة ثم ما تلبث أن أطلقت ضحكة مرحة وهي تقول:
أنت أنسان غريب حقا.
تناول الكتاب من يدها قائلا:
أتسمحين لي؟
وألقى نظرة على العنوان ، قبل أن يقول في مزيج من السخرية والدهشة::
غادة الكامليا ؟! انها رواية كلاسيك عفا عليها الدهر!!
أجابته في ضيق:
ولكنها خالدة ، تصلح لكل الأزمنة .
أتصدقين ما ورد فيها عن التضحية والوفاء وانكار الذات؟... ان تلك القيم النبيلة لم تعد تتفق مع العصر الذي نحياه.
ليست المشكلة في العصر ، وأنما فينا نحن ، فكلما طغت المادية على مبادئنا وأفكارنا ، مع مزيج من حب الذات والأنانية والأنتهازية ، بدت لنا تلك القيم النبيلة غير مواكبة للعصر، أما لو سمت نفوسنا ، وتمسكنا بالمبادئ الأنسانية الصحيحة ، فستبدو لنا تلك القيم هي الحياة.
رمقها بنظرة أعجاب ، امتدت لبرهة من الوقت ، قبل أن يقول :
قد لا أتفق مع أرائك ، ولكنني لا أملك سوى الأعجاب بها وبك.
أطرقت في حياء ،دون أن تنبس بنبت شفة فأستطرد:
وتعبيرا عن أعجابي سوف أاهدي لك مجموعة أختفظ بها من الروايات الرومانسية القديمة.
رفعت عينيها اليه ، تسأله في دهشة:
أتحتفظ في مكتبتك بروايات رومانسية ؟
أجابها والحزن في ملامحه ، وصوته يشف عن حنين جارف:
أنها تخص أمي _ رحمها الله _ فقد كانت تهوي قراء تها
ثم استطرد مبتسما :
وأراهن أنها لو كانت علي قيد الحياة كانت ستعجب بك أيضا، فأنت تذكرينني بها.
مست عبارته الحزينة بكل ما يسري فيها من حزن ، شغاف قلبها ،وذكرتها [مها التي فقدتها في سن مبكر وبكل ملكانت تمنحها أياه منعطف وحنان وحب، وجمعت تلك المشاعر بينهما وقربت بينهما بشدة ، وأن لم تبلغ بها شاطئ الحب طويلا ، على الرغم من أنه عادل شابا وسيما مثقفا ميسور الحال مهذبل رقيقا يتمتع بكل الصفات التي تميل اليها الفتيات ، فيما ضعف شخصيته وانقياديته الشديدة لأبيه وتشبعه بأفكاره ورضوخه لكل ما يحطط له..
حتى اختياره لغادة تم بناء على ترشيح والده وطبيعته كمقاول وقوله الشهير:
البناية التي ترسم على الأوراق تتمزق معها ، أما التي تنتقل الى الواقع فوق أساسيات متينة فأنها تبقى دهرا وتتحدى مع الزمن.
وفي كل تعاملاته كان يبحث عن هذا الأساس المتين المال.. والمركز الأجتماعي ، والمركز العلمي..
وعلى الرغم من تعارض ذلك المبدا مع طبيعة غادة ألا أنها وافقت على الأرتباط بعادل عندما تقدم لخطبتها على أمل في أن يتطور التقارب بينهما مع تلك اللمسة الأنسانية في شخصيته فيزول تأثير والده عنه .
ولكن بقي تأثير والده قويا يحدث فجوة فيما بينها
هل هي تحب عادل حقا ومع تأثير المهدئ القوي توقف نهر الذكريات عن الجريان في عقلها وراح جسدها الواهن يسترخي قبل أن تغوص في بئر النوم العميق وعقلها يرسم صورتين متداخلتين ..
صورتي عادل ونبيل والحيرة
.
.
كان الصباح يرسل تباشيره الأولى ،عندما وقف نبيل الى جوار فراش غادة ، يتأملها في صمت وهي نائمة وأنفاسها تتردد في هدوء وانتظام ودون صعوبة كالسابق في حين غرقت الحجرة في صمت عميق ولم يشعر بدخول الدكتور منير اليها حتى سمعه يقول:
أنك لم تحصل على قدر وافر من النوم أمس دكتور فلقد أخذت حالاتك كل ليلتك تقريبا وخصوصا هذه الحالة,
وابتسم مستطردا :
يبدو أنهم يحاولون استنزاف أكبر قدر ممكن منك ، قبل رحيلك الى لندن
لم يبادله نبيل الحديث بل ظلت عيناه مسلطتين على وجه غادة ، فعاد منير يقول:
اسمع .. لقد أنهيت عملي ، ما رأيك لو تذهب لتنال قسطا من الراحة فب حجرتي ، ريثما أتابع هذه الحالة ؟ لقد كانت مريضتي في البداية.
أجابه نبيل في خفوت ، ودون أن يرفع عينيه عن وجه غادة :
أنها ليست مجرد مريضة يا دكتور منير .. لقد كادت تصبح زوجتي يوما.
هتف منير في دهشة:
هذا هو سر اهتمامك بها اذن!
أجابه نبيل في هدوء:
يمكنك أن تستفيد من وقتك ، فسأتابع هذه الحالة بنفسي؟
ربت منير على كتفه قائلا:
انني أقدر لك ذلك .. عموما لو احتجت الي فستجدني في الدور العلوي.
وغادر منير الحجرة في هدوء تاركا نبيل وسط عواطفه الجياشة ينعم النظر في وجه غادة حتى حضرت الممرضة وهمست :
عفوا دكتور نبيل .. أنه موعد حقنتها
قال في حنان وكأنما يشفق على غادة حرمانها من النوم الذي يضفي عليها جمالا ملائكيا :
فلنمنحها نصف ساعة أخرى من النوم
ولكن موعد الحقنة ..........
لن يضيرها أن تنتظر نصف ساعة أخرى فالراحة لها التأثير الأعظم على تحسن حالتها.
ولكن غادة استيقظت على صوت الحديث الهامس بينهما وفتحت عينيها ببطء ، ولم تكد تلمح نبيل الى جوار فراشها حتى انفرجت أساريرها عن ابتسامة تلقائية وهي تهتف في ضعف :
نبيل؟!
ثم بدا لها أن مخاطبته بأسمه مجردا لا يليق وخاصة في حضور الممرضة فأسرعت تقول :
عفوا دكتور نبيل
لم يبد أية ملاحظة بخصوص اعتذارها ، بل تناول معصمها ، وراح يعد نبضها في بساطة ، وهو يقول في لهجة من يؤدي عملا روتنيا:
أتشعرين بتحسن الآن؟
أجابته وقد خيب بروده أملها:
نعم
تناول الحقنة من الممرضة قائلا:
يمكنك الأنصراف .. سأحقنها أنا .
أنصرفت الممرضة على الأثر ، في حين راح هو يعد الحقنة قائلا:
ألاجو ألا تكوني من ذلك النوع من الفتيات الللاتي يرهبن الحقن.
أجابته بهدوء :
لن أخشى شيئا تقدمه لي بنفسك ، فأنا أمنحك كل ثقتي واطمئناني
حركت عباراتها مشاعره ، فعاد يتطلع اليها قليلا ، قبل أن يشمر عن ساعدها ويحقنها قائلا:
هل آلمتك ؟
أجابته مبتسمة :
مطلقا.
قال وهو يمسح أثر المحقن:
انك تستحقين الشكر ؛ لأنك مريضة مطيعة ملتزمة وصمت برهة قبل أن يقول:
لقد سمعت أنك مخطوبة .. لماذا لم يأت خطيبك لرؤيتك والأطمئنان عليك؟
أجابته في ضيق:
أنه في باريس ... يعد رسالة دكتوراه.
هز رأسه ، قائلا في جمود:
عظيم .. يبدو أنك ستقترنين بشخصية مرموقة.
تأملته لحظة ، قبل أن تقول في صوت يحمل رنة عتاب :
أنت أيضا أصبحت شخصية مرموقة ، ويبدو أنك قد حققت ما كنت تصبو اليه من طموح علمي ، وصرت علما يشار اليه بالبنان.
نعم لقد أثمرت سنوات الدراسة والعذاب في لندن ، وأصبحت اليوم رئيس قسم جراحات القلب في مستشفى هيثرو ، ولكن ذلك لم ينسني وطني وأبناءه ، فلبيت النداء فور استدعائي للأشراف على علاج بعض الحالات المستعصية.
تطلعت الى أصابعه قائلة:
توقعت أن تعود بزوجة انجليزية
قال في صوت يحمل نبرة خاصة:
انسانة واحدة فقط في العالم أجمع ملكت قلبي وعقلي بعد الطب والجراحة
أخرجتها عبارته من تحفظها فقالت :
لا تحاول أقناعي بأنه ام تكن هناك أخرى في حياتك ، طيلة السنوات الماضية.
ابتسم وهو يستعيد الألفة بنهما ، وخرج من جموده قائلاك
لم يكن في حياتي سواك ...أقسم على ذلك
ارتفعت عيناها الى وجهه وشعرت وكأن يدا قوية قد تسللت الى أعماقها ،لتهز المشاعر الساكنة فيها ، والتي تصورت أنها قد وأدتها تماما ، ومن الغريب أن نفس الشيئ قد حدث مع نبيل ، ألا أنه استعاد سيطرته على نفسه في سرعة وشعر أنه قد تجاوز واجبه كطبيب وحقه كرجل تحاه فتاة مخطوبة لغيره ، فعاد ينفض عن نفسه مشاعره وعواطفه ويستعيد دوره كطبيب وهو يستطرد:
عموما .. ان حالتك تتحسن ولكنك ستظلين تحت الملاحظة عموما لبعض الأيام لنتأكد من أن الأزمة لن تعاودك ..أما أنا فمرتبط بالعودة الى لندن خلال اليومين القادمين وسيتابع الدكتور منير تطورات حالتك بعد سفري انه طبيب متفوق ، وأنا أثق فيه ، كما سيطلعني على تطورات حالتك هاتفيا بصورة يومية ، ولقد وعدني بذلك و..
قاطعته بحزن :
ستسافر وتتركني؟!
حاول أن يحتفظ بأبتسامته وهو يقول:
هناك حالات أخرى تنتظرني في لندن
شعرت بغصة في قلبها وهي تقول:
آه . . نعم بلا شك ..أنني أقدر لك ذلك
دلف والدها الحجرة في هذه اللحظة ، وحاول أن يملأ صوته بالمرح وهو يقول:
صباح الخير يا دكتور .. صباح الخير يا غادة
أجابته بصوت يحمل شيئا من الحزن :
صباح الخير ياأبي
كيف حالك اليوم يا بنيتي؟
في خير حال يا أبي هكذا يقوا الدكتو نبيل
تطلع الأب الى نبيل بعينين ملؤهما الرجاء وهو يقول :
أحقا يا دكتور ؟
أجابه نبيل مطمئنا :
لقد مرت الأزمة بسلام ولكنها ستبقى تحت الملاحظة هنا بعض الوقت
وزع الأب نظراته القلقة بين نبيل وابنته التي ترنو اليه بعينين حزينتين وأدرك بغريزتهأن هذا الحزن الكامن يعود الى عاطفتها القديمة فقال وقد أقلقه أن تتحرك تلك العاطفة من جديد في ظل ظروف ابنته المرضية وما يمكن أن يعكسه عليها ذلط من اضطرابات ومتاعب نفسيةقد لاتحتملها فقال مترددا:
ألا يمكننى أن أنقلها الى مستشفى الدكتور صادق الخاص ؟ ..أنه صديق لنا وأعتقد أنها ستلقى عناية أفضل هناك
عارض نبيل قائلا:
أن أدنى مجهود تبذله الآن سيكون له تأثير سيئ علىحالتها الصحية وعلى الرغم من ثقتي بكفاءة الدكتور صادق الا أنني أعتقد أنها لن تلقى هناك عناية أفضل مما يمكن توفيرها لها هنا .. اطمئن يا عماه .. ابنتك في أيد أمينة وسأتركما الآن ، على ألا ترهقها بالحديث طويلا
وانصرف بعد أن أغلق باب الحجرة خلفه ، واتجه الى حجرته منهوك القوى بعد يوم عمل شاق وتممد فوق احدى الأرائك وراح يتطلع الى السقف ويطلق العنان لذكرياته التي امتدت أمامه كشريط طويل عاد به الى تلك السنوات التي عرف بها غادة وهي بعد طفلة صغيرة
تذكر كيف نشأت قصة الحب بينهما وكيف انتهت بفشل عاطفي كان بمثابة نقطة تحول في حياته ووداع أخير لكل عواطفه ومشاعره..
وعندما حملته الطائرة الى لندن كان يترك خلفه كل ما يمكن أن يؤثر على حياته القادمة من عواطف وأبدل ذلك كله بحبه وأخلاصه لمهنته وجعل المنهاج العلمي هو المسطر الوحيد على نظرته لكل الأمور ومقياسه الأوحد لمجابهة الحياةوالتعامل معها
حتى الدين لم يعد له مكان واضح في نفسه
لقد صار واحد من أشهر جراحي القلب في العالم وعلى الرغم من ذلك فقد صار بلا قلب
وعندما عاد بعد ذلك الى موطنه وقادته الملابسات والمصادفة تاى لقاء حبه القديم قرر منذ أول لحظة أن يعاملها كمريضة من مرضاه من الناحيتين العلمية والأنسانية ألا أن تلك المشاعر التي راحت تتسلل اليه بين حين وآخر والتي راح يحاربها بعنف كانت تملؤه شعورا بالخوف والقلق بعد أن صار الحب في نظره نوعا من الضعف يتعارض مع النجاح والتفوق
كانت هذه نظريته الخاصة التي عزت نجاحه الى كونه رجلا بلا قلب والى ايمانه بأنه وعلى الرغم من كون الطب مهنة انسانية من الضروري أن يثق في انقاذه الحياة أمر يتوقف على براعته كطبيب وخبرته في مواجهة الأمر واستخدامه كل الأمكانات العلمية والتقنية لديه وليس على تعاطفه مع المريض أو انسانيته معه وبهذا المنهج نجح في أن يقاوم مشاعره نحو غادة حتىالآن وأن أقلقته تلك المشاعر التي تتسلل اليه من حين الى آخر والتىتتجاوز ما ينبغي أن يشعر به نحوها كطبيب
وهز رأسه في قوة محاولا منع نفسه من الأسترسال في عواطفه نحوها ومنع شريط الذكريات من الأسترسال في ذهنه فحتى لو قرر استعادة عاطفته الجديدة ولو تخلى عن قلبه الجامد ولو اهتزت مفاهيمه الجديدة فلن يتغير من الأمر شيئا لأن قصة خبهما قد انتهت لأن غادة مخطوبة لشخص آخر الآن
ثم كيف يفكر في الأرتباط بها وهو يراها كطبيب تواجه نوعا من الموت البطئ بقلب مريض متهالك كيف يبيح لنفسه استعادة ذكرياتهما معا في الوقت الذي ينبغي أن يكثف فيه كل جهودهللتعامل معها كمريضة والبحث عن أسلوب وعلاج فعال لأزمتها ؟
ونهض من الأريكة يتطلع الى وجهه في المرآة متعجبا
هاهي ذي كل الأمور تتداخل مرة أخرى
هاهو ذا المحب يمتزج مع الطبيب ويتعاطف مع المريضة ويرفض الاستسلام للمنطق العلمي باحثا عن معجزة ينقذ بها مريضته..
نعم .. هذا ماكانت تحتاج اليه غادة بقلبها المريض المتهالك ...
كانت تحتاج الى معجزة
.
.
خضعت غادة لعدة فحوصات الطبية هذا الصباح ، والتفت عدد من الأطباء والممرضات حول فراشها لعمل كشف دقيق على قلبها ومخها ... ولم تكد فحوصهم تنتهي حتى ابتسم الدكتور منير لها ابتسامة مشجعةوهو يقول:
ها هي الفحوصات المزعجة تنتهي هل سببنا لك الضيق؟
أجابته بأبتسامة باهته :
لا لقد بذلتم الكثير من أجلي ، ويجب أن أشكركم على ذلك.
قال بهدوء :
لقد تحسنت وظائف القلب كثيرا ويمكننا الأستغناء عن الجلكوز تماما وأبداله بوجبات خفيفة وأظن ذلك سيسر الدكتور نبيل كثيرا.
ودخل الدكتور نبيل هذه اللحظة ، وهو يقول في مرح:
ترى أي وشاية تلقيها في أذن مريضتي؟
اتسعت ابتسامة منير وهو يقول :
كنت أخبرها بأنك ستسر بنتائج فحوص اليوم.
وناوله كل الفحوصات وهو يشير الى زملائه بالأنصراف قائلا:
سأتركك لتقدم لها التهنئة بنفسك.
راجع نبيل النتائج في اهتمام في حين راحت غادة تختلس النظر اليه وقد اتاح لها انشغاله فرصة تأمل قسماته التي غابت عنها طويلا دون أن تخشى ذلك الشعور بالحرج الذي ينتابها كلما التقت نظراتهما انه لم يتغير كثيرا وان بدا وجهه أكبر من عمره الحقيقي وهو يحمل علامات اجهاد كثيرة لم تنقص من رجولته وتلك النظرة العميقة في عينيه
كم أحبت هذا الوجه وهاتين العينين
الآن فقط أدركت أن ملامحه لم تفارق خيالها طيلة السنوات الست الماضية وأن حاولت أقناع نفسهل بالعكس
وأغمضت عينيها وهي تحاول منع نفسها من الأستغراق في التفكير فيه والأستسلام لجاذبيته المحببة وقد راح ضميرها يؤنبها في شدة ويعاتبها على منحها تلك الشاعر انبيل وهي مخطوبة لأخر..
لقد شعرت أن التفكير ، مجرد التفكير خطأ يحمل طابع الخيانة..
نفضت عنها تلك الأفكار عندما سمعت نبيل يقول:
هذه النتائج تنبئ بالخير ، وسيكنك نغادرة المستشفى قريبا
سألته في لهفة:
ألن تعاودني الأزمة مرة أخرى؟
أطرق بوجه عاجزا عن توضيح الحقيقة لها ، ثم لم يلبث أن قال لها :
اسمعي يا غادة ..سأكون صريحا معك .. أنك تعانين من نقص شديد في ضخ الدم الى الجسم ، فهناك صمام تالف في القلب ، وآخر لايعمل بكفاءة تامة ، وهذا يعني أنه مع اتباع نظام علاجي مناسب وغذائي خاص والبعد عن الأنفعالات النفسية ، سيمكننا مستقبلا تفادي حدوث الجلطات القلبية وهو ما كان يهدد حياتك في الآونة الأخيرة ، ولكننا لن نتخلص من خطرها تماما مادام القلب لا يعمل بكفائته العادية
تنهدت في يأس .. قائلة:
أذن ما زلت أسيرة ذلك المرض اللعين
ثم سألته بغته في اهتمام :
أ لا يجدي أجراء جراحة للتخلص من ذلك؟
احتمالات النجاح في مثل هذه العمليات لا تتجاوز الخمسة في المائة خاصة مع وجود صمام تالف في القلب
سأقبل المخاطرة لو وافقت أنت على أجراء العملية بنفسك
انتفض كما لو أنه أصيب بصاعقة كهربائية ، وهتف ،
أنا مستحيل!
لماذا ؟ انني أثق في براعتك ، ولن أطمئن على نفسي مع سواك
لا يا غادة لايمكنني هذا
لماذا ..لأنني غادة ..أما زلت تحمل بعض العاطفة نحوي؟
لاذ بالصمت تماما وتركها تستطرد في سعادة:
حتى لو كان هذا حقيقيا حاول أن تتناسى تلك العاطفة وأن تتعامل معي كمريضة تفضل الموت على السجن المؤبد خلف أسوار المرض اللعين الذي يعذبها ويهدد حياتها في كل لحظة ، وربما تنجح حينذاك.
قاطعها في حزم:
لا لن أسمح بأجراء تلك العملية الجراحية ولا صلة لهذه بالنواحي العاطفية بل هو لأمر عملي وعلمي بحت ففرص النجاح هنا لا تقارن بضخامة نسبة الفشل واحتمالاته في حين يمكننا السيطرة عاى الحالة طبيا كما يحدث مع الكثيرين
قالت في حدة :
أي آخرين ؟! أنني لن أحيا حياة طبيعية أبد هكذا سيصبح حتى مجرد صعود السلم أو هبوطه مخاطرة غير مأمونة العواقب .. سأضحك بحساب ، وأحزن بحساب ، وأعيش عمري كله مهددة بأزمة قاتلة قد تنتابني في المنزل أو الطريق كما حدث ثم انني من البشر لا يمكنني أن أستبعد انفعالاتي الى الأبد .. ربما تكون العملية خطيرة كما تقول ، وقد أ موت بسببها ، ولكن البديل هو أن أموت فعليا في كل لحظة
خشي عليها من الأنفعال فقال مهدئا :
حسنا .. حسنا .. اهدئي وامنحيني بعض الوقت للتفكير
هدأت نبرتها قليلا وأن استمرت تقول في حزم وتصميم :
أريد مواجهة صريحة مع المرض يا نبيل .. أريد منك أن تجري تلك الجراحة قبل أن تسافر فأذا رفضت فسأطلب من الدكتور صادق أو الدكتور منير أن يجريها بعد أن أتعهد بتحمل النتائج والمخاطر وأن كنت أصارحك بأنني لن أثق في الأمر تماما ما لم تجري
أنت العملية
حسنا .. سأعطيك ردي في المساء غادر الحجرة متجها الى أستراحة الأطباء وهو شارد الذهن تماما بسبب ذلك الأختيار العسير الذي وضعته فيه غادة وشعر لأول مرة باخوف الحقيقي وبعدم ثقته في اجراء العملية لغادة على الرغم من أنه أجرى عمليات مماثلة في النجاح .. بل أنها سبب شهرته الا أن نجاحه فيها يعود الى أعصابه الباردة ولا مبالاته بما سيأتي به القدر أما بالنسبة لها فهو يرتجف لمجرد الفكرة ويدرك تماما أنه سيعجز عن السيطرة على أعصابه معها
ولن يحتما الفشل
ان غادة جزء غالي في حياته .. انها حبه الوحيد الذي لن يعرف سواه وأذا فشلت العماية ولقيت مصرعها على يديه فستكون نهايته كجراح ولن يغفر لنفسه أبدا
وفي أعماقه راح يهتف في اصرار :
لا لن أسمح لها بأجراء مثل هذه العملية لها .. لن أقامر على حياتها أبدا .. أبدا
.
.
دلفت الممرضة سناء الى حجرة غادة وهي تحمل على وجهها ابتسامة خبيثة ولوحت لها بخطاب وردي قائلة:
جاءك خطاب معطر من باريس
اختطفت غادة الخطاب من يدها بلهفة وهي تقول:
لاريب أنه من عادل
عادت الممرضة تخطف الخطاب قائلة :
ليس بمثل هذه السهولة ... أريد مكافأتي أولا.
مدت غادة يدها اليها بشوق وهي تقول :
سأمنحك المكافأة التي تريدنها .. ولكن أعطيني الخطاب.
ناولتها سناء الخطاب ، وهي تبتسم قائلة :
تكفيني تلك السعادة المطلة على وجهك ومن عينيك ، سأتركك تقرئين الخطاب وحدك على أن تخبريني بما به من حب وهيام فيما بعد
وغادرت الحجرة تاركة الخطاب بين يديغادة تقلبه بينهما دون أن تفضه ..
كانت تسأل نفسها :
لماذا لم يحضر بنفسه للاطمئنان عليها؟
وجدت نفسها تجيب :
يا لها من حمقاء ! لاينبغي أن يعود بالطبع ، فلا ريب أنه مشغول بدراسته ولن يقطعها ويهرع اليها على أول طائرة ويكفي أنه أجاب على برقية والدها بهذه السرعة..
ولكن هل يتمسك بها فعلا بعد أن علم بحقيقة مرضها وظروفه ؟ أم خضع لأرادة والده كالمعتاد ؟
ترددت في فض المكتوب وهي تستعيد تلك العبارة التي سمعته في الشرفة التي يجيب بها والده مؤكدا أنه يحبها ولن يتخلى عنها أبدا
وخشيت أن تفض الخطاب..
خشيت أن يصدمها ما جاء فيه..
صحيح أن تخلى عنها عادل لن يفعل بها أكثر مما فعله فراقها عن نبيل ولكنها في هذه المرة تفقد ثقتها بنفسها تماما وستعتبر هذا الرفض بمثابة حكم بأنها لم تعد فتاة طبيعية لها الحق أن تحب وان تتزوج وأن مرض قلبها لن يصبح عذابها الوحيد ...
وبأصابع مرتعشة فضت الخطاب وراحت تقرؤه وجسدها يرتعد انفعالا...
(( عزيزتي غادة..
آلمتني بشدة تلك البرقية التي وصلتني من الكويت تبلغني بتطور حالتك ونقلك الى المستشفى وكم وددت أن أحضر لزيارتك لولا ظروفي الدراسية في باريس وأرجو _ عندما تصلك رسالتي_ أن تكون أزمتك قد مرت بسلام كما أرجو أن أطمئن دوما على صحتك ..
غادة .. لست أدري كيف ألدأ الحديث معك هذه المرة ولكننل أثق في حسن تقديرك وفي أنني لم أدع يوما أنني عاطفي أو مثالي بل كنت أصارحك دوما بأنني شخص عملي تماما وربما كان أحد أسباب أختياري لك هو ما كنت تمثلينه لي من عاطفة أفتقدها في نفسي و أذكرها عن أمي الراحلة وربما هذا سر أعجاب والدي بك وتقديره لك ولقد عشت عمري كله أثق في تقديراته وأحترم آراءه ألا أن هذا لم يكن كل الأسباب فقد أحببتك وأصبحت بالمسبة الي جزءا من أحلام المستقبل وربما لو كنتت قد علمت بحالتك المرضية منذ البداية لهيأت نفسي لتقبلها ولتغلب الحب على ما عداه من عقبات الا أن معرفتي بالأمر جاء ت كالصدمة ولم أكن مهيئا لها حتى لقد شعرت بالمهانة لأنني لم أعرفها منك قبل أن يخبرني بها الدكتور صادق
ربما بدا لك حكمي قاسيا غير عادل الا أن شعوري في تلك الليلة قد خلط الأمور في رأسي فالمستقبل الذي رسمته أنا ووالدي لي لم يكن فيه مكان لزوجة مريضة مما اضطرني لفسخ الخطبة والغاء كل ارتباطاتنا
مرة أخرى أرجوك أ لاتتسرعي في الحكم علي أو وصفي بالقسوة و النذالة .. فعلى الأقل أنا لم أخف عنك شيئا عن نفسي وكنت صريحا معك منذ البداية في حين أخفى والدك وأنت عنا أهم أمورك..
وفي النهاية .. أرجو ألا تنقطع بيننا كل الصلات وألا يكون فسخ الخطوبة سببا لفسخ صداقتنا وأن يصلني دوما ما يطمئنني عليك ومع أطيب تمنياتي بالشفاء ))
(( عادل))
اذن فقد حدث ما كانت تخشاه
لقد لفظها عادل ..
لفظها كعادته ببضع عبارات منمقة تؤدي في النهاية الى نتيجة واحدة واضحة ومحدودة بأنها ام تعد سوى مريضة بائسة لاحق لها في الحب أو في حياة زوجية طبيعية ..
وأغمضت عينيها في ألم ثم عادت تحدق أمامها بلا هدف وقد راحت كرامتها الجريحة تنزف الدموع من عينيها على الرغم من محاولتها ألا تبكي وأن تستوعب الموقف في قوة ..
ولكن مشاعرها أعلنت العصيان في قوة وجبروت حتى بدا هلا أن تخمد تلك الأنفاس التي تتردد في صدرها لتنهي أمرها كله وشعرت بوحدة قاسية مطلقة وبعداء لكل البشر حتى نفسها
وفي تلك اللحظة دلف والدها الى حجرتها وهو يقول في بشر وتفاؤل:
لقد أخبرني الدكتور منير الآن أنه يمكنك العودة الى المنزلو..
تحجرت كلماته في حلقه عندما رأى شحوبها والدموع المتحجرة في عينيها وهتف في لوعة وجزع:
غادة !! ماذا حدث
بدت له صامته كثمتال من حجر وعيو نها تنزف الدمع بغزارة وهي تحق في سقف الحجرة بلا هدف ويدها تطبق على الخطاب فتناوله من يدها دون مقاومة منها وقد بدا وكأنها لم تشعر بوجوده وراح يقرؤه ويدرك معاناة ابنته الحقيقية
لقد خشي ذلك منذ البداية منذ سمع كلمات جمال خاصة وه يعام طريقة تفكيره وقوة سيطرته على ابنه مهما كانت عواطفه نحو غادة
وحاول أن يجد كلمات ما يخفف من وقع الصدمة على ابنته وهو يردد في نفسه:
رحماك يارب بابنتي البائسة !! ألايكفي مرضها اللعين الذي يحاصر حياتها ويهددها بالمت؟
فجأة أغمضت ابنته عينيها واكتسى وجهها بزرقة شديدة ومخيفة وراحت أنفاسها تتلاحق في سرعة شديدة وانطلقت من صدرها زفرة مرعبة جعلت صرخته تدوي في أرجاء المستشفى
|